الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله تَعَالَى، وَمثل الْمُسلمين الَّذين قبلوا هدى الله، وَمَا جَاءَ بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَالْمَقْصُود من هَذَا الحَدِيث ضرب الْمثل للنَّاس الَّذين شرع لَهُم دين مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، ليعملوا الدَّهْر كُله بِمَا يَأْمُرهُم بِهِ وينهاهم إِلَى أَن بعث الله عِيسَى عليه الصلاة والسلام، فَأَمرهمْ باتباعه فَأَبَوا وتبرأوا مِمَّا جَاءَ بِهِ، وَعمل آخَرُونَ بِمَا جَاءَ بِهِ عِيسَى، عليه السلام، فَأَمرهمْ على أَن يعملوا بِمَا يؤمرون بِهِ بَاقِي الدَّهْر، فعملوا حَتَّى بعث سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَدَعَاهُمْ إِلَى الْعَمَل بِمَا جَاءَ بِهِ، فَأَبَوا وعصوا، فجَاء الله تَعَالَى بِالْمُسْلِمين فعملوا بِمَا جَاءَ بِهِ، واستكملوا إِلَى قيام السَّاعَة، فَلهم أجر من عمل الدَّهْر، كُله بِعبَادة الله تَعَالَى، كإتمام النَّهَار الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ كُله أول طبقَة. وَفِي حَدِيث ابْن عمر: قدر لَهُم مُدَّة أَعمال الْيَهُود، وَلَهُم أجرهم إِلَى أَن نسخ الله تَعَالَى شريعتهم بِعِيسَى، عليه الصلاة والسلام. وَقَالَ عِنْد مبعث عِيسَى، عليه السلام: من يعْمل إِلَى مُدَّة هَذَا الشَّرْع وَله أجر قِيرَاط؟ فَعمِلت النَّصَارَى إِلَى أَن نسخ الله تَعَالَى ذَلِك بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قَالَ، متفضلاً على الْمُسلمين: من يعْمل بَقِيَّة النَّهَار إِلَى اللَّيْل وَله قيراطان؟ فَقَالَ الْمُسلمُونَ: نَحن نعمل إِلَى انْقِطَاع الدَّهْر، فَمن عمل من الْيَهُود إِلَى أَن آمن بِعِيسَى عليه السلام، وَعمل بِشَرِيعَتِهِ لَهُ أجره مرَّتَيْنِ، وَكَذَلِكَ النَّصَارَى إِذا آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث، (و: رجل آمن بِنَبِيِّهِ وآمن بِي، يُؤْتى أجره مرَّتَيْنِ) . فَإِن قلت: حَدِيث أبي مُوسَى دلّ على أَن الْفَرِيقَيْنِ لم يأخذا شَيْئا، وَحَدِيث ابْن عمر دلّ على أَن كلا مِنْهُمَا أَخذ قيراطا. قلت: ذَلِك فِيمَن مَاتُوا مِنْهُم قبل النّسخ، وَهَذَا فِيمَن حرف أَو كفر بِالنَّبِيِّ الَّذِي بعث بعد نبيه، وَقَالَ ابْن رشد مَا محصله: إِن حَدِيث ابْن عمر ذكر مِثَالا لأهل الْأَعْذَار لقَوْله: فعجزوا، فَأَشَارَ إِلَى أَن من عجز عَن اسْتِيفَاء الْعَمَل من غير أَن يكون لَهُ صَنِيع فِي ذَلِك الْأجر يحصل لَهُ تَاما فضلا من الله تَعَالَى، وَذكر حَدِيث أبي مُوسَى مِثَالا لمن أخر من غير عذر، وَإِلَى ذَلِك إِشَارَة بقوله عَنْهُم: لَا حَاجَة لنا إِلَى أجرك، فَأَشَارَ بذلك إِلَى أَن من أخر عَامِدًا لَا يحصل لَهُ مَا حصل لأهل الْأَعْذَار. وَقَالَ الْخطابِيّ: دلّ حَدِيث ابْن عمر ان مبلغ أُجْرَة الْيَهُود لعمل النَّهَار كُله قيراطان، وَأُجْرَة النَّصَارَى لِلنِّصْفِ الْبَاقِي من النَّهَار إِلَى اللَّيْل قيراطان. وَلَو تمموا الْعَمَل إِلَى آخر النَّهَار لاستحقوا تَمام الْأُجْرَة، وَهُوَ: قِيرَاط، ثمَّ إِن الْمُسلمين لما استوفوا أُجْرَة الْفَرِيقَيْنِ مَعًا حاسدوهم، وَقَالُوا:
…
. الخ يَعْنِي قَوْلهم: إِي رَبنَا أَعْطَيْت هَؤُلَاءِ قيراطين
…
الخ. وَلَو لم تكن صُورَة الْأَمر على هَذَا لم يَصح هَذَا الْكَلَام. وَفِي طَرِيق أبي مُوسَى زِيَادَة بَيَان لَهُ، وَقَوْلهمْ: لَا حَاجَة لنا، إِشَارَة إِلَى أَن تحريفهم الْكتب وتبديلهم الشَّرَائِع وَانْقِطَاع الطَّرِيق بهم عَن بُلُوغ الْغَايَة، فحرموا تَمام الْأُجْرَة لجنايتهم على أنفسهم حِين امْتَنعُوا من تَمام الْعَمَل الَّذِي ضمنوه.
18 -
(بابُ وقْتِ المغْرَبَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وَقت صَلَاة الْمغرب.
وَوجه الْمُنَاسبَة بَين هَذَا الْبَاب وَالْبَاب الَّذِي قبله ظَاهر لَا يخفى.
وَقَالَ عَطَاءٌ يَجْمَعُ المَرِيضُ بَيْنَ المَغْرَبَ والعِشَاءِ
عَطاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) عَن ابْن جريج عَنهُ، وَبِقَوْلِهِ: قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَبَعض الشَّافِعِيَّة، وَهَذَا بِنَاء على أَن وَقت الْمغرب وَالْعشَاء وَاحِد عِنْده، وَقَالَ عِيَاض: الْجمع بَين الصَّلَوَات الْمُشْتَركَة فِي الْأَوْقَات تكون تَارَة سنة وَتارَة رخصَة، فَالسنة الْجمع بِعَرَفَة والمزدلفة. وَأما الرُّخْصَة فالجمع فِي السّفر وَالْمَرَض والمطر، فَمن تمسك بِحَدِيث صَلَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَعَ جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، وَقد أمَّه، لم ير الْجمع فِي ذَلِك، وَمن خصّه أثبت جَوَاز الْجمع فِي السّفر بالأحاديث الْوَارِدَة فِيهِ، وقاس الْمَرَض عَلَيْهِ، فَنَقُول: إِذا أُبِيح للْمُسَافِر الْجمع بِمَشَقَّة السّفر، فأحرى أَن يُبَاح للْمَرِيض. وَقد قرن الله تَعَالَى الْمَرِيض بالمسافر فِي الترخيص لَهُ فِي الْفطر وَالتَّيَمُّم، وَأما الْجمع فِي الْمَطَر فَالْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك إثْبَاته فِي الْمغرب وَالْعشَاء، وَعنهُ قولة شَاذَّة: إِنَّه لَا يجمع إلَاّ فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَمذهب الْمُخَالف جَوَاز الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر، وَالْمغْرب وَالْعشَاء، فِي الْمَطَر.
فَإِن قلت: مَا وَجه مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة؟ قلت: من حَيْثُ إِن وَقت الْمغرب يَمْتَد إِلَى الْعشَاء، والترجمة فِي بَيَان وَقت الْمغرب.
559 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مَهْرَانَ قَالَ حدَّثنا الوَلِيدُ قَالَ حدَّثنا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ حدَّثنا أبُو النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ وَهْوَ عَطَاءُ بنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ رَافِعَ بنَ خَدِيجٍ يَقُولُ كُنَّا نُصَلِّي المَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْصَرِفُ أحَدُنَا وإِنَّهُ لَيُبْصِرَ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يدل بِالْإِشَارَةِ لَا بالتصريح، فَإِن الْمَفْهُوم مِنْهُ لَيْسَ إِلَّا مُجَرّد الْمُبَادرَة إِلَى صَلَاة الْمغرب خوفًا أَن تتأخر إِلَى اشتباك النُّجُوم. وَقد روى ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم من حَدِيث الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب:(لَا تزَال أمتِي على الْفطْرَة مَا لم يؤخروا الْمغرب إِلَى النُّجُوم) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن مهْرَان الْجمال، بِالْجِيم: الْحَافِظ الرَّازِيّ أَبُو جَعْفَر، مَاتَ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: الْوَلِيد بن مُسلم، بِكَسْر اللَّام الْخَفِيفَة: أَبُو الْعَبَّاس الْأمَوِي عَالم أهل الشَّام، مَاتَ سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة. الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ، وَقد مر فِي بَاب الْخُرُوج فِي طلب الْعلم. الرَّابِع: أَبُو النَّجَاشِيّ، بِفَتْح النُّون وَتَخْفِيف الْجِيم وبالشين الْمُعْجَمَة: واسْمه عَطاء بن صُهَيْب، بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة، مولى رَافع بن خديج. الْخَامِس: رَافع، بِالْفَاءِ: ابْن خديج، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وبالجيم: الْأنْصَارِيّ الأوسي الْمدنِي.
بَيَان لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: السماع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين رازي وشامي ومدني. .
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن مهْرَان بِهِ وَعَن اسحاق بن إِبْرَاهِيم عَن شُعَيْب بن إِسْحَاق عَن الْأَوْزَاعِيّ بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن دُحَيْم عَن الْوَلِيد بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ليبصر)، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف: من الإبصار. وَاللَّام: فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: (مواقع نبله)، المواقع جمع: موقع، وَهُوَ مَوضِع الْوُقُوع. و: النبل، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: السِّهَام الْعَرَبيَّة، وَهِي مُؤَنّثَة. وَقَالَ ابْن سَيّده: لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه. وَقيل: واحدتها: نبلة، مثل: تمر وَتَمْرَة، وَفِي (المغيث) لأبي مُوسَى: هُوَ سهم عَرَبِيّ لطيف غير طَوِيل، لَا كسهام النشاب، والحسيان أَصْغَر من النبل يرْمى بهَا على القسي الْكِبَار فِي مجاري الْخشب.
وَمعنى الحَدِيث أَنه: يبكر بالمغرب فِي أول وَقتهَا بِمُجَرَّد غرُوب الشَّمْس حَتَّى ينْصَرف أَحَدنَا وَيَرْمِي النبل عَن قوسه، ويبصر موقعه لبَقَاء الضَّوْء.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: دلّ الحَدِيث الْمَذْكُور على أَنه صلى الله عليه وسلم صلى الْمغرب عِنْد غرُوب الشَّمْس وبادر بهَا بِحَيْثُ إِنَّه لما فرغ مِنْهَا كَانَ الضَّوْء بَاقِيا، وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور. وَذهب طَاوُوس وَعَطَاء ووهب بن مُنَبّه إِلَى أَن أول وَقت الْمغرب حِين طُلُوع النَّجْم، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث أبي بصرة الْغِفَارِيّ، قَالَ:(صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْعَصْر بالمحمض، فَقَالَ: إِن هَذِه الصَّلَاة عرضت على من كَانَ قبلكُمْ فضيعوها، فَمن حَافظ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أجره مرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاة بعْدهَا حَتَّى يطلع الشَّاهِد، وَالشَّاهِد: النَّجْم) ، أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ والطَّحَاوِي، وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَنهُ بِأَن قَوْله:(وَلَا صَلَاة بعْدهَا حِين يرى الشَّاهِد) ، يحْتَمل أَن يكون هُوَ آخر قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَمَا ذكره اللَّيْث، وَلَكِن الَّذِي رَوَاهُ غَيره تَأَول أَن الشَّاهِد هُوَ النَّجْم، فَقَالَ ذَلِك بِرَأْيهِ لَا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، على أَن الْآثَار قد تَوَاتَرَتْ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يُصَلِّي الْمغرب إِذا تَوَارَتْ الشَّمْس بالحجاب. و: أَبُو بصرة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة، واسْمه: جميل، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقيل: جميل: بِالْجِيم، وَالْأول أصح، و: المحمض، بِفَتْح الميمين وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَفِي آخِره ضاد مُعْجمَة: وَهُوَ الْموضع الَّذِي ترعى فِيهِ الْإِبِل الحمض، وَهُوَ: مَا حمض وملح وَأمر من النَّبَات: كالرمث والأثل والطرفا وَنَحْوهَا، و: الْخلَّة، من النبت مَا كَانَ حلوا. تَقول الْعَرَب: الْخلَّة خبز الْإِبِل، والحمض فاكهتها.
ذكر اخْتِلَاف أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث وَاخْتِلَاف رُوَاته: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:(كُنَّا نصلي الْمغرب ثمَّ نرمي فَيرى أَحَدنَا موقع نبله) . وَعَن كَعْب بن مَالك: (كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْمغرب ثمَّ يرجع النَّاس (إِلَى أَهْليهمْ ببني سَلمَة وهم يبصرون مواقع النبل حِين يرْمى بهَا) . قَالَ أَبُو حَاتِم: صَحِيح مُرْسل. وَعَن أبي طريف: (كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم حِين حاصر الطَّائِف، فَكَانَ يُصَلِّي بِنَا صَلَاة الْبَصَر، حَتَّى لَو أَن رجلا رمى بِسَهْم لرَأى مَوضِع نبله) . قَالَ أَحْمد بن
حَنْبَل: صَلَاة الْبَصَر: الْمغرب، وَعند أَحْمد من حَدِيث جَابر رضي الله عنه وَلَفظه:(نأتي بني سَلمَة وَنحن نبصر مواقع النبل) . وَعند الشَّافِعِي، من حَدِيثه عَن إِبْرَاهِيم:(ثمَّ نخرج نتناضل حَتَّى ندخل بيُوت بني سَلمَة فَنَنْظُر مواقع النبل من الْإِسْفَار) . وَعند النَّسَائِيّ، بِسَنَد صَحِيح: عَن رجل من أسلم: أَنهم كَانُوا يصلونَ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمغرب، ثمَّ يرجعُونَ إِلَى أَهْليهمْ إِلَى أقْصَى الْمَدِينَة، ثمَّ يرْمونَ فيبصرون مواقع نبلهم، وَعند الطَّبَرَانِيّ فِي (المعجم الْكَبِير) من حَدِيث زيد بن خَالِد:(كُنَّا نصلي مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمغرب ثمَّ ننصرف حَتَّى نأتي السُّوق، وإنَّا لنرى مَوَاضِع النبل) . وَعَن أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان نَحوه، ذكره أَبُو عَليّ الطوسي فِي (الْأَحْكَام) فَإِن قلت: وَردت أَحَادِيث تدل على تَأْخِيره إِلَى قرب سُقُوط الشَّفق؟ قلت: هَذِه لبَيَان جَوَاز التَّأْخِير.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي خُرُوج وَقت الْمغرب، فَقَالَ الثَّوْريّ وَابْن أبي ليلى وطاووس وَمَكْحُول وَالْحسن بن حَيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَدَاوُد: إِذا غَابَ الشَّفق وَهُوَ الْحمرَة خرج وقتهاوممن قَالَ ذَلِك أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد. وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَعبد الله بن الْمُبَارك وَالْأَوْزَاعِيّ، فِي رِوَايَة، وَمَالك فِي رِوَايَة وَزفر بن الْهُذيْل وَأَبُو ثَوْر والمبرد وَالْفراء: لَا يخرج حَتَّى يغيب الشَّفق الْأَبْيَض، وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي بكر الصّديق وَعَائِشَة وَأبي هُرَيْرَة ومعاذ بن جبل وَأبي ابْن كَعْب وَعبد الله بن الزبير، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَكَانَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ يَقُولُونَ: لَا وَقت لَهَا إلَاّ وقتا وَاحِدًا إِذا غَابَتْ الشَّمْس، وَقد روينَا عَن طَاوُوس (أَنه قَالَ: لَا تفوت الْمغرب وَالْعشَاء حَتَّى الْفجْر.
560 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةَ عنْ سَعْدٍ عنْ مُحَمَّدِ ابنِ عَمْرِو بنِ الحَسَنِ بنِ عَليٍّ قَالَ قَدِمَ الحَجّاجُ فَسَأَلْنا جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله فقالَ كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالهَاجِرَةِ والعَصْرَ والشَّمْسُ نَقِيَّةٌ وَالْمَغْرِبَ إذَا وَجَبَتْ والعِشَاءَ أَحْيَانا وأَحْيَانا إذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ وَإِذَا رَآهُمْ أبْطَأُوا أخَّرَ والصُّبْحَ كانُوا أوْ كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ. (الحَدِيث 560 طرفه فِي: 565) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث الأول.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: مُحَمَّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر وَقد تكَرر ذكره، وَسعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَمُحَمّد بن عَمْرو بِالْوَاو بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب أَبُو عبد الله، وَجَابِر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: السُّؤَال. وَفِيه: تابعيان. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني وكوفي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ إيضا فِي الصَّلَاة عَن مُسلم. وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن أبي بكر وَبُنْدَار وَأبي مُوسَى، ثَلَاثَتهمْ عَن غنْدر، وَعَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه عَن شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَنهُ بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عَليّ وَبُنْدَار، وَكِلَاهُمَا عَن غنْدر بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ((قدم الْحجَّاج) هُوَ ابْن يُوسُف الثَّقَفِيّ وَالِي الْعرَاق، وَقَالَ بَعضهم: وَزعم الْكرْمَانِي أَن الرِّوَايَة بِضَم أَوله قَالَ: وَهُوَ جمع حَاج. قَالَ: وَهُوَ تَحْرِيف بِلَا خلاف. قلت: لم يقل الْكرْمَانِي: إِن الرِّوَايَة بِضَم أَوله، وَإِنَّمَا قَالَ: الْحجَّاج، بِضَم أَوله جمع الْحَاج، وَفِي بَعْضهَا بِفَتْحِهَا، وَهُوَ ابْن يُوسُف الثَّقَفِيّ، وَهَذَا أصح ذكره فِي مُسلم وَلم يقف الْكرْمَانِي على الضَّم بل نبه على الْفَتْح، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا أصح. وَقَوله فِي مُسلم: هُوَ مَا رَوَاهُ من طَرِيق معَاذ عَن شُعْبَة: كَانَ الْحجَّاج يُؤَخر الصَّلَوَات. قَوْله: (قدم الْحجَّاج) يَعْنِي: قدم الْمَدِينَة واليا من قبل عبد الْملك بن مَرْوَان سنة أَربع وَسبعين، وَذَلِكَ عقيب قتل ابْن الزبير، رضي الله عنهما، فأمَّره عبد الْملك على الْحَرَمَيْنِ قَوْله:(فسألنا جَابر بن عبد الله) لم يبين المسؤول مَا هُوَ تَقْدِيره، فسألنا جَابر بن عبد الله عَن وَقت الصَّلَاة وَقد فسره فِي حَدِيث أبي عوَانَة فِي (صَحِيحه) من طَرِيق أبي النَّضر عَن شُعْبَة، سَأَلنَا جَابر بن عبد الله فِي زمن الْحجَّاج، وَكَانَ يُؤَخر الصَّلَاة عَن وَقت الصَّلَاة. قَوْله:(بالهاجرة) الهاجرة: شدَّة الْحر، وَالْمرَاد بهَا نصف النَّهَار بعد الزَّوَال، سميت بهَا لِأَن الْهِجْرَة هِيَ التّرْك، وَالنَّاس يتركون التَّصَرُّف حِينَئِذٍ لشدَّة الْحر لأجل القيلولة وَغَيرهَا. فَإِن قلت: يُعَارضهُ حَدِيث الْإِبْرَاد، لِأَن قَوْله: (كَانَ
يُصَلِّي الظّهْر بالهاجرة) ، يشْعر بِالْكَثْرَةِ والدوام عرفا. قلت: لَا تعَارض بَينهمَا، لِأَنَّهُ أطلق الهاجرة على الْوَقْت بعد الزَّوَال مُطلقًا. والإبراد مُقَيّد بِشدَّة الْحر. قَوْله:(وَالْعصر)، بِالنّصب أَي: وَكَانَ يُصَلِّي الْعَصْر. قَوْله: (وَالشَّمْس نقية) جملَة إسمية وَقعت حَالا على الأَصْل بِالْوَاو، وَمعنى: نقية، خَالِصَة صَافِيَة لم يدخلهَا بعد صفرَة وَتغَير. قَوْله:(وَالْمغْرب) ، بِالنّصب أَيْضا، أَي: وَكَانَ يُصَلِّي الْمغرب إِذا وَجَبت، أَي: إِذا غَابَتْ الشَّمْس. وأصل الْوُجُوب السُّقُوط، وَالْمرَاد سُقُوط قرص الشَّمْس. وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم:(وَالْمغْرب إِذا غربت) . وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة من طَرِيق أبي النَّضر عَن شُعْبَة: (وَالْمغْرب حِين تجب الشَّمْس) أَي: حِين تسْقط. قَوْله: (وَالْعشَاء) بِالنّصب أَيْضا أَي: وَكَانَ يُصَلِّي الْعشَاء. قَوْله: (أَحْيَانًا وَأَحْيَانا) منصوبان على الظَّرْفِيَّة، وَالْمعْنَى، كَانَ يُصَلِّي الْعشَاء فِي أحيان بالتقديم، وَفِي أحيان بِالتَّأْخِيرِ. وَقَوله:(إِذا رَآهُمْ اجْتَمعُوا على عجل) بَيَان لقَوْله: (أَحْيَانًا) يَعْنِي: إِذا رأى الْجَمَاعَة اجْتَمعُوا عجل بالعشاء، لِأَن فِي تَأْخِيرهَا تنفيرهم. وَقَوله:(وَإِذا رَآهُمْ إبطأوا أخر) بَيَان لقَوْله: (وَأَحْيَانا) يَعْنِي: إِذا رأى الْجَمَاعَة تَأَخَّرُوا بالعشاء لإحراز فَضِيلَة الْجَمَاعَة، والأحيان جمع: حِين، وَهُوَ اسْم مُبْهَم يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير من الزَّمَان، وَهُوَ الْمَشْهُور، وَهُوَ المُرَاد هَهُنَا. وَإِن كَانَ جَاءَ بِمَعْنى أَرْبَعِينَ سنة وَبِمَعْنى سِتَّة أشهر. وَقَوله:(أبطأوا) على وزن: أفعلوا، بِفَتْح الطَّاء وَضم الْهمزَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: والجملتان الشرطيتان فِي مَحل النصب حالان من الْفَاعِل، أَي: يُصَلِّي الْعشَاء معجلا إِذا اجتمعووا، ومؤخرا إِذا تباطأوا، وَيحْتَمل أَن يَكُونَا من الْمَفْعُول. والراجع إِلَيْهِ مَحْذُوف، إِذْ التَّقْدِير: عجلها وأخرها. قلت: لَا نسلم أَن: إِذا هَهُنَا للشّرط، بل على أَصْلهَا للْوَقْت، وَالْمعْنَى: كَانَ يُصَلِّي الْعشَاء أَحْيَانًا بالتعجيل إِذا رَآهُمْ اجْتَمعُوا، وَكَانَ يُصَلِّي أَحْيَانًا بِالتَّأْخِيرِ إِذا رَآهُمْ تَأَخَّرُوا، والجملتان بيانيتان كَمَا ذكرنَا، وكل وَاحِد من: عجل وَأخرج جَوَاب: إِذا. قَوْله: (وَالصُّبْح) بِالنّصب أَيْضا أَي: وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْح. وَقَوله: (يُصليهَا بِغَلَس) ، إِضْمَار على شريطة التَّفْسِير، وَقد علم أَن الْإِضْمَار على شريطة التَّفْسِير كل اسْم بعده فعل أَو شُبْهَة مشتغل عَنهُ بضميره أَو مُتَعَلّقه، لَو سلط عَلَيْهِ لنصبه. وَهَهُنَا الإسم هُوَ قَوْله:(الصُّبْح) . وَقَوله: (يُصليهَا)، فعل وَقع بعده قَوْله:(كَانُوا أَو كَانَ) بِكَلِمَة الشَّك، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الشَّك من الرَّاوِي عَن جَابر، ومعناهما متلازمان لِأَن أَيهمَا كَانَ يدْخل فِيهِ الآخر إِن أَرَادَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فالصحابة فِي ذَلِك كَانُوا مَعَه، وَإِن أَرَادَ الصَّحَابَة فالنبي صلى الله عليه وسلم كَانَ إمَامهمْ، وَخبر: كَانُوا، مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ كَانَ يُصليهَا، أَي: كَانُوا يصلونَ. وَقَالَ ابْن بطال: ظَاهره أَن الصُّبْح كَانَ يُصليهَا بِغَلَس، اجْتَمعُوا أَو لم يجتمعوا، وَلَا يفعل فِيهَا كَمَا يفعل فِي الْعشَاء، وَهَذَا من أفْصح الْكَلَام، وَفِيه حذفان: حذف خبر: كَانُوا، وَهُوَ جَائِز كحذف خبر الْمُبْتَدَأ، كَقَوْلِه تَعَالَى:{واللائي لم يحضن} (الطَّلَاق: 4) . وَالْمعْنَى: واللائي لم يحضن فعدتهن مثل ذَلِك ثَلَاثَة أشهر، والحذف الثَّانِي حذف الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ الْخَبَر لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ، وَحذف الْجُمْلَة الَّتِي بعد: أَو مَعَ كَونهَا مقتضية لَهَا. وَقَالَ السفاقسي: تَقْدِيره: أَو لم يَكُونُوا مُجْتَمعين، وَيصِح أَن تكون: كَانَ، تَامَّة غير نَاقِصَة، فَتكون بِمَعْنى الْحُضُور والوقوع، وَيكون الْمَحْذُوف مَا بعد: أَو، وخاصة. وَقَالَ ابْن الْمُنِير: يحْتَمل أَن يكون شكا من الرَّاوِي، هَل قَالَ: كَانَ النَّبِي، أَو كَانُوا؟ وَيحْتَمل أَن يكون تَقْدِيره: وَالصُّبْح كَانُوا مُجْتَمعين مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَو كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَحده يُصليهَا بِغَلَس قلت: الْأَوْجه مَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَول كل وَاحِد من الثَّلَاثَة لَا يَخْلُو عَن تعسف لَا يخفى ذَلِك على المتأمل. قَوْله: بِغَلَس) مُتَعَلق بقوله: (كَانُوا)، أَو:(كَانَ) بِاعْتِبَار الشَّك، فَإِن علقتها بقوله:(كَانُوا) لَا يلْزم مِنْهُ أَن لَا يكون النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَعَهم، وَإِن علقتها:(بكان) لَا يلْزم أَن لَا يكون أَصْحَابه مَعَه، والغلس، بِفتْحَتَيْنِ: ظلمَة آخر اللَّيْل.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: بَيَان معرفَة أَوْقَات الصَّلَاة الْخمس. وَفِيه: بَيَان الْمُبَادرَة إِلَى الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا إلَاّ مَا ورد فِيهِ الْإِبْرَاد بِالظّهْرِ والإسفار بالصبح، وَتَأْخِير الْعشَاء عِنْد تَأَخّر الْجَمَاعَة. وَفِيه: السُّؤَال عَن أهل الْعلم. وَفِيه: تعين الْجَواب على المسؤول عَنهُ إِذا علم بالمسؤول.
56 -
ح دَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ قالَ حدَّثَنا يَزِيدُ بنُ أبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم المَغْرِبَ إذَا تَوَارَتْ بالحِجَابِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ يعلم مِنْهُ أَن وَقت الْمغرب بغيبوبة الشَّمْس.
ذكر رِجَاله: وهم ثَلَاثَة: الْمَكِّيّ