المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٥

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة)

- ‌ بَاب مَوَاقِيت الصَّلَاة وفضلها

- ‌(بابٌ قَوْلُ الله تَعَالَى {مُنِيبِينَ إلَيْهِ واتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (الرّوم:

- ‌(بابُ البَيْعَةِ عَلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بابٌ الصَّلَاةُ كَفَّارَةٌ)

- ‌(بابُ فَضْلِ الصَّلَاةِ لوَقْتِهَا)

- ‌(بابٌ الصَلَوَاتُ الخَمْسُ كَفَّارَةٌ)

- ‌(بابُ تَضْيِيعِ الصَّلاةِ عَنْ وَقْتِهَا)

- ‌(بابٌ المصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ عز وجل

- ‌(بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بابُ الإبْرَادِ بِالظُهْرِ فِي السفَرِ)

- ‌(بابٌ وَقْتُ الظهْرِ عِنْدَ الزَّوَال)

- ‌(بابُ تَأْخِيرِ الظُّهْرِ إلَى العَصَرِ)

- ‌(بابُ وَقْتِ العَصْرِ. وقَالَ أبُو أُسامَةَ عنْ هِشَامٍ منْ قَعْرِ حُجْرَتِهَا)

- ‌(بابُ إثْمِ مَنْ تَرَكَ العَصْرَ)

- ‌(بابُ منْ أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوبِ)

- ‌(بابُ وقْتِ المغْرَبَ)

- ‌(بابُ مَنْ كَرِهَ أنْ يُقَالَ لِلْمَغْرِبِ العِشَاءُ)

- ‌(بابُ ذِكْرِ العِشَاءِ والعَتْمَةِ ومَنْ رَآهُ واسِعا)

- ‌(بابُ وَقْتِ العِشَاءِ إذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أوْ تَأَخَّرُوا

- ‌(بابُ وَقْتِ العِشَاءِ إذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أوْ تَأَخَّرُوا

- ‌‌‌(يايُ فَضْلِ العِشَاءِ

- ‌(يايُ فَضْلِ العِشَاءِ

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوْمِ قَبْلَ العِشَاءِ)

- ‌(بابُ النَّوْمِ قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

- ‌(بابُ وقْتِ العِشَاءِ إلَى نِصْفِ الليْلِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ صَّلَاةِ الفَجْرِ)

- ‌(بابُ وقتِ الفَجْرِ)

- ‌(بابُ منْ أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الفَجْرِ)

- ‌(بابُ مَنْ أدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

- ‌(بابٌ لَا يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلَاةَ ألَاّ بَعْدَ العَصْرِ والفَجْرِ)

- ‌(بابُ مَا يُصَلَّى بَعْدَ العَصْرِ منَ الفَوَائِتِ وغَيْرِهَا)

- ‌(بابُ التَّبْكِيرِ بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ)

- ‌(بابُ الأَذَانِ بعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بابُ مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بابُ منْ نَسِيَ صلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذا ذَكَرهَا وَلَا يُعِيدُ إلَاّ تِلْكَ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب قضَاءِ الصَّلَوَاتِ الأُولَى فَالأُولَى)

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ منَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ والخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بابُ السَّمَرِ معَ الضَّيْفِ والأَهْلِ)

- ‌(بابُ السَّمَرِ معَ الضَّيْفِ والأَهْلِ)

- ‌(كِتَابُ الأذَانِ)

- ‌(بابُ بِدْءَ الأَذَانِ)

- ‌‌‌(بابٌ الأَذان مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بابٌ الأَذان مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بابٌ الإِقامَةُ واحِدَةٌ إِلَاّ قَوْلَهُ قَدْ قامَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بالنِّدَاءِ)

- ‌(بابُ مَا يُحْقَنُ بِالآذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)

- ‌(بابُ مَا يَقُولُ إذَا سَمِعَ المُنَادِي)

- ‌(بابُ الدُّعاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ)

- ‌(بابُ الاستِهَامِ فِي الأذَانِ)

- ‌(بابُ الكَلَامِ فِي الأذَانِ)

- ‌(بابُ أَذانِ الأعْمَى إذَا كانَ لهُ مَنْ يُخْبِرِهِ)

- ‌(بابُ الآذَانِ بَعْدَ الفَجْرِ)

- ‌(بابُ الأذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ)

- ‌(بابُ مَنِ انْتَظَرَ الإقَامَةَ)

- ‌(بابٌ هَل يُتْبِعُ المُؤَذِّنُ فاهُ هَهنا وهَهُنا وهَلْ يَلْتَفِتُ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ الرَّجلِ فاتَتْنَا الصلاةُ)

- ‌(بابٌ لَا يَسْعَى إلَى الصَّلَاةِ وَلْيَأْتِ بالسَّكِينَةِ والوَقارِ)

- ‌(بابٌ مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إذَا رَأوُا الإِمامَ عِنْدَ الإِقَامَةِ)

- ‌(بابٌ لَا يَسْعَى إلَى الصَّلَاةِ مُسْتَعْجِلاً وَلْيُقِمْ بِالسَّكِينَةِ والوَقَارِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

- ‌(بابٌ إذَا قالَ الإمامُ مكانَكُمْ حَتَّى نَرْجِعَ انْتَظِرُوه)

- ‌(بابُ قَوْلِ الرَّجلِ مَا صَلَّيْنا)

- ‌(بابُ الإمامِ تَعْرِضُ لَهُ الحاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ)

- ‌(بابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ فِي جَمَاعةٍ)

- ‌(بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إلَى الظُّهْرِ)

- ‌(بابُ احْتِسَابِ الآثَارِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ صَلَاةِ العِشَاءِ فِي الجَمَاعَةِ)

- ‌(بابٌ اثْنان فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ)

- ‌(بابُ مَنْ جَلَسَ فِي المَسْجِد يَنْتَظَرُ الصَّلاةَ وفَضْلِ المسَاجِدِ)

- ‌(بابُ فَضْل منْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ ومنْ راحَ)

- ‌(بابٌ إذَا أُقِيمَتِ الصلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَاّ المَكْتُوبَةُ)

- ‌(بابُ حَدِّ المَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

- ‌(بابُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ والعِلَّةِ أنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يُصَلِّي الإِمامُ بِمَنْ حَضَرَ وهَلْ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي المَطَرِ)

- ‌(بابٌ إذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وأُقِيمتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بابُ إذَا دُعِيَ الإمامُ إلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يأكُلُ)

- ‌(بابُ منْ كانَ فِي حاجَةِ أهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ)

- ‌(بابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ وَهْوَ لَا يُرِيدُ إلَاّ أنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وسُنَّتَهْ)

- ‌(بابٌ أهْلُ العِلْمِ والفَضْلِ أحَقُّ بِالإمَامةِ)

- ‌(بابُ منْ قامَ إلَى جَنْبِ الإمَامِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ الناسَ فَجَاءَ الإمامُ الأوَّلُ فَتَأخَّرَ الأوَّلُ أوْ لَمْ يَتَأخَّرْ جازَتْ صَلَاتُهُ)

- ‌(بابٌ إذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أكْبَرُهُمْ)

- ‌(بابٌ إِذا زَارَ الإمامُ قَوْما فَأمَّهُمْ)

- ‌(بابٌ إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)

- ‌(بابُ مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإمَامِ)

- ‌(بابُ إثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ)

- ‌(بابُ إمامَةِ العَبْدِ والمَوْلَى)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يُتِمَّ الإمَامُ وَأَتَم مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بابُ إمَامَةِ المَفْتُونِ والمُبْتَدِعِ)

- ‌(بابٌ يَقُومُ عنْ يَمِينِ الإمَامِ بِحِذَائِهِ سَوَاءً إذَا كانَا اثْنَيْنِ)

- ‌(بابٌ إذَا قامَ الرَّجُلُ عنْ يَسارِ الإمَامِ فَحَوَّلَهُ الإمَامُ إلَى يَمِينِهِ لَمْ تَفْسُدْ صلَاتُهُمَا)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يَنْوِ الإمَامْ أَن يَؤُمَّ ثُمَّ جاءَ قَوْمٌ فَأَمَّهُمْ)

- ‌(بابٌ إذَا طَوَّلَ الإمامُ وكانَ لِلرَّجُلِ حاجَةٌ فَخَرَجَ فَصَلَّى)

- ‌(بابُ تَخْفِيفِ الإمَامِ فِي القِيامِ وإتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بابٌ إذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شاءَ)

- ‌(بابُ منْ شكا إمامَهُ إذَا طَوَّلَ)

- ‌(بابُ الإيجَازِ فِي الصَّلاةِ وَإكْمَالِهَا)

- ‌(بابُ منْ أخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصّبِيِّ)

- ‌(بابُ إذَا صَلَّى ثُمَّ أمَّ قَوْما)

- ‌(بابُ مَنْ أسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإمَامِ)

- ‌(بابٌ الرَّجُلُ يَأتَمُّ بالإمَامِ ويأتَمُّ النَّاسُ بِالمَأمُومِ)

- ‌(بابٌ هِلْ يَأخُذُ الإمَامُ إذَا شَكَّ بِقَوْلِ الناسِ)

- ‌(بابٌ إذَا بَكَى الإمامُ فِي الصَّلاةِ

- ‌(بابُ إقْبَالِ الإمامِ النَّاسَ عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُفُوفِ)

- ‌(بابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

- ‌(بابٌ إقامةُ الصَّف مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بابُ إثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

- ‌(بابُ الصَاقِ المَنْكِبِ بِالمَنْكِبِ والقَدَم بالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

- ‌(بابٌ إِذا قامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإمَامِ وَحَوَّلَهُ الإمامُ خَلْفَهُ إلَى يَمِينِهِ تَمَّتْ صلاتُهُ)

- ‌(بابٌ المَرْأةُ وَحْدَهَا تَكُونُ صَفّا)

- ‌(بابُ مَيْمَنَةِ المَسْجِدِ والإمَامِ)

- ‌(بابٌ إذَا كانَ بَيْنَ الإمَامِ وبَيْنَ القَوْمِ حائِطٌ أوْ سُتْرَةٌ)

- ‌(بابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ)

- ‌(أبْوابُ صِفَةُ الصَّلَاةِ)

- ‌(بابُ إيجَاب التَّكبِيرِ وَافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ اليَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الأولَى مَعَ الافْتِتَاحِ سَوَاءً)

- ‌(بابُ رَفْعِ اليَدَيْنِ إذَا كَبَّرَ وإذَا رَكَعَ وإذَا رَفَعَ)

- ‌(بابُ إلَى أيْنَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إذَا قامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ)

- ‌(بابُ وَضْعِ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بابُ الخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بابُ مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ البَصَرِ إلَى الإمَامِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب رفع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء فِي الصَّلَاة)

- ‌(بَاب الِالْتِفَات فِي الصَّلَاة)

الفصل: ‌(باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام)

التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار عَن ابْن مهْدي عَن سُفْيَان بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن إِسْمَاعِيل بن علية وَعَن عَليّ بن الْحُسَيْن الدرهمي عَن أُميَّة بن خَالِد، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده) وَفِي رِوَايَة شُعْبَة: (إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع) . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: (فَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع فَقَالَ: سمع الله لمن حَمده لم نزل قيَاما) . قَوْله: (لم يحن) ، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة، من: حنيت الْعود عطفته وحنوت لُغَة، قَالَه الْجَوْهَرِي، وَفِي رِوَايَة مُسلم:(لَا يحنو أحد، وَلَا يحني)، رِوَايَتَانِ أَي: لَا يقوس ظَهره. قَوْله: (حَتَّى يَقع سَاجِدا) أَي: حَال كَونه سَاجِدا، وَفِي رِوَايَة الإسرائيلي عَن أبي إِسْحَاق:(حَتَّى يضع جَبهته على الأَرْض) ، وَنَحْوه وَفِي رِوَايَة مُسلم من رِوَايَة زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن غنْدر عَن شُعْبَة:(حَتَّى يسْجد ثمَّ يَسْجُدُونَ) . قَوْله: (ثمَّ نقع) بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر. قَوْله: (سجودا) حَال، وَهُوَ جمع: ساجد، ونقع، مَرْفُوع لَا غير، و: يَقع، الأول الَّذِي هُوَ مَنْصُوب فَاعله النَّبِي صلى الله عليه وسلم، يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ: الرّفْع وَالنّصب.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ فِيهِ: وجوب مُتَابعَة الإِمَام فِي أَفعاله، وَاسْتدلَّ بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ على أَن الْمَأْمُوم لَا يشرع فِي الرُّكْن حَتَّى يتمه الإِمَام، وَفِيه نظر، لِأَن الإِمَام إِذا أتم الرُّكْن ثمَّ شرع الْمَأْمُوم فِيهِ لَا يكون مُتَابعًا للْإِمَام وَلَا يعْتد بِمَا فعله، وَمعنى الحَدِيث أَن الْمَأْمُوم يشرع بعد شُرُوع الإِمَام فِي الرُّكْن وَقبل فَرَاغه مِنْهُ حَتَّى تُوجد الْمُتَابَعَة، وَوَقع فِي حَدِيث عَمْرو بن سليم أخرجه مُسلم:(فَكَانَ لَا يحني أحد منا ظَهره حَتَّى يَسْتَقِيم سَاجِدا) . وروى أَبُو يعلى من حَدِيث أنس: (حَتَّى يتَمَكَّن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من السُّجُود) ، وَمعنى هَذَا كُله ظَاهر فِي أَن الْمَأْمُوم يشرع فِي الرُّكْن بعد شُرُوع الإِمَام فِيهِ، وَقبل فَرَاغه مِنْهُ. وَاسْتدلَّ بِهِ قوم على طول الطُّمَأْنِينَة، وَفِيه نظر، لِأَن الحَدِيث لَا يدل على هَذَا. وَفِيه: جَوَاز النّظر إِلَى الْأَمَام لأجل اتِّبَاعه فِي انتقالاته فِي الْأَركان.

حدَّثنا أَبُو نُعَيْمٍ عنْ سُفْيَانَ عنْ أبي أسْحَاقَ نَحْوَهُ بِهَذَا

أَبُو نعيم هُوَ الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَأَبُو إِسْحَاق هُوَ السبيعِي الْمَذْكُور، وَهَذَا السَّنَد وَقع فِي البُخَارِيّ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وكريمة، وَلَيْسَ بموجود فِي رِوَايَة البَاقِينَ. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : هَذَا السَّنَد مَذْكُور فِي نُسْخَة سَمَاعنَا، وَفِي بعض النّسخ عَلَيْهِ ضرب، وَلم يذكرهُ أَصْحَاب الْأَطْرَاف: أَبُو الْعَبَّاس الطرقي وَخلف وَأَبُو مَسْعُود فَمن بعدهمْ، وَلم يذكرهُ أَيْضا أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) قلت: أخرجه أَبُو عوَانَة عَن الصَّاغَانِي وَغَيره عَن أبي نعيم، وَلَفظه:(كُنَّا إِذا صلينَا خلف النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يحن أحد منا ظَهره حَتَّى يضع النَّبِي صلى الله عليه وسلم جَبهته) .

53 -

(بابُ إثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من رفع رَأسه فِي الصَّلَاة قبل رفع الإِمَام رَأسه. قَالَ بَعضهم: أَي: من السُّجُود. قلت: وَمن الرُّكُوع أَيْضا، فَلَا وَجه لتخصيص السُّجُود لِأَن الحَدِيث أَيْضا يَشْمَل الْإِثْنَيْنِ بِحَسب الظَّاهِر كَمَا يَجِيء. فَإِن قلت: لهَذَا الْقَائِل أَن يَقُول: إِنَّمَا قلت: أَي من السُّجُود، لِأَنَّهُ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن حَفْص بن عَمْرو عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (أما يخْشَى أَو ألَا يخْشَى أحدكُم إِذا رفع رَأسه وَالْإِمَام ساجد) الحَدِيث فَتبين أَن المُرَاد الرّفْع من السُّجُود. قلت: رِوَايَة البُخَارِيّ تتَنَاوَل الْمَنْع من تقدم الْمَأْمُوم على الإِمَام فِي الرّفْع من الرُّكُوع وَالسُّجُود مَعًا، وَلَا يجوز أَن تخصص رِوَايَة البُخَارِيّ بِرِوَايَة أبي دَاوُد، لِأَن الحكم فيهمَا سَوَاء، وَلَو كَانَ الحكم مَقْصُورا على الرّفْع من السُّجُود لَكَانَ لدعوى التَّخْصِيص وَجه، وَمَعَ هَذَا فالقائل الْمَذْكُور ذكر الحَدِيث عَن الْبَراء من رِوَايَة مليح ابْن عبد الله السَّعْدِيّ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا:(الَّذِي يخْفض وَيرْفَع قبل الإِمَام إِنَّمَا ناصيته بيد الشَّيْطَان) . وَهَذَا ينْقض عَلَيْهِ مَا قَالَه، وَيَردهُ عَلَيْهِ. وأعجب من هَذَا أَنه رد على ابْن دَقِيق الْعِيد حَيْثُ قَالَ: إِن الحَدِيث نَص فِي الْمَنْع من تقدم الْمَأْمُوم على الإِمَام فِي الرّفْع من الرُّكُوع وَالسُّجُود مَعًا، فَهَذَا دَقِيق الْكَلَام الَّذِي قَالَه ابْن الدَّقِيق، ومستنده فِي الرَّد عَلَيْهِ هُوَ قَوْله: وَإِنَّمَا هُوَ نَص فِي السُّجُود، ويلتحق بِهِ الرُّكُوع لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَهَذَا كَلَام سَاقِط جدا، لِأَن الْكَلَام هَهُنَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَلَيْسَ فِيهَا نَص فِي السُّجُود، بل هُوَ نَص عَام فِي السُّجُود وَالرُّكُوع. وَدَعوى

ص: 222

التَّخْصِيص لَا تصح كَمَا ذكرنَا، نعم لَو ذكر النُّكْتَة فِي رِوَايَة أبي دَاوُد فِي تَخْصِيص السَّجْدَة بِالذكر لَكَانَ لَهُ وَجه، وَهِي أَن رِوَايَة أبي دَاوُد من بَاب الِاكْتِفَاء، فَاكْتفى بِذكر حكم السَّجْدَة عَن ذكر حكم الرُّكُوع لكَون الْعلَّة وَاحِدَة وَهِي السَّبق على الإِمَام كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{سرابيل تقيكم الْحر} (النَّحْل: 81) . أَي: وَالْبرد أَيْضا، وَإِنَّمَا لم يعكس الْأَمر لِأَن السَّجْدَة أعظم من الرُّكُوع فِي إِظْهَار التَّوَاضُع والتذلل، وَالْعَبْد أقرب مَا يكون إِلَى الرب وَهُوَ ساجد.

691 -

ح دَّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيادٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أمَا يَخْشَى أحَدُكُمْ أوْ ألَا يَخْشَى أحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ أنْ يَجْعَلَ الله رَأسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أوْ يَجْعَلَ الله صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ ان فِيهِ وعيدا شَدِيدا وتهديدا، ومرتكب الشَّيْء الَّذِي فِيهِ الْوَعيد آثم بِلَا نزاع.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: حجاج بن منهال السّلمِيّ الْأنمَاطِي الْبَصْرِيّ أَبُو مُحَمَّد، وَقد مر ذكره فِي: بَاب مَا جَاءَ إِن الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ، فِي آخر كتاب الْإِيمَان. الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث: مُحَمَّد بن زِيَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: الجُمَحِي الْمدنِي سكن الْبَصْرَة. الرَّابِع: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وواسطي ومدني. وَفِيه: أَنه من رباعيات البُخَارِيّ.

ذكر من أخرجه غَيره: هَذَا الحَدِيث أخرجه الْأَئِمَّة السِّتَّة وَلَكِن بِهَذَا الْإِسْنَاد أخرجه مُسلم عَن عبد الله بن معَاذ عَن أَبِيه عَن شُعْبَة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن حَفْص بن عَمْرو عَن شُعْبَة، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن زيد عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن زيد عَن مُحَمَّد زِيَاد. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن حميد بن مسْعدَة وسُويد بن سعيد عَن حَمَّاد بن زيد عَن مُحَمَّد بن زِيَاد، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه الْكَبِير) من حَدِيث مُوسَى بن عبد الله بن يزِيد عَن أَبِيه:(أَنه كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ هَهُنَا وَكَانَ النَّاس يضعون رؤوسهم قبل أَن يضع رَأسه ويرفعون رؤوسهم قبل أَن يرفع راسه، فَلَمَّا انْصَرف الْتفت إِلَيْهِم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس لِمَ تأثمون وتؤثمون، صليت بكم صَلَاة رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، لَا أخرم عَنْهَا) . وروى أَيْضا من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ:(مَا يَأْمَن الَّذِي يرفع رَأسه قبل الإِمَام أَن يعود رَأسه رَأس كلب، ولينتهين أَقوام يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء، أَو لتخطفن أَبْصَارهم) . وروى أَيْضا فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَالَ: (صلى رجل خلف النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فَجعل يرْكَع قبل أَن يرْكَع، وَيرْفَع قبل أَن يرفع، فَلَمَّا قضى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، صلَاته قَالَ: من الْفَاعِل هَذَا؟ قَالَ: أَنا يَا رَسُول الله. قَالَ: اتَّقوا خداج الصَّلَاة، إِذا ركع الإِمَام فاركعوا وَإِذا رفع فارفعوا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أما يخْشَى أحدكُم)، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(أوَ لَا يخْشَى) . قلت: اخْتلفت أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث، فرواية مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه:(أما يخْشَى الَّذِي يرفع رَأسه)، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ:(ألَا يخْشَى)، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَأبي دَاوُد من رِوَايَة شُعْبَة:(أمَا يخْشَى أَو أَلا يخْشَى) بِالشَّكِّ، قَالَ الْكرْمَانِي: الشَّك من أبي هُرَيْرَة، وَكلمَة: أما، بتَخْفِيف الْمِيم: حرف استفتاح مثل أَلَا. وَأَصلهَا: مَا، النافية دخلت عَلَيْهَا همزَة الِاسْتِفْهَام، وَهُوَ هَهُنَا اسْتِفْهَام توبيخ وإنكار. قَوْله:(إِذا رفع رَأسه قبل الإِمَام)، زَاد ابْن خُزَيْمَة من رِوَايَة حَمَّاد بن زيد عَن مُحَمَّد بن زِيَاد:(فِي صلَاته)، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن حَفْص بن عمر:(الَّذِي يرفع رَأسه وَالْإِمَام ساجد) . قَوْله: (أَن يَجْعَل الله رَأسه رَأس حمَار؟) وَهَهُنَا أَيْضا اخْتلفت أَلْفَاظ الحَدِيث، فَفِي رِوَايَة يُونُس بن عبيد عِنْد مُسلم:(مَا يَأْمَن الَّذِي يرفع رَأسه فِي صلَاته أَن يحول الله صورته فِي صُورَة حمَار؟) . وَفِي رِوَايَة الرّبيع بن مُسلم عِنْد مُسلم: (أَن يَجْعَل الله وَجهه وَجه حمَار؟) وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان، من رِوَايَة مُحَمَّد بن ميسرَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد:(أَن يحول الله رَأسه رَأس كلب) وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من رِوَايَة مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة

ص: 223

عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (مَا يُؤمن من يرفع رَأسه قبل الإِمَام ويضعه) وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة مليح السَّعْدِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: (الَّذِي يرفع رَأسه قبل الإِمَام وَيخْفِضهُ قبل الإِمَام فَإِنَّمَا ناصيته بيد شَيْطَان) . وَرَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا، كَمَا ذكرنَا وَذكرنَا الْآن أَيْضا عَن ابْن مَسْعُود:(أَن يعود رَأسه رَأس كلب؟) وَهُوَ مَوْقُوف، وَلكنه لَا يدْرك بِالرَّأْيِ، فَحكمه حكم الْمَرْفُوع. قَوْله:(أَو يَجْعَل صورته صُورَة حمَار؟) قَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا: الشَّك فِيهِ من أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ بَعضهم: الشَّك من شُعْبَة ثمَّ أكد هَذَا بقوله، فقد رَوَاهُ الطَّيَالِسِيّ عَن حَمَّاد بن سَلمَة وَابْن خُزَيْمَة من رِوَايَة حَمَّاد بن زيد وَمُسلم من رِوَايَة يُونُس بن عبيد وَالربيع بن مُسلم، كلهم عَن مُحَمَّد بن زِيَاد بِغَيْر تردد. قلت: لَا يلْزم من إخراجهم بِغَيْر تردد أَن لَا يخرج غَيرهم بِغَيْر تردد، وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك يحْتَمل أَن يكون التَّرَدُّد من شُعْبَة أَو من مُحَمَّد بن زِيَاد أَو من أبي هُرَيْرَة، فَمن ادّعى تعْيين وَاحِد مِنْهُم فَعَلَيهِ الْبَيَان، وَأما اخْتلَافهمْ فِي الرَّأْس أَو الصُّورَة فَفِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد وَحَمَّاد بن سَلمَة: رَأس، وَفِي رِوَايَة يُونُس: صُورَة وَفِي رِوَايَة الرّبيع، وَجه. وَقَالَ بَعضهم: الظَّاهِر أَنه من تصرف الروَاة. قلت: كَيفَ يكون من تصرفهم وَلكُل وَاحِد من هَذِه الْأَلْفَاظ معنى فِي اللُّغَة يغاير معنى الآخر؟ أما الرَّأْس فَإِنَّهُ اسْم لعضو يشْتَمل على الناصية والقفاء والفودين. وَالصُّورَة: الْهَيْئَة، وَيُقَال: صورته حَسَنَة أَي: هَيئته وشكله، وَيُطلق على الصّفة أَيْضا يُقَال: صُورَة الْأَمر كَذَا وَكَذَا أَي: صفته، وَيُطلق على الْوَجْه أَيْضا يُقَال: صورته حَسَنَة أَي: وَجهه، وَيُطلق على شكل الشَّيْء وعَلى الْخلقَة. وَالْوَجْه اسْم لما يواجهه الْإِنْسَان، وَهُوَ من منبت الناصية إِلَى أَسْفَل الذقن طولا وَمن شحمة الْأذن إِلَى شحمة الْأذن عرضا. وَالظَّاهِر أَن هَذَا الِاخْتِلَاف من اخْتِلَاف تعدد الْقَضِيَّة، ورواة الرَّأْس أَكثر، وَعَلِيهِ الْعُمْدَة. وَقَالَ عِيَاض: هَذِه الرِّوَايَات متفقة لِأَن الْوَجْه فِي الرَّأْس، ومعظم الصُّورَة فِيهِ، وَفِيه نظر، لِأَن الْوَجْه خلاف الرَّأْس لُغَة وَشرعا.

ثمَّ الْعلمَاء تكلمُوا فِي معنى: (أَن يَجْعَل رَأسه رَأس حمَار أَو صورته صُورَة حمَار؟) قَالَ الْكرْمَانِي: قيل هَذَا مجَاز عَن البلادة، لِأَن المسخ لَا يجوز فِي هَذِه الْأمة. وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: لَيْسَ قَوْله: (أَن يحول الله رَأسه راس حمَار) فِي هَذِه الْأمة بموجود، فَإِن المسخ فِيهَا مَأْمُون، وَإِنَّمَا المُرَاد بِهِ معنى الْحمار من قلَّة البصيرة وَكَثْرَة العناد، فَإِن من شَأْنه إِذا قيد حزن وَإِذا حبس طفر لَا يُطِيع قائدا وَلَا يعين حابسا. قلت: فِي كَلَامهمَا: إِن المسخ لَا يجوز فِي هَذِه الْأمة، وَإِن المسخ فِيهَا مَأْمُون، نظر، وَقد رُوِيَ وُقُوع ذَلِك فِي آخر الزَّمَان عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون فِي آخر هَذِه الْأمة خسف ومسخ وَقذف. .) الحَدِيث، وَرُوِيَ أَيْضا عَن عَليّ وَأبي هُرَيْرَة وَعمْرَان بن حُصَيْن، وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَعبد الله بن عَمْرو وَسَهل بن سعد وروى أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي امامة وروى عبد الله بن أَحْمد فِي (زَوَائِد الْمسند) من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت وَابْن عَبَّاس وروى أَبُو يعلى وَالْبَزَّار من حَدِيث أنس وروى الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن بشر وَسَعِيد بن أبي رَاشد وروى الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي (الصَّغِير) من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن عَبَّاس أَيْضا، وَلَكِن أسانيدها لَا تَخْلُو من مقَال. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: إِن الحَدِيث يَقْتَضِي تَغْيِير الصُّورَة الظَّاهِرَة، وَيحْتَمل أَن يرجع إِلَى أَمر معنوي مجَازًا، فَإِن الْحمار مَوْصُوف بالبلادة. قَالَ: ويستعار هَذَا الْمَعْنى للجاهل بِمَا يجب عَلَيْهِ من فروض الصَّلَاة ومتابعة الإِمَام، وَرُبمَا يرجح هَذَا الْمجَاز بِأَن التَّحْوِيل فِي الصُّورَة الظَّاهِرَة لم يَقع من كَثْرَة رفع الْمَأْمُومين قبل الإِمَام، وَقد بَينا أَن الحَدِيث لَا يدل على وُقُوع ذَلِك، وَإِنَّمَا يدل على كَون فَاعله متعرضا لذَلِك بِكَوْن فعله صَالحا لِأَن يَقع ذَلِك الْوَعيد، وَلَا يلْزم من التَّعَرُّض للشَّيْء وُقُوع ذَلِك الشَّيْء. قلت: وَإِن سلمنَا ذَلِك فلِمَ لَا يجوز أَن يُؤَخر الْعقَاب إِلَى وَقت يُريدهُ الله تَعَالَى؟ كَمَا وقفنا فِي بعض الْكتب وَسَمعنَا من الثِّقَات أَن جمَاعَة من الشِّيعَة الَّذين يسبون الصَّحَابَة قد تحولت صورتهم إِلَى صُورَة حمَار وخنزير عِنْد مَوْتهمْ، وَكَذَلِكَ جرى على من عق وَالِديهِ، وخاطبهما باسم الْحمار أَو الْخِنْزِير أَو الْكَلْب؟

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: كَمَال شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته وَبَيَانه لَهُم الْأَحْكَام وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا من الثَّوَاب وَالْعِقَاب. وَفِيه: الْوَعيد الْمَذْكُور لمن رفع رَأسه قبل الإِمَام، وَنظر ابْن مَسْعُود إِلَى من سبق إِمَامه فَقَالَ: لَا وَحدك صليت وَلَا بإمامك اقتديت. وَعَن ابْن عمر نَحوه، وَأمره بِالْإِعَادَةِ. وَالْجُمْهُور على عدم الْإِعَادَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: من خَالف الإِمَام فقد خَالف

ص: 224