الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن الله سبحانه أرسل إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه كتابه العزيز؛ لينير للأمة الطريق، وتكون في سيرها إلى الله والدار الآخرة على هدى وبصيرة، وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم رسالة ربه، ونصح لأمته أعظم النصح، حتى وافاه اليقين، وكان العلماء من بعده هم ورثة الأنبياء، ورثوا عنهم العلم ونور النبوة، يبلغه سلفهم لخلفهم، وكل منهم يقوم في قومه مقام التعليم والإرشاد والهداية إلى طريق الهدى والسداد، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فكانوا بهذا حقيقين برفع الله لشأنهم، وإشادته سبحانه بهم، حيث قال سبحانه:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (1) .
وجعل المرجع إليهم عند كل ما يعرض لنا مما لا نعلمه، فقال سبحانه:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2) .
ولما كانت حاجة الناس إلى العلم بهذا الدين - لتصحيح اعتقادهم
(1) سورة المجادلة الآية 11
(2)
سورة النحل الآية 43
وأعمالهم - فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة؛ أمر الله سبحانه عباده أن يتعلموا هذا العلم، والله سبحانه رءوف بعباده، لطيف خبير بأحوالهم.
ومن كمال علمه سبحانه وحكمته علم أن طلب العلم غير ممكن لكافة الأمة على اختلاف قدراتهم وإمكاناتهم، وما قد يسببه ذلك من تعطيل لأسباب الرزق وانشغال عنها، فكان من عظيم حكمة الله أن جعل طلب العلم واجبا كفائيا على الأمة، فقال سبحانه:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (1) .
فكانت الطائفة النافرة لطلب العلم والفقه في الدين هم أهل العلم، وكان الواجب عليهم إذ علموا العلم أن ينذروا قومهم: يعلموهم، ويفقهوهم في أمور دينهم، فكان جميع شرائح المجتمع المسلم بحاجة، بل بضرورة لأهل العلم حتى يتمكنوا من عبادة الله على بصيرة.
فالرجل والمرأة، والحر والعبد، والحاضر والمسافر، التاجر في تجارته، والجندي في جيشه، والمهندس في فنه، والطبيب في طبه، والصانع في صناعته، والفلاح في زراعته - كل هؤلاء وغيرهم بحاجة إلى علم العالم وإلى سؤاله عما يشكل عليهم من أمر دينهم.
وقد أوجب الله على أهل العلم البيان وحرم عليهم الكتمان، فقال سبحانه:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (2) .
(1) سورة التوبة الآية 122
(2)
سورة آل عمران الآية 187
وقد أبلى علماء الإسلام في هذا الباب أحسن البلاء، وبذلوا في سبيل نشر العلم النفس والنفيس، حتى وصلنا هذا الدين بعد مرور أكثر من أربعة عشر قرنا من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من هؤلاء الأعلام أئمة علم عاصرناهم وعلمنا حرصهم واجتهادهم في تحري الحق ونشر العلم، فمنهم من قضى نحبه، فنسأل الله لنا وله المغفرة والرحمة، ومنهم من هو على قيد الحياة يمد المسلمين بالعلم النافع، نسأل الله لنا ولهم التوفيق والسداد، ومنهم سماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، وسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله، وأصحاب المعالي مشايخ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وأعضاء هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
وقد تم اختيار مجموعة من فتاوى هؤلاء الأئمة الأعلام فيما يتعلق بالطب وأحكام المرضى أشرف عليها أخونا فضيلة الشيخ العلامة الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - جزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء - فكان ثمرة هذا الجهد الكتاب الذي بين أيدينا الآن، وهو [الفتاوى المتعلقة بالطب وأحكام المرضى] الذي رأت رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء طبعه ونشره بين المسلمين، يستفيد منه الطبيب والمريض على وجه الخصوص؛ لمسيس حاجتهم للعلم الذي حواه، وكذلك أيضا طلاب العلم والباحثون، وكل من احتاج إليه من المسلمين.
نسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذا الجهد إخواننا المسلمين، وأن يجزي من أشرف عليه، ومن قام على طباعته ومراجعته ونشره بين
المسلمين خير الجزاء، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم.
كما أسأله سبحانه أن يوفق الجميع للفقه في الدين والتزام سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وأن يوفق ولاة أمرنا ويصلح لهم البطانة، وينصر بهم دينه، ويعلي بهم كلمته، ويجعلهم هداة مهتدين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ