الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على تِلْكَ الصُّورَة، وَقد كذبهمْ الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْكَرِيم بقوله:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صلبوه} (النِّسَاء: 751) . الْآيَة، وَكَانَ أَصله من خشب وَرُبمَا يَعْمَلُونَهُ من ذهب وَفِضة ونحاس وَنَحْوهَا.
6742 -
حدَّثنا علِيُّ بنُ عبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثنا الزُّهْرِيُّ قَالَ أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ الْمُسَيَّبِ قَالَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَنْزِلَ فيكُمْ ابنُ مرْيَمَ حَكَماً مُقْسِطاً فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ويَقْتُلَ الخِنْزِيرَ ويَضَعَ الجِزْيَةَ ويفيضَ الْمَالَ حتَّى لَا يَقْبَلَهُ أحَدٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه مر مرَارًا، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن أبي بكر بن أبي شيبَة. قَوْله:(السَّاعَة) أَي: يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: (ابْن مَرْيَم) ، هُوَ عِيسَى بن مَرْيَم، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله:(حكما) بِفتْحَتَيْنِ، بِمَعْنى: الْحَاكِم. قَوْله: (مقسطاً) أَي: عادلاً فِي حكمه، وَهُوَ من الإقساط بِكَسْر الْهمزَة، وَهُوَ الْعدْل. يُقَال: أقسط يقسط فَهُوَ مقسط إِذا عدل، وقسط يقسط فَهُوَ قاسط إِذا جَار وظلم، فَكَأَن الْهمزَة فِي: أقسط، للسلب كَمَا يُقَال: شكى إِلَيْهِ، فأشكاه أَي: أَزَال شكواه. قَوْله: (فيكسر الصَّلِيب) إِشْعَار بِأَن النَّصَارَى كَانُوا على الْبَاطِل فِي تَعْظِيمه. قَوْله: (وَيَضَع الْجِزْيَة)، أَي: يَتْرُكهَا فَلَا يقبلهَا بل، يَأْمُرهُم بِالْإِسْلَامِ. فَإِن قلت: هَذَا يُخَالف حكم الشَّرْع، فَإِن الْكِتَابِيّ إِذا بذل الْجِزْيَة وَجب قبُولهَا فَلَا يجوز بعد ذَلِك إكراهه على الْإِسْلَام وَلَا قَتله؟ قلت: هَذَا الحكم الَّذِي كَانَ بَيْننَا يَنْتَهِي بنزول عِيسَى، عليه الصلاة والسلام. فَإِن قلت: هَذَا يدل على أَن عِيسَى، عليه الصلاة والسلام، ينْسَخ الحكم الَّذِي كَانَ فِي شرعنا، وَالْحَال أَنه تَابع لشرع نَبينَا صلى الله عليه وسلم. قلت: لَيْسَ هُوَ بناسخ، بل نَبينَا صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي بَين بالنسخ. وَأَن عِيسَى، عليه الصلاة والسلام، يفعل ذَلِك بِأَمْر نَبينَا صلى الله عليه وسلم. وَأما ترك الْجِزْيَة فَإِنَّهَا كَانَت تُؤْخَذ فِي زَمَاننَا لحاجتنا إِلَى المَال. وَأما فِي زمن عِيسَى، عليه الصلاة والسلام، فيكثر المَال وتفتح الْكُنُوز حَتَّى لَا يلتقي أحد من يقبل مِنْهُ فَلذَلِك يتْرك الْجِزْيَة. قَوْله:(وَيفِيض)، بِالْفَاءِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة: من فاض المَاء والدمع وَغَيرهمَا يفِيض فيضاً: إِذا كثر، وَقيل: السَّبَب فِي فيضان المَال: نزُول البركات، وَظُهُور الْخيرَات، وَقلة الرغبات لقصر الآمال لعلمهم بِقرب يَوْم الْقِيَامَة.
23 -
(بابٌ هَلْ تُكْسَرُ الدِّنَانُ الَّتِي فِيها الْخَمْرُ أوْ تُخَرَّقُ الزِّقَاقُ فإنْ كَسَرَ صَنَماً أوْ صَلِيباً أوْ طُنْبُوراً أوْ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِخَشَبِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل تكسر الدنان الَّتِي فِيهَا الْخمر؟ والدنان، بِكَسْر الدَّال: جمع الدن، بِفَتْح الدَّال وَتَشْديد النُّون. قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ الخب. قلت: هَذَا تَفْسِير الشَّيْء بِمَا هُوَ أخْفى مِنْهُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: والخب الخابية فَارسي مُعرب. قلت: هُوَ فِي اللُّغَة الفارسية خم، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم، فعرب وَقيل: حب، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة. وَفِي دستور اللُّغَة فِي: بَاب الْحَاء المضمومة: الْحبّ خم ودستي. قَوْله: (الَّتِي فِيهَا الْخمر) ، جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا صفة الدنان، وَجَوَاب: هَل، مَحْذُوف وَإِنَّمَا لم يذكرهُ لِأَن فِيهِ خلافًا وتفصيلاً. بَيَانه: أَن قَوْله: هَل تكسر الدنان الَّتِي فِيهَا الْخمر؟ أَعم من أَن يكون لمُسلم أَو لذِمِّيّ أَو لحربي، فَإِن كَانَ الدن لمُسلم فَفِيهِ الْخلاف: فَعِنْدَ أبي يُوسُف وَأحمد فِي رِوَايَة: لَا يضمن، ويستدل لَهما فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا حميد بن مسْعدَة حَدثنَا الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان، قَالَ: سَمِعت ليثاً يحدث عَن يحيى بن عباد عَن أنس عَن أبي طَلْحَة أَنه قَالَ: يَا نَبِي الله {إِنِّي اشْتريت خمرًا لأيتام فِي حجري} قَالَ: (أهرق الْخمر وَكسر الدنان)، ثمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقَالَ الثَّوْريّ هَذَا الحَدِيث عَن السّديّ عَن يحيى بن عباد عَن أنس: أَن أَبَا طَلْحَة كَانَ عِنْده، وَهَذَا أصح من حَدِيث اللَّيْث، وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: يضمن، وَبِه قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة، لِأَن الإراقة بِدُونِ الْكسر مُمكنَة. وَأجِيب: عَن الحَدِيث: بِأَنَّهُ ضَعِيف، ضعفه ابْن الْعَرَبِيّ، وَقَالَ: لَا يَصح لَا من حَدِيث أبي طَلْحَة وَلَا من حَدِيث أنس أَيْضا، لِتَفَرُّد السّديّ بِهِ، وَفِيه اللَّيْث بن أبي سليم
وَفِيه مقَال، وَقَالَ شَيخنَا: مَا قَالَه ابْن الْعَرَبِيّ مَرْدُود، فالسدي هُوَ الْكَبِير واسْمه إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن وَثَّقَهُ يحيى بن سعيد الْقطَّان، وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن عدي، وَاحْتج بِهِ مُسلم. قلت: قَول التِّرْمِذِيّ هَذَا أصح من حَدِيث اللَّيْث، يدل على أَن حَدِيث اللَّيْث أَيْضا صَحِيح، وَلَكِن حَدِيث السّديّ أصح. وَالظَّاهِر أَنه لم يُصَرح بِصِحَّتِهِ لأجل اللَّيْث، وَاسم أبي طَلْحَة: زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ، وَقَالَ جُمْهُور الْعلمَاء، مِنْهُم الشَّافِعِي: إِن الْأَمر بِكَسْر الدنان مَحْمُول على النّدب. وَقيل: لِأَنَّهَا لَا تعود تصلح لغيره لغَلَبَة رَائِحَة الْخمر وطعمها، وَالظَّاهِر أَنه أَرَادَ بذلك الزّجر، قَالَ شَيخنَا، رَحمَه الله تَعَالَى: يحْتَمل أَنهم لَو سَأَلُوهُ أَن يبقوها ويغسلوها لرخص لَهُم. وَإِن كَانَ الدن لذِمِّيّ فعندنا يضمن بِلَا خلاف بَين أَصْحَابنَا، لِأَنَّهُ مَال مُتَقَوّم فِي حَقهم، وَعند الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يضمن لِأَنَّهُ غير مُتَقَوّم فِي حق الْمُسلم، فَكَذَا فِي حق الذِّمِّيّ. وَإِن كَانَ الدن لحربي فَلَا يضمن بِلَا خلاف إلَاّ إِذا كَانَ مستأمناً.
قَوْله: (أَو تخرق) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة على صِيغَة الْمَجْهُول، عطف على قَوْله:(هَل تكسر الدنان؟) . والزقاق، بِكَسْر الزَّاي: جمع زق جمع الْكَثْرَة، وَجمع الْقلَّة أزقاق، وَفِيه أَيْضا الْخلاف الْمَذْكُور فَإِن كَانَ شقّ زق الْخمر لمُسلم يضمن عِنْد مُحَمَّد وَأحمد فِي رِوَايَة، وَعند أبي يُوسُف لَا يضمن لِأَنَّهُ من جملَة الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ. وَقَالَ مَالك: زق الْخمر لَا يطهره المَاء لِأَن الْخمر غاص فِي دَاخله، وَقَالَ غَيره: يطهره، ويبنى على هَذَا الضَّمَان وَعَدَمه، وَالْفَتْوَى على قَول أبي يُوسُف خُصُوصا فِي هَذَا الزَّمَان، وَقد روى أَحْمد من حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: أَخذ النَّبِي صلى الله عليه وسلم شفرة وَخرج إِلَى السُّوق وَبهَا زقاق خمر جلبت من الشَّام، فشق بهَا مَا كَانَ من تِلْكَ الزقاق. قَوْله:(فَإِن كسر صنماً)، وَفِي بعض النّسخ: وَإِن كسر، بِالْوَاو، وَفِي بَعْضهَا: وَإِذا كسر، وعَلى تَقْدِير جَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف تَقْدِيره: هَل يجوز ذَلِك أم لَا؟ أَو هَل يضمن أم لَا؟ وَإِنَّمَا لم يُصَرح بِذكر الْجَواب لمَكَان الْخلاف فِيهِ أَيْضا. فَقَالَ أَصْحَابنَا: إِذا أتلف على نَصْرَانِيّ صليباً فَإِنَّهُ يضمن قِيمَته صليباً. يَعْنِي: حَال كَونه صليباً لَا حَال كَونه صَالحا لغيره، لِأَن النَّصْرَانِي مقرّ على ذَلِك، فَصَارَ كَالْخمرِ الَّتِي هم مقرون عَلَيْهَا. وَقَالَ أَحْمد: لَا يضمن، وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ بعد الْكسر يصلح لنفع مُبَاح لَا يضمن، وإلَاّ لزمَه مَا بَين قِيمَته قبل الْكسر وَقِيمَته بعده، لِأَنَّهُ أتلف مَا لَهُ قيمَة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الصَّنَم مَا يتَّخذ إِلَهًا من دون الله، وَقيل: مَا كَانَ لَهُ جسم أَو صُورَة، وَإِن لم يكن لَهُ جسم وَلَا صُورَة فَهُوَ وثن. وَقَالَ فِي بَاب الْوَاو: الوثن كل مَا لَهُ جثة معمولة من جَوَاهِر الأَرْض أَو من الْخشب وَالْحِجَارَة كصورة الْآدَمِيّ يعْمل وَينصب ويعبد، والصنم الصُّورَة بِلَا جثة، وَمِنْهُم من لم يفرق بَينهمَا، وَأطلقهُمَا على الْمَعْنيين، وَقد يُطلق الوثن على غير الصُّورَة. قَوْله:(أَو طنبور) ، بِضَم الطَّاء وَقد يفتح وَالضَّم أشهر، وَهُوَ آلَة مَشْهُورَة من آلَات الملاهي، وَهُوَ فَارسي مُعرب. قَوْله:(أَو مَا لَا ينْتَفع بخشبه) قَالَ الْكرْمَانِي: يَعْنِي: أَو كسر شَيْئا لَا يجوز الِانْتِفَاع بخشبه قبل الْكسر، كآلات الملاهي المتخذة من الْخشب، فَهُوَ تَعْمِيم بعد تَخْصِيص، وَيحْتَمل أَن يكون: أَو، بِمَعْنى: إِلَى أَن، يَعْنِي: فَإِن كسر طنبوراً إِلَى حد لَا ينْتَفع بخشبه وَلَا ينْتَفع بعد الْكسر، أَو عطف على مُقَدّر، وَهُوَ: كسراً ينْتَفع بخشبه أَي: كسر كسراً ينْتَفع بخشبه وَلَا ينْتَفع بعد الْكسر. انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: وَلَا يخفى تكلّف هَذَا الْأَخير وَبعد الَّذِي قبله. انْتهى.
قلت: الْكرْمَانِي جعل لكلمة: أَو، هُنَا ثَلَاث معَان. مِنْهَا: أَن يكون للْعَطْف على مَا قبله، فَيكون من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص. وَمِنْهَا: أَن يكون بِمَعْنى: إِلَى أَن، كَمَا فِي قَوْلك: لألزمنك أَو تقضيني حَقي، وينتصب الْمُضَارع بعْدهَا، وَهُوَ كثير فِي كَلَام الْعَرَب، وَلَا بعد فِيهِ. وَمِنْهَا: أَن يكون مَعْطُوفًا على شَيْء مُقَدّر، وَهَذَا أَيْضا بَاب وَاسع فَلَا تكلّف فِيهِ، وَإِنَّمَا يكون التَّكَلُّف فِي مَوضِع يُؤْتى بالْكلَام بِالْجَرِّ الثقيل.
وَالْكَلَام فِي هَذَا الْفَصْل أَيْضا على الْخلاف وَالتَّفْصِيل، فَقَالَ أَصْحَابنَا: من كسر لمُسلم طنبوراً أَو بربطاً أَو طبلاً أَو مِزْمَارًا أَو دفاً فَهُوَ ضَامِن، وَبيع هَذِه الْأَشْيَاء جَائِز عِنْد أبي حنيفَة، وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَأحمد: لَا يضمن وَلَا يجوز بيعهَا، وَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي عَنهُ بالتفصيل: إِن كَانَ بعد الْكسر يصلح لنفع مُبَاح يضمن، وإلَاّ فَلَا، وَعَن بعض أَصْحَابنَا: الِاخْتِلَاف فِي الدُّف والطبل الَّذِي يضْرب للهو، وَأما طبل الْغُزَاة والدف الَّذِي يُبَاح ضربه فِي الْعرس فَيضمن بالِاتِّفَاقِ. وَفِي (الذَّخِيرَة) للحنفية: قَالَ أَبُو اللَّيْث: ضرب الدُّف فِي الْعرس مُخْتَلف فِيهِ، فَقيل: يكره، وَقيل) لَا. وَأما الدُّف الَّذِي يضْرب فِي زَمَاننَا مَعَ الصنجات والجلاجلات فمكروه بِلَا خلاف.
وأُتِيَ شُرَيْحٌ فِي طَنْبُورٍ كُسِرَ فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ
شُرَيْح هُوَ ابْن الْحَارِث الْكِنْدِيّ، أدْرك النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَلم يلقه، استقضاه عمر بن الْخطاب على الْكُوفَة، وَأقرهُ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأقَام على الْقَضَاء بهَا سِتِّينَ سنة، وَقضى بِالْبَصْرَةِ سنة، وَمَات سنة ثَمَان وَسبعين وَكَانَ لَهُ عشرُون وَمِائَة سنة. قَوْله:(وأتى شُرَيْح فِي طنبور)، يَعْنِي: أَتَى إِلَيْهِ اثْنَان أدعى أَحدهمَا على الآخر أَنه كسر طنبوره فَلم يقْض فِيهِ بِشَيْء، أَي: لم يحكم فِيهِ بغرامة. وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق أبي حُصَيْن، بِفَتْح الْحَاء، بِلَفْظ: أَن رجلا كسر طنبور رجل فرفعه إِلَى شُرَيْح فَلم يضمنهُ شَيْئا، وَذكره وَكِيع بن الْجراح عَن سُفْيَان عَن أبي حُصَيْن، بِفَتْح الْحَاء: أَن رجلا كسر طنبور رجل فحاجه إِلَى شُرَيْح فَلم يضمنهُ شَيْئا، وَهَذَا يُوضح أَن جَوَاب التَّرْجَمَة عدم الضَّمَان. وَقَالَ ابْن التِّين: قضى شُرَيْح فِي الطنبور الصَّحِيح يكسر: بِأَن يدْفع لمَالِكه فينتفع بِهِ، وَقَالَ الْمُهلب: وَمَا كسر من آلَات الْبَاطِل وَكَانَ فِيهَا بعد كسرهَا مَنْفَعَة فصاحبها أولى بهَا مَكْسُورَة، إلَاّ أَن يرى الإِمَام حرقها بالنَّار، على معنى التَّشْدِيد والعقوبة على وَجه الِاجْتِهَاد، كَمَا أحرق عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، دَار
على بيع الْخمر، وَقد هم الشَّارِع بتحريق دور من يتَخَلَّف عَن صَلَاة الْجَمَاعَة، وَهَذَا أصل فِي الْعقُوبَة فِي المَال إِذا رأى ذَلِك. قيل: هَذَا كَانَ فِي الصَّدْر الأول، ثمَّ نسخ.
7742 -
حدَّثنا أبُو عاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عنْ يَزِيدَ بنِ أبِي عُبَيدٍ عنْ سلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى نِيرَاناً تُوقَدُ يَوْمَ خَيْبَرَ قَالَ علَى مَا تُوقَدُ هاذِهِ النيرَانُ قالُوا علَى الْحُمُرِ الإنْسِيَّةِ قَالَ اكْسِرُوهَا وأهْرِقُوها قَالُوا ألَا نُهَرِيقُها ونَغْسِلُهَا قَالَ اغْسِلوا..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (اكسروها) أَي: الْقُدُور، يدل عَلَيْهِ السِّيَاق، فَلَا يكون إضماراً قبل الذّكر، وَكسر الْقُدُور هُنَا فِي الحكم مثل كسر الدنان الَّتِي فِيهَا الْخمر. وَرِجَاله ثَلَاثَة قد ذكرُوا غير مرّة، وَهُوَ من تَاسِع ثلاثيات البُخَارِيّ. وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن القعْنبِي، وَفِي الْأَدَب عَن قُتَيْبَة وَفِي الذَّبَائِح عَن مكي بن إِبْرَاهِيم وَفِي الدَّعْوَات عَن مُسَدّد عَن يحيى. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي وَفِي الذَّبَائِح عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن عباد وَفِي الذَّبَائِح عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الذَّبَائِح عَن يَعْقُوب بن حميد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يَوْم خَيْبَر) ، يَعْنِي فِي غَزْوَة خَيْبَر، وَكَانَت سنة سبع وَمن خَيْبَر إِلَى الْمَدِينَة أَربع مراحل. قَوْله:(اكسروها)، أَي: الْقُدُور، وَقد مر الْآن الْكَلَام فِيهِ. قَوْله:(على الْحمر الأنسية) ، الْحمر بِضَمَّتَيْنِ جمع حمَار، وَأَرَادَ بهَا الأنسية الْحمر الْأَهْلِيَّة. قَوْله:(وأهريقوها) ، بِسُكُون الْهمزَة وَجَاز حذف الْهمزَة أَو الْهَاء وَالْيَاء، ونهريقها، بِفَتْح الْحَاء وسكونها وبسكون الْهَاء وَحذف الْيَاء، قَالَ الْجَوْهَرِي: هرق المَاء يهريقه بِفَتْح الْهَاء، هراقة، أَي: صبه، وَفِي لُغَة أُخْرَى: أهرق المَاء يهرقه إهراقاً، وَفِيه لُغَة أُخْرَى: إهراق يهريق إهراقاً، قَالُوا: قَوْله ألاِ نهرقها؟ بِكَلِمَة: ألَا، الَّتِي للاستفهام عَن النَّفْي، ويروى: لَا نهريقها، بِالنَّفْيِ. لَا يُقَال: إِن فِيهِ مُخَالفَة لأمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، لأَنهم فَهموا بالقرائن أَن الْأَمر لَيْسَ للْإِيجَاب. قَوْله:(قَالَ: اغسلواها) أَي: قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي جوابهم، لَا نهرقها ونغسلها: إغسلوها، إِنَّمَا رَجَعَ صلى الله عليه وسلم عَن أمره بالشيئين، وهما الْأَمر بِالْكَسْرِ، وَالْأَمر بالإهراق إِلَى قَوْله: اغسلوها، وَهُوَ مُجَرّد الْأَمر بِالْغسْلِ، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن اجْتِهَاده قد تغير أَو أوحى إِلَيْهِ بذلك، وَالْيَوْم لَا يجوز فِيهِ الْكسر لِأَن الحكم بِالْغسْلِ نسخ التَّخْيِير، كَمَا أَنه نسخ الْجَزْم بِالْكَسْرِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: دَلِيل على نَجَاسَة لحم الْحمر الْأَهْلِيَّة، لِأَن فِيهِ الْأَمر بإراقته، وَهَذَا أبلغ فِي التَّحْرِيم، وَقد كَانَت لُحُوم الْحمر تُؤْكَل قبل ذَلِك. وَاخْتلف الْعلمَاء الَّذين ذَهَبُوا إِلَى إِبَاحَة لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة فِي معنى النَّهْي الْوَارِد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن أكلهَا، لأي عِلّة كَانَ هَذَا النَّهْي. فَقَالَ نَافِع وَعبد الْملك بن جريج وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وَبَعض الْمَالِكِيَّة: عِلّة النَّهْي لأجل الْإِبْقَاء على الظّهْر لَيْسَ على وَجه التَّحْرِيم. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: مَا
نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم خَيْبَر عَن أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة. إلَاّ من أجل أَنَّهَا ظهر، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة مَوْقُوفا على عبد الرَّحْمَن، وَلم يذكر ابْن عَبَّاس، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لَا أَدْرِي، أنهى عَنهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أَنه كَانَ حمولة النَّاس، فكره أَن يذهب حمولتهم أَو حرمه فِي يَوْم خَيْبَر، وَهَذَا يبين أَن ابْن عَبَّاس علم بِالنَّهْي لكنه حمله على التَّنْزِيه تَوْفِيقًا بَين الْآيَة وعمومها، وَبَين أَحَادِيث النَّهْي، وَقَالَ سعيد بن جُبَير وَبَعض الْمَالِكِيَّة: إِنَّمَا منعت الصَّحَابَة يَوْم خَيْبَر من أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة لِأَنَّهَا كَانَت جوالة تَأْكُل القذرات، فَكَانَ نَهْيه، صلى الله عليه وسلم، لهَذِهِ الْعلَّة، لَا لأجل التَّحْرِيم. وَقَالَ آخَرُونَ: عِلّة النَّهْي كَانَت لاحتياجهم إِلَيْهَا، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث عبد الله بن عمر: نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن أكل الْحمار الأهلي يَوْم خَيْبَر، وَكَانُوا قد احتاجوا إِلَيْهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: عِلّة النَّهْي أَنَّهَا أقيتت قبل الْقِسْمَة، فَمنع النَّبِي صلى الله عليه وسلم من أكلهَا قبل أَن تقسم، وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: وَفِي إِذن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فِي أكل الْخَيل، وإباحته لذَلِك يَوْم خَيْبَر، دَلِيل على أَن نَهْيه عَن أكل لُحُوم الْحمر يَوْمئِذٍ عبَادَة لغير عِلّة، لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَن الْخَيل أرفع من الْحمير، وَأَن الْخَوْف على الْخَيل وعَلى قِيَامهَا فَوق الْخَوْف على الْحمير، وَأَن الْحَاجة فِي الْغَزْو وَغَيره إِلَى الْخَيل أعظم، وَبِهَذَا يتَبَيَّن أَن أكل لُحُوم الْحمر لم يكن لحَاجَة وضرورة إِلَى الظّهْر وَالْحمل، وَإِنَّمَا كَانَت عبَادَة وَشَرِيعَة، وَالَّذين ذَهَبُوا إِلَى إِبَاحَة أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، وهم: عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة، وَعبيد بن الْحسن وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَبَعض الْمَالِكِيَّة، احْتَجُّوا بِحَدِيث غَالب بن أبجر، قَالَ: يَا رَسُول الله! إِنَّه لم يبْق من مَالِي شَيْء استطيع أَن أطْعم مِنْهُ أَهلِي غير حمر لي أَو حمرات لي قَالَ: فأطعم أهلك من سمين مَالك، وَإِنَّمَا قذرت لكم جوال الْقرْيَة. رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ. وَأجِيب عَنهُ: بِأَن هَذَا الحَدِيث مُخْتَلف فِي إِسْنَاده، فَفِي طَرِيق عَن ابْن معقل عَن رجلَيْنِ من مزينة أَحدهمَا: عَن الآخر عبد الله بن عَمْرو بن لويم، بِضَم اللَّام وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي آخِره مِيم، وَالْآخر: غَالب بن أبجر، وَقَالَ مسعر: أرِي غَالِبا الَّذِي سَأَلَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَفِي طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن معقل، وَفِي طَرِيق عبد الله بن معقل، وَفِي طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن بشر، وَفِي طَرِيق عبد الله بن بشر، عوض عبد الرَّحْمَن، وَهَذَا اخْتِلَاف شَدِيد فَلَا يُقَاوم الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الَّتِي وَردت بِتَحْرِيم لُحُوم الْأَهْلِيَّة. وَقَالَ ابْن حزم: هَذَا الحَدِيث بِطرقِهِ بَاطِل، لِأَنَّهَا كلهَا من طَرِيق عبد الرَّحْمَن ابْن بشر وَهُوَ مَجْهُول، وَالْآخر: من طَرِيق عبد الله بن عَمْرو بن لويم، وَهُوَ مَجْهُول، أَو من طَرِيق شريك وَهُوَ ضَعِيف، ثمَّ عَن ابْن الْحسن، وَلَا يدْرِي من هُوَ، أَو من طَرِيق سلمى بنت النَّضر الخضرية وَلَا يدْرِي من هِيَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث مَعْلُول، ثمَّ طول فِي بَيَانه.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله كانَ ابنُ أبي أوَيْسٍ يَقولُ الْحُمُرُ الأنَسِيَّةُ بنَصْبِ الألِفِ والنُّونِ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ، نَفسه يَحْكِي عَن شَيْخه إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، واسْمه: عبد الله الأصبحي الْمدنِي ابْن أُخْت مَالك بن أنس، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول: الْحمر الأنسية نِسْبَة إِلَى: الْأنس، بِالْفَتْح ضد الوحشة وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَالْمَشْهُور فِيهَا كسر الْهمزَة منسوبة إِلَى الْأنس، وهم بَنو آدم الْوَاحِد أنسي. وَفِي كتاب أبي مُوسَى مَا يدل على أَن الْهمزَة مَضْمُومَة، فَإِنَّهُ قَالَ: هِيَ الَّتِي تألف الْبيُوت، والأنس ضد الوحشة، وَالْمَشْهُور فِي ضد الوحشة الْأنس بِالضَّمِّ، وَقد جَاءَ فِيهِ بِالْكَسْرِ قَلِيلا. قَالَ: وَرَوَاهُ بَعضهم، بِفَتْح الْهمزَة وَالنُّون وَلَيْسَ بِشَيْء قَالَ ابْن الْأَثِير: إِن أَرَادَ أَن الْفَتْح غير مَعْرُوف فِي الرِّوَايَة فَيجوز، وَإِن أَرَادَ أَنه لَيْسَ بِمَعْرُوف فِي اللُّغَة فَلَا، فَإِنَّهُ مصدر: أنست بِهِ أنسا وأنسة. . وَقَالَ بَعضهم: وَتَعْبِيره عَن الْهمزَة بِالْألف، وَعَن الْفَتْح بِالنّصب جَائِز عِنْد الْمُتَقَدِّمين، وَإِن كَانَ الِاصْطِلَاح أخيراً قد اسْتَقر على خِلَافه، فَلَا تبادر إِلَى إِنْكَاره. انْتهى. قلت: هَذَا لَيْسَ بمصطلح عِنْد النُّحَاة الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين، إِنَّهُم يعبرون عَن الْهمزَة بِالْألف، وَعَن الْفَتْح بِالنّصب، فَمن أدَّعى خلاف ذَلِك، فَعَلَيهِ الْبَيَان، فالهمزة ذَات حَرَكَة، وَالْألف مَادَّة هوائية، فَلَا تقبل الْحَرَكَة. وَالْفَتْح من ألقاب الْبناء، وَالنّصب من ألقاب الْإِعْرَاب، وَهَذَا مِمَّا لَا يخفى على أحد.
8742 -
حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدُ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبِي نَجِيحٍ عنْ مُجَاهِدٍ عنْ أبِي مَعْمَرٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ دَخلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمائَةٍ وسِتُّونَ نُصُباً فجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعودٍ فِي يَدِهِ وجَعلَ يَقولُ {جاءَ الْحَقُّ وزَهَقَ الْبَاطِلُ} الْآيَة (الْإِسْرَاء: 18) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَجعل يطعنها بِعُود)، أَي: يطعن النُصب، وَهِي الَّتِي نصبت لِلْعِبَادَةِ من دون الله، وَهُوَ دَاخل فِي التَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَإِن كسر صنماً أَو صليباً.
وَرِجَاله: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَابْن أبي نجيح، بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم: هُوَ عبد الله بن يسَار ضد الْيَمين وَمُجاهد بن جبر، وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله بن سَخْبَرَة الْأَزْدِيّ الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن صَدَقَة بن الْفضل وَفِي التَّفْسِير عَن الْحميدِي. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد وَمُحَمّد بن يحيى، الثَّلَاثَة عَن ابْن عُيَيْنَة بِهِ، وَعَن حسن الْحلْوانِي وَعبد بن حميد، كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّزَّاق عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن ابْن أبي نجيح. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن ابْن أبي عمر بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعبيد الله بن سعيد فرقهما، كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (دخل النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، يَعْنِي: فِي غَزْوَة الْفَتْح، وَكَانَت فِي رَمَضَان سنة ثَمَان. قَوْله: (وحول الْكَعْبَة)، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله:(نصبا) . وَقَالَ ابْن التِّين: ضبط فِي رِوَايَة أبي الْحسن، بِضَم النُّون وَالصَّاد، فَيكون على هَذَا جمع: نِصَاب، وَهُوَ صنم أَو حجر ينصب، وَلَيْسَ ببيّنٍ كَونه جمعا، لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بعد سِتِّينَ إلَاّ مُفردا، تَقول عِنْدِي سِتُّونَ ثوبا وَنَحْو ذَلِك، وَلَا تَقول: أثواباً، قَالَ: وَقد قيل: نصب وَنصب بِمَعْنى وَاحِد، فعلى هَذَا يكون جمعا لَا مُفردا، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: النصب، بِضَم الصَّاد وسكونها: حجر كَانُوا ينصبونه فِي الْجَاهِلِيَّة ويتخذونه صنماً ويعبدونه، وَالْجمع أنصاب، وَقيل: هُوَ حجر كَانُوا ينصبونه ويذبحون عَلَيْهِ فيحمر بِالدَّمِ، ويروى:(صنماً)، مَوضِع:(نصبا) . قَوْله: (فَجعل يطعنها) ، جعل من أَفعَال المقاربة وَهِي ثَلَاثَة أَنْوَاع، وَهُوَ من النَّوْع الَّذِي وضع على الشُّرُوع فِيهِ، أَي: فِي الْخَبَر، وَهُوَ كثير. (ويطعنها) بِضَم الْعين على الْمَشْهُور، وَيجوز فتحهَا، قَالَ الْجَوْهَرِي: طعنه بِالرُّمْحِ وَطعن فِي السن يطعن بِالضَّمِّ طَعنا، وَطعن فِيهِ بالْقَوْل يطعن أَيْضا، وَطعن فِي الْمَفَازَة يطعن ويطعن أَيْضا: ذهب. قَوْله: (فِي يَده) فِي مَحل الجرِّ لِأَنَّهُ صفة لعود. قَوْله: (وَجعل) مثل جعل الأول. قَوْله: (وزهق) ، أَي هلك وَمَات، يُقَال: زهقت نَفسه تزهق زهوقاً بِالضَّمِّ خرجت، قَالَ الْجَوْهَرِي:{وزهق الْبَاطِل} (الْإِسْرَاء: 18) . أَي: اضمحل، والزهوق بِالْفَتْح
…
. وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مَكَّة وجد بهَا ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ صنماً، فَأَشَارَ إِلَى كل صنم بِعصاً. وَقَالَ:{جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقا} (الْإِسْرَاء: 18) . وَكَانَ لَا يُشِير إِلَى صنم إلَاّ سقط من غير أَن يمسهُ بعصاه، وروى أَحْمد من حَدِيث جَابر، قَالَ: كَانَ فِي الْكَعْبَة صور فَأمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن يمحوها، فَبل عمر ثوبا ومحاها بِهِ، فَدَخلَهَا صلى الله عليه وسلم وَمَا فِيهَا شَيْء. انْتهى. وطعْنُه صلى الله عليه وسلم الْأَصْنَام عَلامَة أَنَّهَا لَا تدفع عَن نَفسهَا، فَكيف تكون آلِهَة؟
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الطَّبَرِيّ: فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود جَوَاز كسر آلَات الْبَاطِل وَمَا لَا يصلح إلَاّ فِي الْمعْصِيَة حَتَّى تَزُول هيئتها وَينْتَفع برضاضها، وَقَالَ ابْن بطال: آلَات اللَّهْو كالطنابير والعيدان والصلبان والأنصاب، تكسر حَتَّى تغير عَن هيئتها إِلَى خلَافهَا، وَيُقَال: وكل مَا لَا معنى لَهَا إلَاّ التلهي بهَا عَن ذكر الله تَعَالَى، والشغل بهَا عَمَّا يُحِبهُ الله إِلَى مَا يسخطه، يجب أَن يُغير عَن هَيئته الْمَكْرُوهَة إِلَى خلَافهَا من الهيئات الَّتِي يَزُول مَعهَا الْمَعْنى الْمَكْرُوه، وَذَلِكَ أَنه صلى الله عليه وسلم كسر الْأَصْنَام والجوهر الَّذِي فِيهَا، وَلَا شكّ أَنه يصلح إِذا غير عَن الْهَيْئَة الْمَكْرُوهَة وَينْتَفع بِهِ بعد الْكسر، وَقد رُوِيَ عَن جمَاعَة من السّلف كسر آلَات الملاهي، وروى سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ أَصْحَاب عبد الله يستقبلون الْجَوَارِي مَعَهُنَّ الدفوف فيخرقونها، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: فِي معنى الْأَصْنَام الْقُبُور المتخذة من الْمدر والخشب وشبههما، وكل مَا يَتَّخِذهُ