الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ امْرَأَةٍ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ أَوْقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ بِمُقْتَضَى أَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى طُلُوعِهَا مَكَانًا مُعَيَّنًا وَإِنَّهَا طَلَعَتْهُ فَصَدَّقَهَا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ حَلِفِهِ وَلَمْ يُرَاجِعْهَا، ثُمَّ أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَيَدِينُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَتَطْلُقُ ثَلَاثًا وَلَا يَدِينُ لِاسْتِلْزَامِ دَعْوَاهُ رَفْعَ الطَّلَاقِ بِالْكُلِّيَّةِ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَحَكَمَ الْحَنْبَلِيُّ بِمُوجِبِ الطَّلَاقِ وَقُلْتُمْ: إنَّ مُوجِبَهُ الْعِدَّةُ وَالْحَاكِمُ الْمَذْكُورُ يَرَى إسْقَاطَ الْعِدَّةِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا هَلْ يَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا عَقِبَ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ عِدَّةٍ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا عَقِبَ طَلَاقِهَا مِنْ غَيْرِ عِدَّةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ يُنَفَّذُ ظَاهِرًا وَكَذَا بَاطِنًا، وَعَلَى أَنَّ قَوْلَهُ بِمُوجِبِ الطَّلَاقِ عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ لِمَعْرِفَةٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: حَكَمْت بِكُلِّ مُقْتَضٍ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ وَمِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ عِنْدَهُ أَنْ لَا عِدَّةَ لَهُ.
[طَلَاق الْغَضْبَان]
(سُئِلَ) عَنْ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ فِي حَالِ الْغَضَبِ الشَّدِيدِ الْمُخْرِجِ عَنْ الْإِشْعَارِ هَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ أَمْ لَا كَمَا أَفْتَى بِهِ عَصْرِيٌّ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالتَّنْجِيزِ أَمْ لَا وَهَلْ يُصَدَّقُ الْحَالِفُ فِي دَعْوَاهُ شِدَّةَ الْغَضَبِ وَعَدَمَ
الْإِشْعَارِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْغَضَبِ فِيهَا نَعَمْ إنْ كَانَ زَائِلَ الْعَقْلِ عُذِرَ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا تَخْرُجُ أَوْ تَأْكُلُ مَثَلًا ظَانًّا أَنَّهَا تَبِرُّ قَسَمَهُ فَخَالَفَتْ وَلَمْ تَفْعَلْ وَالْحَالُ أَنَّهَا تَكْرَهُهُ وَقَصْدُهَا الْخَلَاصَ مِنْ الْعِصْمَةِ وَهُوَ يَجْهَلُ ذَلِكَ فَهَلْ يَحْنَثُ بِفِعْلِهَا الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الْمَذْكُورِ أَوْ لَا وَهَلْ هِيَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مِمَّنْ لَا تُبَالِي بِحَلِفِهِ كَالْحَجِيجِ وَالسُّلْطَانِ أَوْ مِمَّنْ تُبَالِي بِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمُعَلِّقُ إعْلَامَهَا حَيْثُ يَحْنَثُ بِفِعْلِهَا وَلَوْ جَاهِلَةً أَوْ نَاسِيَةً أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَقَعُ فِيهَا بِفِعْلِهَا وَلَا أَثَرَ لِظَنِّهِ الْمَذْكُورَ وَهِيَ مِمَّنْ تُبَالِي بِحَلِفِهِ حَتَّى لَا يَقَعَ بِفِعْلِهَا نَاسِيَةً أَوْ جَاهِلَةً حَيْثُ قَصَدَ إعْلَامَهَا أَوْ مُكْرَهَةً.
(سُئِلَ) عَمَّنْ لَهُ زَوْجَتَانِ بِمَسْكَنَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ ضَرَبَ إحْدَاهُمَا، ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْأُخْرَى لِيَضْرِبَهَا فَأَغْلَقَتْ الْبَابَ دُونَهُ فَقَالَ: أَنْتُمَا طَالِقٌ فَهَلْ يَخْتَصُّ الطَّلَاقُ بِالْحَاضِرَةِ الْوَاقِعِ لَهَا الْخِطَابُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ دُونَ الْغَائِبَةِ لِكَوْنِهَا لَمْ تُخَاطَبْ بِالطَّلَاقِ وَلَمْ تُنَادَ فَلَا يَجْرِي فِيهَا الْمَنْقُولُ فِيمَا إذَا نَادَى إحْدَى زَوْجَتَيْهِ فَأَجَابَتْهُ الْأُخْرَى فَقَالَتْ: أَنْتِ طَالِقٌ وَهَلْ إذَا قَصَدَهُمَا بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ تَطْلُقَانِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى
الْحَاضِرَةِ دُونَ الْغَائِبَةِ فَإِنْ قَصَدَهُمَا بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ طَلُقَتَا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَامَ فِي مَسْأَلَتِنَا مَقَامَ النِّدَاءِ فِي تِلْكَ إتْيَانِهِ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ بِحَسَبِ عُرْفِ الْعَوَامّ الَّذِينَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ ضَمِيرِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِينَ وَالْمُؤَنَّثَاتِ وَيُؤَيِّدُهُ حُصُولُ مُشَاجَرَتِهِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ إفْرَادُ لَفْظَةِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الصِّيغَةِ إذَا لَمْ يُخِلَّ بِالْمَعْنَى كَانَ كَالْخَطَأِ فِي الْإِعْرَابِ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ بِدُخُولِهَا مَكَانًا مُعَيَّنًا فَدَخَلَتْهُ وَادَّعَتْ نِسْيَانَهَا أَوْ جَهْلَهَا أَوْ إكْرَاهَهَا هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي نِسْيَانِهَا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي نِسْيَانِهَا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ شَهَادَتُهَا بِهِ إذْ لَا اطِّلَاعَ لَهَا عَلَيْهِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا أَيْضًا فِي جَهْلِهَا بِالْمَكَانِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ عِلْمَهَا بِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي كَوْنِهَا مُكْرَهَةً عَلَى دُخُولِهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُكَذِّبُهَا الزَّوْجُ فِي دَعْوَاهَا وَإِلَّا طَلُقَتْ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ.
(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ يَأْكُلُ هَذِهِ الْقِطْعَةَ اللَّحْمَ فَقَالَ: أَنَا شَبْعَانُ وَسَآكُلُهَا فَتَرَكَهَا فَأُخِذَتْ وَعُدِمَتْ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ
الطَّلَاقُ إنْ فُقِدَتْ قَبْلَ تَمَكُّنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مِنْ أَكْلِهَا.
(سُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ لَهُ زَوْجَتَانِ عَلَّقَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ عَلَى صِفَةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، ثُمَّ خَالَعَ إحْدَاهُمَا فَهَلْ لَهُ بَعْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ أَنْ يُعَيِّنَ الطَّلَاقَ فِي الَّتِي خَالَعَهَا أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَعْيِينُ الطَّلَاقِ فِي الَّتِي بَانَتْ مِنْهُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ وُجُودِ الصِّفَةِ لَا بِحَالَةِ وُجُودِ التَّعْلِيقِ.
(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ مَا يَطْلُعُ إلَى بَيْتِ فُلَانٍ فَطَلَعَ مِنْ بَيْتٍ بِجِوَارِ ذَلِكَ الْبَيْتِ وَنَزَلَ مِنْ سَطْحِ الْبَيْتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ إنْ احْتَاجَ بَعْدَ انْتِهَاءِ صُعُودِهِ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ إلَى صُعُودٍ إلَى سَطْحِ الْبَيْتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ طَلَعَ حِينَئِذٍ إلَى ذَلِكَ الْبَيْتِ وَإِلَّا فَلَا يَحْنَثُ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: يَوْمَ يَمُوتُ وَلَدِي تَكُونِي طَالِقًا ثَلَاثًا فَمَاتَ بِاللَّيْلِ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ إلَّا إنْ أَرَادَ بِالْيَوْمِ الْوَقْتَ فَيَقَعُ؛ لِأَنَّهُ يُتَجَوَّزُ بِهِ عَنْهُ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِاَللَّهِ لَيَطَأَنَّ زَوْجَتَهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَخَرَجَ فِي الْحَالِ فَوَجَدَ الْفَجْرَ طَالِعًا هَلْ يَحْنَثُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِعَجْزِهِ عَنْهُ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ
أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي وَقَدْ قَالَ فِيهَا الصَّيْمَرِيُّ: تَطْلُقُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إرَادَةٌ هَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الصَّيْمَرِيُّ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إرَادَةٌ وَاضِحٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَهُ إرَادَةٌ بِأَنْ قَصَدَ إتْيَانَهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي قَبْلَ تَمَامِ لَفْظِ الطَّلَاقِ فَلَا وُقُوعَ بِهِ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهُك أَوْ وَجْهِي أَضْوَأَ مِنْ الْقَمَرِ لَا أَعْلَمُ جَوَابَهُمْ فِيهِ هَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ جَوَابٌ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمَا ذَكَرَ فَفِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الصَّحِيحَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهُكِ أَحْسَنَ مِنْ الْقَمَرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ قَالَ: أَضْوَأَ فَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ أَيْ فَتَطْلُقُ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ.
(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ كَرَّرَ قَوْلَهُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَلْ يَتَعَدَّدُ الطَّلَاقُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ الطَّلَاقُ إلَّا إنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ وَلَوْ طَالَ فُصِلَ وَتَعَدَّدَ مَجْلِسٌ.
(سُئِلَ) عَنْ نَاظِرِ جَامِعٍ حَلَفَ عَلَى شَخْصٍ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يُجَاوِرُ عِنْدَهُ وَخُبْزُهُ وَجَامِكِيَّتِهِ وَطَعَامُهُ مَقْطُوعٌ كُلٌّ مِنْهَا فَمَا الَّذِي يَحْنَثُ بِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إلَّا بِأَنْ يُجَاوِرَ عِنْدَهُ مَعَ قَطْعِ كُلٍّ مِنْ خُبْزِهِ وَجَامِكِيَّتِهِ وَطَعَامِهِ
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ طَلَّقَ
بِالتَّشْدِيدِ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ مُطْلَقًا أَوْ كِنَايَةٌ مُطْلَقًا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ كِنَايَةُ طَلَاقٍ فِي حَقِّ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَحَلُّ التَّطْلِيقِ وَقَدْ أَضَافَهُ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَا بُدَّ فِي وُقُوعِهِ مِنْ صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ إلَى مَحَلِّهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا: أَنْتُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا قَاصِدًا طَلَاقَهُمَا فَهَلْ يُطَلَّقَانِ ثَلَاثًا لِوُجُودِ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ فِي طَلَاقِ الْمُخَاطَبَةِ وَلِوُجُودِ نِيَّةِ طَلَاقِهِمَا فِي غَيْرِ الْمُخَاطَبَةِ فَلَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِي اللَّفْظِ مِنْ وُقُوعِ ضَمِيرِ الْجَمْعِ مَوْقِعَ ضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَوُقُوعِ الْوَاوِ فِيهِ مَوْقِعَ الْمِيمِ وَالْإِخْبَارِ بِالْمُفْرَدِ عَنْ الْجَمْعِ إذْ الْخَطَأُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ أَمْ تَطْلُقُ ثَلَاثًا الْمُخَاطَبَةُ فَقَطْ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ نَادَى إحْدَى زَوْجَتَيْهِ فَأَجَابَتْهُ الْأُخْرَى فَقَالَ مَعَ ظَنِّهِ أَنَّهَا الْمُنَادَاةُ: أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ دُونَ الْمُنَادَاةِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُمَا تَطْلُقَانِ ثَلَاثًا لِمَا ذَكَرَ عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعَوَامّ يُعَبِّرُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ عَنْ الْجَمَاعَةِ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ وَقَدْ قَالُوا: لَوْ نَادَى إحْدَى زَوْجَتَيْهِ فَأَجَابَتْهُ الْأُخْرَى فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ عَالِمًا بِأَنَّ الْمُجِيبَةَ غَيْرُ الْمُنَادَاةِ طَلُقَتْ الْمُنَادَاةُ وَكَذَا
الْمُجِيبَةُ عَلَى الصَّحِيحِ لَكِنْ يَدِينُ فِيهَا دُونَ الْمُنَادَاةِ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهِمَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَوْلَى مِنْ وُقُوعِهِ عَلَيْهِمَا فِي هَذِهِ.
(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ تَغَيَّرَتْ عَلَيْهِ هَيْئَةُ بِكْرٍ تَزَوَّجَهَا بِلُبْسِهَا مَا لَا يَلِيقُ بِهَا وَقِيلَ لَهُ: هَذِهِ زَوْجَتُك فَظَنَّ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا غَيْرُهَا فَقَالَ: إنْ كَانَتْ هَذِهِ زَوْجَتِي فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَأَفْتَى فِيهَا مُفْتٍ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ طَلَّقَهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ وَهُوَ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً أَوْ أَنْكَحَهَا لَهُ أَبُوهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ مُسْتَنِدًا فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ حَلَفَ جَاهِلًا وَالْجَاهِلُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ كَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ وَقَعَ جَاهِلًا بِهِ أَوْ نَاسِيًا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ، وَكَانَ فِيهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَوْ عَلِمَ وَنَسِيَ فَإِنْ قَصَدَ بِحَلِفِهِ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَحْنَثْ وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّ هَذَا الذَّهَبَ هُوَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ فُلَانٍ فَشَهِدَ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ غَيْرُهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إنْ جَهِلَ، ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ وَوَالِدَهَا تَرَافَعَا إلَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ فَادَّعَى وَالِدُهَا عَلَى الزَّوْجِ أَنَّ ابْنَتَهُ بَانَتْ مِنْهُ بِمُقْتَضَى الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ وَاعْتِقَادُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَتُهُ فَحَلَّفَهُ الْحَاكِمُ يَمِينًا عَلَى طِبْقِ
دَعْوَاهُ وَحَكَمَ بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُعْتَمَدًا إفْتَاءَ الْمُجِيبِ الثَّانِي، فَهَلْ الْعُمْدَةُ عَلَى الْأَوَّلِ وَهَلْ تَمَسُّكُ الْأَوَّلِ بِمَا ذَكَرَهُ أَوْ الثَّانِي صَحِيحٌ وَهَلْ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْعُمْدَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ ظَنُّ الْمُعَلِّقِ خِلَافَ الْوَاقِعِ بَلْ وَلَا اعْتِقَادُهُ كَمَا فِي سَائِرِ التَّعَالِيقِ مِنْ نَحْوِ إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ مُعْتَقِدًا كَوْنَهُ غَيْرَ غُرَابٍ فَبَانَ غُرَابًا حَيْثُ صَرَّحُوا فِيهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ يَرْجِعُ إلَى كَوْنِهِ سَبَبًا يُوضَعُ الْمُعَلَّقُ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ فَصَارَ الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي السَّبَبِ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ بِزِنَا فُلَانٍ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ لَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَزْنِي، وَكَانَ فُلَانٌ زَنَى يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَ الْحَالِفَ سِرًّا وَبِأَنَّ الْحَلِفَ بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ كَقَوْلِهِ: إنْ كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكَانَ فِيهَا يُوجِبُ الْحِنْثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ لَمْ يَتَعَرَّضْ إلَّا لِلتَّعْلِيقِ بِكَوْنِهِ فِيهَا وَلَا أَثَرَ لِلْجَهْلِ بِكَوْنِهِ فِيهَا أَوْ النِّسْيَانِ لَهُ وَبِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالطَّلَاقِ أَيْ بِغَيْرِ صِيغَةِ تَعْلِيقٍ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ
لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ أَوْ اعْتَقَدَ لِجَهْلٍ بِهِ أَوْ نِسْيَانِهِ لَهُ.
ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا ظَنَّهُ أَوْ اعْتَقَدَهُ فَلَهُ أَحْوَالٌ مِنْهَا أَنْ يَقْصِدَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِأَنْ يُقْصَدَ بِهِ مَا يُقْصَدُ بِالتَّعْلِيقِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ فَيَحْنَثُ حِينَئِذٍ كَمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِصِفَةٍ عِنْدَ وُجُودِهَا، وَعَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا مَا قَالَاهُ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَشَارَ إلَى ذَهَبٍ وَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ فُلَانٍ فَشَهِدَ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ الذَّهَبُ طَلُقَتْ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةً عَلَى النَّفْيِ إلَّا أَنَّهُ نَفْيٌ يُحِيطُ بِهِ الْعِلْمُ وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا فَعَلْتُ كَذَا فَشَهِدَ عَدَلَانِ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ وَصَدَّقَهُمَا لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِالطَّلَاقِ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: زَنَيْت أَوْ سَرَقْت أَوْ خَرَجْت فَأَنْكَرَ فَقَالَ: إنْ زَنَيْت أَوْ سَرَقْت أَوْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ حَكَمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ لِإِقْرَارِهِ أَوَّلًا.
وَقَدْ صَرَّحُوا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِوُجُودِ صِفَتِهِ مَعَ اعْتِقَادِ الْحَالِ خِلَافَهُ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا لَوْ قَالَ السُّنِّيُّ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ مِنْ اللَّهِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَقَالَ الْمُعْتَزِلِيُّ: إنْ كَانَ مِنْ اللَّهِ
فَامْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ قَالَ السُّنِّيُّ: إنْ لَمْ يَكُنْ أَبُو بَكْرٍ أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَقَالَ الرَّافِضِيُّ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَقَعَ طَلَاقُ الْمُعْتَزِلِيِّ وَالرَّافِضِيِّ، وَأَمَّا لَوْ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَنْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ: إنْ كُنْت مِنْ أَهْلِهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكَانَ كَافِرًا طَلُقَتْ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ كَانَ بِالْكُوفَةِ يَوْمَ الْأَضْحَى وَقَالَ هُوَ: قَدْ حَجَجْت طَلُقَتْ وَمَا لَوْ قَالَ: إنْ ضَرَبْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ ضَرَبَ غَيْرَهَا فَأَصَابَهَا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَمَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهَا أَمَتَهُ فَقَالَ: إنْ لَمْ تَكُونِي أَحْلَى مِنْ زَوْجَتِي فَهِيَ طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْحُرَّةُ فَلَا تَكُونُ أَحْلَى مِنْ نَفْسِهَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِفِعْلِ شَخْصٍ إذَا فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْحَثُّ عَلَى عَدَمِ مُخَالَفَتِهِ لَهُ أَوْ الْمَنْعُ مِنْهَا.
وَفِعْلُ النَّاسِي أَوْ الْجَاهِلِ لَمْ تُوجَدْ بِهِ مُخَالَفَةٌ فَعُفِيَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُعَلِّقُ الْحَثَّ أَوْ الْمَنْعَ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِفِعْلِ مَنْ لَا يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ أَوْ يُبَالِي بِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ إعْلَامَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِفِعْلِهِ وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ مِنْ
غَيْرِ قَصْدِ حَثٍّ وَلَا مَنْعٍ وَكَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِفِعْلِ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ لَا يُمَيِّزُ، وَلَا يَقْدَحُ فِيمَا ذَكَرْته مَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي الرُّسْتَاقِ فَذَهَبَتْ إلَى الْبَلَدِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقِيلَ لَهُ: أَلَك زَوْجَةٌ فِي الْبَلَدِ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ لِي زَوْجَةٌ فِي الْبَلَدِ فَهِيَ طَالِقٌ، وَكَانَتْ فِي الْبَلَدِ فَعَلَى قَوْلِي حَنِثَ النَّاسِي. اهـ.
لِمُخَالَفَتِهِ لِكَلَامِهِمْ وَلِقَوْلِهِ بِالْحِنْثِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: يَحْنَثُ النَّاسِي إذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ وَمَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْمُجِيبُ الثَّانِي مِنْ النُّقُولِ لَا دَلِيلَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا كَمَا يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ حُكْمَ الشَّافِعِيِّ بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ اعْتِمَادًا عَلَى إفْتَاءِ الثَّانِي بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا أَطَلْت الْكَلَامَ فِيهَا لَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْمُفْتِينَ وَافَقُوا الثَّانِيَ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لِامْرَأَةٍ: قَوْلِي لَهَا هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا هَلْ تَطْلُقُ أَوْ لَا وَهَلْ هُوَ إنْشَاءُ تَوْكِيلٍ لِلْمَرْأَةِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ التَّوْكِيلُ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَلَا تَطْلُقُ إلَّا بِتَطْلِيقِهَا إيَّاهَا وَيُحْتَمَلُ الْإِخْبَارُ أَيْ أَنَّهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَتَكُونُ الْمَرْأَةُ مُخْبِرَةٌ لَهَا بِالْحَالِ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ فَإِنْ صَرَّحَ بِقَصْدِهِ شَيْئًا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ عَمِلَ بِهِ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ خَرَجْتَ
غَضْبَانَةً مِنِّي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحَصَلَ لَهَا غَضَبٌ مِنْهُ وَمِنْ وَلَدِهَا فَخَرَجَتْ غَضْبَانَةً مِنْهُمَا فَهَلْ تَطْلُقُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنِّي فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِكَوْنِهَا غَضْبَانَةً وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ مُعْتَبَرٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ خَرَجْتِ غَضْبَانَةً مِنِّي لَا مِنْ غَيْرِي أَوْ فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ خَرَجْتِ غَضْبَانَةً مِنْ أَجْلِي لَا مِنْ أَجْلِ غَيْرِي.
(سُئِلَ) مَا الْمُعْتَمَدُ فِي قَوْلِهِ: إنْ خَرَجْتِ لِغَيْرِ الْحَمَّامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلتَّعْلِيلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ خَرَجْت لِأَجْلِ غَيْرِ الْحَمَّامِ وَلَمْ تَخْرُجْ لِغَيْرِهِ فَقَطْ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَأْكُلُ لِفُلَانٍ طَعَامًا فَأَهْدَى الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَهُ طَعَامًا أَوْ أَضَافَهُ بِهِ فَأَكَلَهُ هَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا لِقَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّ الضَّيْفَ يَمْلِكُهُ عِنْدَ وَضْعِهِ فِي فَمِهِ أَوْ عِنْدَ الِازْدِرَادِ عَلَى الرَّاجِحِ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مِلْكَهُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ الْمَذْكُورِ لِمِلْكِهِ إيَّاهُ قَبْلَ ابْتِلَاعِهِ فَأَكَلَ طَعَامَهُ لَا طَعَامَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْأَيْمَانَ تُبْنَى عَلَى الْأَلْفَاظِ دُونَ الْقُصُودِ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثَلَاثًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ هَلْ تَقْدِيرُهُ دُخُولًا ثَلَاثًا لِقُرْبِهِ أَوْ طَلَاقًا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ
أَوْ هُوَ عَائِدٌ إلَيْهِمَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ دُخُولًا ثَلَاثًا فَتَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثًا أَقْرَبُ إلَى دَخَلْت مِنْ طَالِقٌ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَمَلِ لِلْفِعْلِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُقُوعِ مَا زَادَ عَلَى طَلْقَةٍ لِلشَّكِّ فِي مُوجِبِهِ فَيُسْتَصْحَبُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ فِيهِ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقْصِدْ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ أَتَى بِالْمَشِيئَةِ وَشَكَّ هَلْ وَقَعَتْ فِي كُلِّ الصِّيَغِ أَوْ فِي بَعْضِهَا وَلَا يَعْلَمُ عَيْنَهُ هَلْ هُوَ الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَوْ بَعْضُهُ أَوْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مُقْتَضَى إتْيَانِهِ بِالْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَقَدْ تَحَقَّقْنَا بِإِتْيَانِهِ بِالْمَشِيئَةِ الْمُعْتَبَرَةِ رَفْعَ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَشَكَّكْنَا فِي رَفْعِ غَيْرِهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
(سُئِلَ) عَمَّا لَوْ حَلَفَ أَنَّهَا لَا تَقُومُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَتَأَخَّرَتْ خَمْسَ دَرَجٍ، ثُمَّ قَامَتْ هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قِيَامَهَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْوَقْتِ الْمُشَارِ إلَيْهِ عِنْدَ حَلِفِهِ.
(سُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ وَلَدْتِ وَلَدًا وَمَاتَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا هَلْ يَقَعُ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ إلَّا إنْ أَرَادَ الْحَالِفُ ذَلِكَ فَلَا يَقَعُ؟
(فَأَجَابَ)
بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْحَالِفُ شَيْئًا عَمِلَ بِإِرَادَتِهِ وَإِلَّا وَقَعَ الطَّلَاقُ.
(سُئِلَ) هَلْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الِابْتِلَاعَ أَكْلٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ أَمْ لَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي كُلِّ بَابٍ مَا ذُكِرَ فِيهِ، وَإِنَّمَا حَنِثَ بِالِابْتِلَاعِ فِي الْأَيْمَانِ دُونَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْأَيْمَانِ الْعُرْفُ وَأَهْلُهُ يُطْلِقُونَ اسْمَ الْأَكْلِ عَلَيْهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ الْوَضْعُ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا.
(سُئِلَ) هَلْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي فَقَطْ صَرِيحٌ مُطْلَقًا أَوْ كِنَايَةٌ مُطْلَقًا وَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ فَتْوَى أَهْلِ الْعَصْرِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَلْزَمُنِي فِعْلٌ مُضَارِعٌ صَالِحٌ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ وَغَيْرِهِمَا فَقَدْ قَالُوا: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ: أُطَلِّقُ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ أَطْلَقَ لِلِاسْتِقْبَالِ فَإِنْ قَالَتْ: أَرَدْت الْإِنْشَاءَ وَقَعَ فِي الْحَالِ. وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنَا أُقِرُّ بِمَا ادَّعَيْته، لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا، وَلَوْ قَالَ: أَبِيعُك هَذَا بِكَذَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحَ إيجَابِ وَنَظَائِرُ هَذِهِ كَثِيرَةٌ، ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامٍ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَتَوْجِيهُهُ بِأَنْ يَلْزَمَنِي مُسْتَعْمَلٌ فِي الْحَالِ لِلْعُرْفِ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ صَرِيحٌ.
(سُئِلَ) عَنْ رَجُلَيْنِ
مُتَزَوِّجٌ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ وَسَكَنَ كُلٌّ بِزَوْجَتِهِ فِي دَارٍ فَرَاحَتْ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ إلَى بَيْتِ أَبِيهَا غَضْبَانَةً، فَأَرَادَ زَوْجُ الْغَضْبَانَةِ أَنْ يُغْضِبَ بِنْتَه أَيْضًا فَرَاحَ إلَيْهَا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَطَلَبَهَا أَنْ تَرُوحَ مَعَهُ وَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مَا يَرُوحُ إلَّا بِهَا وَأَطْلَقَ لَفْظَ الرَّوَاحِ فَخَرَجَتْ مَعَ أَبِيهَا الْحَالِفِ مِنْ دَارِ زَوْجِهَا فَوَجَدَهَا أَبُوهَا حَامِلَةً ثَقِيلَةً وَيُشَقُّ عَلَيْهَا الْمَشْيُ فَرَجَعَ الْحَالِفُ إلَى دَارِهِ وَتَرَكَ بِنْتَه فِي الطَّرِيقِ فَرَجَعَتْ إلَى دَارِ زَوْجِهَا فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُحْ بِهَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِرَوَاحِهِ الْمَذْكُورِ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ مَتَى رُحْتِ دَارَ أَهْلِك طَلَّقْتُك فَرَاحَتْ وَلَمْ يُطَلِّقْ حَالًا فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ حَالًا أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِعَدَمِهِ فَمَا الْجَوَابُ عَنْ جَوَابِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا عَنْ سُؤَالِ صُورَتِهِ مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مِنْ زَوْجَتِهِ أَنَّهَا مَتَى خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا إلَى السُّوقِ أَوْ غَيْرِهِ اشْتَكَاهَا مِنْ السِّيَاسَةِ بِأَرْبَعَةِ نُقَبَاءَ فَخَرَجَتْ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَهَلْ لَهُ تَأْخِيرُ الشَّكْوَى أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِمَا صُورَتُهُ لَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الشَّكْوَى بَعْدَ خُرُوجِهَا؛ لِأَنَّ حَلِفَهُ يَنْحَلُّ إلَى قَوْلِهِ مَتَى خَرَجَتْ وَلَمْ أَشْتَكِ بِأَرْبَعَةِ
نُقَبَاءَ مَثَلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ تَعْلِيقٌ بِإِثْبَاتٍ وَنَفْيٍ وَمَتَى لَا تَقْتَضِي الْفَوْرَ فِي الْإِثْبَاتِ وَتَقْتَضِيهِ فِي النَّفْيِ لَكِنَّهُ هُنَا إنَّمَا تَقْتَضِيهِ بَعْدَ الْخُرُوجِ وَقَدْ وُجِدَ. اهـ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ إنْ قَصَدَ بِقَوْلِهِ طَلَّقْتُك مَعْنَى فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِرَوَاحِهَا وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ فِي الْحَالِ وَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ الْحَالِفُ بِحَلِفِهِ شَكَوَاهَا عَلَى الْفَوْرِ بِدَلِيلِ تَقْدِيرِهِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْفَوْرَ فَلَا تَطْلُقُ مَا دَامَ إمْكَانُ الشَّكْوَى مَوْجُودًا؛ لِأَنَّ مَتَى فِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ تَقَعُ إلَّا فِي الْإِثْبَاتِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى النَّفْيِ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الشَّخْصِ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ هَلْ هُوَ كِنَايَةٌ كَمَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ وَقَالَ: لَا نَصَّ فِيهِ لِلشَّافِعِيِّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَهُ طَلَاقًا وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَفِي الزِّيَادَاتِ لِأَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُك طَلَاقُك إلَى أَنْ قَالَ: وَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي أَوْ وَاجِبٌ عَلَيَّ طَلُقَتْ لِلْعُرْفِ وَلَوْ قَالَ: فَرْضٌ عَلَيَّ لَمْ تَطْلُقْ لِعَدَمِ الْعُرْفِ فِيهِ وَرَأَى الْبُوشَنْجِيُّ أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلَاقُك عَلَيَّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَنَوَى وَقَعَ، فَوَصْفُهُ بِوَاجِبٍ أَوْ فَرْضٍ يَزِيدُهُ
تَأْكِيدًا هَذَا لَفْظُ الرَّوْضَةِ وَكَلَامُ الْعَزِيزِ مُرَادِفُهُ وَوَجْهُ الِاقْتِضَاءِ أَنَّهُ مَا يُشَبَّهُ الشَّيْءُ إلَّا بِالْمُتَّفَقِ عَلَى تَرْجِيحِهِ أَوْ عَلَى الْقَطْعِ بِهِ فَاقْتَضَى كَلَامُهُمَا أَنَّ طَلَاقَك عَلَيَّ كِنَايَةٌ عَلَى الرَّاجِحِ أَوْ بِلَا خِلَافٍ وَيُؤَيِّدُهُ إنْ أَنْتِ طَلَاقٌ أَوْ الطَّلَاقُ كِنَايَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ هَكَذَا شُيُوعٌ فِي الشَّرْعِ وَلَا تَكْرَارَ فِي الْقُرْآنِ وَلَيْسَ جَارِيًا عَلَى قِيَاسِ اللِّسَانِ فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا كَانَ كِنَايَةً؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ قَدْ يَجِيءُ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} [الملك: 30] أَيْ غَائِرًا وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ الْمَحَلُّ مِنْ أَنْتِ طَلَاقٌ أَوْ أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ طَلَاقُك عَلَيَّ وَمِثْلُهُ عَلَيَّ طَلَاقُك لِعَدَمِ الْفَارِقِ فَمَعَ مَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْمَحَلَّ مِنْ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلَاقُ عَلَيَّ أَوْلَى وَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ " الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي "، " وَالطَّلَاقُ وَاجِبٌ عَلَيَّ " وَبَيْنَ " عَلَيَّ الطَّلَاقُ " ذِكْرُ مُتَعَلِّقِ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ فِي الْمِثَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَتَعْيِينُهُ لِمَعْنَى الطَّلَاقِ بِخِلَافِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِمَعْنَاهُ لِوُجُوبِ تَعَلُّقِ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ بِالْكَوْنِ أَوْ الِاسْتِقْرَارِ الْمُطْلَقِ وَذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ لِمَعْنَى الطَّلَاقِ لِصَلَاحِيَّةِ الْكَوْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ الْمُطْلَقِ لِمَعْنَى الْفَرْضِ وَاللَّازِمِ وَالْوَاجِبِ بَلْ وَلِغَيْرِهَا عَلَى أَنَّ " عَلَيَّ
الطَّلَاقُ " لَمْ يَشْتَهِرْ اسْتِعْمَالُهُ لِمَعْنَى الطَّلَاقِ إنْشَاءً.
وَإِنَّمَا اُشْتُهِرَ يَمِينًا لِمَعْنَاهُ مَعَ أَنَّ اشْتِهَارَ اللَّفْظِ بِمَعْنَى الطَّلَاقِ مَعَ احْتِمَالِهِ غَيْرَهُ كَانَتْ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك لَا يُصَيِّرُهُ صَرِيحًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَمْ هُوَ صَرِيحٌ كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْحَقُّ فِي هَذَا الزَّمَنِ لِاشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَى التَّطْلِيقِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا: إنَّهُ الْأَوْجَهُ وَالْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ: إنَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَمْ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ مَبْسُوطًا بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ فِيهِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ قَوْلَ السَّائِلِ " عَلَيَّ الطَّلَاقُ " صَرِيحٌ فَفِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ لِلصَّيْمَرِيِّ فَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ، أَوْ قَالَ: الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي، فَكُلُّ هَذَا صَرِيحٌ لَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى إرَادَةٍ. اهـ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ صَرِيحٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ النَّقْلِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْحَقُّ فِي هَذَا الزَّمَانِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ اُشْتُهِرَ بِهِ اشْتِهَارًا كَثِيرًا فِي مَعْنَى التَّطْلِيقِ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُهُ وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ الْمُفْتَى بِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِاشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَى التَّطْلِيقِ اهـ.
بَلْ سُئِلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَمَّنْ قَالَ: عَلَيَّ الْحَرَامُ مَا أَفْعَلُ كَذَا وَفَعَلَهُ فَقَالَ: يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ. اهـ.
وَتَوَجَّهَ
صَرَاحَةً عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَيْضًا بِأَنَّ " عَلَيَّ " فِي " عَلَيَّ الطَّلَاقُ " لِلِالْتِزَامِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي أَوْ طَلَاقُك لَازِمٌ لِي، وَأَمَّا مَا حَكَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْبُوشَنْجِيَّ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ لَازِمٌ لِي أَوْ وَاجِبٌ عَلَيَّ كِنَايَةٌ فَهُوَ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ وَلِهَذَا حَكَاهُ حِكَايَةَ الْأَوْجُهِ الضَّعِيفَةِ وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلَاقُك عَلَيَّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَنَوَى وَقَعَ، وَظَاهِرٌ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ عَلَى الرَّاجِحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ فِي الطَّلَاقِ عُرْفًا، وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَلَاقٌ أَوْ الطَّلَاقُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ وَالْمَصَادِرُ لَمْ تُوضَعْ لِلْأَعْيَانِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِيهَا تَوَسُّعًا فَتَجِيءُ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} [الملك: 30] أَيْ غَائِرًا.
وَقَوْلِ الشَّاعِرِ
فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ
فَلَا تَأْيِيدَ فِيهِ لِكَوْنِ " عَلَيَّ الطَّلَاقُ " كِنَايَةً، وَقَدْ عَلِمَ مِمَّا وَجَّهْت بِهِ صَرَاحَتَهُ أَنَّهُ كَقَوْلِهِ: الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ بِمُطْلَقِ الِاسْتِقْرَارِ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ الطَّلَاقُ اسْتَقَرَّ عَلَيَّ أَوْ مُسْتَقَرٌّ عَلَيَّ فَلَا احْتِمَالَ فِيهِ لِغَيْرِ الطَّلَاقِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اُشْتُهِرَ لَفْظٌ لِلطَّلَاقِ كَالْحَلَالِ أَوْ حَلَالِ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يَصِيرُ صَرِيحًا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يُوضَعْ
لِلطَّلَاقِ بِخُصُوصِهِ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ وَهُوَ لَا يُفَرِّقُ هُوَ وَلَا قَوْمُهُ بَيْنَ الطَّاءِ وَالتَّاءِ فَيَنْطِقُونَ بِالتَّاءِ مَكَانَ الطَّاءِ فَقَالَ: أَنْتِ تَالِقٌ أَوْ التَّلَاقُ لَازِمٌ لِي أَوْ وَاجِبٌ عَلَيَّ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ صَرِيحًا فِي الطَّلَاقِ كَمَا أَفْتَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ وَالشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ وَالسِّرَاجُ الْعَبَّادِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعَصْرِيِّينَ وَقَاسُوهُ عَلَى تَرْجَمَةِ الطَّلَاقِ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ تَرْجَمَةَ الطَّلَاقِ مَوْضُوعَةٌ فِي لُغَةِ الْعَجَمِ لِلطَّلَاقِ فَلَمْ تَحْتَمِلْ غَيْرَهُ بِخِلَافِ التَّلَاقِ بِالتَّاءِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِغَيْرِ الطَّلَاقِ فَإِذَا اُشْتُهِرَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ يَكُونُ كِنَايَةً فِيهِ كَحَلَالِ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَحْوُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمَذْكُورَةَ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهَا إلَّا بِنِيَّتِهِ وَقَدْ شَمَلَهَا قَوْلُهُمْ إذَا اُشْتُهِرَ فِي الطَّلَاقِ سِوَى الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ الصَّرِيحَةِ كَحَلَالِ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ فَفِي الْتِحَاقِهِ بِالصَّرِيحِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتَقَدِّمُونَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ مُطْلَقًا. اهـ.
وَيُؤَيِّدُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهَا عِنْدَ نِيَّتِهِ أَنَّ حَرْفَ التَّاءِ قَرِيبٌ مِنْ مَخْرَجِ الطَّاءِ وَيُبْدَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ عَلَى رُؤْيَتِهَا الْهِلَالَ
فَرَآهُ غَيْرُهَا فَهَلْ تَطْلُقُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْكَمَالِ بْنِ أَبِي شَرِيفٍ وَأَبِي يَحْيَى زَكَرِيَّا فِي شَرْحَيْ الْإِرْشَادِ وَالْبَهْجَةِ أَوْ لَا تَطْلُقْ بِذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ حَيْثُ قَالَ: إنْ عَلَّقَ بِالْعَجَمِيَّةِ حُمِلَ عَلَى الْمُعَايَنَةِ سَوَاءٌ فِيهِ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا فِي الْعَرَبِيَّةِ اهـ.
وَكَمَا جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ الزَّرْكَشِيّ فِي قَوَاعِدِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ إذْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهَا لَا يَقْتَضِيهِ مَدْلُولُ اللَّفْظِ وَلَا عُرْفُ الْحَالِفِ وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَجَمِيَّ إذَا لَمْ يَعْرِفْ إلَّا ذَلِكَ فَالرَّاجِحُ الْفَرْقُ، وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ مِنْهُ مَا يَعْرِفُهُ الْعَرَبِيُّ فَيُتَّجَهُ مِنْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَعْلِيلِ الْقَفَّالِ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا فِي تَحْرِيرِ التَّنْقِيحِ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُحَالٍ كَقَوْلِهِ: إنْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا أَوْ حِضْتُمَا حَيْضَةً فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ هَلْ يُنَافِيهِ قَوْلُ صَاحِبِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ: إنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ لَغَتْ لَفْظَةُ الْحَيْضَةِ وَالْوَلَدِ قَالَ شَارِحُهُ لِاسْتِحَالَةِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي حَيْضَةٍ أَوْ وَلَدٍ وَاسْتَعْمَلَ الْبَاقِيَ فَإِذَا طَعَنَتَا فِي الْحَيْضِ أَوْ وَلَدَتَا
طَلُقَتَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي تَحْرِيرِ التَّنْقِيحِ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهُمَا يَلْغُو قَوْلُهُ: حَيْضَةً فَإِذَا ابْتَدَأَهُمَا الدَّمُ طَلُقَتَا، وَالثَّانِي إذَا تَمَّتْ الْحَيْضَتَانِ طَلُقَتَا وَهَذَا احْتِمَالٌ رَآهُ الْإِمَامُ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَلْغُو فَلَا تَطْلُقَانِ، وَإِنْ حَاضَتَا وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي قَوْلِهِ إنْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا اهـ.
فَمَا فِي التَّحْرِيرِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثِ.
(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَاتِهِ ثَلَاثًا بِإِرَاقَةِ خَمْرٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَكْرَهَهُ شَخْصٌ عَلَى شُرْبِ هَذَا الْخَمْرِ أَوْ إرَاقَتِهَا عَلَيْهِ فَهَلْ يُبَاحُ لَهُ شُرْبُهَا أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ شُرْبُهَا
دَفْعًا لِضَرَرِهِ
بِتَطْلِيقِ زَوْجَاتِهِ كَمَا ذَكَرَ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إذَا مَضَى لَيْلٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَلْ تَطْلُقُ بِمُضِيِّ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ بِأَقَلِّ الْجَمْعِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا بِمُضِيِّ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَإِنَّ اللَّيْلَ وَاحِدٌ بِمَعْنَى جَمْعٍ وَوَاحِدُهُ لَيْلَةٌ مِثْلُ تَمْرٍ وَتَمْرَةٍ وَقَدْ جُمِعَ عَلَى لَيَالٍ فَزَادُوا فِيهَا الْيَاءَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ وَكَّلَ شَخْصًا فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِعَدَدٍ وَلَا نَوَاهُ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ ثَلَاثًا فَهَلْ تَطْلُقُ طَلْقَةً أَوْ ثَلَاثًا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهَا تَطْلُقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا الْمَأْذُونُ فِيهَا وَقَدْ قَالُوا: لَوْ قَالَ
لِآخَرَ: نُرِيدُ أَنْ أُطَلِّقَ زَوْجَتَك فَقَالَ: نَعَمْ صَارَ وَكِيلًا فِي طَلْقَةٍ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَأْكُلَ لِفُلَانٍ طَعَامًا فَأَكَلَ طَعَامَهُ نَاسِيًا حِلْفَهُ، ثُمَّ سَأَلَ شَخْصًا يَعْتَقِدُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَفْتَاهُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، ثُمَّ أَكَلَ طَعَامَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَامِدًا ظَانًّا صِحَّةَ فَتْوَاهُ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِالْأَكْلِ بَعْدَ الْفُتْيَا سَوَاءٌ أَكَانَ مَنْ أَفْتَاهُ أَهْلًا لِلْفَتْوَى أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ بِأَكْلِهِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْفَتْوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ أَفْتَاهُ أَهْلًا لَهَا لِظَنِّهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ.
(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ شَرَعَتْ الْمَوَاشِطُ فِي جَلَاءِ زَوْجَتِهِ فَقِيلَ لَهُ: إنَّ رِجَالًا أَجَانِبَ يُرِيدُونَ حُضُورَ جَلَائِهَا فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا لَا تَجْلِي عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَقِيلَ لَهُ قُلْ: إلَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا لَا تَجْلِي عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، ثُمَّ جَلِيَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ عَلَى النِّسَاءِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا أَرَدْت بِلَفْظَةِ غَيْرِي الرِّجَالَ الْأَجَانِبَ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ بِحَلِفِهِ الْأَوَّلِ طَلْقَةٌ وَبِالثَّانِي طَلْقَتَانِ أَمْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي إرَادَتِهِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِلْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ وَهِيَ غِيرَتُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنْ نَظَرِ الْأَجَانِبِ إيَّاهَا.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِهِمْ لَوْ خَاطَبَتْهُ زَوْجَتُهُ بِمَكْرُوهٍ كَيَا سَفِيهُ أَوْ يَا خَسِيسُ
فَقَالَ لَهَا: إنْ كُنْتُ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ مُكَافَأَتَهَا وَقَعَ وَإِلَّا فَتَعْلِيقٌ، هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ لَهُ: أَنْتَ سَرَقْت مَتَاعَ وَلَدِي مَثَلًا أَوْ أَنْتَ زَنَيْتَ بِفُلَانَةَ مَثَلًا وَكَرَّرَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِرَارًا فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنَّهُ يَأْتِي فِيهَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ وَلَا بِالْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَنَحْوِهَا بَلْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عِنْدَ قَوْلِهَا لَهُ مَكْرُوهًا وَقَالَ: قَصَدْتُ إنْ كُنْتُ كَمَا قُلْتِ لِي وَاتَّهَمْتنِي بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ - لِمَنْ خَاصَمَتْهُ بِقَوْلِهَا: تَزَوَّجْت عَلَيَّ - كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ أَوْ نِسَائِي طَوَالِقُ، وَقَالَ: أَرَدْت غَيْرَ الْمُخَاصِمَةِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِقُوَّةِ إرَادَتِهِ بِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ وَالْحَالِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مُكَافَأَتَهَا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ تَعْلِيقَ طَلَاقِهَا عَلَى اتِّصَافِهِ بِمَا وَصَفَتْهُ بِهِ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَهَلْ الْحُكْمُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَأْتِي فِيمَا إذَا خَاطَبَتْهُ بِصِفَةِ مَدْحٍ لَيْسَتْ فِيهِ كَيَا عَالِمُ فَقَالَ لَهَا: إنْ كُنْتُ كَمَا قُلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَيَكُونُ قَوْلُهُمْ خَاطَبَتْهُ بِمَكْرُوهٍ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْغَالِبُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَعَلَيْهِ فَمَا الْفَرْقُ إذْ التُّهْمَةُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ مَوْجُودَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَدْحًا وَرُبَّمَا يَنْحَلُّ قَوْلُهَا إلَى الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا وَإِذَا ظَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِمَا وَقَعَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَسَأَلَهُ الْقَاضِي أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الشُّهُودِ
فَقَالَ: قُلْت لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا هَلْ يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ فِي التَّعْلِيقِ أَوْ إرَادَتُهُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَمْ لَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ لِاعْتِرَافِهِ وَلِقِيَامِ الْقَرِينَةِ عَلَى صِدْقِهِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي جَوَابِهِ لَهَا بِقَوْلِهِ لَهَا وَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ بِهِ الطَّلَاقُ ظَاهِرًا لِتَنْجِيزِهِ طَلَاقَهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمُخَاصَمَةِ وَاضِحٌ، وَهُوَ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا نَجَّزَ طَلَاقَهَا فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ إرَادَةُ تَعْلِيقِهِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْمُخَاصَمَةِ إنَّمَا أَتَى بِلَفْظٍ عَامٍّ فَقُبِلَتْ مِنْهُ إرَادَةُ تَخْصِيصِهِ لِفَوْتِهَا بِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ التَّفْصِيلَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَأْتِي فِيمَا إذَا خَاطَبَتْهُ بِصِفَةِ مَدْحٍ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ مِنْهَا الِاسْتِهْزَاءَ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ قَصْدِهِ مُكَافَأَتِهَا قَدْ غَلَظَ عَلَى نَفْسِهِ بِإِرَادَتِهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ حَالًا وَمَتَى أُخْبِرَ الْقَاضِي أَوْ غَيْرُهُ بِمَا تَلَفَّظَ بِهِ أَوَّلًا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بِإِخْبَارِهِ طَلَاقٌ.
(سُئِلَ) عَمَّا إذَا قِيلَ: أَطَلَّقْت امْرَأَتَك ثَلَاثًا فَقَالَ: نَعَمْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا مَثَلًا، ثُمَّ قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّ الَّذِي جَرَى بَيْنَنَا طَلَاقٌ وَقَدْ أَفْتَانِي بِخِلَافِهِ الْفُقَهَاءُ وَقَالَتْ الزَّوْجَةُ: بَلْ طَلَّقْتنِي ثَلَاثًا، لَمْ يُقْبَلْ مِنْ الزَّوْجِ إلَّا بِقَرِينَةٍ كَأَنْ تَخَاصَمَا فِي لَفْظَةٍ أَطْلَقَهَا فَقَالَ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ التَّأْوِيلَ يُقْبَلُ وَهَذَا تَفْصِيلٌ لِلْإِمَامِ
نَقَلَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا عَنْهُ وَقَالَا: إنَّهُ قَوِيمٌ لَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ بِهِ، ثُمَّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَقِبَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْكِتَابَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا يَعْنِي تَصْدِيقَهُ مُطْلَقًا بِقَرِينَةٍ وَدُونَهَا هُوَ الْمَنْقُولُ وَكَلَامُ الْإِمَامِ بَحَثَ لَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فَهَلْ الْمُعْتَمَدُ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي نَفْيِ الطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ بِقَرِينَةٍ وَدُونِهَا أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَرِينَةِ كَنَظَائِرِهِ، وَهَلْ إذَا زَعَمَ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّ الْفَقِيهَ أَفْتَاهُ أَوْ الْوَاعِظَ خَطَأً، ثُمَّ رَاجَعْت الْفُقَهَاءَ فَأَفْتَوْنِي بِخِلَافِهِ عَلَى الصَّوَابِ فَأَنْكَرَ الْفَقِيهُ أَوْ الْوَاعِظُ إفْتَاءَهُ بِذَلِكَ وَأَنْكَرَتْ الزَّوْجَةُ ذَلِكَ وَقَالَتْ: مَا لَك عُذْرٌ تَعْتَذِرُ بِهِ فِي دَفْعِ الطَّلَاقِ عَنْك وَلَا فِي رَفْعِ إقْرَارِك بِهِ يُطَالَبُ بِالْبَيَانِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ أَمْ لَا، كَمَا إذَا قَالَتْ: أَنَا زَوْجَةُ فُلَانٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَذَّبَهَا الْوَلِيُّ وَالشُّهُودُ فِي ذَلِكَ وَكَمَا إذَا قَالَتْ: حَلَلْتُ وَطَلَّقَنِي الْمُحَلِّلُ وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ ظَنَنْتُ أَنَّ الَّذِي جَرَى بَيْنَنَا طَلَاقٌ بِالثَّلَاثِ مَثَلًا وَأُفْتِيَتْ بِخِلَافِهِ وَبَيْنَ مَنْ ظَنَّ امْرَأَتَهُ أَجْنَبِيَّةً فَطَلَّقَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَبَانَتْ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ قَبُولُ قَوْلِ الزَّوْجِ بِيَمِينِهِ فِي قَوْلِهِ: إنَّمَا قُلْتُ: هِيَ طَالِقٌ عَلَى ظَنِّ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي جَرَى بَيْنَنَا طَلَاقٌ وَقَدْ أَفْتَوْنِي بِخِلَافِهِ، وَإِنْ نَازَعْته
بِالزَّوْجَةِ مُطْلَقًا، وَإِنْ أَنْكَرَ الْفَقِيهُ أَوْ الْوَاعِظُ إفْتَاءَهُ بِذَلِكَ وَقَبُولُ قَوْلِ الزَّوْجِ بِيَمِينِهِ فِي قَوْلِهِ أَرَدْت عَتَقْت بِمَا أَدَّيْت مُطْلَقًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الظَّنِّ وَبَيْنَ تَطْلِيقِهِ أَوْ إعْتَاقِهِ مَنْ ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً، ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الظَّنِّ قَاصِدٌ لِلْإِخْبَارِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ مَوْقِعُ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ فِي مَحَلِّهِ وَظَنُّهُ الْمَذْكُورُ لَا يَدْفَعُهُ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ رُحْتِ إلَى الْمَحَلَّةِ بِغَيْرِ إذْنٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ لَهَا: إنْ رُحْتِ إلَى الْمَحَلَّةِ بِإِذْنِي أَوْ بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّأْكِيدَ، ثُمَّ رَاحَتْ إلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ عَالِمَةً مُخْتَارَةً فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا أَمْ وَاحِدَةً؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ بِالتَّعْلِيقَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ طَلْقَتَانِ إنْ قَصَدَ الِاسْتِئْنَافَ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ وَيَقَعُ عَلَيْهِ بِالتَّعْلِيقِ الثَّالِثِ طَلْقَةٌ أَيْضًا عَلَى كُلِّ التَّقْدِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ غَيْرُ التَّعْلِيقَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْعِمَادِ فِي أَحْكَامِ الْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ وَلَوْ أَتَى بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ لِلطَّلَاقِ فَأَفْتَاهُ شَخْصٌ جَاهِلٌ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَأَنْشَأَ طَلَاقًا آخَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَانَتْ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَمْ يَقَعْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَنٍّ فَاسِدٍ وَقَدْ أَفْتَيْتُمْ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ كَانَ الْمُفْتِي غَيْرَ أَهْلٍ لِلْإِفْتَاءِ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ
وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ الْمَحَلِّيُّ عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا، فَأَخْبَرَهُ عَامِّيٌّ عَنْ فَتْوَى عَالِمٍ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ خَلَاصَهُ مِنْ الْحِنْثِ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا فَفَعَلَهُ اعْتِمَادًا عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَحْنَثُ لِتَقْصِيرِهِ أَمْ لَا لِاعْتِمَادِهِ الْمَذْكُورِ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْعَامِّيَّ الْمُخْبِرَ لَهُ إذَا كَانَ عَدْلًا فَلَا حِنْثَ كَالْجَاهِلِ بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ لِنَفْيِ الْحِنْثِ وُقُوعُ صِدْقِهِ فِي قَلْبِهِ، وَإِنْ كَانَ مَسْتُورَ الْعَدَالَةِ. اهـ.
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْحَالِفِ إنْ ظَنَّ صِدْقَ مَا أَفْتَاهُ بِهِ الْمُفْتِي سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُفْتَى لَهُ بِذَلِكَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا. اهـ.
وَأَجَابَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الْغَزِّيُّ بِقَوْلِهِ: لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ الْمُفْتِي بِذَلِكَ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَإِلَّا حَنِثَ وَمِنْ كَلَامِ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ فِي الثَّلَاثِ مَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ قُلْتُ: قَوْلَهُ يَعْنِي الْجَلَالَ الْبُلْقِينِيَّ إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَسْأَلَ رُبَّمَا يَفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ سَأَلَ وَلَكِنْ أَخْطَأَ مَنْ سَأَلَهُ أَنَّهُ يَكُونُ مَعْذُورًا فَلَا يَحْنَثُ وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا عَنْ شَخْصٍ قَالَ: إنْ وَقَفْتُ فِي مُهِمِّ أَخِي فَجَارِيَتِي حُرَّةٌ فَأَفْتَاهُ شَخْصٌ بِأَنَّهُ يَقِفُ فِيهِ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ عِتْقٌ فَوَقَفَ فِيهِ اعْتِمَادًا عَلَى فِعْلِهِ فَأَجَابَ
بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْمُفْتِي مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَيُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْمُشْكِلَاتِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْعِتْقُ كَذَلِكَ وَإِلَّا وَقَعَ فَالْحَاصِلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُ طُرُقٍ أَشْهُرُهَا مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَأَوْسَطُهَا مَا ذَكَرَهُ الْمَحَلِّيُّ وَأَخَفُّهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ فَتَاوِيكُمْ فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي صِفَةِ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَى إفْتَائِهِ وَهَلْ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الرَّوْضِ وَقَدْ أَفْتَانِي بِخِلَافِهِ الْفُقَهَاءُ وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ وَقَدْ رَاجَعْتُ الْمُفْتِينَ الْجَمْعَ أَوْ الْجِنْسَ حَتَّى يَخْرُجَ غَيْرُ الْمُفْتِي وَغَيْرُ الْفَقِيهِ حَتَّى لَا يُعْذَرَ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الْقَائِلِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُ مُخْبِرِهِ بِوُقُوعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْإِفْتَاءِ وَيَقْصِدُ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ الْإِخْبَارَ عَنْهُ بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا أَتَى بِلَفْظٍ غَلَبَ عَلَى ظَنّه وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهِ أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى صِفَةٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُهَا، ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِوُقُوعِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ فَقَوْلُ ابْنِ الْعِمَادِ الْمَذْكُورِ لَا يَأْتِي إلَّا عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ لَوْ خَاطَبَ زَوْجَتَهُ بِالطَّلَاقِ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَهُوَ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً طَلُقَتْ، وَلَوْ نَسِيَ أَنَّ لَهُ زَوْجَةً أَوْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ فِي صِغَرِهِ أَوْ وَكِيلَهُ فِي كِبَرِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي فَقَالَ:
زَوْجَتِي طَالِقٌ أَوْ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ طَلُقَتْ نَعَمْ إنْ حَمَلَ قَوْلَهُ وَأَنْشَأَ طَلَاقًا آخَرَ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ عَمَّا أَخْبَرَ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَمَّا يَظُنُّ وُقُوعَهُ اسْتَقَامَ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ النُّورُ الْمَحَلِّيُّ وَبَعْضُهُمْ جَارٍ عَلَى سُنَنِ الصَّوَابِ، وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالشَّمْسُ الْغَزِّيُّ مِنْ حِنْثِ الْحَالِفِ إذَا كَانَ الْمُفْتِي مِمَّنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ عَدَمِ حُصُولِ غَلَبَةِ ظَنِّ الْحَالِفِ بِإِفْتَائِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ، وَتَعْلِيلُ الْحِنْثِ بِتَقْصِيرِ الْحَالِفِ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا بَحَثَهُ الْعِرَاقِيُّ فِيمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَفَعَلَهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِحَلِفِهِ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَى الرَّاجِحِ بِقَوْلِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَوَسَّطَ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ فَيُقَالُ: إذَا قَصَدَ الْمَنْعَ وَتَمَكَّنَ مِنْ إعْلَامِهِ فَلَمْ يُعْلِمْهُ حَنِثَ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ كَلَا قَصْدٍ فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ كَمَنْ حَلَفَ عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ وَالْمَذْكُورُ فِي سَلَالِمِ الدَّارِ لَا يَدْرِي بِيَمِينِهِ وَلَا أَمْكَنَهُ إعْلَامَهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَقِبَ يَمِينِهِ جَاهِلًا بِحَلِفِهِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَهَذَا تَوَسُّطٌ حَسَنٌ. اهـ.
وَرَدَ بِأَنَّ مَا بَحَثَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ طَرِيقَةٍ ضَعِيفَةٍ قَائِلَةٍ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِفِعْلِ الْجَاهِلِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّقَ مُقَصِّرٌ حَيْثُ لَمْ يُعْلِمْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِهِ، ثُمَّ نَسِيَ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى
الْجَوَابِ عَنْ بَقِيَّةِ السُّؤَالِ لِعِلْمِهِ مِمَّا ذَكَرْته.
(سُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: مَتَى خَرَجَ هَذَا الطَّاجِنُ النُّحَاسُ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ وَمَتَى أَخْرَجْته مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ طَاجِنُنَا تَكُونِي طَالِقًا، ثُمَّ تَنَازَعَا فِي شَيْءٍ آخَرَ فَنَقَلَتْ أَمْتِعَتَهَا وَالطَّاجِنَ ضِمْنَهَا نَاسِيَةً لِحَلِفِهِ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِيهِمَا أَوْ يَقَعُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت بِالْأَوَّلِ إخْرَاجَهَا أَوْ إخْرَاجَ زَيْدٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ تَعْلِيقٍ عَلَى الْخُرُوجِ وَقَدْ وُجِدَ، وَإِذَا أَخَذَتْ لَهُ أَمْتِعَةً وَقَالَ لَهَا: رَضِيت بِهَا عَنْ جَمِيعِ حُقُوقِك عَلَيَّ فَلَا يَلْحَقُنِي بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ فَقَالَتْ: رَضِيت بِهَا فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثٍ ظَانًّا صِحَّةَ تَعْوِيضِهَا إلَّا مُتْعَةً عَنْ بَقِيَّةِ صَدَاقِهَا وَكَسَاوِيهَا وَمُتْعَتِهَا وَسَائِرِ حُقُوقِهَا عَلَيْهِ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ كَانَا يَجْهَلَانِ قَدْرَ حُقُوقِهَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَهَلْ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ أَبْرَأْتنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ: أَبْرَأْتُك أَوْ أَبْرَأَك اللَّهُ قَاصِدَةً بِذَلِكَ أَبْرَأْتُك فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ظَانًّا صِحَّةَ الْبَرَاءَةِ وَقَاصِدًا تَعْلِيقَ طَلَاقِهَا عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ فَهَلْ يَصِحُّ لِنَحْوِ جَهْلِهَا بِالْمُبْرَأِ مِنْهُ أَوْ لِسَفَهِهَا فَلَا يَقَعُ بِذَلِكَ، وَهَلْ إذَا اخْتَلَفَا فِي صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ وَعَدَمِهَا كَأَنْ قَالَ: الزَّوْجُ أَنَا جَاهِلٌ بِهِ
وَأَنْتِ سَفِيهَةٌ فَيُصَدَّقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ أَوْ يُصَدَّقُ مَنْ ادَّعَى جَهْلَهُ أَوْ سَفَهَهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ وَهَلْ يَشْهَدُ لِقَبُولِ قَوْلِ مَنْ ظَنَّ صِحَّةَ تَعْوِيضِهَا مَا فِي فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِيمَنْ أَرَادَ سَفَرًا وَلَهُ عِنْدَ زَوْجَتِهِ أَسَاوِرُ ذَهَبٍ فَقَالَ لِرَجُلٍ: أَقْرِضْنِي دِينَارًا ذَهَبًا مَثَلًا وَخُذْ الْأَسَاوِرَ عِنْدَك إلَى أَنْ أَحْضَرَ فَأَقْرَضَهُ وَقَالَ لَهُ: أَرْسِلْ زَوْجَتَك غَدًا تَأْخُذَهَا مِنْ زَوْجَتِي وَسَافَرَ، ثُمَّ أَخَذَتْهَا زَوْجَةُ الْمُقْرِضِ وَدَفَعَتْهَا لِزَوْجِهَا، ثُمَّ قَالَتْ زَوْجَةُ الْمُقْتَرِضِ: مَا جَعَلْت الْأَسَاوِرَ عِنْدَ الْمُقْرِضِ إلَّا خَوْفًا عَلَيْهَا مِنِّي فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ مَا جَعَلَهَا عِنْدَهُ إلَّا رَهْنًا ظَانًّا أَنَّ مَا فَعَلَهُ رَهْنٌ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ طَلَاقٌ. اهـ.
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِهِ مَتَى أَخْرَجَتْهُ مِنْهُ وَيَقَعُ فِي قَوْلِهِ مَتَى خَرَجَ إلَّا أَنْ قَالَ: أَرَدْت بِهِ أَنْ لَا تُخْرِجَهُ فَيُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يَقَعُ بِخُرُوجِهِ الْمَذْكُورِ طَلَاقٌ وَيَقَعُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ اعْتَقَدَ صِحَّةَ الِاعْتِيَاضِ، وَكَانَا جَاهِلَيْنِ بِقَدْرِ حُقُوقِهَا عَلَيْهِ فَقَدْ قَالُوا فِي ضَبْطِ مَا يُقْبَلُ وَيَدِينُ أَنَّ لِمَا يَدَّعِيه الشَّخْصُ مَعَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مَرَاتِبُ: إحْدَاهَا: أَنْ يَدَّعِيَ مَا يَرْفَعُ مَا صَرَّحَ بِهِ كَأَنْ قَالَ: أَرَدْت طَلَاقًا لَا يَقَعُ لَمْ يُقْبَلْ وَلَمْ
يَدِنْ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَدَّعِيَ مَا يُفِيدُ الْمَلْفُوظَ كَأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ أَوْ مَشِيئَةِ زَيْدٍ فَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا وَيَدِينُ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَدَّعِيَ تَخْصِيصَ عَامٍ فَيُقْبَلُ ظَاهِرًا بِقَرِينَةٍ وَلَا يُقْبَلُ بِدُونِهَا وَيَدِينُ وَقَالُوا: لَوْ خَاطَبَ زَوْجَتَهُ بِالطَّلَاقِ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَهُوَ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً طَلُقَتْ، وَلَوْ نَسِيَ أَنَّ لَهُ زَوْجَةً أَوْ زَوَّجَهُ بِهَا أَبُوهُ فِي صِغَرِهِ أَوْ وَكِيلُهُ فِي كِبَرِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي فَقَالَ: زَوْجَتِي طَالِقٌ أَوْ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي مَحَلِّهِ وَظَنُّهُ غَيْرُ الْوَاقِعِ لَا يَدْفَعُهُ وَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ " إنْ أَبْرَأْتنِي " الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا لِمَا ذَكَرْته، نَعَمْ إنَّمَا يَصِحُّ مَا ذُكِرَ فِيهَا إذَا قَصَدَ بِقَوْلِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ الثَّلَاثَ، ثُمَّ أَنَّهُ ظَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِإِبْرَائِهَا، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَاصِدًا بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاقِعِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ بِهِ الطَّلَاقُ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ أَبْرَأْتنِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ، ثُمَّ ظَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِإِبْرَائِهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ قَاصِدًا الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاقِعِ وَقَدْ نَجَّزَ الطَّلَاقَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَقَصْدُهُ تَعْلِيقُهُ عَلَى صِحَّةِ التَّعْوِيضِ بِلَا لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ التَّعْلِيقِ لَا يَدْفَعُهُ، وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ رَجُلٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ وَهَبَنِي اللَّهُ
مَهْرَك فَأَنَا أُطَلِّقُك، فَقَالَتْ: إنَّ اللَّهَ قَدْ وَهَبَك، فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ مِنْ الْمَهْرِ إنْ كَانَتْ أَرَادَتْ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَرُدَّهُ فَلَا يَبْرَأُ فَإِنْ انْضَمَّ إلَى عَدَمِ إرَادَتِهَا إرَادَةُ الزَّوْجِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي مُقَابِلَتِهِ فَلَا يَقَعُ حِينَئِذٍ. اهـ.
وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ ضَعِيفٌ وَلَا مُشَابَهَةَ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَبَيْنَ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْأَسَاوِرِ كَمَا يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ وَعَدَمِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِيهَا بِيَمِينِهِ، وَأَمَّا دَعْوَى الْجَهْلِ بِقَدْرِ الْمُبْرَأِ مِنْهُ فَقَدْ قَالُوا: لَوْ أَبْرَأَ الْمَدْيُونُ، ثُمَّ ادَّعَى الْجَهْلَ يُقَدَّرُ الْمُبْرَأُ مِنْهُ فَإِنْ بَاشَرَ سَبَبَ الدَّيْنِ بِنَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ عِنْدَ السَّبَبِ كَالثَّيِّبِ فِي الصَّدَاقِ لَمْ يُقْبَلْ وَإِلَّا فَيُقْبَلُ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مِنْ زَوْجَتِهِ أَنَّهُ لَا يُرَاجِعُ مُطَلَّقَتَهُ فَوَكَّلَ مَنْ رَاجَعَهَا فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَوَكَّلَ مَنْ تَزَوَّجَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ مَحْضٌ فِيهِمَا أَوْ لَا يَقَعُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَهَلْ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا حِنْثَ بِرَجْعَةِ الْوَكِيلِ يَحْنَثُ أَوْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِرَجْعَةِ وَكِيلِهِ لِمَا ذُكِرَ وَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ عَدَمِ حِنْثِهِ بِهَا جَارٍ عَلَى مَا رَجَّحَهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّزَوُّجِ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ فَقَدْ قَالُوا فِي تَصْحِيحِهِ إنَّ الْحِنْثَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَلِقَاعِدَتِهِ وَلِلدَّلِيلِ وَلِلْأَكْثَرِينَ، وَنَقَلَ فِي حَوَاشِيهِ أَيْضًا عَدَمَ الْحِنْثِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ: إنَّهُ الصَّوَابُ وَلَا يَحْنَثُ بِهَا إذَا اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ يَوْمَ كَذَا، وَكَانَ مُعْسِرًا حِينَ حَلِفِهِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ يَسَارِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاسْتَمَرَّ مُعْسِرًا فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمَحْضِ الْيَوْمِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ بِزَوْجَتِهِ الْحِجَازَ فَهَلْ يَحْنَثُ بِمُفَارَقَةِ عُمْرَانِ بَلَدِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا أَوْ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِوُصُولِهِ أَرْضَ الْحِجَازِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِمُفَارَقَتِهِ الْعُمْرَانَ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِيهِ عُرْفًا سَافَرَ إلَى الْحِجَازِ هَذَا فِي الظَّاهِرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْحِجَازِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالْحَيْضِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ ظَاهِرًا بِظُهُورِهِ فَإِنْ نَقَصَ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ. اهـ. أَوْ لَا حَتَّى تَنْتَهِيَ الْمُدَّةُ وَمَا الْفَرْقُ
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِعَدَمِ الْقَضَاء إلَّا بِانْتِفَائِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ بِشَرْطِهِ وَغَلَبَةِ ظَنِّ الْحَالِفِ بِإِعْسَارِهِ فِيهِ لَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ الْحَلِفِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُخْرِجُ الْقَضَاءَ عَنْ الْإِمْكَانِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْعَجْزُ فِي الْحَالِ فَقَدْ قَالُوا: إنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِصِفَةٍ لَا يَقَعُ قَبْلَ وُجُودِهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِمَّنْ يَتَحَقَّقُ حُصُولُهَا كَمَجِيءِ الشَّهْرِ أَمْ لَا يَتَحَقَّقُ كَدُخُولِ الدَّارِ وَمُكَالَمَةِ الْغَيْرِ، وَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ قَبْلَ كَسْرِهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ مِنْ الْجَوْزِ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَى مَا أَكَلْتِ عَنْ نَوَى مَا أَكَلْت وَقَدْ اخْتَلَطَا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَصَدَ التَّعْيِينَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ فِيهَا إلَّا عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْهُ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَمَا عُزِيَ لِإِفْتَاءِ شَيْخِنَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ مَعْنَاهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ الْحَلِفِ فَهِيَ مُسَاوِيَةٌ لِمَسْأَلَةِ السَّفَرِ هَذَا مَعَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِيهَا يُخَالِفُ نَقْلَ الشَّيْخَيْنِ فِي تَعْلِيقَاتِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي التَّعْلِيقَاتِ إلَى اللَّفْظِ وَإِلَى السَّابِقِ إلَى الْفَهْمِ فِي الْعُرْفِ الْغَالِبِ فَإِنْ تَطَابَقَا فَذَاكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَمِيلُ إلَى اعْتِبَارِ الْوَضْعِ
وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ يَرَيَانِ اتِّبَاعَ الْعُرْفِ، ثُمَّ صَحَّحَ الشَّيْخَانِ فِي مَسَائِلِ الشَّتْمِ وَالْإِيذَاءِ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمُكَافَأَةَ لَكِنْ عَمَّ الْعُرْفُ بِهَا أَنَّ الْمُرَاعَى الْوَضْعُ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ فِي مِثْلِ هَذَا وَقَضِيَّتُهُ أَنْ لَا يَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إلَّا بِوُصُولِهِ إلَى الْحِجَازِ.
(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَخَذَ خَرُوفَ غَيْرِهِ وَذَبَحَهُ فَحَلَفَ صَاحِبُهُ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُعْطِنَا خَرُوفًا غَيْرَهُ فَلَا أُكَلِّمُهُ فَهَلْ يَحْنَثُ بِكَلَامِهِ قَبْلَ إعْطَائِهِ خَرُوفًا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِتَكْلِيمِهِ إيَّاهُ إلَّا عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ إعْطَائِهِ خَرُوفًا إذْ لَا يَفُوتُ إعْطَاؤُهُ إلَّا بِذَلِكَ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي مَتَى بِعْت الْجَارِيَةَ تَزَوَّجْت هَلْ يُعْتَبَرُ تَزْوِيجُهُ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ بَيْعِهِ الْجَارِيَةَ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْفَوْرِيَّةُ إذْ الصِّيغَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا تَقْتَضِيهِ.
(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ بَارِزَةٌ عَنْ عِصْمَتِي وَلَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا هَلْ يَقَعُ بِهِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ.
(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لِأَقْضِيَنَّك حَقَّك عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ إلَّا أَنْ تُؤَخِّرَنِي فَهَلْ إذَا أَخَّرَهُ تَرْتَفِعُ الْيَمِينُ رَأْسًا وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي التَّأْخِيرِ اللَّفْظُ وَهَلْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ
أَوْ مُنْقَطِعٌ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهَا تَرْتَفِعُ الْيَمِينُ بِرِضَا صَاحِبِ الدَّيْنِ بِتَأْخِيرِ أَدَائِهِ عَنْ رَأْسِ الْهِلَالِ وَيُعْتَبَرُ فِي رِضَاهُ بِتَأْخِيرِهِ تَلَفُّظِهِ بِهِ إذْ الرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ فَأُنِيطَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ اللَّفْظُ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ مُتَّصِلٌ لِشُمُولِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ حَالَةَ مُطَالَبَتِهِ بِأَدَائِهِ فِي ذَلِكَ وَسُكُوتِهِ عَنْهَا وَرِضَاهُ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ.
(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّ ابْنَتَهُ مَا تَطْلُعُ إلَى بَلَدِهِ وَهِيَ عَلَى عِصْمَةِ زَوْجِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، ثُمَّ طَلَعَتْ إلَى بَلَدِهِ فَهَلْ يَقَعُ عَلَى وَالِدِهَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لِكَوْنِ الرَّجْعِيَّةِ فِي حُكْمِ الْعِصْمَةِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى وَالِدِهَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إلَّا أَنْ تَظُنَّ أَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ بِطُلُوعِهَا طَلَاقٌ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ أُخْتُك قَالَتْ لِي: إنَّهَا أَخَذَتْ مَهْرَهَا مِنْ فُلَانٍ عِشْرِينَ دِينَارًا وَهِيَ عِنْدَهَا فِي صُنْدُوقِهَا فَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ وَادَّعَتْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ كَمَا إذَا ادَّعَى دَفْعَ النَّفَقَةِ الْمُعَلَّقِ الطَّلَاقُ عَلَى دَفْعِهَا أَمْ لَا كَمَا إذَا ادَّعَتْ الْحَيْضَ وَنَحْوَهُ مِمَّا لَا يُعْلَمُ غَالِبًا إلَّا مِنْهَا، وَهَلْ هَذِهِ
كَمَسْأَلَةِ مَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَادَّعَتْ وُقُوعَهُ وَعَدَمَ الْإِذْنِ لَهَا وَادَّعَاهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْبَيَانَ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ وَالرَّوْضِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ فِي الْخَادِمِ: إنَّهُ الْمُرَجَّحُ فِي الْمَذْهَبِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِدُخُولِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بِوَكِيلٍ وَقَالَ: قَصَدْتُ بِنَفْسِي هَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا أَوْ يَدِينُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ لَفْظِهِ وَلِأَنَّ التَّزَوُّجَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ عَقْدِهِ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ عَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ وَمَتَى ادَّعَى إرَادَةَ أَحَدِ مَعْنَيَيْ الْمُشْتَرَكِ قُبِلَ ظَاهِرًا عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ حِنْثَهُ بِتَزَوُّجِ وَكِيلِهِ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَلِلدَّلِيلِ وَلِلْأَكْثَرِينَ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ حِنْثِهِ وَقَالَ: إنَّهُ الصَّوَابُ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ يَلْبَسُ هَذِهِ الْبُرْدَةُ بَقِيَّةَ هَذَا الشَّهْرِ فَلَبِسَهَا، ثُمَّ نَزَعَهَا قَبْلَ فَرَاغِ بَقِيَّةِ ذَلِكَ الشَّهْرِ وَلَمْ يَلْبَسْهَا فِيهَا هَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ إنْ ظَنَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَنَّ
الْحَالِفَ تَخَلَّصَ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ بِلُبْسِهِ الْمَذْكُورَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ ذَلِكَ الطَّلَاقُ وَإِلَّا وَقَعَ لِانْتِفَاءِ لُبْسِهِ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الْبَقِيَّةِ.
(سُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ زَوْجَتُهُ حَامِلٌ فَقَالَ لَهَا: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي مِنْك يَوْمَ تَضَعِي حَمْلَك طَلَّقْتُك، ثُمَّ أَنَّهَا وَضَعَتْ لَيْلًا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَهَلْ إذَا مَضَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَلَدَتْ فِيهَا وَلَمْ يُطَلِّقْهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ أَمْ لَا يَقَعُ حَتَّى يَمْضِيَ النَّهَارُ الَّذِي يَلِيهَا أَمْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِكَوْنِهَا لَمْ تَلِدْ نَهَارًا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ.
(سُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ إلَّا ثُلُثَ إلَّا رُبُعَ إلَّا سُدُسَ إلَّا ثُمُنَ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِثْنَاءَ بِشَرْطِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ إذْ الْمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا تَقَعُ إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ فَلَا يَقَعُ إلَّا ثُلُثَ طَلْقَةٍ فَيَقَعُ إلَّا رُبُعَ طَلْقَةٍ فَلَا يَقَعُ إلَّا سُدُسَ طَلْقَةٍ فَيَقَعُ إلَّا ثُمُنَ طَلْقَةٍ فَلَا يَقَعُ.
(سُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِلْقَاضِي: أَشْهَدُ عَلَى أَنَّ زَوْجَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: قَصَدْت الْإِتْيَانَ بِالِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ فَرَاغِ لَفْظِي وَأَتَيْت بِهِ مُتَّصِلًا بِحَيْثُ
سَمِعْتُهُ فَقَالَ الْقَاضِي: لَمْ أَسْمَعْ سِوَى الطَّلَاقِ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَوْ لَا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ تُكَذِّبَهُ زَوْجَتُهُ فِيمَا قَالَهُ أَوْ لَا، وَهَلْ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ أَوْ لَا وَهَلْ قَوْلُهُ: أَشْهَدُ إلَخْ إنْشَاءٌ أَوْ إخْبَارٌ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُكَذِّبَهُ زَوْجَتُهُ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا فِي نَفْيِهِ فَإِذَا حَلَفَتْ حُكِمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ أَشْهَدُ إلَخْ أَرَادَ بِهِ الْإِنْشَاءَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَصَدْت الْإِتْيَانَ إلَخْ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ دَفَعَ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ دِينَارًا بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ كَثِيرِينَ، ثُمَّ طَالَبَهُ بِهِ وَأَنْكَرَ دَفْعَهُ فَحَلَفَ الْمَدْيُونُ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ دَفَعَهُ لَهُ قُدَّامَ مِائَةِ نَفْسٍ مِنْ الْأَسَاكِفَةِ وَقَصَدَ الْكَثْرَةَ لَا الْعَدَدَ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّفْعُ قُدَّامَ مِائَةِ نَفْسٍ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ رَفْعِ بَعْضِهَا بِلَا لَفْظٍ وَلِأَنَّ فِيمَا ادَّعَاهُ رَفْعَ الطَّلَاقِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اللَّفْظِ الدَّالِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَرَدْت طَلَاقًا لَا يَقَعُ أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أَضْرِبْك مِائَةَ ضَرْبَةٍ
فَضَرَبَهَا أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ بِالْمِائَةِ الْكَثْرَةَ لَا الْحَصْرَ فِيهَا فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فَرْعٌ فِي ضَبْطِ مَا يَدِينُ فِيهِ وَمَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِمَا يَدَّعِيه الشَّخْصُ مِنْ النِّيَّةِ مَعَ مَا أَطْلَقَهُ مِنْ اللَّفْظِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: أَحَدُهَا: أَنْ يَرْفَعَ مَا صَرَّحَ بِهِ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ طَلَاقًا لَا يَقَعُ عَلَيْك أَوْ لَمْ أُرِدْ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فَلَا تُؤَثِّرُ دَعْوَاهُ وَلَا يَدِينُ بَاطِنًا.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيه مُقَيَّدًا لِمَا تَلَفَّظَ بِهِ مُطْلَقًا بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ فَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا وَفِي التَّدْيِينِ الْخِلَافُ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَرْجِعَ مَا يَدَّعِيه إلَى تَخْصِيصِ عُمُومٍ فَيَدِينُ وَفِي الْقَبُولِ ظَاهِرًا خِلَافٌ.
الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِلطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ شُيُوعٍ وَظُهُورٍ وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ يَقَعُ لِلْكِنَايَاتِ وَيُعْمَلُ فِيهَا بِالنِّيَّةِ. اهـ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ: وَالضَّابِطُ أَنَّهُ إنْ فَسَّرَ بِمَا يَرْفَعُ الطَّلَاقَ فَقَالَ: أَرَدْت طَلَاقًا لَا يَقَعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ بِتَخْصِيصِ مُتَعَدِّدٍ كَطَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا وَأَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً أَوْ أَرْبَعَتَكُنَّ وَأَرَادَ إلَّا ثَلَاثَةً لَمْ يَدِنْ، وَإِنْ فُسِّرَ بِغَيْرِهِ مِنْ مُقَيَّدٍ لِلطَّلَاقِ أَوْ صَارِفٍ إلَى مَعْنًى آخَرَ أَوْ
مُخَصِّصٍ كَقَوْلِهِ: أَرَدْت إنْ دَخَلْت أَوْ طَلَاقًا مِنْ وَثَاقٍ أَوْ إلَّا فُلَانَةَ بَعْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ لِي أَوْ نِسَائِي دِينَ اهـ.
(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا إلَّا فِي شَرٍّ، ثُمَّ تَخَاصَمَا وَكَلَّمَهُ فِي شَرٍّ فَهَلْ إذَا كَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي خَيْرٍ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِكَلَامِهِ فِي الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِكَلَامِهِ الْأَوَّلِ إذْ لَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَيَّدَهَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ وَلِأَنَّ لِهَذِهِ الْيَمِينِ جِهَةَ بِرٍّ وَهِيَ كَلَامُهُ فِي الشَّرِّ وَجِهَةُ حِنْثٍ وَهِيَ كَلَامُهُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَقْتَضِي النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ جَمِيعًا وَإِذَا كَانَ لَهَا جِهَتَانِ وَوُجِدَتْ إحْدَاهُمَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْيَوْمَ الدَّارَ أَوْ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ فِي الْيَوْمِ بَرَّ وَإِنَّ تَرَكَ أَكْلَ الرَّغِيفِ، وَإِنْ أَكَلَهُ بَرَّ، وَإِنْ دَخَلَ الدَّارَ وَلَيْسَ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْت لَابِسَةً حَرِيرَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ غَيْرَ لَابِسَةٍ لَهُ لَا تَنْحَلُّ حَتَّى يَحْنَثَ بِالْخُرُوجِ ثَانِيًا لَابِسَةً لَهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى جِهَتَيْنِ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِخُرُوجِ مُقَيِّدٍ فَإِذَا وُجِدَ وَقَعَ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ فِي الْكَوَاكِبِ: إنَّ لَوْلَا تَكُونَ تَارَةً حَرْفَ
امْتِنَاعٍ لِوُجُودٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلِيهَا إلَّا الْمُبْتَدَأُ عَلَى الْمَعْرُوفِ، نَحْوُ لَوْلَا زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُك أَيْ امْتَنَعَ الْإِكْرَامُ لِأَجْلِ وُجُودِ زَيْدٍ، وَتَارَةً حَرْفَ تَحْضِيضٍ بِمَعْنَى هَلَّا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: 7] إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا دَخَلْتِ الدَّارَ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ وَرَدَتْ مِنْ الْيَمِينِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَرَادَ بِلَوْلَا التَّحْضِيضِيَّةُ وَأَتَى بِهَا بَعْدَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ إمَّا حَثًّا لَهَا عَلَى الدُّخُولِ أَوْ إنْكَارًا أَوْ تَعْلِيلًا لِلْإِيقَاعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيَحْتَمِلُ إرَادَةُ لَوْلَا الِامْتِنَاعِيَّةُ إلَّا أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي الْإِعْرَابِ فَأَتَى بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ عَقِبَهَا وَالِاسْمِيَّةِ جَوَابًا لَهَا، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ فَإِنْ أَطْلَقَ أَوْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ فَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ مَا الْمُعْتَمَدُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ امْتِنَاعًا وَتَحْضِيضًا عَمِلَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَوْ لَمْ يُعْرَفْ قَصْدُهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ حَمْلًا عَلَى أَنَّ لَوْلَا الِامْتِنَاعِيَّةَ لِتَبَادُرِهَا إلَى الْفَهْمِ عُرْفًا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ وَلِأَنَّ الِامْتِنَاعِيَّةَ قَدْ يَلِيهَا الْفِعْلُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي تَسْهِيلِهِ: وَقَدْ تَلِي الْفِعْلَ غَيْرَ مُفْهِمَةٍ تَحْضِيضًا اهـ. وَهُوَ
مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ: فَلَا يَلِيهَا إلَّا الْمُبْتَدَأُ عَلَى الْمَعْرُوفِ. اهـ وَلِأَنَّ التَّحْضِيضِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ أَوْ مَا فِي تَأْوِيلِهِ نَحْوُ {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} [النمل: 46] وَنَحْوُ {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [المنافقون: 10] .
(سُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَا تَأْكُلُ كَذَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَمَضَى وَادَّعَى أَنَّهَا أَكَلَتْهُ وَأَنْكَرَتْ وَحَلَفَتْ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِيَمِينِهَا أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ كَوْنِ غَيْرِهَا أَكَلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ مُتَيَسِّرَةٌ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ.
(سُئِلَ) عَنْ الْإِكْرَاهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَنَحْوُهُ هَلْ إذَا كَانَ بِحَقٍّ أَيَكُونُ كَالْعَدَمِ وَيَقَعُ الْمُعَلَّقُ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، وَاقْتَضَاهُ تَقْيِيدُ الْأَذْرَعِيِّ مَسْأَلَةَ الْإِكْرَاهِ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ عَلَى مَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى الْأَخْذِ وَتَعَقَّبَ الْخَادِمَ لَمَّا أَسْقَطَهُ صَاحِبُ الرَّوْضِ مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ فِيمَنْ قَالَ: إنْ أَخَذْت مَالِكَ مِنِّي فَإِنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ حَتَّى أَعْطَى بِنَفْسِهِ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي فِعْلِ الْمُكْرَهِ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الْإِعْطَاءِ بِنَفْسِهِ أَيْ لِيَكُونَ الْإِكْرَاهُ عَلَى وَجْهِ غَيْرِ الْحَقِّ وَإِلَّا فَيَحْنَثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إلَّا بِمُبَاشَرَةِ
الْإِعْطَاءِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْمُتَّجَهِ قَالَ: لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ أَمْ يُمْنَعُ مِنْ الْحِنْثِ أَيْضًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا مَا ذَكَرْته وَمِنْهَا مَا فِي الْأَيْمَانِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُوفِيهِ وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ فَفَعَلَ مُكْرَهًا أَوْ لَا نَفْتَرِقُ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ وَأَفْلَسَ فَمَنَعَهُ الْحَاكِمُ مِنْ مُلَازَمَتِهِ وَأَيْضًا لَا يُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ عَلَى الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِصِفَتِهِ وَقَدْ يَتَخَلَّفُ الْأَثَرُ شَرْعًا كَمَا فِي الْحُكْمِ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِعَدْلٍ مَعَ الْحُكْمِ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِهِ وَنَحْوِهِ وَأَيْضًا لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ وَبِغَيْرِ حَقٍّ إلَّا فِي الْمُنَجَّزِ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُنَازَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخَادِمِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَهَلْ فَرَّقَ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بَيْنَ إكْرَاهِ الْحَاكِمِ وَإِكْرَاهِ غَيْرِهِ فَتُرْشِدُونَا إلَى النَّقْلِ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الْمَذْكُورَ يَمْنَعُ مِنْ الْحِنْثِ لِمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي الْإِكْرَاهِ بَيْنَ كَوْنِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَكَوْنِهِ بِحَقٍّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي عَقْدٍ أَوْ حِلٍّ يَحْصُلُ بِصِحَّتِهِ أَوْ نُفُوذِهِ مَصْلَحَةٌ لِلْآدَمِيِّ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ الطَّلَاقِ، وَلَا
يُفْتَرَقُ حُكْمُهُمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَالْإِكْرَاهُ بِالْحَقِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَنَحْوِهَا إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ فَيَجِبُ امْتِثَالُ أَمْرِهِ لِنُفُوذِ حُكْمِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِشَخْصٍ: بَلَغَنِي أَنَّك طَلَّقْتَ زَوْجَتَك، فَقَالَ: خَلِّهَا مُطَلَّقَةً هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهَذَا اللَّفْظِ سَوَاءٌ أَقَصَدَ الطَّلَاقَ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ.
(سُئِلَ) عَنْ مُسْتَنِدِ صُورَتِهِ بَعْدَ الْحَمْدَلَةِ هَذِهِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَوَثِيقَةٌ مُحَرَّرَةٌ شَرْعِيَّةٌ يُعْرَبُ مَضْمُونُهَا وَيُخْبَرُ مَكْنُونُهَا بِمَجْلِسِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ بِغَزَّةَ الْمَحْرُوسَةِ أَجَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ يَدَيْ مَوْلَانَا الْحَاكِمِ الْوَاضِعِ خَطَّهُ أَعْلَاهُ زَادَ اللَّهُ عُلَاهُ بَعْدَ أَنْ ادَّعَى مُدَّعٍ شَرْعِيٌّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ شَعْبَانَ مِنْ أَوْلَادِ نَاهِضٍ أَنَّهُ قَبْلَ تَارِيخِهِ حَنِثَ فِي زَوْجَتِهِ الْحُرْمَةُ عَائِشَةَ بِنْتِ الْمَقْدِسِيِّ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةِ جباليا مِنْ ضَوَاحِي غَزَّةَ الْمَحْرُوسَةِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِمُقْتَضَى أَنَّهُ لَمَّا تَشَاجَرَ هُوَ وَخَالَاهَا وَلَدَا مُحَمَّدٍ تكتوك بِسَبَبِ الْقَضِيَّةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَهُمْ قَبْلَ تَارِيخِهِ وَأَنَّ الشَّيْخَ سَابِقَ بْنَ بَصِيصٍ مِنْ النَّاحِيَةِ غوش عَلَى الْمُدَّعِي بِسَبَبِهِمْ فَأَجَابَهُ بِأَنْ
قَالَ لَهُ: كَيْفَ أَفْعَلُ فِيهَا طَلَّقْتهَا عِشْرِينَ مَرَّةً وَأَنْتَ تَغْصِبُنِي بِرُجُوعِهَا إلَيَّ وَطَالَبَهُ بِذَلِكَ وَسَأَلَ سُؤَالَهُ فَأَجَابَ بِالِاعْتِرَافِ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ طَلَاقٍ سَابِقٍ مِنْهُ عَلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَلَا غَيْرَهُ وَحَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذَلِكَ إلَّا كَذَلِكَ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ عَلَيْهَا طَلْقَتَيْنِ حَلِفًا شَرْعِيًّا وَثَبَتَ ذَلِكَ لَدَى الْحَاكِمِ الْمُشَارِ إلَيْهِ الثُّبُوتَ الشَّرْعِيَّ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ آخِرُهُ حُكْمٌ، أَيَّدَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَهُ بِمُوجِبِ ذَلِكَ حُكْمًا شَرْعِيًّا مَسْئُولًا فِيهِ مُسْتَوْفِيًا شَرَائِطَهُ الشَّرْعِيَّةَ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ.
وَشَهِدَ بِذَلِكَ فِي سَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الثَّانِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَسُؤَالُ صُورَتِهِ بَعْدَ الْحَمْدَلَةِ مَا قَوْلُكُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ أَجْمَعِينَ وَنَفَّعَ بِعُلُومِكُمْ الْمُسْلِمِينَ فِي رَجُلٍ مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ الْجَاهِلِينَ بِالْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَلْفَاظِ الْمَعْنَوِيَّةِ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَأَعَادَهَا إلَى عِصْمَتِهِ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ حَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا تَشَاجُرٌ وَمُخَاصَمَةٌ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لِمَ لَا تُطَلِّقُهَا وَتَسْتَرِيحُ مِنْهَا فَقَالَ: طَلَّقْتهَا عِشْرِينَ مَرَّةً وَتَغْصِبنِي بِرَدِّهَا إلَيَّ
وَأَرَادَ بِذَلِكَ الطَّلْقَةَ الْأُولَى وَالْعَوْدَ مِنْهَا وَبَالَغَ فِي الْعَدَدِ الزَّائِدِ وَادَّعَى عَلَيْهِ مُدَّعٍ شَرْعِيٌّ بِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ حِنْثٌ فِي زَوْجَتِهِ فُلَانَةَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِمُقْتَضَى أَنَّهُ قَالَ جَوَابًا لِلْقَائِلِ لِمَ لَا تُطَلِّقُهَا فَقَالَ: طَلَّقْتهَا عِشْرِينَ مَرَّةً كَمَا ذَكَرَ وَسُئِلَ سُؤَالَهُ فَأَجَابَ بِالِاعْتِرَافِ بِذَلِكَ أَيْ بِالْمُقْتَضَى وَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ جَاهِلًا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ إنْشَاءَ طَلَاقٍ وَلَا تَكْرَارِهِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ عَلَيْهَا طَلْقَتَيْنِ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ يَمِينًا شَرْعِيَّةً، وَثَبَتَ ذَلِكَ لَدَى الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ الْمُدَّعَى عِنْدَهُ وَحَكَمَ بِمُوجِبِهِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَاوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَمَا نَقَلَهُ الْقُونَوِيُّ فِي شَرْحِ الْحَاوِي فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِخْبَارِ عَنْ الطَّلَاقِ وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ فِي الْمَاضِي مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا.
فَهَلْ إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِخْبَارَ عَنْ الطَّلَاقِ الْمَاضِي وَذِكْرُ الزِّيَادَةِ مُبَالَغَةٌ فِي الْعَدَدِ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ لِذَلِكَ وَيُقْبَلُ مِنْهُ فَإِنْ قُلْتُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ - يَقَعُ فَهَلْ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ صَحِيحٌ أَمْ بَاطِلٌ وَهَلْ يُلَازِمُ الْحَاكِمَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَنِدًا لِلنَّقْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَا يُخَالِفُهُمَا وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ أَمْ لَا وَهَلْ يَلْزَمُ
الزَّوْجَ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْحُكْمِ شَيْءٌ مِنْ اللَّوَازِمِ الشَّرْعِيَّةِ أَمْ لَا وَمَا حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ أَفْتَوْنَا مَأْجُورِينَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ؟ وَجَوَابُ صُورَتِهِ بَعْدَ الْحَمْدَلَةِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي لَمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِك لَا يَقَعُ طَلَاقٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ وَلَمْ يُقِرَّ بِطَلَاقِهَا الْآنَ صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا بَلْ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ مَضَى وَأَنَّهَا فِي عِصْمَتِهِ الْآنَ بَلْ هُوَ مُعْتَذِرٌ عَنْ بَقَائِهَا فِي عِصْمَتِهِ، وَمَنْقُولُ الرَّوْضَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِخْبَارِ عَنْ الطَّلَاقِ الْآنَ وَالْإِخْبَارُ بِهِ كَاذِبًا فَيَجْرِي فِيهِ التَّفْصِيلُ وَالْخِلَافُ وَلَيْسَتْ مَسْأَلَتُنَا مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ فَنَقْطَعُ فِيهَا بِعَدَمِ الْقَبُولِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُ فِي الْمَاضِي طَلَاقٌ فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ مُخْبِرٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ كَذَبَ فِي الْعَدَدِ إقَامَةً لِلْعُذْرِ فِي عَدَمِ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ فِي الْعِصْمَةِ حَالًا، وَحِينَئِذٍ فَحُكْمُ الْحَاكِمِ صَحِيحٌ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ ظَلَمَهُ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ مِنْ مَظْلِمَتِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ بَلْ الزَّوْجَةُ بَاقِيَةٌ فِي عِصْمَتِهِ حَيْثُ الْأَمْرُ كَمَا شُرِحَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَكَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْغَزِّيِّ الشَّافِعِيِّ لَطَّفَ اللَّهُ بِهِ حَامِدًا وَمُصَلِّيًا وَمُسْلِمًا فَهَلْ السُّؤَالُ الْمَذْكُورُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ مُوَافِقٌ لِلْمُسْتَنَدِ الْمَذْكُورِ مَعْنًى
وَإِنْ اخْتَلَفَ لَفْظًا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: مُوَافِقٌ، فَهَلْ يَعْتَمِدُ الْحَاكِمُ الْمَذْكُورُ كَلَامَ الْمُفْتِي وَيْحُكُمْ لِلزَّوْجِ بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ أَمْ لَا، وَإِنْ قُلْتُمْ: مُخَالِفٌ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الزَّوْجِ بِمُوجِبِ الْمُسْتَنَدِ الْمَذْكُورِ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ وَالزَّوْجَ بِذَلِكَ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهَا طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فِي إخْبَارِهِ؛ لِأَنَّ تَلَفُّظَ الشَّخْصِ بِالطَّلَاقِ لَا يَكُونُ إلَّا إنْشَاءً أَوْ إخْبَارًا وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ إنْشَاءً فِي مَسْأَلَتِنَا لِقَوْلِهِ وَتَغْصِبُنِي بِرَدِّهَا إلَيَّ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ إخْبَارًا بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا عِشْرِينَ طَلْقَةً أَمَّا بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ عِشْرِينَ طَلْقَةً أَوْ أَوْقَعَهَا مُفَرَّقَةً فَيُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَجْدِيدُ نِكَاحِهَا إلَّا بَعْدَ التَّحْلِيلِ بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ مِنْهُ فِي الْمَاضِي لِمُخَالَفَتِهِ لَهُ فِي الْعَدَدِ فَلَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ بِهِ عَنْهُ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لَهُ، وَقَوْلُهُ وَتَغْصِبُنِي بِرَدِّهَا إلَيَّ لَا يُفِيدُ كَوْنُهَا فِي عِصْمَتِهِ حَالَ نُطْقِهِ بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ بَلْ لَوْ قَالَ بَدَلَهُ وَهِيَ الْآنَ فِي عِصْمَتِي لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَعْقِيبِ الْإِقْرَارِ بِمَا يَرْفَعُهُ
وَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ قِيلَ لَهُ: مَا تَصْنَعُ بِهَذِهِ الزَّوْجَةِ طَلِّقْهَا فَقَالَ: طَلُقَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى السُّؤَالِ وَالتَّعْوِيضِ وَقَدْ قَالُوا: لَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ اسْتِخْبَارًا أَوْ الْتِمَاسًا لِلْإِنْشَاءِ أَطَلَّقْت امْرَأَتَك أَوْ فَارَقْتهَا أَوْ سَرَّحْتهَا أَوْ زَوْجَتُك طَالِقٌ فَقَالَ: طَلُقَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ قَطْعًا فِي الِاسْتِخْبَارِ وَالِالْتِمَاسِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ كَاذِبًا لَمْ تَطْلُقْ بَاطِنًا وَطَلُقَتْ ظَاهِرًا وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت بِالْبَائِنِ الْبَائِنَ بِالطَّلَاقِ فَلَمْ يَقَعْ الثَّلَاثُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِإِقْدَامِهِ عَلَى الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ. اهـ.
وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَاطِلٌ وَلَكِنْ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِيهِ لِاسْتِنَادِهِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ فِيهِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ شَيْءٌ وَيَلْزَمُ مُطَلِّقَهَا بِوَطْئِهِ الْمَذْكُورِ مَهْرُ مِثْلِهَا.
(سُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ: أَحْلَلْت أُخْتَك وَنَوَى الطَّلَاقَ يَكُونُ كِنَايَةً أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ
(سُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ، ثُمَّ فَعَلَهُ وَشَكَّ هَلْ حَلَفَ
بِالطَّلَاقِ أَوْ بِاَللَّهِ هَلْ تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ وَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ أَمْ أَحَدُهُمَا وَيَجْتَهِدُ فِيهِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَجْتَنِبُ زَوْجَتَهُ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْحَالُ وَلَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ.
(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ عَلَّقَ عَلَى نَفْسِهِ لِزَوْجَتِهِ بِأَنْ قَالَ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ مَتَى تَزَوَّجْت عَلَى زَوْجَتِي لَيْلَى الْمَذْكُورَةِ امْرَأَةً غَيْرَهَا بِنَفْسِي أَوْ بِوَكِيلِي أَوْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ بِمِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ أَوْ تَسَرَّيْت عَلَيْهَا بِسُرِّيَّةٍ مُطْلَقًا بِمِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيَّ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ وَأَبْرَأَتْ ذِمَّتِي مِنْ خَمْسَةِ أَنْصَافٍ مِنْ صَدَاقِهَا عَلَيَّ بِمَحْكَمَةٍ شَرْعِيَّةٍ تَكُونُ إذْ ذَاكَ طَالِقًا وَاحِدَةً تَمْلِكُ بِهَا نَفْسَهَا فَهَلْ إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا امْرَأَةً غَيْرَهَا بِالْخَانْكَةَ أَوْ بمنبوبة أَوْ بِالْجِيزَةِ وَحَضَرَ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا عَلَيْهَا إلَى مِصْرَ أَوْ تَسَرَّى عَلَيْهَا بِسُرِّيَّةٍ فِي أَحَدِ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ أَعْلَاهُ وَحَضَرَ بِهَا إلَى مِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ وَأَبْرَأَتْ زَوْجَتُهُ - الْمُعَلَّقُ لَهَا التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ أَعْلَاهُ - ذِمَّتَهُ مِنْ خَمْسَةِ أَنْصَافٍ مِنْ صَدَاقِهَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي مَسْأَلَةِ تَزَوُّجِهِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ تَسَرِّيهِ فَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِيهَا إنْ تَسَرَّى بِهَا فِي
مِصْرَ بِأَنْ وَطِئَهَا وَأَنْزَلَ فِيهَا وَحَجَبَهَا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ التَّسَرِّي يُقَدَّرُ بِمُدَّةٍ فَيُقَالُ لَهُ كَذَا وَكَذَا مُتَّسِرٍ وَكُلَّمَا كَانَ كَذَلِكَ فَاسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ وَلِقَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ كُلُّ فِعْلٍ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لَا تَكُونُ اسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ.
(سُئِلَ) عَمَّا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ فِيمَنْ خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ إلَى قَرْيَةٍ لِلضِّيَافَةِ فَقَالَ: إنْ مَكَثْتِ هُنَاكَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي عَدَمُ الْحِنْثِ فِيمَا إذَا خَرَجَتْ لِدُونِ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ عَادَتْ هَلْ الْمُرَادُ انْحِلَالُ الْيَمِينِ إذْ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِيهِ بِخِلَافِ عَدَمِ الْحِنْثِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ إذْ الصِّفَةُ لَمْ تُوجَدْ فَإِنَّهَا لَمْ تَمْكُثْ بِالْبَلَدِ الْمُعَيَّنَةِ لِلضِّيَافَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ عَدَمُ الْحِنْثِ بِالْإِقَامَةِ الْمَذْكُورَةِ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الضَّابِطَ فِي انْحِلَالِ الْيَمِينِ أَنَّ الْحَلِفَ إذَا كَانَ بِمَا لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَإِنْ وَمَتَى فَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ لَهَا جِهَةُ بِرٍّ وَجِهَةُ حِنْثٍ كَإِنْ خَرَجْتِ بِغَيْرِ إذْنِي وَوُجِدَتْ إحْدَاهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا جِهَةُ حِنْثٍ فَقَطْ لَمْ تَنْحَلَّ إلَّا بِهِ.
(سُئِلَ) عَمَّا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ: إنْ بَدَأْتُك بِالسَّلَامِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَعَلَّقَ الْآخَرُ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَسَلَّمَا
مَعًا مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ وَانْحِلَالِ الْيَمِينِ هَلْ يَكُونُ التَّعْلِيقُ بِمَتَى كَإِنْ كَمَا فِي التَّعْلِيقِ عَلَى الْخُرُوجِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، عَلَى أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ بَحَثَ فِي مَسْأَلَةِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ الَّذِي فِي مَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ وَمَا وَجْهُ الِانْحِلَالِ فِي التَّعْلِيقِ بِمَتَى وَنَحْوِهَا مِمَّا وُضِعَ لِعُمُومِ الْأَزْمِنَةِ إذَا عَلَّقَ بِهَا الْخُرُوجَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَتَى كَالتَّعْلِيقِ بِإِنْ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ وَهِيَ عَدَمُ ابْتِدَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالسَّلَامِ وَكَوْنُ الصِّيغَةِ تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَزْمِنَةِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ انْحِلَالِهَا بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا كَمَا عُلِمَ مِنْ الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ الْإِقَامَةِ أَوْ السُّكْنَى فَخَرَجَ فَوْرًا، ثُمَّ عَادَ لِعِيَادَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ هَلْ يَتَقَيَّدُ عَدَمُ الْحِنْثِ فِي ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَمْكُثْ كَمَا قِيلَ أَوْ لَا يَتَقَيَّدُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ عَدَمُ الْحِنْثِ بِمَا إذَا لَمْ يَمْكُثْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.
(سُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ فِي خِدْمَتِهِ رَجُلٌ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا أَخْدُمُ عِنْدَ غَيْرِك إلَّا أَنْ تَأْخُذَنِي يَدٌ عَادِيَةٌ فَأَخَذَتْهُ يَدٌ عَادِيَةٌ
وَاسْتَخْدَمَتْهُ مُدَّةً، ثُمَّ أَطْلَقَتْهُ فَهَلْ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ حَتَّى إذَا خَدَمَ عِنْدَ آحَادِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ الْعَادِيَةِ يَحْنَثُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِانْحِلَالِ الْيَمِينِ.
(سُئِلَ) عَمَّا قَالَهُ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى صَدِيقِهِ أَنَّهُ لَا يَبِيتُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إلَّا عِنْدَهُ فَمَضَتْ الْجُمُعَةُ وَلَمْ يَبِتْ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ كَمَا نَقَلَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ مُعْتَمَدٌ.
(سُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: طَلَّقْتُك مِثْلَ مَا طَلَّقَ زَيْدٌ زَوْجَتَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ كَمْ طَلَّقَ زَيْدٌ هَلْ يَقَعُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهَا تَطْلُقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً إنْ كَانَ زَيْدٌ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَاحِدَةً وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ بِالتَّشْبِيهِ عَدَدَ الطَّلَاقِ وَإِلَّا طَلُقَتْ بِعَدَدِ طَلَاقِ زَيْدٍ.
(سُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ ثَلَاثًا عَلَى صِفَةٍ قَائِلًا: إنْ تَزَوَّجَتْ أُمِّي وَلَمْ أَذْبَحْهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ أُمُّهُ عَالِمَةً بِالْيَمِينِ مُتَذَكِّرَةً لَهُ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى الْحَالِفِ الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ إلَّا عِنْدَ يَأْسِهِ مِنْ ذَبْحِ أُمِّهِ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَكَانًا عَيَّنَهُ فَامْتَنَعَ مِنْ دُخُولِهِ مُدَّةً، ثُمَّ دَخَلَهُ فَقَالَ لَهُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ حَضَرُوا الْحَلِفَ: حَنِثْت