الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِن ذلك: محمد الكلبي ـ السابق ذكره ـ قَبِلَهُ بَعضُ أئمةِ الحديث في التفسير.
(1)
وقَولُ المحدِّثين في ابن إسحاق، مع توثيقه في السيرة ـ معروف ـ.
وكذا الواقدي في المغازي.
ومن ذلك: أنَّ أبا المنذر هشام بن محمد بن السائب الكَلْبي ـ أخباريٌّ نسَّابةٌ متروكٌ ـ
(2)
إلا أنهم اعتمدوه في النَّسَبِ.
ذكر ابنُ عبدالبر أثراً موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما في الأنساب، من طريق ابن الكلبي، عن أبيه. فقال عقبه:(وليس هذا الإسناد مما يُقطع بصحته، ولكنه عمَّنْ عِلْمُ الأَنسابِ صَنْعَتُه).
(3)
قال ابن الأثير رحمه الله في مسألة: (وأظنُّ الحقَّ قولَ الكلبي؛ لِعلِمِهِ بالنَّسَب).
(4)
وقال ابن حجر رحمه الله: (وابنُ الكلبيِّ يُرجَع إليه في النَّسَبِ).
(5)
(1)
انظر: «تهذيب الكمال» (25/ 251 ـ 252).
(2)
وهوأحسن حالاً من أبيه. انظر: «لسان الميزان» (8/ 338).
(3)
«الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (1/ 25 ـ 26).
(4)
«أسد الغابة» لابن الأثير (1/ 241).
(5)
«الإصابة في تمييز الصحابة» (1/ 453). وقد قال عنه في «التقريب» (ص 510):
…
(النسَّابة المفسِّر، متَّهمٌ بالكذب، ورُمِي بالرفض). =
وقال ابن حجر في «الإصابة» (1/ 214): (وقال ابن عبد البر: لم يصح عندي نَسبُهُ وفي صُحبَتِهِ نَظَرٌ. قلت: قد نسبه ابن الكلبيِّ، وهو عمدة النسابين، كما ذكرناه).
ووصفَهُ في «فتح الباري» (6/ 535) بأنه «إمام أهل النَّسَب» .
وللشيخ: إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير، بحث بعنوان:
«مَن وُثِّق في عِلْمٍ وضُعِّف في آخر
ـ النسَّابة ابن الكلبي نموذجاً ـ» طُبع ضمن مجموع «رسائل في أصول وقواعد علم النسب» ـ الرسالة الخامسة ـ (195).
وقال عن حفص بن سليمان الأسدي القارئ ـ صاحب عاصم ـ:
…
(متروك الحديث، مع إمامته في القراءة).
(1)
وقال ابن حجر ـ أيضاً ـ عن سيف بن عمر التميمي الكوفي، صاحب كتاب «الرِّدَّة»: (ضعيف الحديث، عمدةٌ في التاريخ، أفحش ابنُ حبان
…
القولَ فيه).
(2)
وهكذا في جملة من الرواة يُضعَّفُون في الحديث، ويُقبَلُون في المغازي،
…
أو التفسير، أو القراءات، أو التاريخ، أو غيرها.
قال يحيى بن سعيد القطان (ت 198 هـ) رحمه الله: (تساهلوا في التفسير عن قوم لا يُوَثِّقُونَهُمْ في الحديث.
ثم ذَكَرَ: .........................................................
(1)
«تقريب التهذيب» (ص 209).
(2)
«تقريب التهذيب» (ص 296).
ليثَ بنَ أبي سُليم
(1)
، وجويبر بن سعيد
(2)
، والضحاك
(3)
، ومحمد بن السائب ـ يعني الكَلبي ـ
(4)
، وقال: هؤلاء لا يُحمَدُ حديثُهم، ويُكتَبُ التفسير عنهم.
قال البيهقي معلِّقاً: وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم، لأن ما فَسَّرُوا به ألفاظَهُ، تَشهَدُ لهم به لغاتُ العَرَبِ، وإنما عَمَلُهُم في ذلك الجمع والتقريب فقط).
(5)
هذا، وإنَّ مِن أشهر أسباب الكذب في الروايات التاريخية
(6)
: الاختلاف العقدي، فقد وضع أهل البدع روايات عديدة منكرة.
على أنَّ مِن منهج المحدِّثين رحمهم الله ــ ومنهم مؤرِّخُون ـ إذا ذكَرُوا
(1)
صدوق، اختلط جداً، ولم يتميَّز حديثه، فتُرِك. «تقريب التهذيب» (ص 495).
(2)
راوي التفسير، ضعيف جداً. «تقريب التهذيب» (ص 182).
(3)
ابن مزاحم الهلالي، صدوق، كثير الإرسال. «تقريب التهذيب» (ص 314).
(4)
النسَّابة المفسِّر، متَّهم بالكذب، ورُمي بالرفض. «تقريب التهذيب» (ص 510).
(5)
«دلائل النبوة» للبيهقي (1/ 35)، «الجامع لأخلاق الراوي» للخطيب (2/ 194) رقم (1588).
وانظر في أسباب التسامح: «التقرير في أسانيد التفسير» للطريفي (ص 27).
(6)
يُنظر في أسباب الكذب في الروايات التاريخية: «مجتمع الحجاز في العصر الأموي»
…
د. عبدالله الخلف (ص 53)، و «الموقف من التاريخ الإسلامي» د. حامد خليفة
…
(ص 209).
الحديثَ أو الأثرَ بالإسنادِ؛ فقد برئوا من عُهدتِه، وقاعِدتُهم:
«مَن أسنَد لكَ؛ فقَدْ أحالَكَ
(1)
، ويقال: فقَدْ حمَّلَك، ويقال: فقد برِئَتْ منه العُهْدَة»؛ ثقةً بتمييز القارئ وفحصه.
فهذا الإمام ابن جرير الطبري (ت 310 هـ) رحمه الله يقول في مقدمة «تاريخه» : (فما يكُنْ في كتاب هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قَارِئُه، أو يستشنعه سامِعُه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً من الصحة، ولا معنى في الحقيقة؛ فليَعْلَمْ أنه لم يُؤتَ في ذلك من قِبَلنا، وإنما أُتيَ من قِبَلِ بعضِ ناقليه إلينا، وأنَّا إنَّما أدَّيْنَا ذلك على نحوِ ما أُدِّيَ إلينا).
(2)
قال الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) رحمه الله: أخبرنا أبو عبيد محمد بن أبي نصر النيسابوري، قال: سمعت أبا الحسن محمد بن علي العلوي الحسني، يقول: سمعت القاسم بن بندار، يقول: سمعت أبا حاتم الرازي، يقول:
…
«لم يكُنْ في أمَّةٍ مِن الأُمَمِ مُنْذُ خلَقَ الله آدمَ أمناءُ يحفظونَ آثارَ الرُّسُلِ إلا في هذه الأمة» . فقال: له رجل: يا أبا حاتم، رُبَّما رَوَوا حديثاً لا أصلَ له ولا يَصحُّ؟ فقال: علماؤُهم يَعرِفُونَ الصحيح من السقيم، فروايتهم ذلك
(1)
أي: أحالَك على البحث عن أحوال مَن سمَّاهُ لك. «التمهيد» لابن عبدالبر (1/ 3).
(2)
«تاريخ الرسل والملوك» لابن جرير (1/ 8).
لِلْمَعْرِفَةِ؛ لِيَتَبَيَّنَ لِمَنْ بَعدَهُم أنهم ميَّزُوا الآثارَ، وحَفِظُوهَا.
(1)
وقال ابن حجر (ت 852 هـ) رحمه الله في ترجمة الحافظ الطبراني
…
(ت 360 هـ) رحمه الله:
(وقد عابَ عليه إسماعيلُ بنُ محمد بن الفضل التَيْمي جمعَه الأحاديثَ الأفرادَ مع ما فيها مِن النَّكارَةِ الشديدةِ والموضوعاتِ، وفي بعضها القدحُ في كثيرٍ من القُدَمَاء من الصحابة، وغيرهم.
وهذا أمْرٌ لا يختَصُّ بِه الطبرانيٌّ، فلا مَعنى لإفرَادِهِ بالَّلومِ، بل أكثرُ المحدِّثينَ في الأعصارِ الماضيةِ مِن سنَةِ مئَتِينِ وهَلُمَّ جَرَّاً، إذا سَاقُوا الحديثَ بِإسنادِهِ، اعتَقَدُوا أنَّهمْ بَرِئُوا مِن عُهْدَتِه، واللهُ أعلَم).
(2)
وبناءً عليه، فلا حُجَّةَ لِقَوْلٍ يَرِدُ في كُتُب التاريخ أو السُّنَّة مسنداً، وفيه نكارة ومخالفة، ولامحيص ـ حينئذٍ ـ عن النظر في سنده، ومتنه، وعرضه على الروايات الأخرى، وأقاويل الثقات من سلف هذه الأمة.
في مَعرِض مناقشة ابن تيمية رحمه الله مَسألةً تاريخيةً، ذكر ما يُفيد بفحص ونَقْدِ الأسانيد التي فيها جَرحٌ وتَلفِيقٌ من أهلِ الأهواء، وعدمِ قَبُولِ
روايات بعضِ الأخباريين:
قال ابن تيمية رحمه الله: ( .... وهذا الذي ذكرناه هو المتَّفَقُ عليه بين الناس في مقتل الحسين رضي الله عنه.
وقد رُويت زيادات: بعضُها صحيح، وبعضُها ضعيف، وبعضُها كَذِبٌ مَوضُوع.
والمصنِّفُون من أهل الحديث في ذلك: كالبغوي، وابن أبي الدنيا، ونحوهما، كالمصنِّفِين من أهل الحديث في سائر المنقولات؛ هُمْ بذلك أعلَمُ وأصدَقُ بِلا نزاع بين أهل العلم؛ لأنهم يُسنِدُونَ ما يَنقُلُونَه عن الثقات، أو يُرْسِلُونَه عمَّن يَكونُ مُرْسِلُهُ يُقارِبُ الصِّحَّةَ، بِخلاف الأخباريين، فَإنَّ كثيرَاً مما يُسنِدُونَهُ عَن كذَّابٍ أوْ مَجهُولٍ. وأمَّا مَا يُرسِلُونَه، فَظُلماتٌ بعضُهَا فوق بعض. وهؤلاء لَعمري ممن يَنقل عن غيرِهِ مُسنَداً أو مُرسَلاً.
وأمَّا أهلُ الأهواء ونحوِهم: فيعتَمِدُون على نَقْلٍ لا يُعرَفُ له قَائِلٌ أصلاً، لا ثِقَةٌ ولا مُعتَمَدٌ.
وأهوَنُ شيءٍ عندَهُم الكذبُ المختَلَقُ. وأعلَمُ مَن فيهم لا يَرجِعُ فيما يَنقُلُهُ إلى عُمْدَةٍ بَل إلى سَماعات عَن الجاهلين والكذَّابِيْنَ،
وروايات عن أهل الإفك المبين.
(1)
فقد تبيَّنَ أنَّ القصَّةَ التي يَذكرون فيها حَمْلَ رأسِ الحُسين إلى يَزيد، ونَكْتِهِ إياها بالقَضِيب؛ كَذَبُوا فيها، وإنْ كان الحمْلُ إلى ابنِ زياد ــ وهو الثابت بالقصة ــ فَلَمْ يُنقَلْ بِإسنَادٍ مَعْرُوفٍ
(2)
أنَّ الرأسَ حُمِلَ إلى قُدَّامِ يزيد. ولمْ أرَ في ذلك إلا إسناداً مُنقَطِعَاً، قَدْ عارَضه من الروايات ما هُو أثبتُ منْهُ وأظهر، نقلوا فيها أنَّ يزيدَ لما بلَغَهُ مَقتَلُ الحُسين؛ أظهَرَ التَّألمَ مِن ذلك، وقال: لعَن الله أهلَ العراق. لَقد كُنتُ أرضَى مِن طاعتهم بِدُونِ هذا .... ) إلخ.
(3)
(1)
أقول: وهذا حصل لكثير من المتصوفة وغيرهم ممن ينقل القصص والأخبار عن آل البيت والصحابة، معتمداً على كتابات بعض الرافضة، أو مَنْ ينقل عنهم بواسطة، فتتكاثر المرويات والقصص لكثرة مَن يحبُّ آل البيت والصحابة ويكتبُ فيهم، وتأمل في هذا ما يورده عامة الكتاب المعاصرين عن فاطمة، وكيف دخلت عليهم أساطير الرافضة؟ !
(2)
تأمَّل طلبَ ابن تيمية الإسناد هنا ـ وهي قضية تاريخية: أعني حمل الرأس ـ، ثم معارضة المنقول ببعض الروايات الأخرى، والنظر في الأسانيد.
لذا بعض القضايا التاريخية المنكرة تتطلب البحث عن الإسناد ــ خاصةً إن كان لها تَعلُّقٌ بالصحابة رضي الله عنهم، وتَداولٌ عند بعض أهل البدع والأهواء ـ، ولا يقال بأن هذه قضية تاريخية ذكرها عدد من المؤرخين، لا تحتاج لبَحثِ عن إسنادٍ، ونَقْدٍ.
(3)
«مجموع الفتاوى» (27/ 478 ـ 480).
وهذه المسألةُ ـ محل البحث ـ هي في المرويات التي تُستنكر بأي نوع من أنواع النكارة، أو الشذوذ عن سائر المنقولات التاريخية، وغنيٌّ عن البيان أنَّ طائفةً من الجهلة لا يرون إنكار شئ أبداً مما يرد في كُتُب السيرة، أو التاريخ، ويرون أنْ نقبلَه كما هُوَ، دون أن نفحَصَ ما يحتاجُ إلى فَحْصٍ، وفي هذه الطائفة يقول عنهم العلامة المحدِّث: ناصر الألباني رحمه الله: (وقد يظنُّ بعضُهم أنَّ كلَّ ما يُروى في كتب التاريخ والسيرة، أنَّ ذلك صارَ جزءاً لا يتجَزَّأ من التاريخ الإسلامي، لا يجوزُ إنكار شيء منه!
وهذا جهلٌ فاضِحٌ، وتَنكُّرٌ بالغٌ للتاريخ الإسلامي الرائع، الذي يَتميَّز عن تواريخ الأمم الأخرى بأنه هو وَحدَه الذي يملِكُ الوسيلةَ العلميةَ لِتمييزِ ما صَحَّ منهُ مما لم يَصِح، وهي نفسُ الوسيلةِ التي يُميَّزُ بها الحديثُ الصحيحُ من الضعيف، ألا وهُو الإسنادُ الذي قال فيه بَعضُ السلف: لولا الإسنادُ لقال مَن شاء ما شاء.
ولذلك لما فقدَتْ الأممُ الأخرى هذه الوسيلةَ العُظمَى؛ امتلأَ تاريخُها بالسخافاتِ والخرافات، ولا نذهَبْ بالقرَّاء بعيداً، فهذهِ كتبُهم التي يُسمُّونها بالكُتب المقدَّسَة، اختلَطَ فيها الحابِل بالنَّابِل، فلا يستطيعونَ تمييزَ الصحيحِ من الضعيف مما فيها من الشرائع المنزَّلَةِ على أنبيائهِم، ولا معرفةَ شيءٍ من تاريخِ حياتِهم، أبدَ الدَّهْر، فهم لا يَزالون في ضلالهم يعمَهُون، وفي دياجير الظلام يتِيهُون!
فهل يُريدُ منَّا أولئكَ الناسِ أنْ نستسلمَ لِكلِّ مَا يُقال: إنه مِن التاريخ الإسلامي؟ ! ولو أنكرَهُ العُلَماءُ، ولَو لم يرِدْ له ذِكرٌ إلا في كُتُب العجائزِ
(1)
من الرجال والنساء؟ ! وأنْ نَكْفُرَ بهذه المزيَّة التي هِي مِن أعَلى وأغلى ما تميَّز به تاريخ الإسلام؟ !
وأنا أعتقدُ أنَّ بعضَهم لا تخفى عليه المزيَّةُ، ولا يُمكِنُه أن يكونَ طالبَ علمٍ بَلْهَ عالماً دُونَها، ولكنَّه يتجَاهَلُها، ويَغُضُّ النَّظَرَ عنها؛ سَترَاً لجهلِهِ بما لم يصحَّ مِنه، فيتظاهرُ بالغَيرةِ على التاريخ الإسلامي، ويُبَالغُ في الإنكار على مَن يُعرِّفُ المسلمينَ ببعضِ ما لم يَصحَّ مِنه؛ بَطَراً للحَقِّ، وغمطَاً للناس،
…
والله المستعان).
(2)
(1)
لعلَّ الشيخ رحمه الله يريد: (على لسان العجائز).
(2)
«سلسلة الأحاديث الصحيحة» (5/ 331) تحت رقم (2261).
ويبدو لي أن الشيخ رحمه الله من خلال هذا النص يرى التمحيص في جميع المرويات التاريخية، وليُنظَرْ في مواضِع أخرى من كتُبِهِ.
هذا، وإن أعلى ما وقفت عليه في هذه المسألة:
المقولة الشهيرة للإمام أحمد رحمه الله، قوله:(ثلاثة كُتُبٍ ليسَ لها أُصُولٌ: المغازي، والملاحم، والتفسير).
(1)
ما معنى لا أصل لها، أو ليس لها إسناد؟
(1)
أخرجه: ابن عدي في «الكامل» ـ ط. الرشد ـ (1/ 298) رقم (711)، ومن طريقه:
…
[الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (2/ 162) رقم (1493)] بإسناد جيِّد.
ولما نقل ابن حجر في «لسان الميزان» (1/ 207) مقولة الإمام أحمد، قال:
…
(قلت: ينبغي أن يضاف إليها الفضائل، فهذه أودية الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ إذْ كانت العُمْدة في المغازي على مثل: الواقدي؛ وفي التفسير على مثل: مقاتل، والكلبي؛ وفي الملاحم على: الإسرائيليات.
وأما الفضائل فلا يُحصى كمْ وضَعَ الرافضةُ في فضل أهل البيت، وعارضَهُم جهَلَةُ أهل السُّنَّةِ بفضائل معاوية، بل وبفضائل الشيخين، وقد أغناهما الله، وأعلى
…
مرتبتهما عنها). انتهى.
على أن الأحاديث الصحيحة في الفضائل أكثر من الأحاديث الصحيحة في المغازي والتفسير والملاحم؛ وإن صحَّ إيراد الفضائل، فلعلها في رتبة تالية للثلاثة المذكورة
…
ــ والله أعلم ـ.
لهذه العبارة اطلاقان:
(1)
1) عند عامة الأئمة المتقدمين: يطلقونها على الحديث ويريدون بها:
…
لا أصل له صحيح، ولا إسناد له ثابت.
2) عند كثير من المتأخرين: يريدون بها: لايوجد له إسناد.
أورد الخطيبُ البغداديُّ رحمه الله مقولةَ الإمام أحمد، وكأنَّه استشكلَها، فحَمَلَها على كُتُبٍ مخصُوصَةٍ في هذه العلوم الثلاثة، غير مُعتَمَدٍ عليها،
…
ولا مَوثُوقٍ بِصحَّتِها، لسوءِ أحوالِ مُصَنِّفيها، وعَدمِ عدالة ناقليها، وزياداتِ القُصَّاصِ فيها.
(2)
وفي كلام الخطيبِ رحمه الله نَظَرٌ
(3)
، والصحيحُ أنَّ مُرادَ الإمامِ أحمد:
(1)
ينظر: «الروض البسام في تخريج فوائد تمام» الشيخ جاسم الدوسري (2/ 150)،
…
«التحديث بما قيل لايصح فيه حديث» للشيخ د. بكر أبو زيد (ص 11 ـ 12)، مقدمة تحقيق الشيخ أبي إسحاق الحويني لِـ «تفسير ابن كثير» (1/ 7 ـ 27) ـ مهم ـ، «التقرير في أسانيد التفسير» للطريفي (ص 13)، «قواعد التفسير» للشيخ خالد السبت
…
(1/ 198)، «التفسير والمفسرون» د. محمد حسين الذهبي (1/ 49)، «السنة ومكانتها» للسباعي (ص 244).
(2)
ينظر: «الجامع لأخلاق الراوي» (2/ 162) رقم (1493).
(3)
وانظر في نقده أيضاً: «شرح مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية» د. مساعد الطيار
…
(ص 184).
غالبُهَا ليسَ لها أسانيدُ صَحِيحةٌ مُتَّصِلَةٌ، بل غالبُ أسانيدِهَا ضَعِيفَةٌ بِإرسال، أو انقطاع، أو راوٍ ضَعِيفٍ.
قال الزركشي رحمه الله: (قال المحققون من أصحابه: ومراده أن الغالب أنه ليس لها أسانيدُ صِحاح مُتَّصلَةٌ، وإلا فقَدْ صَحَّ مِن ذلك كثير).
(1)
علَّق السيوطي رحمه الله في «الإتقان» بقوله: (قلتُ: الذي صحَّ من ذلك قليلٌ جداً، بل أصلُ المرفوعِ منه في غايَةِ القِلَّة، وسأسردها كلَّها آخر الكتاب ـ إن شاء الله تعالى ـ).
(2)
واقتصر في «تدريب الراوي» في بيان معنى قول الإمام أحمد على عبارة مقتضبة موهمة، قال:(قال ابن تيمية: معناه ليس له إسناد)
(3)
. بينما كلام ابن تيمية رحمه الله في بيان معناه: ليس له إسناد صحيح متصل.
وإليك كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وفي بعضه تَفصِيْلٌ رَائِعٌ،
(1)
«البرهان في علوم القرآن» (2/ 156)، وقال الفتوحي في «شرح الكوكب المنير»
…
(2/ 158): (ليس غالبها الصحة).
(2)
«الإتقان» ـ ط. المجمع ـ (6/ 2285).
(3)
«تدريب الراوي ـ ط. ابن الجوزي ـ (1/ 454)، ثم وجدتُه كذلك في ـ ط. المنهاج في جدة بتحقيق عوَّامة ـ (3/ 518)، وقد تعقَّبَ عوامةُ السيوطيَّ في ذلك، وبيَّنَ كلامَ ابن تيمية.
يفيد أصل المسألة المتحدَّث عنها ـ وهو مِنْ أعرفِ الأئمةِ بكلامِ الإمامِ أحمدَ رحمه الله.
قال ابن تيمية: (معناه: أن الغالب أنه ليس لها إسنادٌ صحيحٌ).
(1)
وقال أيضاً: (وأما أحاديث سبب النزول فغالبها مرسل ليس بمسند، ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل: «ثلاث علوم لا إسناد لها. وفي لفظ: ليس لها أصل: التفسير، والمغازي، والملاحم». يعني: أنَّ أحاديثَها مرسلَةٌ).
(2)
وقال أيضاً: [قال الإمام أحمد: «ثلاث علوم ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير. وفي لفظ: ليس لها أسانيد» . ومعنى ذلك: أن الغالب عليها أنها مرسلة ومنقطعة، فإذا كان الشئ مشهوراً عن أهل الفن قد تعدَّدَتْ طُرُقُه،
(3)
فهذا مما يرجع إليه أهل العلم بخلاف غيره
…
ثم ذكر بعض كتب التفسير
ثم قال ابن تيمية: (وعامَّةُ الكتب تحتاجُ إلى نقد وتمييز، كالمصنفات في
(1)
«المسودة في أصول الفقه» لآل تيمية (ص 175).
(2)
«منهاج السنة النبوية» (7/ 435).
(3)
يُلحظ اشتراطُه أمرين: اشتِهَارُهُ عِندَ أهلِ فَنِّهِ، وتعَدُّدِ طُرُقِهِ ـ وسيأتي له كلامٌ أكثرَ تفصيلاً ـ.
سائر العلوم من الأصول والفروع وغير ذلك؛ فإن الفقهاء قد وضعوا في الفقه أشياء كثيرة من الموضوعات والضعاف.
وأما جمهور المصنفين في الأخبار، والتواريخ، والسير، والفتن، من رجال الجرح والتعديل، منهم من هو في نفسه مُتَّهمٌ، أو غير حافظ، كأبي مخنف لوط بن يحيى، وهشام بن محمد بن السائب الكلبي، وإسحاق بن بشر، وأمثالهم من الكذابين، بل الواقدي خير من ملء الأرض مثل هؤلاء، وقد عُلِمَ ما قيل فيه، ومحمد بن سعد كاتبه ثقة، لكن يُنظر عمَّن نقل، وكذلك أبو الحسن المدائني وأمثاله، وإن سلموا من الطعن فيهم، فليسوا من علماء الجرح والتعديل حتى يكون مارووه ولم ينكروه مقبولاً.
وإنما العالمون بالجرح والتعديل هم علماء الحديث، وهم نوعان:
منهم من لم يرو إلا عن ثقة عنده: كمالك، وشعبة، ويحيى بن سعيد، وعبدالرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، وكذلك البخاري، وأمثاله.
ومنهم من يروي عن الثقة وغيره؛ للمعرفة، ولما عنده من
التمييز، كالثوري
(1)
،
وغيره).
(2)
وشَبيهٌ بكلام ابنِ تيمية السابق، ما ذكرَ الأديبُ الكبير: أبو عثمان الجاحظ (ت 255 هـ) رحمه الله حينما عرض أثراً عن عائشة رضي الله عنها، فيه أنها رَكِبَتْ بَغْلاً للإصلاح بين حَيَّيْنِ متنازِعَين
…
إلخ
ذكر الجاحظ أنه حديث مصنوع، من توليد الروافض
…
ثم نقَدَ متنَه نقْدَاً عِلْمِيَّاً، ثم قال بعدَهُ: (وما هوَ إلا أنْ ولَّدَ أبو مخنف حديثاً، أو الشرْقيُّ بنُ القُطَاميِّ، أو الكلبيُّ، أو ابنُ الكلبيِّ، أو لقيطُ المُحَارِبيِّ، أو شَوْكَر،
…
أو عطاءُ المِلْط، أو ابنُ دَأْب، أو أبو الحسنِ المدائنيِّ، ثم صوَّرَه في كتابٍ، وألقاه في الورَّاقين، إلَّا رواهُ مَن لا يُحصِّلُ ولا يتَثبَّت ولا يتوقَّفُ.
(1)
نَظَرُ بعضِ الأئمة كالإمام أحمد، والثوري، وغيرهم، في كتب الواقدي؛ وروايتهم عنه وعن الكلبي وأمثاله، إنما هو للاستئناس بعد تمييزه، وليس للاعتماد. ينظر:«التنكيل» للمعلمي ـ ط. المعارف ـ (1/ 166، 426).
قال الذهبي في «الميزان» (4/ 125) في ترجمة «محمد بن السائب الكلبي» : (قال سفيان الثوري: اتقوا الكلبي، فقيل له: فإنك تروي عنه، قال: أنا أعرف صدقه من كذبه).
وقال المعلمي (1/ 426): (ورووا عنه في التفسير وغيره، فما بالك بالتاريخ الذي تدعو الحاجة إلى تزيينه بالحكايات المستظرفة).
وانظر: «مقدمة ابن خلدون» (1/ 283).
(2)
«تلخيص كتاب الاستغاثة لابن تيمية» ـ ط. الغرباء ـ (1/ 76 ـ 77).
وهؤلاء كلُّهم يتشيَّعُونَ.
وكان يونس بن حبيب يقول: يا عجباً للناس، كيف يكتبون عن حمَّاد
(1)
وهو يُصحِّف ويكذبُ ويَلحَنُ ويَكسِر؟ !
ومَن أرادَ الأخبار، فليأخذها عن مثل: قتادة، وأبي عمرو بن العلاء .... وذكر الجاحظُ عدداً من المحدِّثِين والأدباء، ثم قال: هؤلاء وأشباهُهُم مأمُونُونَ، وأصحابُ تَوَقٍّ وخَوفٍ من الزوائد، وصَونٍ لما في أيديهم، وإشفاقٍ على عدَالَتِهِم).
(2)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (
…
فالمقصودُ أن المنقولات التي يحتاج إليها في الدين قد نصَبَ الله الأدلَّةَ على بيان ما فيها من صَحيحٍ وغَيرِه.
ومعلومٌ أنَّ المنقولَ في التفسير أكثرُه كالمنقول في المغازي والملاحم؛ ولهذا قال الإمام أحمد: «ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير، والملاحم، والمغازي. ويُروى: ليس لها أصل» . أي: إسناد؛ لأن الغالب عليها المراسيل، مثل: ما
(1)
المعروف بِـ: حماد الراوية، أبي القاسم الكوفي (ت 155 هـ، وقيل: 156 هـ)، تنظر ترجمته في:«تاريخ دمشق» (15/ 150)، «معجم الأدباء» (3/ 1201)، «سير أعلام النبلاء» (7/ 157)، «لسان الميزان» (3/ 277).
(2)
«كتاب البغال» ، للجاحظ، ضمن «رسائل الجاحظ» تحقيق: عبدالسلام هارون
…
(2/ 223 ـ 228). والفضل في الدلالة إليه من كتاب «مجتمع الحجاز في العصر الأموي» د. عبدالله بن سالم الخلف (ص 32).
يذكره عروة بن الزبير، والشعبي، والزهري، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق، ومَن بعدهم: كيحيى بن سعيد الأموي، والوليد بن مسلم، والواقدي، ونحوهم في المغازي؛ فإن أعلم الناس بالمغازي أهلُ المدينة، ثم أهل الشام، ثم أهل العراق، .... ثم تحدَّث ابن تيمية عن المراسيل
(1)
ـ وسيأتي كلامه بعد صفحات ـ.
القول الثاني في مدلول عبارة (لا أصل له): أي لا إسناد له. وهذا الشائع لدى عامة المتأخرين.
وهو مَفَادُ كلام: العراقي، والبُلْقِيني، وغيرِهم ـ كما سيأتي في المثال التالي ـ. ومن المعاصرين: ابن عثيمين.
(2)
ويحدث الاشكال هُنا حينما يَستَدرِكُ بعض العلماء المتأخرين على الأئمة السابقين في اطلاقهم (لا أصل له) على ما له إسناد، والاستدراك مَنقوضٌ بمعرفة مراد الأولين بهذه العبارة، وأن قصدَهم: لا أصلَ له صحيح، أو
…
لا إسنادَ لهُ صَحيحٌ مُتَّصلٌ.
(3)
(1)
«مقدمة في أصول التفسير» لابن تيمية ـ تحقيق د. عدنان زرزور ـ (ص 58)، «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» (13/ 346 ـ 349).
(2)
«القول المفيد» (1/ 95).
(3)
ذكر جملةً من الأمثلة الحوينيُّ في مقدمة تحقيقه لِـ «تفسير ابن كثير» (1/ 20 ـ 22)، وانظر:«مقدمة صحيح الإمام مسلم» (ص 31).
من هذه الأمثلة:
قال الإمام أحمد رحمه الله: (أربعة أحاديث تدور عن رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في الأسواقِ ليس لها أصلٌ: «من بشرنى بخروج آذار؛ بشَّرته بالجنة»، و «مَن آذى ذميَّاً فأنا خصمه يوم القيامة»، و «يومُ نحرِكُم يوم صومِكم»، و «للسائلِ حقٌّ وإنْ جَاءَ على فَرَسٍ»).
أنكرَ العراقيُّ، والزركشيُّ، والبلقينيُّ، وغيرُهم، صحةَ هذا القول؛ لأن الإمامَ أحمدَ أخرجَ الحديثَ الرابع في «مسنده» ، وقال البلقيني:(فمثلُ ذلك لا يُقال فيه: ليسَ له أصلٌ).
وسيأتي بيانٌ قول الإمام أحمد: «أربعة أحاديث .... » ، وتخريجه، وكلام العلماء حوله، في الباب الثالث «مسند فاطمة» في تخريج حديث «للسائل حقٌّ، وإنْ جاءَ على فرَس» .
(1)
ومن الأمثلة:
أنَّ الإمام أحمد ضعَّف حديثاً، وقال:(هذا ليس بشيء، ليس له إسناد).
قال ابن رجب: يشير إلى ضعف إسناده.
(2)
(1)
حديث رقم (44) في «مسند فاطمة» .
(2)
«فتح الباري» لابن رجب ـ ط. الغرباء ـ (2/ 434).
وقال الإمام أحمد في حديث: (ليس له إسناد). قال ابن رجب: يعني أنَّ في أسانيدِه ضَعفاً.
(1)
وفي حديث جابر رضي الله عنه في قول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ امرأتي لا تَرُدُّ يَدَ لامِسٍ» . وهو مُخرَّجٌ في «السنن» وغيرها
(2)
قال الإمام أحمد
…
ـ فيما حكاه الخلال عنه ـ: (هذا الحديث لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس له أصلٌ).
(3)
وقالَ الإمام أحمد في حديث ـ وقد أخرجه في «مسنده»
(4)
ـ: ليس لهُ إسناد. وقال ـ أيضاً ـ: لم يسمعه سليمان من أبي مجلز.
(5)
وحديث آخر أخرجه في «مسنده»
(6)
، وقال عنه في موضع: ما أُرى لهذا الحديثِ أصْلٌ.
(7)
(1)
«فتح الباري» لابن رجب (3/ 60).
(2)
أخرجه: أبو داوود في «سننه» رقم (2049)، والنسائي في «سننه» رقم (3229)، وغيرهم.
(3)
«الموضوعات» لابن الجوزي (3/ 70) بعد رقم (1279)، «التلخيص الحبير»
…
(5/ 2505)، و «اللآلئ المصنوعة» (2/ 146).
(4)
«المسند» (9/ 390) رقم (5556).
(5)
«فتح الباري» لابن رجب (7/ 43).
(6)
«المسند» (11/ 505) رقم (6905).
(7)
«مسائل أبي داود للإمام أحمد» (ص 388) رقم (1867).