الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلق، ولأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، نحبه في الله محبة صادقة فوق محبة الناس والمال والولد، ولكن لا نعبده مع الله. وهكذا الأولياء نحبهم في الله، ونترحم عليهم من العلماء والعباد، ولكن لا ندعوهم مع الله، ولا نستغيث بهم، ولا نطوف بقبورهم، ولا نطلب منهم المدد، كل هذا شرك بالله ولا يجوز.
والطواف بالكعبة لله وحده، فالطواف بالقبر من أجل طلب الفائدة من الميت، وطلب المدد، وطلب الشفاء وطلب النصر على الأعداء كل هذا من الشرك بالله عز وجل. فالواجب الحذر منه غاية الحذر.
ومن وسائل الشرك بهم البناء على قبورهم، واتخاذ المساجد والقباب عليها، ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (1) متفق على صحته، وثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه» (2) وفي صحيح مسلم أيضا عن جندب بن عبد الله البجلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» (3) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
(1) صحيح البخاري الجنائز (1324) ،صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531) ،سنن النسائي المساجد (703) ،مسند أحمد بن حنبل (6/121) ،سنن الدارمي الصلاة (1403) .
(2)
صحيح مسلم الجنائز (970) ،سنن الترمذي الجنائز (1052) ،سنن النسائي الجنائز (2027) ،سنن أبو داود الجنائز (3225) ،سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1563) ،مسند أحمد بن حنبل (3/339) .
(3)
صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532) .
دعاء الشيخ الميت، والنذر له
س70: يقول في مدينة الموصل مزار يسمى مزار الشيخ فتحي أبو عبد الله، وهذا الشيخ له أثر كبير عند أهالي الموصل وخاصة النساء،
بحيث إذا مرضن أو أصبن بأذى فإنهن يذهبن لزيارة الشيخ فتحي فيحصل لهن الشفاء العاجل كما يدعين، ولأجل شفائهن من المرض ينذرن النذور للشيخ فتحي، ويكون ذلك بعبارات يقلنها مثل: النذر لوجه الله، والثاني لأبي عبد الله، أو نذر لله والشيخ فتحي، أو لله وثوابها لأبي عبد الله.
وسؤالي: هل هذا حلال أم حرام أفيدونا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟
الجواب: هذا القبر الذي ذكره السائل لا نعرف صاحبه، ولكن بكل حال فلا يجوز إتيان القبور لدعائها والاستغاثة بأهلها والنذر لهم، سواء كان هذا القبر أو غيره، لا قبر فتحي ولا غيره، فلا يجوز للمسلمين ذكورا كانوا أو إناثا أن يأتوا القبور لدعائها، والاستغاثة بأهلها، أو النذر لهم أو التمسح بقبورهم، أو ما أشبه ذلك؛ فهذا منكر ولا يجوز ومن الشرك الأكبر؛ لأن دعاء الميت والاستغاثة به من الشرك الأكبر، فعلى أهل العلم أن يوضحوا للنساء وغير النساء أن هذا لا يجوز، وأن عليهن أن يسألن الله جل وعلا، إذا نزل بهن بأس من مرض أو غيره أن يسألن الله، ويضرعن إليه في سجودهن، وفي آخر الصلاة وفي آخر الليل، وبين الأذان والإقامة وفي غير ذلك من الأوقات يسألن الله جل وعلا الشفاء والعافية.
ومن ذلك الاستشفاء بالرقية، فيرقي بعضهن بعضا بالرقية الشرعية: اللهم رب الناس أذهب الباس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما وبقراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) والمعوذتين، والفاتحة وآية الكرسي، وغير ذلك من الآيات القرآنية.
(1) سورة الإخلاص الآية 1
فالمقصود أن إتيان القبور لسؤال أهلها الشفاء أو النصر أو ما أشبه ذلك، منكر ومن الشرك الأكبر، وهذا من عمل الجاهلية، وإنما تزار القبور للسلام على أهلها والدعاء لهم، والترحم عليهم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا:«السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين» (1) ويدعو لهم: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم، ونحو هذا، فهذه هي الزيارة الشرعية.
هذه هي الزيارة الشرعية، أما الزيارة لدعاء الميت، أو الاستغاثة بالميت فهذا من الشرك الأكبر، وهكذا الطواف بقبره يرجو شفاعته أو يرجو عائدته أو يرجو أن يشفي مرضه، فكل هذا من الشرك الأكبر، وهكذا التمسح بتراب القبر والاستشفاء بتراب القبر، فهذا من عمل الجاهلية ومن الشرك الذي حرمه الله عز وجل.
فالواجب على أهل العلم أن ينبهوا العامة، وأن يوضحوا لهم أن هذا لا يجوز، وأن الله هو الذي يسأل سبحانه وتعالى ويرجى لشفاء المرض والنصر على الأعداء ونحو ذلك سبحانه وتعالى. وهو القائل جل وعلا:{فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3)[الجن: 18]، والقائل:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (4)[غافر: 60]، وقال سبحانه وتعالى:{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (5)[يونس: 106] .
(1) صحيح مسلم الجنائز (975) ،سنن النسائي الجنائز (2040) ،سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1547) ،مسند أحمد بن حنبل (5/353) .
(2)
سنن الترمذي الجنائز (1053) .
(3)
سورة الجن الآية 18
(4)
سورة غافر الآية 60
(5)
سورة يونس الآية 106
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» (1) فلا يجوز أن يدعى غير الله، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، بل الدعوة لله وحده وهو الذي يرجى ويدعى سبحانه وتعالى.
ولا يجوز أن يقال: يا رسول الله، اشف مريضي، انصرني، أو يا شيخ فتحي أبو عبد الله انصرني، أو يا شيخ عبد القادر الجيلاني انصرني أو اشف مريضي، أو يا سيدي البدوي، أو يا سيدي الحسين، أو ما أشبه ذلك؛ فكل هذا منكر، وكله من الشرك الأكبر، فالواجب التنبه لهذا الأمر من الإخوان في العراق وغيرها.
والواجب على أهل العلم وفقهم الله أن يوضحوا للناس حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك، وأن ينكروا على العامة ما يقعون فيه من الشرك بالله عند قبور من يسمونهم بالأولياء.
فالحاصل أن هذه أمور عظيمة يجب على أهل العلم أن يهتموا بها وأن يعتنوا بها حتى ينقذوا العامة من الشرك، وحتى يوجهوهم إلى توحيد الله والإخلاص له، ودعائه سبحانه، ورفع الأيدي له جل وعلا، فهو الذي يشفي ويكفي سبحانه وتعالى، فهو الشافي لعباده سبحانه وهو المالك لكل شيء، وهو القادر على كل شيء سبحانه وتعالى.
وأما ما قد يقع لبعض الناس من كونه يدعو الميت ويشفى فهذا قد يقع استدراجا وابتلاء وامتحانا، والله هو الشافي سبحانه وتعالى، وقد يكون المرض من أسباب الشياطين؛ يسببون المرض للإنسان حتى إذا دعا الميت كفوا عنه ما قد فعلوا به.
فالحاصل أن هذا ليس بحجة، فكون المريض يأتي إلى الميت
(1) سنن الترمذي تفسير القرآن (2969) ،سنن ابن ماجه الدعاء (3828) .