الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أيضا إنكارهم ليس لأجل أصول تعلموها، بل هو لأجل أنهم أخذوا عمن ينكر النبوات. إنكارهم الجن من جملة ما كذبوا به، وإنكارهم العين. يقولون في الجن مرض أعصاب.
[من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله]
(فائدة)
التداوي بدم البرازي وبالمحرمات
عموما لا يجوز: المحرمات لا يجوز التداوي بها، وفي الحديث:«تداووا ولا تتداووا بحرام (1) » . فيفيد تحريم التداوي به، ولا يفيد أنه لا شفاء فيه، بل يفيد أن مضرته أكثر.
أما حديث: «إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها» فهو يفيد أنه لا بد أن يعتقد عقيدة أن الله لم يجعل فيه شفاء، فهو مسلوب العافية.
وقد يوقع الشيطان كثيرا من العوام بأشياء يزعمون فيها شفاء وهو خداع من الشيطان، مثل (دم البرازي) عندما يوجد في أحد عضة الكلب. فإن هذا باطل ومن الشيطان، وكثير منه يحصل اتفاق أنه يشفي. ثم إن الشيطان جعل لهم شبهة، فإنه تارة يشفي، وتارة لا. وإذا لم يوجد شفاء قالوا: نسب فلان فيه شيء، وكل هذا تحسين لمسلكهم السيئ وترويج لباطلهم.
المقصود: أنه باطل، ولا صحة له، ولا شفاء فيه أبدا؛ لقول الصادق المصدوق. وهذا الدم نجس حرام.
[من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله]
(1) سنن أبو داود الطب (3874) .
شرب دم الضب كعلاج للسعال الديكي
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم ع. ح. ع سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
بالإشارة إلى كتابك الذي تسأل فيه عن مسألة وهي: ما حكم إسقاء الأطفال المصابين بالكحة الشديدة التي تسمى بـ (السعال الديكي) دم الضب؛ لأنه ثبت بالتجربة أنه دواء ناجح لهذا المرض؛ ولأنه ثبت أن الأطباء غير مستطيعين غالبا لعلاج هذا المرض الذي يضر الطفل ضررا بالغا.
والجواب: إذا كان دم الضب مسفوحا فهو حرام، والتداوي بالمحرمات لا يجوز. والأصل في ذلك الكتاب والسنة والنظر:
أما الكتاب فقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} (1)، وقوله تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} (2) وما جاء في معنى هاتين الآيتين من القران.
وجه الدلالة: أن الله تعالى حرم الدم في الآية الأولى على سبيل الإطلاق، وحرمه في الثانية تحريما مقيدا، فيحمل المطلق على المقيد. ومن المقرر في علم الأصول أن الأحكام من أوصاف الأفعال، فإذا أضيفت إلى الذوات فالمقصود الفعل الذي أعدت له هذه الذات، فإضافة التحريم إلى الدم المسفوح إضافة إلى ما أعد له من شرب وتداو وبيع ونحو ذلك.
وأما السنة فأدلة:
الأول: روى البخاري في [صحيحه] معلقا عن ابن مسعود رضي الله عنه: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» وقد وصله الطبراني بإسناد رجاله رجال الصحيح، وأخرجه أحمد وابن حبان في [صحيحه] ،
(1) سورة المائدة الآية 3
(2)
سورة الأنعام الآية 145
والبزار وأبو يعلى في [مسنديهما]، ورجال أبي يعلى ثقات. وتقرير الاستدلال من هذا الحديث: أن قوله صلى الله عليه وسلم: " يجعل " فعل مضارع في سياق نهي، وهو" لم " والفعل المضارع يشتمل على مصدر وزمان، وهذا المصدر نكرة، وهو الذي توجه إليه النفي. وقد تقرر في علم الأصول أن النكرة في سياق النفي تكون عامة إذا لم تكن أحد مدلولي الفعل، وألحق بذلك النكرة التي هي أحد مدلولي الفعل، وقد صدر الجملة بأن المؤكدة. فالمعنى أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بعدم وجود شفاء في الأدوية المحرمة، وباب الخبر لفظا ومعنى لا لفظا من المواضع التي لا يدخلها النسخ، فحكمه باق إلى يوم القيامة.
فيجب اعتقاد ذلك. وتقريره: أن من أسباب الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول واعتقاد منفعته، وما جعل الله فيه من بركة الشفاء، ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مما يحول بينه وبين اعتقاد منفعتها وبركتها وبين حسن ظنه بها وتلقيه لها بالقبول، بل كلما كان أكره لها وأسوأ اعتقادا فيها وطبعه أكره شيء لها، فإذا تناولها في هذه الحال كانت داء له لا دواء؛ إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة، وهذا ينافي الإيمان، فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه داء.
الثاني: روى مسلم في [صحيحه]، عن طارق بن سويد الجعفي:«أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه وكره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: إنه ليس بدواء، ولكنه داء (1) » . وفي [صحيح مسلم] ، عن طارق بن سويد الحضرمي، قال: «قلت: يا رسول الله، إن بأرضنا أعنابا نعتصرها فنشرب منها، قال:" لا ". فراجعته قلت: إنا نستشفي للمريض، قال: إن
(2)
(1) صحيح مسلم الأشربة (1984) ، سنن الترمذي الطب (2046) ، سنن أبو داود الطب (3873) ، مسند أحمد بن حنبل (6/399) .
(2)
صحيح مسلم الأشربة (1984) ، سنن الترمذي الطب (2046) ، سنن أبو داود الطب (3873) ، مسند أحمد بن حنبل (6/399) .
ذلك ليس بشفاء، ولكنه داء» .
ويقرر الاستدلال من هذين الحديثين ما سبق، إلا أن هذا نص في الخمر، ويعم غيرها من المحرمات قياسا.
الثالث: روى أصحاب [السنن] عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث (1) » . وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الدواء الخبيث، والنهي يقتضي التحريم، فيكون تعاطيه محرما، وما حرم إلا لقبحه، والقبيح لا فائدة فيه، وإذا انتفت الفائدة انتفى الشفاء.
روى أبو داود في [السنن] من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام (2) » وأخرجه أيضا الطبراني ورجاله ثقات.
وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم بين أن الدواء في المباح، أما المحرم فلا دواء فيه. وبيان ذلك من وجوه:
الأول: أن الله جل وعلا هو الذي قدر الأمراض وقدر لها الأدوية، وهو المحيط بكل شيء، فما أثبته فهو المستحق أن يثبت، وما نفاه فهو المستحق أن ينفى قولا وعملا واعتقادا.
الثاني: إن الله جل وعلا شرع لإزالة الأمراض أسبابا شرعية، وأسبابا طبيعية، وعادية. فالأسباب الشرعية: مثل قراءة القرآن، والأدعية، وقوة التوكل، ونحو ذلك. وأما الطبيعية: فمثل ما يوجد عند المريض من قوة البدن التي تقاوم المرض حتى يزول.
وأما الأسباب العادية: فمثل الأدوية التي تركب من الأشياء المباحة. فكيف تجتنب الأسباب المشروعة إلى أسباب يأثم مرتكبها إذا كان عالما
(1) سنن الترمذي الطب (2045) ، سنن أبو داود الطب (3870) ، سنن ابن ماجه الطب (3459) ، مسند أحمد بن حنبل (2/446) .
(2)
سنن أبو داود الطب (3874) .
بالحكم.
الثالث: أن أصل التداوي مشروع وليس بواجب، فلا يجوز ارتكاب محظور من أجل فعل جائز.
الرابع: أن زوال المرض مظنون بالدواء المباح. وأما بالدواء المحرم فمتوهم، فكيف يرتكب الحرام لأمر متوهم.
الخامس: أنه قال: «ولا تتداووا بحرام (1) » فهذا نهي، والنهي يقتضي في الأصل التحريم، وهو إنما حرم لقبحه، فلا يكون فيه شفاء.
وأما النظر فمن وجوه:
الأول: أن الله تعالى إنما حرمه لخبثه، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا؛ عقوبة لها، كما حرمه على بني إسرائيل بقوله جل وعلا:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} (2) وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم؛ لخبثه، وتحريمه له حمية لها وصيانة عن تناوله. فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل، فإنه وإن أثر في إزالتها لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه، فيكون المداوي به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب.
الثاني: أن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته، وهذا ضد مقصود الشارع.
الثالث: أنه داء كما نص عليه الشارع، فلا يجوز أن يتخذ دواء.
الرابع: أنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث؛ لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالا بينا، فإذا كانت كيفيته خبيثة أكسب الطبيعة منه خبثا،
(1) سنن أبو داود الطب (3874) .
(2)
سورة النساء الآية 160
فكيف إذا كان خبيثا في ذاته ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة لما تكتسب النفس من هيئة الخبث وصفته.
الخامس: أن إباحة التداوي به - ولا سيما إذا كانت النفوس تميل إليه. ذريعة إلى تناوله للشهوة واللذة، لا سيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها مزيل لأسقامها، جالب لشفائها، فهذا أحب شيء إليها، والشارع سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن، ولا ريب أن بين سد الذريعة إلى تناوله وفتح الذريعة إلى تناوله تناقضا.
السادس: أن في هذا الدواء المحرم من الأدواء ما يزيد على ما يظن فيه الشفاء.
وأما قولك: إنه ثبت بالتجربة أنه دواء ناجح لهذا المرض - فهذا غير صحيح؛ لأنه لا تلازم بين تعاطي الدواء المحرم وبين زوال المرض بعد التعاطي؛ لأن زواله قد يكون بدواء شرعي وطبيعي وعادي، ولكن صادف زواله تعاطي هذا الدواء الذي هو في الحقيقة داء فنسب إليه. وقد يكون زواله لا من أجل كونه دواء ولكن من باب الابتلاء والامتحان.
وأما قولك: إن الأطباء عاجزون في الغالب عن علاج هذا الداء. فهذا لا يصح الاستناد عليه لإباحة التداوي بهذا المحرم؛ لأن عجز عدد من الأطباء لا يلزم منه عجز غيرهم، ولا يلزم منه عدم وجود دواء مباح مما يعرفه الأطباء. على أن الأدوية الشرعية هي المصدر الأول للتداوي والشفاء بيد الله تعالى، والدواء المباح سبب من الأسباب التي شرع التداوي بها. هذه إجابة مختصرة قصدنا بها التنبيه على أصل المسألة، وفيها كفاية.
والله الموفق، والسلام عليكم.
[من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله]