الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأقَام لكل صَلَاة من الْفَوَائِت، وَإِن شَاءَ اقْتصر على الْإِقَامَة لما روى التِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَاتَتْهُ يَوْم الخَنْدَق أَربع صلوَات حَتَّى ذهب من اللَّيْل مَا شَاءَ الله، فَأمر بِلَالًا فَأذن ثمَّ أَقَامَ فصلى الظّهْر ثمَّ أَقَامَ فصلى الْعَصْر ثمَّ أَقَامَ فصلى الْمغرب ثمَّ أَقَامَ فصلى الْعشَاء) .
فَإِن قلت: إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَمن أَيْن التَّخْيِير؟ قلت: جَاءَ فِي رِوَايَة: (قضاهن صلى الله عليه وسلم بآذان وَإِقَامَة) . وَفِي رِوَايَة: (بِأَذَان وَإِقَامَة للأولى وَإِقَامَة لكل وَاحِدَة من الْبَوَاقِي) . وَلِهَذَا الِاخْتِلَاف خيرنا فِي ذَلِك، وَفِي (التُّحْفَة) : وَرُوِيَ فِي غير رِوَايَة الْأُصُول عَن مُحَمَّد بن الْحسن: إِذا فَاتَتْهُ صلوَات تقضى الأولى بآذان وَإِقَامَة، وَالْبَاقِي بِالْإِقَامَةِ دون الآذان. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي (الْجَدِيد) يُقيم لَهُنَّ وَلَا يُؤذن، وَفِي الْقَدِيم: يُؤذن للأولى وَيُقِيم، ويقتصر فِي الْبَوَاقِي على الْإِقَامَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) : يُقيم لكل وَاحِدَة بِلَا خلاف، وَلَا يُؤذن لغير الأولى مِنْهُنَّ. وَفِي الأولى ثَلَاثَة أَقْوَال فِي الْأَذَان، أَصَحهَا: أَنه يُؤذن وَلَا يعْتَبر بتصحيح الرَّافِعِيّ منع الْأَذَان والآذان للأولى مَذْهَب: مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي ثَوْر. وَقَالَ ابْن بطال: لم يذكر الآذان فِي الأولى عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق: لَا يُؤذن لفائتة.
السَّابِع: فِيهِ دَلِيل على أَن قَضَاء الْفَوَائِت بِعُذْر لَيْسَ على الْفَوْر، وَهُوَ الصَّحِيح، وَلَكِن يسْتَحبّ قَضَاؤُهَا على الْفَوْر. وَحكى الْبَغَوِيّ وَجها عَن الشَّافِعِي: أَنه، على الْفَوْر، وَأما الْفَائِتَة بِلَا عذر فَالْأَصَحّ قَضَاؤُهَا على الْفَوْر، وَقيل: لَهُ التَّأْخِير كَمَا فِي الأولى. الثَّامِن: فِيهِ أَن الْفَوَائِت لَا تقضى فِي الْأَوْقَات الْمنْهِي عَن الصَّلَاة فِيهَا، وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي قدر الْوَقْت الَّذِي تُبَاح فِيهِ الصَّلَاة بعد الطُّلُوع. قَالَ فِي الأَصْل: حَتَّى ترْتَفع الشَّمْس قدر رمح أَو رُمْحَيْنِ. وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْفضل: مَا دَامَ الْإِنْسَان يقدر على النّظر إِلَى قرص الشَّمْس لَا تُبَاح فِيهِ الصَّلَاة، فَإِن عجز عَن النّظر تُبَاح.
التَّاسِع: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز قَضَاء الصَّلَاة الْفَائِتَة بِالْجَمَاعَة.
الْعَاشِر: احْتج بِهِ الْمُهلب على أَن الصَّلَاة الْوُسْطَى هِيَ صَلَاة الصُّبْح، قَالَ: لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لم يَأْمر أحدا بمراقبة وَقت صَلَاة غَيرهَا، وَفِيه نظر لَا يخفى.
الْحَادِي عشر: فِيهِ دَلِيل على قبُول خبر الْوَاحِد، وَاسْتدلَّ بِهِ قوم على ذَلِك، وَقَالَ ابْن بزيزة: وَلَيْسَ هُوَ بقاطع فِيهِ لاحْتِمَال أَنه صلى الله عليه وسلم لم يرجع إِلَى قَول بِلَال بِمُجَرَّدِهِ، بل بعد النّظر إِلَى الْفجْر لَو اسْتَيْقَظَ مثلا.
الثَّانِي عشر: اسْتدلَّ بِهِ مَالك فِي عدم قَضَاء سنة الْفجْر، وَقَالَ أَشهب: سُئِلَ مَالك هَل ركع صلى الله عليه وسلم رَكْعَتي الْفجْر حِين نَام عَن صَلَاة الصُّبْح حَتَّى طلعت الشَّمْس؟ قَالَ: مَا بَلغنِي. وَقَالَ أَشهب: بَلغنِي أَنه صلى الله عليه وسلم ركع. وَقَالَ عَليّ بن زِيَاد: وَقَالَ غير مَالك، وَهُوَ أحب إِلَى أَن يرْكَع، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ، وَقد قَالَ مَالك: إِن أحب أَن يركعهما من فَاتَتْهُ بعد طُلُوع الشَّمْس فعل. قلت: مَذْهَب مُحَمَّد بن الْحسن: إِذا فَاتَتْهُ رَكعَتَا الْفجْر يقضيهما إِذا ارْتَفع النَّهَار إِلَى وَقت الزَّوَال، وَعند أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لَا يقضيهما هَذَا إِذا فَاتَت وَحدهَا، وَإِذا فَاتَت مَعَ الْفَرْض يقْضِي اتِّفَاقًا.
الثَّالِث عشر: فِيهِ أقوى دَلِيل لنا على عدم جَوَاز الصَّلَاة عِنْد طُلُوع الشَّمْس لِأَنَّهُ، صلى الله عليه وسلم، ترك الصَّلَاة حَتَّى ابياضت الشَّمْس، ولورود النَّهْي فِيهِ أَيْضا.
36 -
(بابُ مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من صلى بِالنَّاسِ الْفَائِتَة بعد خُرُوج الْوَقْت. قَوْله: (جمَاعَة) ، نصب على الْحَال من النَّاس بِمَعْنى مُجْتَمعين.
72 -
(حَدثنَا معَاذ بن فضَالة قَالَ حَدثنَا هِشَام عَن يحيى عَن أبي سَلمَة عَن جَابر بن عبد الله أَن عمر بن الْخطاب جَاءَ يَوْم الخَنْدَق بعد مَا غربت الشَّمْس فَجعل يسب كفار قُرَيْش قَالَ يَا رَسُول الله مَا كدت أُصَلِّي الْعَصْر حَتَّى كَادَت الشَّمْس تغرب قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - وَالله مَا صليتها فقمنا إِلَى بطحان فَتَوَضَّأ للصَّلَاة وتوضأنا لَهَا فصلى الْعَصْر بعد مَا غربت الشَّمْس ثمَّ صلى بعْدهَا الْمغرب) مطابقته للتَّرْجَمَة استفيدت من اخْتِصَار الرَّاوِي فِي قَوْله " فصلى الْعَصْر " إِذْ أَصله فصلى بِنَا الْعَصْر وَكَذَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق يزِيد بن زُرَيْع عَن هِشَام وَقَالَ الْكرْمَانِي (فَإِن قلت) كَيفَ دلّ الحَدِيث على الْجَمَاعَة (قلت) إِمَّا لِأَن البُخَارِيّ
استفاده من بَقِيَّة الحَدِيث الَّذِي هَذَا مُخْتَصره وَإِمَّا من إِجْرَاء الرَّاوِي الْفَائِتَة الَّتِي هِيَ الْعَصْر والحاضرة الَّتِي هِيَ الْمغرب مجْرى وَاحِدًا وَلَا شكّ أَن الْمغرب كَانَ بِالْجَمَاعَة كَمَا هُوَ مَعْلُوم من عَادَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - (قلت) الْوَجْه الأول هُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَهُوَ الَّذِي كَانَ فِي نفس الْأَمر وَأما الْوَجْه الثَّانِي فَلَا وَجه لَهُ لِأَنَّهُ يردهُ مَا رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث أبي سعيد قَالَ " حبسنا يَوْم الخَنْدَق عَن الصَّلَاة حَتَّى كَانَ بعد الْمغرب بهوى من اللَّيْل حَتَّى كفينا فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - بِلَالًا فَأَقَامَ صَلَاة الظّهْر فَصلاهَا كَمَا كَانَ يُصليهَا فِي وَقتهَا ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْعَصْر فَصلاهَا كَذَلِك ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْمغرب فَصلاهَا كَذَلِك ثمَّ أَقَامَ الْعشَاء فَصلاهَا كَذَلِك قَالَ وَذَلِكَ قبل أَن ينزل الله عز وجل فِي صَلَاة الْخَوْف {فرجالا أَو ركبانا} "(ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول معَاذ بِضَم الْمِيم ابْن فضَالة الزهْرَانِي وَيُقَال القريشي مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ. الثَّانِي هِشَام ابْن أبي عبد الله الدستوَائي. الثَّالِث يحيى بن أبي كثير. الرَّابِع أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَقد تقدم ذكرهم غير مرّة. الْخَامِس جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ. السَّادِس عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده. وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُسَدّد عَن يحيى وَعَن أبي نعيم عَن شَيبَان وَفِي صَلَاة الْخَوْف عَن يحيى عَن وَكِيع وَأخرجه فِي الْمَغَازِي عَن مكي بن إِبْرَاهِيم وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن أبي مُوسَى وَأبي غَسَّان وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن معَاذ بن هِشَام وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَمُحَمّد بن عبد الْأَعْلَى (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " يَوْم الخَنْدَق " أَي يَوْم حفر الخَنْدَق وَهُوَ لفظ أعجمي تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب وَكَانَت فِي السّنة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة وَيُسمى بغزوة الْأَحْزَاب قَوْله " بَعْدَمَا غربت الشَّمْس " وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ عَن شَيبَان عَن يحيى " بَعْدَمَا أفطر الصَّائِم " وَالْمعْنَى وَاحِد قَوْله " فَجعل " أَي عمر يسب الْكفَّار لأَنهم كَانُوا السَّبَب لاشتغال الْمُسلمين بِحَفر الخَنْدَق الَّذِي هُوَ سَبَب لفَوَات صلَاتهم قَوْله " مَا كدت أُصَلِّي الْعَصْر ". اعْلَم أَن كَاد من أَفعَال المقاربة وَهِي على ثَلَاثَة أَنْوَاع نوع مِنْهَا وضع للدلالة على قرب الْخَبَر وَهُوَ كَاد وكرب وأوشك وَالرَّاجِح فِي كَاد أَن لَا يقرن بِأَن عكس عَسى وَقد وَقع فِي رِوَايَة مُسلم " حَتَّى كَادَت الشَّمْس أَن تغرب " قَالَ الْكرْمَانِي (فَإِن قلت) ظَاهره يَقْتَضِي أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ صلى قبل الْغُرُوب (قلت) لَا نسلم بل يَقْتَضِي أَن كيدودته كَانَت عِنْد كيدودتها وَلَا يلْزم وُقُوع الصَّلَاة فِيهَا بل يلْزم أَن لَا تقع الصَّلَاة فِيهَا إِذْ حَاصله عرفا مَا صليت حَتَّى غربت الشَّمْس وَقَالَ الْيَعْمرِي إِذا تقرر أَن معنى كَاد المقاربة فَقَوْل عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَا كدت أُصَلِّي الْعَصْر حَتَّى كَادَت الشَّمْس تغرب مَعْنَاهُ أَنه صلى الْعَصْر قرب غرُوب الشَّمْس لِأَن نفي الصَّلَاة يَقْتَضِي إِثْبَاتهَا وَإِثْبَات الْغُرُوب يَقْتَضِي نَفْيه فَيحصل من ذَلِك لعمر ثُبُوت الصَّلَاة وَلم يثبت الْغُرُوب وَقَالَ بَعضهم لَا يخفى مَا بَين التقريرين من الْفرق وَمَا ادَّعَاهُ من الْفرق مَمْنُوع وَكَذَلِكَ العندية للْفرق الَّذِي أوضحه الْيَعْمرِي من الْإِثْبَات وَالنَّفْي لِأَن كَاد إِذا أَثْبَتَت نفت وَإِذا نفت أَثْبَتَت هَذَا مَعَ مَا فِي تَعْبِيره بِلَفْظ كيدودة من الثّقل انْتهى (قلت) كل ذَلِك لَا يشفي العليل وَلَا يروي الغليل وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا الْمقَام أَن كَاد إِذا دخل عَلَيْهِ النَّفْي فِيهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب. الأول أَنَّهَا كالأفعال إِذا تجردت من النَّفْي كَانَ مَعْنَاهُ إِثْبَاتًا وَإِن دخل عَلَيْهَا نفي كَانَ مَعْنَاهَا نفيا لِأَن قَوْلك كَاد زيد يقوم مَعْنَاهُ إِثْبَات قرب الْقيام لَا إِثْبَات نفس الْقيام فَإِذا قلت مَا كَاد زيد يفعل فَمَعْنَاه نفي قرب الْفِعْل. الثَّانِي أَنه إِذا دخل عَلَيْهَا النَّفْي كَانَت للإثبات. الثَّالِث إِذا دخل عَلَيْهَا حرف النَّفْي ينظر هَل دخل على الْمَاضِي أَو على الْمُسْتَقْبل فَإِن كَانَ مَاضِيا فَهِيَ للإثبات وَإِن كَانَ مُسْتَقْبلا فَهِيَ كالأفعال وَالأَصَح هُوَ الْمَذْهَب الأول نَص عَلَيْهِ ابْن الْحَاجِب وَإِذا تقرر هَذَا فكاد هَهُنَا دخل عَلَيْهِ النَّفْي فَصَارَ مَعْنَاهُ نفيا يَعْنِي نفي قرب الصَّلَاة كَمَا فِي قَوْلك مَا كَاد زيد يفعل نفي قرب الْفِعْل فَإِذا نفى قرب الصَّلَاة فنفي الصَّلَاة بطرِيق الأولى وَقَوله " حَتَّى كَادَت الشَّمْس تغرب " حَال عَن النَّفْي فَهِيَ كَسَائِر الْأَفْعَال وَقَول الْيَعْمرِي يُشِير إِلَى الْمَذْهَب الثَّالِث وَهُوَ غير صَحِيح وَلَا يمشي هَهُنَا أَيْضا (فَإِن قلت) قَوْله تَعَالَى {فذبحوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} يساعد الْمَذْهَب الثَّالِث لِأَن كَاد هَهُنَا دخل عَلَيْهَا النَّفْي وَهُوَ مَاض
وَاقْتضى الْإِثْبَات أَن لفعل الذّبْح وَاقع بِلَا شكّ (قلت) لَيْسَ فعل الذّبْح مستفادا من كَاد بل من قَوْله {فذبحوها} وَالْمعْنَى فذبحوها مجبرين وَمَا قاربوا فعل الذّبْح مختارين أَو نقُول فذبحوها بعد التَّرَاخِي وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ على الْفَوْر بِدَلِيل أَنهم سَأَلُوا سؤالا بعد سُؤال وَلم يبادروا إِلَى الذّبْح من حِين أمروا بِهِ قَوْله " بطحان " بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الطَّاء وَقيل بِفَتْح أَوله وَكسر ثَانِيه وَهُوَ وَاد بِالْمَدِينَةِ قَوْله " فصلى الْعَصْر " أَي صَلَاة الْعَصْر وَوَقع فِي الْمُوَطَّأ من طَرِيق أُخْرَى أَن الَّذِي فاتهم الظّهْر وَالْعصر وَفِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن قريب الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَفِي لفظ النَّسَائِيّ " حبسنا عَن صَلَاة الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء " وَعند التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي عُبَيْدَة عَن أَبِيه " أَن الْمُشْركين شغلوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - عَن أَربع صلوَات يَوْم الخَنْدَق " الحَدِيث وَقَالَ بَعضهم وَفِي قَوْله " أَربع " تجوز لِأَن الْعشَاء لم تكن فَاتَت (قلت) مَعْنَاهُ أَن الْعشَاء فَاتَتْهُ عَن وَقتهَا الَّذِي كَانَ يُصليهَا فِيهَا غَالِبا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا فَاتَت عَن وَقتهَا الْمَعْهُود وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ الصَّحِيح أَن الصَّلَاة الَّتِي شغل عَنْهَا وَاحِدَة وَهِي الْعَصْر وَيُؤَيّد ذَلِك مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر " قَالَ وَمِنْهُم من جمع بِأَن الخَنْدَق كَانَت وقعته أَيَّامًا وَكَانَ ذَلِك فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة فِي تِلْكَ الْأَيَّام قَالَ وَهَذَا أولى (فَإِن قلت) تَأْخِير النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - الصَّلَاة فِي ذَلِك الْيَوْم كَانَ نِسْيَانا أَو عمدا فَقيل كَانَ نِسْيَانا وَيُمكن أَن يسْتَدلّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث ابْن لَهِيعَة أَن أَبَا جُمُعَة حبيب بن سِبَاع قَالَ " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - عَام الْأَحْزَاب صلى الْمغرب فَلَمَّا فرغ قَالَ هَل علم أحد مِنْكُم أَنِّي صليت الْعَصْر قَالُوا لَا يَا رَسُول الله مَا صليتها فَأمر الْمُؤَذّن فَأَقَامَ فصلى الْعَصْر ثمَّ أعَاد الْمغرب " وَقيل كَانَ عمدا لكِنهمْ شغلوه وَلم يمكنوه من ذَلِك وَهُوَ أقرب (فَإِن قلت) هَل يجوز الْيَوْم تَأْخِير الصَّلَاة بِسَبَب الِاشْتِغَال بالعدو والقتال (قلت) الْيَوْم لَا يجوز تَأْخِيرهَا عَن وَقتهَا بل يُصَلِّي صَلَاة الْخَوْف وَكَانَ ذَلِك الِاشْتِغَال عذرا فِي التَّأْخِير لِأَنَّهُ كَانَ قبل نزُول صَلَاة الْخَوْف (ذكر مَا يستنبط مِنْهُ) فِيهِ جَوَاز سبّ الْمُشْركين وَلَكِن المُرَاد مَا لَيْسَ بفاحش إِذْ هُوَ اللَّائِق بِمنْصب عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِيه جَوَاز الْحلف من غير استحلاف إِذا ثبتَتْ على ذَلِك مصلحَة دينية وَقَالَ النَّوَوِيّ هُوَ مُسْتَحبّ إِذا كَانَت فِيهِ مصلحَة من توكيد الْأَمر أَو زِيَادَة طمأنينة أَو نفي توهم نِسْيَان أَو غير ذَلِك من الْمَقَاصِد الصَّالِحَة وَإِنَّمَا حلف النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - تطبيبا لقلب عمر لما شقّ عَلَيْهِ تَأْخِيرهَا وَقيل يحْتَمل أَنه تَركهَا نِسْيَانا لاشتغاله بِالْقِتَالِ فَلَمَّا قَالَ عمر ذَلِك تذكر وَقَالَ وَالله مَا صليتها وَفِي رِوَايَة مُسلم " وَالله إِن صليتها " وَإِن بِمَعْنى مَا. وَفِيه أَن الظَّاهِر أَنه صلاهَا بِجَمَاعَة فَيكون فِيهِ دلَالَة على مَشْرُوعِيَّة الْجَمَاعَة فِي الْفَائِتَة وَهَذَا بِالْإِجْمَاع وشذ اللَّيْث فَمنع من ذَلِك وَيرد عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث الْوَادي وَفِيه احتجاج من يرى امتداد وَقت الْمغرب إِلَى مغيب الشَّفق لِأَنَّهُ قدم الْعَصْر عَلَيْهَا وَلَو كَانَ ضيقا لبدأ بالمغرب لِئَلَّا يفوت وَقتهَا أَيْضا وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي فِي قَوْله الْجَدِيد فِي وَقت الْمغرب أَنه مضيق وقته. وَفِيه دَلِيل على عدم كَرَاهِيَة من يَقُول مَا صليت وروى البُخَارِيّ عَن ابْن سِيرِين أَنه كره أَن يُقَال فاتتنا وَليقل لم ندرك وَقَالَ البُخَارِيّ وَقَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - أصح. وَفِيه مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - عَلَيْهِ من مَكَارِم الْأَخْلَاق وَحسن التأني مَعَ أَصْحَابه وتألفهم وَمَا يَنْبَغِي الِاقْتِدَاء بِهِ فِي ذَلِك. وَفِيه مَا يدل على وجوب التَّرْتِيب بَين الصَّلَاة الوقتية والفائتة وَهُوَ قَول النَّخعِيّ وَالزهْرِيّ وَرَبِيعَة وَيحيى الْأنْصَارِيّ وَاللَّيْث وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَأحمد وَإِسْحَاق وَهُوَ قَول عبد الله بن عمر وَقَالَ طَاوس التَّرْتِيب غير وَاجِب وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْقَاسِم وَسَحْنُون وَهُوَ مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة وَمذهب مَالك وجوب التَّرْتِيب كَمَا قُلْنَا وَلَكِن لَا يسْقط بِالنِّسْيَانِ وَلَا بِضيق الْوَقْت وَلَا بِكَثْرَة الْفَوَائِت كَذَا فِي شرح الْإِرْشَاد وَفِي شرح الْمجمع وَالصَّحِيح الْمُعْتَمد عَلَيْهِ من مَذْهَب مَالك سُقُوط التَّرْتِيب بِالنِّسْيَانِ كَمَا نطقت كتب مذْهبه وَعند أَحْمد لَو تذكر الْفَائِتَة فِي الوقتية يُتمهَا ثمَّ يُصَلِّي الْفَائِتَة ثمَّ يُعِيد الوقتية وَذكر بعض أَصْحَابه أَنَّهَا تكون نَافِلَة وَهَذَا يُفِيد وجوب التَّرْتِيب وَعند زفر من ترك صَلَاة شهر بعد المتروكة لَا تجوز الْحَاضِرَة وَقَالَ ابْن أبي ليلى من ترك صَلَاة لَا تجوز صَلَاة سنة بعْدهَا وَاسْتدلَّ صَاحب الْهِدَايَة وَغَيره فِي مَذْهَبنَا بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ -