الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا وَجه الْجمع بَين هَذِه الْأَحَادِيث وَمَا تقدم أَنه صلى الله عليه وسلم َ - نهى عَن الصَّلَاة بعد صَلَاة الْعَصْر (قلت) أُجِيب عَنهُ بِأَن النَّهْي كَانَ فِي صَلَاة لَا سَبَب لَهَا وَصَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - كَانَت بِسَبَب قَضَاء فَائِتَة الظّهْر. وَبِأَن النَّهْي هُوَ فِيمَا يتحَرَّى فِيهَا وَفعله كَانَ بِدُونِ التَّحَرِّي. وَبِأَنَّهُ كَانَ من خَصَائِصه. وَبِأَن النَّهْي كَانَ للكراهة فَأَرَادَ صلى الله عليه وسلم َ - بَيَان ذَلِك وَدفع وهم التَّحْرِيم وَبِأَن الْعلَّة فِي النَّهْي هُوَ التَّشَبُّه بعبدة الشَّمْس وَالرَّسُول منزه عَن التَّشَبُّه بهم. وَبِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم َ - لما قضى فَائِتَة ذَلِك الْيَوْم وَكَانَ فِي فَوَاته نوع تَقْصِير واظب عَلَيْهَا مُدَّة عمره جبرا لما وَقع مِنْهُ وَالْكل بَاطِل. أما أَولا فَلِأَن الْفَوات كَانَ فِي يَوْم وَاحِد وَهُوَ يَوْم اشْتِغَاله بِعَبْد الْقَيْس وَصلَاته بعد الْعَصْر كَانَت مستمرة دَائِما. وَأما ثَانِيًا فَلِأَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - كَانَ يداوم عَلَيْهَا ويقصد أداءها كل يَوْم وَهُوَ معنى التَّحَرِّي. وَأما ثَالِثا فَلِأَن الأَصْل عدم الِاخْتِصَاص وَوُجُوب مُتَابَعَته صلى الله عليه وسلم َ - لقَوْله تَعَالَى {فَاتَّبعُوهُ} . وَأما رَابِعا فَلِأَن بَيَان الْجَوَاز يحصل بِمرَّة وَاحِدَة وَلَا يحْتَاج فِي دفع وهم الْحُرْمَة إِلَى المداومة عَلَيْهَا. وَأما خَامِسًا فَلِأَن الْعلَّة فِي كَرَاهَة صَلَاة بعد فرض الْعَصْر لَيْسَ التَّشَبُّه بهم بل هِيَ الْعلَّة لكَرَاهَة الصَّلَاة عِنْد الْغُرُوب فَقَط. وَأما سادسا فلأنا لَا نسلم أَنه كَانَ تقصيرا لِأَنَّهُ كَانَ مشتغلا فِي ذَلِك الْوَقْت بِمَا هُوَ أهم وَهُوَ إرشادهم إِلَى الْحق أَو لِأَن الْفَوات كَانَ بِالنِّسْيَانِ ثمَّ أَن الْجَبْر يحصل بِقَضَائِهِ مرّة وَاحِدَة على مَا هُوَ حكم أَبْوَاب الْقَضَاء فِي جَمِيع الْعِبَادَات بل الْجَواب الصَّحِيح أَن النَّهْي قَول وَصلَاته فعل وَالْقَوْل وَالْفِعْل إِذا تَعَارضا يقدم القَوْل وَيعْمل بِهِ انْتهى (قلت) قَوْله وَالْكل بَاطِل لَا يمشي فِي الْكل بل فِيهِ شَيْء موجه وَشَيْء غير موجه وَكَذَلِكَ فِي كَلَامه ودعواه بِبُطْلَان الْكل أما الَّذِي هُوَ غير موجه فَهُوَ قَوْله أَن النَّهْي كَانَ فِي صَلَاة لَا سَبَب لَهَا وَهَذَا غير صَحِيح لِأَن النَّهْي عَام وتخصيصه بِالصَّلَاةِ الَّتِي لَا سَبَب لَهَا تَخْصِيص بِلَا مُخَصص وَهَذَا بَاطِل وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مضى وَأما الَّذِي هُوَ غير موجه من كَلَام الْكرْمَانِي فَهُوَ قَوْله أَن الأَصْل عدم الِاخْتِصَاص وَهَذَا غير صَحِيح على إِطْلَاقه لِأَنَّهُ إِذا قَامَ الدَّلِيل على الِاخْتِصَاص فَلَا يُنكر وَهَهُنَا قد قَامَت دَلَائِل من الْأَحَادِيث وأفعال الصَّحَابَة فِي أَن هَذَا الَّذِي صلى صلى الله عليه وسلم َ - بعد الْعَصْر كَانَ من خَصَائِصه وَقد ذَكرنَاهَا فِيمَا مضى وَقَول الْكرْمَانِي وَصلَاته بعد الْعَصْر كَانَت مستمرة ترد دَعْوَاهُ عدم التَّخْصِيص إِذْ لَو لم يكن من خَصَائِصه لأمر بقضائها إِذا فَاتَت وَلم يَأْمر بذلك أَلا ترى فِي حَدِيث أم سَلمَة الْمَذْكُورَة فِيمَا مضى قَالَت " قلت يَا رَسُول الله أفنقضيها إِذا فاتتا قَالَ لَا " فَدلَّ ذَلِك على أَن حكم غَيره فيهمَا إِذا فاتتاه خلاف حكمه فَلَيْسَ لأحد أَن يُصَلِّيهمَا بعد الْعَصْر وَهنا شَيْء آخر يلْزمهُم وَهُوَ أَنه صلى الله عليه وسلم َ - كَانَ يداوم عَلَيْهِمَا وهم لَا يَقُولُونَ بِهِ فِي الْأَصَح الْأَشْهر فَإِن عورضوا يَقُولُونَ هَذَا من خَصَائِص رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - ثمَّ قَالَ فِي الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ يَقُولُونَ الأَصْل عدم التَّخْصِيص وَهَذَا كَمَا يُقَال فلَان مثل الظليم الذّكر من النعام يستحمل عِنْد الاستطارة ويستطير عِنْد الاستحمال وَقَوله لَيْسَ التَّشَبُّه بهم غير صَحِيح فَإِن حَدِيث أبي أُمَامَة على التَّشَبُّه بهم وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ مُسلم وَفِيه " فَقلت يَا رَسُول الله أَخْبرنِي عَن الصَّلَاة فَقَالَ صل الصُّبْح ثمَّ اقصر عَن الصَّلَاة حِين تطلع الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع فَإِنَّهَا تطلع بَين قَرْني الشَّيْطَان وَحِينَئِذٍ يسْجد لَهَا الْكفَّار " الحَدِيث وَفِيه أَيْضا " فَإِنَّهَا تغرب بَين قَرْني الشَّيْطَان " والشارع أخبر بِأَن الشَّيْطَان يُحَاذِي الشَّمْس بقرنيه عِنْد الطُّلُوع وَعند الْغُرُوب وَالْكفَّار يَسْجُدُونَ لَهَا حِينَئِذٍ فَنهى الشَّارِع عَن الصَّلَاة فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ حَتَّى لَا يكون المصلون فيهمَا كالساجدين لَهَا وَقَوله وَالْقَوْل وَالْفِعْل إِذا تَعَارضا يقدم القَوْل لَيْسَ على إِطْلَاقه فَإِن أَحدهمَا إِذا كَانَ حاظرا وَالْآخر مبيحا يقدم الحاظر على الْمُبِيح سَوَاء كَانَ قولا أَو فعلا فَافْهَم وَالله تَعَالَى أعلم
34 -
(بابُ التَّبْكِيرِ بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التبكير، أَي: الْمُبَادرَة والإسراع إِلَى الصَّلَاة فِي الْيَوْم الَّذِي فِيهِ الْغَيْم خوفًا من وُقُوعهَا خَارج الْوَقْت.
594 -
حدَّثنا مُعَاذُ بنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدثنَا هِشَامٌ عنْ يَحْيَى هُوَ ابنُ أبِي كَثِيرٍ عنُ أبي قِلَابَة