المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الأذان قبل الفجر) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٥

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة)

- ‌ بَاب مَوَاقِيت الصَّلَاة وفضلها

- ‌(بابٌ قَوْلُ الله تَعَالَى {مُنِيبِينَ إلَيْهِ واتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (الرّوم:

- ‌(بابُ البَيْعَةِ عَلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بابٌ الصَّلَاةُ كَفَّارَةٌ)

- ‌(بابُ فَضْلِ الصَّلَاةِ لوَقْتِهَا)

- ‌(بابٌ الصَلَوَاتُ الخَمْسُ كَفَّارَةٌ)

- ‌(بابُ تَضْيِيعِ الصَّلاةِ عَنْ وَقْتِهَا)

- ‌(بابٌ المصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ عز وجل

- ‌(بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بابُ الإبْرَادِ بِالظُهْرِ فِي السفَرِ)

- ‌(بابٌ وَقْتُ الظهْرِ عِنْدَ الزَّوَال)

- ‌(بابُ تَأْخِيرِ الظُّهْرِ إلَى العَصَرِ)

- ‌(بابُ وَقْتِ العَصْرِ. وقَالَ أبُو أُسامَةَ عنْ هِشَامٍ منْ قَعْرِ حُجْرَتِهَا)

- ‌(بابُ إثْمِ مَنْ تَرَكَ العَصْرَ)

- ‌(بابُ منْ أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوبِ)

- ‌(بابُ وقْتِ المغْرَبَ)

- ‌(بابُ مَنْ كَرِهَ أنْ يُقَالَ لِلْمَغْرِبِ العِشَاءُ)

- ‌(بابُ ذِكْرِ العِشَاءِ والعَتْمَةِ ومَنْ رَآهُ واسِعا)

- ‌(بابُ وَقْتِ العِشَاءِ إذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أوْ تَأَخَّرُوا

- ‌(بابُ وَقْتِ العِشَاءِ إذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أوْ تَأَخَّرُوا

- ‌‌‌(يايُ فَضْلِ العِشَاءِ

- ‌(يايُ فَضْلِ العِشَاءِ

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوْمِ قَبْلَ العِشَاءِ)

- ‌(بابُ النَّوْمِ قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

- ‌(بابُ وقْتِ العِشَاءِ إلَى نِصْفِ الليْلِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ صَّلَاةِ الفَجْرِ)

- ‌(بابُ وقتِ الفَجْرِ)

- ‌(بابُ منْ أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الفَجْرِ)

- ‌(بابُ مَنْ أدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

- ‌(بابٌ لَا يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ)

- ‌(بابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلَاةَ ألَاّ بَعْدَ العَصْرِ والفَجْرِ)

- ‌(بابُ مَا يُصَلَّى بَعْدَ العَصْرِ منَ الفَوَائِتِ وغَيْرِهَا)

- ‌(بابُ التَّبْكِيرِ بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ)

- ‌(بابُ الأَذَانِ بعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بابُ مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بابُ منْ نَسِيَ صلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذا ذَكَرهَا وَلَا يُعِيدُ إلَاّ تِلْكَ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب قضَاءِ الصَّلَوَاتِ الأُولَى فَالأُولَى)

- ‌(بابُ مَا يُكْرَهُ منَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ والخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بابُ السَّمَرِ معَ الضَّيْفِ والأَهْلِ)

- ‌(بابُ السَّمَرِ معَ الضَّيْفِ والأَهْلِ)

- ‌(كِتَابُ الأذَانِ)

- ‌(بابُ بِدْءَ الأَذَانِ)

- ‌‌‌(بابٌ الأَذان مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بابٌ الأَذان مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بابٌ الإِقامَةُ واحِدَةٌ إِلَاّ قَوْلَهُ قَدْ قامَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بالنِّدَاءِ)

- ‌(بابُ مَا يُحْقَنُ بِالآذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)

- ‌(بابُ مَا يَقُولُ إذَا سَمِعَ المُنَادِي)

- ‌(بابُ الدُّعاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ)

- ‌(بابُ الاستِهَامِ فِي الأذَانِ)

- ‌(بابُ الكَلَامِ فِي الأذَانِ)

- ‌(بابُ أَذانِ الأعْمَى إذَا كانَ لهُ مَنْ يُخْبِرِهِ)

- ‌(بابُ الآذَانِ بَعْدَ الفَجْرِ)

- ‌(بابُ الأذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ)

- ‌(بابُ مَنِ انْتَظَرَ الإقَامَةَ)

- ‌(بابٌ هَل يُتْبِعُ المُؤَذِّنُ فاهُ هَهنا وهَهُنا وهَلْ يَلْتَفِتُ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ الرَّجلِ فاتَتْنَا الصلاةُ)

- ‌(بابٌ لَا يَسْعَى إلَى الصَّلَاةِ وَلْيَأْتِ بالسَّكِينَةِ والوَقارِ)

- ‌(بابٌ مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إذَا رَأوُا الإِمامَ عِنْدَ الإِقَامَةِ)

- ‌(بابٌ لَا يَسْعَى إلَى الصَّلَاةِ مُسْتَعْجِلاً وَلْيُقِمْ بِالسَّكِينَةِ والوَقَارِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

- ‌(بابٌ إذَا قالَ الإمامُ مكانَكُمْ حَتَّى نَرْجِعَ انْتَظِرُوه)

- ‌(بابُ قَوْلِ الرَّجلِ مَا صَلَّيْنا)

- ‌(بابُ الإمامِ تَعْرِضُ لَهُ الحاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ)

- ‌(بابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ فِي جَمَاعةٍ)

- ‌(بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إلَى الظُّهْرِ)

- ‌(بابُ احْتِسَابِ الآثَارِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ صَلَاةِ العِشَاءِ فِي الجَمَاعَةِ)

- ‌(بابٌ اثْنان فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ)

- ‌(بابُ مَنْ جَلَسَ فِي المَسْجِد يَنْتَظَرُ الصَّلاةَ وفَضْلِ المسَاجِدِ)

- ‌(بابُ فَضْل منْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ ومنْ راحَ)

- ‌(بابٌ إذَا أُقِيمَتِ الصلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَاّ المَكْتُوبَةُ)

- ‌(بابُ حَدِّ المَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

- ‌(بابُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ والعِلَّةِ أنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يُصَلِّي الإِمامُ بِمَنْ حَضَرَ وهَلْ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي المَطَرِ)

- ‌(بابٌ إذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وأُقِيمتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بابُ إذَا دُعِيَ الإمامُ إلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يأكُلُ)

- ‌(بابُ منْ كانَ فِي حاجَةِ أهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ)

- ‌(بابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ وَهْوَ لَا يُرِيدُ إلَاّ أنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وسُنَّتَهْ)

- ‌(بابٌ أهْلُ العِلْمِ والفَضْلِ أحَقُّ بِالإمَامةِ)

- ‌(بابُ منْ قامَ إلَى جَنْبِ الإمَامِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ الناسَ فَجَاءَ الإمامُ الأوَّلُ فَتَأخَّرَ الأوَّلُ أوْ لَمْ يَتَأخَّرْ جازَتْ صَلَاتُهُ)

- ‌(بابٌ إذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أكْبَرُهُمْ)

- ‌(بابٌ إِذا زَارَ الإمامُ قَوْما فَأمَّهُمْ)

- ‌(بابٌ إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)

- ‌(بابُ مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإمَامِ)

- ‌(بابُ إثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ)

- ‌(بابُ إمامَةِ العَبْدِ والمَوْلَى)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يُتِمَّ الإمَامُ وَأَتَم مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بابُ إمَامَةِ المَفْتُونِ والمُبْتَدِعِ)

- ‌(بابٌ يَقُومُ عنْ يَمِينِ الإمَامِ بِحِذَائِهِ سَوَاءً إذَا كانَا اثْنَيْنِ)

- ‌(بابٌ إذَا قامَ الرَّجُلُ عنْ يَسارِ الإمَامِ فَحَوَّلَهُ الإمَامُ إلَى يَمِينِهِ لَمْ تَفْسُدْ صلَاتُهُمَا)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يَنْوِ الإمَامْ أَن يَؤُمَّ ثُمَّ جاءَ قَوْمٌ فَأَمَّهُمْ)

- ‌(بابٌ إذَا طَوَّلَ الإمامُ وكانَ لِلرَّجُلِ حاجَةٌ فَخَرَجَ فَصَلَّى)

- ‌(بابُ تَخْفِيفِ الإمَامِ فِي القِيامِ وإتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بابٌ إذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شاءَ)

- ‌(بابُ منْ شكا إمامَهُ إذَا طَوَّلَ)

- ‌(بابُ الإيجَازِ فِي الصَّلاةِ وَإكْمَالِهَا)

- ‌(بابُ منْ أخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصّبِيِّ)

- ‌(بابُ إذَا صَلَّى ثُمَّ أمَّ قَوْما)

- ‌(بابُ مَنْ أسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإمَامِ)

- ‌(بابٌ الرَّجُلُ يَأتَمُّ بالإمَامِ ويأتَمُّ النَّاسُ بِالمَأمُومِ)

- ‌(بابٌ هِلْ يَأخُذُ الإمَامُ إذَا شَكَّ بِقَوْلِ الناسِ)

- ‌(بابٌ إذَا بَكَى الإمامُ فِي الصَّلاةِ

- ‌(بابُ إقْبَالِ الإمامِ النَّاسَ عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُفُوفِ)

- ‌(بابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

- ‌(بابٌ إقامةُ الصَّف مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بابُ إثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

- ‌(بابُ الصَاقِ المَنْكِبِ بِالمَنْكِبِ والقَدَم بالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

- ‌(بابٌ إِذا قامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإمَامِ وَحَوَّلَهُ الإمامُ خَلْفَهُ إلَى يَمِينِهِ تَمَّتْ صلاتُهُ)

- ‌(بابٌ المَرْأةُ وَحْدَهَا تَكُونُ صَفّا)

- ‌(بابُ مَيْمَنَةِ المَسْجِدِ والإمَامِ)

- ‌(بابٌ إذَا كانَ بَيْنَ الإمَامِ وبَيْنَ القَوْمِ حائِطٌ أوْ سُتْرَةٌ)

- ‌(بابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ)

- ‌(أبْوابُ صِفَةُ الصَّلَاةِ)

- ‌(بابُ إيجَاب التَّكبِيرِ وَافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ اليَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الأولَى مَعَ الافْتِتَاحِ سَوَاءً)

- ‌(بابُ رَفْعِ اليَدَيْنِ إذَا كَبَّرَ وإذَا رَكَعَ وإذَا رَفَعَ)

- ‌(بابُ إلَى أيْنَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إذَا قامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ)

- ‌(بابُ وَضْعِ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بابُ الخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بابُ مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ البَصَرِ إلَى الإمَامِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب رفع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء فِي الصَّلَاة)

- ‌(بَاب الِالْتِفَات فِي الصَّلَاة)

الفصل: ‌(باب الأذان قبل الفجر)

النّسخ من (الْمُوَطَّأ) وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهَا: بِالْبَاء الْمُوَحدَة. قلت: لكَلَام الْكرْمَانِي وَجه من جِهَة التَّرْكِيب وَالْإِعْرَاب، وَأما من جِهَة الرِّوَايَة فَيحْتَاج إِلَى الْبَيَان، وَمَعَ هَذَا كَونه بِالْبَاء الْمُوَحدَة فِي جَمِيع النّسخ من (الْمُوَطَّأ) وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم لَا يسْتَلْزم نَفيهَا بالنُّون عِنْد غَيرهَا، قَوْله:(قبل أَن تُقَام) كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: قبل قيام الصَّلَاة، وَهِي الْفَرْض.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن سنة الصُّبْح رَكْعَتَانِ وأنهما خفيفتان، وَأَن وَقت صَلَاة الْفجْر بعد طُلُوع الْفجْر، وَلَو صلى الْفَرْض قبله لم يجز، وعَلى هَذَا ترْجم البُخَارِيّ، رحمه الله.

619 -

حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيى عنْ أبي سَلمَةَ عنْ عَائِشَةَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ والإقَامَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ (الحَدِيث 619 طرفه فِي: 1159) .

وَجه مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة بطرِيق الْإِشَارَة، وَهُوَ أَن صلَاته صلى الله عليه وسلم، بِهَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة يدل على أَنه صلاهما بعد طُلُوع الْفجْر، وَأَن النداء أَيْضا بعد طُلُوع الْفجْر، وَهُوَ الْأَذَان بعد الْفجْر، فطابق التَّرْجَمَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو نعيم، بِضَم النُّون، وَهُوَ الْفضل بن دُكَيْن. الثَّانِي: شَيبَان بن عبد الرَّحْمَن التَّيْمِيّ. الثَّالِث: يحيى بن أبي كثير. الرَّابِع: أَبُو سَلمَة، بِفَتْح اللَّام: بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. الْخَامِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى. قَوْله: (بَين النداء) أَي: الْأَذَان.

620 -

حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قالَ أخْبَرَنا مالِكٌ عَنْ عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إنَّ بِلالاً يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِي ابنُ أمِّ مَكْتُومٍ.

قد مر هَذَا الحَدِيث قبل هَذَا الْبَاب. أخرجه البُخَارِيّ: عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه، الحَدِيث. وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هَذَا الْإِسْنَاد لم يخْتَلف عَن مَالك فِيهِ، وَوجه مطابقته للتَّرْجَمَة بطرِيق الْإِشَارَة أَيْضا، لِأَن قَوْله:(حَتَّى يُنَادي ابْن أم مَكْتُوم) ، يَقْتَضِي أَن نداءه حِين يطلع الْفجْر، لِأَنَّهُ لَو كَانَ قبله لم يكن فرق بَين أَذَانه وأذان بِلَال. قَوْله:(يُنَادي)، أَي: يُؤذن، وَالْبَاء فِي: بلَيْل، للظرفية.

(بابُ الأذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْأَذَان قبل طُلُوع الْفجْر، هَل هُوَ مَشْرُوع أم لَا؟ وَإِذا شرع، هَل يَكْتَفِي بِهِ عَن إِعَادَة الْأَذَان بعد الْفجْر أم لَا؟ وميل البُخَارِيّ إِلَى الْإِعَادَة بِدَلِيل إِيرَاده الْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب الدَّالَّة على الْإِعَادَة، وَقد بَينا الْمذَاهب فِيهِ مفصلة فِيمَا مضى.

621 -

حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قَالَ حدَّثنا زُهَيْرٌ قَالَ حدَّثنا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَن أبي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ عَن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يَمْنَعَنَّ أحَدَكُمْ أَو أحَدا مِنْكُمْ أذَانُ بِلالٍ مِنْ سْحُورِهِ فإنَّهُ يُؤَذِّنُ أوْ يُنَادِي بِلَيْلً لِيَرْجِعَ قائِمَكُمْ ولِيُنَبِّهَ نائِمَكُمْ ولَيْسَ أَن يَقُولَ الفَجْرُ أَو الصُّبْحُ وَقَالَ بِأصابِعِهِ وَرَفَعَهَا إِلَى فَوْقُ وطَأْطأْ إِلَى أَسْفَلُ حَتَّى يَقولَ هكذَا وَقَالَ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الأخْرَى ثُمَّ مَدَّهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وعنْ شِمَالِهِ

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِي أَن أَذَان بِلَال كَانَ قبل الْفجْر، لِأَنَّهُ أخبر أَنه كَانَ يُؤذن بلَيْل، يَعْنِي: قبل طُلُوع الْفجْر.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَحْمد بن يُونُس الْمَعْرُوف بشيخ الْإِسْلَام. الثَّانِي: زُهَيْر بن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ. الثَّالِث: سُلَيْمَان

ص: 133

ابْن طرخان التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ. الرَّابِع: أَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ، بِفَتْح النُّون، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ: فِي: بَاب الصَّلَاة كَفَّارَة. الْخَامِس: عبد الله بن مَسْعُود.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أحد الروَاة من المخضرمين وَهُوَ أَبُو عُثْمَان. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ وهما: سُلَيْمَان وَأَبُو عُثْمَان. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ مَنْسُوب إِلَى جده، وَهُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس التَّمِيمِي الْيَرْبُوعي. وَفِيه: أَن الِاثْنَيْنِ الْأَوَّلين. من الروَاة كوفيان والإثنان الْآخرَانِ بصريان. وَفِيه: عَن أبي عُثْمَان بالعنعنة، وَفِي رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة من طَرِيق مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه حَدثنَا أَبُو عُثْمَان.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطَّلَاق عَن القعْنبِي عَن يزِيد بن زُرَيْع، وَفِي خبر الْوَاحِد عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن مُحَمَّد بن نمير وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن يُونُس بِهِ، وَعَن مُسَدّد بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو ابْن عَليّ عَن يحيى بِهِ، وَفِي الصَّلَاة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن حَكِيم.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لَا يمنعن أحدكُم) بِنصب: أحدكُم، وفاعله هُوَ قَوْله:(أَذَان بِلَال) . قَوْله: (أَو: أحدا مِنْكُم) ، شكّ من الرَّاوِي، وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) يحْتَمل أَن يكون هَذَا الشَّك من زُهَيْر، فَإِن جمَاعَة رَوَوْهُ عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ فَقَالُوا: لَا يمنعن أحدكُم أَذَان بِلَال. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو وَاحِدًا مِنْكُم، ثمَّ قَالَ: هَل فرق بَين أحدكُم أَو وَاحِدًا مِنْكُم؟ قلت: كِلَاهُمَا عَام، لَكِن الأول من جِهَة أَنه اسْم جنس مُضَاف، وَالثَّانِي: لِأَنَّهُ نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي. انْتهى. قلت: الْفرق بَين أحد وَوَاحِد من جِهَة الْمَعْنى: أَن أحدا يرجع إِلَى الذَّات، وواحدا يرجع إِلَى الصِّفَات. قَوْله:(من سَحوره) ، بِفَتْح السِّين، وَهُوَ مَا يتسحر بِهِ، وَبِضَمِّهَا التسحر كَالْوضُوءِ وَالْوُضُوء، وَفِي بعض النّسخ: من، سحره، وَلم أعلم صِحَّته. قَوْله:(فَإِنَّهُ أَي: فَإِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل أَو يُنَادي، شكّ من الرَّاوِي ومعناهما وَاحِد. وَقَوله (بلَيْل) أَي فِي ليل قَوْله: (ليرْجع) ، بِفَتْح الْيَاء وَكسر الْجِيم المخففة، يسْتَعْمل هَذَا لَازِما ومتعديا. تَقول: رَجَعَ زيد وَرجعت زيدا، وَهَهُنَا متعدٍ وفاعله: بِلَال. قَوْله: (قائمكم) ، بِالنّصب مَفْعُوله، وَمَعْنَاهُ: يرد الْقَائِم أَي المتهجد إِلَى رَاحَته ليقوم إِلَى صَلَاة الصُّبْح نشيطا، أَو يكون لَهُ حَاجَة إِلَى الصّيام فيتسحر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ليرْجع، إِمَّا من الرُّجُوع وَإِمَّا من الرجع. وقائمكم، مَرْفُوع أَو مَنْصُوب؟ قلت: فهم مِنْهُ أَنه جوز الْوَجْهَيْنِ هَهُنَا: أَحدهمَا كَون ليرْجع لَازِما، وَيكون قائمكم فَاعله مَرْفُوعا، وَالْآخر: يكون مُتَعَدِّيا، وَيكون قائمكم مَنْصُوب على أَنه مفعول لَهُ. قَوْله:(ولينبه) من التَّنْبِيه أَي: وليوقظ نائمكم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ولينبه من التَّنْبِيه وَهُوَ الإنباه، وَفِي بَعْضهَا: ولينتبه من الانتباه. قلت: جوز الْوَجْهَيْنِ فِيهِ أَيْضا، ثمَّ قَالَ: مَعْنَاهُ أَنه إِنَّمَا يُؤذن بِاللَّيْلِ ليعلمكم أَن الصُّبْح قريب، فَيرد الْقَائِم المتهجد إِلَى رَاحَته لينام لَحْظَة ليُصبح نشيطا ويوقظ نائمكم ليتأهب للصبح بِفعل مَا أَرَادَهُ من تهجد قَلِيل أَو تسحر أَو اغتسال. قلت: أَو لإيتار إِن كَانَ نَام عَن الْوتر، وَهَذَا كَمَا ترى جوز الْكرْمَانِي الْوَجْهَيْنِ فِي كل وَاحِد من قَوْله:(ليرْجع) و (لينبه) وَلم يبين أَنَّهُمَا رِوَايَة أم لَا، وَالظَّاهِر أَنه تصرف من جِهَة الْمَعْنى. وَقَالَ بَعضهم: من روى ليرْجع قائمكم، من الترجيع يَعْنِي: بِضَم الْيَاء وَتَشْديد الْجِيم فقد أَخطَأ. قلت: أَن كَانَ خَطؤُهُ من جِهَة الرِّوَايَة فَيمكن، وإلَاّ فَمن جِهَة الْمَعْنى فَلَيْسَ بخطأ، وتعليل هَذَا الْقَائِل الْخَطَأ بقوله فَإِنَّهُ يصير من الترجيع، وَهُوَ الترديد وَلَيْسَ بمرده هُنَا فِيهِ نظر، لِأَن الَّذِي روى من الترجيع لَهُ أَن يَقُول: مَا أردْت بِهِ الترديد، وَإِنَّمَا أردْت بِهِ التَّعْدِيَة، فَإِن رَجَعَ الَّذِي هُوَ لَازم يجوز تعديته بالتضعيف كَمَا فِي سَائِر الْأَلْفَاظ اللَّازِمَة. قَوْله:(وَلَيْسَ أَن يَقُول) بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، وَهَذَا من كَلَام الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَي: قَالَ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ الْفجْر أَو الصُّبْح على الشَّك من الرَّاوِي، أَن يَقُول الشَّخْص هَكَذَا، وَأَشَارَ بإصبعيه ورفعهما إِلَى فَوق وطأطأ إِلَى أَسْفَل، وَأَشَارَ بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى الْفجْر الْكَاذِب، وَهُوَ الضَّوْء المستطيل من الْعُلُوّ إِلَى السّفل، وَهُوَ من اللَّيْل، وَلَا يدْخل بِهِ وَقت الصُّبْح، وَيجوز فِيهِ التسحر وَنَحْوه. قَوْله:(حَتَّى يَقُول) ، هَكَذَا إِلَى آخِره إِشَارَة إِلَى الصُّبْح الصَّادِق، وَقد فسر زُهَيْر الرَّاوِي الصَّادِق بقوله بسبابتيه إِلَى آخِره. وَاعْلَم أَن قَوْله:(الْفجْر) اسْم: لَيْسَ، وَخَبره هُوَ قَوْله:(أَن يَقُول) وَمعنى القَوْل بالأصابع: الْإِشَارَة بهَا، قَوْله:(بأصابعه) بِلَفْظ الْجمع رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(بإصبعيه)، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: (باصبعه) ، بِلَفْظ

ص: 134

الْمُفْرد، وَلم يذكرهُ غَيره. وَفِي الْأصْبع عشر لُغَات: فتح الْهمزَة، وَضمّهَا، وَكسرهَا، وَكَذَلِكَ الْبَاء فَهَذِهِ تسع لُغَات، والعاشر الأصبوع، والسبابة من الْأَصَابِع الَّتِي تلِي الْإِبْهَام، وَسميت بذلك لِأَن النَّاس يشيرون بهَا عِنْد الشتم. قَوْله:(إِلَى فَوق) رُوِيَ مَبْنِيا على الضَّم على نِيَّة الْإِضَافَة، ومنونا بِالْجَرِّ على عدم نِيَّتهَا، وَهَكَذَا حكم الْأَسْفَل لكنه غير منصرف فجره بِالْفَتْح، وَكَذَا سَائِر الظروف الَّتِي تقطع عَن الْإِضَافَة، وقرىء بهما فِي قَوْله تَعَالَى:{لله الْأَمر من قبل وَمن بعد} (الرّوم: 4) . قَوْله: (وطأطأ) على وزن: دحرج، أَي: خفض إصبعيه إِلَى أَسْفَل، وَهَذَا هُوَ الْإِشَارَة إِلَى كَيْفيَّة الصُّبْح الصَّادِق، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عِيسَى بن يُونُس عَن سُلَيْمَان قَالَ: الْفجْر لَيْسَ هَكَذَا، وَلَكِن الْفجْر هَكَذَا وَاخْتلف أَلْفَاظ الروَاة فِي هَذَا فَقَالَ بَعضهم وأخصر مَا وَقع فيهل رِوَايَة جرير عَن سُلَيْمَان عِنْد مُسلم (لَيْسَ الْفجْر الْمُعْتَرض وَلَكِن المستطيل) . قلت: رِوَايَة مُسلم: (لَا يَغُرنكُمْ من سحوركم أَذَان بِلَال، وَلَا بَيَاض الْأُفق المستطيل، هَكَذَا، حَتَّى يستطير هَكَذَا) . وَحَكَاهُ حَمَّاد بن زيد، وَقَالَ: يَعْنِي مُعْتَرضًا. وَفِي رِوَايَة أبي الشَّيْخ من طَرِيق شُعْبَة عَن سوَادَة: سَمِعت سَمُرَة يخْطب، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:(لَا يَغُرنكُمْ أَذَان بِلَال، وَلَا هَذَا الْبيَاض حَتَّى يَبْرق الْفجْر أَو ينفجر الْفجْر) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن الْأَذَان الَّذِي كَانَ يُؤذن بِهِ بِلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ لرجع الْقَائِم وإيقاظ النَّائِم، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة. قَالَ: وَلَا بُد من أَذَان آخر، كَمَا فعل ابْن أم مَكْتُوم، وَهُوَ قَول النَّوَوِيّ أَيْضا، وَقد ذكرنَا اخْتِلَاف الْعلمَاء فِيهِ فِيمَا مضى، وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي: الَّذين قَالُوا بِجَوَاز الْأَذَان للصبح قبل دُخُول الْوَقْت اخْتلفُوا فِي وقته، فَذكر بعض الشَّافِعِيَّة أَنه يكون فِي وَقت السحر بَين الْفجْر الصَّادِق والكاذب، وَيكرهُ التَّقْدِيم على ذَلِك الْوَقْت، وَعند الْبَعْض: يُؤذن عِنْد انْقِضَاء صَلَاة الْعَتَمَة من نصف اللَّيْل، وَقيل: عِنْد ثلث اللَّيْل، وَقيل: عِنْد سدسه الآخر.

وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَأحمد وَمَالك فِي قَول الْجَوَاز: من نصف اللَّيْل، وَهُوَ الْأَصَح من أَقْوَال أَصْحَاب الشَّافِعِي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَالْقَوْل الثَّانِي: عِنْد طُلُوع الْفجْر فِي السحر، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَبِه قطع الْبَغَوِيّ وَصَححهُ القَاضِي حُسَيْن وَالْمُتوَلِّيّ. وَالثَّالِث: يُؤذن لَهَا فِي الشتَاء لسبع يبْقى من اللَّيْل، وَفِي الصَّيف لنصف سبع يبْقى. وَالرَّابِع: من ثلث اللَّيْل آخر الْوَقْت الْمُخْتَار. وَالْخَامِس: جَمِيع اللَّيْل وَقت لأذان الصُّبْح، حَكَاهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَقَالَ: لَوْلَا حِكَايَة أبي عَليّ لَهُ، وَأَنه لم ينْقل إلَاّ مَا صَحَّ عِنْده لما استجزت نَقله، وَكَيف يحسن الدُّعَاء لصَلَاة الصُّبْح فِي وَقت الدُّعَاء للمغرب؟ والسرف فِي كل شَيْء مطروح، وَأما السَّبع وَنصف السَّبع فَحَدِيث بَاطِل عِنْد أهل الحَدِيث، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن بعض أَصْحَابه عَن الْأَعْرَج عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن عمَارَة عَن أَبِيه عَن جده عَن سعيد الْقرظِيّ، وَهُوَ مُخَالف لمذهبه فَإِنَّهُ قَالَ: كَانَ آذاننا فِي الشتَاء لسبع وَنصف السَّبع يبْقى من اللَّيْل، وَفِي الصَّيف لسبع يبْقى مِنْهُ، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (شرح الْمسند) ، وَتَقْدِيم الْأَذَان على الْفجْر مُسْتَحبّ، وَبِه قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد وَأَبُو يُوسُف. وَقَالَ بَعضهم: ادّعى بعض الْحَنَفِيَّة كَمَا حَكَاهُ السرُوجِي عَنْهُم أَن النداء قبل الْفجْر لم يكن بِأَلْفَاظ الْأَذَان، وَإِنَّمَا كَانَ تذكيرا أَو تسحيرا، كَمَا يَقع للنَّاس الْيَوْم، وَهَذَا مَرْدُود لِأَن الَّذِي يصنعه النَّاس الْيَوْم مُحدث قطعا، وَقد تظافرت الطّرق على التَّعْبِير بِلَفْظ الْأَذَان فَحَمله على مَعْنَاهُ الشَّرْعِيّ مقدم. قلت: لفظ الْأَذَان يتَنَاوَل مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ والشرعي، وَقد قَامَ دَلِيل من الشَّارِع أَن المُرَاد من أَذَان بِلَال لَيْسَ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيّ، وَهُوَ أَذَان ابْن أم مَكْتُوم، إِذْ لَو لم يكن كَذَلِك لم يُوجد الْفرق بَين أذانيهما، وَالْحَال أَن الشَّارِع فرق بَينهمَا، وَقد قَالَ: أَن أَذَان بِلَال لإيقاظ النَّائِم ولرجع الْقَائِم، وَقَالَ لَهُم: لَا يَغُرنكُمْ أَذَان بِلَال. وَجعل أَذَان ابْن أم مَكْتُوم وَهُوَ الأَصْل كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِيمَا مضى، وتظافر الطّرق لَا يصادم مَا ذَكرْنَاهُ.

وَفِيه: بَيَان الْفجْر الْكَاذِب والصادق.

وَفِيه: زِيَادَة الْإِيضَاح بِالْإِشَارَةِ تَأْكِيدًا للتعليم، وَقَالَ الْمُهلب يُؤْخَذ مِنْهُ أَن الْإِشَارَة تكون أقوى من الْكَلَام.

622 -

حدَّثنا إسْحاقُ قَالَ أخبرنَا أبُو أُسامةَ قَالَ عُبَيْدُ الله حَدثنَا عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ عَن عائِشَةَ وَعَن نافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ وحدَّثني يُوسُفُ بنُ عِيسَى المَرُوزِيُّ قَالَ حَدثنَا الفَضْلُ قَالَ حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَرَ عنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ عَن عائِشَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ إنَّ بِلَالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابنُ أمِّ مَكْتُومٍ.

ص: 135

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ أَذَان بِلَال فِي اللَّيْل قبل دُخُول وَقت الْفجْر.

ذكر رِجَاله: وهم تِسْعَة: الأول: إِسْحَاق غير مَنْسُوب، وَزعم الجياني أَن إِسْحَاق عَن أبي أُسَامَة يحْتَمل أَن يكون إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي أَو إِسْحَاق بن مَنْصُور الكوسج، أَو إِسْحَاق بن نصر السَّعْدِيّ وَزعم الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج الدِّمَشْقِي فِي (أَطْرَافه) : أَنه إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَوجد بِخَط الْحَافِظ الدمياطي على حَاشِيَته الصَّحِيح: أَن إِسْحَاق هَذَا هُوَ ابْن شاهين الوَاسِطِيّ. وَقَالَ بَعضهم أما مَا وَقع بِخَط الدمياطي بِأَنَّهُ ابْن شاهين، فَلَيْسَ بصواب، لِأَنَّهُ لَا يعرف لَهُ عَن أبي أُسَامَة شَيْء. قلت: عدم مَعْرفَته بِعَدَمِ رِوَايَة ابْن شاهين عَن أبي أُسَامَة لَا يسْتَلْزم الْعَدَم مُطلقًا، وَجَهل الشَّخْص بِشَيْء لَا يسْتَلْزم جهل غَيره بِهِ. قلت: هَذَا الالتباس قدح فِي الأسناد؟ قلت: لَا، لِأَن أيا كَانَ مِنْهُم فَهُوَ عدل ضَابِط بِشَرْط البُخَارِيّ. الثَّانِي: أَبُو أُسَامَة، وَهُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة وَقد تقدم. الثَّالِث: عبيد الله، بتصغير العَبْد، وَهُوَ: عبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب الْمدنِي الْعمريّ الْعَدوي القريشي، وَقد تقدم. الرَّابِع: الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد تقدم. الْخَامِس: نَافِع مولى ابْن عمر. السَّادِس: يُوسُف بن عِيسَى أَبُو يَعْقُوب الْمروزِي، وَقد تقدم. السَّابِع: الْفضل بن مُوسَى السينَانِي، وسينان بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة، قَرْيَة من قرى مرو. الثَّامِن: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ. التَّاسِع: عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده مِنْهَا: أَنه أخرج هَذَا الحَدِيث عَن عبيد الله بن عمر من وَجْهَيْن ذكر لَهُ فِي أَحدهمَا إسنادين: نَافِع عَن ابْن عمر، وَالقَاسِم عَن عَائِشَة. وَالْوَجْه الثَّانِي: اقْتصر فِيهِ على الْقَاسِم عَن عَائِشَة. وَمِنْهَا أَن فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد عَن إِسْحَاق وَعَن يُوسُف، ويروى بِصِيغَة الْجمع أَيْضا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع: عبيد الله عَن الْقَاسِم، وَالْفضل عَن عبيد الله، ويوسف عَن الْفضل. وَمِنْهَا أَن فِيهِ: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع إِسْحَاق عَن أبي أُسَامَة. وَمِنْهَا أَن فِيهِ: العنعنة فِي سَبْعَة مَوَاضِع، وَهُوَ ظَاهر لَا يخفى. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع بعد إِسْحَاق وَبعد أبي أُسَامَة وَبعد يُوسُف وَبعد الْفضل.

قَوْله: (قَالَ عبيد الله: حَدثنَا عَن الْقَاسِم) فَاعل: قَالَ، هُوَ أَبُو أُسَامَة، وَعبيد الله هُوَ الْقَائِل بقوله: حَدثنَا. وَفِيه: تَقْدِيم وَتَأْخِير، وأصل التَّرْكِيب: قَالَ أَبُو أُسَامَة: حَدثنَا عبيد عَن الْقَاسِم، وَكَأَنَّهُ رَاعى لفظ شَيْخه وَلم يذكرهُ على الأَصْل. قَوْله:(وَعَن نَافِع)، عطف على الْقَاسِم أَي: قَالَ عبيد الله عَن نَافِع أَيْضا، وَمِنْهَا أَن فِيهِ كلمة:(ح) فِي أَكثر النّسخ، وَهِي إِشَارَة إِلَى التَّحْوِيل من إِسْنَاد إِلَى إِسْنَاد آخر قبل ذكر متن الحَدِيث، أَو إِشَارَة إِلَى الْحَائِل أَو إِلَى الحَدِيث، وَقد مر فِي الْكتاب مثل هَذَا فِي غير مَوضِع.

قَوْله: (حَتَّى يُؤذن) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (حَتَّى يُنَادي)، وَقد أوردهُ البُخَارِيّ فِي الصّيام بِلَفْظ:(يُؤذن)، وَزَاد وَفِي آخِره:(فَإِنَّهُ لَا يُؤذن حَتَّى يطلع الْفجْر) . قَالَ الْقَاسِم: لم يكن بَين أذانهما إلَاّ أَن يرقى فِي هَذَا وَينزل هَذَا. فَإِن قلت: هَذَا مُرْسل. لِأَن الْقَاسِم تَابِعِيّ فَلم يدْرك الْقِصَّة الْمَذْكُورَة. قلت: ثَبت عِنْد الطَّحَاوِيّ من رِوَايَة يحيى الْقطَّان، وَعند النَّسَائِيّ من رِوَايَة حَفْص بن غياث، كِلَاهُمَا عَن عبيد الله بن عمر عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة، فَذكر الحَدِيث، (قَالَت: فَلم يكن بَينهمَا إلَاّ أَن ينزل هَذَا ويصعد هَذَا) . وعَلى هَذَا فَمَعْنَى قَوْله: فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، قَالَ الْقَاسِم، أَي: فِي رِوَايَته عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر بَقِيَّة الْكَلَام قد مر عَن قريب: قَالَ الْكرْمَانِي: قَالَت الْحَنَفِيَّة: لَا يسن الْأَذَان قبل وَقت الصُّبْح. قَالَ الطَّحَاوِيّ: أَن ذَلِك النداء من بِلَال لينبه النَّائِم وَيرجع الْقَائِم لَا للصَّلَاة، وَقَالَ غَيره: إِنَّه كَانَ نِدَاء لَا أذانا، كَمَا جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات أَنه كَانَ يُنَادي. أَقُول للشَّافِعِيَّة: أَن يَقُولُوا: الْمَقْصُود بَيَان أَن وُقُوع الْأَذَان قبل الصُّبْح، وَتَقْرِير الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لَهُ، وَأما أَنه للصَّلَاة أَو لغَرَض آخر، فَذَلِك بحث آخر. وَأما رِوَايَة:(كَانَ يُنَادي)، فمعارض بِرِوَايَة:(كَانَ يُؤذن) وَالتَّرْجِيح مَعنا لِأَن كل أَذَان نِدَاء بِدُونِ الْعَكْس، فَالْعَمَل بِرِوَايَة:(يُؤذن عمل بالروايتين، وَجمع بَين الدَّلِيلَيْنِ، وَالْعَكْس لَيْسَ كَذَلِك. قلت: أَرَادَ الْكرْمَانِي أَن ينتصر لمذهبه لَكِن لم يَأْتِ بِشَيْء عَلَيْهِ قبُول، فَقَوله: قَالَ الطَّحَاوِيّ: إِن ذَلِك النداء من بِلَال لينبه النَّائِم وَيرجع الْقَائِم، هُوَ من كَلَام الشَّارِع، فَإِن أَرَادَ بذلك الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ فَهُوَ بَاطِل. وَقَوله: لَا للصَّلَاة، مُسلم عِنْدهم أَيْضا، حَتَّى لَو صلى بذلك الْأَذَان صَلَاة الْفجْر لَا يجوز. وَقَوله: الْمَقْصُود بَيَان أَن وُقُوع الْأَذَان قبل الصُّبْح، فَهَذَا لَا ننازعهم فِيهِ، وَنحن أَيْضا نقُول: إِنَّه وَقع قبل الصُّبْح، وَلَكِن لَا يعْتد بِهِ فِي حق الصَّلَاة. وَقَوله: وَتَقْرِير الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لَهُ، يردهُ قَوْله صلى الله عليه وسلم لِبلَال: أَن يرجع فينادي: (أَلا إِن العَبْد نَام، فَرجع فَنَادَى: أَلا إِن العَبْد نَام) . رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث حَمَّاد

ص: 136

ابْن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. فَإِن قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ، وَالصَّحِيح مَا روى عبيد الله بن عمر وَغَيره عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن ابْن أم مَكْتُوم) . قلت: مَا لحماد بن سَلمَة، وَهُوَ ثِقَة؟ . وَلَيْسَ حَدِيثه يُخَالف حَدِيث عبيد الله بن عمر، لِأَن حَدِيثه لإيقاظ النَّائِم وَرجع الْقَائِم، وَلم يكن لأجل الصَّلَاة، فَلذَلِك لم يَأْمُرهُ صلى الله عليه وسلم بِأَن يرجع وينادي:(أَلا إِن العَبْد نَام) . وَأما حَدِيث حَمَّاد ابْن سَلمَة فقد كَانَ لأجل غَفلَة بِلَال عَن الْوَقْت، وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ: أَذَان بِلَال لم يكن معتدا للصَّلَاة. وَقَوله: وَأما رِوَايَة (كَانَ يُنَادي) إِلَى آخِره، فَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن كلَاّ من الْأَذَان والنداء فِي الْحَقِيقَة يرجع إِلَى معنى وَاحِد، وَهُوَ الْإِعْلَام، وَلَا إِعْلَام قبل الْوَقْت. ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي: بِأَن الْأَذَان للإعلام بِوَقْت الصَّلَاة بالألفاظ الَّتِي عينهَا الشَّارِع، وَهُوَ لَا يصدق عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ إعلاما بوقتها. فَأجَاب بِأَن الْإِعْلَام بِالْوَقْتِ أَعم من أَن يكون إعلاما بِأَن الْوَقْت دخل، أَو قرب أَن يدْخل. انْتهى. قلت: فعلى مَا ذكره إِذا أذن عِنْد قرب وَقت صَلَاة أَي صَلَاة كَانَت يَنْبَغِي أَن يَكْتَفِي بِهِ وَلَا يُعَاد، وَيصلى بِهِ. وَلم يقل بِهِ أحد فِي كل الصَّلَاة. وَقَالَ بَعضهم: وَاحْتج الطَّحَاوِيّ بِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّة الْأَذَان قبل الْفجْر، بقوله:(لما كَانَ بَين أذانيهما من الْقرب) ، مَا ذكر فِي حَدِيث عَائِشَة ثَبت أَنَّهُمَا كَانَا يقصدان وقتا وَاحِدًا وَهُوَ طُلُوع الْفجْر، فيخطئه بِلَال ويصيبه ابْن أم مَكْتُوم، وَتعقب بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لما أقره النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُؤذنًا، وَاعْتمد عَلَيْهِ، وَلَو كَانَ كَمَا ادّعى لَكَانَ وُقُوع ذَلِك مِنْهُ نَادرا. قلت: لَو اعْتمد عَلَيْهِ فِي أَذَان الْفجْر لَكَانَ لم يقل: لَا يَغُرنكُمْ أَذَان بِلَال، وَتَقْرِيره صلى الله عليه وسلم إِيَّاه على ذَلِك لم يكن إلَاّ لِمَعْنى بَينه فِي الحَدِيث، وَهُوَ: تَنْبِيه النَّائِم وَرجع الْقَائِم، لمعان مَقْصُودَة فِي ذَلِك.

14 -

بابٌ بَيْنَ الأَذَانِ والإقَامَةِ ومَنْ يَنْتَظِرُ إقَامَةَ الصَّلَاةِ

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ كم بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة، فَحِينَئِذٍ يكون بَاب منونا مَرْفُوعا على أَنه خبر مبتد مَحْذُوف، وَقَالَ بَعضهم: أما بَاب، فَهُوَ فِي روايتنا بِلَا تَنْوِين. قلت: لَيْت شعري من هُوَ الرَّاوِي لَهُ، فَهَل هُوَ مِمَّن يعْتَمد عَلَيْهِ فِي تصرفه فِي التراكيب، وَهَذَا لَيْسَ لفظ الحَدِيث حَتَّى يقْتَصر فِيهِ على الْمَرْوِيّ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام البُخَارِيّ، فَالَّذِي لَهُ يَد فِي تَحْقِيق النّظر فِي تراكيب النَّاس يتَصَرَّف فِيهِ بِأَيّ وَجه، يَأْتِي مَعَه على قَاعِدَة أهل النَّحْو واصطلاح الْعلمَاء فِيهِ، وَبَاب هُنَا منون، وَوَجهه مَا ذَكرْنَاهُ، ومميز: كم، مَحْذُوف أَي: كم سَاعَة، وَنَحْو ذَلِك. قَوْله:(وَالْإِقَامَة) أَي: إِقَامَة الصَّلَاة. قَوْله: (وَمن ينْتَظر الْإِقَامَة) لَيْسَ بموجود فِي كثير من النّسخ، وعَلى تَقْدِير وجوده يكون عطفا على الْمُقدر الَّذِي قدرناه، تَقْدِيره: وَيذكر فِيهِ من ينْتَظر إِقَامَة الصَّلَاة.

20 -

(حَدثنَا إِسْحَاق الوَاسِطِيّ قَالَ حَدثنَا خَالِد عَن الْجريرِي عَن ابْن بُرَيْدَة عَن عبد الله بن مُغفل الْمُزنِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ بَين كل أذانين صَلَاة ثَلَاثًا لمن شَاءَ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن معنى قَوْله " بَين كل أذانين صَلَاة " بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَقَالَ بَعضهم وَلَعَلَّ البُخَارِيّ أَشَارَ بذلك أَي بقوله بَاب كم بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة إِلَى مَا رُوِيَ عَن جَابر رضي الله عنه " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ لِبلَال اجْعَل بَين أذانك وإقامتك قدر مَا يفرغ الْآكِل من أكله والشارب من شربه والمقتصر إِذا دخل لقَضَاء حَاجَة " أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم لَكِن إِسْنَاده ضَعِيف (قلت) هَذَا كَلَام عَجِيب لِأَنَّهُ كَيفَ يترجم بَابا ويورد فِيهِ حَدِيثا صَحِيحا على شَرطه وَيُشِير بذلك إِلَى حَدِيث ضَعِيف فَأَي شَيْء هُنَا يدل على هَذِه الْإِشَارَة. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة الأول اسحق هُوَ ابْن شاهين الوَاسِطِيّ وَفِي الروَاة اسحق بن وهب العلاف الوَاسِطِيّ وَلَكِن لَيست لَهُ رِوَايَة عَن خَالِد وَإِنَّمَا تميز اسحق هَهُنَا من غَيره من اسحق الْحَنْظَلِي واسحق بن نصر السَّعْدِيّ واسحق بن مَنْصُور الكوسج بقوله الوَاسِطِيّ الثَّانِي خَالِد بن عبد الله الطَّحَّان وَقد تقدم الثَّالِث الْجريرِي بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء الأولى وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء الْمُهْملَة هُوَ سعيد بن إِيَاس الرَّابِع ابْن بُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة وَهُوَ عبد الله بن حصيب الْأَسْلَمِيّ قَاضِي مرو مَاتَ بهَا الْخَامِس عبد الله بن مُغفل بِضَم الْمِيم وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْفَاء

ص: 137

(ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه من الروَاة الْأَوَّلَانِ واسطيان والاثنان بصريان وَفِيه أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده وَأَنه لم يذكرهُ إِلَّا بنسبته إِلَى بَلَده وَاسِط (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن يزِيد الْمقري عَن كهمس بن الْحسن وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن أبي أُسَامَة ووكيع كِلَاهُمَا عَن كهمس بِهِ وَعَن ابْن أبي شيبَة عَن عبد الْأَعْلَى عَن الْجريرِي بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن النُّفَيْلِي عَن إِسْمَاعِيل بن علية عَن الْجريرِي بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن هناد عَن وَكِيع بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عبيد الله بن سعيد عَن يحيى بن سعيد عَن كهمس بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن أبي أُسَامَة ووكيع بِهِ (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " بَين كل أذانين " أَي الْأَذَان وَالْإِقَامَة فَهُوَ من بَاب التغليب وَقَالَ الْخطابِيّ حمل أحد الاسمين على الآخر شَائِع كَقَوْلِهِم الأسودان للتمر وَالْمَاء وَالْأسود إِنَّمَا هُوَ أَحدهمَا وَقَالَ الْكرْمَانِي وَيحْتَمل أَن يكون الِاسْم لكل وَاحِد مِنْهُمَا حَقِيقَة لِأَن الْأَذَان فِي اللُّغَة الْإِعْلَام وَالْأَذَان إِعْلَام بِحُضُور الْوَقْت وَالْإِقَامَة إِعْلَام بِفعل الصَّلَاة (قلت) الْأَذَان إِعْلَام الغائبين وَالْإِقَامَة إِعْلَام الْحَاضِرين وَقيل لَا يجوز حمل هَذَا على ظَاهره لِأَن الصَّلَاة وَاجِبَة بَين كل أذاني وَقْتَيْنِ والْحَدِيث يخبر بالتخيير بقوله " لمن شَاءَ " قَوْله " صَلَاة " أَي وَقت صَلَاة وموضعها قَوْله " ثَلَاثًا " أَي قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات وتفسره الرِّوَايَة الَّتِي تَأتي بعد بَاب وَهِي قَوْله صلى الله عليه وسلم َ - " بَين كل أذانين صَلَاة بَين كل أذانين صَلَاة ثمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَة لمن شَاءَ " وَفِي رِوَايَة مُسلم والإسماعيلي " قَالَ فِي الرَّابِعَة لمن شَاءَ " وَعند أبي دَاوُد " قَالَهَا مرَّتَيْنِ " وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فَائِدَة هَذَا الحَدِيث أَنه يجوز أَن يتَوَهَّم أَن الْأَذَان للصَّلَاة يمْنَع أَن يفعل سوى الصَّلَاة الَّتِي أذن لَهَا فَبين أَن التَّطَوُّع بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة جَائِز (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ جَوَاز الصَّلَاة بَين كل أذانين يَعْنِي بَين الْإِقَامَة وَالْأَذَان وَالْحَاصِل أَن الْوَصْل بَينهمَا مَكْرُوه لِأَن الْمَقْصُود بِالْأَذَانِ إِعْلَام النَّاس بِدُخُول الْوَقْت لِيَتَأَهَّبُوا للصَّلَاة بِالطَّهَارَةِ فيحضروا الْمَسْجِد لإِقَامَة الصَّلَاة وبالوصل يَنْتَفِي هَذَا الْمَقْصُود ثمَّ اخْتلف أَصْحَابنَا فِي حد الْفَصْل فَذكر التُّمُرْتَاشِيّ فِي جَامعه أَن الْمُؤَذّن يقْعد مِقْدَار رَكْعَتَيْنِ أَو أَربع أَو مِقْدَار مَا يفرغ الْآكِل من أكله والشارب من شربه والحاقن من قَضَاء حَاجته وَقيل مِقْدَار مَا يقْرَأ عشر آيَات ثمَّ يثوب ثمَّ يُقيم كَذَا فِي الْمُجْتَبى وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ يفصل بَينهمَا مِقْدَار رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فِي كل رَكْعَة نَحوا من عشر آيَات وينتظر الْمُؤَذّن للنَّاس وَيُقِيم للضعيف المستعجل وَلَا ينْتَظر رَئِيس الْمحلة وكبيرها وَهَذَا كُله إِلَّا فِي صَلَاة الْمغرب عِنْد أبي حنيفَة لِأَن تَأْخِيرهَا مَكْرُوه فيكتفي بِأَدْنَى الْفَصْل وَهُوَ سكتة يسكت قَائِما سَاعَة ثمَّ يُقيم (فَإِن قلت) مَا مِقْدَار السكتة عِنْده (قلت) قدر مَا يتَمَكَّن فِيهِ من قِرَاءَة ثَلَاث آيَات قصار أَو آيَة طَوِيلَة وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة مِقْدَار مَا يخطو ثَلَاث خطوَات وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يفصل بَينهمَا بجلسة خَفِيفَة مِقْدَار الجلسة بَين الْخطْبَتَيْنِ وَمذهب الشَّافِعِي مَا ذكره النَّوَوِيّ فَإِنَّهُ قَالَ يسْتَحبّ أَن يفصل بَين أَذَان الْمغرب وإقامتها فصلا يَسِيرا بقعدة أَو سكُوت أَو نَحْوهمَا وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ عندنَا وَنقل صَاحب الْهِدَايَة عَن الشَّافِعِي أَنه يفصل بِرَكْعَتَيْنِ اعْتِبَارا بِسَائِر الصَّلَوَات وَفِيه نظر وَقَالَ أَحْمد يفصل بَينهمَا بِصَلَاة رَكْعَتَيْنِ فِي الْمغرب اعْتِبَارا بِسَائِر الصَّلَوَات وَاحْتج بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور (قلت) روى الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا عَن حبَان بن عبد الله الْعَدوي حَدثنَا عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - " أَن عِنْد كل أذانين رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمغرب "(فَإِن قلت) ذكر ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا الحَدِيث فِي الموضوعات وَنقل عَن الفلاس أَنه قَالَ كَانَ حبَان هَذَا كذابا (قلت) الحَدِيث رَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده فَقَالَ لَا نعلم من رَوَاهُ عَن ابْن بُرَيْدَة إِلَّا حبَان بن عبد الله وَهُوَ رجل مَشْهُور من أهل الْبَصْرَة لَا بَأْس بِهِ -

625 -

حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدثنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَامِرٍ

ص: 138

الأنصَارِيَّ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ كَانَ المُؤَذِّنُ إذَا أذَّنَ قامَ ناسٌ مِن أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ المَغْرَبِ ولَمْ يَكُنْ بَيْنَ الآذَانِ والإقَامَةِ شَيْءٌ (انْظُر الحَدِيث 503) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وهم يصلونَ الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب) فَإِن صلَاتهم قبل صَلَاة الْمغرب بعد الْأَذَان فصل بَينه وَبَين الْإِقَامَة، وَبِهَذَا أَخذ أَحْمد وَإِسْحَاق. وَالْجَوَاب مَا ذَكرْنَاهُ من اسْتثِْنَاء الْمغرب فِي حَدِيث بُرَيْدَة الْمَذْكُور آنِفا.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة، ذكرُوا غير مرّة، وبشار على وزن: فعال بِالتَّشْدِيدِ، وَالْبَاء الْمُوَحدَة والشين الْمُعْجَمَة، وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة: لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر ابْن امْرَأَة شُعْبَة، وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن عَامر الْأنْصَارِيّ، مر فِي بَاب الْوضُوء من غير حدث.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع. وَفِيه: السماع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني وواسطي، وَهُوَ شُعْبَة.

بَيَان مَحل تعدده وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن قبيصَة عَن سُفْيَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن أبي عَامر عَن سُفْيَان عَنهُ بِهِ نَحوه، وَفِي نُسْخَة عَن شُعْبَة بدل عَن سُفْيَان.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كَانَ الْمُؤَذّن إِذا أذن)، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ:(إِذا أَخذ الْمُؤَذّن فِي أَذَان الْمغرب) . قَوْله: (قَامَ نَاس)، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ:(قَامَ كبار أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم،) . قَوْله: (يبتدرون)، أَي: يتسارعون ويستبقون. قَوْله: (السَّوَارِي) جمع سَارِيَة وَهِي: الأسطوانة، وَكَانَ غرضهم بالاستباق إِلَيْهَا الاستتار بهَا مِمَّن يمر بَين أَيْديهم لكَوْنهم يصلونَ فُرَادَى. قَوْله:(وهم كَذَلِك)، أَي: فِي تِلْكَ الْحَالة هم مبتدرون منتظرون الْخُرُوج، وَفِي رِوَايَة مُسلم زِيَادَة وَهِي:(فَيَجِيء الْغَرِيب فيحسب أَن الصَّلَاة قد صليت من كَثْرَة من يُصليهَا) . رَوَاهَا من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَات: (وَهِي كَذَلِك)، بدل: وهم، والأمران جائزان فِي ضمير الْعُقَلَاء، نَحْو: الرِّجَال فعلت وفعلوا. قَوْله: (قَالَ وَلم يكن بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة شَيْء)، أَي: قَالَ أنس: وَلم يكن بَينهمَا زمَان أَو صَلَاة. فَإِن قلت: هَذَا أثر وَهُوَ ناف، وَالَّذِي سبق قبله من النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُثبت، فَكيف الْجمع بَينهمَا؟ قلت: قَالَ ابْن الْمُنِير: يجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِحمْل النَّفْي الْمُطلق على الْمُبَالغَة مجَازًا، وَالْإِثْبَات للتَّعْلِيل على الْحَقِيقَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَجه الْجمع بَينهمَا أَن هَذَا خَاص بِأَذَان الْمغرب، وَذَاكَ عَام، وَالْخَاص إِذا عَارض الْعَام يخصصه عِنْد الشَّافِعِيَّة، سَوَاء علم تَأَخره أم لَا، وَالْمرَاد بقوله:(كل أذانين) غير أذاني الْمغرب، وَقيل: التَّنْوِين فِيهِ للتنكير والتعظيم، وَنفي الْكثير لَا يسْتَلْزم نفي الْقَلِيل، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من حَدِيث شُعْبَة:(وَكَانَ بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة قرب. قلت: يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عُثْمَان بن جبلة وَأَبُو دَاوُد عَن شُعْبَة: (وَلم يكن بَينهمَا إلَاّ قَلِيل) . وَقيل: حَدِيث الْبَاب على ظَاهره، وَقَوله: وَلم يكن بَينهمَا شَيْء، يدل على أَن عُمُوم قَوْله:(بَين كل أذانين صَلَاة) مَخْصُوص بالمغرب، فَإِنَّهُم لم يَكُونُوا يصلونَ بَينهمَا، بل كَانُوا يشرعون فِي الصَّلَاة فِي أثْنَاء الْأَذَان ويفرغون مَعَ فَرَاغه، وَيُؤَيّد ذَلِك حَدِيث بُرَيْدَة الْمَذْكُور عَن قريب، فَإِن فِيهِ اسْتثِْنَاء الْمغرب كَمَا ذكرنَا. قلت: قَول هَذَا الْقَائِل: ويفرغون مَعَ فَرَاغه، فِيهِ نظر لِأَنَّهُ مَا فِي الحَدِيث شَيْء يدل على ذَلِك، وشروعهم فِي الْأَذَان لَا يسْتَلْزم فراغهم مَعَ فرَاغ الْأَذَان، وَادّعى بعض الْمَالِكِيَّة نسخهما لِأَن ذَلِك كَانَ فِي أول الْأَمر لما نهى عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب، ثمَّ ندب الْمُبَادرَة إِلَى الْمغرب فِي أول وَقتهَا، فَلَو استمرت الْمُوَاظبَة على الِاشْتِغَال بغَيْرهَا لَكَانَ ذَلِك ذَرِيعَة إِلَى مُخَالفَة إِدْرَاك أول وَقتهَا. وَقَالَ بَعضهم: دَعْوَى النّسخ لَا دَلِيل عَلَيْهَا. قلت: يسْتَأْنس لتأييد قَول هَذَا الْقَائِل بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن طَاوس، قَالَ: سُئِلَ ابْن عمر عَن الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْت أحدا على عهد رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، يُصَلِّيهمَا. وَقَالَ أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ: اخْتلف الصَّحَابَة فِيهِ، وَلم يَفْعَله أحد بعد الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَقَالَ النَّخعِيّ: إِنَّهَا بِدعَة، وَرُوِيَ عَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة أَنهم كَانُوا لَا يصلونهما.

ص: 139