الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سِتَّة وَتسْعُونَ حَدِيثا، وَالْمُعَلّق سِتَّة وَعِشْرُونَ، وعَلى سَبْعَة عشر أثرا من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، شرع فِي بَيَان صفة الصَّلَاة بأنواعها وَسَائِر مَا يتَعَلَّق بهَا بتفاصيلها، فَقَالَ:
82 -
(بابُ إيجَاب التَّكبِيرِ وَافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِيجَاب تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، ثمَّ: الْوَاو، فِي: وافتتاح الصَّلَاة، قَالَ بَعضهم: الظَّاهِر أَنَّهَا عاطفة إِمَّا على الْمُضَاف وَهُوَ إِيجَاب، وَإِمَّا على الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ التَّكْبِير، وَالْأول أولى إِن كَانَ المُرَاد بالافتتاح الدُّعَاء، لِأَنَّهُ لَا يجب. وَالَّذِي يظْهر من سِيَاقه أَن: الْوَاو، بِمَعْنى: مَعَ، وَإِن المُرَاد بالافتتاح: الشُّرُوع فِي الصَّلَاة. انْتهى. قلت: لَا نسلم أَن: الْوَاو، هُنَا عاطفة، فَلَا يَصح قَوْله: إِمَّا على الْمُضَاف وَإِمَّا على الْمُضَاف إِلَيْهِ، بل: الْوَاو، هُنَا إِمَّا بِمَعْنى: بَاء الْجَرّ، كَمَا فِي قَوْلهم: أَنْت أعلم وَمَالك، وَالْمعْنَى: إِيجَاب التَّكْبِير بافتتاح الصَّلَاة. وَأما بِمَعْنى: لَام التَّعْلِيل، وَالْمعْنَى: إِيجَاب التَّكْبِير لأجل افْتِتَاح الصَّلَاة. ومجيء: الْوَاو، بِمَعْنى: لَام التَّعْلِيل، ذكره الخارزنجي، وَيجوز أَن تكون بِمَعْنى: مَعَ، أَي: إِيجَاب التَّكْبِير مَعَ افْتِتَاح الصَّلَاة، ومجيء: الْوَاو، بِمَعْنى: مَعَ، شَائِع ذائع.
ثمَّ إعلم أَنه كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: بَاب وجوب التَّكْبِير، لِأَن الْإِيجَاب هُوَ الْخطاب الَّذِي يعْتَبر فِيهِ جَانب الْفَاعِل، وَالْوُجُوب هُوَ الَّذِي يعْتَبر فِيهِ جَانب الْمَفْعُول، وَهُوَ فعل الْمُكَلف، وَإِطْلَاق الْإِيجَاب على الْوُجُوب تسَامح.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ شَرط، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: ركن. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَقَالَ الزُّهْرِيّ: تَنْعَقِد الصَّلَاة بِمُجَرَّد النِّيَّة بِلَا تَكْبِير، قَالَ أَبُو بكر: وَلم يقل بِهِ غَيره. قَالَ ابْن بطال: ذهب جُمْهُور الْعلمَاء إِلَى وجوب تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنَّهَا سنة، رُوِيَ ذَلِك عَن سعيد بن الْمسيب وَالْحسن وَالْحكم وَالزهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ، وَقَالُوا: إِن تَكْبِير الرُّكُوع يجْزِيه عَن تَكْبِير الْإِحْرَام، وَرُوِيَ عَن مَالك فِي الْمَأْمُوم مَا يدل على أَنه سنة، وَلم يخْتَلف قَوْله فِي الْمُنْفَرد وَالْإِمَام أَنه وَاجِب على كل وَاحِد مِنْهُمَا، وَأَن من نَسيَه يسْتَأْنف الصَّلَاة. وَفِي (الْمُغنِي) لِابْنِ قدامَة: التَّكْبِير ركن لَا تَنْعَقِد الصَّلَاة إِلَّا بِهِ، سَوَاء تَركه سَهوا أَو عمدا. قَالَ: وَهَذَا قَول ربيعَة وَالثَّوْري وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وَحكى الثَّوْريّ وَأَبُو الْحسن الْكَرْخِي الْحَنَفِيّ عَن ابْن علية، والأصم كَقَوْل الزُّهْرِيّ فِي انْعِقَاد الصَّلَاة بِمُجَرَّد النِّيَّة بِغَيْر تَكْبِير، وَقَالَ عبد الْعَزِيز ابْن ابراهيم بن بزيزة: قَالَت طَائِفَة بِوُجُوب تَكْبِير الصَّلَاة كُله، وَعكس آخَرُونَ فَقَالُوا: كل تَكْبِيرَة فِي الصَّلَاة لَيست بواجبة مُطلقًا، مِنْهُم: ابْن شهَاب وَابْن الْمسيب، وأجازوا الْإِحْرَام بِالنِّيَّةِ لعُمُوم قَوْله صلى الله عليه وسلم:(إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ)، وَالْجُمْهُور أوجبوها خَاصَّة دون مَا عَداهَا. وَاخْتلف مَذْهَب مَالك: هَل يحملهَا الإِمَام عَن الْمَأْمُوم أم لَا؟ فِيهِ قَولَانِ فِي الْمَذْهَب.
ثمَّ اخْتلف الْعلمَاء: هَل يجزىء الِافْتِتَاح بالتسبيح والتهليل مَكَان التَّكْبِير؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق: لَا يجزىء إِلَّا: الله أكبر، وَعَن الشَّافِعِي أَنه يجزىء: الله الْأَكْبَر. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد: يجوز بِكُل لفظ يقْصد بِهِ التَّعْظِيم، وَذكر فِي (الْهِدَايَة) قَالَ أَبُو يُوسُف: إِن كَانَ الْمُصَلِّي يحسن التَّكْبِير لم يجز إلاّ: الله أكبر، أَو: الله الْأَكْبَر، أَو الله الْكَبِير، وَإِن لم يحسن جَازَ. وَقَالَ بَعضهم: اسْتدلَّ بِحَدِيث عَائِشَة: (كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يفْتَتح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ)، وَبِحَدِيث ابْن عمر:(رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم افْتتح التَّكْبِير فِي الصَّلَاة) على تعْيين لفظ: التَّكْبِير، دون لفظ غَيره من أَلْفَاظ التَّعْظِيم، وَكَذَلِكَ استدلوا بِحَدِيث رِفَاعَة فِي قصَّة الْمُسِيء صلَاته، أخرجه أَبُو دَاوُد:(لَا تتمّ صَلَاة أحد من النَّاس حَتَّى يتَوَضَّأ فَيَضَع الْوضُوء موَاضعه ثمَّ يكبر) . وَبِحَدِيث أبي حميد: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة عقد قَائِما وَرفع يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ: الله أكبر)، أخرجه التِّرْمِذِيّ قلت: التَّكْبِير هُوَ التَّعْظِيم من حَيْثُ اللُّغَة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{فَلَمَّا رأينه أكبرنه} (يُوسُف: 31) . أَي: عظمنه. {وَرَبك فَكبر} (المدثر: 3) أَي: فَعظم، فَكل لفظ دلّ على التَّعْظِيم وَجب أَن يجوز الشُّرُوع بِهِ، وَمن أَيْن قَالُوا: إِن التَّكْبِير وَجب بِعَيْنِه حَتَّى يقْتَصر على لفظ: أكبر؟ وَالْأَصْل فِي خطاب الشَّرْع أَن تكون نصوصه مَعْلُومَة معقولة، وَالتَّقْيِيد خلاف فِي الأَصْل على مَا عرف فِي الْأُصُول. وَقَالَ تَعَالَى:{وَذكر اسْم ربه فصلى} (الْأَعْلَى: 15) وَذكر اسْمه تَعَالَى أَعم من أَن يكون: باسم الله، أَو: باسم الرَّحْمَن، فَجَاز الرَّحْمَن أعظم، كَمَا جَازَ: الله أكبر، لِأَنَّهُمَا فِي كَونهمَا ذكرا سَوَاء، قَالَ الله تَعَالَى:{وَللَّه الْأَسْمَاء الْحسنى فَادعوهُ بهَا} (الْأَعْرَاف: 180) وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَه إلاّ الله) ، فَمن
قَالَ لَا إِلَه إلاّ الرَّحْمَن أَو الْعَزِيز كَانَ مُسلما، فَإِذا جَازَ ذَلِك فِي الْإِيمَان الَّذِي هُوَ أصل، فَفِي فروعه أولى. وَفِي (سنَن ابْن أبي شيبَة) : عَن أبي الْعَالِيَة أَنه سُئِلَ: بِأَيّ شَيْء كَانَ الْأَنْبِيَاء عليهم السلام، يستفتحون الصَّلَاة؟ قَالَ: بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّسْبِيح والتهليل. وَعَن الشّعبِيّ قَالَ: بِأَيّ شَيْء من أَسمَاء الله تَعَالَى افتتحت الصَّلَاة أجزأك، وَمثله عَن النَّخعِيّ وَعَن إِبْرَاهِيم: إِذا سبح أَو كبر أَو هلل أَجْزَأَ فِي الِافْتِتَاح، وَالْجَوَاب عَن حَدِيث رِفَاعَة: أَنه صلى الله عليه وسلم قد أثبتها صَلَاة وَنفى قبُولهَا، وَيجوز أَن تكون جَائِزَة وَلَا تكون مَقْبُولَة، إِذْ لَا يلْزم من الْجَوَاز الْقبُول، وَعِنْدهم لَا تكون صَلَاة فَلَا حجَّة فِيهِ.
732 -
حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي أنَسُ بنُ مالِكٍ الأنْصَارِيُّ أنَّ رسُولَ الله رَكِبَ فَرَسا فَجُحِشَ شِقُّهُ الأيْمَنُ قَالَ أنَسٌ رضي الله عنه فَصَلَّى لَنَا يَوْمَئِذٍ صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ هْوَ قَاعِدٌ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودا ثُمَّ قَالَ لَمَّا سَلَّمَ إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ فَإذَا صَلَّى قائِما فَصَلُّوا قِيَاما وإذَا رَكَعَ فارْكَعُوا وإذَا رَفَعَ فارْفَعُوا وإذَا سَجَدَ فاسْجُدُوا وإذَا قَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ.
هَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي: بَاب إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ، عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك ابْن شهَاب عَن أنس، وَبَينهمَا تفَاوت فِي بعض الْأَلْفَاظ، فهناك:(ركب فرسا فصرع عَنهُ فجحش) وَهُنَاكَ بعد قَوْله: (وَرَاءه قعُودا، فَلَمَّا إنصرف قَالَ: إِنَّمَا جعل الإِمَام)، وَلَيْسَ هُنَاكَ:(وَإِذا سجد فاسجدوا)، وَفِي آخِره هُنَاكَ:(وَإِذا صلى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ) . وَفِي نفس الْأَمر هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي بعده فِي ذَلِك الْبَاب حَدِيث وَاحِد، فَالْكل من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَفِي الحَدِيث الَّذِي يتلوه:(وَإِذا كبر فكبروا) ، وَهُوَ مُقَدّر أَيْضا فِي هَذَا الحَدِيث، لِأَن قَوْله:(إِذا ركع فاركعوا) ، يَسْتَدْعِي سبق التَّكْبِير بِلَا شكّ، والمقدر كالملفوظ، فَحِينَئِذٍ يظْهر التطابق بَين تَرْجَمَة الْبَاب وَبَين هذَيْن الْحَدِيثين، لِأَن الْأَمر بِالتَّكْبِيرِ صَرِيح فِي أَحدهمَا، مُقَدّر فِي الآخر، وَالْأَمر بِهِ للْوُجُوب، فَدلَّ على الْجُزْء الأول من التَّرْجَمَة وَهُوَ قَوْله: بَاب إِيجَاب التَّكْبِير.
وَأما دلَالَته على الْجُزْء الثَّانِي وَهُوَ قَوْله: وافتتاح الصَّلَاة، فبطريق اللُّزُوم، لِأَن التَّكْبِير فِي أول الصَّلَاة لَا يكون إلاّ عِنْد افتتاحها، وافتتاحها هُوَ الشُّرُوع فِيهَا، فَإِذا أمعنت النّظر فِيمَا قلت عرفت أَن اعْتِرَاض الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ هَهُنَا لَيْسَ بِشَيْء، وَهُوَ قَوْله: لَيْسَ فِي حَدِيث شُعَيْب ذكر التَّكْبِير وَلَا ذكر الِافْتِتَاح، وَمَعَ هَذَا فَحَدِيث اللَّيْث الَّذِي ذكره إِنَّمَا فِيهِ:(إِذا كبر فكبروا) ، لَيْسَ فِيهِ بَيَان إِيجَاب التَّكْبِير، وَإِنَّمَا فِيهِ بَيَان إِيجَاب الَّتِي يكبرُونَ بهَا لَا يسبقون إمَامهمْ بهَا، وَلَو كَانَ ذَلِك إِيجَابا للتكبير بِهَذَا اللَّفْظ لَكَانَ قَوْله:(وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده فَقولُوا: رَبنَا وَلَك الْحَمد) ، إِيجَابا لهَذَا القَوْل على الْمُؤْتَم. انْتهى.
وَقد قُلْنَا: إِن هَذِه الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة فِي حكم حَدِيث وَاحِد وَقد بَينا وَجهه، وَأَنه يدل على وجوب التَّكْبِير، وبطريق اللُّزُوم يدل على افْتِتَاح الصَّلَاة، وَقَوله: وَلَيْسَ فِيهِ بَيَان إِيجَاب التَّكْبِير، مَمْنُوع، وَكَيف لَا يدل وَقد أَمر بِهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَن هَذَا قَالَ ابْن التِّين وَابْن بطال: تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَاجِبَة بِهَذَا اللَّفْظ، أَعنِي بقوله:(فكبروا) ، لِأَنَّهُ ذكر تَكْبِيرَة الْإِحْرَام دون غَيرهَا من سَائِر التَّكْبِيرَات، وَالْأَمر للْوُجُوب. وَقَوله: وَلَو كَانَ ذَلِك إِيجَابا
…
إِلَى آخِره، قِيَاس غير صَحِيح، لِأَن التَّحْمِيد غير وَاجِب على الْمُؤْتَم بِالْإِجْمَاع، وَلَا يضر ذَلِك إِيجَاب الظَّاهِرِيَّة إِيَّاه على الْمُؤْتَم، لِأَن خلافهم لَا يعْتَبر، وَلَئِن سلمنَا ذَلِك فَيمكن أَن يكون البُخَارِيّ أَيْضا قَائِلا بِوُجُوب التَّحْمِيد، كَمَا يُوجِبهُ الظَّاهِرِيَّة. فَإِن قلت: روى عَن الْحميدِي أَنه قَالَ بِوُجُوبِهِ؟ قلت: يحْتَمل أَنه لم يكن اطلع على كَون الْإِجْمَاع فِيهِ على عدم الْوُجُوب، وَعرفت أَيْضا أَن قَول صَاحب (التَّلْوِيح) : وافتتاح الصَّلَاة لَيْسَ فِي ظَاهر الحَدِيث مَا يدل عَلَيْهِ لَيْسَ بِشَيْء أَيْضا، لِأَنَّهُ نظر إِلَى الظَّاهِر، وَلَو غاص فِيمَا غصناه لم يقل بذلك. والكرماني أَيْضا تصرف وتكلف هُنَا، ثمَّ توقف فاستشكل دلَالَته على التَّرْجَمَة حَيْثُ قَالَ: أَولا: الحَدِيث دلّ على الْجُزْء الثَّانِي من التَّرْجَمَة، لِأَن لفظ:(إِذا صلى قَائِما) يتَنَاوَل لكَون الِافْتِتَاح فِي حَال الْقيام، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذا افْتتح الإِمَام الصَّلَاة قَائِما فافتتحوا أَنْتُم أَيْضا قيَاما، إلاّ أَن تكون: الْوَاو، بِمَعْنى: مَعَ، وَالْغَرَض بَيَان إِيجَاب
التَّكْبِير عِنْد افْتِتَاح الصَّلَاة، يَعْنِي: لَا يقوم مقَامه التَّسْبِيح والتهليل، فَحِينَئِذٍ دلَالَته على التَّرْجَمَة مُشكل. انْتهى. قلت: قَوْله: وَالْغَرَض
…
إِلَى آخِره، غير صَحِيح، لِأَن الْغَرَض لَيْسَ مَا قَالَه، بل الْغَرَض بَيَان وجوب نفس تَكْبِيرَة الْإِحْرَام للْوَجْه الَّذِي ذكرنَا، خلافًا لمن نفى وُجُوبهَا، ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي: وَقد يُقَال: عَادَة البُخَارِيّ أَنه إِذا كَانَ فِي الْبَاب حَدِيث دَال على التَّرْجَمَة يذكرهُ، وبتبعيته يذكر أَيْضا مَا يُنَاسِبه، وَإِن لم يتَعَلَّق بالترجمة. انْتهى. قلت: هَذَا جَوَاب عَاجز عَن تَوْجِيه الْكَلَام على مَا لَا يخفى.
ثمَّ إعلم أَنا قد تكلمنا على مَا يتَعَلَّق بِهَذَا الحَدِيث مستقصىً فِي: بَاب إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ، وَشَيخ البُخَارِيّ أَبُو الْيَمَان: هُوَ الحكم بن نَافِع البهراني الْحِمصِي، وَشُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب. .
وَمن لطائف أسناده: إِنَّه من رباعيات البُخَارِيّ. وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، وبلفظ الْإِخْبَار فِي مَوضِع بِصِيغَة الْجمع، وَفِي مَوضِع بِصِيغَة الْإِفْرَاد. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: رِوَايَة حمصيين ومدنيين.
733 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا لَيْثٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ أنَسِ بنِ مالَكٍ أنَّهُ قَالَ خَرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ فَصَلَّى لَنَا قَاعِدا فَصَلَّيْنَا مَعَهُ قُعُودا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ إنَّمَا الإمَامُ أوْ إنَّمَا جُعِلَ الإمامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإذَا كَبَّرَ فكَبِّرُوا وإذَا رَكَعَ فارْكَعُوا وَإِذا رفَعَ فارْفَعُوا وَإِذا قَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ وَإذَا سَجَدَ فاسْجُدُوا.
هَذَا طَرِيق عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن اللَّيْث بن سعيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن أنس عَن مَالك. قَوْله: (خر)، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء أَي: وَقع من الخرور، وَهُوَ السُّقُوط. قَوْله:(فجحش) بِتَقْدِيم الْجِيم على الْحَاء الْمُهْملَة أَي: خدش وَهُوَ أَن يتقشر جلد الْعُضْو. قَوْله: (فَلَمَّا انْصَرف)، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني (ثمَّ انْصَرف) . قَوْله:(وَإِنَّمَا) شكّ من الرَّاوِي فِي زِيَادَة لفظ: (جعل) ومفعول: (فكبروا) ومفعول: (إرفعوا) محذوفان. قَوْله: (سمع الله لمن حَمده) قَالَ الْكرْمَانِي: فَلَا بُد أَن يسْتَعْمل بِمن لَا بِاللَّامِ. قلت: مَعْنَاهُ سمع الْحَمد لأجل الحامد مِنْهُ قلت: يُقَال: استمعت لَهُ وتسمعت إِلَيْهِ وَسمعت لَهُ وَسمعت عَنهُ، كُله بِمَعْنى أَي: أصيغت إِلَيْهِ. قَالَ الله تَعَالَى: {لَا تسمعوا لهَذَا الْقُرْآن} (فصلت: 26) وَقَالَ تَعَالَى: {لَا يسَّمعون إِلَى الْمَلأ الْأَعْلَى} (الصافات: 8) . وَالْمرَاد مِنْهُ فِي التسميع، مجَاز بطرِيق إِطْلَاق اسْم السَّبَب وَهُوَ الإصغاء على الْمُسَبّب وَهُوَ الْقبُول والإجابة، أَي: أجَاب لَهُ وَقَبله، بِمَعْنى: قبل الله حمد من حَمده. يُقَال: سمع الْأَمِير كَلَام فلَان، إِذا قبل، وَيُقَال: مَا سمع كَلَامه أَي: رده وَلم يقبله، وَإِن سمع حَقِيقَة. قَوْله:(وَلَك الْحَمد) قَالَ الْكرْمَانِي، بِدُونِ: الْوَاو، وَفِي الرِّوَايَة السَّابِقَة، بِالْوَاو، والأمران جائزان، وَلَا تَرْجِيح لأَحَدهمَا على الآخر فِي مُخْتَار أَصْحَابنَا قلت: رُوِيَ هُنَا أَيْضا: بِالْوَاو، فَلَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّصَرُّف. وَقَوله: لَا تَرْجِيح لأَحَدهمَا على الآخر، غير مُسلم لِأَن بَعضهم رجح الَّذِي بِدُونِ: الْوَاو، لكَونهَا زَائِدَة. وَفِي (الْمُحِيط) : رَبنَا لَك الْحَمد أفضل لزِيَادَة: الْوَاو، وَبَعْضهمْ رجح الَّذِي بِالْوَاو لِأَن تَقْدِيره: رَبنَا حمدناك وَلَك الْحَمد، فَيكون الْحَمد مكررا، ثمَّ لفظ: رَبنَا، لَا يُمكن أَن يتَعَلَّق بِمَا قبله، لِأَنَّهُ كَلَام الْمَأْمُوم وَمَا قبله كَلَام الإِمَام، بِدَلِيل: فَقولُوا، بل هُوَ ابْتِدَاء كَلَام، وَلَك الْحَمد، حَال مِنْهُ أَي: أَدْعُوك وَالْحَال أَن الْحَمد لَك لَا لغيرك، وَلَا يجوز أَن يعْطف على: أَدْعُوك، لِأَنَّهَا إنشائية، وَتلك خبرية.
734 -
حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ قَالَ حدَّثنِي أبُو الزِّنادِ عنِ الأَعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ ليُؤْتَمَّ بهِ فإذَا كَبَّرَ فكبِّرُوا وَإِذا ركَعَ فارْكَعُوا وإذَا قَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا ولكَ الحَمْدُ وإذَا سَجَدَ فاسْجُدُوا وَإذَا صَلَّى جالِسا فصَلُّوا جُلُوسا أجْمَعُونَ. (أنظر الحَدِيث 722) .
مطابقته للتَّرْجَمَة بيناها فِي حَدِيث أنس فِي أول الْبَاب: وَأخرجه عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع مثل مَا أخرج حَدِيث أنس عَن أبي الْيَمَان أَيْضا، غير أَن هُنَاكَ عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس، وَهنا عَن شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد عَن عبد الله بن ذكْوَان