الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي حَدِيث أنس: فَإِن تَسْوِيَة الصُّفُوف لَيست من إِقَامَة الصَّلَاة؟ لِأَن الصَّلَاة تُقَام بغَيْرهَا، وَالتَّقْدِير: فَإِن تَسْوِيَة الصُّفُوف من كَمَال إِقَامَة الصَّلَاة، وَقد تكلّف بعض الشُّرَّاح هَهُنَا بِكَلَام لَا طائل تَحْتَهُ.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو جَعْفَر البُخَارِيّ الْجعْفِيّ المسندي، مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: عبد الرَّزَّاق بن همام أَبُو بكر الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ. الثَّالِث: معمر، بِفَتْح الميمين: ابْن رَاشد الْبَصْرِيّ. الرَّابِع: همام بن مُنَبّه الْيَمَانِيّ. الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف أسناده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بخاري وبصري ويمانيين.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رَافع. وَقد مضى فِي: بَاب إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ نَحْو حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا فِي موضِعين: أَحدهمَا: عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، لَكِن أَوله:(صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي بَيته وَهُوَ شاكٍ فصلى وَهُوَ قَاعد وَصلى وَرَاءه قوم قيَاما، فَأَشَارَ عَلَيْهِم أَن اجلسوا، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ، فَإِذا ركع فاركعوا، وَإِذا رفع فارفعوا، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده فَقولُوا: رَبنَا وَلَك الْحَمد، وَإِذا صلى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ) . انْتهى. وَالْآخر: حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وأوله:(أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع عَنهُ، فجحش عَن شقَّه الْأَيْمن، فصلى صَلَاة من الصَّلَوَات وَهُوَ قَاعد فصلينا وَرَاءه قعُودا، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ)، إِلَى قَوْله:(أَجْمَعُونَ) . نَحوه مَعَ بعض تفَاوت فِي الْمَتْن يظْهر ذَلِك عِنْد الْمُقَابلَة. قَوْله: (أقِيمُوا الصَّفّ) أَي: سووا وأعدلوا.
723 -
حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فإنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ
وَجه مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة قد ذَكرْنَاهُ.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْوَلِيد هُوَ: هِشَام بن عبد الْملك.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار، وَكِلَاهُمَا عَن غنْدر. وَأخرجه أَبُو دَاوُد، وَفِيه: عَن أبي الْوَلِيد وَسليمَان بن حَرْب. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن بنْدَار عَن يحيى وَعَن نصر بن عَليّ عَن أَبِيه وَبشر بن عمر.
قَوْله: (فَإِن تَسْوِيَة الصُّفُوف) وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: (الصَّفّ) بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (من إِقَامَة الصَّلَاة) ، كَذَا ذكره البُخَارِيّ عَن أبي الْوَلِيد، وَذكره غَيره عَنهُ بِلَفْظ:(من تَمام الصَّلَاة) ، وَتمسك ابْن بطال بِظَاهِر لفظ حَدِيث أبي هُرَيْرَة، فاستدل بِهِ على أَن تَسْوِيَة الصَّفّ سنة. قَالَ: لِأَن حسن الشَّيْء زِيَادَة على تَمَامه، وَأورد عَلَيْهِ رِوَايَة: من تَمام الصَّلَاة، وَأجَاب ابْن دَقِيق الْعِيد، قَالَ: قد يُؤْخَذ من قَوْله: (تَمام الصَّلَاة) ، الِاسْتِحْبَاب. لِأَن تَمام الشَّيْء فِي الْعرف أَمر زَائِد على حَقِيقَته الَّتِي لَا يتَحَقَّق إلَاّ بهَا، وَإِن كَانَ يُطلق بِحَسب الْوَضع على بعض مَا لَا تتمّ الْحَقِيقَة إلَاّ بِهِ. قلت: وَفِيه: نظر، لِأَن أَلْفَاظ الشَّرْع لَا تسْتَعْمل بِحَسب الْعرف، بل الَّذِي يدل على الِاسْتِحْبَاب مَا ذَكرْنَاهُ، وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال، وَهُوَ متصف بِصفة الْكَمَال.
75 -
(بابُ إثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من لَا يتم الصُّفُوف عِنْد الْقيام إِلَى الصَّلَاة.
724 -
حدَّثنا مُعَاذُ بنُ أسَدٍ قَالَ أخبرنَا الفَضْلُ بنُ مُوسَى قَالَ أخبرنَا سَعِيدُ بنُ عُبَيْدٍ الطائيُّ عَنْ بُشَيْرِ بنِ يَسَارٍ الأنْصَارِيِّ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنَّهُ قَدِمَ المَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ مَا أنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يوْمِ عَهِدْتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا انْكَرْتُ شَيئا إلاّ أنَّكُمْ لَا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ.
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أنسا حصل مِنْهُ الْإِنْكَار على عدم إقامتهم الصُّفُوف، وإنكاره يدل على أَنه يرى تَسْوِيَة الصُّفُوف وَاجِبَة، فتارك الْوَاجِب آثم. وَظَاهر تَرْجَمَة البُخَارِيّ يدل على أَنه أَيْضا يرى وجوب التَّسْوِيَة، وَالصَّوَاب
هَذَا لوُرُود الْوَعيد الشَّديد فِي ذَلِك. قيل: الْإِنْكَار قد يَقع على ترك السّنة فَلَا يدل ذَلِك على حُصُول الْإِثْم. قلت: الْإِنْكَار يسْتَلْزم الْمُنكر وفاعل الْمُنكر آثم، على أَنه صلى الله عليه وسلم أَمر بالتسوية. وَالْأَصْل فِي الْأَمر الْوُجُوب إلَاّ إِذا دلّت قرينَة على غَيره، وَمَعَ وُرُود الْوَعيد على تَركهَا وإنكار أنس ظَاهر فِي أَنهم خالفوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من إِقَامَة الصُّفُوف، فعلى هَذَا تَسْتَلْزِم الْمُخَالفَة التأثيم. وَقَالَ بَعضهم: وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَنه لَا يبْقى شَيْء مسنون لِأَن التأثيم إِنَّمَا يحصل من ترك وَاجِب. قلت: قَول هَذَا الْقَائِل ضَعِيف، بل هُوَ كَلَام الْفساد لأَنا لَا نسلم إِن حُصُول التأثيم منحصر على ترك الْوَاجِب، بل التأثيم يحصل أَيْضا عَن ترك السّنة، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَت مُؤَكدَة، وَمَعَ الْقَوْم بِوُجُوب التَّسْوِيَة فَتَركهَا لَا يضر صلَاته لِأَنَّهَا خَارِجَة عَن حَقِيقَة الصَّلَاة، أَلا ترى أَن أنسا، مَعَ إِنْكَاره عَلَيْهِم، لم يَأْمُرهُم بِإِعَادَة الصَّلَاة، وَلَا يعْتَبر مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن حزم من بطلَان صلَاته مستدلاً بِمَا صَحَّ عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه ضرب قدم أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ لإِقَامَة الصَّفّ، وَبِمَا صَحَّ عَن سُوَيْد ابْن غَفلَة قَالَ: كَانَ بِلَال يُسَوِّي مناكبنا وَيضْرب أقدامنا فِي الصَّلَاة، فَقَالَ ابْن حزم: مَا كَانَ عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الْوَاجِب. قَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر لجَوَاز أَنَّهُمَا كَانَا يريان التَّعْزِير على ترك السّنة قلت: فِي هَذَا النّظر نظر، لِأَن قَائِله قد نَاقض فِي قَوْله حَيْثُ قَالَ، فِيمَا مر عَن قريب: التأثيم إِنَّمَا يحصل عَن ترك وَاجِب، فَإِذا لم يكن تَارِك السّنة آثِما فَكيف يسْتَحق التَّعْزِير؟ بل الظَّاهِر أَن ضربهما كَانَ لترك الْأَمر الَّذِي ظَاهره الْوُجُوب، ولاستحقاق الْوَعيد الشَّديد فِي التّرْك.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: معَاذ، بِضَم الْمِيم: ابْن أَسد أَبُو عبد الله الْمروزِي نزل الْبَصْرَة. الثَّانِي: الْفضل بن مُوسَى الْمروزِي السينَانِي، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف النُّون وَبعد الْألف نون أُخْرَى: نِسْبَة إِلَى سينان، قَرْيَة من قرى مرو، مَاتَ سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَمِائَة. الثَّالِث: سعيد بن عبيد الطَّائِي أَبُو الْهُذيْل الْكُوفِي. الرَّابِع: بشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء: ابْن يسَار، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْملَة وَبعد الْألف رَاء: الْمدنِي مولى الْأَنْصَار. الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف أسناده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده. وَفِيه: بشير الْمَذْكُور لَيْسَ لَهُ فِي الْكتب السِّتَّة عَن أنس غير هَذَا الحَدِيث. والْحَدِيث أخرجه أَيْضا من أَفْرَاد البُخَارِيّ. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي وكوفي ومدني، وتابع الْفضل أَبُو مُعَاوِيَة وَإِسْحَاق الْأَزْرَقِيّ عَن سعيد، كَمَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْهُمَا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَنه قدم الْمَدِينَة)، أَي: من بصرة. قَوْله: (مَا أنْكرت)، أَي: أَي شَيْء أنْكرت منا مُنْذُ يَوْم عهِدت؟ وَقد علمت أَن: مُنْذُ ومذ، حرفا جر، وَهُوَ الصَّحِيح. وَقيل: إسمان مضافان، فَيكون بِمَعْنى: من، إِن كَانَ الزَّمَان مَاضِيا وَبِمَعْنى: فِي، إِن كَانَ حَاضرا، وَبِمَعْنى: من وَإِلَى جَمِيعًا، إِن كَانَ معدودا نَحْو: مَا رَأَيْته مُنْذُ يَوْم الْخَمِيس أَو مُنْذُ يَوْمنَا أَو عامنا أَو مُنْذُ ثَلَاثَة أَيَّام، وَالْمعْنَى هَهُنَا: مَا أنْكرت منا من يَوْم عهِدت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟ وَالْمَذْكُور فِي الْمَتْن رِوَايَة الْكشميهني وَالْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا:(مَا أنْكرت مُنْذُ يَوْم عهِدت؟) بِغَيْر لفظ منا. قَوْله: (مَا أنْكرت شَيْئا) إِلَى آخِره، يدل على أَن إِنْكَاره على ترك الْوَاجِب أَو السّنة الْمُؤَكّدَة، فَلذَلِك بوب البُخَارِيّ بالترجمة الْمَذْكُورَة.
وَقَالَ عُقْبَةُ بنُ عُبَيْدٍ عَنْ بُشَيْرِ بنِ يَسَارٍ قَدِمَ عَلَيْنَا أنَسُ بنُ مالِكٍ المَدِينَةَ بِهَذَا
عقبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف: أَخُو سعيد بن عبيد، رَاوِي الْإِسْنَاد الَّذِي قبله، وَلَيْسَ للْبُخَارِيّ عَن عقبَة إلَاّ هَذَا الْمُعَلق، ويكنى عقبَة بِأبي الرّحال، بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة، وَقد وصل هَذَا الْمُعَلق أَبُو نعيم الْحَافِظ عَن أبي بكر بن مَالك عَن عبد الله بن أَحْمد عَن أَبِيه، قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة وَيحيى بن سعيد، قَالَا: حَدثنَا عقبَة بن عبيد فَذكره وَوَصله أَحْمد أَيْضا فِي مُسْنده عَن يحيى الْقطَّان عَن عقبَة بن عبيد الطَّائِي، حَدثنِي بشير بن يسَار، قَالَ:(جَاءَ أنس إِلَى الْمَدِينَة فَقُلْنَا: مَا أنْكرت منا من عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: مَا أنْكرت مِنْكُم شَيْئا غير أَنكُمْ لَا تقيمون الصُّفُوف) . وَهَذِه الْمُقدمَة لأنس غير الْمُقدمَة الَّتِي تقدم ذكرهَا فِي: بَاب وَقت الْعَصْر، فَإِن ظَاهر الحَدِيث فِيهَا أَنه أنكر تَأْخِير الظّهْر إِلَى أول وَقت الْعَصْر، وَهَذَا الْإِنْكَار أَيْضا غير الْإِنْكَار الَّذِي تقدم ذكره فِي: بَاب تَضْييع الصَّلَاة عَن وَقتهَا، حَيْثُ قَالَ: لَا أعرف شَيْئا مِمَّا كَانَ