الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» (1) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة بإسناد صحيح، والمرأة مثل الرجل في ذلك. نسأل الله العافية والسلامة.
(1) سنن الترمذي الإيمان (2621) ،سنن النسائي الصلاة (463) ،سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ،مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
هل يكون الإنسان مسلما ولو لم يأت بأركان الدين
؟
س 12: وتقول السائلة: إن هناك شيئا يتردد بين أوساط الناس حيث يقولون: إن الصلاة يشترط لها الإسلام، والحج يشترط له الإسلام، فالإنسان قد يكون مسلما ولو لم يأت ببقية أركان الإسلام. فنريد تجلية هذا الموضوع. بارك الله فيكم؟
الجواب: نعم. هو مسلم بالشهادتين، فمتى أقر بالشهادتين ووحد الله عز وجل وصدق رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم دخل في الإسلام، ثم ينظر فإن صلى تم إسلامه، وإن لم يصل صار مرتدا، وهكذا لو أنكر الصلاة بعد ذلك صار مرتدا، أو أنكر صيام شهر رمضان صار مرتدا، أو قال الزكاة غير واجبة صار مرتدا، أو قال الحج مع الاستطاعة غير واجب، صار مرتدا، أو استهزأ بالدين أو سب الله أو سب الرسول صار مرتدا.
فهذا الأمر ينبغي أن يكون واضحا، فإذا دخل في الإسلام بالشهادتين حكم له بالإسلام، ثم ينظر بعد ذلك في بقية الأمور فإن استقام على الحق تم إسلامه، وإذا وجد منه ما ينقض الإسلام؛ من سب الدين، أو من تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو من جحد لما أوجبه الله سبحانه وتعالى من صلاة وصوم، أو جحد لما حرم الله كما لو قال: الزنا حلال، فإنه يرتد عن الإسلام بهذا، ولو صلى وصام، ولو قال أشهد أن لا إله إلا الله،
وأن محمدا رسول الله.
فلو قال: إن الزنا حلال، وهو يعلم الأدلة وقد أقيمت عليه الحجة، يكون كافرا بالله كفرا أكبر والعياذ بالله، أو قال: الخمر حلال، وقد بينت له الأدلة ووضحت له الأدلة ثم أصر يقول: إن الخمر حلال، يكون ذلك كفرا أكبر، وردة عن الإسلام والعياذ بالله، أو قال مثلا: إن العقوق حلال، يكون ردة عن الإسلام والعياذ بالله، أو قال إن شهادة الزور حلال، يكون هذا ردة عن الإسلام بعد أن تبين له الأدلة الشرعية.
كذلك إذا قال: الصلاة غير واجبة، أو الزكاة غير واجبة، أو صيام رمضان غير واجب، أو الحج مع الاستطاعة غير واجب، كل هذه نواقض من نواقض الإسلام يكون بها كافرا والعياذ بالله.
إنما الخلاف إذا قال: إن الصلاة واجبة، ولكن أنا أتساهل ولا أصلي، فجمهور الفقهاء يقولون: لا يكفر ويكون عاصيا يستتاب فإن تاب وإلا قتل حدا.
وذهب آخرون من أهل العلم وهو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم أنه يكفر بذلك كفرا أكبر، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا؛ لقول الله جل وعلا:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (1)[التوبة: 5] ، فدل ذلك على أن الذي لا يقيم الصلاة لا يخلى سبيله، بل يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وقال سبحانه:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (2)[التوبة: 11] ، فدل ذلك على أن الذي لا يقيم الصلاة ولا يصلي ليس بأخ في الدين.
(1) سورة التوبة الآية 5
(2)
سورة التوبة الآية 11
س 13: ما معنى قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} (1)[البقرة: 284] . وكيف نجمع بين معناها وبين الحديث الشريف الذي معناه: أن الله تعالى تجاوز عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما حدثت به أنفسها ما لم تفعله أو تتكلم به؟
الجواب: هذه الآية الكريمة قد أشكلت على كثير من الصحابة رضي الله عنهم لما نزلت، وهي قوله تعالى:{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2)[البقرة: 284] ، شق عليهم هذا الأمر، وجاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم وذكروا أن هذا شيء لا يطيقونه، فقال لهم صلى الله عليه وسلم:«أتريدون أن تقولوا كما قال من قبلكم: سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا» (3) فقالوا: سمعنا وأطعنا، فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم أنزل الله بعدها قوله سبحانه:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (4){لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (5)[البقرة: 285، 286] .
فسامحهم الله وعفا سبحانه وتعالى، ونسخ ما دل عليه مضمون هذه الآية، وأنهم لا يؤاخذون إلا بما عملوا أو بما أصروا عليه وثبتوا عليه، وأما ما يخطر من الخطرات في النفوس والقلوب فهذا معفو عنه؛ ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم» (6) .
فزال هذا الإشكال والحمد لله، وصار المؤمن غير مؤاخذ إلا بما
(1) سورة البقرة الآية 284
(2)
سورة البقرة الآية 284
(3)
صحيح مسلم الإيمان (125) ،مسند أحمد بن حنبل (2/412) .
(4)
سورة البقرة الآية 285
(5)
سورة البقرة الآية 286
(6)
صحيح البخاري الطلاق (4968) ،صحيح مسلم الإيمان (127) ،سنن الترمذي الطلاق (1183) ،سنن النسائي الطلاق (3433) ،سنن أبو داود الطلاق (2209) ،سنن ابن ماجه الطلاق (2040) ،مسند أحمد بن حنبل (2/491) .
عمله أو قاله أو أصر عليه بقلبه عملا بقلبه كإصراره على ما يقع له من الكبر والنفاق ونحو ذلك.
أما الخواطر والشكوك التي تعرض ثم تزول بالإيمان واليقين، فهذه لا تضر، بل هي عارضة من الشيطان ولا تضر; ولهذا لما قال الصحابة:«يا رسول الله، إن أحدنا يجد في نفسه ما أن يخر من السماء أسهل عليه من أن ينطق به. أو كما قالوا قال صلى الله عليه وسلم: ذاك صريح الإيمان» (1) .
فتلك الوسوسة من الشيطان؛ إذا رأى من المؤمن الصدق والإخلاص وصحة الإيمان والرغبة فيما عند الله وسوس عليه بعض الشيء، وألقى في قلبه خواطر خبيثة؛ فإذا جاهدها وحاربها بالإيمان والتعوذ بالله من الشيطان سلم من شرها؛ ولهذا جاء في الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام:«لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خلق كل شيء فمن خلق الله؟ فمن وجد ذلك فليقل: آمنت بالله ورسله» (2)، وفي لفظ:«فليستعذ بالله ولينته» (3) .
هذا يدلنا على أن الإنسان عرضة للوساوس الشيطانية، فإذا عرض له وساوس خبيثة وخطرات منكرة فليبتعد عنها وليقل: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولينته، ولا يلتفت إليها؛ فإنها باطلة ولا تضره، وهي من الخطرات التي عفا الله عنها سبحانه وتعالى.
(1) صحيح مسلم الإيمان (132) ،سنن أبو داود الأدب (5111) ،مسند أحمد بن حنبل (2/441) .
(2)
صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (6866) ،صحيح مسلم الإيمان (136) ،مسند أحمد بن حنبل (3/102) .
(3)
صحيح البخاري بدء الخلق (3102) ،صحيح مسلم الإيمان (134) ،سنن أبو داود السنة (4722) ،مسند أحمد بن حنبل (2/331) .