الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني:
ترجمة فاطمة رضي الله عنها
-.
(1)
سبب إيراد هذه الترجمة مع أن الكتاب كلَّه ترجمة:
إدراج ما لم يرد في كتابي هذا، مما ليس له إسناد، كهجرتها مثلاً، أو أن أسانيدها مرسلة ولم تدخل في باب من أبواب الكتاب، مثل: رواية حلِّ فاطمة رباطَ أبي لبابة، وطلبِ أبي سفيان ـ قبل إسلامه ـ أن تُكَلِّم أباها النبيَّ صلى الله عليه وسلم ليجدِّدَ لهم العهدَ
…
ــ قُبيل فتح مكة ـ، وغيرها، كذلك بعض المسائل التاريخية مثل: عقب فاطمة، وإيراد بعض القصائد فيها، وغير ذلك.
فما كان من مسائل الترجمة واردة في الكتاب أَوجَزْتُ العبارة، ومالم يكن فإني أطيلُ فيها حسب المعلومات المتاحة، لذلك سترى عناصر الترجمة
(1)
في هذه الترجمة المختصرة معلومات عامة صادقة بعبارات حسنة بليغة من بعض المعاصرين، وهي ليست من العلم المحبَّر المعتَمِدِ على الأسانيد وأقاويل السلف، بل من مفهوم السيرة وما قرُبَ منها، ومن الاستنباطات الأدبية العامة، لذا تجوَّزتُ في إيرادها
…
ـ وهي قليلة جداً ـ، لأنها من مُلح العِلْمِ، وليس فيها محذورٌ شَرعيٌّ من معنى زائد، أو علاقة لها بحديث مرفوع عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
خاصةً أن بعض جوانب الترجمة ـ وهي قليلة جداً ـ لم ترد في المرويات، ولا في حديث المترجمين الأوائل، فجاءت بعض أساليب المعاصرين جميلة صادقة يهتز لها القلب، لِتَطابُقِ جمالِ اللفظ مع قبول المعنى وحُسنِه ـ والعلم عند الله تعالى ـ.
متفاوتة طُولاً وقِصَرَاً، لهذا السبب.
هذا، وقد اختصرتُ الكتابَ الذي بين يديك، في كتاب بعنوان:
…
«المختصرُ من أخبار فاطمةَ بنتِ سيِّدِ البَشَرِ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -»
ــ يَسَّرَ الله طِباعتَه ونشرَه، وبارَك فيه ـ.
1.
اسمها
اسمها فاطمة، والاسم موجود قبلها، تسمَّى به عدد كثير.
وهو مشتَقٌّ من (الفَطْمِ): فطمتُ الصبي، وفطَمَتْهُ أمُّه تَفطِمه: إذا فصَلَتْه عن رضاعها. وغُلامٌ فَطِيم ومفطوم.
وفطمتُ فلاناً عن عادته.
2.
نسبها
فاطمة بنتُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم محمدِ بنِ عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مَناف بن قُصي بن كِلاب بن مُرَّة بن كَعب بن لُؤي بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدرِكة بن إلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعَدِّ بن عدنان.
إلى هنا موضع إجماع من العلماء، لم يخالف فيه أحد.
واتفقوا على أن عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم.
ولا يُعلَمُ عَدَدُ الآباءِ بين عدنان وإسماعيل، وإسماعيل وآدم. والاختلافُ فيه كثيرٌ جداً.
3.
كنيتها
ذكَرَ جمعٌ من المحدِّثين والمؤرِّخين أنَّ كُنيَتَها: «أمُّ أبيها» .
ابنُها الكبير: الحسن، ولم أجد مَن ذكر كنيتَها:«أم الحسن» ، إلا ابن حجر في «التقريب» .
وقال الذهبي: أم أبيها .... وأم الحسنين. وقال السخاوي: «أم الحسنين» .
وقال السفاريني: تُكنى بابنيها الحسَن والحُسَين.
والأمر في باب الكنى عند العرب واسع جداً، فقد يكون للمرء أكثر من كنية، وقد يكتني باسم ليس في أحد من أبنائه
…
إلخ
4.
لقبها
لُقِّبَت من منتصف القرن الرابع بِـ: الزهراء، والبتول.
أما لقب «البتول» ، فإنه من الرافضة، لذا يُكره إيراده.
وأما لقبُ «الزهراء» فقد ذكرَه عَددٌ من علماء الإسلام من القرن الرابع وما بعده، والأحسَنُ اجتنَابُه.
وقد يقال باستخدَامِه «الزهراء» ما دام أنْ وُصِفَت: رقيةُ وأمُّ كلثوم ابنتا النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِـ «النورين» كما في لقَبِ عثمان بنِ عفان رضي الله عنه،
فيقال كذلك في: فاطمة؛ لأن الزهراءَ والنورَ في معنى واحد.
ويؤيد ذلك أنْ ذَكَرَ لقَبَ «الزهراء» كثيرٌ من علماء الإسلام.
ولا شكَّ أنَّ قولَ المرءِ: فاطمةُ بنتُ النبيِّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، أجمَلُ وأفضَلُ مِن قولِه: فاطمةُ الزَّهْرَاء؛ لنِسْبَتِهَا الشَّرِيفَةِ، وللصَّلَاةِ عَلى
…
النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وآلِه، والله أعلَمُ بالصَّوابِ.
معنى الزهراء:
الأزهر: الأبيض المستنير، والزهر والزهرة: البياض النيِّر، وهو أحسن الألوان، والزهراء: المرأة المشرقة الوجه، والبيضاء المستنيرة المُشْرَبة بحمرة، ويقال: الليالي الزهر: أي الليالي البيض.
وجاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه أزهر اللون، ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، وفاطمة ممن تشبه أباها صلى الله عليه وسلم.
معنى البتول:
ذكر ابن العربي (ت 543 هـ) أن هذا اللقب أحدثته الشيعة.
قال ابن الأثير (ت 606 هـ): (التبتُّل: الانقطاع عن النساء وترك النكاح. وامرأة بتول: منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم. وبها سُمِّيت مريم أم المسيح عليهما السلام.
وسُمِّيت فاطمة البتول؛ لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً وحسَباً، وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى).
وكَثُرَ في كتابات المعاصرين وصْفُ فاطمةَ بِـ: البتول، والتبتل، والانقطاع للعبادة، والعزلة عن الناس.
أقول: لا شكَّ في عبادتها وصلاحها، لكن لم أجد في الآثار شيئاً يدلُّ على هذا الانقطاع والعزلة، وهي رضي الله عنها في غِنى كَبيرٍ عن الألقاب والأوصاف المحدَثة التي لا أصل لها.
(1)
5.
والدها ووالدتها
والدُها: أفضلُ الخلق، سيدُ البشَر محمدُ بنُ عبدِالله صلى الله عليه وسلم.
والدتُها: من سيِّدَات نساءِ العالَمِين: أمُّ المؤمنين، أمُّ القاسم: خديجةُ بنتُ خويلد بنِ أسد بن عبد العزى بن قُصَيِّ بن كِلاب بن مُرَّة بن كَعْب بن لُؤي بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدرِكة بن إلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعَدِّ بن عدنان.
تلتقي بنسبها مع النبي صلى الله عليه وسلم في أبيه الخامس: قُصَي. وهو
(1)
وغالب ما تورده الصوفية وبعض الأدباء المتأخرين في تبتل فاطمة، وعبادتها، مستمدٌّ من الرافضة ـ علموا ذلك أم لم يعلموا ـ، فللرافضة في ذلك بَحْرٌ مخترَعٌ لا ساحِلَ له من الأوصاف في التبتل والزهد والعبادة!
من ذلك أنها تُصلي حتى تتفطر قدماها، وتبكي. انظر:«بحار الأنوار» للمجلسي الرافضي (7/ 40 و 81). وعنه: «مسند فاطمة الزهراء» للرافضي: حسن التويسركاني، تحقيق وتعليق: محمد جواد الجلالي (ص 14).
أبوها الرابع.
خديجة رضي الله عنها أمُّ أولادِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كلِّهم إلا إبراهيم.
أولادها منه صلى الله عليه وسلم: القاسم، والطيب، والطاهر، ماتوا رضَّعَاً، ورقية، وزينب، وأم كلثوم، وفاطمة.
وهي أوَّل مَن آمن به، وصدَّقَه قبلَ كُلِّ أحَدٍ، وثبَّتَتْ جَأشَهُ، ومضَتْ به إلى ابنِ عمِّها ورَقَة بنِ نَوفَل.
قال عِزُّ الدين ابن الأثير (ت 630 هـ): (اختلف العلماء في أول مَن أسلم، مع الاتِّفَاق على أنَّ خديجةَ أوَّلُ خلْقِ الله إسلاماً).
(1)
وذكر ابنُ حجر العسقلاني (ت 852 هـ) أن خديجة أول من صدَّقَت ببعثته مطلقاً.
(2)
وهي ممَّنْ كَمُل من النساء، كانت رضي الله عنها عَاقلةً، جَلِيلةً، ديِّنة، مَصُونةً، كريمةً، مِن أهل الجنة، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُثني عليها، ويُفضِّلها على سائر أمهات المؤمنين، ويبالغ في تعظيمِها، بحيث إنَّ عائشة كانت تقول: ما
(1)
«الكامل في التاريخ» (1/ 655).
(2)
«الإصابة في تمييز الصحابة» (8/ 99).
وانظر في مسألة أول الناس إسلاماً: الباب الثالث: مسند فاطمة، حديث (34).
غِرت من امرأة ما غِرت من خديجة، من كثرة ذِكْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها.
(1)
ومن كرامتِها عليه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوَّجْ امرأةً قبلها، وجاءَهُ منها عدةَ أولاد، ولم يتزوج عليها قط، ولا تسرَّى إلى أن قضَتْ نَحْبَها، فوَجَدَ لِفقدها، فإنها كانت نِعم القَرين.
ومناقبُها جَمَّةٌ، منها:
ما في «الصحيحين» من حديث عائشة رضي الله عنها أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بشَّرَ خديجةَ ببيت في الجنة من قصَب، لا صخَب فيه ولا نصَب.
(2)
وفي «الصحيحين» من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خَيرُ نسائها خديجة بنت خويلد، وخَيرُ نسائها مريم بنت عمران» .
(3)
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
…
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل، فقال: يا رسول الله، هذه
(1)
«صحيح البخاري» رقم (3816)، و «صحيح مسلم» رقم (2435).
(2)
«صحيح البخاري» رقم (3817) و (5229) و (6004)، و «صحيح مسلم» رقم
…
(2434). ومن حديث ابنِ أبي أوفى عند مسلم (2433).
(3)
«صحيح البخاري» رقم (3432) و (3815)، و «صحيح مسلم» رقم (2430).
خديجة أتتك ومعها إناءٌ فيه طعام وشراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها من ربِّها السَّلامَ، ومِنِّي
…
» الحديث.
(1)
وكانت مُوسِرَةً مُتَمَوِّلةً، فعَرَضَتْ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ــ قبل النبوة ــ أن يخرج في مالها إلى الشام، فخرجَ مع مولاها ميسرة.
قال الزُّبَير بن بكَّار: كانت تُدعى قبل البعثة: «الطاهرة» ، وأمُّهَا فاطمة بنت زائدة، قرشية من بني عامر بن لؤيِّ.
وكانت خديجة عند أبي هالة بن زرارة بن النباش بن عدي التميمي أولاً، ثم خلَف عليها بعدَ أبي هالة: عتيقُ بنُ عائذ بنِ عبد الله بن عمر بن مخزوم، ثم خلَفَ عليها: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. هذا قولُ ابنِ عبد البر، ونسبَه للأكثر.
وعن قتادة عكس هذا: إنَّ أول أزواجها: عتيق، ثم أبو هالة، ووافقَهُ ابنُ إسحاق في رواية يونس بن بكير عنه، وهكذا في كتاب «النسب» للزبير بن بكار، لكن حكى القول الأخير أيضاً عن بعض الناس.
وكان زواجُ النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة قبل البعثة بخمس عشرة سنة. وقيل: أكثر من ذلك.
بنَى بها ولَه خمسٌ وعشرونَ سنةً. وكانَتْ أسنَّ منه بخمسَ عشرةَ سنة.
(1)
«صحيح البخاري» رقم (3820) و (7497)، و «صحيح مسلم» رقم (2432).
قال ابنُ إسحاق: تتابعَتْ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلاك أبي طالب، وخديجة في عام واحد. وكانت خديجةُ وزيرةَ صِدق.
وعن عائشة: أن خديجةَ توفيِّتْ قبل أن تُفرَض الصلاة.
وقال قتادة وعروة: ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين ـ وهو الراجح ـ. وقيل: بأربع، وقيل: بخمس سنين.
وقال الواقديُّ: توفيت لعشر خَلَونَ مِن رمضان، وهي بنتُ خمس وستين سنة رضي الله عنها.
(1)
6.
مولدها: الزمان والمكان
وُلِدَتْ فاطمة رضي الله عنها قبل مَبعث النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين، وعُمرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم خمس وثلاثون سنة. هذا هو الراجح.
وقيل: ولدت قبل المبعث بسنة أو سنتين.
وما يذكره بعض الصوفية من تحديد يومِ وشَهْرِ ولادتها، فكَذِب.
وكان العُبَيْدِيُّون الباطنيون في «مصر» يحتفلون بيوم مولد فاطمة. كما
(1)
انظر: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (8/ 14)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 109 ـ 117)، «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (8/ 99 ـ 103)، «الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة» د. سعود الصاعدي (11/ 36 ـ 77).
وانظر الأحاديث الواردة في فضائلها: «الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة» د. سعود الصاعدي (11/ 14 و 36).