الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن الْآيَة فِي الحجرات ونزولها مُتَأَخّر جدا.
على أَن الْمُفَسّرين اخْتلفُوا فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة، فَقَالَ قَتَادَة: نزلت فِي رجلَيْنِ من الْأَنْصَار كَانَت بَينهمَا مداراة فِي حق بَينهمَا، فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر: لآخذنَّ حَقي مِنْك عنْوَة، لِكَثْرَة عشيرته، وَأَن الآخر دَعَاهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأبى أَن يتبعهُ، فَلم يزل الْأَمر بَينهمَا حَتَّى تدافعا، وَحَتَّى تنَاول بَعضهم بَعْضًا بِالْأَيْدِي وَالنعال، وَلم يكن قتال بِالسُّيُوفِ، وَقَالَ الْكَلْبِيّ: إِنَّهَا نزلت فِي حَرْب سمير وحاطب، وَكَانَ سمير قتل حَاطِبًا، فَجعل الْأَوْس والخزرج يقتتلون إِلَى أَن أَتَاهُم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة، وَأمر نبيه وَالْمُؤمنِينَ أَن يصلحوا بَينهم. وَقَالَ السّديّ: كَانَت امْرَأَة من الْأَنْصَار يُقَال لَهَا: أم زيد تَحت رجل، وَكَانَ بَينهَا وَبَين زَوجهَا شَيْء، قَالَ: فرقى بهَا إِلَى علية وحبسها فِيهَا، فَبلغ ذَلِك قَومهَا، فجاؤا وَجَاء قومه فَاقْتَتلُوا بِالْأَيْدِي وَالنعال، فَأنْزل الله تَعَالَى:{وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} (الحجرات: 9) [/ ح.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: بَيَان مَا كَانَ للنَّبِي، صلى الله عليه وسلم، عَلَيْهِ من الصفح والحلم وَالصَّبْر على الْأَذَى وَالدُّعَاء إِلَى الله تَعَالَى، وتأليف الْقُلُوب على ذَلِك. وَفِيه: أَن ركُوب الْحمار لَا نقص فِيهِ على الْكِبَار، وَكَانَ ركُوبه صلى الله عليه وسلم على سَبِيل التشريع، ركب مرّة فرسا لأبي طَلْحَة فِي فزع كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَركب يَوْم حنين بغلته ليثبت الْمُسلمُونَ إِذا رَأَوْهُ عَلَيْهَا، ووقف بِعَرَفَة على رَاحِلَته، وَسَار مِنْهَا إِلَى مُزْدَلِفَة وَهُوَ عَلَيْهَا وَمن مُزْدَلِفَة إِلَى منى وَإِلَى مَكَّة. وَفِيه: مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة من تَعْظِيم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَالْأَدب مَعَه والمحبة الشَّدِيدَة. وَفِيه: جَوَاز الْمُبَالغَة فِي الْمَدْح، لِأَن الصَّحَابِيّ أطلق على أَن ريح الْحمار أطيب من ريح عبد الله بن أبي، وَلم يُنكر عَلَيْهِ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فِي ذَلِك. وَفِيه: إِبَاحَة مشي التلامذة وَالشَّيْخ رَاكب.
2 -
(بابٌ لَيْسَ الكاذِبُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لَيْسَ الْكَاذِب الَّذِي يصلح بَين النَّاس، لِأَن فِيهِ دفع الْمفْسدَة، وقمع الشرور وَمَعْنَاهُ: أَن هَذَا الْكَذِب لَا يعد كذبا بِسَبَب الْإِصْلَاح، مَعَ أَنه ل يخرج من حَقِيقَته. فَإِن قلت: الَّذِي فِي الحَدِيث: لَيْسَ الْكذَّاب) ، فَلفظ التَّرْجَمَة لَا يطابقه قلت: فِي لفظ مُسلم من رِوَايَة معمر عَن ابْن شهَاب كَلَفْظِ التَّرْجَمَة، فَلَا يضر هَذَا الْقدر من الِاخْتِلَاف، وَقَالَ بَعضهم: وَكَانَ حق السِّيَاق أَن يَقُول: لَيْسَ من يصلح بن النَّاس كَاذِبًا، لكنه ورد على طَرِيق الْقلب، وَهُوَ سَائِغ، انْتهى. قلت: الَّذِي ذكره هُوَ حق السِّيَاق، لِأَن الحَدِيث هَكَذَا، فراعى الْمُطَابقَة، غير أَن الِاخْتِلَاف فِي لفظ الْكذَّاب والكاذب، وَكِلَاهُمَا لفظ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فِي حَدِيث وَاحِد، فَلَا يعد اخْتِلَافا، وَدَعوى الْقلب لَا دَلِيل عَلَيْهِ، مَعَ أَن معنى قَوْله فِي الحَدِيث:{لَيْسَ الْكذَّاب) ، أَنه من بَاب ذِي كَذَا، أَي: لَيْسَ بِذِي كذب، كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} (فصلت: 64) . أَي: وَمَا رَبك بِذِي ظلم، لِأَن نفي الظلامية لَا يسْتَلْزم نفي كَونه ظَالِما، فَلذَلِك يقدر كَذَا، لِأَن الله تَعَالَى لَا يظلم مِثْقَال ذرة، يَعْنِي لَيْسَ عِنْده ظلم أصلا.
2962 -
حدَّثنا عبْدُ العزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ صالِحٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ أنَّ حُمَيْدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ أخبرَهُ أنَّ أُمَّهُ أُمَّ كَلْثُومٍ بنْتَ عُقْبَةَ أخْبَرَتْهُ أنَّها سَمِعَتْ رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم يقُولُ لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرَاً أوْ يَقولُ خَيْراً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى بن عَمْرو بن أويس الأويسي، وَفِي بعض النّسخ لفظ الأويسي مَذْكُور، وَهُوَ نسبته إِلَى أحد أجداده. الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن سعد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. الثَّالِث: صَالح بن كيسَان. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: حميد، بِضَم الْحَاء: ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بن عبد عَوْف. السَّادِس: أمه، أم كُلْثُوم، بنت عقبَة، بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف: ابْن أبي معيط، كَانَت تَحت زيد بن حَارِثَة، ثمَّ تزَوجهَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَولدت لَهُ إِبْرَاهِيم وحميداً، ثمَّ تزَوجهَا الزبير بن الْعَوام، ثمَّ تزَوجهَا عَمْرو بن الْعَاصِ، وَهِي أُخْت الْوَلِيد بن
عقبَة وَأُخْت عُثْمَان بن عَفَّان لأمه، أسلمت وَهَاجَرت وبايعت وَكَانَت هجرتهَا سنة سبع.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده. وَفِيه: أَن كلهم مدنيون. وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق وهم: صَالح وَابْن شهَاب وَحميد. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأُم. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن عَمْرو بن النَّاقِد وَعَن حَرْمَلَة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن نصر بن عَليّ، وَعَن مُسَدّد وَعَن أَحْمد بن مُحَمَّد وَعَن الرّبيع بن سُلَيْمَان. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن أَحْمد بن منيع، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن عبيد الله بن سعيد وَفِي عشرَة النِّسَاء عَن مُحَمَّد بن زنبور وَعَن كثير بن عبيد وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (الَّذِي يصلح بَين النَّاس) فِي مَحل النصب لِأَنَّهُ خبر: لَيْسَ، وَيصْلح، بِضَم الْيَاء من الْإِصْلَاح. قَوْله:(فينمي)، من: نمى الحَدِيث إِذا رَفعه وبلغه على وَجه الْإِصْلَاح، وأنماه إِذا بلغه على وَجه الْإِفْسَاد، وَكَذَلِكَ: نماه، بِالتَّشْدِيدِ. وَقَالَ ابْن فَارس: نميت الحَدِيث إِذا أشعته. ونميت بِالتَّخْفِيفِ: أسندته، وَقَالَ الزّجاج فِي (فعلت وأفعلت) نميت الشَّيْء وأنميته بِمَعْنى، وَفِي (فصيح ثَعْلَب) : نمى ينمي أَي: زَاد، وَكثر وَحكى اللحياني: يَنْمُو، بِالْوَاو قَالَ: وهما لُغَتَانِ فصيحتان، وَفِيه لُغَة أُخْرَى حَكَاهَا ابْن القطاع وَغَيره: نَمُوَ، على وزن: شرف، وَقَالَ الْكسَائي: لم أسمعهُ بِالْوَاو إِلَّا من أَخَوَيْنِ من بني سليم. قَالَ: ثمَّ سَأَلت عَنهُ بني سليم فَلم يعرفوه بِالْوَاو، وَفِي (الصِّحَاح) : رُبمَا قَالُوا بِالْوَاو، وينمو، وَفِي (الواعي) وَغَيره: ينمى أفْصح، وَذكر أَبُو حَاتِم فِي (تَقْوِيم الْمُفْسد) : لَا يُقَال: يَنْمُو. وَعَن الْأَصْمَعِي: الْعَامَّة يَقُولُونَ يَنْمُو، وَلَا أعرف ذَلِك يثبت، وَذكر الليلي: أَن بعض اللغويين فرق بَين ينمى وينمو، فَقَالَ: ينمى بِالْيَاءِ لِلْمَالِ، وبالواو لغير المَال، وَقَالَ الْحَرْبِيّ: وَأكْثر الْمُحدثين يَقُولُونَ: نمى خيرا، بتَخْفِيف الْمِيم، وَهَذَا لَا يجوز فِي النَّحْو، وَسَيِّدنَا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم أفْصح النَّاس، وَمن خفف الْمِيم يلْزمه أَن يَقُول: خير، بِالرَّفْع انْتهى. لقَائِل أَن يَقُول: يجوز أَن ينْتَصب خيرا: بينمى، كَمَا ينْتَصب: بقال، وَذكر ابْن قرقول عَن القعْنبِي: ينمي، بِضَم الْيَاء وَكسر الْمِيم، قَالَ: وَلَيْسَ بِشَيْء، وَوَقع فِي رِوَايَة: ينْهَى، ذَلِك، بِالْهَاءِ، وَهُوَ تَصْحِيف. وَقد يخرج على معنى أَن يبلغ بِهِ من: أنهيت الْأَمر إِلَى كَذَا، أَي: أوصلته إِلَيْهِ. أوصلته إِلَيْهِ. وَفِي (الْمُحكم) : أنميته: أذعته على وَجه النميمة. قَوْله: (أَو يَقُول خيرا) ، شكّ من الرَّاوِي، وَزَاد مُسلم فِي رِوَايَة يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن صَالح عَن الزُّهْرِيّ، قَالَت: وَلم أسمعهُ يرخص فِي شَيْء مِمَّا يَقُول النَّاس إلَاّ فِي ثَلَاث: يَعْنِي: الْحَرْب، والإصلاح بَين النَّاس، وَحَدِيث الرجل امْرَأَته وَحَدِيث الْمَرْأَة زَوجهَا، وَجعل يُونُس هَذِه الزِّيَادَة عَن الزُّهْرِيّ، فَقَالَ: لم أسمع يرخص فِي شَيْء مِمَّا يَقُول النَّاس: كذب إلَاّ فِي ثَلَاث، وَعند التِّرْمِذِيّ: لَا يحل الْكَذِب إلَاّ فِي ثَلَاث: يحدث الرجل امْرَأَته ليرضيها، وَالْكذب فِي الْحَرْب، وَالْكذب ليصلح بَين النَّاس، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب، فَقَالَت طَائِفَة: الْكَذِب المرخص فِيهِ فِي هَذِه هُوَ جَمِيع مَعَاني الْكَذِب، فَحَمله قوم على الْإِطْلَاق، وأجازوا قَول مَا لم يكن فِي ذَلِك لما فِيهِ من الْمصلحَة، فَإِن الْكَذِب المذموم إِنَّمَا هُوَ فِيمَا فِيهِ مضرَّة للْمُسلمين، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ عبد الْملك بن ميسرَة عَن النزال بن سُبْرَة، قَالَ: كُنَّا عِنْد عُثْمَان وَعِنْده حُذَيْفَة، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: بَلغنِي عَنْك أَنَّك قلت كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ حُذَيْفَة: وَالله مَا قلته، قَالَ: وَقد سمعناه قَالَ ذَلِك، فَلَمَّا خرج قُلْنَا لَهُ: أَلَيْسَ قد سمعناك تَقوله؟ قَالَ: بلَى، قُلْنَا: فَلِمَ حَلَفت؟ فَقَالَ: إِنِّي أستر ديني بعضه بِبَعْض مَخَافَة أَن يذهب كُله، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يجوز الْكَذِب فِي شَيْء من الْأَشْيَاء، وَلَا الْخَبَر عَن شَيْء بِخِلَاف مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَمَا جَاءَ فِي هَذَا إِنَّمَا هُوَ على التورية وَطَرِيق المعاريض، تَقول للظالم: فلَان يَدْعُو لَك، وتنوي قَوْله: أللهم اغْفِر لجَمِيع الْمُسلمين، ويعد زَوجته وبنته، وَيُرِيد فِي ذَلِك أَن قدر الله تَعَالَى أَو إِلَى مُدَّة، وَكَذَلِكَ الْإِصْلَاح بَين النَّاس، وَحَدِيث الْمَرْأَة زَوجهَا يحْتَمل أَنه مِمَّا يحدث أَحدهمَا الآخر من وده لَهُ واغتباطه بِهِ، وَالْكذب فِي الْحَرْب هُوَ أَن يظْهر من نَفسه قُوَّة ويتحدث بِمَا يشحذ بِهِ بَصِيرَة أَصْحَابه ويكيد بِهِ عدوه، وَقد قَالَ سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(الْحَرْب خدعة) وَقَالَ الْمُهلب: لَيْسَ لأحد أَن يعْتَقد إِبَاحَة الْكَذِب، وَقد نهى النَّبِي، صلى الله عليه وسلم عَن الْكَذِب نهيا مُطلقًا، وَأخْبر أَنه مُخَالف للْإيمَان، فَلَا يجوز اسْتِبَاحَة شَيْء مِنْهُ، وَإِنَّمَا أطلق النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، للمصلح بَين النَّاس أَن يَقُول مَا علم من الْخَيْر بَين الْفَرِيقَيْنِ ويسكت عَمَّا سمع من الشَّرّ بَينهم، ويعد أَن يسهل مَا صَعب وَيقرب مَا بعد، لَا أَنه يخبر بالشَّيْء على خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ، لِأَن الله قد حرم ذَلِك وَرَسُوله، وَكَذَلِكَ الرجل يعد الْمَرْأَة