الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَصَح، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن سعد وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَالْحَاكِم من حَدِيث عبد الله بن الزبير، قَالَ: قدمت قتيلة على ابْنَتهَا أَسمَاء بنت أبي بكر فِي الْمَدِينَة وَكَانَ أَبُو بكر طَلقهَا فِي الْجَاهِلِيَّة بِهَدَايَا زبيب وَسمن وقرظ، فَأَبت أَسمَاء أَن تقبل هديتها أَو تدْخلهَا بَيتهَا، فَأرْسلت إِلَى عَائِشَة: سَلِي رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: لتدخلها
…
الحَدِيث، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي: بَاب قبُول الْهَدِيَّة من الْمُشْركين، وَاخْتلفُوا فِي اسْمهَا، فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: إِنَّهَا قتيلة، بِضَم الْقَاف وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: وَقَالَ الزبير بن بكار أسمها قتلة، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقَالَ الدَّاودِيّ: اسْمهَا أم بكر، وَقَالَ ابْن التِّين: لَعَلَّه كنيتها، وَالصَّحِيح: قتيلة، بِضَم الْقَاف على صِيغَة التصغير، بنت عبد الْعُزَّى بن أسعد بن جَابر بن نصر بن مَالك بن حسل، بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ: ابْن عَامر بن لؤَي، وَذكرهَا المستغفري فِي جملَة الصَّحَابَة. وَقَالَ تَأَخّر إسْلَامهَا،. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ: لَيْسَ فِي شَيْء من الحَدِيث ذكر إسْلَامهَا. قَوْله: (وَهِي مُشركَة) جملَة حَالية. قَوْله: (فِي عهد رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم ، أَي: فِي زَمَنه وأيامه، وَفِي رِوَايَة حَاتِم: فِي عهد قُرَيْش، إِذْ عاقدوا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَأَرَادَ بذلك مَا بَين الْحُدَيْبِيَة وَالْفَتْح. قَوْله: (وَهِي راغبة)، قَالَ بَعضهم: أَي: فِي الْإِسْلَام، وَقَالَ بَعضهم: أَي: فِي الصِّلَة. وَفِيه نظر لِأَنَّهَا جَاءَت أَسمَاء وَمَعَهَا هَدَايَا من زبيب وَسمن وَغير ذَلِك. قلت: وَفِي النّظر نظر لِأَنَّهَا رُبمَا كَانَت تَأمل أَن تَأْخُذ أَكثر مِمَّا أَهْدَت. وَقَالَ بَعضهم: راغبة، أَي: عَن ديني، أَي كارهة لَهُ، وَعند أبي دَاوُد راغمة، بِالْمِيم أَي كارهة لِلْإِسْلَامِ وساخطة عَليّ، وَقَالَ بَعضهم: هاربة من الْإِسْلَام، وَعند مُسلم أَو راهبة، وَكَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يُفَسر قَوْله: مراغماً بِالْخرُوجِ عَن الْعَدو على رغم أَنفه، وَقَالَ ابْن قرقول: راغبة، روينَاهُ نصبا على الْحَال، وَيجوز رَفعه على أَنه خبر مُبْتَدأ. وَقَالَ ابْن بطال: لَو أَرَادَت بِهِ الْمُضِيّ لقالت مراغمة، وَهُوَ بِالْبَاء أظهر وَوَقع فِي كتاب ابْن التِّين: دَاعِيَة، ثمَّ فَسرهَا بقوله: طالبة، ويروي مُعْتَرضَة لَهُ.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: جَوَاز صلَة الرَّحِم الْكَافِرَة كالرحم الْمسلمَة. وَفِيه: مستدل لمن رأى وجوب، النَّفَقَة للْأَب الْكَافِر، وَالأُم الْكَافِرَة على الْوَلَد الْمُسلم. وَفِيه: موادعة أهل الْحَرْب ومعاملتهم فِي زمن الْهُدْنَة. وَفِيه: السّفر فِي زِيَارَة الْقَرِيب. وَفِيه: فَضِيلَة أَسمَاء حَيْثُ تحرت فِي أَمر دينهَا، وَكَيف لَا وَهِي بنت الصّديق وَزوج الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
03 -
(بابٌ لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ أنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وصَدَقَتِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يحل إِلَى آخِره، فَإِن قلت: لَيْسَ لفظ: لَا يحل، وَلَا لفظ يدل عَلَيْهِ فِي أَحَادِيث الْبَاب، وَكَيف يترجم بِهَذِهِ التَّرْجَمَة؟ قلت: قيل: إِنَّه ترْجم بِهَذِهِ التَّرْجَمَة لقُوَّة الدَّلِيل عِنْده فِيهَا، وَلَكِن يُعَكر عَلَيْهِ بشيئين. الأول: أَنه يرى للوالد الرُّجُوع فِيمَا وهبه لوَلَده، فَكيف يَقُول هُنَا: لَا يحل لأحد أَن يرجع فِي هِبته، والكرة فِي سِيَاق النَّفْي تَقْتَضِي الْعُمُوم، وانتهض بَعضهم مساعدة لَهُ، فَقَالَ: يُمكن أَن يرى صِحَة الرُّجُوع لَهُ، وَإِن كَانَ حَرَامًا بِغَيْر عذر. قلت: سُبْحَانَ الله مَا أبعد هَذَا عَن مَنْهَج الصَّوَاب، لِأَنَّهُ: كَيفَ يرى صِحَة شيى مَعَ كَونه فِي نفس الْأَمر حَرَامًا؟ وَبَين كَون الشَّيْء صَحِيحا، وَبَين كَونه حَرَامًا، مُنَافَاة؟ فَالصَّحِيح لَا يُقَال لَهُ حرَام، وَلَا الْحَرَام يُقَال لَهُ صَحِيح. وَالثَّانِي: أَنه قيل فِي تَرْجَمته بِهَذِهِ التَّرْجَمَة لقُوَّة الدَّلِيل عِنْده، فَإِن كَانَت هَذِه الْقُوَّة لدليله بِحَدِيث ابْن عَبَّاس، فَذا لَا يدل على عدم الْحل لأَنا قد ذكرنَا فِي أَوَائِل: بَاب هبة الرجل لأمرأته أَن جعله صلى الله عليه وسلم الْعَائِد فِي هِبته كالعائد فِي قيئه، من بَاب التَّشْبِيه من حَيْثُ إِنَّه ظَاهر الْقبْح مُرُوءَة لَا شرعا، فَلَا يثبت بذلك عدم الْحل فِي الرُّجُوع حَتَّى يُقَال: لَا يحل لأحد أَن يرجع فِي هِبته، وَأَيْضًا كَيفَ تثبت الْقُوَّة لدليله مَعَ وُرُود قَوْله صلى الله عليه وسلم: الرجل أَحَق بهبته مَا لم يثب مِنْهَا، رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) وَابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه، وروى (عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: من وهب هبة فَهُوَ أَحَق بهبته، مَا لم يثب مِنْهَا) . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، فَإِن قَالَ المساعد لَهُ: هَذَانِ الحديثان لَا يقاومان حَدِيثه الَّذِي رَوَاهُ فِي هَذَا الْبَاب. قلت: وَلَئِن سلمنَا ذَلِك، فَمَا يَقُول فِي حَدِيث ابْن عمر، أخرجه الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) عَنهُ أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم قَالَ: من وهب هبة فَهُوَ أَحَق بهَا مَا لم يثب مِنْهَا، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فِي سنَنه، فَإِن قَالَ: مساهلة الْحَاكِم فِي التَّصْحِيح مَشْهُورَة، يُقَال: لَهُ حَدِيث ابْن عمر صَحِيح مَرْفُوعا، وَرُوَاته ثِقَات، كَذَا قَالَ عبد الْحق فِي الْأَحْكَام، وَصَححهُ ابْن حزم أَيْضا، فَفِيهِ الْكِفَايَة لمن يَهْتَدِي إِلَى مدارك الْأَشْيَاء ومسالك الدَّلَائِل.
1262 -
حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا هِشامٌ وشُعْبَةُ قَالَا حدَّثنا قَتادةُ عنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيِّبِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم العائِدُ فِي هِبَتِهِ كالعائِدِ فِي قَيْئِهِ.
لَيْسَ فِيهِ لفظ يدل على لفظ التَّرْجَمَة وَلَا يتم بِهِ استدلاله على نفي حل الرُّجُوع عَن هِبته، وَهِشَام هُوَ الدستوَائي، والْحَدِيث مر عَن قريب، وَقَالَ ابْن بطال: جعل رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم الرُّجُوع فِي الْهِبَة كالرجوع فِي الْقَيْء وَهُوَ حرَام، فَكَذَا الرُّجُوع فِي الْهِبَة. قُلْنَا: الرَّاجِع فِي الْقَيْء هُوَ الْكَلْب لَا الرجل، وَالْكَلب غير متعبد بتحليل وَتَحْرِيم، فَلَا يثبت منع الْوَاهِب من الرُّجُوع فَهُوَ يدل على تَنْزِيه أَمنه من أَمْثَال الْكَلْب لَا أَنه أبطل أَن يكون لَهُم الرُّجُوع فِي هباتهم. فَإِن قلت: رُوِيَ: لَا يحل لواهب أَن يرجع فِي هِبته؟ قلت: قَالَ الطَّحَاوِيّ: قَوْله: لَا يحل، لَا يسْتَلْزم التَّحْرِيم، وَهُوَ كَقَوْلِه: لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَا تحل لَهُ من حَيْثُ تحل لغيره من دون الْحَاجة، وَأَرَادَ بذلك التَّغْلِيظ فِي الْكَرَاهَة. قَالَ: وَقَوله: كالعائد فِي قيئه، وَإِن اقْتضى التَّحْرِيم لكَون الْقَيْء حَرَامًا، لَكِن الزِّيَادَة فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: وَهِي قَوْله: كَالْكَلْبِ، يدل على عدم التَّحْرِيم، لِأَن الْكَلْب غير متعبد فالقيء لَيْسَ حَرَامًا عَلَيْهِ، وَالْمرَاد التَّنْزِيه عَن فعل يشبه فعل الْكَلْب. وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بقوله: مَا تَأَوَّلَه مستبعد وينافي سِيَاق الْأَحَادِيث، وَأَن عرف الشَّرْع فِي مثل هَذِه الْأَشْيَاء يُرِيد بِهِ الْمُبَالغَة فِي الزّجر، كَقَوْلِه: من لعب بالنرد شير فَكَأَنَّمَا غمس يَده فِي لحم خِنْزِير. انْتهى. قلت: لَا يستبعد إلَاّ مَا قَالَه هَذَا الْمُعْتَرض حَيْثُ لم يبين وَجه الاستبعاد، وَلَا بَين وَجه منافرة سِيَاق الْأَحَادِيث، وَنحن مَا ننفي الْمُبَالغَة فِيهِ، بل نقُول: الْمُبَالغَة فِي التَّغْلِيظ فِي الْكَرَاهَة وقبح هَذَا الْفِعْل وكل ذَلِك لَا يَقْتَضِي منع الرُّجُوع فَافْهَم.
2262 -
حدَّثنا عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ الْمُبَارَكِ قَالَ حدَّثنا عبدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لَنا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعودُ فِي هِبَتِهِ كالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه عَن عبد الله بن الْمُبَارك العيشي، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة يَعْنِي: أَبَا بكر، وَلَيْسَ هَذَا بأخي عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي، والرواة كلهم بصريون إلَاّ عِكْرِمَة وَابْن عَبَّاس فَإِنَّهُمَا سكنا فِيهَا مُدَّة، وَفِي بعض النّسخ: وحَدثني عبد الرَّحْمَن بِصِيغَة الْإِفْرَاد. وَاو الْعَطف. قَوْله: (لَيْسَ لنا مثل السوء) يَعْنِي: لَا يَنْبَغِي لنا يُرِيد بِهِ نَفسه وَالْمُؤمنِينَ أَن نتصف بِصفة ذميمة تشابهنا فِيهَا أخس الْحَيَوَانَات فِي أخس أحوالها، وَقد يُطلق الْمثل على الصّفة الغريبة العجيبة الشَّأْن، سَوَاء كَانَ فِي صفة مدح أَو ذمّ، قَالَ الله تَعَالَى:{وَالَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة مثل السوء وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى} (النَّحْل: 06) . قَالُوا: هَذَا الْمثل ظَاهر فِي تَحْرِيم الرُّجُوع فِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة بعد إقباضها. قُلْنَا: هَذَا الْمثل يدل على التَّنْزِيه وَكَرَاهَة الرُّجُوع، لَا على التَّحْرِيم، ويستدل بِحَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِين أَرَادَ شِرَاء فرس حمل عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله، فَسَأَلَ عَن ذَلِك رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: لَا تبتغه، وَإِن أعطاكه بدرهم
…
الحَدِيث يَأْتِي الْآن، فَلَمَّا لم يكن من هَذَا القَوْل مُوجبا حرمه ابتياع مَا تصدق بِهِ، فَكَذَلِك هَذَا الحَدِيث لم يكن مُوجبا حُرْمَة الرُّجُوع فِي الْهِبَة.
3262 -
حدَّثنا يَحْيَى بٌّ خَ قَزَعَةَ قَالَ حدَّثنا مالِكٌ عنْ زيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ أبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ ابنَ الخطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقولُ حَمَلْتُ عَلَى فرَسٍ فِي سَبِيلِ الله فأضاعَهُ الَّذِي كانَ عِنْدَهُ فأرَدْتُ أنْ أشْتَرِيَهُ مِنْهُ وظَنَنْتُ أنَّهُ بائِعُهُ بِرُخْصٍ فَسألْتُ عنْ ذَلِكَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَا تَشْتَرِهِ وإنْ أعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ واحِدٍ فإنَّ العَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كالْكَلْبِ يَعودُ فِي قَيْئِهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تتَعَيَّن أَن يُقَال فِي قَوْله: (فَإِن الْعَائِد فِي صدقته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه) ، وَالَّذِي يفهم من صَنِيع البُخَارِيّ أَنه