الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْن أبي ليلى عَن عبد الله بن زيد، قَالَ:(كَانَ أَذَان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم شفعا شفعا فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة) حجَّة على هَذَا الْقَائِل بقوله: وَهَذَا الحَدِيث حجَّة على من زعم أَن الْإِقَامَة مثنى مثنى مثل الْأَذَان، وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) وَلَفظه: فَعلمه الْأَذَان وَالْإِقَامَة مثنى مثنى، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : كل هَذِه حجَّة عَلَيْهِ وعَلى إِمَامه، وَأما الْجَواب عَن وَجه ترك الترجيع وَوجه النّسخ فقد ذَكرْنَاهُ.
4 -
(بابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل التأذين، وَهُوَ مصدر: أذن، بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ مَخْصُوص فِي الِاسْتِعْمَال بإعلام وَقت الصَّلَاة، وَمِنْه أَخذ أَذَان الصَّلَاة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: والأذين مثله، وَقد أذن أذانا، وَأما الإيذان فَهُوَ من اذن على وزن: أفعل وَمَعْنَاهُ: الْإِعْلَام مُطلقًا، وَإِنَّمَا قَالَ البُخَارِيّ: بَاب فضل التأذين، وَلم يقل: بَاب فضل الْأَذَان، مُرَاعَاة للفظ الحَدِيث الْوَارِد فِي الْبَاب، وَقَالَ ابْن الْمُنِير: وَحَقِيقَة الْأَذَان جَمِيع مَا يصدر عَن الْمُؤَذّن من قَول وَفعل وهيئة. قلت: لَا نسلم هَذَا الْكَلَام، لِأَن التأذين مصدر، فَلَا يدل إِلَّا على حُدُوث فعل فَقَط.
6088 -
حدَّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ أبي الزِّنَادِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أَن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا نُودِي لِلصلَاةِ أدْبَرَ الشَّيْطانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التِّأْذِينَ فإِذا قَضَى النِّدَاءَ أقْبَلَ حَتَّى إِذا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أدْبَرَ حَتَّى إِذا قَضَى التَّثْوِيبَ أقبَلَ حَتَّى يَخْطرَ بَيْنَ المَرْءِ ونَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لما لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كمْ صَلَّى. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ هروب الشَّيْطَان عَن الْأَذَان، فَإِن الْأَذَان لَو لم يكن لَهُ فضل عَظِيم يتَأَذَّى مِنْهُ الشَّيْطَان لم يهرب مِنْهُ، فَمن حُصُول هَذَا الْفضل للتأذين يحصل أَيْضا للمؤذن، فَإِنَّهُ لَا يقوم إلَاّ بِهِ.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون المخففة، واسْمه: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن ابْن هُرْمُز.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن القعْنبِي عَن مَالك. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا نُودي للصَّلَاة) أَي: إِذا أذن لأجل الصَّلَاة، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ:(إِذا نُودي بِالصَّلَاةِ)، وَقَالَ بَعضهم: وَيُمكن حملهَا على معنى وَاحِد، وَسكت على هَذَا وَلم يبين وَجه الْحمل مَا هُوَ؟ قلت: تكون الْبَاء للسَّبَبِيَّة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فكلَاّ أَخذنَا بِذَنبِهِ} (العنكبوت: 40) . أَي: بِسَبَب ذَنبه، وَكَذَلِكَ الْمَعْنى هَهُنَا: بِسَبَب الصَّلَاة، وَمعنى التَّعْلِيل قريب من معنى السَّبَبِيَّة. قَوْله:(أدبر الشَّيْطَان) الإدبار: نقيض الإقبال، يُقَال دبر وَأدبر إِذا ولى، وَالْألف وَاللَّام فِي: الشَّيْطَان، للْعهد، وَالْمرَاد: الشَّيْطَان الْمَعْهُود. قَوْله: (لَهُ ضراط) جملَة اسمية وَقعت حَالا، وَالْأَصْل فِيهَا أَن تكون بِالْوَاو، وَقد تقع بِلَا: وَاو، نَحْو: كَلمته فوه إِلَى فِي، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: بِالْوَاو، على الأَصْل، وَكَذَا وَقع للْبُخَارِيّ فِي بَدْء الْخلق. وَقَالَ عِيَاض: يُمكن حمله على ظَاهره لِأَنَّهُ جسم منفذ يَصح مِنْهُ خُرُوج الرّيح. قلت: هَذَا تَمْثِيل لحَال الشَّيْطَان عِنْد هروبه من سَماع الْأَذَان بِحَال من خرقه أَمر عَظِيم، واعتراه خطب جسيم، حَتَّى لم يزل يحصل لَهُ الضراط من شدَّة مَا هُوَ فِيهِ، لِأَن الْوَاقِع فِي شدَّة عَظِيمَة من خوف وَغَيره تسترخي مفاصله وَلَا يقدر على أَن يملك نَفسه، فينفتح مِنْهُ مخرج الْبَوْل وَالْغَائِط. وَلما كَانَ الشَّيْطَان لَعنه الله يَعْتَرِيه شدَّة عَظِيمَة وداهية جسيمة عِنْد النداء إِلَى الصَّلَاة فيهرب حَتَّى لَا يسمع الْأَذَان، شبه حَاله بِحَال ذَلِك الرجل، وَأثبت لَهُ على وَجه الادعاء الضراط الَّذِي ينشأ من كَمَال الْخَوْف الشَّديد. وَفِي الْحَقِيقَة ماثم ضراط، وَلَكِن يجوز أَن يكون لَهُ ريح، لِأَنَّهُ روح، وَلَكِن لم تعرف كيفيته. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: شبه شغل الشَّيْطَان نَفسه عِنْد سَماع الْأَذَان بالصوت الَّذِي يمْلَأ السّمع ويمنعه عَن سَماع غَيره، ثمَّ سَمَّاهُ: ضراطا تقبيحا لَهُ. فَإِن قلت: كَيفَ يهرب من الْأَذَان وَلَا يهرب من قِرَاءَة الْقرَان، وَهِي
أفضل من الْأَذَان؟ قلت: إِنَّمَا يهرب من الْأَذَان حَتَّى لَا يشْهد بِمَا سَمعه إِذا اسْتشْهد يَوْم الْقِيَامَة، لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الحَدِيث:(لَا يسمع مدى صَوت الْمُؤَذّن جن وَلَا إنس وَلَا شَيْء إِلَّا شهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة) . والشيطان أَيْضا شَيْء أَو هُوَ دَاخل فِي الْجِنّ، لِأَنَّهُ من الْجِنّ. فَإِن قلت: إِنَّه يدبر لعظم أَمر الْأَذَان لما اشْتَمَل عَلَيْهِ من قَوَاعِد الدّين وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام وإعلانه. وَقيل: ليأسه من وَسْوَسَة الْإِنْسَان عِنْد الإعلان بِالتَّوْحِيدِ. فَإِن قلت: كَيفَ يهرب من الْأَذَان وَيَدْنُو من الصَّلَاة وفيهَا الْقرَان ومناجاة الْحق؟ قلت: هروبه من الآذان ليأسه من الوسوسة، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَفِي الصَّلَاة، يفتح لَهُ أَبْوَاب الوساوس. قَوْله:(حَتَّى لَا يسمع التأذين) ، الظَّاهِر أَن هَذِه الْغَايَة لاجل إدباره، وَقَالَ بَعضهم: ظَاهره أَنه يتَعَمَّد إِخْرَاج ذَلِك إِمَّا ليشتغل بِسَمَاع الصَّوْت الَّذِي يُخرجهُ عَن سَماع الْمُؤَذّن، وَإِمَّا أَنه يصنع ذَلِك اسْتِخْفَافًا كَمَا يَفْعَله السُّفَهَاء قلت: الظَّاهِر كَمَا ذكرنَا، لِأَنَّهُ وَقع بَيَان الْغَايَة فِي رِوَايَة لمُسلم من حَدِيث جَابر، فَقَالَ: حَتَّى يكون مَكَان الروحاء، وَحكى الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان رِوَايَة عَن جَابر أَن بَين الْمَدِينَة والروحاء سِتَّة وَثَلَاثُونَ ميلًا، قَوْله:(فَإِذا قضي النداء) ، بِضَم الْقَاف على صِيغَة الْمَجْهُول، أسْند الى فَاعله وَهُوَ النداء الْقَائِم مقَام الْمَفْعُول، وَرُوِيَ على صِيغَة الْمَعْلُوم وَيكون الْفَاعِل هُوَ الضَّمِير فِيهِ، وَهُوَ الْمُؤَذّن، والنداء مَنْصُوب على المفعولية، وَالْقَضَاء يَأْتِي لمعان كَثِيرَة، وَهَهُنَا بِمَعْنى: الْفَرَاغ. تَقول: قضيت حَاجَتي أَي: فرغت مِنْهَا أَو بِمَعْنى الِانْتِهَاء. قَوْله: (اقبل) زَاد مُسلم فِي رِوَايَة أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة: (فوسوس) قَوْله: (حَتَّى إِذا ثوب بِالصَّلَاةِ) ، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الْوَاو الْمَكْسُورَة، أَي: حَتَّى إِذا أقيم للصَّلَاة، والتثويب هَهُنَا الْإِقَامَة، والعامة لَا تعرف التثويب إِلَّا قَول الْمُؤَذّن فِي صَلَاة الْفجْر: الصَّلَاة خير من النّوم، حسب، وَمعنى التثويب فِي الأَصْل الْإِعْلَام بالشَّيْء والإنذار بِوُقُوعِهِ، وَأَصله أَن يلوح الرجل لصَاحبه بِثَوْبِهِ فيديره عِنْد أَمر يرهقه من خوف أَو عَدو، ثمَّ كثر اسْتِعْمَاله فِي كل إِعْلَام يجْهر بِهِ صَوت، وَإِنَّمَا سميت الْإِقَامَة: تثويبا، لِأَنَّهُ عود إِلَى النداء، من: ثاب إِلَى كَذَا إِذا عَاد إِلَيْهِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: ثوَّب بِالصَّلَاةِ أَي: أَقَامَ لَهَا، وَأَصله أَنه رَجَعَ إِلَى مَا يشبه الْأَذَان، وكل مردد صَوتا فَهُوَ مثوب، وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة مُسلم فِي رِوَايَة أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة:(فَإِذا سمع الْإِقَامَة ذهب) . قَوْله: (حَتَّى يخْطر) ، بِضَم الطَّاء وَكسرهَا، وَقَالَ عِيَاض: ضبطناه من المتقنين بِالْكَسْرِ، وسمعناه من أَكثر الروَاة بِالضَّمِّ، قَالَ: وَالْكَسْر هُوَ الْوَجْه، وَمَعْنَاهُ: يوسوس، من قَوْلهم: خطر الْفَحْل بِذَنبِهِ إِذا حركه يضْرب بِهِ فَخذيهِ، وَأما الضَّم، فَمن المروراي: يدنو مِنْهُ فِيمَا بَينه وَبَين قلبه فيشغله عَمَّا هُوَ فِيهِ، وَبِهَذَا فسره السراج، وبالأول فسره الْخَلِيل، وَقَالَ الْبَاجِيّ: فيحول بَين الْمَرْء وَمَا يُرِيد يحاول من نَفسه من إقباله على صلَاته وإخلاصه. قَالَ الهجري فِي (نوادره) : يخْطر، بِالْكَسْرِ، فِي كل شَيْء، وبالضم ضَعِيف. قَوْله:(بَين الْمَرْء وَنَفسه) أَي: قلبه، وَكَذَا وَقع للْبُخَارِيّ من وَجه اخر فِي بَدْء الْخلق: وَبِهَذَا التَّفْسِير يحصل الْجَواب عَمَّا قيل: كَيفَ يتَصَوَّر خطورة بَين الْمَرْء وَنَفسه، وهما عبارتان عَن شَيْء وَاحِد؟ وَقد يُجَاب بِأَن يكون تمثيلاً لغاية الْقرب مِنْهُ. قَوْله:(أذكر كَذَا أذكر كَذَا)، هَكَذَا هُوَ بِلَا وَاو الْعَطف فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَوَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة بواو الْعَطف (اذكر كَذَا وَاذْكُر كَذَا) و: كَذَا، فِي رِوَايَة مُسلم وللبخاري أَيْضا فِي صَلَاة السَّهْو، وَزَاد مُسلم فِي رِوَايَة عبد ربه عَن الْأَعْرَج، (فهناه ومناه وَذكره من حَاجته مَا لم يكن يذكر) . قَوْله:(لما لم يذكر) أَي: لشَيْء لم يكن على ذكره قبل دُخُوله فِي الصَّلَاة، وَفِي رِوَايَة لمُسلم:(لما لم يذكر من قبل) . قَوْله: (حَتَّى يظل الرجل)، بِفَتْح الظَّاء أَي: حَتَّى يصير الرجل مَا يدْرِي كم صلى من الرَّكْعَات، ويسهو، وَرِوَايَة الْجُمْهُور بِالطَّاءِ المثالة الْمَفْتُوحَة وَمَعْنَاهُ فِي الأَصْل
…
الْمخبر عَنهُ بالْخبر نَهَارا لَكِنَّهَا هَهُنَا بِمَعْنى يصير كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ظلّ وَجهه} وَقيل مهناه يبْقى ويدوم وَوَقع عِنْد الْأَصْلِيّ (يضل) بالضاد الْمَكْسُورَة أَي ينسى وَيذْهب وهمه ويسهو قَالَ الله تَعَالَى: {أَن تضل أَحدهمَا} (الْبَقَرَة: 282) . وَقَالَ ابْن قرقول: وَحكى الدَّاودِيّ أَنه رُوِيَ: يضل ويضل، من الضلال وَهُوَ الْحيرَة. قَالَ: وَالْكَسْر فِي الْمُسْتَقْبل أشهر، وَقَالَ الْقشيرِي: وَلَو روى هَذَا الرجل حَتَّى يضل الرجل لَكَانَ وَجها صَحِيحا، يُرِيد: حَتَّى يضل الشَّيْطَان الرجل عَن درايته كم صلى؟ قَالَ: لَا أعلم أحدا رَوَاهُ، لكنه لَو رُوِيَ لَكَانَ وَجها صَحِيحا فِي الْمَعْنى، غير خَارج عَن مُرَاد النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي صَلَاة السَّهْو: إِن يدْرِي كم صلى) ، وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد. وَكلمَة: إِن، بِالْكَسْرِ، نَافِيَة بِمَعْنى: مَا يدْرِي، قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا، قَالَ: وَهِي رِوَايَة ابْن عبد الْبر، وَادّعى أَنَّهَا رِوَايَة أَكْثَرهم، وَكَذَا ضَبطه الْأصيلِيّ فِي