الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى أَبُو الْقَاسِم بن الْجَوْزِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَوْقُوفا (يُنَادي مُنَاد عِنْد صَلَاة الصُّبْح يَا بني آدم قومُوا فاطفئوا مَا أوقدتم على أَنفسكُم، وينادي عِنْد الْعَصْر كَذَلِك، فيتطهرون وَيصلونَ وينامون وَلَا ذَنْب لَهُم) . وَوجه الْعُدُول عَن الأَصْل وَهُوَ أَن يَقُول: يدْخل الْجنَّة، بِصِيغَة الْمُضَارع لإِرَادَة التَّأْكِيد فِي وُقُوعه بِجعْل مَا هُوَ للوقوع كالواقع، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:( {ونادى أَصْحَاب الْجنَّة} (الْأَعْرَاف: 44) .
وَقَالَ ابنُ رجاءٍ حدَّثنا هُمَّامٌ عنْ أبي جَمْرَةَ أنَّ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَبْدِ الله بنِ قَيْسٍ أخْبَرَه بِهذَا
أورد البُخَارِيّ هَذَا التَّعْلِيق عَن شَيْخه عبد الله بن رَجَاء، بِفَتْح الرَّاء وَالْجِيم وبالمد: الغداني الْبَصْرِيّ ليُفِيد بذلك أَن نِسْبَة أبي بكر إِلَى أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، لِأَن النَّاس اخْتلفُوا فِيهِ، كَمَا ذكرنَا عَن قريب، وَقد وَصله الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) فَقَالَ: حَدثنَا عُثْمَان بن عمر الضَّبِّيّ، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن رَجَاء، فَذكره. قَوْله:(أخبر بِهَذَا) أَي: بِهَذَا الحَدِيث، وَهُوَ مُرْسل لِأَنَّهُ لم يقل: عَن أَبِيه، إلَاّ أَن يُقَال: المُرَاد بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ الحَدِيث وَبَقِيَّة الأسناد كِلَاهُمَا.
حدَّثنا إسْحَاقُ عنْ حَبَّانَ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ قَالَ حدَّثنا أبُو جمرَةَ عنْ أبي بَكْرِ بنِ عَبْدِ الله عنْ أبِيهِ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ.
أَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَا أَيْضا بِأَن شيخ أبي جَمْرَة هُوَ أَبُو بكر بن عبد الله بن قيس، وَهُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، ردا على من زعم أَنه ابْن عمَارَة بن رؤيبة. وَقد ذكرنَا أَن حَدِيث عمَارَة أخرجه مُسلم وَغَيره فَظهر من هَذَا أَنَّهُمَا حديثان: أَحدهمَا عَن أبي مُوسَى، وَالْآخر عَن عمَارَة بن رؤيبة. قَوْله:(حَدثنَا إِسْحَاق) قَالَ الغساني فِي كِتَابه (التَّقْيِيد) : لَعَلَّه إِسْحَاق بن مَنْصُور الكوسج، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ: قَالَ ابْن السكن: كل مَا فِي كتاب البُخَارِيّ عَن إِسْحَاق غير مَنْسُوب فَهُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَاسْتدلَّ الغساني على أَنه مَنْصُور بِأَن مُسلما روى عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن حبَان بن هِلَال حَدِيثا غير هَذَا. قلت: الْأَصَح أَنه إِسْحَاق بن مَنْصُور، لِأَنَّهُ روى عَن الْفربرِي فِي بَاب البيعان بِالْخِيَارِ: حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور حَدثنَا جَعْفَر ابْن هِلَال، فَذكر حَدِيثا. وحبان هَذَا، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن هِلَال الْبَاهِلِيّ، مَاتَ سنة سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ. قَوْله:(مثله)، أَي: مثل هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور، ويروى (بِمثلِهِ) بِزِيَادَة الْبَاء.
27 -
(بابُ وقتِ الفَجْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وَقت صَلَاة الْفجْر.
575 -
حدَّثنا عَمْرُو بنُ عاصمٍ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسٍ أنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ أنَّهُمْ تَسَحَّرُوا مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قامُوا إِلَى الصَّلاة قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ قَدْرُ خَمْسِينَ أوْ سِتِّينَ يَعْنِي آيَةً. (الحَدِيث 575 طرفه فِي: 1921) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من خيث إِنَّهُم قَامُوا إِلَى الصَّلَاة بعد أَن تسحرُوا بِمِقْدَار قِرَاءَة خمسين آيَة أَو نَحْوهَا، وَذَلِكَ أول مَا يطلع الْفجْر، وَهُوَ أول وَقت الصُّبْح. وَاسْتدلَّ البُخَارِيّ بِهَذَا أَن أول وَقت الصُّبْح هُوَ طُلُوع الْفجْر، فَحصل التطابق بَين الحَدِيث والترجمة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَمْرو بن عَاصِم، بِالْوَاو، الْحَافِظ الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: همام بن يحيى. الثَّالِث: قَتَادَة بن دعامة. الرَّابِع: أنس بن مَالك. الْخَامِس: زيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي مَوضِع وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ. وَفِيه: أَن رُوَاته بصريون.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّوْم، عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام الدستوَائي عَن قَتَادَة. وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن هِشَام بِهِ. وَعَمْرو النَّاقِد عَن يزِيد بن هَارُون عَن همام بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن سَالم بن نوح عَن عَمْرو بن عَامر عَن قَتَادَة بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن يحيى بن مُوسَى عَن
أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، وَعَن هناد عَن وَكِيع عَن همام بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن وَكِيع بِهِ، وَعَن إِسْمَاعِيل ابْن مَسْعُود عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن همام بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن عَليّ بن مُحَمَّد الطنافسي عَن وَكِيع بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَنهم) أَي: أَنه وَأَصْحَابه تسحرُوا. أَي: أكلُوا السّحُور، وَهُوَ بِفَتْح السِّين، اسْم مَا يتسحر بِهِ من الطَّعَام وَالشرَاب، وبالضم الْمصدر، وَالْفِعْل نَفسه. وَأكْثر مَا يروي بِالْفَتْح، وَقيل: إِن الصَّوَاب بِالضَّمِّ، لِأَنَّهُ بِالْفَتْح الطَّعَام وَالْبركَة وَالْأَجْر وَالثَّوَاب فِي الْفِعْل لَا فِي الطَّعَام. قَوْله:(إِلَى الصَّلَاة) أَي: صَلَاة الْفجْر. قَوْله: (كم كَانَ بَينهمَا)، سقط لفظ: كَانَ، من رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي، وفاعل قلت هُوَ: أنس، وَالضَّمِير فِي بَينهمَا يرجع إِلَى التسحر، وَالْقِيَام إِلَى الصَّلَاة من قبيل:{اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} (الْمَائِدَة: 8) . قَوْله: (قَالَ) أَي: زيد بن ثَابت. قَوْله: (قدر خمسين) مَرْفُوع على الِابْتِدَاء وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: قدر خمسين آيَة بَينهمَا، والتمييز مَحْذُوف أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله:(يَعْنِي آيَة) .
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اسْتِحْبَاب التسحر وتأخيره إِلَى قريب طُلُوع الْفجْر.
576 -
حدَّثنا حَسَنُ بنُ صَبَّاحٍ سَمِعَ رَوْحا قَالَ حدَّثنا سَعِيدٌ عنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم وزَيْدَ بنَ ثَابتٍ تَسَحَّرَا فلمَّا فَرَغَا منْ سَحُورِهِمَا قامَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّيْنَا قُلْتُ لأِنَسٍ كَمْ كانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا منْ سَحُورِهِمَا ودُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً. (الحَدِيث 576 طرفه فِي: 1134) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: الْحسن بن صباح، بتَشْديد الْبَاء الْبَزَّار بالزاي. ثمَّ الرَّاء أحد الْأَعْلَام وَقد تقدم. الثَّانِي: روح، بِفَتْح الرَّاء: بن عبَادَة، بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، تقدم. الثَّالِث: سعيد بن أبي عرُوبَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة، تقدم الرَّابِع: قَتَادَة بن دعامة. الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين، وَالْفرق بَين سَنَد هَذَا الحَدِيث وَسَنَد الحَدِيث السَّابِق أَن هَذَا الحَدِيث من مسانيد أنس، وَذَاكَ من مسانيد زيد بن ثَابت، وَرجح مُسلم رِوَايَة همام عَن قَتَادَة فأخرجها وَلم يخرج رِوَايَة سعيد. قَالَ بَعضهم: وَيدل على رُجْحَانهَا أَيْضا أَن الْإِسْمَاعِيلِيّ أخرج رِوَايَة سعيد من طَرِيق خَالِد بن الْحَارِث عَن سعيد فَقَالَ: عَن أنس عَن زيد بن ثَابت، وَالَّذِي يظْهر لي فِي الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ أَن أنسا حضر ذَلِك لكنه لم يتسحر مَعَهُمَا، وَلأَجل ذَلِك سَأَلَ زيدا عَن مِقْدَار وَقت السّحُور. انْتهى. قلت: خرج الطَّحَاوِيّ من حَدِيث هِشَام الدستوَائي عَن قَتَادَة عَن أنس وَزيد بن ثَابت قَالَا: تسحرنا. . الحَدِيث، فَكيف يَقُول هَذَا الْقَائِل: إِن أنسا حضر ذَلِك لكنه لم يتسحر مَعَهُمَا؟
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (سمع روح بن عبَادَة) جملَة وَقعت حَالا، وَكلمَة: قد، مقدرَة فِيهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{أَو جاؤكم حصرت صُدُورهمْ} (النِّسَاء: 90) . أَي: قد حصرت. قَوْله: (تسحرا) ، بالتثنية، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي:(تسحرُوا) بِالْجمعِ. قَوْله: (فصلينا) ، بِصِيغَة الْجمع عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِصِيغَة التَّثْنِيَة، ويروى:(فصلى) بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (قلت لأنس) الْقَائِل قَتَادَة، ويروى:(قُلْنَا) ، بِصِيغَة الْجمع.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: بَيَان أول وَقت الصُّبْح، وَهُوَ طُلُوع الْفجْر لِأَنَّهُ الْوَقْت الَّذِي يحرم فِيهِ الطَّعَام وَالشرَاب على الصَّائِم، والمدة الَّتِي بَين الْفَرَاغ والسحور وَالدُّخُول فِي الصَّلَاة هِيَ قِرَاءَة الْخمسين آيَة أَو نَحْوهَا، وَهِي قدر ثلث خمس سَاعَة، وَاخْتلفُوا فِي آخر وَقت الْفجْر، فَذهب الْجُمْهُور إِلَى آخِره أول طُلُوع جرم الشَّمْس، وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالك، وروى عَنهُ ابْن الْقَاسِم وَابْن عبد الحكم: أَن آخر وَقتهَا الْإِسْفَار الْأَعْلَى؛ وَعَن الاصطخري: من صلاهَا بعد الْإِسْفَار الشَّديد يكون قَاضِيا مُؤديا وَإِن لم تطلع الشَّمْس.
577 -
حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ أبي أُوَيْسٍ عنْ أخِيهِ عنْ سُلَيْمَانَ عنْ أبي حازمٍ أنَّهُ سمِعَ سَهْلَ بنَ سعْدٍ يَقُولُ كنْت أتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثمَّ تَكُونُ سُرْعَةٌ بِي أنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الفَجْرِ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. (الحَدِيث 577 طرفه فِي: 1920) .
مطابقته للتَّرْجَمَة بطرِيق الْإِشَارَة أَن أول وَقت صَلَاة الْفجْر طُلُوع الْفجْر. وَقَالَ بَعضهم: الْغَرَض مِنْهُ هَهُنَا الْإِشَارَة إِلَى مبادرة النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، إِلَى صَلَاة الصُّبْح فِي أول الْوَقْت. قلت: التَّرْجَمَة فِي بَيَان وَقت الْفجْر لَا فِيمَا قَالَه، فَلَا تطابق حِينَئِذٍ بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث، وَأَيْضًا لَا يسْتَلْزم سرعَة سهل لإدراك الصَّلَاة مبادرة النَّبِي صلى الله عليه وسلم بهَا.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: إِسْمَاعِيل بن أبي أويس. وَاسم أبي أويس: عبد الله الأصبحي الْمدنِي، ابْن أُخْت مَالك ابْن أنس، رحمه الله. الثَّانِي: أَخُوهُ عبد الحميد بن أبي أويس، يكنى أَبَا بكر. الثَّالِث: سُلَيْمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب، وَقد تقدم. الرَّابِع: أَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج، من عبَّاد أهل الْمَدِينَة. الْخَامِس: سهل بن سعد بن مَالك الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: السماع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون. وَفِيه: رِوَايَة الْأَخ عَن الْأَخ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ثمَّ تكون سرعَة)، يجوز فِي: سرعَة، الرّفْع وَالنّصب؛ أما الرّفْع فعلى أَن: كَانَ، تَامَّة بِمَعْنى: تُوجد سرعَة، وَلَفْظَة: بِي، تتَعَلَّق بِهِ، وَأما النصب فعلى أَن تكون: كَانَ، نَاقِصَة وَيكون اسْم: كَانَ، مضمرا فِيهِ، وَسُرْعَة، خَبره، وَالتَّقْدِير: تكون السرعة سرعَة حَاصِلَة بِي. وَهَكَذَا قدره الْكرْمَانِي، وَقَالَ: وَالِاسْم ضمير يرجع إِلَى مَا يدل عَلَيْهِ لَفْظَة السرعة. قلت: فِيهِ تعسف، الْأَوْجه أَن يُقَال: إِن: كَانَ، نَاقِصَة: وَسُرْعَة، بِالرَّفْع اسْمهَا، وَقَوله: بِي، فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا صفة سرعَة، وَقَوله:(أَن أدْرك) خبر: كَانَ، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير: وَتَكون سرعَة حَاصِلَة بِي لإدراك صَلَاة الْفجْر مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأما نصب: سرعَة، فقد ذكر الْكرْمَانِي فِيهِ وَجْهَيْن: أَحدهمَا مَا ذَكرْنَاهُ، وَالْآخر: أَنه نصب على الِاخْتِصَاص، فَالْأول فِيهِ التعسف، كَمَا ذكرنَا، وَالثَّانِي لَا وَجه لَهُ يظْهر بِالتَّأَمُّلِ.
578 -
حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ أخبرنَا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَةَ ابنُ الزبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ أخْبَرَتْهُ قالَتْ كُنَّ نِساءُ المُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الفَجْرِ مُتَلَفعاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ لَا يَعْرِفُهُنَّ أحَدٌ مِنَ الغَلَسِ
هَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي بَاب كم تصلي الْمَرْأَة من الثِّيَاب؟ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ وَهُوَ ابْن شهَاب، وتكلمنا هُنَاكَ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة فِي جَمِيع متعلقات الحَدِيث، ولنتكلم هُنَا بِبَعْض شَيْء زِيَادَة الْإِيضَاح، وَذكر هَذَا الحَدِيث هَهُنَا لَا يُطَابق التَّرْجَمَة. فَإِن قلت: فِيهِ دلَالَة على اسْتِحْبَاب الْمُبَادرَة بِصَلَاة الصُّبْح فِي أول الْوَقْت. قلت: سلمنَا هَذَا، وَلَكِن لَا يدل هَذَا على أَن وَقت الْفجْر عِنْد طُلُوع الْفجْر، لِأَن الْمُبَادرَة تحصل مَا دَامَ الْغَلَس بَاقِيا. قَوْله:(اللَّيْث عَن عقيل) ، اللَّيْث هُوَ ابْن سعد الْمصْرِيّ، وَعقيل بِالضَّمِّ ابْن خَالِد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
وَفِي الْإِسْنَاد: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، والعنعنة فِي موضِعين، والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي الْمُذكر فِي مَوضِع، وَمثله فِي مَوضِع وَلَكِن بالتأنيث.
قَوْله: (كن)، أَي: النِّسَاء، وَالْقِيَاس أَن يُقَال: كَانَت النِّسَاء الْمُؤْمِنَات، وَلَكِن هُوَ من قبيل: أكلوني البراغيث، فِي أَن البراغيث إِمَّا بدل أَو بَيَان، وَإِضَافَة النِّسَاء إِلَى الْمُؤْمِنَات مؤولة، لِأَن إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه لَا تجوز، وَالتَّقْدِير نسَاء الْأَنْفس الْمُؤْمِنَات، أَو الْجَمَاعَة الْمُؤْمِنَات. وَقيل: إِن النِّسَاء هَهُنَا بِمَعْنى: الفاضلات، أَي: فاضلات الْمُؤْمِنَات، كَمَا يُقَال: رجال الْقَوْم أَي فضلاؤهم ومتقدموهم. قَوْله: (يشهدن) أَي: يحضرن. قَوْله: (صَلَاة الْفجْر) ، بِالنّصب إِمَّا مفعول بِهِ أَو مفعول فِيهِ، وَكِلَاهُمَا جائزان لِأَنَّهَا مَشْهُودَة ومشهود فِيهَا. قَوْله:(متلفعات)، حَال أَي: متلحفات، من التلفع وَهُوَ: شدّ اللفاع وَهُوَ مَا يُغطي الْوَجْه ويتلحف بِهِ. قَوْله: (بمروطهن)، يتَعَلَّق: بمتلفعات، وَهُوَ جمع مرط: بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ: كسَاء من صوف أَو خَز يؤتزر بِهِ. قَوْله: (ثمَّ يَنْقَلِبْنَ)، أَي: يرجعن إِلَى بُيُوتهنَّ. قَوْله: (لَا يعرفهن أحد) قَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ لَا يعرفن أنساء أم رجال، يَعْنِي: لَا يظْهر للرائي إِلَّا الأشباح خَاصَّة. وَقيل: لَا يعرف أعيانهن، فَلَا يفرق بَين فَاطِمَة وَعَائِشَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ نظر لِأَن المتلفعة بِالنَّهَارِ لَا تعرف عينهَا، فَلَا يبْقى فِي الْكَلَام فَائِدَة، ورد بِأَن الْمعرفَة إِنَّمَا تتَعَلَّق بالأعيان، فَلَو كَانَ المُرَاد غَيرهَا لنفى الرُّؤْيَة بِالْعلمِ. وَقَالَ بَعضهم: وَمَا ذكره من أَن المتلفعة بِالنَّهَارِ لَا يعرف عينهَا فِيهِ نظر، لِأَن لكل امْرَأَة هَيْئَة غير هَيْئَة