المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ إطلاق لفظ السيد على البشر - فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - سيرتها، فضائلها، مسندها - رضي الله عنها - - جـ ١

[إبراهيم بن عبد الله المديهش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌حدود الكتاب:

- ‌الدراسات السابقة، والمؤلفات المفردة في فاطمة:

- ‌خطة الكتاب

- ‌تنبيهات:

- ‌ لِمَ الإطالة العلمية في موضوع فاطمة رضي الله عنها

- ‌التمهيد:

- ‌المبحث الأول:المؤلفات في فاطمة رضي الله عنها ــ عرض ونقد

- ‌القسم الأول: الكتب المطبوعة:

- ‌القسم الثاني: المخطوطات في فاطمة رضي الله عنها

- ‌المبحث الثاني:ترجمة فاطمة رضي الله عنها

- ‌سبب إيراد هذه الترجمة مع أن الكتاب كلَّه ترجمة:

- ‌ لم يبقَ شئٌ من آثار النبي صلى الله عليه وسلم الحسية

- ‌ من أوائل من دخل في الإسلام

- ‌ هل تعرَّض الحويرثُ بنُ نُقَيذ لفاطمة وأم كلثوم رضي الله عنهما عند هجرتهما

- ‌ لقَبُ الأشراف

- ‌ لقب: الحسَني أو الحُسَيني الهاشمي، أفضل وأحسن من لقب: الشريف أو السيد

- ‌حَريٌّ أن يُمنَع هذا اللقب «الهاشمي» في بلاد الإسلام إلا لآلِ النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ اللباس:

- ‌ إطلاق لفظ السيد على البشر

- ‌نكاح الفاطميات من غير الفاطميين

- ‌ عِلمُ فاطمة رضي الله عنها

- ‌ الكذب على فاطمة رضي الله عنها

- ‌ علاقتها بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ قصائد في مدح فاطمة رضي الله عنها

- ‌ منظومات لترجمة فاطمة رضي الله عنها

- ‌ من ترجم لفاطمة رضي الله عنها

- ‌المبحث الثالث:عقيدة أهل السنة والجماعة في آل بيت النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم

- ‌من أخبار السلف في تعظيم آل البيت:

- ‌أقوال أئمة الاعتقاد في آل البيت:

- ‌المبحث الرابع:عناية أهل السنة والجماعة بجمع مرويات…آل البيت وفضائلهم

- ‌ الكتب المفردة العامة في آل البيت

- ‌ الكتب المفردة في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الكتب المفردة في بني هاشم

- ‌المبحث الخامس:‌‌فاطمة رضي الله عنها في كتب: الرافضة،…والإسماعيلية، والمستشرقين

- ‌فاطمة رضي الله عنها في كتب: الرافضة

- ‌ فاطمة رضي الله عنها في كتب الإسماعيلية

- ‌ فاطمة رضي الله عنها في كتب المستشرقين

- ‌من كتابات المستشرقين المفردة(1)عن فاطمة رضي الله عنها

- ‌ المدرسة الاستشراقية في كتابات السيرة:

- ‌ انتبه بعضُ المستشرقين إلى الغلو والأساطير المفتعلة من الرافضة

- ‌إنَّ أسعدَ الناس بمحبة وموالاة ومتابعة آل البيت ــ ومنهم فاطمة رضي الله عنها ــ هم أهل السنة والجماعة لا غير

- ‌المبحث السادس:تطبيق منهج النقد الحديثي على مرويات السيرة،…والروايات التاريخية؛ للقبول أو الرد

- ‌ كتب التاريخ العامة ليست من عُمَد أهل السنة والجماعة في معرفة أحكام الشريعة، وفضل الصحابة وأحوالهم

- ‌«مَن وُثِّق في عِلْمٍ وضُعِّف في آخر

- ‌عُلِم مما سبق أنَّ المغازي، والتفسير، والملاحم، تَقِلُّ فيها الأسانيدُ الصحيحةُ المتَّصِلَةُ، فما بالُكَ بما دونها من الآثارِ في سِيَر وقَصَصِ الصحابة، ثم التابعين، ثم مَن بعدَهم التي تَرِدُ في كُتُبِ التاريخ، وكُتُبِ مَنْ حشَاها بالروايات المنكرة

- ‌ ذكر ابن حجر: أن المؤرِّخ لايكتفي بالنقل الشائع، لا سيما إذا ترتب على ذلك مفسدة

- ‌ليس من الصوابِ أن نُقسِّم المسألة إلى: أحاديث نبوية، وروايات تاريخية فقط، فهذا تقسيم قاصِر، بل ينبغي أن تُعرَفَ مَراتِبُ الأحاديث، والمرويات

- ‌ مرويات سيرةِ فاطمة رضي الله عنها تُعتَبَرُ من الأحاديث النبوية

الفصل: ‌ إطلاق لفظ السيد على البشر

قلتُ: الذي يبدو لي ـ والله أعلم ـ أنه ظهرَ لقَبُ «السيدِ»

(1)

و «الشريف» مع الاسم الهاشمي، في أوائل القرن الرابع الهجري نادراً جداً، وكَثُرَ في القرن الخامس، وما بعده.

يرِدُ ذلك في وصفِ العلماء ـ في أسانيدهم وكتب التراجم ـ الهاشميين بهذين الوصفين.

وكذا يُطلق وصف: السيدة والشريفة ـ على قِلَّة فيما يبدو ـ وقد ذُكرا في القرن السابع وما بعده.

(2)

- من منع من التلقيب بـ «الشريف» ، و «السيد»

قال عمر آغا بن يوسف النمر النابلسي القاضي الحنفي

(ت 1082 هـ) رحمه الله: (وينبغي لآل الحسنين أن لا يكتبوا مع أسمائهم: السيِّد، أو الشريف فلان؛ فإنَّ ذلك تعظيمُ الإنسانِ نفسَه، وهو مَذمومٌ، فيتجنَّبَ عن ذلك.

(1)

فائدة: مسألة‌

‌ إطلاق لفظ السيد على البشر

، انظر «بدائع الفوائد» لابن القيم ـ ط. عالم الفوائد ـ (3/ 1175)، «معجم المناهي اللفظية» (ص 307)، و «أحكام الأسماء والألقاب والكنى» د. عمر آل طالب (ص 367) وفيه بحث، وتفريق بين الوصف بالسيادة وبين التسمِّي بها والتلقيب. فمنَعَها في الأولى، وأجازها في الثانية.

(2)

استفدتُ النتيجةَ هذه من بَحثٍ في كتُب الأسانيد والتراجم، ومِن كتاب «تنبيه الحصِيف» لإبراهيم الهاشمي.

ص: 215

وإظهار نسبه ممكن بكتابة اسمه: فلان الحسني أو الحسيني).

(1)

نقل الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله كلاماً للآلوسي رحمه الله في «أدب الرسائل» ينص على أنَّ إطلاق لقب السَّيِّد على عقب الحسنين، لا أصل له، وكذلك العمامة الخضراء

وذكر أنَّ إطلاقَ اسمِ الشريفِ والسيِّد إطلاقٌ حادِثٌ، وكذا لُبْسُ الطراز الأخضر، كلُّ ذلك مِن المبتدعات {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات: 13 هذا ما لزم بيانه، والله أعلم.) انتهى.

(2)

قلت: للتلقيب أسباب: النَّبْزُ والذَّمُّ، المدَحُ والتَّعظِيمُ، النِّسْبَةُ المجَرَّدَةُ.

ولَقَبُ الشَّريفِ من النوع الثالث.

(3)

(1)

«الإتحاف في نسب آل الأشراف» (ص 477) ـ طبع ملحقاً بكتاب «غاية المهتم» للحراكي ـ.

(2)

«أدب الرسائل» للآلوسي (ص 551 ـ 554)، وعنه:«معجم المناهي اللفظية» للشيخ بكر أبو زيد (ص 308 ـ 310).

(3)

انظر في أسباب التلقيب: «أحكام الأسماء والكنى والألقاب» د. عمر بن طالب

(ص 33 ـ 39).

وفي (ص 185) أشار إلى ضابط ما نُهي عنه في التسمية لِعِلَّة التزكية: التزكية في الدين، وما كان تزكية في العُرْف.

(ص 342) ويجوز تلقيب النفس بألقاب النسبة المجرَّدة التي لا تدل على ضعَةٍ أو شَرَفٍ وإنما تقتصرُ دلالتها على التعريف، لأنَّ من مقاصد التلقيب: التعريف والتمييز.

ص: 216

ولا يظهر أن هذا اللقب الاصطلاحي «الشريف» فيه إشارة إلى دِيْنِ أو عِلْمِ أو عَمَلِ المتلقِّبِ به، ولا تزكيةَ فيه، بل هو إشارَةٌ إلى النسَّبِ لا غَيْر.

(1)

التفريق بين السيد والشريف

علَّق عليه عبدالحميد الشرواني (ت 1301 هـ) رحمه الله في حاشيته على قول الهيتمي بأن الشريف لقب ذرية الحسن والحسين، قال:(لعلَّ هذا باعتبارِ زَمَنِهِ، وإلا فعُرْفُ الحِجَازِ وحَوَالَيه في زَمَنِنَا أنَّ الشريف الأول فقط، وأنَّ الثاني هو السيد).

(2)

فدلَّ هذا على أنَّ مَنْ كان من ذُرِّية الحسَن يقال له: الشريف.

ومن كان من ذرية الحسين، يقال له: السيد.

(1)

انظر بحثاً بعنوان: «مشروعية التلقُّبُ بالشريف» د. حاتم العوني الشريف. طبع ضمن كتابه: «إضاءات بحثية في علوم السنة النبوية وبعض المسائل الشرعية» (ص 583). وقد ردَّ على منع ذلك، وبيَّن فوائده.

قلتُ: ومسألة اللقب هذا على الجواز فحَسْب، لا على المشروعية.

(2)

«تحفة المحتاج في شرح المنهاج ـ للهيتمي ـ ومعه حواشي الشرواني والعبادي»

(7/ 54).

ص: 217

وذكر يوسف النهباني (ت 1350 هـ) رحمه الله أن لقب الشريف والسيد يُطلقان على ذرية السبطين، في جميع بلدان المسلمين، قال: إلا في الحجاز، فإنهم اصطلحوا فيه على اطلاق الشريف على من كان حسَنياً، والسيِّد على من كان حُسينياً؛ للفرق بينهما).

(1)

وقد ذكر الشريف: محمد بن منصور بن هاشم آل عبدالله بن سرور: أنه في الحجاز لا يُطلَق لفظ «الشريف» إلا على مَن وَلِيَ إمرَةَ مكة من الحسنيِّين، فيقال: شريف مكة. وأما مَن لم يليها منهم فيُنعَتْ بـ «السيِّد» ، وقد رأيتُ كثيراً من وثائق الأشراف القديمة لا يُنعت فيها أحد بالشريف إلا إذا كان من أمراء مكة ....

وذكر أنَّ أشراف الحجاز جُلَّهم: حَسنيون، وأشراف المدينة: حُسينيون، وأشراف الطائف: جميعهم: نمَويُّونَ نِسبة لأمير مكة في القرن العاشر: أبي نُمي الثاني (ت 992 هـ) وهو ابنُ بركات بنِ محمد من نَسْلِ: موسى الجون بن عبدالله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب.

(2)

(1)

«الشرفُ المؤبَّدُ لآل محمد صلى الله عليه وسلم» ليوسف بن إسماعيل النبهاني (ص 52).

(2)

«قبائل الطائف وأشراف الحجاز» للشريف: محمد بن منصور بن هاشم آل عبدالله بن سرور (ص 39 ـ 40) بتصرف.

ص: 218

هذا، وقد أحسن وأجاد الشيخ: إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير

ـ وفقه الله ـ في هذه المسألة فأفردها برسالة

(1)

، ومنه استفدتُ النقول التالية:

ففي (ص 37) ذكر عن المؤرِّخ أيوب صبري (ت 1290 هـ)

(2)

أنَّ بعض المؤرخين يُفرِّقون بين اللقبين

قال: (وفي هذا مغالطة تاريخية ظهرت في الأزمنة المتأخرة

وذكر تنفيذ ذلك من قِبل من تأمَّرَّ على الحجاز حتى عهد قتادة بن إدريس

وخطَّأَ المؤرِّخُ هذا التفريق.

(3)

وذكر الشيخُ: إبراهيم بن منصور الهاشمي قولَ القاضي: جعفر لبني المكي (ت 1340 هـ) إنكار التفريق، وكذا الدِّهْلَوِي المكي (ت 1355 هـ)، ومحفوظ الترمسي المكي (ت 1338 هـ) قال:(وربما يقال في بعض البلاد للحسني: شريف، وللحسيني سيد، وكأنه اصطلاحٌ لا يشاحَحُ عليه، وإلا فكلٌّ منهما سيِّدٌ وشَرِيفٌ، كما لا يَخفى).

(4)

(1)

«تنبيه الحصيف إلى خطأ التفريق بين السيد والشريف» للشيخ: إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير.

(2)

في كتابه «مرآة جزيرة العرب» (ص 265).

(3)

«تنبيه الحصيف إلى خطأ التفريق بين السيد والشريف» (ص 37).

(4)

«تهيئة الفكر بشرح ألفية السير» (مخطوط ورقة 226) أفاده: إبراهيم بن منصور في

«تنبيه الحصيف» (ص 38).

ص: 219

وأفاد الشيخ: إبراهيم بن منصور: أنه: شاع هذا التفريق عند جماعة من الناس مِن ذاك الزمان إلى يومنا هذا، وقد خرَج مِن نطاق الاصطلاح الذي لا مشاحَّةَ فيه، إلى إنكار إطلاق لقَبِ الشريف علَى ذُرِّية الحسين السِّبْط، والسيد على ذرية الحسن السِّبْط، والعكس.

والتفريقُ خطأٌ، لا مستنَدَ له، وذكرَ الأدلةَ على خطئه، فليُراجَع لمريد الاستزادة.

وقد أورد كلام أهل العلم بالتاريخ والسِّيَر والنَّسَبِ والشواهد الحجَرِيَّة، والصُّكوكِ والحجج أنه لا فرقَ بين لقَبِ السيِّدِ والشريف.

وذكر أنَّ لقب السيد مُقدَّم على لقَب الشريف عند أهل اليمن وشرق وجنوب السعودية، والعراق، وأقاليم في الشام، وأقاليم في مصر، وبلاد العجم.

ولقبَ الشريف مقدم على لقب السيد في: الحجاز، ونجد، والمغرب، وأقاليم في مصر، وأقاليم في الشام، وغيرها.

قال: ولعل هذا العُرْف المناطقي من أسباب التفريق في إطلاق اللقبين.

(1)

(1)

«تنبيه الحصيف» للشيخ: إبراهيم الهاشمي (ص 39).

ص: 220

الخلاصة: لا فرق بين اللقبين، فالعلماء السابقون من قرون متطاولة يطلقون اللفظين على ذرية الاثنين الحسن والحسين دون تفريق، تجد ذلك في كتبهم التراجم وغيرها، وكذلك الصكوك والوصايا المحفوظة لدى الهاشميين.

ولكُلِّ بَلَدٍ اصطلاحٌ وعُرفٌ، ولا مُشَاحَّةَ في الاصطلاح

(1)

، إنما يُنكَرُ عَلى مَن خصَّص لقب الشريف على ذرية الحسن، ومنع إطلاقه على ذرية الحسين، والعكس كذلك.

(2)

(1)

فائدة: قال الشيخ: بكر أبو زيد رحمه الله في «فقه النوازل» (1/ 122 ـ 123): [قال العلماء: «لا مُشَاحَّةَ في الاصطلاح» والمشَاحَّةُ: الضِنَّةُ كما في مادة: شحح. من القاموس وشرحه. وقد ذكر الشارح هذه القاعدة ولم يعزها لأحد، وقال:(ومنه قول بعضهم: لا مشاحة في الاصطلاح).

ولم أقف على من قالها، ولا أول عصر قيلت فيه، وهي من الكَلِم الدارج في كلام أهل العلم وعلى ألسنتهم ....

إلى أن قال:

وقاعدة الباب هنا ليست على عمومها، فلا مشاحة في الاصطلاح ما لم يخالف اللغة والشرع، وإلا فالحجر والمنع.

ولهذا قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في «مدارج السالكين» (3/ 306): (والاصطلاحات لا مشاحة فيها إذا لم تتضمن مفسدة)]. انتهى من «فقه النوازل» .

(2)

«تنبيه الحصيف» للشيخ: إبراهيم الهاشمي (ص 42).

ص: 221

هل لمولى الأشراف أن ينتسب إليهم دون بيان أنه من مواليهم، فيقول: الهاشمي أو الحسني أو الحسيني؟

قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في «المملكة العربية السعودية» : (لا يجوزُ للعُتقَاءِ الانتسابُ إلى مواليهم إلا بذكر الولاء صَراحةً؛ لما ورد من الأحاديث التي فيها الوعيد لمن انتسَب إلى غير أبيه، كما جرى عليه العلماء في تراجم هؤلاء؛ لأن ذلك من الكذب، وتختلط به الأنساب، وتختلُّ به الأحكام الشرعية، ويُتَأكَّدُ المنع عندما ينتسِبُ الشخص إلى النسَبِ الشَّريفِ؛ لما يترتَّبُ عَلى ذلك من أحكَامٍ شَرعِيَّةٍ مخصُوصَةٍ).

(1)

وعليه، يجبُ أن يقول عند الانتساب:

الحسَني مولاهم، أو الحسَيني مولاهم، أو الهاشمي مولاهم، وكذلك في عامة انتسابِ الموالي إلى القبائل.

(1)

اللجنة الدائمة: عضو: بكر أبو زيد. عضو: صالح الفوزان، عضو: عبدالله بن غديان، الرئيس: عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ. «فتاوى اللجنة الدائمة» (10/ 478).

ص: 222

تمييز الأشراف من ذرية السبطين رضي الله عنهما باللباس الأخضر

أراد الخلفة العباسي: المأمون أن يولي الهاشميين ـ كما سبق ذكره ـ، وطلبَ منهم التمييز بلباس أخضر، ويبدو أنها عمامة خضراء

(1)

، ثم مع

(1)

فائدة: يجوز لبس الثوب أو العمامة الخضراء، فهو على الإباحة لا السنية، وقد قال بسنيته: الحنفية. وذكروا أدلة لا تعدو أن تكون فعلاً مجردَاً دالاً على الإباحة فحسب.

أما السُّنِّية فقد وردت في لبس البياض.

جاء في «صحيح البخاري» : باب الثياب الخضر، وذكر حديث عائشة وفيها لباسُ امرأةِ ـ وكان أخضراً ـ.

قال ابن بطال في «شرح صحيح البخارى» (9/ 102): (الثيابُ الخُضْرُ مِن لِبَاسِ أهلِ الجنَّةِ، قال تعالى:

{عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} (الإنسان 21)، كفى بهذا شرفاً للخُضْرَةِ، وتَرغِيْبَاً فِيهَا).

ومن الأدلة:

حديث أبي رمثية رضي الله عنه قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بُردان أخضران.

أخرجه: أبو داوود، رقم (4206)، والترمذي، رقم (2812) وقال: حسن غريب، والنسائي، رقم (1572)، وعبدالله بن أحمد في «زوائده على المسند» (11/ 682) رقم (7111)، وابن حبان في «صحيحه» (13/ 337) رقم (5995)، والطبراني في

«المعجم الكبير» (22/ 279) رقم (714)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 664) رقم (4203)، وغيرهم. وانظر:«أنيس الساري في تخريج أحاديث فتح الباري» للبصارة (1/ 128) رقم (83). =

ص: 223

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال الشوكاني عن حديث أبي رِمثَة: (ويدلُّ على استحباب لُبْس الأخضر، لأنه لباس أهل الجنة، وهو أيضاً مِن أنفع الألوان للأبصار ومن أجملها في أعين الناظرين).

والصواب: الإباحة لا الاستحباب.

وحديث يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطبعاً بِبُرْد. زاد أبو داوود: أخضَرَ، وعند أحمد: بُرد نجراني، ورواية أخرى له: بُرد حضرمي.

أخرجه: أبو داوود، رقم (1883)، والترمذي، رقم (859)، وابن ماجه، رقم

(2954)، وأحمد في «مسنده» (29/ 474) رقم (17955) و (17956).

وانظر: المسند المصنف المعلل» (25/ 545) رقم (11570)

والمقصود بالأخضر هنا، هو المخطط بالأخضر لا الأخضر البحت، قال ابن القيم:

(والبرد الأخضر: هو الذي فيه خطوط خُضْر، وهو كالحلة الحمراء سواء، فمَن فَهِمَ مِن الحلة الحمراء الأحمر البحْت، فينبغي أن يقول: إن البرد الأخضر كان أخضر بحتاً، وهذا لا يقولُه أحدٌ).

وحديث أنس رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يحبُّ الخضرة. أو قال: كان أحبَّ الألوانِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الخضرة.

أخرجه: البزار في «البحر الزخار» (13/ 458) رقم (7234) ـ وهذا لفظه ـ، والطبراني في «الأوسط» (6/ 39) رقم (5731)، و (8/ 81) رقم (8027).

وحسَّنَه الألباني في «الصحيحة» (5/ 86) رقم (2054).

والثابت عن أنس رضي الله عنه في «صحيح البخاري» رقم (5813)، و «صحيح مسلم» رقم (2079) قوله: كان أحبَّ الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبسها الحِبَرَةَ.

قال النووي: الحبرة: بُرْدٌ مخطَّطٌ مِن قُطْنٍ أو كَتَّانٍ، ويكونُ أحمرَ غالبَاً. =

ص: 224

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أما استحباب لبس البياض، فقد ورد من حديث: ابن عباس، وسمرة بن جندب، وأنس بن مالك، وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم.

حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البَسُوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفِّنُوا فيها موتاكم» .

أخرجه: أبو داوود، رقم (3878)، والترمذي، رقم (994)، والنسائي، رقم (1896)، وأحمد في «مسنده» (4/ 94) رقم (2219)، و (5/ 398) رقم (3426)، وابن حبان في «صحيحه» (12/ 242) رقم (5423)، والطبراني في «المعجم الكبير» (12/ 65) رقم (12488) و (12489) و (12492)

قال الترمذي: (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح، وهو الذي يستحبُّه أهلُ العلم .... وفي الباب عن سَمُرةَ، وابنِ عمر، وعائشة).

انظر في الحديث وشواهدِه: «البدر المنير» (4/ 671)، «المسند المصنف المعلل» (12/ 9) رقم (5670)، و (9/ 467) رقم (4613)، «نزهة الألباب في قول الترمذي: وفي الباب» لحسن الوائلي الصنعاني (6/ 3390)، «أنيس الساري في تخريج أحاديث فتح الباري» للبصارة (1/ 809 ـ 814) رقم (546).

قال النووي: (يجوز لبس الثوب الأبيض، والأحمر، والأصفر، والأخضر، والمخطَّطِ، وغيرِهَا من ألوان الثياب، ولا خِلَافَ في هذا، ولا كَرَاهَةَ في شئ منه. قال الشافعي والأصحاب: وأفضلُها البِيْضُ .... وذكر الحديث).

وذكر الشيخ ابن باز جواز لبس الألوان للرجال: الأحمر، والأسود، والأخضر، والأزرق، قال: وأفضلها الأبيض، لكن لا يكون في شئ منها تشبه بالنساء، فيلبسها على وجه لا تشبه فيه بالنساء. =

ص: 225

مرور الزمن، تركها الأشراف، ثم أعادها السلطانُ الأشرف، في أواخر القرن الثامن، واختصرها إلى قطعة خضراء تكون فوق العمامة، ثم تركها الأشراف في عامة البلدان في القرون المتأخرة.

قال ابن حجر الهيتمي المكي (ت 974 هـ) رحمه الله: (يَنْبَغِي لكل أحد أَن يكون لَهُ غَيرَة على هَذَا النَّسَب الشريف وَضَبطِه، حَتَّى لَا ينتسب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أحدٌ إلَّا بِحَقٍّ.

وَلم تَزَل أَنْسَابُ أهلِ البَيتِ النَّبَوِيِّ مَضبُوطَةً على تطاول الأيام، وأحسَابُهُم التي بهَا يتميَّزُون مَحْفُوظَةٌ عَن أَن يدَّعِيها الجُهَّال واللئام؛ قَد ألهَمَ الله مَن يقومُ بتَصحِيحِها فِي كل زمَان، ومَن يعتني بِحِفظِ تفاصيلها في كُلِّ أَوَانٍ؛ خُصُوصَاً أَنسَابُ الطالبِيِّين والمطَّلِبِيِّين، ومِن ثَمَّ وَقعَ الِاصطِلَاحُ على اختِصَاص الذُّرِّيَّة الطاهرةِ ببني فَاطِمَةَ مِن بَين ذَوي الشَّرفِ كالعباسيين،

= انظر في المسألة: «المجموع» للنووي (4/ 452 ـ 453)، «زاد المعاد» (1/ 145)،

«كشاف القناع» للبهوتي ـ ط. العدل ـ (2/ 181)، «مجمع الأنهر» لداماد أفندي الحنفي (2/ 532)، «حاشية ابن عابدين» (6/ 351)، «نيل الأوطار» ـ ط. ابن الجوزي ـ

(3/ 396)، حديث (565)، «الإفهام في شرح عمدة الأحكام لابن باز» ـ استخرجه واعتنى به د. سعيد بن وهف القحطاني (ص 781)، «أحكام اللون في الفقه الإسلامي» د. وليد قاري (ص 184 ـ 185)، «لباس الرجل أحكامه وضوابطه» د. ناصر الغامدي

(1/ 206 ـ 209). فائدة: للشيخ: د. بدر العواد بحث بعنوان: «الألوان استعمالاتها ودلالاتها عند أهل البدع» ط. ضمن كتابه «التحقيقات العقدية حول الشيعة والصوفية» .

ص: 226

والجعافرة، بِلِبْسِ الأَخْضَر؛ إِظهَارَاً لمزيدِ شَرَفِهِمْ. قيل: وَسَبَبُهُ أَنَّ المأمونَ أَرَادَ أَن يَجعَل الخلافَةَ فيهم، أَي: ويدُلُّ عَلَيهِ مَا يَأْتِي في تَرجمة عليِّ الجَواد، مِن أنَّه عهِدَ إليه بالخلافة، فاتَّخَذَ لهم شِعَارَاً أخضَرَ، وألبَسَهُمْ ثِيابَاً خُضْرَاً؛ لِكونِ السوادِ شِعَارَ العبَّاسِيين، والبياضِ [شعارَ سائرِ المسلمِينَ في جُمَعِهِمْ، ونحوِهَا؛ والأحمرِ مُختلَفٌ في تَحرِيمِهِ، والأصفرِ]

(1)

شِعَارَ سَائِرِ اليهود في آخر

الأمر.

(2)

ثمَّ انثنَى عزْمُهُ عَن ذلك، ورَدَّ الخِلافةَ لِبَنِي العبَّاسِ، فبَقِيَ ذلكَ شِعَارَ الأشرافِ العَلَوِيِّينَ مِن بَنِي الزهرَاء؛ لِكَنَّهُم اختَصَرُوا الثيابَ إلى قِطعَةِ ثَوبِ خَضَرَاءَ، تُوضَعُ عَلى عَمائِمِهِمْ؛ شِعَاراً لهم.

ثمَّ انقطعَ ذلك إلى أواخر القرن الثامن، ثمَّ في سنة ثلاث وسبعين وسبعمئة أمَرَ السلطانُ الأشرفُ شعبان بنُ حسين بن الناصر محمد بن قلاوون أنْ يمتَازُوا عَلى الناسِ بعصَائِبَ خُضْرٍ عَلَى العمائم، ففَعَلَ ذِلكَ بِأكثرِ البلادِ كمِصْرَ، والشامِ، وغيرِهما .... ). انتهى

(3)

(1)

مابين المعكوفتين ساقط من المطبوعة ـ ط. الرسالة ـ، وهو في الطبعة القديمة الوهبية عام 1292 هـ (ص 163)، وكذلك في «حاشية البُجيرمي» فقد نقل النص من «الصواعق» .

(2)

كذا ذكر أغلب أهل العلم، وجاء في «الأجوبة المرضية» للسخاوي (2/ 796): والأصفر وردَ أن الملائكة عليهم السلام خرجوا يوم بدرٍ بعمائم صُفْرٍ.

(3)

«الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة» (2/ 537).

ص: 227

ذكر ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) رحمه الله في حوادث سنة

(773 هـ): (وفيها أمر السلطانُ الأشرافَ أن يمتازوا عن الناس بعصائب خُضْرٍ على العمائم

(1)

، ففُعِلَ ذلك في مصر، والشام، وغيرهما.

وفي ذلك يقول أبو عبد الله بن جابر الأندلسي الأعمى نزيل حلب:

جعلوا لأبناءِ الرسولِ علامةً

إنَّ العلامةَ شأنُ مَن لم يشهر

نورُ النبوةِ في كريمِ وجُوهِهم

يُغنِي الشريفَ عن الطِرازِ الأخضر

قال في ذلك جماعة من الشعراء ما يطول ذكره، ومن أحسنها قولُ الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم بن بركة الدمشقي المزين، وأنشدني إياه إجازة:

أطرافُ تِيجان أتَتْ من سُنْدُسٍ

خُضْرٍ بأعلامٍ على الأشراف

والأشرفُ السلطانُ خصَّصَهمْ بها

شَرَفاً لِيفَرقَهُم مِن الأطراف)

(2)

(1)

فائدة: ما يتعلق بلون العمامة، ولبس العمامة السوداء، انظر:«دفع الملامة في استخراج أحكام العمامة» ، ليوسف ابن عبدالهادي المعروف بابن المبرد (ت 909 هـ)(ص 98)،

و «شدُّ العزائم في اتخاذ العمائم» لمرعي بن أحمد با نُقيطة الحَلْكِي (ص 129) وما بعدها.

(2)

«إنباء الغمر بأبناء العمر» لابن حجر العسقلاني (1/ 10 ـ 11). ونقله عنه تلميذه: السخاوي في «الأجوبة المرضية» (2/ 425)، مقرراً أنَّ ابتداء التمييز بالعلامة الخضراء في سنة ثلاث وسبعين وسبعمئة، ثم نقلَ كلام ابن حجر.

ص: 228

قال المقريزي (ت 845 هـ) رحمه الله: (وفي هذا الشهر ـ أي شهر شعبان ـ ألزم الأشرافَ بأن يتميَّزُوا بعلامةٍ خضرَاءَ في عمائمِ الرجال، وأُزُر النساء

(1)

، فعملوا ذلك واستمروا .... ثم ذكر بعض النظم في هذا.

(2)

وذكر ابن تغري بردي (ت 874 هـ) رحمه الله أن رسم السلطان أن تكون العلامة الخضراء فوق العمامة تكون بارزةً للخاصة والعامة، نظراً في حقهم وتعظيماً لقدرتهم، ليقابَلوا بالتعظيم ويمتازوا من غيرهم ....

وذكر ابن تغري الأبيات التي قيلت، ثم قال: وهذا مما يدلُّ على حُسْنِ اعتقادِ الملكِ الأشرَفِ هذا رحمه الله، بآل بيت النبوة، وتعظيمِه لهم).

(3)

وقال ابن تغري بردي ـ أيضاً ـ: (وفى سنة ثلاث وسبعين المذكورة، رسَمَ السلطانُ الملكُ الأشرَفَ أنَّ الأشرافَ بالديار المصرية، والبلاد الشامية، كلَّهم يَسِمُونَ عَمائِمَهُم بِعَلامَةٍ خَضْرَاءَ بارِزَةٍ لِلخاصَّةِ والعَامَّة؛ إجلالاً لحقِّهم، وتَعظيماً لِقَدْرِهِم؛ لِيُقَابَلُوا بِالقَبُولِ والإقبَالِ، ويمتازُوا عَنْ

(1)

لم أجد ذِكْرَ علامةِ النساء هذه إلا عند المقريزي في «السلوك» ، وهو أمرٌ أستغربه وأستبعده ـ والله أعلم ـ، وقد أشار إلى التمييز ابن إياس كما سيأتي (ص 236) ولعله من المقريزي.

(2)

«السلوك لمعرفة دول الملوك» ، للمقريزي (ت 845 هـ)(3/ 1/ 199) في حوادث سنة 773 هـ.

(3)

«المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي» لابن تغري بردي (6/ 238 ـ 239).

ص: 229

غَيرِهِم مِنَ المسلِمِين.

(1)

فَوقَعَ ذَلكَ، ولَبِسَ الأشرافُ العلائمَ الخُضْرَ، التي هِيَ الآنَ مُستَمِرَّةٌ عَلَى رُؤوسِهِم .... وذكر بعض المقطوعات الشعرية في هذا، ثم قال:

قلتُ: وبِهَذهِ الفَعْلَةِ يَدُلُّ عَلى حُسْنِ اعتِقَادِ الملِكِ الأشْرَفِ المذكور في آلِ بَيتِ النُّبُوَّةِ، وتَعظِيمِهِ لهم؛ ولقَدْ أحدَثَ شَيئاً كانَ الدَّهْرُ محتَاجَاً إليهِ، ولَا ألهَمَ اللهُ تعالى الملوكَ ذلكَ مِن قَبْلِهِ

(2)

؛ ولله دَرُّ القَائِلِ: «كمْ تَرَكَ الأوَّلُ لِلآخِرِ» ؟ ! ). انتهى

(3)

قال السخاوي (ت 902 هـ) رحمه الله: (والأشرفُ هو: شعبان بن حسين بن الناصر محمد قلاوون.

ويُقال في سبب كونها خضراء: أنَّ المأمون أرادَ أن يجعلَ الخلافةَ في بني

(1)

هذا هو الصحيح في السبب الداعي لأمر الملك شعبان، أما ما ذكرَهُ المؤرِّخ التونسي: ابنُ الخوجه (ت 1363 هـ) أن الآمر هو يَلبغا، والقصد من ذلك استمالة الأشراف والعامة لِلمَلِكِ، نظراً للاضطرابات السياسية؛ فليس صحيحاً ـ كما سيأتي بيانه في نهاية هذه المسألة ـ.

(2)

الأمر أهون بكثير مما وصَف، ولا يُعَدُّ مِن المفاخر، فَلَيْسَ مِن هَدْيِ المسلمين تميز طائفة عن غيرهم بلباس، ولو كان خيراً لفعله أصحاب القرون المفضَّلَة.

(3)

«النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة» (11/ 56 ـ 57).

ص: 230

فاطمة، فاتَّخذَ

(1)

لهم شعارَاً أخضَرَا، وألبَسَهُمْ ثِيَابَاً خُضْرَاً،

(2)

ثم انْثَنَى عَزْمُهُ عن ذلك؛ ورَدَّ الخلافةَ إلى بني العباس فبقي ذلك شعارَاً للأشراف العلويين، فاختصروا

(3)

الثيابَ إلى قِطعةٍ من ثوبٍ أخضَر يُوضَعُ على عمائهم شعارَاً للعَلويين، والآن استَمرَّ ذلك في بلاد مصر والشام، وقد كانت ذرية العباس يتميزون بالشطفة

(4)

السوداء على ما أخبرني به مَن شاهده، ثم بَطَلْ).

(5)

قال السيوطي (ت 911 هـ) رحمه الله ضمن مسائل رسالته «العجالة الزرنبية في السلالة الزينبية» :

الوجه الثامن: هل يلبسون العلامة الخضراء؟

والجواب أن هذه العلامة ليس لها أصل في الشرع، ولا في السُّنَّة، ولا كانَتْ في الزمن القديم، وإنما حدَثَتْ في سَنَةِ ثلاث وسبعين وسبعمئة بأمر الملك الأشرف: شعبان بن حسين.

(1)

تصحف في المطبوع إلى: فاتَّجَه.

(2)

ذكر السخاوي ــ أيضاً ــ في «وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام» (1/ 186) في شهر رمضان، مُيِّزَ الأشراف بعلائم خُضْرٍ في عمائمهم؛ تشريفاً لهم، لِيُنْزِلَهُم الناسُ منازِلَهم، وقال الشعراء في ذلك.

(3)

تصحف في المطبوع إلى: فاختضروا.

(4)

تصحف في المطبوع إلى «الشظفة» .

(5)

«الأجوبة المرضية» (2/ 425 ـ 426) وذكرَها في مواضع أخرى، كما في النقل عنه في لقب الأشراف.

ص: 231

وقال في ذلك جماعة من الشعراء ما يطول ذكره، .... ثم أورد قولَ ابنِ جابر الأندلسي، والأديبِ محمدِ بنِ إبراهيم الدمشقي

ثم قال السيوطيُّ رحمه الله:

وحَظُّ الفَقيه في ذلك إذا سُئِلَ أنْ يقول: لُبْسُ هذه العَلامَةُ بِدْعَةٌ مُباحَةٌ، لا يُمْنَعُ منها مَن أرادَها مِن شَرِيفٍ وَغَيْرِهِ، ولا يُؤمَرُ بِها مَنْ تَركَهَا مِن شَرِيفٍ وَغَيْرِهِ.

والمنْعُ مِنْهَا لأَحَدٍ مِن النَّاس كَائناً مَنْ كانَ، ليسَ أمرَاً شَرعِيَّاً؛ لأنَّ الناسَ مَضْبُوطُونَ بأَنْسَابِهِمْ الثَّابِتَةِ، ولَيْسَ لُبْسُ العَلامَةِ مما وَرَدَ بِهِ شَرْعٌ، فَيُتَّبَعَ إباحَةً ومَنْعَاً.

أقصى ما في الباب أنَّه أُحدِثَ التَّمْيِيزُ بها لهؤلاءِ عَن غَيرِهِمْ، فمِن الجَائِزِ أنْ يُخَصَّ ذلكَ بِخُصُوصِ الأبناء المنتَسِبِينَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهُم: ذُرِّيةُ الحسَنِ والحُسَين، ومِنَ الجائزِ أنْ يُعَمَّمَ في كُلِّ ذُرِّيَّتِه وإنْ لم ينْتَسِبُوا إليه كالزَّيْنَبِيَّةِ، ومِنَ الجائزِ أنْ يُعَمَّمَ فِي كُلِّ أهْلِ البَيْتِ كبَاقِي العَلَوِيَّةِ، والجَعْفَرِيَّة، والعَقِيلِيَّةِ، كلٌّ جَائِزٌ شَرعَاً.

وقد يُستَأَنَسُ فيها بقوله تعالى: {

يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} (سورة الأحزاب، آية 59)؛ فقد استدَلَّ بِها بعضُ العُلَماء على تخصيص أهلِ العِلْمِ بِلِبَاسٍ

ص: 232

يختصُّونَ بِهِ مِن تَطْوِيْلِ الأكمَامِ، وإدَارَةِ الطَّيْلُسَان، ونحو ذلك

(1)

؛ ليُعرَفُوا، فيُجَلُّوا؛ تَكرِيماً لِلْعِلْمِ، وهذا وَجْهٌ حَسَنٌ

(2)

،

(1)

قال ابن السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 24) في ترجمة: كمال الدين، أبي العباس أحمد بن عيسى بن رضوان بن القليوبي (ت 691 هـ تقريباً): (ولابن القليوبي شرحٌ على «التنبيه» مبسوطٌ، وفيه يقول فيما رأيتُه منقولاً عنه: إنه استنبطَ من قوله تعالى

{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} (الأحزاب: 9) أنَّ ما يفعلُه علماءُ هذا الزَّمان في ملابِسهم مِن سَعَةِ الأكمامِ، وكِبَر العِمَّةِ، ولُبْسُ الطَيَالُس، حَسَنٌ، وإنْ لم يفعَلْهُ السَّلَفُ؛ لأنه فيهِ تمييزٌ لهم، يُعرَفُونَ بِهِ، ويُلْتَفَتُ إلى فتَاوِيهمْ وأقوالهم).

ونقل عن السبكي ـ مع تعقُّبٍ ـ: الخفاجيُّ في «ريحانة الألباء وزهرة الحياة الدنيا»

(2/ 297)، وعن الخفاجيِّ: صديقُ حسَن خان في «التاج المكلل» (ص 281).

(2)

لا وجه للاستدلال بهذه الآية؛ لأنها في مشروعية الحجاب للنساء أجمعين، فإذا احتجبت المرأة، درأتْ عنها الفسَّاق، وليس فيه الحجاب لأجل معرفة أمهات المؤمنين، فيُقَدَّرن.

وليس مشروعاً تخصيص أهل العلم بلباس، فالنبي صلى الله عليه وسلم قدوتُنا ومع ذلك لا يتميز عن الصحابة في لباسه، ولا في مجلسِه، فيدخل الداخلُ الغريب، ويَسأل: أيكم محمد صلى الله عليه وسلم؟

ولو كان التمييزُ لأهل العلم حسَناً، لفعلَ ذلك الصحابةُ والتابعون لهم بإحسان، وكذا الأئمة المتبوعون، بل إن تمييز أهل العلم، ليُقدَّرُون، سبيلٌ مُبَاشر للعُجْبِ، والفَخْرِ، والادِّعاء، ومَدخَلٌ من مَداخل الشيطان، وتمييزٌ سئٌ عن المسلمين ـ والله أعلم ـ.

ثم رأيتُ كلاماً رائعاً لابن الحاج المالكي (ت 737 هـ) رحمه الله في «المدخل» (1/ 130 ـ =

ص: 233

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 137) أنكر فيه طولَ الأكمام، والمبالغة في الاتساع، والخروج عن لبس الناس .... إلخ

وقال رحمه الله: (لم يُنقَلْ عن أحَدٍ ممن مَضَى أنَّه كان لِعُلَمائهم لباسٌ يُعرَفُونَ به، غيرَ لباسِ الناسِ جميعاً، لا مَزِيَّةَ لهم على غيرهم في الثوب، ولا في التفصيل؛ بَلْ لِباسُ بَعضِهم كانَ أقلَّ مِن لباسِ الناسِ؛ لِتَواضُعِهِمْ، ووَرَعِهِمْ، وَزُهْدِهِمْ، ولمعرِفَةِ الحقِّ، وَالرجوعِ إليه، ولِفَضِيلَةِ ذلك عند الشرع.

والعَالِمُ أولَى مَن يُبادِرُ إلى الأفضَلِ والأرجَحِ والأزكَى في الشرع، نَعَم إن عمر رضي الله عنه قال: أستحبُ للقارئ أن يكونَ ثوبُه أبيضَ. يعني: يفعلُ ذلك توقِيرَاً لِلْعلِمِ، فلا يلبَسْ ثوباً وِسخَاً ولا قذَراً، بل نَظِيفَاً من الأوساخ، ولم يقُلْ أحَدٌ أنه يخالِفُ لِباسِ الناسِ بِسَبَبِ عِلْمِهِ.

وما وردَ عنه عليه الصلاة والسلام مِن التأكيدِ في لُبْسِ الحسَنِ مِن الثيابِ، إلا في الجُمَعِ والأعيادِ، ولم يَرِدْ عنْهُ في ذلك مخالفةُ لِباسِ النَّاسِ لِفَقِيهِ، ولا لِغَيْرِهِ.

ومجالِسُ العِلْمِ اللُّبْسُ لها أخفضُ رُتبَةً مِن الجُمَعِ والأعياد، وقَد جُعِلَتْ اليومَ هذه الثياب للفَقِيهِ كأنَّها فَرضٌ عَلَيه، وأنه لا بُدَّ للطالب منها، ولا يُمْكِنُ أنْ يقعُدَ في الدَّرْسِ إلا بها، فإنْ قعَدَ بغيرِهَا، قِيل عنه: مَهِين يتهَاون بمَنْصِبِ العِلْمِ، لا يُعطِي العِلْمَ حقَّهُ، لا يَقُومُ بِما يجِبُ لَهُ! !

فانعَكسَ الأمرُ، ودُثِرَتْ السُّنَّةُ، ونُسِيَ فِعْلُ السَّلَفِ؛ بِفَتوى مَن غَفَلَ أوْ وَهِمَ، واتِّباعِهَا وشَدِّ اليَدِ عَليها؛ لِكَونِها جاءَتْ فِيها حُظُوظُ النفْسِ ومَلْذُوذَاتُها، وهي: التَّمْيِيزُ عن الأصحَابِ والأقرَانِ؛ لأن مَن لَبِسَ ذلك الثوب عندَهُم، قيل: هُو فَقِيهٌ، فيتَمَيِّزُ إذْ ذَلِكَ عَن العَوامِّ، وهذِهِ دَرَجَةٌ لا تحصُلُ له لَوْ لم يَكُنْ ذلكَ إلا بَعدَ مُدَّةٍ طوِيلَةٍ، حتى تحصلَ لهُ درَجةُ فَضِيلَةٍ تنْقُلُهُ عَن درجَةِ العوَامِّ، فبِنَفْسِ اللبس لِتلكَ الثياب؛ انتقلَتْ درَجَتُهُ عنهم، =

ص: 234

والله أعلم).

(1)

علَّق الصبَّان (ت 1206 هـ) رحمه الله على كلام السيوطي، بأنه يستحب لبسها للأشراف، وينبغي اعتماده، وتُكرَه لغيرهم؛ لأن فيه انتساباً بلسان الحال إلى غير من ينسب إليه الشخص في نفس الأمر، وانتساب الشخص إلى غير من يُنسب إليه في نفس الأمر؛ منهي عنه، محذَّرٌ منه.

ولم يُكتفَ في هذه الأعصار بتلك العلامة، بل جُعِلَت العمامة كلُّهَا خضراء، وحُكمُها حكم تلك العلامة).

(2)

قال القسطلاني (ت 923 هـ) رحمه الله: (فهذه الذُّرِّيَّة الطاهِرة، قد خُصُّوا بمزايا التشريف، وعُمُّوا بواسطة السيدة فاطمة بفضْلِ مُنِيف،

= ورَجَعَ مَلْحُوقَاً بالفُقَهَاءِ، فإنَّا للَّهِ وإنَّا إليه راجعون. رَجَعَ الفِقْهُ بِالزِّيِّ دُونَ الدَّرْسِ وَالفَهْمِ ...... إلخ كلامه الجميل، فراجعه.

وانظر: «التاج المكلل» لصديق خان (ص 281 ـ 282) في ترجمة الشهاب الخفاجي.

ثم رأيتُ بحثاً محرراً للشيخ د. مساعد الحقيل بعنوان: «تميز الفقيه بلباسه ـ دراسة تأصيلية ـ» نُشر في مجلة الدراسات الإسلامية، جامعة الملك سعود، (1439 هـ) مجلد (30) عدد (2)(ص 17 ـ 39)، وسيُطبع قريباً في دار التحبير في الرياض.

(1)

«العجالة الزرنبية في السلالة الزينبية» = وهي في «الحاوي للفتاوي» (2/ 40)، ونقله عنه: الجَمَل في «حاشيته على شرح المنهج» (4/ 59).

وذكرها السيوطي ـ أيضاً ـ في «حسن المحاضرة» للسيوطي (2/ 303).

(2)

نقله عنه يوسف النبهاني في «الشرف المؤبد» (ص 54).

ص: 235

وأُلْبِسُوا رِدَاء الشرفِ، ومُنِحُوا بمزيد الإكرام والتُّحَفِ.

وقَد وقَعَ الاصطلاح على اختِصَاصِهِم مِن بَين ذوي الشَّرَفِ كالعباسيين، والجعافرة، بالشطفةِ الخضراء، لمزيد شَرَفِهِم.

والسبب في ذلك ـ كما قيل ـ أنَّ المأمونَ أرادَ أنْ يجعلَ الخلافة في بني فاطمة، فاتَّخَذَ لهم شِعَارَاً، وألْبَسَهُم ثِياباً خُضْرَاً؛ لِكونِ السوادِ شِعَارَ العبَّاسِيِّين، والبياضِ شِعَارَ سَائِرِ المسلمين في جُمَعِهِمْ ونحوِها، والأحمرِ مُختَلَفٌ في كراهته، والأصفرِ شِعَارُ اليهودِ بِأخَرَة؛ ثم انثَنَى عَزْمُهُ عن ذلك، ورَدَّ الخِلافةَ لبَنِي العباس، فبقي ذلك شِعارُ الأشرافِ العَلَوِيِّينَ مِن الزَّهْرَاءِ، لِكنَّهُمْ اختَصَرُوا الثيابَ إلى قِطعَةٍ مِن ثوبٍ أخضَرَ، تُوضَعُ عَلى عَمائِمِهِم؛ شِعَارَاً لهم. ثم انقطَعَ ذلكَ إلى أوَاخِرِ القرنِ الثامِن.

ثم نقل قول الحافظ ابن حجر في «إنباء الغمر» في أمر الأشرف السلطان: شعبان سنة 773 هـ

وقد سبق نقله.

(1)

قال محمد بن أحمد بن إياس الحنفي المصري (ت 930 هـ تقريباً) رحمه الله في حوادث سنة 773 هـ: (وفي شهر جمادى الأولى، وقعَتْ حادثة غريبة، وهو أنَّ السلطانَ رسَمَ للسادة الأشراف قاطبةً، الرجال والنساء: أن يجعلوا في عمائمهم شطفات خُضْرٍ؛ ليمتازوا بها عن غيرهم، وتعظيماً

(1)

«المواهب اللدنية» (2/ 691).

ص: 236

لقدرهم، ولم يكن قبلَ ذلكَ للسادة الأشرافِ علامةٌ يتميَّزُون بها عن غيرهم، وقد وقع ما أوجَبَ ذلك في تميُّز الأشراف عن غيرهم، فنادَى لهم في القاهرة بذلك، فامتثلوا أمرَه المتدارك.

وقد قالت الشعراء في هذه الواقعة قولاً لم يسلُك فيه سالِكٌ، وقد قالوا في ذلك عِدَّة مقاطيع، تغني عن المواصيل .... ثم ذكر بعضها).

(1)

قال أحمد بن محمد الحموي (ت 1098 هـ) رحمه الله

(2)

: (العمامةُ الخضراءُ كانت في القرون المتأخرة يلبَسُهَا الأشرافُ مِن أبناء الحسن والحسين، وليسَ لها أصلٌ في الكتاب والسُّنَّة، وإنَّما استُحدِثَ لُبْسُهَا سنة

(773 هـ) في عهد سلطان مصر: الأشرف شعبان ابنُ السلطان: حسين بن محمد قلاوون (ت 778 هـ)؛ لئلا يظلمهم أحدٌ، أو يُقصِّر في حقِّهِمْ مَنْ لا يَعرِفُهُم).

(3)

(1)

«بدائع الزهور» لابن إياس (1/ 2/ 107 ـ 108).

(2)

أبو العباس، شهاب الدين الحسيني الحموي الأصل، ثم المصري، الحنفي، كان مدرساً بالمدرسة السليمانية بالقاهرة. وتولى إفتاء الحنفية. وصنف كتباً كثيرة، منها «غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم» ، و «الدر النفيس» وهو في مناقب الشافعي»، وغيرها. انظر:«الأعلام» للزركلي (1/ 239).

(3)

«الدر النفيس» (ص 55)، واستفدتُه من كتاب:«غاية المهتم في مسألة الشرف من جهة الأم ـ دراسة فقهية وتاريخية ووثائقية ـ» لسليمان بن خالد صليعي الحراكي.

ص: 237

يعتَبُ الخفاجي المصري (ت 1069 هـ) رحمه الله على السلاطين الأتراك بتولية غير المعروفين، وترك العلويين، وتعويضهم بعلامة، وشطفة خضراء

وأنَّ العلامةَ شأنُ مَنْ لم يُشْهَر، ونُورُ النبوةِ يُغنِي الشريف عن الطراز الأخضر.

وذكر عدم صحة اهتمام الأتراك بآل البيت

(1)

، وبالنسبة للأخضر لم يفهموا مشاركة حطب الأغصان لهم والنبات، ولم يدروا أنه حجة للنواصب، وعدة لمصائب الدهر والنوائب

(2)

بعض العلماء حرَّموا لبس العمامة الخضراء لغير الفاطميين:

قال الزرقاني المالكي (ت 1099 هـ) رحمه الله: (

فقولُ الشاذلي، ومَنْ وافَقَهُ مِن المالكية: إنَّ لُبْسَ العِمامة الخضْرَاءَ لِغَير الشريف جَائِزٌ، غيرُ صَحيحٍ، وغَرَّهُ فِي ذلك ذِكْرُ السيوطي له، وإنِّما أُدِّبَ ولم يُحَدَّ، مَع أنَّه يَلزمُ عَليه حَملُ غَيرِ أبيهِ عَلى أُمِّهِ، لأنَّ القصدَ بانتَسَابِهِ لَهُ شَرَفُهُ، لا الحملُ المذكور، ولأنَّ لازمَ المَذهَبِ لَيسَ بِمَذْهَبٍ).

(3)

(1)

وقد خُولِف في هذا، كما في كلام ابن الخوجة ـ الآتي ـ، وقد أحال إلى بعض المراسيم في

«صبح الأعشى» للقلقشندي ـ فالله أعلم بحقيقة الحال ـ.

(2)

«ريحانة الألباء وزهرة الحياة الدنيا» (2/ 296).

(3)

«شرح الزرقاني على مختصر خليل» (8/ 125).

ص: 238

وذكر محمد بن عبدالله الخرشي المالكي (ت 1101 هـ) رحمه الله أنَّ مَنْ لبِسَ العمامةَ الخضراء في زمننا، يُؤدَّب؛ لعموم قولِ مالك: مَن ادَّعَى الشرفَ كاذِبَاً، ضُرِبَ ضَرْبَاً وَجِيْعَاً، ثم شُهِّرَ وَيُحْبَسُ مُدَةً طَويلَةً حتى تظهرَ لنَا تَوْبتُهُ؛ لأن ذلك استخفافٌ بِحَقِّهِ صلى الله عليه وسلم. ومَع ذلك كانَ يُعظِّمُ مَن طُعِنَ في نَسَبِهِ، ويقُولُ: لعلَّهُ شَريفٌ فِي نَفْسِ الأمر.

وإنِّما أُدِّبَ ولم يُحَدَّ مَع أنهُ يَلْزَمُهُ عَليهِ حَمْلُ غَيرِ أَبيهِ عَلى أُمِّهِ؛ لأنَّ القصدَ بانتِسَابِهِ لَهُ شَرَفُهُ، لا الحملَ المذكور؛ ولأنَّ لازمَ المذهَبِ لَيسَ بِمَذهَبٍ).

(1)

قال سليمان بن محمد البُجَيرَمي الشافعي (ت 1221 هـ) رحمه الله:

(

ومنه يُعلَمُ تحريمُ لُبْسِ العمامة الخضراء لِغَير الشريف، فقد جُعِلَتْ العمامةُ الخضراءُ لِأولاد فاطمةَ الزهراء؛ لِيمتَازُوا، فَلا يَلِيقُ بِغَيْرِهِم مِن بقيةِ آلِه صلى الله عليه وسلم لُبْسُهَا؛ لأنَّه تَزيَّا بِزِيِّهِمْ فَيُوهِمُ انتسَابَهُ لِلْحَسَنِ أو الحُسَين، مع انتفاءِ نَسَبِهِ عنهما، ويُمنَعُ مِن ذلك، فاعْلَمْهُ وتَنَبَّه لَه .... ثم نقل قول الهيتمي في «الصواعق» .

ثم نقل البُجيرَمي (1221 هـ) عن أحد العلماء ـ ولم يُسَمِّه ـ: (ولُبْسُ العلامةِ الخضراءَ ليس له أصلٌ في الشرعِ، ولا في السُّنَّةِ، وإنما حدَثَ ذلك في زمن السلطان الأشرف: شعبان بن السلطان حسن بن محمد بن قلاوون،

(1)

«شرح مختصر خليل» للخرشي (8/ 74).

ص: 239

ولا يُمنَعُ منها مَن أرادَ لُبْسَها مِن غير الأشراف؛ لكنَّ الذي ينبغي: اجتنابُ ذلك؛ لأنَّ فيه تَدليساً؛ لأنه صارَ شِعَارَاً للأشراف، فيُوهِمُ أنه مِنهم).

(1)

قال محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي (ت 1230 هـ) رحمه الله:

(قوله: «كأن يتعمم بعمامة خضراء» فإذا تعمَّمَ بها غَيرُ شَرِيفٍ، فإنَّه يُؤدَّبُ؛ لأن ذلكَ استخفافٌ بحقِّه عليه السلام.

واعلَمْ أنَّ لُبْسَ العِمامةِ الخضراءَ في الأصل لمنْ كانَ شَريفَاً مِن أبيه، وقد قَصَرَها عليه السلطانُ الأشرفُ، وحينئذ فلا يجوزُ لمن هُوَ شَريفٌ مِن أمِّهِ لُبْسُهَا، وأُدِّبَ، إلا أنْ العُرْفَ الآنَ قَدْ جَرى بِلُبْسِهِ لها، وعَمَّتْ البلْوَى بِذلِكَ، فلا أدَبَ عَلَيه، وإنْ كانَ لا يَنبَغِي لَه لُبْسُهَا. كذا قرَّرَ شيخُنَا العَدَوِي).

(2)

هذا، وقد قال الشيخ المجدِّد: محمد بن عبدالوهاب (ت 1206 هـ) رحمه الله في شأن اللباس الأخضر للأشراف:

(وأما لبس الأخضر، فإنها أُحدِثَتِ قديماً تمييزاً لأهل البيت؛ لئلا

ص: 240

يظلمهم أحدٌ، أو يُقصِّرَ في حقِّهم مَن لا يعرفهم.

وقد أوجبَ الله لأهلِ بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلى الناسِ حُقُوقَاً، فلا يجوز لمسلمٍ أن يُسقِطَ حقَّهُمْ، ويَظُنَّ أنه من التوحيد؛ بل هُوَ مِن الغُلُوِّ

).

(1)

قال يوسف النهباني (ت 1350 هـ) رحمه الله معلِّقاً على قول الصبَّان

(ت 1206 هـ) في كراهة لقب الشريف، ولُبْسُ العِمامة الخضراء لِغَير ذرية السِّبْطَين ـ

(2)

:

(وإنما يظهرُ في البلاد التي بقي أهلُها على اصطلاحِ تخصيص العمائم الخضر بالأشراف، كمصر.

أما في غيرها كالقسطنطينية

(3)

فلا؛ فإن العلامة الخضراء فيها لا دلالة لها على الشرف أصلاً، لما أن العلماءَ فيها، والطلبةَ، وغيرَهم من أرباب العمائم لا يخلو أحدهم في الغالب من عمامة خضراء، يستعملها في بعض الأحيان، وقد يكثر استعمالها في فصل الشتاء، لعدم ظهورالوسخ فيها، بل

(1)

«الرسائل الشخصية» ط. ضمن «مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب» (6/ 284)، وهو في «الدرر السنية» (8/ 51).

(2)

سبق نقل كلام الصبان، عند الحديث عن لقب الشريف.

(3)

اسطنبول = تركيا.

ص: 241

تجاوزهم الأمر إلى كثير من أهلِ الحِرَف، وبَاعَةِ الشوارع، فإنهم كثيراً ما يتعمَّمون بالعمائم الخضر، لهذه العِلَّة.

وكذا لفظ السيِّد عندهم ليس خاصاً بالشريف ....

وقال: ومن هنا تَرى أكثرهم لا سيما أشراف الحجاز لا يلبسون العمائم الخضر، لهذه الحكمة، فقد زال التمييز، واختلط الصُّفْر بالإبريز، والأشرافُ مَضْبُوطُونَ بِأحْسَابِهِمْ لَا بِأثَوَابِهِمْ، ولَقَدْ أفْحَشَ في الخَطَأ مَنْ ظَنَّ الشَّرَفَ في الألْوَانِ، أوْ بِقَوْلِ النَّاسِ: يَا سيِّد فُلَان!

فرَحِمَ الله امرءاً عرَفَ حَدَّهُ، فثَبَتَ عنده، وعَلِمَ مَقامَهُ، فلَمْ يتقدَّم أمَامَه، فإنَّ الكَذِبَ مَدَاهُ قَصِيرٌ، والزَّيْفَ لا يخفَى على النَّاقِدِ البَصِيرِ).

(1)

هذا، وللمُؤرِّخ: محمد بن محمد ابن الشيخ القاضي: محمد بن الخوجة التونسي الحنفي (1286 هـ ــ 1363 هـ) رحمه الله

(2)

بَحثٌ بعنوان «العمامة الخضراء» ، استظهر فيه السبب الداعي لهذا التخصيص، ومما أفاده فيه:

أنه اطلَع على كتاب باللغة الفرنسية لرجل عسكري سويسري، كتب فيها رحلتَه إلى «تونس» منتصف القرن 13 هـ، في حدود (1257 هـ)، وذكر

(1)

«الشرف المؤبَّدُ لآل محمد صلى الله عليه وسلم» ليوسف بن إسماعيل النبهاني (ص 54).

(2)

أديب، مؤرِّخ، مستشار في الحكومة التونسية، ترجمته في «تراجم المؤلفين التونسيين» لمحمد محفوظ (2/ 259 ـ 261) رقم (173).

ص: 242

أن مما لفَتَ انتباه الأوربي انتشارَ العمامة الخضراء على كثير من المنتسبين للنسب الزكي.

وتحدَّثَ ابنُ الخوجة عن تاريخها، وأنه ليس لها أصل في الشرع، وليست معروفة في القرون الأولى، وذكرَ أوَّلَ ظهورها في عهد الملك الأشرف: شعبان بن حسين

وذكر أنها كانت في البداية: علامةً خضراءَ تُضاف لعمائم الأشراف، ثم تطوَّرَت واستوعبت كامِلَ العمامة، أي لم تكن في البداية عمامة خضراء.

واستظهر أن الدَّاعي لتمييز الأشراف بشطفة خضراء في عمائمهم

ما اقتضتْهُ الظروفُ السياسية، لأن الملك شعبان تولى السلطنة وعُمْرُه اثنا عشرة سنة، وثمَّةَ هَرْجٌ عظيمٌ بين ولاة الأتراك بجهات المملكة، والمتصرف بالمُلك الأتابكي: يَلْبُغَا، فأراد استمالةَ الأشراف لجانبه، لمَا لَهُمْ من الحَظْوَة والاعتبار في أنظَار عامَّة المسلمين، فيَلْتَفَّ الناسُ بعد ذلك حولَهُ لمناصرته على أعدائه.

(1)

(1)

لا أظنه صحيحاً؛ لأن الأمر بالشطفة الخضراء كان في شهر شعبان أو رمضان سنة

(773 هـ)، ويَلْبُغَا قُتِلَ في (4/ 768 هـ)، وكان الملكُ شعبان وقتَ الأمر بهذه العلامة متولياً الحُكْمَ بنَفْسِهِ مستفرداً بالتدبير، وعمرُه إذْ ذاك (19 سنة)، أي بعد ولايته الملك بـ (9 سنوات)، ووقتُها كان الأمنُ مستتباً، وأحوال الرعية في أحسَنِ حال ـ كما سبق ذلك كلُّه في ترجمتِه ـ.

=

=

ولم يذكُرْ هذا السببَ أحدٌ ممن تكلَّم في هذه المسألة، وهُمْ أدرَى الناسِ بالأمر، كالمقريزي والسخاوي والسيوطي، وغيرِهم، فالراجحُ أنَّ السببَ على ظاهِرِه ـ كما نصَّ عليه المقريزيُّ وغيرُه ـ: أنه حُباً في آل البيت، ورغبةً في تمييزهم لِيُقَدِّرَهم الناسُ ويُعظِّمُونَهم

ـ والله أعلم ـ.

ص: 243

وذكر ابنُ الخوجة اختلاف أنظار الفقهاء في حُكمها من الإباحة إلى الاستحسان، وذكرَ بعض مَن استحسنها كأبي السعود العمادي، ونقل فتواه في ذلك.

واستظهر أن بداية ظهور العمامة الخضراء في الديار التونسية في القرن العاشر الهجري، خاصةً بعد استقرار حُكْمِ التُّرْكِ، وترتيب الدواوين بها في القرن الحادي عشر؛ لأنَّ التركَ كانوا أصحاب عَقِيدةٍ صَمِيمةٍ، وحُبِّ رَسِيخٍ في آلِ البيت، فقد كانوا يُغدِقُون عليهم بالإحسان، والمِنَح، والإقطاعات، وجعلوا لنقيبِ الأشراف حَقَّ الحضُورِ مع أهلِ المجلسِ الشرعي عند اجتماع الفُقَهاءِ للنظرِ في النَّوازِل.

وقد انتشرت في القرن الثاني عشر في البلدان المعروفة بكثرة الأشراف، خاصةً بلدة «صفاقس» فالأشراف فيها إلى هذا الزمن

(1357 هـ) متعلِّقُون بالعمامة الخضراء.

وقد تقاصَرَ وتَراجَعَ أمرُهَا في الديار التونسية، حتَّى أصبَحَتْ نَادِرَةً. بحيثُ أنَّ حامِليها في «تونس» كانوا يُعدَّونَ على الأصابع في بداية القرن

ص: 244

الرابع عشر.

ثم ذكرَ مسألةَ الانتسابِ للأشراف من جِهَةِ الأمِّ. وذكَرَ فتوى أبي السعود العمادي في صِحَّةِ الشرف من جهة الأم.

(1)

جاء فتاوى «مجلة المنار» الصادرة في مصر: (وأما حكم لُبسها ـ أي العمامة ـ لذاتِه، فهو الإباحة، إلا إذا كان لأجل شهرة باطلة، ومنها:

العمامةُ الخضراء لغير الأشراف في البلاد التي تَعُدُّها شِعَارَاً لهم،

أو إيهامُ الناسِ بالصلاحِ، أو الولاية؛ رِياءً أو استدِرَارَاً للمنَافع المادِّيَةِ، أو طَلَبَاً لِلشُّهْرَةِ؛ فيكونُ محظُوْرَاً بِقَدْرِ حَظْرِ هذِهِ المفاسِدِ، وما يَتَرتَّبُ عَليها مِن الباطل، وشَرٌّ مِنْ هذا كُلِّهِ: أنْ تُلْبَسَ بِدعَوى أنَّها مَطلُوبَةٌ شَرْعَاً، وأنَّها مِن سُنَنِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، فإنَّ هذا مِن الكَذِبِ عَلى الله ورَسُولِهِ).

(2)

قلت: والصواب أنه يجوز لبسُها لأيِّ أحد كانَ مِن الأشراف، وغيرِهم ـ كما سبق تقرير ذلك ـ فلا يُكْرَه، فضلاً عن التحريمِ والتأديبِ، وأحكامُ

آل البيت ليست بتلك الضعف والهشاشة؛ لتختلط بسبب لَونِ عِمَامَةٍ.

(1)

«المجلة الزيتونية» في تونس، (مجلد 2/ جزء 7/ شهر صفر/ عام 1357 هـ

(ص 314 ـ 318)، بَحثُ «العمامة الخضراء» .

وانظرفي العمامة الخضراء ـ أيضاً ـ: «إتحاف العقول في أخبار آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم» أ. د. قاسم حسن آل شامان السامرائي ـ ط. دار الكتب العلمية ـ (ص).

(2)

«مجلة المنار» (مجلد 32/ صفحة 268).

ص: 245