المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

2 ــ‌ ‌ اللباس: شُطْفَة (1) = قِطعَةٌ خضراء على العمامة، ثم توسَّعَ - فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - سيرتها، فضائلها، مسندها - رضي الله عنها - - جـ ١

[إبراهيم بن عبد الله المديهش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌حدود الكتاب:

- ‌الدراسات السابقة، والمؤلفات المفردة في فاطمة:

- ‌خطة الكتاب

- ‌تنبيهات:

- ‌ لِمَ الإطالة العلمية في موضوع فاطمة رضي الله عنها

- ‌التمهيد:

- ‌المبحث الأول:المؤلفات في فاطمة رضي الله عنها ــ عرض ونقد

- ‌القسم الأول: الكتب المطبوعة:

- ‌القسم الثاني: المخطوطات في فاطمة رضي الله عنها

- ‌المبحث الثاني:ترجمة فاطمة رضي الله عنها

- ‌سبب إيراد هذه الترجمة مع أن الكتاب كلَّه ترجمة:

- ‌ لم يبقَ شئٌ من آثار النبي صلى الله عليه وسلم الحسية

- ‌ من أوائل من دخل في الإسلام

- ‌ هل تعرَّض الحويرثُ بنُ نُقَيذ لفاطمة وأم كلثوم رضي الله عنهما عند هجرتهما

- ‌ لقَبُ الأشراف

- ‌ لقب: الحسَني أو الحُسَيني الهاشمي، أفضل وأحسن من لقب: الشريف أو السيد

- ‌حَريٌّ أن يُمنَع هذا اللقب «الهاشمي» في بلاد الإسلام إلا لآلِ النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ اللباس:

- ‌ إطلاق لفظ السيد على البشر

- ‌نكاح الفاطميات من غير الفاطميين

- ‌ عِلمُ فاطمة رضي الله عنها

- ‌ الكذب على فاطمة رضي الله عنها

- ‌ علاقتها بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ قصائد في مدح فاطمة رضي الله عنها

- ‌ منظومات لترجمة فاطمة رضي الله عنها

- ‌ من ترجم لفاطمة رضي الله عنها

- ‌المبحث الثالث:عقيدة أهل السنة والجماعة في آل بيت النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم

- ‌من أخبار السلف في تعظيم آل البيت:

- ‌أقوال أئمة الاعتقاد في آل البيت:

- ‌المبحث الرابع:عناية أهل السنة والجماعة بجمع مرويات…آل البيت وفضائلهم

- ‌ الكتب المفردة العامة في آل البيت

- ‌ الكتب المفردة في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الكتب المفردة في بني هاشم

- ‌المبحث الخامس:‌‌فاطمة رضي الله عنها في كتب: الرافضة،…والإسماعيلية، والمستشرقين

- ‌فاطمة رضي الله عنها في كتب: الرافضة

- ‌ فاطمة رضي الله عنها في كتب الإسماعيلية

- ‌ فاطمة رضي الله عنها في كتب المستشرقين

- ‌من كتابات المستشرقين المفردة(1)عن فاطمة رضي الله عنها

- ‌ المدرسة الاستشراقية في كتابات السيرة:

- ‌ انتبه بعضُ المستشرقين إلى الغلو والأساطير المفتعلة من الرافضة

- ‌إنَّ أسعدَ الناس بمحبة وموالاة ومتابعة آل البيت ــ ومنهم فاطمة رضي الله عنها ــ هم أهل السنة والجماعة لا غير

- ‌المبحث السادس:تطبيق منهج النقد الحديثي على مرويات السيرة،…والروايات التاريخية؛ للقبول أو الرد

- ‌ كتب التاريخ العامة ليست من عُمَد أهل السنة والجماعة في معرفة أحكام الشريعة، وفضل الصحابة وأحوالهم

- ‌«مَن وُثِّق في عِلْمٍ وضُعِّف في آخر

- ‌عُلِم مما سبق أنَّ المغازي، والتفسير، والملاحم، تَقِلُّ فيها الأسانيدُ الصحيحةُ المتَّصِلَةُ، فما بالُكَ بما دونها من الآثارِ في سِيَر وقَصَصِ الصحابة، ثم التابعين، ثم مَن بعدَهم التي تَرِدُ في كُتُبِ التاريخ، وكُتُبِ مَنْ حشَاها بالروايات المنكرة

- ‌ ذكر ابن حجر: أن المؤرِّخ لايكتفي بالنقل الشائع، لا سيما إذا ترتب على ذلك مفسدة

- ‌ليس من الصوابِ أن نُقسِّم المسألة إلى: أحاديث نبوية، وروايات تاريخية فقط، فهذا تقسيم قاصِر، بل ينبغي أن تُعرَفَ مَراتِبُ الأحاديث، والمرويات

- ‌ مرويات سيرةِ فاطمة رضي الله عنها تُعتَبَرُ من الأحاديث النبوية

الفصل: 2 ــ‌ ‌ اللباس: شُطْفَة (1) = قِطعَةٌ خضراء على العمامة، ثم توسَّعَ

2 ــ‌

‌ اللباس:

شُطْفَة

(1)

= قِطعَةٌ خضراء على العمامة، ثم توسَّعَ بعضُهم فجَعَلَ العِمامةَ كلَّها خضراء.

(1)

قال الخفاجي المصري (ت 1069 هـ) في «شفاء الغليل» : (شُطْفَة بزِنَة غُرْفَة: علامةٌ خضراءُ تُجْعَل في عمائم الأشراف، وهي عامِّيَّة، لا أدري أصلها، وقد وقعَتْ في كلام المولَّدين كثيراً ومصنَّفَاتِهم، فلذا تعرَّضْتُ لها هنا).

وقال أيضاً في «ريحانة الألباء» : (العلامةُ التي توضع في العمامة، تُسمَّى شطفة، وهو لفظ محدث، لم يذكره أهل اللغة، وكأنه بمعنى خرقة صغيرة، من قولهم: في شطف العيش، أي: في قلةٍ وضيق، فاعرِفْهُ فإني لم أرَ مَن تعرَّضَ له).

وللشطفة إطلاق آخرُ في «نجد» وغيرها، قال عنها العلامة: العبودي: نوع من العقال الذي يوضع على الرأس، تكون مربعة ومقصَّبةً على شكل قصَب. يلبسها أشراف القوم، وذوو الاقتدار منهم، قال العبودي: وآخر من رأيتُه يلبسها الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله

ضَعُفَ استعمالها في الديار النجدية، أو فُقِد بالفعل. ثم نقلَ عن الخفاجي في «شفاء الغليل» .

انظر: «شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل» للخفاجي (ص 313)، وعنه:

[المحبِّي (ت 1111 هـ) في «قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل» (2/ 197)]«ريحانة الألباء وزهرة الحياة الدنيا» للخفاجي ـ أيضاً ـ (2/ 298)، «معجم الأصول الفصيحة للألفاظ الدراجة» للشيخ: محمد بن ناصر العبودي (7/ 164)، «معجم الملابس في المأثور الشعبي» للعبودي ـ أيضاً ـ (ص 300).

ص: 179

ليس لها أصل في الشرع الحكيم، ولا في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم.

أصلها: أنَّ الخليفة المأمون: أبا العباس، عبدَ الله بنَ هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور العباسي (خِلافتُه من أول سنة 198 هـ إلى 218 هـ)

(1)

بَايع بالعَهْدِ (سنة 201 هـ) لِـ: علي بن مُوسى ــ الرِّضَى ــ بن جعفر بن محمد ـ الصادق ـ بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم (ت 203 هـ)، ونوَّهَ بِذكِرِه، ونبذَ السَّوادَ، واتَّخَذَ لهم شِعَارَاً أخضَرَا؛ فهاجَتْ بنو العباس، وخلَعُوا المأمون، ثم بايعوا عمَّه إبراهيم بنَ المهدي .... ثم انثنى عزمُه، وردَّ الخلافة إلى بني العباس.

فبقي الأخضرُ شِعَارَ الأشرَافِ من ذُرِّيةِ السِّبْطَين.

ثم اختَصَرُوا الثياب إلى قِطعَةِ ثَوبِ خَضَرَاءَ = شطفة خضراء، تُوضَعُ عَلى عَمائِمِهِمْ؛ شِعَارَاً لهم، ثمَّ انقطعَ ذلكَ إلى أواخِرِ القَرنِ الثامِنِ الهجرِي.

ثمَّ في سنةِ ثلاثٍ وسبعين وسَبعِمئة (773 هـ)

(2)

أمَرَ السلطانُ الأشرفُ: شعبان بنُ حسين بن الناصر محمد بن قلاوون الصالحي النجمي،

(1)

انظر: «سير أعلام النبلاء» (10/ 272 و 284).

(2)

ذكر المقريزي في «السلوك» أنه في شهر شعبان. وذكر السخاوي في «وجيز الكلام» أنه في رمضان. وذكر ابن إياس في «بدائع الزهور» أنه في جمادى الأولى.

ص: 180

سلطان الديار المصرية والشامية (ت 778 هـ) وعُمُره (24 سنة)

(1)

أنْ يمتَازُوا عَلى الناسِ بعصَائِبَ خُضْرٍ = علامة خضراء = شطفة أي قطعة

(1)

تنبيه: أطلت في ترجمته التالية، لعلاقة ذلك ببعض ما قيل في سبب أمره بالعلامة.

السلطان الأشرف شعبان بن حسين: هو الثاني والعشرون من ملوك التركِ وأولادِهم بالديار المصرية.

ولِد سنة 754 هـ.

تولَّى المُلْك يوم الثلاثاء (15/ شعبان/ 764 هـ)، وعمْرُهُ عشر سنوات.

وكان يتولى تدبير المُلك: الأتابك يلبغا العُمري الخاصكي؛ نظراً لصغر سِنِّ الأشرَف شعبان. واستمر يلبغا في التدبير إلى أن ثاروا عليه مماليكه، وقتلوه في (4/ 768 هـ)، وفي قتلِ يلبغا عِبْرةٌ ذكرها ابن تغري في «النجوم الزاهرة» . ويلبغا هذا، أثنى عليه في أول أمره السخاوي في «وجيز الكلام» (1/ 155) وذكر أن تنكر فيما بعد، وساءَ خلقه، وأساءَ إلى الآخرين، وكان سببَ هلاكه، وذكرَ مساوئه.

توفي الأشرف يوم الاثنين (5/ 11/778 هـ)، وعمره أربع وعشرون سنة.

مُدة مُلْكِه: أربع عشرة سنة، وشهران، وخمسة عشر يوماً، وقيل: وعشرون يوماً، وقيل: وواحد وعشرون يوماً.

وقد أجمع مَن ترجم للأشرف على الثناء عليه، وذِكر محاسنِهِ الجمَّة:

أثنى عليه ابنُ العراقي (ت 826 هـ) بقوله: (وكان فيه إغضاءٌ وحُلْم، وسعة صدر، بطئ الغضب جداً، سريع الرضا، كثير الإنعام على حواشيه، معظِّماً لأهل العلم، يُجالِسُهُم، ويستشيرهم في أموره، ويرجع لرأيهم.

ومن حسناته: تبطيل مَكس المغاني. =

ص: 181

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وما قتَلَهُ إلا طمَعَه في الدنيا وجمعها من كل وجهِ، وانهماكه على لذاتها). انتهى.

وأثنى عليه ابن حجر العسقلاني، فذكر: أنَّ سيَرته حسُنَتْ، وحبَّتْهُ الرعيَّة إلى الغاية.

وله مآثر حسنة كثيرة في الحرمين الشريفين، بإشارة مُدبِّر دولتِه: يلبغا. وانظر في ذلك: كلام الفاسي، وابن فهد.

أثنى عليه المقريزي كثيراً في كتابه «السلوك» قال: وكانت أيامه في هدوء وسكون، وأبطل مكسين شنيعين، وذكر أنه لم يكن فيه أذى، ولا تجبر

وذكر أنه إلى التشبه بالنساء أميل منه إلى التشبه بالرجال.

وذكر ابن تغري بردي في «النجوم» : أنه في عام (769 هـ) قوي أمر السلطان الأشرف، وصار تدبير ملك الدولة إليه، وحبَّتْهُ الرعيةُ

وهو من أجلِّ الملوك سماحةً وشهامة وتجملاً وسؤدداً، ونقل عن العيني قوله: لم يكن فيه ما يُعابُ سِوى حبِّهِ لجمع المال، وكان كريماً

وذكر أيضاً في «مورد اللطافة» أن أيامه قد حسُنَت حتى صار يُضرب بها المثل، وكان من محاسن الدنيا، كان ملكاً جليلاً، عارفاً، عاقلاً، شجاعاً، مقداماً، كريماً، هيِّناً، ليِّناً، محبَّباً للرعية. ومحاسنه كثيرة.

وذكر المترجمون أن أيامه كانت هادئة من الفتن، وجور العربان في الصعيد، وغيره، وجور التركمان، وغيرهم.

قال السخاوي في «الوجيز» : ولقد كان رحمه الله من حسنات الدهر، هيِّناً، ليِّناً، زائد الحلم والإغضاء، واسع الصدر، بطئ الغضب جداً، سريع الرضى، محباً لأهل الخير، مقرِّباً لأهل العلم والفقر، يجالس العلماء ويستشيرهم في أموره، ويرجع لرأيهم، مقتدياً بالشرع، محسناً =

ص: 182

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= لأقاربه وحواشيه، كثير الإنعام عليهم، بل كانت الدنيا في أيامه طيبة مطمئنةً، وهادَنَه سائرُ الملوك، ولو لم يكن له إلا إبطال المغاني .. ــ المكوس ـ

ولم يكن فيه ما يُعابُ إلا أنه كان محباً لجمع المال من كل وجه، منهمكاً على لذاته.

وذكر ابن إياس في «البدائع» ثناء عاطراً نحو ما قاله السخاوي، وختم بقوله: وفي الجملة: كان الأشرف من خيار بني قلاوون، وكان كفواً للسلطنة.

قلتُ: يُلحظ فيما سبق أن الجميع مُطبِقٌ على الثناء عليه، وعلى سيرته، وأما جمع المال فهذا دأب عامة الملوك، وقد فُطِر البشر على حب المال، ومادام أنه ألغى المكوس، وكان كثير الإحسان والصدقات فما المانع من حبه وحرصه على المال؟ ونِعْمَ المالُ الصالحُ للرجلِ الصالحِ.

وأما التشبُّه، فلم يذكره إلا المقريزي في «السلوك» ، ولعله سجيته وطبيعته، بدليل ما ذُكر في وصفه من الهدوء وزيادة الحِلم والإغضاء

إلخ

وأما التنعم، فيقال فيه ما يقال في حرصه على المال.

مع الأخذ في الاعتبار أنه قُتل رحمه الله وعمره أربع وعشرون سنة، فمن كان في هذا العُمر ودونه، في عنفوان مراهقته وشبابه، وهو سلطان مسموع الكلمة في مصر والشام والحجاز، فطبعي أن يكون له ألوان من التنعم، ويكفيه أنه صالح، أثنى عليه جميع من ترجم له، ولم يُذكر له مثلبة واحدة حقيقية رحمه الله.

انظر ترجمته في: «الذيل على العِبَر في خبر من غبَر» لابن العراقي (1/ 448 ـ 449)،

«الدرر الكامنة» (2/ 342)، «العقد الثمين» للفاسي (5/ 7)، «المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي» لابن تغري بردي (6/ 233)، «النجوم الزاهرة» لابن تغري (11/ 24)، «مورد اللطافة فيمن ولي السلطنة والخلافة» لابن تغري بردي (2/ 100)، =

ص: 183

خضراء عَلَى العمائم

(1)

ولَيسَ عمامةً خضراء، فَفُعِلَ ذِلكَ بِأكثرِ البلادِ كمِصْرَ، والشامِ، وغيرِهما.

وذكر السخاوي (ت 902 هـ) بقاءَ هذا الشعار إلى وقته.

والعلماء اختلفوا بعد ذلك:

منهم مَن يرى أنه لا يجوز لأحدٍ من غير ذرية السبطين لُبس العمامة الخضراء أو الشطفة الخضراء، المختصة عرفاً بذرية السبطين؛ لئلا يحصل اختلاط في الأنساب، وقد يسبب ذلك اختلاطاً وإشكالاً في الاستفادة من الأوقاف المخصصة للأشراف من ذرية السبطين.

ذكر ذلك وشدَّدَ فيه بعضُ المتأخرين من المالكية، بل رأوا تأديب مَن يلبسها من غير ذرية السبطين.

= «درر العقود الفريدة» للمقريزي (ت 845 هـ)(2/ 123)، «السلوك لمعرفة دول الملوك» للمقريزي (2/ 1/ 83 و 282)، «إتحاف الورى بأخبار أم القرى» لابن فهد

(3/ 304)، «التحفة اللطيفة» للسخاوي (3/ 286)، «وجيز الكلام» للسخاوي

(1/ 131)، «بدئع الزهور في وقائع الدهور» لمحمد بن أحمد بن إياس الحنفي المصري (ت 930 هـ تقريباً)(1/قسم 2/ 3)، «جواهر السلوك في أمر الخلفاء والملوك» لابن إياس ـ أيضاً ـ (ص 206).

(1)

زاد المقريزي في «السلوك» والعلامة الخضراء ـ أيضاً ـ في أُزُر النساء! ! ولم أجد هذه الإضافة عند غيره.

ص: 184

ويبدو أنه لم يستمر ذلك؛ لأن الدسوقي المالكي (ت 1230 هـ) يرى أنه لم تَعُد الشطفة الخضراء في زمانه مختصةً بالأشراف، وذكر أنه عمَّت بها البلوى، ولَبِسَها غيرُهم، فلا تأديبَ إذَنْ.

ومع ذلك يرى أنَّ الأفضلَ عدمُ لبسِها لغير ذُرية السبطين.

ومِن العلماء مَن يرى الجواز، وأنه لا دليل على تخصيص اللباس الأخضر، ولا على منع غيرهم من لبسه، وأن الاختلاط والاشتباه متوهَّم، لأن الأنساب محفوظة مضبوطة لا تتأثر باللباس.

فيجوز أن يُلقَّب غيرُ الهاشميين بالأشراف، وأن يلبسوا العمائم الخضر.

- نكاح الفاطميات

يجوز لكل عربي كفؤ في النسب أن يتزوج الفاطميات = ذرية الحسن أو الحسين؛ ولا يجوز منع تزويج الفاطميات إلا من الفاطميين أو الهاشميين، فهذا بدعة منكرة، وضرر بالغ بنساء آل البيت.

وقَصْرُ الفاطميات على الفاطميين قولٌ مَشهُورٌ عند الزيدية، وأوَّلُ مَن قال به: العياني (ت 404 هـ)، ولا يَعرِفُ هذا القولَ عُلماءُ السُّنَّةِ والجَمَاعَة.

ص: 185

تفصيل ونقول عما سبق إيراده.

- الزينبيون:

قال السيوطي (ت 911 هـ) رحمه الله في «العجالة الزرنبية في السلالة الزينبية» : (مسألة: فاطمةُ الزهراء رضي الله عنها رُزِقَتْ من الأولاد خمسة: الحسن، والحسين، ومحسناً، وأم كلثوم، وزينب: فذكرهم، وقال:

وأمَّا زينب، فتزوَّجَها ابنُ عمِّها: عبدُالله بن جعفر، فولدَتْ لهُ عَلِيَّاً، وعَونَاً الأكبر، وعبَّاسَاً، ومحمَّدَاً، وأمَّ كلثوم.

مسألة: أولاد زينب المذكورة من عبدِالله بن جعفر موجودون بكثرة، ونتكلم عليهم من عشرة أوجه: ثم بيَّنَها رحمه الله

وعناوينها كما يلي:

الوجه الأول: أنهم من آل النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته بالإجماع.

الوجه الثاني: أنهم من ذرِّيتِهِ صلى الله عليه وسلم وأولادِه بالإجماع، وهذا المعنى أخصُّ مِن الذي قبله.

الوجه الثالث: وأنهم لايشاركون أولاد الحسن والحسين في الانتساب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هؤلاء أولادُ بنات أبنائه، والزينبيين أولادُ بنات بناته، فلا ينتسبون إليه.

قال رحمه الله: (ولهذا جرى السلَفُ والخلَفُ على أنَّ ابنَ الشريفةِ لا يكُونُ شَرِيفَاً.

ص: 187

ولَو كانتْ الخصُوصية عامَّةً في أولاد بناته ـ وإنْ سَفُلْنَ ـ لَكَانَ ابنُ كلِّ شَريفَةٍ شَرِيْفَاً تَحرُمُ عليه الصدَقَةُ، وإنْ لم يكُن أبُوه كذلك، كما هو معلوم.

ولهذا حكَمَ صلى الله عليه وسلم بذلك لابنَي فاطمة دون غيرها من بناته؛ لأنَّ أختَها زينب بنتَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لم تُعقِبْ ذَكَرَاً حتَّى يكونَ كالحسَنِ والحُسَين في ذلك، وإنما أعقَبَتْ بِنْتَاً، وهي: أمامةُ بنتُ أبي العاص بن الربيع رضي الله عنهما، فلم يحكُمْ لها صلى الله عليه وسلم بهذا الحُكْمِ مَع وجُودِهَا في زَمَنِهِ؛ فدَلَّ عَلى أنَّ أولادَها لا يُنْسَبُونَ إليه؛ لأنها بنتُ بنتِهِ، وأما هي فكانت تُنْسَبُ إليه بناءً على أنَّ أولادَ بناتِه يُنْسَبُونَ إليه.

ولَو كان لِزَينَبَ ابنةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولَدٌ ذَكَرٌ، لَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الحسَنِ والحُسَين في أنَّ ولدَهُ يُنْسَبُونَ إليه صلى الله عليه وسلم، هذا تحرِيرُ القَولِ في هذه المسألةِ، وقدْ خَبَطَ جماعةٌ مِن أهلِ العَصْرِ في ذلك، ولم يتكلموا فيهِ بِعِلْمٍ).

الوجه الرابع: هل يطلق على أولاد زينب أشراف؟ وسيأتي كلامه بتمامه.

الوجه الخامس: أنهم تحرم عليهم الصدقة بالإجماع؛ لأنَّ بَنِي جعفر من الآل.

الوجه السادس: أنهم يستحقون سَهْمَ ذَوِي القُرْبَى بالإجماع.

ص: 188

الوجه السابع: أنهم يستحقون مِن وَقْفِ «بِرْكَةُ الحَبَش»

(1)

بالإجماع؛ لأن بركة الحبَش لم توقف على أولادِ الحسن والحسين خاصة، بل وُقِفَتْ نصفين:

النصف الأول: على الأشراف، وهم أولاد الحسن والحسين.

والنصف الثاني: على الطالبيين، وهم: ذرية علي بن أبي طالب من محمد ابن الحنفية وإخوته، وذرية جعفر بن أبي طالب، وذرية عقيل بن أبي

(1)

قال ياقوت الحموي: (بِرْكَةُ الحَبَشِ: هي أرضٌ في وَهْدَةٍ من الأرض واسعة، طولها نحو ميل، مُشرِفَةٌ على نيل مصر خلفَ القرافة، وقْفٌ على الأشراف، تُزرَعُ فتكونُ نزهةً خضِرَةً لِزكَاءِ أرضها واستفالها واستضحائها وريِّها، وهي مِن أجلِّ متنزهات مصر، رأيتُها ولَيسَتْ بِبِرْكَةٍ للماء، وإنما شُبِّهَتْ بها، وكانت تُعرَفُ بِبركَةِ المعافِر، وبِرْكَةِ حمير، وعندها بساتين تُعرَفُ بالحَبَش، والبِركة مَنْسُوبَةٌ إليها

).

وقال المقريزي (ت 845 هـ): (

وتُعرفُ ـ أيضاً ـ باصطبل قرَّة، وعُرفَتْ ـ أيضاً ـ باصطبل قامش، وهي مِن أشهر بِرَكِ مِصر، وهي في ظاهر مدينة الفسطاط من قبليها، فيما بين الجبل والنيل، وكانت من الموات، فاستنْبَطَها قرَّة بنُ شريك العنبسي أمير مصر، وأحياها وغرسها قصبَاً، فعُرِفَتْ باصطبل قرَّة، وعُرفَتْ أيضاً باصطبل قامش، وتنقَّلَتْ حتى صارَتْ تُعرَفُ ببركة الحبش، ودخلَتْ في مُلْكِ أبي بكر المارداني، فجَعَلَهَا وقفَاً.

ثمَّ أُرصِدَتْ لِبَنِي حَسَنٍ وبَنِي حُسينِ ابنَي عليِّ بنِ أبي طالب رضي الله عنهم، فلم تزل جارية في الأوقاف عليهم إلى وقتنا هذا .... إلخ). وقد أطال في بيانها.

انظر: «معجم البلدان» (1/ 401)، «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» للمقريزي (3/ 269).

ص: 189

طالب ....

الثامن: هل يلبسون العلامة الخضراء؟

سيأتي نقل كلامه عند ذكر المسألة.

التاسع: هل يدخلون في الوصية على الأشراف؟

والعاشر: هل يدخلون في الوقف على الأشراف؟

وذكر أن المرجع نص الوصية والوقف

(1)

، فإن كان فيهما ما يدل على الدخول أو الخروج، عُمِل به، قال: (وإن لم يُوجَد فيه ما يدُلُّ على هذا، ولا هذا، فقَاعِدَةُ الفِقْهِ: أنَّ الوَصَايَا والأوقافَ تُنَزَّلُ عَلى عُرْفِ البَلَدِ، وعُرْفُ مِصْرَ مِن عَهْدِ الخلَفَاء الفَاطِمِيِّيْن إلى الآن:

أنَّ الشريفَ لَقَبٌ لِكُلِّ حَسَنِيٍّ وَحُسَيْنِيٍّ خَاصَةً، فَلا يَدْخُلُونَ عَلى مُقْتَضَى هذا العُرْفِ، وإنِّما قدَّمْتُ دُخُولهم في وَقْفِ بِرْكَةِ الحبَشِ؛ لأنَّ واقِفَهَا نَصَّ في وَقْفِهِ عَلى ذَلِكَ، حيثُ وقَفَ نِصفَهَا عَلى الأشَرافِ، ونِصْفَهَا عَلى الطَالِبِيِّيْنَ).

(2)

(1)

فائدة: ذكر ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (31/ 94) أن: (مَنْ وَقَفَ عَلى الأشرافِ، فإنَّ هذَا اللفظَ في العُرْفِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ إلا مَن كانَ صَحِيحَ النَّسَبِ مِنْ أهْلِ بَيتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم).

(2)

«العجالة الزرنبية في السلالة الزينبية» = وهي في «الحاوي للفتاوي» (2/ 37 ـ 41)، ونقلها عنه مختصراً الصالحي (ت 942 هـ) في «سبل الهدى والرشاد» (11/ 51).

ص: 190

لقب الأشراف = الشريف، والسيد:

قال السيوطي (ت 911 هـ) رحمه الله في الوجه الرابع من مسائل الزينبية: هل يطلق على أولاد زينب أشراف؟

فأجاب: (إنَّ اسمَ الشريف كان يطلق في الصدر الأول على كل مَن كان من أهل البيت سواء كان حَسنياً أم حُسينياً أم عَلَوياً، مِن ذرية محمد بن الحنفية وغيرِه منِ أولاد علي بن أبي طالب، أمْ جعفرياً أم عَقيلياً أم عباسِياً، ولهذا تجد «تاريخ الحافظ الذهبي» مشحوناً في التراجم بذلك يقول: الشريف العباسي، الشريف العقيلي، الشريف الجعفري، الشريف الزينبي.

فلما ولي الخلفاءُ الفاطميون بمصر، قصرُوا اسمَ الشريف على ذُرِّية الحسن والحسين فقط، فاستمَرَّ ذلك بمصر إلى الآن، وقال الحافظ ابن حجر في كتاب «الألقاب»: الشريف ببغداد لقبٌ لكلِّ عباسي، وبمصر لقب لكل عَلَوي. انتهى.

ولا شك أنَّ المصطلح القديم أولى، وهو: إطلاقه على كل عَلَويٍّ وجعفريٍّ وعَقيليٍّ وعَباسيٍّ، كما صنعه الذهبي، وكما أشار إليه الماوردي من أصحابنا، والقاضي أبو يعلى ابن الفراء من الحنابلة، كلاهما في «الأحكام السلطانية» ، ونحوه قول ابن مالك في «الألفية»: وآله المستكملين الشرفا.

فلا رَيبَ في أنه يُطلَقُ على ذرية زَينَبَ المذكورين أَشرافٌ، وكَمْ أطلقَ الذهبي في «تاريخه» في كثير من التراجم قوله: الشريف الزينبي.

ص: 191

وقد يُقال: يُطلَقُ على مصطلح أهل مصر: الشرَفُ أنواع: عامٌّ لجميع أهل البيت، وخاصٌّ بالذرية، فيدخل فيه الزينبية، وأخصٌّ منهُ: شَرَفُ النِّسْبَةِ، وهو مُختَصٌّ بذرية الحسن والحسين). انتهى كلام السيوطي.

(1)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ) رحمه الله: (وأما اسمُ الشَّرَفِ فليسَ هُو مِن الأسماءِ التي علَّقَ الشارعُ بِها حُكْمَاً حتَّى يكونَ وحدَهُ مُتلَّقَى مِن جِهَةِ الشارِع ..... ثم ذكر معنى الشريف لغة واصطلاحاً، وقال:

فالشريفُ هُو مَنْ له الرئاسة والسلطانُ، لكن لما كانَ أهلُ البيتِ أحقُّ مِن أهلِ البيوت الأخرى بالشرَفِ؛ صَارَ مَنْ كانَ مِن أهلِ البيتِ يُسَمَّى شَرِيفَاً.

فأهلُ العِراق لا يُسَمُّونَ شَرِيفَاً إلا مَن كان من بني العباس، وكثيرٌ مِن أهلِ الشام، وغَيرِهم، لا يُسَمُّونَ شَرِيفاً إلا مَنْ كَانَ عَلَوِيَّاً.

(2)

(1)

«العجالة الزرنبية في السلالة الزينبية» ، ضمن «الحاوي للفتاوي» (2/ 39).

(2)

وقال ابن تيمية في ردِّه على الرافضي في «منهاج السنة» (4/ 558 ـ 559): (

ولَكِنْ قتَلَ الحجاجُ كثيراً من أشرافِ العَرَبِ، أي: سادَاتُ العرب. ولما سمِعَ الجاهلُ أنه قتَلَ الأشرافَ ــ وفي لُغَتِهِ أنَّ الأشرافَ هُمْ: الهاشميون أو بعضُ الهاشميين، ففي بعض البلاد أنَّ الأشرافَ عندَهُمْ: ولَدُ العبَّاس، وفي بعضِها الأشرافُ عندَهُم: ولَدُ عَليٍّ ـ.

ولفظُ «الأشراف» لا يتعَلَّقُ بِه حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وإنِّما الحُكْمُ يتعَلَّقُ بِبَنِي هَاشِمٍ، كتَحرِيمِ الصَّدَقَةِ، وأنَّهمْ آلُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك).

فائدة: إطلاق الأشراف في العراق على العباسيين، وفي الشام على العلويين، نتيجة التأثير السياسي؛ لأن قاعدة العباسيين في العراق (132 هـ ـ 656 هـ)، وفي الشام نفوذ العبيديين (دولتهم 358 هـ ـ 567 هـ)، بدليل أن الاطلاق نفسه في مصر، لوجود قاعدتهم كما في نص ابن حجر.

أفاد ذلك الشيخ: إبراهيم بن منصور الهاشمي في «تنبيه الحصيف» (ص 29 ـ 30).

ص: 192

وأما أحكامُ الشريعةِ التي عُلِّقَتْ، فهي مذكورةٌ باسمِ النبي صلى الله عليه وسلم، وباسمِ أهلِ بيتهِ، وذَوِي القُرْبَى، وهذه الأسماء الثلاثةُ تَتَنَاوَلُ جَميعَ بَنِي هاشم، لا فَرقَ بَينَ ولَدِ العبَّاسِ، ووَلَدِ أبي طالب، وغَيرِهم.

وأعمامُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الذين بَقِيَتْ ذُرِّيَتَهُم: العباسُ،

وأبو طالب، والحارثُ بنُ عبدالمطلب، وأبو لهب. فمَنْ كان من ذرية الثلاثة الأولى؛ حَرُمَتْ عليهم الزكاةُ، واستَحَقُّوا مِن الخُمُسِ باتِّفَاقِ.

وأما ذُرِّيةُ أبي لهب، ففَيْهِ خِلافٌ بَين الفقهاء؛ لِكَونِ أبي لهب خَرَجَ عَن بني هاشم لما نَصَرُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم ومَنَعُوهُ ممَّنْ كان يُريدُ أَذَاهُ مِن قريش.

ودخَلَ مع بني هاشمٍ بنُو المطَّلِب ..... وذكر حديث «إنما بنو هاشم وبنو المطلِّب شئٌ واحد» .

وأفضلُ الخَلقِ: النبيُّونَ، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ثمَّ الصالحون، وأفضلُ كُلِّ صِنْفٍ: أتقاهُم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا فضلَ لِعَرَبيٍّ عَلى

ص: 193

عَجَمِيٍّ، ولا لِعَجَمِيٍّ عَلى عَرَبِيٍّ، ولَا لِأَبْيَضَ عَلى أسوَدَ، ولا لِأسودَ على أبْيَضَ، إلا بالتَّقْوَى». هذا في الأصنافِ العامَّةِ.

وأفضَلُ الخلقِ في الطبَقَاتِ: القَرنُ الذين بُعِثَ فيهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ الذين يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الذين يَلُوْنَهُمْ.

وأما في الأشخاص: فأفْضَلُهُمْ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ إبراهيمُ عليه السلام.

فتَبَيَّنَ أنَّ الشَّرَفَ لَيس لِبَنِي هَاشِمٍ خَاصَّةً، بل يَتنَوَّعُ بِحسَبِ عُرْفِ المخَاطَبِيْنَ، ومَقَاصِدُهُمْ.

وأمَّا المسمَّى بِهذا اللفظ، فيُقَالُ: مِن الأحكام ما تشتَرِكُ فيه قُرَيشٌ كُلُّهَا، نحو: الإمامة الكبرى ....

ومن الأحكامِ ما يختَصُّ بِبَنِي هاشِمٍ، أو بَنِي هاشمٍ معَ بَنِي المطَّلِبِ، دون سائر قريش، كالاستحقاقِ مِن خُمُسِ الغنائم، وتحريمِ الصدَقَةِ، ودُخُولِهم في الصلاة إذا صُلِّيَ عَلى آلِ محمَّدٍ، وثُبُوتِ المزِيَّةِ عَلى غَيرِهِمْ.

ومَنْ كانَتْ أمُّهُ قُرَشِيةً دُونَ أبِيهِ، لم يَستَحِقَّ الإمَامَةَ التِي اختُصَّتْ بِها قُريشٌ.

ومَن أُمُّهُ هاشِمِيَّةً أوْ غَيرَ فاطَمِيَّةٍ، وأبوه لَيس بهاشِمِيٍّ ولا مُطَّلِبِيٍّ؛ فَلا يَستحِقُّ مِن الخُمُس كما يستحقُّ بنُو هاشِم، وإنْ كانَ ينتَسِبُ إليهم نَسَبَاً مُطلَقَاً، فلَهُ نوْعُ امتِيَازٍ لِكَوْنِ أُمِّهِ مِنْهُم.

ص: 194

وأمَّا أَوْلَادُ العَتَرَةِ، فلَهُم مِن الاختصاصِ بقَدْرِ مَا لهُمْ مِن النَّسَبِ؛ لِكَونِ أحدِهِمْ أفضلَ مِنْ غَيرِهِمْ.

وبِكُلِّ حالٍ، فهذه الخصائصُ لا تُوجِبُ أنْ يكونَ الرَّجلُ بنفسِهِ أفضلَ مِن غيرِهِ لأجلِ نَسَبِهِ المجَرَّدِ، بل التفاضُلُ عِندَ الله بِالتقَوى كما قال صلى الله عليه وسلم:«إنَّ آلَ بَنِي فُلَانٍ، لَيسُوا لِي بِأَولِيَاءَ، إنَّما وَلِيِّيَ الله، وصَالحُ المؤمنين» .

فمَنْ كانَ في الإيمانُ والتقوى أفضلُ؛ كانَ عِندَ الله أفضلَ ممَّنْ هُو دُونَهُ في ذلك، وأولَاهُمْ بِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم وإِنْ كان غيرُهُ أقربَ نَسَبَاً مِنْهُ، فإنَّهُ لا شَكَّ أنَّ الولَايَةَ الإيمانِيَّةَ الدِّينِيَّةَ أعظمُ وَأوثَقُ صِلَةً مِن القَرَابَةِ النَّسَبِيَّةِ، والله أعلم).

(1)

ذكر ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) رحمه الله أنه لُقِّبَ بِالشريف: كلُّ عبَّاسيٍّ بِبغداد وكذلك كُلُّ عَلَويٍّ بِمِصْر).

(2)

علَّق عليه السخاوي في «الأجوبة المرضية» بقوله: (قلتُ: ولهم الطالبيون وهي: نِسبَةٌ لِأولادِ علي بن أبي طالب، وأخويه: جعفر الطيار،

(1)

«مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية» للبعلي (ص 721 ـ 724)، وعنه: في «المستدرك على مجموع الفتاوى» (1/ 115). وقد نقل بعضَه: ابنُ مفلح في «الفروع» (7/ 382).

(2)

«نزهة الألباب في الألقاب» (1/ 399) رقم (1669).

ص: 195

وعقيل رضي الله عنهم، ومَيَّزُوا ذريةَ عَليٍّ من بَينهم بالعَلَوِيِّين، ويقال لِنقيبهم ببغداد: نقيب الطالبيين، كما أنه يُقال لنقيب العباسيين: نقيب الهاشميين.

(1)

وربما خُصَّتْ ذُرِّية عليٍّ من فاطمة عليهما السلام بالفاطميين، بل وُجِد من ذرية علي مِن غيرها مَن نُسب كذلك.

ومَيَّزوا ذُريةَ عقيل بالعقيليين، وذُريةَ جعفر بالجعفريين، ووصف الحافظُ عبدُالعزيز بنُ محمد النخشبي وغيرُهُ بعضَ المنسوبين إلى جعفر بالسَّيِّد.

ولهم الإسحاقيون، نسبة لإسحاق بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

والزيدون نسبة لزيد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

والزينبيون لمن يكون من ذرية زينب ابنة سليمان بن علي، أم محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن العباس بن عبد المطلب.

وفي شرح ذلك طول .....

إلى أن قال السخاوي: والقصدُ: أنَّ شرَف مَن عدا ذرية الحسن

(1)

قال أبو سعد السمعاني (ت 562 هـ) رحمه الله في «الأنساب» (9/ 7) في رَسم

«الطالبي» : (

وجماعة من أولاد علي، وجعفر، وعَقيل، يُقال لهم:«الطالبي» ؛ لانتسَابِهم إلى أبي طالب، وفيهم كثرةٌ، ولأبي الفرج الأصبهاني «مقاتل الطالبيين» ، ونَقِيبُ العَلويين ببَغْدَاد يُقالُ له: نقيب الطالِبِيِّين، ويُقَال لِنقيب العبَّاسِيِّين: نقيب الهاشميين).

ص: 196

والحسين لا يوازي شرَفَهُم، وليس لهم التمييز بالشطفة

(1)

الخضراء على رؤسهم الحادية، حيث كان العُرْفُ تخصِيصُها بأولادِ الحسن والحسين؛ لحصولِ الاشتباه.

وبالجملة: فقد قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} الحجرات: 13

ويُروى عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «آل محمد كل تقي» . وسنده ضعيف.

وفي نوادر أبي العيناء أنه غضَّ من بعض الهاشميين، فقال له: أتغُضَّ منِّي وأنت تصلِّي عليَّ في كل صلاة في قولك: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد؟ !

فقال: إني أريدُ الطيِّبِين الطاهِرين، ولستَ منهم

(2)

).

(3)

وُجِّه سُؤال إلى السخاوي (ت 902 هـ) رحمه الله ونصُّه:

عن الأشراف الحسنية والحسينية أولاد علي مِن فاطمة الزهراء

ــ رضوان الله عليهم ــ هل يُلحق بهم ذريةُ جعفر بن أبي طالب أخي علي في الشَّرَفِ والشَّطفَةِ الخضْرَاء، وقولهم: جدُّنا المصطفى؟ وكذا هل يلحق به العلوية أولاد علي من الحنفية؟

(1)

تصحفت الكلمة في المطبوع في جميع المواضع الواردة فيه إلى «الشظفة» .

(2)

وذكرها ابن حجر في «فتح الباري» (11/ 160).

(3)

«الأجوبة المرضية» للسخاوي (2/ 421 ـ 422).

ص: 197

فأجاب وأطال، وسمَّى الجوابَ:«الإسعاف بالجواب عن مسألة الأشراف»

(1)

ومما قال فيه:

الأشراف لجميع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم فلو ثبت انتساب أحدٍ لعبدالله بن جعفر من جهة مَن أعقب مِن أولاده مِن زينب سبطة

رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثبتَ له بذلك شرفٌ عظيم، لكنه دون الشرف الحاصل للمنسوبين إلى الحسن والحسين، لفضلهما على زينب.

وذكر أنَّ العلويين المنسوبين إلى علي من غير زوجِه فاطمة، وكذا الهاشميين، لهم شرف لكنه دون شرف ذرية الحَسنين.

وذكر أن ابن حجر يصف بالأشراف بعض المنسوبين إلى جعفر بن محمد بن علي، وكذا آل العباس بن عبدالمطلب.

وذكر أنه قد اختُلِفَ في انتساب بني البنات إلى أبي أمِّهِمْ، هل هو عامٌّ أو خاصٌّ بهِ صلى الله عليه وسلم؟

ونقلَ السخاوي عن عدد من العلماء أجوبتهم في مسألة الشرف، والشطفة، فقال:

(1)

وهو في «الأجوبة المرضية» للسخاوي (2/ 416 ـ 428) رقم (106)، وقد قال عنه بعد زمن، كما «الأجوبة المرضية» (2/ 797) رقم (209) أن جوابَه «الإسعاف

» قد انتشر، وكتبه عنه بعضُ المفتين.

ص: 198

وكتب من الشافعية على هذا السؤال الشيخُ السراج العبادي

(1)

ما نصه: الشرف المعروف المصطلح عليه الذي ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاص بأولاد الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لضرورة نفاسة النسب الشريف، فإن الأولاد إنما يُنسَبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، فلما لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ولَدٌ ذكر توسَّعُوا في نسبة أولاد ابنته إليه؛ محافظةٌ على بقاء هذا النسب ولشرفه على غيره من الأنساب. زاده الله شرفاً وتعظيماً.

وأما أولادُ جعفر، فليسوا من أولاد أحد من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما عبد الله بن جعفر، فإنه زوج ابنة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسبة زوجته إلى أبيها، ففات المعنى المقصود، والعلَوية وغيرهم، وإن كان لهم شرف النسبة إلى هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد فاتهم النسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فليس لأحدٍ لُبسُ العلامة، ولا هذه النسبة، بل يقتصر بها على محلها المتعارف المقرر، ولا يعدل عن ذلك ولا يقاس عليه غيره، فليس للقياس في مثل هذا مجال والحالة هذه.

(1)

عمر بن حسين بن حسن، أبو حفص السراج العبادي (ت 885 هـ). ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 81).

ص: 199

والفخر عثمان الحسيني

(1)

ونصُّه: أما الشرف الذي لأولاد السيد علي بن أبي طالب من فاطمة رضي الله عنهم أجمعين، فلا يُوازيه شرف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي:«إنَّ ابني هذا سيِّد» فأثبتَ له السيادةَ وأضافَه إليه بالبنوة، وليس هذا لأحدٍ غيرِ النبي صلى الله عليه وسلم أعني أولاد البنات ينسبون إليه دون غيره، وهو من هذا الحديث الصحيح.

وهُم المختصُّون بالأوقاف على الأشراف، وهم الذين جرى العرف بتميزهم بالشطفة الخضراء على رؤوسهم، وأما غيرُهم من أولاد بقية بناتِه، فجدُّهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بلا شك، غير أنهم لا يوازون أولادَ عليِّ بنِ أبي طالب من فاطمة رضي الله عنهم أجمعين فيما تقدم.

وأمَّا

(2)

تميزهم بالشطفة الخضراء، فليس لهم ذلك، إذْ العُرْفُ يُخالِفُه فحَمْلُهُمْ لها يُوهِمُ أنهم من أولاد الحسن أو الحسين رضي الله عنهم، ويُخشى من ذلك اشتهارهم بها، فربَّما نُسِيَ الأصلُ ونُسِبُوا بسببِ ذلك إلى الحسن أو الحسين، وذلك خطر عظيم. والله تعالى أعلم.

(1)

عثمان بن عبدالله بن عثمان، أبو عمرو الحسيني الشافعي (ت 877 هـ).

ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 131).

(2)

في المطبوع: (ومما تقدم تميزهم

)، وهو خطأ مطبعي فيما يظهر لا تستقيم معه العبارة.

ص: 200

وكتبَ من المالكية البرهان اللقاني

(1)

ما نصه: الشرف لأولاد علي رضي الله عنه من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيَخرُجْ أولاد علي مِن غيرها، وأولادُ أخواتها من غير علي، فلَيسَ لأحَدٍ منهم أنْ يدَّعِي شَرَفَاً، لكن يجوز لأولاد أخوات فاطمة وذرِّيَتِهمْ أن يقولوا: جدُّنَا، ولا يدخلونَ في وَقْفِ الأَشْرَافِ إلا بتَنصِيصٍ مِن الواقِف، ولا يجوز لأحَدٍ ممَّنْ ذُكِرَ حَمْلُ العلامةِ الدَّالَةِ عَلَى الشَرَفِ.

وكتب بجانب خطِّهِ مِن المالكية أيضَاً: أحمد بن حسين الحسيني القاضي بالقرب من جامع الفكاهين: جوابي كما أجاب به الشيخ برهان الدين المذكور أعلاه، أبقاه الله للمسلمين وحفظ به الدين آمين).

(2)

انتهى المراد نقله من رسالة السخاوي: «الإسعاف بالجواب عن مَسألَةِ الأشرَاف» .

وللسخاويِّ جوابٌ آخر ـ جاء بعد زمن من رسالته «الإسعاف

»

قال السخَاويُّ (ت 902 هـ) رحمه الله: سُئلتُ عن مَن زعمَ انتسَابَه إلى الزبير بن العوام، ومَيَّزَ نفسَه بِشَطْفَةٍ خَضراءَ كآلِ النبي صلى الله عليه وسلم، أَيُمْنَعُ أمْ لا؟

(1)

إبراهيم بن محمد القاضي المالكي (ت 896 هـ). ترجمتُه في: «الضوء اللامع» للسخاوي (1/ 161).

(2)

«الأجوبة المرضية» للسخاوي (2/ 419 ـ 428).

ص: 201

فالجواب: أما الزبيرُ بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى أخي عبد مناف ابني قصي الذي يجتمع هو ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيه، مع كونهِ ابنَ عمِّةِ النبي صلى الله عليه وسلم، لأنَّ أمَّهُ هي صفيةُ أختِ حمزةَ والعباسِ بَنِي عبدِالمطلب رضي الله عنهم، فمَنْ صحَّتْ نِسبَتُه إليه رضي الله عنه بالطريقِ المعتبرِ؛ فَلَهُ بذلك فَخْرٌ، لِأنه حوارِي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وابنُ عمته، وأحدُ العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم، ويَنتَفِعُ المنتَسِبُ بِذلِكَ إنْ صَحِبَهُ القِيَامُ بِأمْرِ الدِّينِ، ولم يَكُنْ فيهِ مِن المتهَاوِنِينَ، قال الله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} الحجرات (13).

ويُقالُ لِلْمُنْتَسِبِ كذلك: زُبَيري وقُرَشِي، ولكِنَّ التميُّزَ بالشَّطْفَةِ الخضراء إنِّما اختُصَّ عُرْفَاً بذُرِّيَّةِ السِّبْطَيْنِ، رَيحَانَتَي النبي صلى الله عليه وسلم، أعني: الحسنَ والحُسَين ابنَي فاطمة الزهراء رضي الله عنهم؛ حتَّى إنَّ مَن كان مَنْسُوبَاً لأُختِهما زَينبَ ابنةِ فاطمة أيضاً، مع كَونِها سِبْطَةَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، لم يُمَيَّزْ بِذلكَ، فَضْلاً عَن غيرِهِ، لِكونهما ـ أعني الحسن والحسين ـ أفضلَ من زينبَ بِلا شَك؛ لامتيازهما بكَثِير من الخصوصيات.

وإذَا ثَبتَ العُرْفُ بِذَلكَ انضَافَ إليه اختِصَاصُهُمْ بالأوقاف المرْصَدَةِ لِلأشرَافِ، فَلا يَحْسُنُ التعَدِّي بِالشَّطْفَةِ لِغَيرهِم، ممَّنْ انتسَبَ إلى الزبير، ولَا إلى غَيرِهِ، ممن هُو أقربُ مِنهُ نَسَبَاً، كالعباس عمِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وصِنْوِ أَبِيهِ، الذي ولَدُهُ البَحْرُ عبدُالله تَرجمان القرآن هُوَ جَدُّ الخُلَفَاءِ، مع وصفِ

ص: 202

ذُرِّيتِه رضي الله عنه بالشَّرَفِ، لِكَونِهِم مِن بَنِي هاشم، فقد قال صلى الله عليه وسلم:

«إنَّ الله تعالى اصطفى كنانة مِن ولدِ إسماعيل، واصطفى قُريشَاً مِن كِنانة، واصطفى هَاشِمَاً مِن قُريش، واصطفَاني مِن بَنِي هاشم» .

إلى أن قال:

وحِينئذ فيُمنَعُ مِن أشركَ نفسَه معهُم في هذه الخصوصية؛ لِتَضَمُّنِهِ إيهَامَ الاشتراك، وربما بتمادِي الزمان تَحصُلُ المزاحمةُ لهم في الأوقاف، وغيرِ ذلك، مما هُمْ المقصُودُوْنَ بِهِ، ويُثَابُ القَائِمُ بالسَّعْي في ذلِكَ.

هذا كلُّهُ إنْ صَحَّتْ النِّسْبَةُ المشارُ إليها، ولم تكُنْ نِسْبَةً للزُّبَيْرِيَّةِ، قَرية مِن قُرى المحلَّةِ، فقَدْ انتسَبَ إليها جماعةٌ، وحَصَلَ الاشتِبَاهُ بِذلك، فظَنَّ أنَّ بعضَ مَن نُسِبَ إليها مِن ذُرِّيةِ الزُّبيرِ بنِ العوَّام.

وذكر السخاوي أحاديث في تحريم ادِّعاء النَّسَبِ الذي لا يصح.

ثم قال:

وقد روى أبو مصعب

(1)

، عن مالك بن أنس رحمه الله قال: «مَنْ انتَسَبَ

(2)

إلى بَيتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ـ يعني بالباطل ـ؛ يُضرَبُ ضَرْبَاً

(1)

الزهري.

(2)

في بعض نسخ «الشفا» للقاضي عياض، وشرحه للقاري (4/ 571)، وبحاشية الشمني (2/ 311): مَن سَبَّ من انتسب إلى بيت النبوة

إلخ.

وليس في الانتساب فقط، وقد أورده القاضي في فصل: مَن سبَّ آل بيته وأزواجِه =

ص: 203

وَجِيْعَاً، ويُشْهَرُ، ويُحبَسُ طَويلاً حتَّى تَظْهَرَ تَوبَتُهُ؛ لأنَّه استِخْفَافٌ بِحَقِّ الرسولِ صلى الله عليه وسلم».

قلتُ ـ السخاوي ـ: ورَحِمَ الله مَالِكَاً، كيفَ لَو أدرَكَ مَن يتَسَارَعْ إلى ثُبوتِ ما يَغْلِبُ على الظَنِّ التوقُّفُ في صِحَّتِهِ مِن ذلك بِدُونِ تَثبُّتٍ، غيرَ مُلَاحِظٍ مَا يتَرتَّبُ عَلَيهِ مِن الأحكام، غَافِلاً عَن هذا الوعيد الذي كانَ مُعِينَاً عَلى الوقوعِ فِيهِ، إمَّا بثُبُوتِهِ، أو بِالإعذَارِ فيهِ؛ طَمَعَاً في الشيءِ التَّافِهِ الحَقِيرِ، قائلاً:«الناسُ مُؤتَمَنُونَ عَلى أنْسَابِهِمْ»

(1)

؟ !

= وأصحابِه. «الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم» تحقيق: عبده كوشك

(ص 881).

وهو كذلك في ما نقله السبكي في «السيف المسلول على مَن سب الرسول» (ص 421)

أما مَن حذف كلمة السب، وجعله في الانتساب فقط ـ كما عند السخاوي هنا ـ فقد ذكره: القرافيُّ في «الذخيرة» (12/ 31)، وعلا الدين الطرابلسي الحنفي في «معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام» (ص 192) ـ مع أنه أورده في أبواب مَنْ سَبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأزواجَه وآلَ بيته ــ، وعليش في «منح الجليل شرح مختصر خليل» (9/ 241)، والعدوي في حاشيته على «شرح مختصر خليل للخرشي» (8/ 74).

والظاهر أن عبارة الإمام مالك في مَن سبَّ آل البيت، وليس في الانتساب، مع خطورتِه أيضاً.

(1)

قولٌ مَنسوبٌ إلى الإمام مالك، وغيرِه. ولم أجدْهُ مسنَدَاً. وقد بَيَّضَ له الحافظُ ابنُ حجَر في «أجوبته» (ص 46). =

ص: 204

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال السخاوي في «المقاصد الحسنة» (5/ 258) رقم (1241) ـ ط. الميمنة ـ: (حديث «المؤمن مؤتمن على نسَبِه» بيَّض له شيخنا في بعض أجوبته، وأظنه من قول مالك أو غيره، بلفظ: «الناس مؤتمنون على أنسابهم»).

وعن السخاوي: ملا قاري في «الأسرار المرفوعة» ، والعامري في «الجد الحثيث في بيان ماليس بحديث» ، والعجلوني في «كشف الخفاء» ، وغيرهم.

قال القرافي في «الذخيرة» (12/ 115) في أحكام القذف: (فرعٌ: قال في «الموازية» : إن قذفَ الغريب فعليه إقامة البينة على نسَبِهِ، إلا أن يطول الزمان وينتشر عند الناس ويُعرَف به، فيُحَدَّ قاذِفُهُ. قال مالك: والناسُ عَلى أنسَابِهِمْ لِأنَّهُم حَازُوهَا، وعُرِفُوا بِهَا، كالأمْلَاكِ. ومَن ادَّعى غيرَ ذلكَ كُلِّفَ البيِّنَةَ وإلا حُدَّ

).

قال الشيخ: بكر أبو زيد في «معجم المناهي اللفظية» (ص 537): (هذا لا أصل له مرفوعاً، ويذكر علماء التخريج أنه من قول مالك وغيره من العلماء، وإلى هذه الساعة لم أقف عليه مسنداً إلى الإمام مالك أو غيره من العلماء، فالله أعلم).

وأحال الشيخ بكر رحمه الله في بيان معناه إلى كتابِه «المواضعة» = في «فقه النوازل» (1/ 122 ـ 123)، وفيه يقول: (وقولهم أيضاً: الناس مؤتمنون على أنسابهم.

وهو لا أصلَ له مرفوعاً، ويُؤثر عن الإمام مالك -رحمه الله تعالى-.

وهَهُنا فائدةٌ يحسُن تقيِيدُها والوقوفُ عليها، وهو: أنَّ هذا ليس معناه تصديقَ مَنْ يدَّعِي نسَبَاً قَبَلِيَّاً بِلا بُرْهَان، ولَو كانَ كَذلِكَ؛ لاختَلَطَتْ الأنسَابُ، واتَّسَعَتْ الدَّعْوَى، وعاشَ الناسُ في أمْرٍ مَريجٍ، ولا يَكُونُ بَينَ الوَضِيعِ والنَّسَبِ الشَّرِيفِ إلا أنْ يَنْسِبَ نَفْسَهُ إليه؛ وهذا مَعنَى لا يُمْكِنُ أنْ يقبَلَهُ العُقَلاءُ، فَضْلاً عَن تَقْرِيرِهِ.

إذا تقَرَّرَ هذَا، فمَعْنَى قَولِهم:«الناس مؤتمنون على أنسابهم» هُو قَبُولُ مَا لَيْسَ فِيهِ جَرُّ مَغْنَمٍ =

ص: 205

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أو دَفْعُ مَذَمَّةٍ ومَنْقَصَةٍ في النَّسَبِ، كدَعْوَى الاستِلْحَاقِ لِوَلَدِ مَجهُولِ النَّسَبِ، والله أعلم). انتهى.

وقيَّدَ العلماء هذه العبارة بمَن لم يدَّعِ الشرف، ومن لم يجرَّ على نفسه مالاً، ومالم يُنازَع، ومالم يكن من وراء ذلك دفع مذمَّةٍ في النسَب. وهذا كله مع إعمال قواعد علم النسَب، ومنها: الشهرة والاستفاضة، مع البيِّنَة الصحيحة على هذه الدعوى.

فهي قرينة من القرائن لا قاعدة فضلاً أن تكون قاعدةً مطَّرِدَةً.

ولا تعني هذه المقولة ترك بيان حال الأنساب الدخيلة، وتصحيح دعوى النسب، بل العلماء على مَرِّ العصور على العمل بذلك تأليفاً وبياناً وتصحيحاً، ونهياً عن المنكر في ادعاء المرء نسباً ليس منه.

انظر في بيان هذه المقولة رسالةً قيِّمةً بعنوان: «وقفة مع القول المشهور: الناس مؤتمنون على أنسابهم» للشيخ البحاثة النسابة: أبي هاشم، إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير، ط. دار الصديق في الجبيل، ط. الأولى 1436 هـ، ثم طبعها مع ستِّ رسائل في علم النسب، في دار خير جليس، ط. الأولى للمجموع 1439 هـ، وهي الرسالة الرابعة فيه.

وللشيخ إبراهيم الهاشمي كُتبٌ عديدة في العناية بأنساب الأشراف خاصة، طُبعت مفردة، ثم جمعَها في المجموع السابق ذِكْرُه، وهي:

1 ـ «الإفاضة بأدلة ثبوت النسب ونفيه بالشهرة والاستفاضة، وفيه حكم الاستشهاد بوثائق البيع والشراء في تثبيت الأنساب» .

2 ـ «كشف الأسباب الحاملة على ادِّعاء الأنساب الفاضلة» .

3 ـ «تنبيه النبيل إلى وجوب كشف النسب الدَّخِيل» .

4 ـ «وقفة مع القول المشهور: الناس مؤتمنون على أنسابهم. =

ص: 206

وهذا لَعمْرِي توسُّعٌ غَيرُ مُرِضِيٍّ، ومِنْ هُنا تَوقَّفَ كثِيرٌ ممن أدرَكنَاهُ مِن قُضَاةِ العَدْلِ عن التعَرُّضِ لِذلِكَ، ثُبُوتَاً ونَفْيَاً؛ لِلرَّهْبَةِ مما قدَّمْتُهُ.

ويُقال: إن السببَ في كون الشطفة خضراء أن المأمون رحمه الله أراد أن يجعل الخلافة في بني فاطمة، فاتخذَ لهم شعارَاً أخضَرَا، ألبسهم ثيابَاً خُضْرَاً .... فذكره، وذكر الألوان: الأبيض، والأحمر، قال: والأصفرَ لأنه ورد أن الملائكة عليهم السلام خرجوا يوم بدرٍ بعمائم صُفْرٍ

(1)

....

ثم قال السخاوي: وقد جمعْتُ للأشرَافِ كتَابَاً سمَّيْتُهُ: «استجلابُ الغُرَفِ بِحُبِّ أقرِبَاءِ الرسُولِ وذَوِي الشَّرَفِ»

(2)

. كُتِبَ عَنِّي ـ ولله الحمد ـ، وانتَشَرَتْ نُسَخُهُ.

وكذا كَتَبْتُ مِن سِنين حيثُ سُئِلتُ مِن ذُرِّيةِ جعفر بنِ أبي طالب، أخي علي رضي الله عنهما أَتُلْحَقُ بالأشرَافِ الحسَنِيَّةِ أو الحسينية في الشرَفِ، والشطْفَةِ الخضْرَاء، جَوابَاً انْتَشَرَ، سَمَّيتُهُ «الإسعاف بالجواب عن مَسألَةِ الأشراف» ، وكتبَهُ عنِّي بعضُ المفْتِين، واللهُ الموفق).

(3)

= 5 ـ «من وُثِّق في علم، وضُعِّف في آخر: النسابة الكلبي نموذجاً.

6 ـ عمود النسب شرط كمال لا شرط صحة.

(1)

سئل عن ذلك السخاوي في موضع آخر من كتابه «الأجوبة» (2/ 855).

(2)

طُبع في مجلدين بتحقيقٍ وتخريجٍ وعنايةٍ رائعةٍ من د. خالد بن أحمد الصُّمِّي بابطين، ط. دار البشائر ـ بيروت ـ، في مجلدين، ط. الأولى 1421 هـ.

(3)

«الأجوبة المرضية» للسخاوي (2/ 793 ـ 797) رقم (209).

ص: 207

سئل ابن حجر الهيتمي المكي الصوفي (ت 974 هـ) رحمه الله عن الحكمة من اختصاص الشرف بذرية فاطمة دون سائر بنات النبي صلى الله عليه وسلم؟

والموقف ممن ادَّعى الشرَف وهو ذو أخلاق وأعمال سيئة، فهل يُصدَّق في دعواه، وكيف تتصور هذه النسبة الشريفة وعليه مخالفات؟ السائل من اليمن.

فأجاب بما ملخصه: أن الحكمة لأنَّ علياً تزوَّجَ فاطمةَ في السماءِ قبلَ أن يتزوجها في الأرض! !

(1)

وأنها سيدة نساء أهل الجنة، وتمييزها بتسميتها الزهراء إما لعدمِ كونها لا تحيض من غير عِلَّة، فكانت كنساءِ الجنة! وإما كونها على ألوان نساء الجنة! أو لغير ذلك.

فهذه المذكورات ونحوهما مما امتازت به من الفضائل لا يبعد أن تكون هي الحكمة في بقاء نسلها في العَالَمْ أمْنَاً لَهُ من عُمومِ الفِتَنِ والمحَنْ! !

وذكر أن الشَّرفَ لا يختص بأولاد فاطمة، وأن المحققين ذكروا أنه لو

(1)

أعتذر إلى القارئ؛ لإيراد مثل هذه الترهات والأباطيل، وما أوردتها إلا لجمع ما في الباب، وليعلم المحبُّ لدينِه مبلغَ عِلْم الصوفية.

وبخصوص الهيتمي رحمه الله وعفى عنه، انظر رسالة ماجستير مميزة جداً بعنوان:

«آراء ابن حجر الهيتمي الاعتقادية ـ عرضٌ وتقويم في ضوء عقيدة السلف ـ» للشيخ

د. محمد بن عبدالعزيز الشايع ـ ط. دار المنهاج في الرياض ـ.

ص: 208

عاشَ نَسْلُ زينب من أبي العاص، أو رقية، وأم كلثوم من عثمان، لكان لهما الشرف والسيادة ما لنسل فاطمة رضي الله عنهم

وقال: (ثُمَّ إذا تقرَّرَ ذلكَ، فمَنْ عُلِمَتْ نِسْبَتُهُ إلى آلِ البيت النبوي، والسرِّ العَلَوِيِّ، لا يُخرِجُهُ عن ذلكَ عَظيمُ جِنَايَتِهِ، ولا عَدَمُ دِيَانَتِهِ، وصيَانَتِهِ.

ومِن ثَمَّ قال بعضُ المحقِّقِين: مَا مِثال الشريفِ الزاني، أو الشارب، أو السارق مثَلاً، إذا أقمْنَا عليهِ الحدَّ إلا كأميرٍ أو سُلطَانٍ تلَطَّخَتْ رِجْلَاهُ بِقَذَرٍ، فغَسَلَهُ عنهما بعضُ خَدَمَتِهِ. ولقد بَرَّ في هذا المثالِ وحقَّقَ.

وليُتَأمَّلْ قولَ الناس في أمثالهم: الولَدُ العَاقُّ لا يُحْرَمُ الميراث. نَعَمْ الكُفْرُ إنْ فُرِضَ وُقُوْعُهُ لأَحَدٍ مِن أهلِ البيتِ ـ والعياذ بالله ـ هو الذي يَقطَعُ النِّسْبَةَ بَين مَنْ وقَعَ مِنهُ، وبَيْنَ شَرَفِهِ صلى الله عليه وسلم.

وإنِّما قُلْتُ: إنْ فُرِضَ؛ لأنَّنِي أكادُ أنْ أجزِمَ أنَّ حَقِيقَةَ الكُفْرِ لَا تَقَعُ مِمَّنْ عُلِمَ اتِّصَالُ نَسَبِهِ الصَّحِيحِ بِتِلْكَ البَضْعَةِ الكَرِيْمَةِ ـ حاشاهمُ الله مِن ذلك ـ.

وقدْ أحالَ بعضُهُمْ وقُوعَ نَحْوِ الزِّنَا أو اللواط ممَّنْ عُلِمَ شَرَفُهُ، فما ظَنُّكَ بِالكُفْرِ؟ !

هذا كلُّهُ فِيمَنْ عُلِمَ شَرَفُهُ كما تقرر.

وأمَّا مَن يُشَكُّ في شَرَفِهِ، فإنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ بوجَهٍ شَرْعِيٍّ؛ وَجَبَ عَلى كلِّ أحَدٍ تعظيمَهُ بِما فِيهِ مِن الشَّرَفِ، والإنكارِ عَلى مَا فِيهِ مِنْ الخِلالِ التي تُنْكُرُ شَرْعَاً، لما تقرَّر أنه لا يَلزَمُ مِن الشرَفِ عَدَمُ الفِسْقِ.

ص: 209

وإنْ لم يثبُتْ نسَبُهُ شَرعَاً، وادَّعَاهُ ولم يُعْلَمْ كَذِبُهُ؛ تَعَيَّنَ التوقُّفُ عَن تَكذِيْبِهِ؛ لأنَّ الناسَ مَأمُونُونَ عَلى أنسَابِهِمْ، فليُسَلَّمْ لَهُ حالُه، ولا ينْبَغِي لِلإنسانِ أن يتحَسَّى سُمَّاً وهُو قادِرٌ على السلامة، وإذا كان المنْسُوبُونَ لِرجُلٍ صَالِحٍ يتوقَّاهُمُ الناسُ، ويُعَظِّمُونَهُمْ، لِأجْلِ ذلك، فما بَالُكَ بالمنسوبين إلى سيِّد الخلقِ كلِّهم صلى الله عليه وسلم وشَرَّفَ وكَرَّمَ، وحشَرَنَا في زمرة مُحِبِّيْهِ، ومُحِبِّي آلِهِ وأصحابِهِ، آمين).

(1)

انتهى جوابه.

قلتُ: في السؤال والجواب ملحوظات عديدة: السائل والمجيب يرون العصمة لآل البيت من الوقوع في الكبائر، ويستحيل وقوعهم في الكفر!

وهذا محض ادِّعاء، مثَلُ آل البيت في هذا مثَلُ غيرهم سواء، وأقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت إسلامهم، ومن ذلك والداه، وبعض أعمامه، فليس لآل البيت عصمة من الكفر، والكبائر.

ولا يصح دعوى اختصاص أولاد فاطمة بالشرف، لأنَّ الأشرافَ هُم بنو هاشم، ولأن عقب بنات النبي صلى الله عليه وسلم قد انقطع، فلم يبق إلا عقب فاطمة، فأُطلِق عليهم الشرف بعد القرون المفضلة، فهو إطلاقٌ حَادِثٌ، وهُم أهلُ شرَفٍ في النَّسَبِ بلا شك.

ودعواه الزواج في السماء مبني على أكاذيب ـ ستأتيك في مبحث زواجها ـ.

(1)

«الفتاوى الحديثية» لابن حجر الهيتمي المكي (ص 292 ـ 294) رقم (128).

ص: 210

وتلقيبُها بالزهراء ليس من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو محدَثٌ في القرن الرابع الهجري.

ولا يثبت شئ أبداً في دعواه أنها لا تحيض!

وأما ادِّعاء أنَّ بقاءَ نسْلِ فاطمة في العَالَم أَمَنَةٌ لَهُ من عُمومِ الفِتَنِ والمحَنْ! !

فيُقال: أين الدليل على ذلك؟ ومِثل هذه مِن خرافات الرافضة، وإن بينهم وبين الصوفية نسَبٌ ومصاهرة في مثل هذه الخزعبلات ونحوها.

وأما ذِكرُهُ المثال وإعجابه به، بأن الشريف إذا أقيم عليه الحد .. إلخ هذا يستوي فيه الشريف وغيره، فالحدود كفارات، فلا معنى للمثال.

ووقوع الشريف نسباً في الكبائر لا يخرجه عن كونه شريف نسب، وإن كان وضيع عمَل، ولا يَلزَمُ مِن الشرَفِ عَدَمُ الفِسْقِ. فالعبرة بالتقوى، والحديث هنا عن النسَب المجرَّد فقط.

وفي هذه الجزئية أثبتَها الهيتميُّ، وهو فيها مصيب.

أما مالم يثبت نسبُه شرعاً وِفْقَ القواعد والضوابط والقرائن المعروفة عند أهل النسب، فإنه يُنكر على مدَّعيه، ويعاقَبُ على ذلك.

نعم يُتوقف في حالة كونِه أتى بعدَد من البينات والقرائن الصحيحة التي لا ترتقي لدرجة الإثبات، فيمكن النفي دون جزم، ويهاب المرءُ في ذلك.

ص: 211

الخلاصة أن الهيتمي أصاب في مسألتين: الشرف لا يختص بأولاد فاطمة، فلو قُدِّر أن لبنات النبي صلى الله عليه وسلم الثلاث عقب؛ لكان لهم شرف كأولاد فاطمة.

وأن الشرف لايلزم منه عدم الفسق.

وما عدا هاتين الجملتين، فأغلاط وتخاليط ـ والله أعلم ـ.

هذا، وقد ذكر القلْقَشندي القاهري (ت 821 هـ) رحمه الله نقلاً من كتاب «عرف التعريف» أن لقب الأشراف مختصٌّ بأبناء فاطمة من علي رضي الله عنهما.

(1)

وذكر الهيتمي المكي (ت 974 هـ) رحمه الله أن: (الشريف المنتسب من جهة الأب إلى الحسن أو الحسين؛ لأن الشرَف وإنْ عَمَّ كلَّ رَفِيعٍ، إلا أنه اختُصَّ بِأولاد فاطمة رضي الله عنهم عُرفَاً مُطَّرِدَاً عِنْدَ الإطلاق).

علَّق عليه عبدالحميد الشرواني (ت 1301 هـ) رحمه الله في حاشيته:

(لعلَّ هذا باعتبارِ زَمَنِهِ، وإلا فعُرْفُ الحِجَازِ وحَوَالَيه في زَمَنِنَا أنَّ الشريف الأول فقط، وأنَّ الثاني هو السيد.

وقوله: «إلا أنه اختص بأولاد فاطمة إلخ» هؤلاء هُمْ الذين جُعِلَتْ لهم العِمَامَةُ الخضراء؛ لِيمتَازُوا بِها، فَلا يَلِيقُ لِغَيْرِهِم مِن بقية آلِه صلى الله عليه وسلم

ص: 212

لُبْسُهَا؛ لأنه تزيٍّ بِزِيِّهِمْ فَيُوْهِمُ انتسَابَهُ لِلحَسَنِ أو الحُسَين، مع انتفاءِ نَسَبِهِ عنهما، ويُمنَعُ مِن ذلك فاعِلُهُ).

(1)

ونقل المناوي (ت 1031 هـ) رحمه الله أنهم عدُّوا من خصائص آل المصطفى صلى الله عليه وسلم إطلاق الأشراف عليهم. والواحد: شريف.

ونقل عن السيوطي في «الخصائص الكبرى» قوله: (بأن الأشراف ولدُ: علي، وعقيل، وجعفر، والعباس، كذا مُصطلَحُ السَّلَفِ؛ وإنَّما حدَثَ تخصيصُ الشريف بِولَدِ الحسن والحسين في مصر خاصة من عهد الخلفاء الفاطميين).

(2)

ذكر الشيخ: أحمد سلامة القليوبي (1069 هـ) رحمه الله في «حاشيته» أن: السيد الشريف: المنتسبون لأحد السبطين؛ لأنه المتعارف عند أهل مصر، والشريفُ أصالةً لقَبٌ لِكُلِّ مَنْ تحرُمْ عليه الزكاة من أهل البيت.

ثم نقل كلام السيوطي ـ السابق ـ عن لقب الأشراف.

(3)

(1)

«تحفة المحتاج في شرح المنهاج ـ للهيتمي ـ ومعه حواشي الشرواني والعبادي»

(7/ 54).

(2)

«فيض القدير» للمُنَاوي (1/ 522). ولم أجد النقل في مطبوعة «الخصائص الكبرى» ، وفيه عن آل البيت (2/ 264 ـ 267).

(3)

«حاشيتا قليوبي وعميرة» (3/ 170).

ص: 213

وذكر د. حسَّان الباشا أن لقب الشريف وُجِد مقروناً برجل من آل البيت في بعض النقوش، فوُجد نقش كُتب عام 295 هـ، وفي القرن 5 هـ،

و 6 هـ، وأن هذا اللقب استمرَّ سِمَةً في «مصر» على أبناء فاطمة، في عصر الأيوبيين، وعصر المماليك.

وذكر أنه أُضيف لقبُ الشريف في عهد المماليك لما يُضاف إلى السلطان من أنواع المكاتبات: عهد شريف، مرسوم شريف، تقليد شريف، توقيع شريف

وكذا اصطُلِح على إطلاق لقب السيد على أولاد علي، وكثيراً ما يُلحق به لقب الشريف

وقد أطلق لقب السيد على القرامطة الذين يدَّعون الانتساب إلى علي!

وصار لقب السيد لقباً عاماً على أصحاب السلطان الحقيقي في «مصر» منذ بدر الجمالي حتى نهاية عصر المماليك.

وكان يطلق أيضاً على أمراء الجيوش في العصر العبيدي الفاطمي).

(1)

(1)

«الألقاب الإسلامية في التاريخ والوثائق والآثار» د. حسان الباشا، عن لقب الشريف:(ص 357 ـ 359)، ولقب السيد:(ص 345 ـ 349).

ص: 214