الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: جَوَاز الْإِشَارَة المفهمة عِنْد الْحَاجة، وَجَوَاز جُلُوس الْمَأْمُوم بِجنب الإِمَام عِنْد الضَّرُورَة أَو الْحَاجة، وَفِي قَوْله: اسْتَأْخَرَ، دَلِيل وَاضح أَنه لم يكن عِنْده مستنكرا أَن يتَقَدَّم الرجل عَن مقَامه الَّذِي قَامَ فِيهِ فِي صلَاته ويتأخر، وَذَلِكَ عمل فِي الصَّلَاة من غَيرهَا، فَكل مَا كَانَ نَظِير ذَلِك وَفعله فَاعل فِي صلَاته لأمر دَعَاهُ إِلَيْهِ فَذَلِك جَائِز. قيل: فِي الحَدِيث إِشْعَار بِصِحَّة صَلَاة الْمَأْمُوم وَإِن لم يتَقَدَّم الإِمَام عَلَيْهِ، كَمَا هُوَ مَذْهَب الْمَالِكِيَّة. وَأجِيب: بِأَنَّهُ قد يكون بَينهمَا الْمُحَاذَاة مَعَ تقدم الْعقب على عقب الْمَأْمُوم، أَو جَازَ محاذاة العقبين لَا سِيمَا عِنْد الضَّرُورَة أَو الْحَاجة. وَفِيه: دلَالَة أَن الْأَئِمَّة إِذا كَانُوا بِحَيْثُ لَا يراهم من يأتم بهم جَازَ أَن يرْكَع الْمَأْمُوم بركوع المكبر. وَفِيه: أَن الْعَمَل الْقَلِيل لَا يفْسد الصَّلَاة.
48 -
(بابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ الناسَ فَجَاءَ الإمامُ الأوَّلُ فَتَأخَّرَ الأوَّلُ أوْ لَمْ يَتَأخَّرْ جازَتْ صَلَاتُهُ)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته من دخل
…
إِلَى آخِره. قَوْله: (الإِمَام) الأول أَي: الإِمَام الرَّاتِب. قَوْله: (فَتَأَخر الأول) أَي: الَّذِي أَرَادَ أَن يَنُوب عَن الرَّاتِب، والمعرة إِذا أُعِيدَت إِنَّمَا تكون عين الأول عِنْد عدم الْقَرِينَة الدَّالَّة على الْمُغَايرَة، ويروي:(فَتَأَخر الآخر)، وَالْمرَاد مِنْهُ: الدَّاخِل. وكل مِنْهُمَا أول بِاعْتِبَار.
فِيهِ عنْ عَائِشَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
أَي: فِي الْمَذْكُور من قَوْله: (فجَاء الامام الاول فَتَأَخر الأول) إِلَى آخِره، رُوِيَ عَن عَائِشَة، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى حَدِيثهَا الَّذِي روى عَنْهَا عُرْوَة الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق، وَهُوَ قَوْله:(فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بكر اسْتَأْخَرَ)، أَي: فَلَمَّا رأى النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، أَبُو بكر فالنبي صلى الله عليه وسلم، هُوَ الأول لِأَنَّهُ الإِمَام الرَّاتِب، وَأَبُو بكر هُوَ الدَّاخِل وَيُطلق عَلَيْهِ الأول بِاعْتِبَار أَنه تقدم أَولا، وَيُطلق عَلَيْهِ الآخر لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأول آخر. فَافْهَم.
684 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ أبي حازِمِ بنِ دِينَارٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَجَاءَ المُؤَذَّنُ إلَى أبِي بَكْرٍ فَقَالَ أتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ قَالَ نَعَمْ فَصَلَّى أبُو بَكْرٍ فَجَاءَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والنَّاسُ فِي الصَّلاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وكانَ أبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا أكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأشَارَ إلَيْهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنِ امْكُثْ مَكانَكَ فَرَفَعَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَدَيْهِ فَحَمِدَ الله عَلَى مَا أمَرَهُ بِهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوى فِي الصَّفِّ وتَقَدَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى فَلَمَّا انْصرَفَ قَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أنْ تَثْبُتَ إذْ أمَرْتُكَ فَقَالَ أبُو بَكْرٍ مَا كانَ لابنِ أبي قحَافَةَ أنْ يصلّي بَيْنَ يَدَيْ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رسولُ الله ت مَا لِي رَأيْتُكُمْ أكْثَرْتُمُ التَّصفِيقَ منْ رَابَهُ شَيءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإنَّهُ إذَا سَبَّحَ الْتفت إلَيْهِ وإنَّما التصْفِيقُ لَلنِّساءِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بكر حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفّ وَتقدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فصلى) .
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: عبد الله بن يُوسُف التنيسِي. القاني: مَالك بن أنس. الثَّالِث: أَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: واسْمه سَلمَة بن دِينَار وَقد تقدم. الرَّابِع: سهل بن سعد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: عَن سهل، وَفِي رِوَايَة
النَّسَائِيّ من طَرِيق سُفْيَان: عَن أبي حَازِم، سَمِعت سهلاً. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين تنسي ومدني.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ فِي سَبْعَة مَوَاضِع هُنَا، وَفِي الصَّلَاة فِيمَا يجوز من التَّسْبِيح وَالْحَمْد للرِّجَال، وَرفع الْأَيْدِي فِيهَا لأمر ينزل بِهِ، وَالْإِشَارَة فِيهَا، والسهو، وَالصُّلْح وَالْأَحْكَام. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيع وَعَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دواد عَن القعْنبِي وَعَن عَمْرو بن عَوْف. وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله وَعَن أَحْمد بن عَبدة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف) هم: من ولد مَالك بن الْأَوْس، وَكَانُوا بقباء، والأوس أحد قبيلتي الْأَنْصَار، وهما: الْأَوْس والخزرج، وَبَنُو عَمْرو بن عَوْف بطن كثير من الْأَوْس فِيهِ عدَّة أَحيَاء مِنْهُم: بَنو أُميَّة بن زيد، وَبَنُو ضبيعة بن زيد، وَبَنُو ثَعْلَبَة ابْن عَمْرو بن عَوْف، وَالسَّبَب فِي ذَهَابه صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِم مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الصُّلْح من طَرِيق مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن أبي حَازِم:(أَن أهل قبَاء اقْتَتَلُوا حَتَّى تراموا بِالْحِجَارَةِ، فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فَقَالَ إذهبوا بِنَا نصلح بَينهم) . وَرُوِيَ فِي الْأَحْكَام من طَرِيق حَمَّاد بن زيد: أَن توجهه كَانَ بعد أَن صلى الظّهْر، وروى الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عَمْرو بن عَليّ عَن أبي حَازِم: أَن الْخَبَر جَاءَ بذلك، وَقد أذن بِلَال لصَلَاة الظّهْر. قَوْله:(فحانت الصَّلَاة)، أَي: صَلَاة الْعَصْر، وَصرح بِهِ فِي الْأَحْكَام. وَلَفظه: فَلَمَّا حضرت صَلَاة الْعَصْر أذن بِلَال ثمَّ أَقَامَ ثمَّ أَمر أَبَا بكر فَتقدم) . وَلم يبين فَاعل ذَلِك، وَقد بَين ذَلِك أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) بِسَنَد صَحِيح، وَلَفظه:(كَانَ قتال بَين بني عَمْرو بن عَوْف فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُم ليصلح بَينهم بعد الظّهْر، فَقَالَ لِبلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِن حضرت صَلَاة الْعَصْر وَلم آتِك فَمر أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ، فَلَمَّا حضرت صَلَاة الْعَصْر أذن بِلَال ثمَّ أَقَامَ ثمَّ أَمر أَبَا بكر فَتقدم) . وَعلم من ذَلِك أَن المُرَاد من قَوْله: (فجَاء الْمُؤَذّن) هُوَ: بِلَال. قَوْله: (فَقَالَ)، أَي: الْمُؤَذّن الَّذِي هُوَ بِلَال. قَوْله: (أَتُصَلِّي للنَّاس؟) الْهمزَة فِيهَا للاستفهام على سَبِيل التَّقْرِير، وَبِهَذَا ينْدَفع إِشْكَال من يَقُول: هَذَا يُخَالف مَا ذكر فِي رِوَايَة أبي دَاوُد من قَوْله: (ثمَّ أَمر أَبَا بكر فَتقدم)، ويروى:(أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ؟) بِالْبَاء الْمُوَحدَة عوض عَن اللَّام. قَوْله: (فأقيم)، قَالَ الْكرْمَانِي: بِالرَّفْع وَالنّصب، وَسكت على ذَلِك. قلت: وَجه الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: فَأَنا أقيم، وَوجه النصب على أَنه جَوَاب الِاسْتِفْهَام، وَالتَّقْدِير: فَإِن أقيم. قَوْله: (قَالَ نعم) أَي: قَالَ أَبُو بكر: نعم أقِم الصَّلَاة، وَزَاد فِي رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن أَبِيه لَفْظَة:(إِن شِئْت) . وَأخرج البُخَارِيّ هَذِه الزِّيَادَة فِي: بَاب رفع الْأَيْدِي، وَوجه هَذَا التَّفْوِيض إِلَيْهِ لاحْتِمَال أَن يكون عِنْده زِيَادَة علم من النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِك. قَوْله:(فصلى أَبُو بكر) ، لَيْسَ على حَقِيقَته، بل مَعْنَاهُ: دخل فِي الصَّلَاة، وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة عبد الْعَزِيز:(وَتقدم أَبُو بكر فَكبر) وَرِوَايَة المَسْعُودِيّ عَن أبي حَازِم: (فَاسْتَفْتَحَ أَبُو بكر الصَّلَاة)، وَهِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ أَيْضا. قَوْله:(وَالنَّاس فِي الصَّلَاة) جملَة حَالية يَعْنِي: شرعوا فِيهَا مَعَ شُرُوع أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(فتخلص)، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: صَار خَالِصا من الاشغال قلت: لَيْسَ المُرَاد هَذَا الْمَعْنى هَهُنَا، بل مَعْنَاهُ: فتخلص من شقّ الصُّفُوف حَتَّى وصل إِلَى الصَّفّ الأول، وَهُوَ معنى قَوْله:(حَتَّى وقف فِي الصَّفّ) أَي: فِي الصَّفّ الأول، وَالدَّلِيل على مَا قُلْنَا رِوَايَة عبد الْعَزِيز، عِنْد مُسلم:(فجَاء النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فخرق الصُّفُوف حَتَّى قَامَ عِنْد الصَّفّ الْمُقدم) . قَوْله: (فَصَفَّقَ النَّاس) ، بتَشْديد الْفَاء، من: التصفيق. قَالَ الْكرْمَانِي: التصفيق الضَّرْب الَّذِي يسمع لَهُ صَوت، والتصفيق بِالْيَدِ التصويت بهَا. انْتهى. التصفيق: هُوَ التصفيح بِالْحَاء، سَوَاء صفق بِيَدِهِ أَو صفح. وَقيل: هُوَ بِالْحَاء: الضَّرْب بِظَاهِر الْيَد إِحْدَاهمَا على صفحة الْأُخْرَى، وَهُوَ الْإِنْذَار والتنبيه. وبالقاف: ضرب إِحْدَى الصفحتين على الْأُخْرَى، وَهُوَ اللَّهْو واللعب. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ عِيسَى بن أَيُّوب: التصفيح للنِّسَاء ضرب بإصبعين من يَمِينهَا على كفها الْيُسْرَى. وَقَالَ الدَّاودِيّ: فِي بعض الرِّوَايَات: (فصفح الْقَوْم، وَإِنَّمَا التصفيح للنِّسَاء) . فَيحمل أَنهم ضربوا أكفهم على أَفْخَاذهم قلت: رِوَايَة عبد الْعَزِيز: (فَأخذ النَّاس فِي التصفيح، قَالَ سهل: أَتَدْرُونَ مَا التصفيح؟ هُوَ التصفيق) . قَوْله: (وَكَانَ أَبُو بكر لَا يلْتَفت فِي صلَاته) وَذَلِكَ لعلمه بِالنَّهْي عَن ذَلِك، وَفِي (صَحِيح ابْن خُزَيْمَة) : سَأَلت عَائِشَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الْتِفَات الرجل فِي الصَّلَاة، فَقَالَ: هُوَ اختلاس يختلسه الشَّيْطَان من صَلَاة الرجل. قَوْله: (فَلَمَّا أَكثر النَّاس التصفيق)، وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد:(فَلَمَّا رأى التصفيح لَا يمسك عَنهُ الْتفت)، قَوْله:(أَن أمكث مَكَانك) . كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة، وَالْمعْنَى: فَأَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بالمكث
فِي مَكَانَهُ. وَفِي رِوَايَة عبد الْعَزِيز: (فَأَشَارَ إِلَيْهِ يَأْمُرهُ بِأَن يُصَلِّي)، وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن عَليّ:(فَدفع فِي صَدره لِيَتَقَدَّم فَأبى) . قَوْله: (فَرفع أَبُو بكر يَدَيْهِ فَحَمدَ الله) ظَاهره أَنه حمد الله تَعَالَى بِلَفْظِهِ صَرِيحًا، لَكِن فِي رِوَايَة الْحميدِي عَن سُفْيَان:(فَرفع أَبُو بكر رَأسه إِلَى السَّمَاء شكرا لله وَرجع الْقَهْقَرِي) ، وَادّعى ابْن الْجَوْزِيّ أَنه أَشَارَ إِلَى الشُّكْر وَالْحَمْد بِيَدِهِ وَلم يتَكَلَّم، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْحميدِي مَا يمْنَع أَن يكون بِلَفْظِهِ، وَيُقَوِّي ذَلِك مَا رَوَاهُ أَحْمد من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون عَن أبي حَازِم:(يَا أَبَا بكر لم رفعت يَديك؟ وَمَا مَنعك أَن تثبت حِين أَشرت إِلَيْك؟ قَالَ: رفعت يَدي لِأَنِّي حمدت الله على مَا رَأَيْت مِنْك) . وَزَاد المَسْعُودِيّ: (فَلَمَّا تنحى تقدم النَّبِي، صلى الله عليه وسلم وَنَحْوه فِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد. قَوْله: (ثمَّ اسْتَأْخَرَ) أَي: تَأَخّر. قَوْله: (فَلَمَّا انْصَرف) أَي: رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الصَّلَاة، قَوْله:(إِذْ أَمرتك) أَي: حِين أَمرتك. قَوْله: (لِابْنِ أبي قُحَافَة) بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة وَبعد الْألف فَاء: واسْمه عُثْمَان بن عَامر الْقرشِي، أسلم عَام الْفَتْح، وعاش إِلَى خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمَات سنة أَربع عشرَة، وَإِنَّمَا لم يقل أَبُو بكر: مَا لي، أَو: مَا لأبي بكر، تحقيرا لنَفسِهِ واستصغارا لمرتبته عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالْمرَاد من بَين يَدي: القدام. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو لفظ يَدي مقحم؟ قلت: إِذا كَانَ لفظ: يَدي مقحما لَا يَنْتَظِم الْمَعْنى على مَا لَا يخفى. قَوْله: (مَا لي رأيتكم) تَعْرِيض، وَالْغَرَض: مَا لكم. قَوْله: (من نابه) أَي: من أَصَابَهُ. قَوْله: (فليسبح)، أَي: فَلْيقل: سُبْحَانَ الله، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي حَازِم، (فَلْيقل: سُبْحَانَ الله) . قَوْله: (الْتفت إِلَيْهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول، قَوْله:(وَإِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء)، وَفِي رِوَايَة عبد الْعَزِيز:(وَإِنَّمَا التصفيح للنِّسَاء) . وَوَقع فِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد بِصِيغَة الْأَمر، وَلَفظه:(إِذا نابكم أَمر فليسبح الرِّجَال وليصفح النِّسَاء) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ من الْأَحْكَام: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: فِيهِ فضل الْإِصْلَاح بَين النَّاس وحسم مَادَّة الْفِتْنَة بَينهم وجمعهم على كلمة وَاحِدَة.
الثَّانِي: فِيهِ توجه الإِمَام بِنَفسِهِ إِلَى بعض رَعيته للإصلاح، وَتَقْدِيم ذَلِك على مصلحَة الْإِمَامَة بِنَفسِهِ، لِأَن فِي ذَلِك دفع الْمفْسدَة وَهُوَ أولى من الْإِمَامَة بِنَفسِهِ، ويلتحق بذلك توجه الْحَاكِم لسَمَاع دَعْوَى بعض الْخُصُوم إِذا علم أَن فِيهِ مصلحَة.
الثَّالِث: قيل فِيهِ جَوَاز الصَّلَاة الْوَاحِدَة بإمامين: أَحدهمَا بعد الآخر، وَأَن الإِمَام الرَّاتِب إِذا غَابَ يسْتَخْلف غَيره، وَإنَّهُ إِذا حضر بعد أَن دخل نَائِبه فِي الصَّلَاة يتَخَيَّر بَين أَن يأتم بِهِ أَو يؤم هُوَ وَيصير النَّائِب مَأْمُوما من غير أَن يقطع الصَّلَاة، وَلَا يبطل شَيْء من ذَلِك صَلَاة أحد الْمَأْمُومين. انْتهى. قلت: جَوَاز الصَّلَاة الْوَاحِدَة بإمامين: أَحدهمَا بعد الآخر مُسلم، لِأَن الإِمَام إِذا أحدث واستخلف خَليفَة فَأَتمَّ الْخَلِيفَة صلَاته صَحَّ ذَلِك وَيُطلق عَلَيْهِ أَنه صَلَاة وَاحِدَة بإمامين، وَقَوله أَيْضا: إِن الإِمَام الرَّاتِب إِذا غَابَ يسْتَخْلف غَيره مُسلم أَيْضا. قَوْله: وَإنَّهُ إِذا حضر
…
إِلَى آخِره، غير مُسلم. واحتجاج من يذهب إِلَى هَذَا بِهَذَا الحَدِيث غير صَحِيح، لِأَن ذَلِك من خَصَائِص النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، ذكر ذَلِك ابْن عبد الْبر، وَادّعى الْإِجْمَاع على عدم جَوَاز ذَلِك لغيره. قلت: لِأَنَّهُ لَا يجوز التَّقَدُّم بَين يَدي النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَلَيْسَ لسَائِر النَّاس الْيَوْم من الْفضل من يجب أَن يتَأَخَّر لَهُ، وَكَانَ جَائِزا لأبي بكر أَن لَا يتَأَخَّر لإشارة النَّبِي، صلى الله عليه وسلم:(أَن امْكُث مَكَانك) : وَقَالَ بعض الْمَالِكِيَّة أَيْضا: تَأَخّر أبي بكر وتقدمه، صلى الله عليه وسلم من خواصه صلى الله عليه وسلم وَلَا يفعل ذَلِك بعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَالَ بَعضهم: ونوقض يَعْنِي: دَعْوَى ابْن عبد الْبر الْإِجْمَاع الْمَذْكُور، بِأَن الْخلاف ثَابت، فَالصَّحِيح الْمَشْهُور عِنْد الشَّافِعِيَّة الْجَوَاز. انْتهى. قلت: هَذَا خرق للْإِجْمَاع السَّابِق قبل هَؤُلَاءِ الشَّافِعِيَّة، وخرق الْإِجْمَاع بَاطِل.
الرَّابِع: قيل فِيهِ جَوَاز إِحْرَام الْمَأْمُوم قبل الإِمَام، وَأَن الْمَرْء قد يكون فِي بعض صلَاته إِمَامًا وَفِي بَعْضهَا مَأْمُوما انْتهى. قلت: قَوْله: فِيهِ جَوَاز إِحْرَام الْمَأْمُوم قبل الإِمَام، قَول غير صَحِيح يردهُ قَوْله صلى الله عليه وسلم:(إِذا كبر الإِمَام فكبروا) . وَلَفظ البُخَارِيّ: (فَإِذا كبر فكبروا)، وَقد رتب تَكْبِير الْمَأْمُوم على تَكْبِير الإِمَام فَلَا يَصح أَن يسْبقهُ. وَقَالَ ابْن بطال: لَا أعلم من يَقُول: إِن من كبر قبل إِمَامه فَصلَاته تَامَّة إلَاّ الشَّافِعِي بِنَاء على مذْهبه، وَهُوَ أَن صَلَاة الْمَأْمُوم غير مرتبطة بِصَلَاة الإِمَام، وَسَائِر الْفُقَهَاء لَا يجيزون ذَلِك.
الْخَامِس: استنبط الطَّبَرِيّ مِنْهُ، وَقَالَ: فِي هَذَا الْخَبَر دَلِيل على خطأ من زعم أَنه لَا يجوز لمن أحرم بفريضة وَصلى بَعْضهَا ثمَّ أُقِيمَت عَلَيْهِ تِلْكَ الصَّلَاة أَنه لَا يجوز لَهُ أَن يدْخل مَعَ الْجَمَاعَة
فِي بَقِيَّة صلَاته حَتَّى يخرج مِنْهَا وَيسلم، ثمَّ يدْخل مَعَهم، فَإِن دخل مَعَهم دون سَلام فَسدتْ صلَاته وَلَزِمَه قَضَاؤُهَا. انْتهى. قلت: الحَدِيث يبين خطأه هُوَ، وَذَلِكَ أَنه صلى الله عليه وسلم، ابتدا صَلَاة كَانَ أَبُو بكر صلى بَعْضهَا وائتم بِهِ أَصْحَابه فِيهَا، فَكَانَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، مبتدئا وَالْقَوْم متممين.
السَّادِس: فِيهِ فضل أبي بكر على جَمِيع الصَّحَابَة.
السَّابِع: فِيهِ أَن إِقَامَة الصَّلَاة واستدعاء الإِمَام من وَظِيفَة الْمُؤَذّن، وَأَن الْمُؤَذّن هُوَ الَّذِي يُقيم وَهَذَا هُوَ السّنة، فَإِن أَقَامَ غَيره كَانَ خلاف السّنة. قيل: يعْتد بِإِذْنِهِ عِنْد الْجُمْهُور. قلت: وَبِغير إِذْنه أَيْضا يعْتد، وَإِذا أَقَامَ غير الْمُؤَذّن أَيْضا يعْتد عندنَا، لقَوْله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد حِين رأى الْأَذَان:(ألقها على بِلَال فَإِنَّهُ أمد صَوتا مِنْك، وأقم أَنْت) . وَقَوله، صلى الله عليه وسلم:(من أذن فَهُوَ يُقيم) ، كَانَ فِي حق زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي، وَكَانَ حَدِيث الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ، وَأمره بِهِ كَيْلا تدخله الوحشة.
الثَّامِن: فِيهِ جَوَاز التَّسْبِيح وَالْحَمْد فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ من ذكر الله تَعَالَى، وَأما إِذا قَالَ: الْحَمد لله، وَأَرَادَ بِهِ الْجَواب اخْتلف الْمَشَايِخ فِي فَسَاد صلَاته. وَفِي (الْمُحِيط) : لَو حمد الله الْعَاطِس فِي نَفسه وَلَا يُحَرك لِسَانه، عَن أبي حنيفَة، لَا تفْسد وَلَو حرك تفْسد. وَفِي (فَتَاوَى العتابي) : لَو قَالَ السَّامع: الْحَمد على رَجَاء الثَّوَاب من غير إِرَادَة الْجَواب لَا تفْسد، وَإِذا فتح على إِمَامه لَا تفْسد، وعَلى غَيره تفْسد. وَقَالَ ابْن قدامَة: قَالَ أَبُو حنيفَة: إِن فتح على الإِمَام بطلت صلَاته قلت: هَذَا غير صَحِيح. وَقَالَ السفاقسي: احْتج بِالْحَدِيثِ جمَاعَة من الحذاق على أبي حنيفَة فِي قَوْله: إِن فتح الرجل لغير إِمَامه لم تجز صلَاته. قلت: لَيْسَ فِي الحَدِيث دلَالَة على هَذَا، وَالَّذِي لَيْسَ فِي صلَاته لَا يدْخل تَحت قَوْله:(من نابه شَيْء فِي صلَاته)، وَلِأَنَّهُ يكون تَعْلِيما وتلقينا. وَقَالَ السفاقسي: قَالَ مَالك: من أخبر فِي صلَاته بسرور فَحَمدَ الله تَعَالَى لَا تضر صلَاته. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: من أخبر بمصيبة فَاسْتَرْجع، أَو أخبر بِشَيْء فَقَالَ: الْحَمد لله على كل حَال، أَو قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي بنعمته تتمّ الصَّالِحَات، لَا يُعجبنِي، وَصلَاته مجزية. وَقَالَ أَشهب: إلاّ أَن يُرِيد بذلك قطع الصَّلَاة. وَمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِذا سبح لأعمى خوف أَن يَقع فِي بِئْر أَو دَابَّة أَو فِي حَيَّة إِنَّه جَائِز.
التَّاسِع: فِيهِ جَوَاز الِالْتِفَات للْحَاجة، قَالَه ابْن عبد الْبر، وَجُمْهُور الْفُقَهَاء على أَن الِالْتِفَات لَا يفْسد الصَّلَاة إِذا كَانَ يَسِيرا قلت: هَذَا إِذا كَانَ لحَاجَة، لما روى سهل بن الحنظلية من حَدِيث فِيهِ:(فَجعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَهُوَ يلْتَفت إِلَى الشّعب) . وَقَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ أرسل فَارِسًا إِلَى الشّعب يحرس، وَقَالَ الْحَاكِم: سَنَده صَحِيح، وَأما إِذا كَانَ لَا لحَاجَة فَإِنَّهُ يكره، لما رُوِيَ عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(لَا يزَال الله تَعَالَى مُقبلا على العَبْد وَهُوَ فِي صلَاته مَا لم يلْتَفت، فَإِذا الْتفت انْصَرف عَنهُ) . وَعند ابْن خُزَيْمَة عَن ابْن عَبَّاس: (كَانَ، صلى الله عليه وسلم يلْتَفت يَمِينا وَشمَالًا وَلَا يلوي عُنُقه خلف ظَهره) . وَعند التِّرْمِذِيّ، واستغر بِهِ:(يلحظني يَمِينا وَشمَالًا) . وَقَالَ ابْن الْقطَّان: صَحِيح، وَعند ابْن خُزَيْمَة عَن عَليّ بن شَيبَان، وَكَانَ أحد الْوَفْد قَالَ:(صليت خلف النَّبِي صلى الله عليه وسلم فلمح بمؤخر عَيْنَيْهِ إِلَى رجل لَا يُقيم صلبه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود) . وَعَن جَابر صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ شَاك، فصلينا وَرَاءه قعُودا فَالْتَفت إِلَيْنَا فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد: لَا صَلَاة لملتفت قلت: ضعفه ابْن الْقطَّان وَغَيره.
الْعَاشِر: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز اسْتِخْلَاف الإِمَام إِذا أَصَابَهُ مَا يُوجب ذَلِك، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحد قولي الشَّافِعِي، وَهُوَ قَول عمر وَعلي وَالْحسن وعلقمة وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري، وَعَن الشَّافِعِي وَأهل الظَّاهِر: لَا يسْتَخْلف الإِمَام.
الْحَادِي عشر: فِيهِ جَوَاز شقّ الصُّفُوف وَالْمَشْي بَين الْمُصَلِّين لقصد الْوُصُول إِلَى الصَّفّ الأول، لَكِن هَذَا فِي حق الإِمَام وَيكرهُ فِي حق غَيره.
الثَّانِي عشر: فِيهِ جَوَاز إِمَامَة الْمَفْضُول للفاضل.
الثَّالِث عشر: فِيهِ سُؤال الرئيس عَن سَبَب مُخَالفَة أمره قبل الزّجر عَن ذَلِك.
الرَّابِع عشر: فِيهِ إكرام الْكَبِير بمخاطبته بالكنية.
الْخَامِس عشر: فِيهِ أَن الْعَمَل الْقَلِيل فِي الصَّلَاة لَا يُفْسِدهَا، لتأخر أبي بكر عَن مقَامه إِلَى الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ.
السَّادِس عشر: فِيهِ تَقْدِيم الْأَصْلَح وَالْأَفْضَل.
السَّابِع عشر: فِيهِ تَقْدِيم غير الإِمَام إِذا تَأَخّر، وَلم يخف فتْنَة وَلَا إِنْكَار من الإِمَام.
الثَّامِن عشر: قيل فِيهِ تَفْضِيل الصَّلَاة فِي أول الْوَقْت. قلت: إِنَّمَا صلوا فِي أول الْوَقْت ظنا مِنْهُم أَنه صلى الله عليه وسلم، لَا يَأْتِيهم فِي الْوَقْت وَالْجَمَاعَة كَانُوا حاضرين، وَفِي تأخيرهم كَانَ تشويش لَهُم من جِهَة أَن فيهم من كَانَ ذَا حَاجَة وَذَا ضعف وَنَحْو ذَلِك.
التَّاسِع عشر: فِيهِ أَن رفع الْيَد فِي الصَّلَاة لَا يُفْسِدهَا.
الْعشْرُونَ: فِيهِ أَن الْمُصَلِّي إِذا نابه شَيْء فليسبح، أَي فَلْيقل: سُبْحَانَ الله. وَعَن مَالك: الْمَرْأَة تسبح كَالرّجلِ لِأَن كلمة: من، فِي الحَدِيث تقع على الذُّكُور وَالْإِنَاث. قَالَ: و: التصفيق