الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسْمِ الله الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ
15 -
(كتابُ الهِبَةِ وفَضْلِها والتَّحْرِيضِ عَلَيْها)
1 -
(بابُ الْهِبَة وفضلها والتحريض عَلَيْهَا)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْهِبَة وَبَيَان فَضلهَا وَبَيَان التحريض عَلَيْهَا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَابْن شبويه: والتحريض فِيهَا، واستعماله: بعلى، أَكثر. والتحريض على الشَّيْء: الْحَث والإغراء عَلَيْهِ، والبسملة مُقَدّمَة على قَوْله: كتاب الْهِبَة، عِنْد الْكل إلَاّ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، فَإِنَّهَا مَذْكُورَة بعده، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : أصل الْهِبَة من هبوب الرّيح أَي: مروره. قلت: هَذَا غلط صَرِيح بل الْهِبَة مصدر من: وهب يهب، وَأَصلهَا: وهب، لِأَنَّهُ معتل الْفَاء كالعدة أَصْلهَا: وعد، فَلَمَّا حذفت الْوَاو تبعا لفعله عوضت عَنْهَا الْهَاء، فَقيل: هبة وعدة، وَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَة: إِيصَال الشَّيْء للْغَيْر بِمَا يَنْفَعهُ، سَوَاء كَانَ مَالا أَو غير مَال: يُقَال: وهبت لَهُ مَالا، ووهب الله فلَانا ولدا صَالحا، وَيُقَال: وهبه مَالا أَيْضا، وَلَا يُقَال: وهب مِنْهُ، وَيُسمى الْمَوْهُوب: هبة وموهبة، وَالْجمع: هبات ومواهب، واتهبه مِنْهُ: إِذا قبله، واستوهبه إِيَّاه: إِذا طلب الْهِبَة وَفِي الشَّرْع: الْهِبَة تمْلِيك المَال بِلَا عوض، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْهِبَة تمْلِيك بِلَا عوض، وتحتها أَنْوَاع: كالإبراء: وَهِي هبة الدّين مِمَّن عَلَيْهِ، وَالصَّدَََقَة: وَهِي الْهِبَة لثواب الْآخِرَة، والهدية: وَهِي مَا ينْقل إِلَى الْمَوْهُوب مِنْهُ إِكْرَاما لَهُ. وَأخذ بَعضهم كَلَام الْكرْمَانِي هَذَا، وَذكر التَّقْسِيم الْمَذْكُور بعد أَن قَالَ: الْهِبَة تطلق بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ على أَنْوَاع، ثمَّ قَالَ: وَتطلق الْهِبَة بِالْمَعْنَى الْأَخَص على مَا لَا يقْصد لَهُ بدل، وَعَلِيهِ ينطبق قَول من عرف الْهِبَة بِأَنَّهَا: تمْلِيك بِلَا عوض. انْتهى. قلت: تَقْسِيم الْهِبَة إِلَى الْأَنْوَاع الْمَذْكُورَة لَيْسَ بِالنّظرِ إِلَى مَعْنَاهَا الشَّرْعِيّ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ، لِأَن الْأَنْوَاع الْمَذْكُورَة إِنَّمَا تنطبق على الْمَعْنى اللّغَوِيّ لَا الشَّرْعِيّ، فَافْهَم.
1 -
(حَدثنَا عَاصِم بن عَليّ قَالَ حَدثنَا ابْن أبي ذِئْب عَن المَقْبُري عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ يَا نسَاء المسلمات لَا تحقرن جَارة لجارتها وَلَو فرسن شَاة) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ تحريضا على الْخَيْر إِلَى أحد وَلَو كَانَ بِشَيْء حقير وَهُوَ دَاخل فِي معنى الْهِبَة من حَيْثُ اللُّغَة. (ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة على رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين خَمْسَة الأول عَاصِم بن عَليّ بن عَاصِم بن صُهَيْب أَبُو الْحُسَيْن مولى قريبَة بنت مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَاتَ سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ الثَّانِي مُحَمَّد بن أبي ذِئْب هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب واسْمه هِشَام الثَّالِث سعيد المَقْبُري الرَّابِع أَبوهُ كيسَان الْخَامِس أَبُو هُرَيْرَة وكيسان سقط فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَالصَّوَاب إثْبَاته وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ عَن ابْن أبي ذِئْب يحيى الْقطَّان وَأَبُو معشر عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة من غير ذكر أَبِيه وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من طَرِيق أبي معشر عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة لم يقل عَن أَبِيه وَزَاد فِي أَوله " تهادوا فَإِن الْهَدِيَّة تذْهب وحر الصَّدْر " وَقَالَ غَرِيب وَأَبُو معشر يضعف وَقَالَ الطرقي أَنه أَخطَأ فِيهِ حَيْثُ لم يقل عَن أَبِيه (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه من أهل وَاسِط وَأَنه من أَفْرَاده وَبَقِيَّة الروَاة مدنيون وَفِيه أَن أحدهم مَذْكُور بنسبته إِلَى أحد أجداده كَمَا ذكرنَا وَالْآخر مَذْكُور بنسبته إِلَى مَقْبرَة الْمَدِينَة لأجل سكناهُ فِيهَا والْحَدِيث أخرجه مُسلم قَالَ حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ أخبرنَا اللَّيْث بن سعيد وَحدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا لَيْث عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - كَانَ يَقُول " يَا نسَاء المسلمات لَا تحقرن جَارة لجارتها وَلَو فرسن شَاة "(ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " يَا نسَاء المسلمات " ذكر عِيَاض فِي إعرابه ثَلَاثَة أوجه. أَصَحهَا وأشهرها نصب النِّسَاء وجر المسلمات على الْإِضَافَة قَالَ الْبَاجِيّ وَبِهَذَا روينَاهُ عَن جَمِيع شُيُوخنَا بالمشرق وَهُوَ من بَاب إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه والموصوف إِلَى صفته والأعم إِلَى الْأَخَص كمسجد الْجَامِع وجانب الغربي وَهُوَ عِنْد الْكُوفِيّين جَائِز على ظَاهره وَعند الْبَصرِيين
يقدرُونَ فِيهِ محذوفا أَي مَسْجِد الْمَكَان الْجَامِع وجانب الْمَكَان الغربي وَيقدر هُنَا يَا نسَاء الْأَنْفس المسلمات أَو الْجَمَاعَات الْمُؤْمِنَات وَقيل تَقْدِيره يَا فاضلات المسلمات كَمَا يُقَال هَؤُلَاءِ رجال الْقَوْم أَي ساداتهم وأفاضلهم. الْوَجْه الثَّانِي رفع النِّسَاء وَرفع المسلمات على معنى النداء وَالصّفة أَي يَا أيتها النِّسَاء المسلمات قَالَ الْبَاجِيّ كَذَا يرويهِ أهل بلدنا. الْوَجْه الثَّالِث رفع النِّسَاء وَكسر التَّاء من المسلمات على أَنه مَنْصُوب على الصّفة على الْموضع كَمَا يُقَال يَا زيد الْعَاقِل بِرَفْع زيد وَنصب الْعَاقِل قَوْله " جَارة " الجارة مؤنث الْجَار وَيُقَال للزَّوْجَة جَار لِأَنَّهَا تجاور زَوجهَا فِي مَحل وَاحِد وَقيل الْعَرَب تكني عَن الضرة بالجارة تطيرا من الضَّرَر وَمِنْه كَانَ ابْن عَبَّاس ينَام بَين جَارِيَته قَوْله " لجارتها " ظَاهره الْمَرْأَة الَّتِي تجاور الْمَرْأَة الَّتِي تسمى جَارة مؤنث الْجَار وَقَالَ الْكرْمَانِي لجارتها مُتَعَلق بِمَحْذُوف أَي لَا تحقرن جَارة هَدِيَّة مهداة لجارتها بَالغ فِيهِ حَتَّى ذكر أَحْقَر الْأَشْيَاء من أبْغض البغيضين إِذا حمل لفظ الجارة على الضرة وجارتها بالضمير فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر لَا تحقرن جَارة لجارة بِلَا ضمير قَوْله " وَلَو فرسن شَاة " يَعْنِي وَلَو أَنَّهَا تهدي فرسن شَاة وَالْمرَاد مِنْهُ الْمُبَالغَة فِي إهداء الشَّيْء الْيَسِير لَا حَقِيقَة الفرسن لِأَنَّهُ لم تجر الْعَادة فِي المهاداة بِهِ وَالْمَقْصُود أَنَّهَا تهدي بِحَسب الْمَوْجُود عِنْدهَا وَلَا يستحقر لقلته لِأَن الْجُود بِحَسب الْمَوْجُود والوجود خير من الْعَدَم هَذَا ظَاهر الْكَلَام وَيحْتَمل أَن يكون النَّهْي وَاقعا للمهدى إِلَيْهَا وَأَنَّهَا لَا تحتقر مَا يهدى إِلَيْهَا وَلَو كَانَ حَقِيرًا والفرسن بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَكسر السِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره نون قَالَ ابْن دُرَيْد هُوَ ظَاهر الْخُف وَالْجمع فراسن وَفِي الْمُحكم هِيَ طرف خف الْبَعِير انْتهى حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ فِي الثلاثي وَلَا يُقَال فِي جمعه فرسنات كَمَا قَالُوا خناصر وَلم يَقُولُوا خنصرات وَفِي الْمُخَصّص هُوَ عِنْد سِيبَوَيْهٍ فعلن وَلم يحك فِي الْأَسْمَاء غَيره وَقَالَ أَبُو عبيد السلَامِي عِظَام الْفرس كلهَا وَفِي الْجَامِع هُوَ من الْبَعِير بِمَنْزِلَة الظفر من الْإِنْسَان وَفِي المغيث هُوَ عظم قَلِيل اللَّحْم وَهُوَ للشاة وَالْبَعِير بِمَنْزِلَة الْحَافِر للدابة وَقيل هُوَ خف الْبَعِير وَفِي الصِّحَاح رُبمَا استعير للشاة وَقَالَ ابْن السراج النُّون زَائِدَة وَقَالَ الْأَصْمَعِي الفرسن مَا دون الرسغ من يَد الْبَعِير وَهِي مُؤَنّثَة. وَفِي الحَدِيث الحض على التهادي وَلَو باليسير لما فِيهِ من استجلاب الْمَوَدَّة وإذهاب الشحناء وَلما فِيهِ من التعاون على أَمر الْمَعيشَة والهدية إِذا كَانَت يسيرَة فَهِيَ أدل على الْمَوَدَّة وَأسْقط للمؤنة وأسهل على الْمهْدي لإطراح التَّكْلِيف وَالْكثير قد لَا يَتَيَسَّر كل وَقت والمواصلة باليسير تكون كالكثير
2 -
(حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي قَالَ حَدثنَا ابْن أبي حَازِم عَن أَبِيه عَن يزِيد بن رُومَان عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَت لعروة ابْن أُخْتِي إِن كُنَّا لنَنْظُر إِلَى الْهلَال ثمَّ الْهلَال ثمَّ الْهلَال ثَلَاثَة أهلة فِي شَهْرَيْن وَمَا أوقدت فِي أَبْيَات رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - نَار فَقلت يَا خَالَة مَا كَانَ يعيشكم قَالَت الأسودان التَّمْر وَالْمَاء إِلَّا أَنه قد كَانَ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - جيران من الْأَنْصَار كَانَت لَهُم منائح وَكَانُوا يمنحون رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - من ألبانهم فيسقينا) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله وَكَانُوا يمنحون رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - من ألبانهم وَذَلِكَ لأَنهم كَانُوا يهْدُونَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - من ألبان منايحهم. وَفِي الْهَدِيَّة معنى الْهِبَة على مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ. (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى بن عَمْرو بن أويس بِضَم الْهمزَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة ونسبته إِلَيْهِ. الثَّانِي عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم واسْمه سَلمَة بن دِينَار. الثَّالِث أَبوهُ سَلمَة بن دِينَار. الرَّابِع يزِيد من الزِّيَادَة ابْن رُومَان بِضَم الرَّاء أَبُو روح مولى آل الزبير بن الْعَوام. الْخَامِس عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام. السَّادِس عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه مَنْسُوب إِلَى أحد أجداده. وَفِيه أَن رُوَاته كلهم مدنيون. وَفِيه رِوَايَة الرَّاوِي عَن خَالَته. وَفِيه ثَلَاثَة