الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: (مُعْتَمِرًا) حَال. قَوْله: (فحال كفار قُرَيْش)، أَي: منعُوا بَينه وَبَين الْبَيْت. قَوْله: (وَقَاضَاهُمْ)، أَي: صَالحهمْ، وَهَذِه الْمُصَالحَة ترتبت عَلَيْهَا الْمصلحَة الْعَظِيمَة، وَهِي مَا ظهر من ثمراتها: فتح مَكَّة، وَدخُول النَّاس فِي الدّين أَفْوَاجًا، وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا قبل الصُّلْح لم يَكُونُوا يختلطون بِالْمُسْلِمين وَلَا يعْرفُونَ طَريقَة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم مفصلة، فَلَمَّا حصل الصُّلْح واختلطوا بهم وَعرفُوا أَحْوَاله من المعجزات الباهرة وَحسن السِّيرَة وَجَمِيل الطَّرِيقَة، تألفت نُفُوسهم إِلَى الْإِسْلَام فأسلموا قبل الْفَتْح كثيرا، وَيَوْم الْفَتْح كلهم، وَكَانَت الْعَرَب فِي الْبَوَادِي ينتظرون إِسْلَام أهل مَكَّة، فَلَمَّا أَسْلمُوا أسلم الْعَرَب كلهم، وَالْحَمْد لله.
2072 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا بِشْرٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيى عنْ بُشَيْرِ بنِ يَسارٍ عنُ سهْلِ بنِ أبِي حَثْمَةَ قَالَ انْطَلَقَ عبْدُ الله بنُ سَهْل ومُحيِّصةُ بنُ مسْعُودِ بنِ زَيْدٍ إِلَى خَيْبَرَ وهْيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَهِي يَوْمئِذٍ صلح) يَعْنِي: مصالحة أَهلهَا الْيَهُود مَعَ الْمُسلمين، وَبشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن الْمفضل، وَقد مر فِي الْعلم، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَبشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة مصغر بشر: ابْن يسَار ضد الْيَمين الْمدنِي مولى الْأَنْصَار، وَسَهل بن أبي حثْمَة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَاسم أبي حثْمَة: عَامر ابْن سَاعِدَة أَبُو يحيى الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ الْمدنِي الصَّحَابِيّ، وَعبد الله بن سهل الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ، الَّذِي قَتله الْيَهُود بِخَيْبَر ابْن أخي محيصة، بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف مَكْسُورَة وتخفيفها وبالصاد الْمُهْملَة: ابْن مَسْعُود بن كَعْب بن عَامر بن عدي الْحَارِثِيّ، وَوَقع هُنَا عِنْد البُخَارِيّ: مَسْعُود بن زيد، وَعند جَمِيع أَصْحَاب الْكتب كَابْن عبد الْبر وَابْن الْأَثِير وَغَيرهمَا لم يذكرُوا إلَاّ مَسْعُود بن كَعْب.
وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِزْيَة عَن مُسَدّد أَيْضا، وَفِي الْأَدَب عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي الدِّيات عَن أبي نعيم وَفِي الْأَحْكَام عَن عبد الله بن يُوسُف وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس، كِلَاهُمَا عَن مَالك. وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن عبد الله بن عمر القواريري عَن حَمَّاد وَعَن القواريري عَن بشر بن الْمفضل بِهِ، وَعَن عَمْرو بن النَّاقِد وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن قُتَيْبَة عَن لَيْث وَعَن يحيى بن يحيى وَعَن القعْنبِي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن إِسْحَاق بن مَنْصُور. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الدِّيات عَن القواريري وَمُحَمّد بن عبيد وَعَن الْحسن بن عَليّ وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وَعَن الْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْقَضَاء وَفِي الْقسَامَة عَن قُتَيْبَة وَعَن أبي الطَّاهِر وَعَن أَحْمد بن عَبدة وَعَن مُحَمَّد بن مَنْصُور وَعَن مُحَمَّد بن بشار وَعَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَعَن عَمْرو بن عَليّ وَعَن أَحْمد بن سُلَيْمَان وَعَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدِّيات عَن يحيى بن حَكِيم.
قَوْله: (وَهِي يَوْمئِذٍ صلح)، ويروى: وهم يَوْمئِذٍ صلح، أَي: أهل خَيْبَر يَوْمئِذٍ فِي صلح مَعَ الْمُسلمين.
8 -
(بابُ الصُّلْحِ فِي الدِّيَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَحْكَام الصُّلْح فِي الدِّيَة بِأَن وَجب قصاص وَوَقع على مَال معِين، وَالدية أَصْلهَا: ودية، لِأَنَّهُ من: ودى يَدي، يُقَال: وديت الْقَتِيل أديه دِيَة: إِذا أَعْطَيْت دِيَته، واتديت إِذا أخذت دِيَته، وَالْهَاء فِيهِ عوض عَن الْوَاو المحذوفة.
3072 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله الأنْصَارِيُّ قَالَ حدَّثني حُمَيْدٌ أنَّ أنَساً حدَّثَهُمْ أنَّ الرُّبَيِّعَ وهْيَ ابنَةُ الَّنضْرِ كَسَرَتْ ثَنيَّةَ جارِيَةٍ فطَلَبُوا الأرْشَ وطلَبُوا العَفْوَ فأبَوْا فأتَوْا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فأمرَهُمْ بالقِصاصِ فَقَالَ أنسُ بنُ النَّضْرِ أتُكْسَرَ ثَنيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رسولَ الله لَا والَّذِي بعَثَكَ بالحَقِّ لَا تكْسَرُ ثَنيَّتُهَا فَقَالَ يَا أنسُ كِتابُ الله القِصاصُ فَرضيَ القَوْم وعَفوْا فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّ منْ عِبَادِ الله منْ لَوْ أقْسَمَ على الله لأبَرَّهُ زادَ الفَزَارِيُّ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنسٍ ثُمَّ رَضيَ القَوْمُ وقَبِلُوا الأرْشَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ رَضِي الْقَوْم وقبلوا الْأَرْش) لِأَن قبُول الْأَرْش عوض الْقصاص لم يكن إلَاّ بِالصُّلْحِ، فَإِن قلت: قَوْله:
(فرضيب الْقَوْم وعفوا) يدل على أَن لَا صلح فِيهِ، فَمن أَيْن الْمُطَابقَة؟ قلت: رِوَايَة الْفَزارِيّ تدل على أَن معنى: عفوا، يَعْنِي: عَن الْقصاص، وَفِيه الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ فَافْهَم. والْحَدِيث من ثلاثيات البُخَارِيّ، وَهِي الْعَاشِرَة مِنْهَا.
وَمُحَمّد بن عبد الله بن الْمثنى بن عبد الله بن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ، ولي قَضَاء الْبَصْرَة ثمَّ قصاء بَغْدَاد أَيَّام الرشيد، وَولد سنة ثَمَانِي عشرَة وَمِائَة، وَمَات سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَحميد هُوَ الطَّوِيل، وَقد تكَرر ذكره.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير وَفِي الدِّيات عَن الْأنْصَارِيّ تَارَة مطولا وَتارَة مُخْتَصرا، وَفِي (صَحِيح مُسلم) من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس: أَن أُخْت الرّبيع أم حَارِثَة جرحت إنْسَانا، وَفِيه: فَقَالَت أم الرّبيع: وَالله لَا تكسر ثنيتها، وَكَذَا هُوَ فِي (سنَن النَّسَائِيّ) فرجح جمَاعَة من الْعلمَاء رِوَايَة البُخَارِيّ، وَقرر النَّوَوِيّ فجعلهما قضيتين، فَينْظر، لِأَن الأول رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن أبي شيبَة فِي آخَرين.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن الرُّبَيْعَ)، بِضَم الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْمَكْسُورَة وَفِي آخِره عين مُهْملَة: بنت النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: ابْن ضَمْضَم بن زيد بن حرَام بن حبيب بن عَامر بن غنم بن عدي بن النجار الْأَنْصَارِيَّة، وَهِي عمَّة أنس بن مَالك، خَادِم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(ثنية جَارِيَة) ، الثَّنية مقدم الْأَسْنَان، وَالْجَارِيَة الْمَرْأَة الشَّابَّة لَا الْأمة هُنَا، ليتصور الْقصاص بَينهمَا. قَوْله:(فطلبوا الْأَرْش)، أَي: فَطلب قوم الربيّع من قوم الْجَارِيَة أَخذ الْأَرْش. قَوْله: (وطلبوا الْعَفو)، يَعْنِي: قَالُوا: خُذُوا الْأَرْش أَو اعْفُوا عَن هَذِه، فَأَبَوا، يَعْنِي: قوم الْجَارِيَة امْتَنعُوا فَلَا رَضوا بِأخذ الْأَرْش وَلَا بِالْعَفو، فَعِنْدَ ذَلِك أَتَوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم وتخاصموا بَين يَدَيْهِ، فَأَمرهمْ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم بِالْقصاصِ. قَوْله: فَقَالَ أنس بن النَّضر، وَهُوَ عَم أنس بن مَالك، قتل يَوْم أحد شَهِيدا وَوجد بِهِ بضعَة وَثَمَانُونَ من ضَرْبَة بِسيف وطعنة بِرُمْح ورمية بِسَهْم، وَفِيه نزلت:{رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمنهمْ من قضى نحبه} (الْأَحْزَاب: 32) . قَوْله: (أتُكسر؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام، وتكسر على صِيغَة الْمَجْهُول، وَلم يُنكر أنس حكم الشَّرْع، وَالظَّاهِر أَن ذَلِك كَانَ مِنْهُ قبل أَن يعرف أَن (كتاب الله الْقصاص) وَظن التَّخْيِير لَهُم بَين الْقصاص وَالدية، أَو كَانَ مُرَاده الاستشفاع من رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، أَو قَالَ ذَلِك توقعاً ورجاء من فضل الله تَعَالَى أَن يُرْضِي خصمها ويلقي فِي قلبه أَن يعْفُو عَنْهَا. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: كلمة: لَا، فِي قَوْله:(لَا وَالله)، لَيْسَ ردا للْحكم بل نفي لوُقُوعه. وَلَفظ:(لَا تُكسر) إِخْبَار عَن عدم الْوُقُوع، وَذَلِكَ بِمَا كَانَ لَهُ عِنْد الله من الثِّقَة بِفضل الله ولطفه فِي حَقه أَنه لَا يخيبه، بل يلهمهم الْعَفو، وَلذَلِك قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(إِن من عباد الله من لَو أقسم على الله لأبرّه)، حَيْثُ يُعلمهُ من جملَة عباد الله المخلصين. قَوْله:(كتاب الله الْقصاص)، أَي: حكم كتاب الله الْقصاص على حذف مُضَاف، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى:{والجروح قصاص} (الْمَائِدَة: 54) . أَو إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالسّن بِالسِّنِّ} (الْمَائِدَة: 54) . أَو إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (النَّحْل: 621) . أَو الْكتاب بِمَعْنى الْفَرْض والإيجاب. قَوْله: (لَأَبَره) أَي: صدقه، يُقَال بر الله قسمه وأبره. قَوْله:(زَاد الْفَزارِيّ) ، بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الزَّاي وَالرَّاء، وَهُوَ مَرْوَان بن مُعَاوِيَة بن الْحَارِث الْكُوفِي سكن مَكَّة. شرفها الله، والفزاري ينْسب إِلَى فَزَارَة بن ذبيان بن بغيص بن ريث بن غطفان، وَتَعْلِيق الْفَزارِيّ أسْندهُ البُخَارِيّ فِي تَفْسِير سُورَة الْمَائِدَة، فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة الْفَزارِيّ، فَذكره، وَالله أعلم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: وجوب الْقصاص فِي السن، قَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ مجمع عَلَيْهِ إِذا قلعهَا كلهَا، وَفِي كسر بَعْضهَا، وَفِي كسر الْعِظَام خلاف مَشْهُور بَين الْعلمَاء، وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه: لَا قصاص قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَذهب مَالك إِلَى أَن الْقصاص فِي ذَلِك كُله إِذا أمكنت الْمُمَاثلَة، وَمَا لم يكن مخوفا كعظم الْفَخْذ والصلب أخذا بقوله تَعَالَى:{فَمن اعْتدي عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم} (الْبَقَرَة: 491) . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسّن بِالسِّنِّ} (الْبَقَرَة: 491) . وَذهب الْكُوفِيُّونَ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَنه: لَا قَوَدَ فِي كسر الْعِظَام مَا خلا السن لعدم الثِّقَة بالمماثلة، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قيل لِأَحْمَد: كَيفَ يقْتَصّ من السن؟ قَالَ يبرد. وَذكر ابْن رشد فِي (الْقَوَاعِد) أَن ابْن عَبَّاس روى عَنهُ (أَن لَا قصاص فِي عظم) ، وَكَذَا عَن ابْن عمر، قَالَ: وَرُوِيَ عَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(لم يقد من الْعظم الْمَقْطُوع فِي غير الْمفصل) إِلَّا أَنه لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَفِيه: جَوَاز الْحلف فِيمَا يَظُنّهُ الْإِنْسَان. وَفِيه: جَوَاز الثَّنَاء على من لَا يخَاف عَلَيْهِ الْفِتْنَة بذلك. وَفِيه: دلَالَة على كرامات الْأَوْلِيَاء. وَفِيه: اسْتِحْبَاب الْعَفو عَن الْقصاص والشفاعة فِيهِ. وَفِيه: إِثْبَات الْقصاص بَين النِّسَاء وَفِي الْأَسْنَان. وَفِيه: فَضِيلَة أنس. وَفِيه: أَن الْخيرَة فِي الْقصاص وَالدية إِلَى مُسْتَحقّه لَا إِلَى الْمُسْتَحق عَلَيْهِ.