المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السادس:تطبيق منهج النقد الحديثي على مرويات السيرة،…والروايات التاريخية؛ للقبول أو الرد - فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - سيرتها، فضائلها، مسندها - رضي الله عنها - - جـ ١

[إبراهيم بن عبد الله المديهش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌حدود الكتاب:

- ‌الدراسات السابقة، والمؤلفات المفردة في فاطمة:

- ‌خطة الكتاب

- ‌تنبيهات:

- ‌ لِمَ الإطالة العلمية في موضوع فاطمة رضي الله عنها

- ‌التمهيد:

- ‌المبحث الأول:المؤلفات في فاطمة رضي الله عنها ــ عرض ونقد

- ‌القسم الأول: الكتب المطبوعة:

- ‌القسم الثاني: المخطوطات في فاطمة رضي الله عنها

- ‌المبحث الثاني:ترجمة فاطمة رضي الله عنها

- ‌سبب إيراد هذه الترجمة مع أن الكتاب كلَّه ترجمة:

- ‌ لم يبقَ شئٌ من آثار النبي صلى الله عليه وسلم الحسية

- ‌ من أوائل من دخل في الإسلام

- ‌ هل تعرَّض الحويرثُ بنُ نُقَيذ لفاطمة وأم كلثوم رضي الله عنهما عند هجرتهما

- ‌ لقَبُ الأشراف

- ‌ لقب: الحسَني أو الحُسَيني الهاشمي، أفضل وأحسن من لقب: الشريف أو السيد

- ‌حَريٌّ أن يُمنَع هذا اللقب «الهاشمي» في بلاد الإسلام إلا لآلِ النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ اللباس:

- ‌ إطلاق لفظ السيد على البشر

- ‌نكاح الفاطميات من غير الفاطميين

- ‌ عِلمُ فاطمة رضي الله عنها

- ‌ الكذب على فاطمة رضي الله عنها

- ‌ علاقتها بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ قصائد في مدح فاطمة رضي الله عنها

- ‌ منظومات لترجمة فاطمة رضي الله عنها

- ‌ من ترجم لفاطمة رضي الله عنها

- ‌المبحث الثالث:عقيدة أهل السنة والجماعة في آل بيت النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم

- ‌من أخبار السلف في تعظيم آل البيت:

- ‌أقوال أئمة الاعتقاد في آل البيت:

- ‌المبحث الرابع:عناية أهل السنة والجماعة بجمع مرويات…آل البيت وفضائلهم

- ‌ الكتب المفردة العامة في آل البيت

- ‌ الكتب المفردة في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الكتب المفردة في بني هاشم

- ‌المبحث الخامس:‌‌فاطمة رضي الله عنها في كتب: الرافضة،…والإسماعيلية، والمستشرقين

- ‌فاطمة رضي الله عنها في كتب: الرافضة

- ‌ فاطمة رضي الله عنها في كتب الإسماعيلية

- ‌ فاطمة رضي الله عنها في كتب المستشرقين

- ‌من كتابات المستشرقين المفردة(1)عن فاطمة رضي الله عنها

- ‌ المدرسة الاستشراقية في كتابات السيرة:

- ‌ انتبه بعضُ المستشرقين إلى الغلو والأساطير المفتعلة من الرافضة

- ‌إنَّ أسعدَ الناس بمحبة وموالاة ومتابعة آل البيت ــ ومنهم فاطمة رضي الله عنها ــ هم أهل السنة والجماعة لا غير

- ‌المبحث السادس:تطبيق منهج النقد الحديثي على مرويات السيرة،…والروايات التاريخية؛ للقبول أو الرد

- ‌ كتب التاريخ العامة ليست من عُمَد أهل السنة والجماعة في معرفة أحكام الشريعة، وفضل الصحابة وأحوالهم

- ‌«مَن وُثِّق في عِلْمٍ وضُعِّف في آخر

- ‌عُلِم مما سبق أنَّ المغازي، والتفسير، والملاحم، تَقِلُّ فيها الأسانيدُ الصحيحةُ المتَّصِلَةُ، فما بالُكَ بما دونها من الآثارِ في سِيَر وقَصَصِ الصحابة، ثم التابعين، ثم مَن بعدَهم التي تَرِدُ في كُتُبِ التاريخ، وكُتُبِ مَنْ حشَاها بالروايات المنكرة

- ‌ ذكر ابن حجر: أن المؤرِّخ لايكتفي بالنقل الشائع، لا سيما إذا ترتب على ذلك مفسدة

- ‌ليس من الصوابِ أن نُقسِّم المسألة إلى: أحاديث نبوية، وروايات تاريخية فقط، فهذا تقسيم قاصِر، بل ينبغي أن تُعرَفَ مَراتِبُ الأحاديث، والمرويات

- ‌ مرويات سيرةِ فاطمة رضي الله عنها تُعتَبَرُ من الأحاديث النبوية

الفصل: ‌المبحث السادس:تطبيق منهج النقد الحديثي على مرويات السيرة،…والروايات التاريخية؛ للقبول أو الرد

‌المبحث السادس:

تطبيق منهج النقد الحديثي على مرويات السيرة،

والروايات التاريخية؛ للقبول أو الرد

.

(1)

قبل الولوج في الباب الأول المتعلِّق بسيرة فاطمة رضي الله عنها، يحسُن الحديثُ باختصار حول هذه المسألة المنهجية المهمَّة، التي تنازع حولها بعضُ المعاصرين من أهلِ الحديث، وأهلِ التاريخ.

(2)

(1)

أما إعمال النقد الحديثي في الدراسات والبحوث؛ لأجل المعرفة، فحَسَنٌ، لأنه لا يلزم من بيان حال الرواية التاريخية بالمنهج النقدي الحديثي، عدم قبولها في حال الحكم عليها بالانقطاع أو الإرسال، أو ضعف راوٍ فيها ـ وسيأتي مزيد بيان في آخر المبحث ـ.

(2)

وثمة أمور أخرى اختُلِف في تطبيق قواعد المحدثين عليها: مرويات التفسير، والملاحم، والمرويات اللغوية والأدبية.

وانظر في ذلك كلِّه:

مقدمة تحقيق الشيخ أبي إسحاق الحويني لِـ «تفسير ابن كثير» (1/ 8 ـ 27)، «التقرير في أسانيد التفسير» للطريفي (ص 27 و 29 و 31)، «نقد أسانيد الأخبار التاريخية

ـ ضوابطه، وأحواله ـ» بحثٌ للشيخ د. حاتم العوني، نُشِر ضمن كتابه «إضاءات بحثية في علوم السنة النبوية وبعض المسائل الشرعية» (ص 143 ـ 153) ـ مهم ـ،

و «مقرر التخريج ومنهج الحكم على الحديث» (ص 279) د. حاتم العوني، «مرويات السيرة النبوية بين قواعد المحدثين وروايات الأخباريين» د. مسفر الدميني =

ص: 461

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ـ ط. مجمع الملك فهد ـ، «دراسات تاريخية» د. أكرم العُمَري (ص 26 ـ 27)، «السيرة النبوية الصحيحة» د. أكرم العُمَري (1/ 19، 29، 45)، «منهج النقد عند المحدثين مقارنة بالمنهج النقدي الغربي» د. أكرم العُمَري (ص 55)، «مرويات السيرة النبوية بين قواعد المحدثين وروايات الأخباريين» بحثٌ للدكتور: أكرم العمري ـ مهم ـ، «مقالة التعطيل والجعد بن درهم» د. محمد بن خليفة التميمي (ص 183)، «مصادر السيرة النبوية ومقدمة في تدوين السيرة» د. محمد يسري سلامة (ص 264 ـ 286) ـ مهم ـ،

«منهج كتابة التاريخ الإسلامي» د. محمد بن صمايل السلمي (ص 246 ـ 249) ـ مهم ـ، «سلسلة الأحاديث الصحيحة» للألباني (5/ 331 ـ 332) رقم (2261)، «الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به» للشيخ د. عبدالكريم الخضير (ص 320)، «التاريخ الإسلامي مواقف وعِبر» د. عبدالعزيز الحميدي (1/ 28 ـ 40)، «مناهج المحدثين في نقد الروايات التاريخية» لإبراهيم البغدادي (2/ 553 وما بعدها).

فائدة (1): للأستاذ الأديب: د. عبدالله بن سالم الخلَف بَحْثٌ جَمِيلٌ رَائِعٌ عن روايات الأخباريين والأدباء: النظرُ فيها وتقويمُها، وأثرُهَا على الدراسات الاجتماعية والأدبية، ومعاييرُ قبولها، انظر:«مجتمع الحجاز في العصر الأموي بين الآثار الأدبية والمصادر التاريخية» (ص 29 ـ 100) ـ مهم ـ، ولم أجد لغيرِه من الأدباء بحثاً علمياً في الموضوع. وانظر خلاصة رأيه في (ص 93). ويُلحظ من دراسته أنَّ أثراً كبيراً في تشويه سَلَفِناً في القرون الأولى جاء من قبل الاعتماد على بعض الروايات الساقطة المفتعلة من الكذابين والمجاهيل، ومن أهل السَّمَر وبعض الأخباريين، وبعض أهل الأهواء؛ فكان لزاماً النظر في الأسانيد ونقد المتون التاريخية والأدبية المتضمنة غرائب ومناكير، والمقارنة بين المرويات، لبيان الحقيقة التاريخية والأدبية، وعدم تأثيرها في الحكم السيئ على المجتمعات =

ص: 462

لاشك ـ عند أهل العلم ـ بأهمية الإسناد، وأنه من الدِّين، ومن خصائصِ الأمة المحمدية

(1)

، وأهميةِ نقدِ الإسناد والمتن، وفق الضوابط والمقاييس المعروفة عند أهل الاختصاص؛ خاصةً عند ورود الإشكال في النص، وأنَّ فحصَ الإسنادِ والمتنِ مِن منهجِهم المتميز

(2)

في الأحاديث النبوية المرفوعة والموقوفة، وآثار السلف، وفي الأخبار

= الإسلامية خاصة في القرون الأولى المفضَّلة.

فائدة (2): للدكتور: خالد كبير علال كتابٌ بعنوان «المرويات التاريخية عند المسلمين، أساليب النقد .. وظاهرة الوضع فيها» ولم يتطرق إلى هذه المسألة.

فائدة (3): ثم طُبعت رسالة دكتوراه من جامعة دمشق بعنوان: «الموازنة بين الرواية الحديثية والرواية التاريخية» د. محي الدين حبُّوش، وهي رسالة قيمة، لكنه لم يتطرق لهذه المسألة، وإنما أشار إليها في توصياته (ص 508)، فذكر أن نقد الرواية التاريخية بمنهج نقد المحدِّثين مَطلبٌ ملحٌّ، لكن مع مراعاة خصوصية الرواية التاريخية، فلا يطبق المنهج الحديثي بقوته ودقته، لئلا تسقط معظم المادة التاريخية.

(1)

ينظر: «الفَصْل في الملل والنحل» لابن حزم (2/ 221)، وط. دار الفضيلة (2/ 946)، «شرف أصحاب الحديث» للخطيب البغدادي (ص 40)، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (1/ 9)، «منهاج السنة» (7/ 37)، «شرح علل الترمذي» لابن رجب (1/ 56 ـ 62)، «فتح المغيث» للسخاوي (3/ 344). وللمشايخ: أبي غدة، ود. القريوتي،

ود. حارث الضاري، رسائل مفردة في هذا الموضوع.

(2)

ينظر: «منهج كتابة التاريخ الإسلامي» د. السلمي (ص 123 ـ 127).

ص: 463

التاريخية أيضاً إن احتِيج إليه.

(1)

(1)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (1/ 246): (والعلمُ يحتاجُ إلى نقْلٍ مُصَدَّقٍ، ونَظَرٍ مُحَقَّقٍ؛ والمنقولُ عن السلَف والعلماءِ يحتاجُ إلى معرفةٍ بثبوتِ لَفظِه، ومَعرفَةِ دلالتِه، كما يحتاجُ إلى ذلك المنقولُ عن الله ورسُولِهِ).

وقد حرصَ السلَفُ على سياق الأسانيد في الأحاديث، والآثار، والفتاوى، واللغة، لأجل التمييز، قال العلامة: عبدالرحمن المعلِّمي (ت 1386 هـ) رحمه الله في مقدمة تحقيقه لكتاب «الجرح والتعديل لابن أبي حاتم» (1/ ص أـ ب): (الإنسان يفتقر في دينه ودنياه إلى معلومات كثيرةٍ لا سبيل له إليها الا بالأخبار، وإذا كان يقَعُ في الأخبارِ الحقُّ والباطِلُ، والصدْقُ والكذِبُ، والصوابُ والخطأ، فهُو مُضطرٌّ إلى تمييز ذلك.

وقد هيأ الله تبارك وتعالى لنا سَلَفُ صِدْقٍ، حَفِظُوا لَنا جميعَ ما نحتاج إليه من الأخبار في تفسير كتاب ربنا عز وجل، وسُنَّةِ نبينا صلى الله عليه وسلم، وآثَارِ أصحَابِهِ، وقضَايا القُضَاةِ، وفتَاوَى الفقهاء، واللغة وآدابِها، والشعر، والتاريخ، وغير ذلك.

والتَزَمُوا وألزَمُوا مَن بعدهم سوقَ تلك الأخبار بالأسانيد، وتتَبَّعُوا أحوال الرواة التي تُساعِدُ عَلى نَقْدِ أخبارهم، وحَفِظُوها لنَا في جُملَةِ ما حَفِظُوا.

وتفقَّدُوا أحوالَ الرواة، وقَضَوا على كُلِّ راوٍ بما يستحِقُّهُ، فمَيَّزُوا مَن يجبُ الاحتجاجُ بِخَبَرِهِ ولو انفرَد، ومَن لا يجبُ الاحتجاج به إلا إذا اعتضَدَ، ومَن لا يُحتَجُّ بِه ولكن يُستَشْهَد، ومَن يُعتمَدُ عليه في حالٍ دُونَ أخرى، وما دون ذلك مِن مُتسَاهِلٍ ومُغفَّلٍ وكَذَّابٍ.

وعَمَدُوا إلى الأخبار فانتَقَدُوهَا، وفحَصُوهَا، وخلَّصُوا لَنا منها ما ضَمَّنُوهُ كُتبَ الصحيح، وتفقَّدُوا الأخبار التي ظاهِرُهَا الصحَّةُ، وقد عُرِفُوا بسَعَةِ عِلْمِهم، ودِقَّةِ فَهْمِهِم ما يَدْفَعُهَا =

ص: 464

وأن منهج النظر والنقد يختلف في الأحاديث المرفوعة من باب إلى باب:

فأحاديثُ العقائد في درجة عالية من الحيطة، ثم أحاديث العبادات، ثم مابعد ذلك من الجنايات، والمعاملات، وأحكام النكاح والطلاق ونحوها، ثم الفضائل، والآداب، والمغازي، والتفسير، والملاحم، والرقائق، وغيرها.

(1)

= عن الصحة، فشَرَحُوا عِلَلَها، وبيَّنُوا خَلَلَها، وضمَّنُوهَا كُتُبَ العِلَلْ، وحَاوَلُوا معَ ذلك إماتَةَ الأخبارِ الكاذبة، فلَمْ يَنقُلْ أفاضِلُهُم منها إلا ما احتَاجُوا إلى ذِكْرِهِ؛ لِلدِّلَالَة على كَذبِ رَاوِيهِ أوْ وَهَنِهِ، ومَن تسامَحَ مِن مُتَأخِّرِيهم فروَى كُلَّ مَا سَمِعَ، فقَدْ بيَّنَ ذلكَ، ووَكَلَ الناسَ إلى النَّقْدِ الذي قد مُهِّدَتْ قَواعِدُهُ، ونُصِبَتْ مَعَالِمُهُ).

وانظر في العلاقة بين علم الحديث، وعلم التاريخ، وأثر الحديث في تطور الدراسات التاريخية، وسبق المسلمين الأمم الأخرى بنقد المرويات التاريخية:«مظاهر تأثير علم الحديث في علم التاريخ عند المسلمين» بحث للدكتور: بشار عواد، منشور في

«مجلة الأقلام» في بغداد، (شعبان / 1384 هـ)، (5/ ص 22)، ـ منشور في الشبكة ـ،

و «نقد الحديث بالعرض على الوقائع والمعلومات التاريخية» د. سلطان العكايلة

(ص 42)، وما ذكره المؤرخ النصراني اللبناني: د. أسعد رستم (ت 1385 هـ) في كتابه

«مصطلح الحديث» : (ص أ، ز).

(1)

أخرج الحاكمُ في «المستدرك» (1/ 666) بعد رقم (1801)، وفي «المدخل إلى كتاب الإكليل» (ص 29) رقم (11)، ومن طريقِه:[البيهقيُّ في «دلائل النبوة» (2/ 34)، والخطيبُ في «الجامع» (2/ 91)] بإسناد صحيحٍ إلى عبدالرحمن بن مهدي

(ت 198 هـ) رحمه الله قوله: «إذا روينا الثواب والعقاب، وفضائل الأعمال؛ تساهلْنَا في =

ص: 465

والحديثُ الوارد في الباب:

منه ما يرد في أصلِ الباب، ومنه ما يرد تابعاً وشاهداً، فيُتخَفَّفُ في الثاني ما لايُتخَفَّفُ في الأول، ومنه صَنيع الإمامين: البخاري ومسلم في تخريج أحاديث الرواة الثقات.

= الأسانيد، وسمحنا في الرجال، وإذا رَوينا في الحلال والحرام والأحكام؛ تشدَّدْنَا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال).

وذُكر مثل هذا عن الإمام أحمد، وغيره.

قال ابن عبدالبر (ت 463 هـ) رحمه الله في «التمهيد» (20/ 10): (هذا الحديث ليس له إسناد، ورواتُه مجهولون، ولم نُوردْهُ للاحتجاج به، ولكن للاعتبار، وما لم يكن فيه حُكْمٌ فقَد تسَامَحَ الناسُ في روايته عن الضعفاء، والله المستعان).

قال الذهبي رحمه الله في «سير أعلام النبلاء» (8/ 520): (أكثر الأئمة على التشديد في أحاديث الأحكام، والترخيص قليلاً لا كُلُّ الترخص في الفضائل والرقائق، فيقبلون في ذلك ما ضَعُف إسناده، لا ما اتُّهمَ رواته، فإن الأحاديث الموضوعة، والأحاديث الشديدة الوهن، لا يلتفتون إليها، بل يروونها للتحذير منها، والهتك لحالها، فمن دلَّسَها، أو غطى تبيانها، فهو جانٍ على السُّنَّة، خائنٌ لله ورسوله، فإن كان يجهل ذلك، فقد يُعذَر بالجهل، ولكن سلُوا أهل الذِّكْرِ إنْ كنتم لا تعلمون).

انظر: «الكفاية في معرفة أصول علم الرواية» للخطيب ـ ط. ابن الجوزي ـ (1/ 326): باب التشدد في أحاديث الأحكام، والتجوز في فضائل الأعمال.

وانظر: «شرح العلل» لابن رجب (1/ 72 ـ 74)، و «الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به» د. عبدالكريم الخضير (ص 250).

ص: 466

وأبواب المغازي، والتفسير

(1)

، والملاحم يَقِلُّ فيها الحديث المسند المتصل الصحيح.

والخبر الوارد عن الصحابة والتابعين: منه ما يكون في معنى ما ورد في الحديث المرفوع، ومنه ما يخالفه.

ومنه خبر يؤخذ منه حُكْمٌ شَرعِيٌّ، وآخر لا يؤخذ منه ذلك، وإنما هو في الوعظ مثلاً أو التاريخ.

وفي كلٍّ منها يُعْمِلُ أئمةُ الحديث النقد فيها ـ وإن كان على درجات ـ.

(2)

وأخبار الصحابة تُسَمَّى عند جمهور المحدثين «الأحاديث الموقوفة» ، وهي من تخصصهم، ولهم فيها عناية فائقة؛ لمكانتهم، وللاستعانة بها في فهم ومعرفة الأحاديث المرفوعة، ومنها ما تُعتَبرُ مِن المرفوعِ حُكْمَاً.

(3)

وقد ذكر المطهِّر بن طاهر المقدسي (ت بعد 355 هـ) رحمه الله:

(4)

(1)

ينظر: «التقرير في أسانيد التفسير» للطريفي (ص 11).

(2)

ينظر: «تحرير علوم الحديث» للجديع (1/ 477).

(3)

ينظر: «المرفوع حُكْمَاً ـ دراسة تأصيلية تطبيقية ـ» د. عمار الصياصنة، ط. دار اللباب 1440 هـ.

(4)

أورده الزركلي في «الأعلام» (7/ 253) وقال: (ولم أظفر بترجمة له). وبنحوه في:

«معجم المؤلفين» لكحالة (3/ 890).

ص: 467

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال الزركلي رحمه الله (7/ 253) في ترجمة مطهِّر: (دلَّ تحقيقُ المستشرق «كليمان هوار» على أنه مُصنِّف كتاب «البدء والتاريخ ـ ط» ستة أجزاء، مع ترجمتها إلى الفرنسية، وله بقية ما زالت مخطوطة، وكان المعروف أنه من تأليف أبي زَيْد أحمد بن سهل البلخي، كما في

«كشف الظنون» و «خريدة العجائب» ، إلا أنَّ البلخي توفي سنة 322 وكتاب «البدء والتاريخ» صُنِّف سنة 355 هـ، وقال هوار: كان مطهر في «بُسْت» من بلاد «سجستان» . وزاد بروكلمن أنه توفي فيها. قلتُ: ولم أظفر بترجمة له). انتهى كلام الزركلي.

وأورد الزركلي أيضاً في (1/ 134) في ترجمة: أحمد بن سهل البلخي (ت 322 هـ) وذكر كتبه وهي في الفلسفة، والسياسة، وعلم النجوم، وغيرها، وقال: (ويُنسب إليه كتاب

«البدء والتاريخ ـ ط» وأكثرُ أهل التحقيق على أنه لمطهِّر بن طاهر المقدسي).

تعقَّبه الأستاذ: أحمد العلاونة في كتابه «الأعلام لخير الدين الزركلي محاولات في النقد والتصحيح واستدراك الخطوط والصور» ـ ط. العبيكان ـ (ص 89) قال: (والصحيح أنه لأحمد بن سهل البلخي. وقد نقل عنه ابن العديم في سبعة مواضع من «بغية الطلب» ناسباً الكتاب للبلخي، انظر على سبيل المثال (9/ 103)، وابن العديم حُجَّةٌ فيما يكتب).

نَسبَه حاجي خليفة في «كشف الظنون» (1/ 227) إلى أحمد البلخي. وتعقبه يوسف سركيس (ت 1351 هـ) في «معجم المطبوعات العربية والمعربة» (1/ 242) وصحَّحَ نِسْبَتَهُ إلى مطهِّر بن طاهر المقدسي.

وانظر: «مجلة المقتبس» عدد (27).

وثمَّةَ دراسةٌ عن قسم السيرة النبوية في كتاب «البدء والتاريخ» تُثبِتُ تأثُّر مؤلِّفِه بما نَهجَه المتكلمون والفلاسفة.

انظر: «تطور كتابة السيرة النبوية» لعمار عبودى، ومحمد حسين نصار (ص 233).

ص: 468

أنَّ تراجم الصحابة رضي الله عنهم وبيان أعمارِهم، وأحوالِهم، وذِكْرِ أولادهم؛ بابٌ من صناعة «أصحاب الحديث» ، وهو عِلْمٌ برأسه، مُنْفَرِدٌ بمعرفته صاحبه، مرجِعُهُ إلى جودة الحِفظ، وكثرة الروايات، وقد وضعوا فيه كُتُبَاً كثيرةً موسومةً بسمات مختلفة: كالتواريخ، والطبقات، والمعارف).

(1)

وقال ابن تيمية رحمه الله: (علماءُ الدِّين أكثرُ ما يُحَرِّرُون النقلَ فيما يُنْقَلُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنه واجبُ القبول، أو فيما يُنقل عن الصحابة.

وأما ما يُنقَل من الإسرائليات ونحوها، فهم لايكترثون بضبطها، ولا بأحوال نقلها؛ لأن أصلها غير معلوم، وغايتها أن تكون عن واحد مِن علماء أهل الكتاب، أو مَن أخذه عن أهل الكتاب، لما ثبت في «الصحيح» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إذا حدَّثكم أهل الكتاب، فلا تصدقوهم، ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بباطل، فتصدقوهم، وإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوهم» ).

(2)

(1)

بتصرف يسير: «البدء والتاريخ» (5/ 70).

وانظر: «علوم الحديث» لابن الصلاح (ص 291) ذكر في النوع التاسع والثلاثين، والأربعين من علوم الحديث: معرفة الصحابة والتابعين، و «فتح المغيث» للسخاوي

(4/ 5).

(2)

«تلخيص كتاب الاستغاثة لابن تيمية» ـ ط. الغرباء ـ (1/ 80).

ص: 469

وأما أخبارُ الصالحين، وأقاويلهم في الوعظ والإرشاد، وأقوال اللغويين، وحِكَمُ الأدباء، ومواعظ البلغاء، فلا تحتاج إلى إسناد.

(1)

ولكلِّ عِلْمٍ مَعاييرُهُ الخاصة في نقد المنقولات فيه.

(1)

قال الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) في كتابه «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (2/ 213): (وأما أخبار الصالحين، وحكايات الزهاد والمتعبدين، ومَواعظ البلغاء، وحِكَمُ الأُدَبَاء؛ فالأسانيد زينة لها وليست شرطاً في تَأدِيَتِهَا

وأسند الخطيبُ (2/ 214) رقم (1648) إلى محمد بن عبدالخالق قوله: كنتُ جَالِسَاً عند يزيد بن هارون، وخُراسَانيٌّ يَكتُبُ الكَلام، ولا يكتُبُ الإسناد، قال: فقلتُ له، أو قيل له: مالَكَ لا تكْتُب الإسناد؟ فقال: «أنا خانه خواهم نبازار» . قال أبو طالب يحيى بن علي الدسكري ـ شيخ الخطيب في هذا الإسناد ـ: تفسيره قال: أنا للبيت أريده لا للسوق.

علَّق الخطيب بقوله: إن كان الذي كتَبَه الخراساني من أخبار الزهد، والرقائق، وحكايات الترغيب، والمواعظ، فلا بأس بما فعَلَ؛ وإنْ كان ذلك من أحاديث الأحكام، وله تعلق بالحلال والحرام؛ فقد أخطأ في إسقاط أسانيده؛ لأنها هي الطريق إلى تبيُّنِهِ، فكان يلزمه السؤال عن أمرِهِ والبحث عن صحته.

ثم قال الخطيب بعد أثَر: وعلى كل حال، فإنَّ كَتْبَ الإسناد أولى، سواءٌ كانَ الحديثُ متعلِّقَاً بالأحكام، أو بِغَيْرِها.

ص: 470