المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ من أوائل من دخل في الإسلام - فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - سيرتها، فضائلها، مسندها - رضي الله عنها - - جـ ١

[إبراهيم بن عبد الله المديهش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌حدود الكتاب:

- ‌الدراسات السابقة، والمؤلفات المفردة في فاطمة:

- ‌خطة الكتاب

- ‌تنبيهات:

- ‌ لِمَ الإطالة العلمية في موضوع فاطمة رضي الله عنها

- ‌التمهيد:

- ‌المبحث الأول:المؤلفات في فاطمة رضي الله عنها ــ عرض ونقد

- ‌القسم الأول: الكتب المطبوعة:

- ‌القسم الثاني: المخطوطات في فاطمة رضي الله عنها

- ‌المبحث الثاني:ترجمة فاطمة رضي الله عنها

- ‌سبب إيراد هذه الترجمة مع أن الكتاب كلَّه ترجمة:

- ‌ لم يبقَ شئٌ من آثار النبي صلى الله عليه وسلم الحسية

- ‌ من أوائل من دخل في الإسلام

- ‌ هل تعرَّض الحويرثُ بنُ نُقَيذ لفاطمة وأم كلثوم رضي الله عنهما عند هجرتهما

- ‌ لقَبُ الأشراف

- ‌ لقب: الحسَني أو الحُسَيني الهاشمي، أفضل وأحسن من لقب: الشريف أو السيد

- ‌حَريٌّ أن يُمنَع هذا اللقب «الهاشمي» في بلاد الإسلام إلا لآلِ النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ اللباس:

- ‌ إطلاق لفظ السيد على البشر

- ‌نكاح الفاطميات من غير الفاطميين

- ‌ عِلمُ فاطمة رضي الله عنها

- ‌ الكذب على فاطمة رضي الله عنها

- ‌ علاقتها بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ قصائد في مدح فاطمة رضي الله عنها

- ‌ منظومات لترجمة فاطمة رضي الله عنها

- ‌ من ترجم لفاطمة رضي الله عنها

- ‌المبحث الثالث:عقيدة أهل السنة والجماعة في آل بيت النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم

- ‌من أخبار السلف في تعظيم آل البيت:

- ‌أقوال أئمة الاعتقاد في آل البيت:

- ‌المبحث الرابع:عناية أهل السنة والجماعة بجمع مرويات…آل البيت وفضائلهم

- ‌ الكتب المفردة العامة في آل البيت

- ‌ الكتب المفردة في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الكتب المفردة في بني هاشم

- ‌المبحث الخامس:‌‌فاطمة رضي الله عنها في كتب: الرافضة،…والإسماعيلية، والمستشرقين

- ‌فاطمة رضي الله عنها في كتب: الرافضة

- ‌ فاطمة رضي الله عنها في كتب الإسماعيلية

- ‌ فاطمة رضي الله عنها في كتب المستشرقين

- ‌من كتابات المستشرقين المفردة(1)عن فاطمة رضي الله عنها

- ‌ المدرسة الاستشراقية في كتابات السيرة:

- ‌ انتبه بعضُ المستشرقين إلى الغلو والأساطير المفتعلة من الرافضة

- ‌إنَّ أسعدَ الناس بمحبة وموالاة ومتابعة آل البيت ــ ومنهم فاطمة رضي الله عنها ــ هم أهل السنة والجماعة لا غير

- ‌المبحث السادس:تطبيق منهج النقد الحديثي على مرويات السيرة،…والروايات التاريخية؛ للقبول أو الرد

- ‌ كتب التاريخ العامة ليست من عُمَد أهل السنة والجماعة في معرفة أحكام الشريعة، وفضل الصحابة وأحوالهم

- ‌«مَن وُثِّق في عِلْمٍ وضُعِّف في آخر

- ‌عُلِم مما سبق أنَّ المغازي، والتفسير، والملاحم، تَقِلُّ فيها الأسانيدُ الصحيحةُ المتَّصِلَةُ، فما بالُكَ بما دونها من الآثارِ في سِيَر وقَصَصِ الصحابة، ثم التابعين، ثم مَن بعدَهم التي تَرِدُ في كُتُبِ التاريخ، وكُتُبِ مَنْ حشَاها بالروايات المنكرة

- ‌ ذكر ابن حجر: أن المؤرِّخ لايكتفي بالنقل الشائع، لا سيما إذا ترتب على ذلك مفسدة

- ‌ليس من الصوابِ أن نُقسِّم المسألة إلى: أحاديث نبوية، وروايات تاريخية فقط، فهذا تقسيم قاصِر، بل ينبغي أن تُعرَفَ مَراتِبُ الأحاديث، والمرويات

- ‌ مرويات سيرةِ فاطمة رضي الله عنها تُعتَبَرُ من الأحاديث النبوية

الفصل: ‌ من أوائل من دخل في الإسلام

8.

‌ من أوائل من دخل في الإسلام

.

سبق ذِكرُ قولِ ابنِ الأثير، وابنِ حجر: أنَّ أول الناس إسلاماً:

أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها.

وقد اختلف العلماء بعد ذلك بين أبي بكر وعلي، أيهما أول.

(1)

قال الزرقاني (ت 1122 هـ) رحمه الله: (ولم يُذكر بناتُه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا شَكَّ في تمسُّكِهِنَّ قبل البعثة بهديِه وسيرتِه، وقد روى ابنُ إسحاق عن عائشة: لما أكرمَ الله نبيَّه بالنبوَّةِ، أسلَمَتْ خديجةُ وبناتُه ....

وقال الزرقاني: والحاصلُ أنه لا يحتاجُ للنصِّ على سبقهن للإسلام؛ لأنه معلوم هذا

إلخ.

(2)

وذكر السفَّاريني (ت 1188 هـ) رحمه الله أنه لما أكرمَ الله نَبِيَّه بالنُّبُوَّةِ، آمنَتْ به خديجةُ، وبناتُه، فصَدَّقْنَه، وشَهِدْنَ أنَّ ما جاءَ بِهِ الحقُّ، ودِنَّ بِدِيْنِه.

وقال أيضاً: (وقد عُلِمَ أن السيدةَ زَيْنَب لم تتَّصِف يوماً بغير الإسلام، فإنها لما أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سِنُّهَا عشر سنين

(3)

،

(1)

انظر هذه المسألة في الباب الثالث: مسند فاطمة، حديث رقم (34).

(2)

«شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للقسطلاني» (1/ 460).

(3)

انظر: «الإصابة» لابن حجر (8/ 151).

ص: 139

وأسلَمَتْ حينئذ أمُّهَا خديجة، فلا تتَّصِف بغير الإسلام مع إمعان النظر على التحقيق.

وذكرَ أنَّ عُمرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين وُلِدَتْ زينب ثلاثون سنة، وأنَّ رقية وُلِدَت بعد زينب بثلاث سنين، لِثلاثٍ وثلاثين سنةً من مَولِدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيكونُ عمُرُها عند البعثة سبعَ سنين.

ووُلِدَتْ أم كلثوم بعد ذلك. وقبل مَولد الزهراء ـ رضوان الله عليهن ـ وكان مَولد فاطمة ـ رضوان الله عليها ـ لخمسٍ وثلاثين من مَولِدِهِ، فيكون عُمُرُها عند البعثةِ خمسَ سنين، وقيل: أقلَّ من ذلك.

وإذا كان كذلك، لم يحتج إلى قول مَن قال: إنَّ بنَاتِهِ صلى الله عليه وسلم أسلمنَ، وشَهِدْنَ شهادة الحقِّ، وتابعْنَه على دينِه، وفي عبارة بعضهم: وبايعْنَهُ صلى الله عليه وسلم.

والجواب على ذلك: أن الذي قال ما قال، لم يقُلْ: إنَّ بنَاتِهِ صلى الله عليه وسلم كنَّ على دين غير دينِه صلى الله عليه وسلم ـ ونعوذ بالله ـ، ثم دخَلْنَ في دينِه، وليس هذا معنى كلام مَن حكى المقالة، فإنَّ بناتِه بَضعَةٌ منهُ، مُطهَّراتٌ من الشرك والرجس والنجَس، وهنَّ تابعاتٌ له صلى الله عليه وسلم، ولا سيما في الدِّين.

كيف وقد أُوحِيَ إليه وَهُنَّ دون البلوغ، وقد آمنَتْ أمهُنَّ خديجةُ بِهِ صلى الله عليه وسلم، وصدَّقَتْهُ، وشَهِدَتْ شهادةَ الحقِّ مِن أول يوم البعثةِ، ولهذا

ص: 140

جزم المحقِّقُونَ بأنَّ خديجة أولُ مَن آمَنَ بِه صلى الله عليه وسلم، يعني بالذات، وأما بالتبعيَّة فبناتُه صلى الله عليه وسلم مُقَدَّمٌ إيمانُهُنَّ على سائر الناس، كيف لا، وهُنَّ بضعَتُهُ؟ !

والحاكي للمقالة السالفة إنما حَكى صورةَ مبادَرَتِهِنَّ للشهادةِ والمتابعة من القوَّة إلى الفِعْلِ، كما أنه صلى الله عليه وسلم إنما دعا الناس إلى التوحيد بعد البعثة، ولم يكن صلى الله عليه وسلم على دين قومه قبل البعثة ....

وذكر السفاريني: أنَّ بنَاتِه صلى الله عليه وسلم أيضاً لم يكنَّ يوماً من الدهر على غير دينِه صلى الله عليه وسلم.

(1)

قلت: هل يمكن أن يُقال: بأن أول مَن أسلم خديجة، ثم بنات النبي صلى الله عليه وسلم قبل أبي بكر وعلي؟ فيَكُنَّ أولَ مَن أسلم مطلقاً بعد خديجة رضي الله عنهم؟

وهل يمكن أن يقال ـ أيضاً ـ: أول من أسلم من البنات مطلقاً، كما أن عليَّاً أول من أسلم من الصبيان؟

وإسلامهن تبعاً لوالديهنَّ، لأن زينب ـ أكبر البنات ـ عمرها أول البعثة عشر سنوات، وفاطمة رضي الله عنها ـ أصغرهن ـ كان عمرها أول البعثة خمس

ص: 141

سنوات ـ على القول الراجح ـ، فَلِمَ لا يُذكَرْنَ بأنهن أول مَن أسلم بعد خديجة؟ !

لم أجد من تطرق لهذا غير الزرقاني، ثم السفاريني، وهو قول قوي فيما يظهر لي ــ والله تعالى أعلم ـ.

وقد يقال: بأن البحث فيمن أسلم ممن دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، وأما بناته فهن تبع له خاصة أنهن كلهن ـ أو عدا زينب ـ دون البلوغ.

لكن سياق الحديث عند مَن بحث في المسألة: عَمَّنْ دخل في الإسلام أولاً، لا فرق بين مَن دخل تبعاً كبناته، ومولاه، وعليٍّ ـ على الصحيح

(1)

ـ، ومَن دعاه فاستجاب كأبي بكر، وغيره.

على كُلٍّ، هذه المسألة لا ينبني عليها حُكْم، ولا عَمَل ـ والعلمُ عند الله تعالى ـ.

(1)

قال ابن حجر: (ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح). وقيل: أسلم وهو ابن ثمان سنين، وقيل: تسع، وقيل: عشر، وقيل: أربع/خمس/ست/ثمان عشرة.

انظر: «تهذيب الكمال» (20/ 481)، «سير أعلام النبلاء» ـ الخلفاء الراشدون ـ

(ص 227)، «الإصابة» (4/ 464).

وانظر الباب الثالث: مسند فاطمة، حديث رقم (34).

ص: 142

9.

نشأتها

لمعرفة نشأتها معرفةً كامِلةً، يكفي أنْ تعلَمَ أنها نشأتْ في بيت والدِها رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، هذا يكفي لِيَعلمَ المرءُ عِلماً يقيناً لا شكَّ فيه مبلغ العلم والهدى والعبادة والتربية والسكينة والخيرات المتعددة التي أكرم الله بها بنات النبي صلى الله عليه وسلم سواء قبل زواجهن في «مكة» ، أو بعده في

«المدينة النبوية» .

فإذا أضفتَ إلى ذلك أن أُمَّهُنَّ السيدةَ الكاملةَ العاقلةَ الرزينة المؤمنة:

أمَّ المؤمنين خديجة رضي الله عنها كان هذا خيراً على خير عظيم.

فإذا أضفت إلى ذلك ــ أيضاً ـ أن فاطمة من بين أخواتها كانت ملازمة للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، شَهدَتْ مراحِلَ الدعوة كلَّها، وبعضَ غزواته، وكان بيتُها بعد زواجها مجاوراً لبيتِ النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الوحيدة التي بقيت بعده، عَلِمْتَ أنها امتلأت حِكمةً وإيماناً وعِلماً وتَربية رضي الله عنهن أجمعين ـ.

قال الأديب: عباس العقاد: (لم تفتح عينَيها على غير بوادر ومقدمات الصلوات والتسبيحات والتأله من أبوين كريمين

إذا وُصِفت نشأةُ الزهراء بكلمة واحدة تُغني عن كلمات، فالجِدُّ هي تلك الكلمة الواحدة

ص: 143

نشأتْ في حَنانٍ جادٍّ رَصِين، ونكادُ نقول بَلْ حَنْانٍ صَابِرٍ حَزينٍ

نَشْأَةُ جِدِّ واعتكاف، ونَشْأةُ وقار واكتفاء.

لقد أوشكَتْ الزهراء أنْ تَنْشأَ نشأةَ الطفل الوحيد في دار أبويها، لأنها لم تجد معها غيرَ أُختٍ واحدةٍ ليست من سِنِّها، وغيرَ أخيها من أمها هند بنِ أبي هالة

وأوشَكَتْ عُزْلَةُ الطفلة الوحيدة أن تكبُرَ معها، لأنها لم تكُنْ تسمَعُ عن ذُكرَيات إخوتها الكبار إلا ما يُحزِن ويُشغِل: ماتوا صغاراً، وخلَّفوا في نفوس الأبوين لَوْعَةً كَامِنَةً، وصَبْرَاً مَرِيرَاً .... مع زواج الأختين الكبيرتين

لقد لَقِيَتْ مِن والدِها حَنَانَاً كَبِيراً، والحَنَانُ على الصُّغْرَى مِن الذرِّيةِ بعد فِراقِ الذُّرِّيَةِ كلِّها بالموت أو بالرحلة، حَنَانٌ لَعَمْرُ الحقِّ صابرٌ حَزِيْنٌ.

ولقد نَعِمَتْ الزهراءُ بهذا الحنَانِ مِن قَلْبَيْنِ كَبِيْرَيْنِ: حَنَانٌ أحرَى بِهِ أنْ يُعَلِّمَ الوقَارَ، ولا يُعلِّمَ الخِفَّةَ والمَرَحَ والانْطِلاق).

(1)

ووصفت الأديبة: عائشة بنت الشاطئ نشأتَها بأنها: هجَرَتْ في صِباها ملاعب أترَابها ولِدَاتِها، وأدركَتْ عِظَمَ مسؤوليةِ والدِها صلى الله عليه وسلم بعد أنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمين.

هجَرَتْ ملاعبَ الصِّبا، وانتبذَتْ مِن صَواحِبِهَا مَكَاناً قريباً من أبيها في

(1)

«فاطمة الزهراء» للعقاد (ص 23 ـ 26). بتصرف يسير.

ص: 144

قَلْبِ الميدان.

(1)

قال الأستاذ: عبدالستار الشيخ في وصف طفولتها: (وتَرَعْرَعَتْ الطفلةُ في أحضان النبوة وظِلال الوحيِّ الذي يتنزَّل على أبيها صلى الله عليه وسلم غدوةً وعشيِّاً بآيات القرآن الحكيم، وتفتَّحَ قلبُها وعقلُها على معاني آياته الكريمة مشفوعاً بالهَدْي النبوي الرفيع الذي تعيشه غضَّاً طريِّاً في كلِّ ساعةٍ ومَوقفٍ وحادثَةٍ.

فكانت مَلَكَاتُها ومَدارِكُهَا تَشبُّ وتَنمُو بما يفوق جِسْمَها الضئيل، وسِنَّها الصغيرة؛ وهذا ما يُفسِّر لنا مواقِفَها الباهِرة، وجُرْأَتَها النادرة، ووعيها الوقَّاد، مما يشهدُ به كثيرٌ من أحداث الدعوة في مكة والمدينة، والذي ترجمَتْ به السيدةُ الزهراءُ ثمرات تلك النشأة الفريدة في سِنيِّ طفولتها المبارَكة).

(2)

وقد رأت فاطمة رضي الله عنها الزهد والإقلال من الدنيا في حياة والدها صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وبعدها، قال الأستاذ: عبدالستار الشيخ: (عاشت في كنف أبيها دهراً لم ترَهُ يَتبسَّط من الدنيا، وأموالُ خديجة بين يديه .... وفاطمة وعلي ـ لأنه عاش مع النبي صلى الله عليه وسلم ـ رأيَا الزهدَ والتقشفَ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان يحبُّ الزهدَ لآل بيته، وقد قال: «اللهم اجعلْ رِزْقَ آلِ

(1)

«بنات النبي عليه الصلاة والسلام» لعائشة بنت الشاطئ (ص 141 ـ 142) بتصرف.

(2)

«فاطمة الزهراء» لعبدالستار الشيخ (ص 64).

ص: 145

محمد قوتاً»

(1)

).

(2)

10.

صفتها وشمائلها.

صفتها:

كانت رضي الله عنها تشبه أباها صلى الله عليه وسلم في مشيته وهديه وسمته.

لم تذكر كتبُ السنةِ المشرَّفة، والتاريخ، والتراجم إلا شبهها بأبيها صلى الله عليه وسلم في: مِشيَتِهِ، وهَديِهِ، وسَمْتِهِ، وكَلامِهِ.

وقد تجرأ بعضُ المعاصرين فذكروا شيئاً من صِفتها الخَلقية بما لم يرد له ذكر البتة في كتب المسلمين لا تصريحاً ولا تلميحاً.

وغالب الظن القريب من اليقين أنها أُخذت من كتب الرافضة، أو المستشرقين الذين أخذوا من كتب الرافضة ـ ولا يُعوَّل على ذلك كما لا يخفى ـ.

(3)

(1)

«صحيح البخاري» رقم (6460)، و «صحيح مسلم» رقم (1055).

(2)

«فاطمة الزهراء» لعبدالستار الشيخ (ص 120).

(3)

من ذكر قول الأديب: عباس العقَّاد في كتابه «فاطمة الزهراء والفاطميون» (ص 66): وكانت الزهراء نحيلةً سمراء يمازج لونها شحوب في كثير من الأوقات.

وقال أيضاً في (ص 26): (سكنت هذه النفس جثماناً يضيق بقوتها، وقَلَّما رُزِق الراحة من اجتمعَ له النفس القوية، والجثمان الضعيف؛ فإنها مزيج مُتعِب للنفس والجسم معاً، لا قِوام له بغير راحة واحدة: هي راحة الإيمان، وهذا هو التوفيق الأكبر في نشأة الزهراء، فإنها نشأت في مهد الإيمان، إذْ هو ألزم ما يكون لها بين قوة نفسها ونحول جثمانها).

وقالت الأديبة: عائشة بنت الشاطئ في كتابها: «بنات النبي عليه الصلاة والسلام»

(ص 150): (كانت فاطمةُ ضَعِيفَةً نَحِيلَةَ الجِسْمِ، قد أنهكتها الأحداثُ الجِسَامُ

وتَرَكَ الحِصَارُ المنهِك أثرَهُ في صحتها، وإن زاد معنوياتها قوةً على قوَّةٍ).

ص: 146

من شمائلها:

قال أبو نعيم الأصبهاني (ت 430 هـ) رحمه الله في وصف فاطمة رضي الله عنها:

(ومن ناسكات الأصفياء وصفيات الأتقياء فاطمة ــ رضي الله تعالى عنها ــ، السيدة البتول، البَضعة الشبيهة بالرسول، ألوطُ أولاده بقلبِه لُصُوقاً، وأولهم بعد وفاته به لحوقاً، كانت عن الدنيا ومُتعتها عازِفة، وبغَوامض عيوب الدنيا وآفاتها عارِفة

).

(1)

كانت قويةَ النفسِ شُجَاعَةً لا تهابُ في الحق، ففي صغرها ـ مع ضعف المسلمين واضطهادهم ـ لما وضعَ الأشقياءُ كُفَّارُ مكة على ظهْرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو ساجدٌ ـ سَلا الجزور؛ أتت فاطمة، فأزالَتْهُ، وشتَمَتْهُمْ

(2)

، قال ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) رحمه الله: (وفيه قوَّةُ نَفسِ فاطمة الزهراء من صِغَرها؛ لِشَرَفِهَا في قومها ونفسِهَا، لكونها

(1)

«حلية الأولياء» (2/ 39).

(2)

انظر الحديث رقم (91) في كتابي هذا.

ص: 147

صَرَخَتْ بشَتْمِهِم وهُمْ رؤوس قريش، فَلَمْ يردُّوا عَليها).

(1)

11.

ملازمتها لأبيها صلى الله عليه وسلم ودفاعها عنه.

يُلحظ أن لِفاطمة رضي الله عنها ملازمةً خاصةً لأبيها، وحضوراً لكثير من مشاهده.

كانت بارةً بأبيها، تُناصِرُه وتَذُبُّ عنه، ففي العهد المكي، أزالت عن ظهر والدها الأذى الذي وضعه كفار قريش ـ كما سبق ـ، وكانت تعينه.

وفي غزوة أحد (3 هـ)، داوَتْ جِراحَه وأوقفَتْ الدمَ الذي يسيل على وجهه الشريف.

وكانت معه في «عمرة القضاء» (7 هـ) ـ كما في «صحيح البخاري»

(2)

ـ في حديث تنَازُعِ عليٍّ وجعفرٍ في ابنة حمزة.

وكانت معه ـ أيضاً ـ في «فتح مكة» (8 هـ)، وقد سترته لما أراد الاغتسال بعد الفتح مباشرة.

(1)

«فتح الباري» (1/ 349).

يقول العقاد في «فاطمة الزهراء والفاطميون» (ص 25): (ويبدو لنا من الأحاديث المرويةِ انطواءُ الزهراء على نفسِها، فلم تَعرِض قط لشئ غير شأنها، وشأنِ بيتها، ولم تتحدث قط في غير ما تُسأل عنه، أو يُلجئُها إليه حادثٌ لا ملجأ منه، فلا فضولَ هنالِك في عمل ولا في مقال). انتهى بتصرف يسير. قلتُ: لم أجد ما يدل عليه.

(2)

رقم (2699)، و (4251)

ص: 148

وكذا كانت معه في حجة الوداع (10 هـ) رضي الله عنها.

ومما ساعدها في ملازمتها: أنها آخر أخواتها زواجاً، وبيتها بعد زواجها كان ملاصقاً بيتَ والدها صلى الله عليه وسلم = بيت عائشة رضي الله عنهما

وقد بقيت معه حياتَه كلها، بخلاف بقية بناته، فقد متن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد حفظت لأبيها السِّرَّ الذي استودعها إياه، فلم تُخبِرْ به أحداً، مع تشوُّفِ نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلى معرفته، وكُنَّ حاضرات كلُّهُنَّ وقتَ الإسرار، وشاهدوا أمراً غريباً من بكائها ثم ضحكها في وقت قريب.

12.

من العلاقة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبناته.

كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم عليها وعلى بقية أولادِه بالنفقة والعناية والرعاية، وكان عادلاً بل هو إمام العادلين صلى الله عليه وسلم.

مع حبه صلى الله عليه وسلم لبناته، لم يكن يحابيهن في دين الله، فقد قال:

«لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمد سَرَقَتْ؛ لَقَطَعْتُ يدَها» .

ومع قُرْبِهنَّ الشديد له يقول كما في أول الإسلام في مكة: «يا فاطمةُ بنتَ محمد، سَليني ماشئتِ من مالي، لا أُغني عنكِ مِن الله شيئاً» .

كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحبُّ أولادَه كلَّهم، وكان يحتفي كثيراً بفاطمة رضي الله عنها بعد وفاة أخواتها، وتفرُّدِها، ويُكثر من زيارتها في بيتها، وكان يغار

ص: 149

عليها، فغضب لها حينما عَلِم بِخِطْبَةِ عليٍّ ابنةَ أبي جهل رضي الله عنهما.

وكان صلى الله عليه وسلم يدعو لآل بيته رضي الله عنهم.

13.

هجرتها.

عُمرها عند هجرتها نحو ثمان عشرة سنة، بناء على الراجح في مولدها قبل النبوة بخمس سنين.

هاجرت مع أختها أم كلثوم، وسودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة، وآل أبي بكر رضي الله عنهم، لم يختلِف في ذلك المؤرِّخون.

وكان هجرتهم بعد مَقدَمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم المدينة بنحو سبعة أشهر.

عن عائشة رضي الله عنها أنها سُئلتْ: متى بنَى بكِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟

فقالت: لما هاجرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، خلَّفَنَا وخَلَّفَ بَنَاتِهِ.

فلما قَدِمَ المدينةَ بعَثَ إلينا زيدَ بنَ حارثة، وبعثَ معَهُ أبا رافعٍ مَولاهُ ، وأعطاهُمَا بَعِيرَيْنِ وخَمسمَئةِ درهم، أخذَهَا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر، يشتريان بها ما يحتاجان إليه من الظهَر، وبعثَ أبو بكر معهما عبدَالله بن أُرَيْقِط الدِّيلي بِبَعِيرين أو ثلاثة، وكتبَ إلى عبدِالله بنِ أبي بَكر يأمرُهُ أنْ يحمِلَ أهلَه: أُمِّي أمُّ رُومَان، وأنَا، وأُخْتِي أسماء ــ امرأةَ الزبير ــ؛ فخَرجُوا

ص: 150

مُصْطَحِبِينَ.

فلما انْتَهَوا إلى قُدَيْد اشتَرى زيدُ بنُ حَارثة بتلك الخمسمئة ثلاثةَ أَبعِرَة، ثمَّ رحَلُوا مِن مكة جميعاً.

وصَادَفُوا طلحةَ بنَ عُبَيدِالله يُريدُ الهجرَةَ بآلِ أبي بكر، فخرَجْنَا جميعاً.

وخرَجَ زيدُ بنُ حارِثةَ، وأبُو رافعٍ، بِفَاطِمَةَ وأُمِّ كُلثُومِ، وسَودَةَ بنتِ زَمعَةَ، وحمَلَ زيدٌ أمَّ أيمنَ، وأسامةَ بنَ زيد.

وخرَجَ عبدُالله بنُ أبي بكر بأمِّ رُومَان وأُختَيْهِ، وخرَجَ طلحةُ بنُ عُبَيدِالله، واصطَحَبَنَا جَميعَاً.

حتَّى إذا كُنَّا بِالبيضِ مِن مِنَى

(1)

، نَفَر بَعِيرِي ــ وأنا في مَحَفَّةٍ مَعِي فيها أُمِّي ــ، فجَعَلَتْ أُمِّي تقُولُ: وَابِنْتَاه، واعَرُوسَاه، حتَّى أُدْرِكَ بَعِيرُنا وقَد هَبَطَ مِن لَفْتٍ

(2)

، فسَلَّمَ الله عز وجل.

(1)

كذا، وعند الطبراني: نَمر.

والصواب: «تَمَن» ، وهي الآن: أرض مستوية بيضاء للبلادية، شرق الخريبة، إذا خرجتَ من «هرشى» شمالاً تجد «تمناً» على ثلاثة أكيال. ويسارك يظلِّلُكَ «العشي» جبال طوال «الطوال البيض» . «معجم معالم الحجاز» د. عاتق البلادي (1/ 278).

(2)

عند الطبراني: وقد هبط من الثنية ثنيةِ هرشى.

لَفْت، ولِفْت، ولَفَت، ضُبِطَت بهذه الأوجه الثلاثة، وهي ثنية بين مكة والمدينة. وقيل: ثنية جبل قُديد. انظر: «معجم البلدان» (5/ 20)، «المغانم المطابة» (4/ 1394 و 1504)

و «هرشى» و «لَفْت» متقاربتان كما في حديث في «صحيح مسلم» رقم (166).

ذكر د. عاتق بن غيث البلادي رحمه الله في «معجم معالم الحجاز» (7/ 1474) و «معالم مكة التأريخية والأثرية» (ص: 168): (أن «لَفْت» تُعرَفُ اليوم باسم «الفَيْت» كانت تصل بين قُدَيد وخُلَيْص، تأتي خليصاً من الشمال، وعليها طريق القوافل، ثم سدَّتها الرمال في أول العهد السعودي، فتحول الطريق خُلَيص غرباً عنها، ولم تعد تُطرق).

ص: 151

ثم إنَّا قدِمنا المدينةَ فنزلتُ مع عيالِ أبي بكر، ونَزَلَ آلُ رسولِ الله. ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يَبنِي المسجدَ وأبيَاتَاً حولَ المسجد، فأنزلَ فيها أهلَهُ، ومَكثْنَا أياماً في مَنزِلِ أبي بكر، ثم قال أبو بكر: يا رسولَ الله ، ما يمنَعُكَ من أنْ تَبنِيَ بِأهلِكَ؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصداق» .

فأعطاهُ أبو بكر الصداق اثنتَي عشرةَ أُوقِيَّةً ونَشَّاً؛ فبعثَ بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلينا، وبَنَى بِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَيتِي هذا الذي أنا فيه، وهُو الذي تُوفِّي فيهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وجعلَ رسولُ الله لِنفسه باباً في المسجد وِجَاهَ بابِ عائشة.

قالت: وبنَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِسَوْدَةَ في أحَدِ تِلكَ البُيُوتِ التي إلى جنبي. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكونُ عندَهَا). لفظ ابن سعد.

(1)

(1)

عند الطبراني: ( .... وبنَى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي هذا الذي أنا فيه، وهو الذي تُوفي فيه، ودُفِنَ فيه، وأدخلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سودةَ بنتَ زمعة معَهُ أحدَ تِلكَ البيوت، وكان يكون عِندَهَا.

وكانَ تزوَّجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إياي وأنَا ألعَبُ مَعَ الجَوارِي، فما حدَّثْتُ أنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تزوَّجَنِي حتَّى أخذَتْنِي أُمِّي، فحَبَسَتْنِي في البيت، فوقَع في نَفْسِي أنِّي تَزَوَّجْتُ، فمَا سألْتُهَا حتَّى كانَتْ هِي التي أخبرتْنِي».

ص: 152

أخرجه: ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (8/ 62).

والحاكم في «المستدرك» (4/ 5) رقم (6716) من طريق الحسين بن الفرج.

كلاهما: (ابن سعد، والحسين) عن محمد بن عمر الواقدي، عن موسى بن محمد بن عبدالرحمن، عن ريطة

(1)

، عن عمرة بنت عبدالرحمن.

وذكره ابن جرير في «تاريخه» (11/ 601) معلقاً عن الواقدي، به.

ــ وأخرجه: الزبير بن بكار، ومن طريقه: [الطبراني في «المعجم الكبير» (23/ 24) رقم (60)، وابن عبدالبر في «الاستيعاب»

(4/ 1936)] عن محمد بن الحسن بن زبالة المخزومي، عن عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن عروة بن الزبير.

وقد رواه البلاذري في «أنساب الأشراف» (1/ 414) رقم (872) عن أبي مسعود الكوفي، قال سمعتُ مالك بن أنس يحدِّث، عن هشام بن

(1)

ويقال لها: رائطة المزنية، تروي عن عَمْرة، كما في «تهذيب الكمال» (35/ 242)، وفي إسنادٍ لابن أبي شيبة في «المصنف» رقم (1011) ذكر أنها مولاة لعمرة. لم أجد لها ترجمة.

ص: 153

عروة. قال: قالت عائشة. [كذا لم يَذكر عروة، فهو منقطع بين هشام وعائشة، وقد أورده بنحوه]

ذكره: ابن حجر في «الإصابة» (8/ 391) معلقاً عن الزبير بن بكار، به.

وذكره: ابن الأثير في «أسد الغابة» (6/ 332) معلقاً عن هشام بن عروة، به.

كلاهما: (عمرة بنت عبدالرحمن، وعروة بن الزبير) عن عائشة رضي الله عنها.

فيه: الواقدي، وهو متروك.

(1)

ومحمد بن الحسن بن زبالة، قال عنه الذهبي: متروك. وقال ابن حجر: كذَّبُوه.

(2)

وهو مع ضعف إسناده، يُقبَل لأنه من أمور السيرة التي يُتسامح في أسانيدها.

خاصةً أنه لم يُعارَض بروايات أخرى؛ لذلك ذكرَ هذا الحديثَ عَددٌ من العلماء دون نقد، واحتَجَّ به بعضهم.

(3)

(1)

ستأتي ترجمته في الباب الثالث: مسند فاطمة، حديث رقم (13).

(2)

«تهذيب الكمال» (25/ 60)، «الكاشف» (4/ 97)، «تقريب التهذيب» (ص 504).

(3)

فذكرَهُ الذهبيُّ في «سير أعلام النبلاء» (2/ 152)، وابنُ ناصر الدين الدمشقي في

«جامع الآثار» (5/ 333)، وابنُ حجر في «فتح الباري» (7/ 225)، واستدلَّ به.

ص: 154

قال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (8/ 165 ـ 166):

(أخبرنا محمد بن عُمَر

(1)

، قال: حدثنا محمد بن عبد الله، عن الزهري.

ومحمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة.

قالا: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ ونزلَ في منزل أبي أيوب، بَعَثَ أبا رافع، وزيدَ بنَ حارثة وأعطاهما بعيرين وخمسمئة دِرهم

ــ أخذها من أبي بكر ــ، يَشتَريان بها ما يحتاجان إليه من الظَّهْر، وأمَرَهُمَا أنْ يَقْدُمَا عليه بِعِيَالِهِ.

وبَعثَ أبو بكر معهما عبدَالله بنَ أريقط الدئِلي ببعيرين أو ثلاثة، وكتبَ إلى عبدِالله بنِ أبي بكر يأمُرُه أنْ يحمِلَ إليه أهلَهُ.

فخرَجَ زيدُ بنُ حارثة بأَهْلِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ

وَأمِّ كُلْثُوم ابنَتَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم وسودةَ بنتِ زمعة زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وأرادَ الخروجَ بزَيْنَبَ بنتِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فحَبَسَهَا زوجُهَا أبو العاص بن الربيع.

وكانَتْ رُقَيَّةُ قَدْ هَاجَرَ بِها زوجُهَا عثمان بن عفان قبل ذلك إلى المدينة.

(1)

هو الواقدي.

ص: 155

وحَمَلَ زيدُ بنُ حارثة امرأتَهُ أمَّ أيمن، وأسامةَ بنَ زيد، وكانوا مع عيالِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأهلِه.

وخرَجَ عبدُالله بنُ أبي بَكر بِأمِّ رُومَان، وأُختَيْهِ عائشةَ وأسماءَ ابنتَي أبي بكر؛ حتَّى قدِمُوا جميعاً المدينة، ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَبنِي المسجدَ وأبياتَاً حولَ المسجد

(1)

. فأنزَلهمْ في بيتٍ لحارثةَ بنِ النعمان، وبَنَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لعائشةَ بيتَهَا الذي دُفِنَ فِيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وجعلَ بابَاً في المسجد وِجَاهَ بابِ عائشة، يخرُجُ مِنهُ إلى الصلاة.

وكان إذا اعتكفَ يُخرِجُ رأسَهُ مِن المسجدِ إلى عَتَبةِ عائشة، فتَغْسِلُ رأسَهُ وهي حائض).

وقال ابن سعد ـ أيضاً ـ في «الطبقات الكبرى» (1/ 237): ( .... حتى تحوَّل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من منزل أبي أيوب، وكان مقامُه فيه سبعة

(1)

ذكر ابن هشام في «السيرة» ، وشارحه السهيلي في «الروض الأنف» (4/ 160 و 163) بناء المسجد مع بيوتات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تعقَّبَهُ الذهبيُّ في «مختصر الروض الأنف» (ص 260) بقوله:(لم يبلغنا أنه عليها السلام بنى له تسعة أبيات حين بنى المسجد، ولا أحسبه فعل ذلك، إنما كان يريد بيتاً واحداً لسودة أم المؤمنين، ثم لم يحتَجْ إلى بيت آخر [إلا] حين بنى بعائشة في شوال سنة اثنتين، فكأنه عليها السلام بناها في أوقات متفرقة). انتهى. وما بين المعكوفتين ساقط من المطبوعة.

ص: 156

أشهر، وبعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن منزل أبي أيوب زيدَ بنَ حارثة وأبا رافع وأعطاهما بعيرين وخمسمئة درهم إلى مكة فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسودة بنت زمعة زوجته، وأسامة بن زيد ..... ).

قال محمد بن إسحاق: (وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة وأعطاهما بعيرين وخمسمئة درهم، فقدِمَا عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنَتَيْه، وسودة بنت زمعة ـ زوجته ـ، وحمَلَ زيدُ بنُ حارثة امرأتَه ــ أمَّ أيمن ـ مع ابنها أسامة بن زيد.

وخرجَ عبدُالله بن أبي بكر بعيال أبي بكر فيهم عائشة، وأختها أسماء

ــ زوج الزبير ــ، وأم رومان ـ أم عائشة ـ.

فلما قدموا المدينةَ أُنزِلُوا في بيتِ حارثة بن النعمان. وذكر رَزِين أن

أبا بكر أرسل عبدَالله بن أُريقِط مع زيد ليأتيه بأهله).

(1)

وذكر مثلَ ذلك ابنُ القيم، وغيرُه.

(2)

(1)

«سبل الهدى والرشاد» للصالحي (3/ 276).

(2)

«زاد المعاد» (3/ 61).

ص: 157