الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رقم القرار: 1
رقم الدورة: 2
التأمين بشتى صوره وأشكاله
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 6/11/1425
18/12/2004
نص القرار: التأمين بشتى صوره وأشكاله:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.... أما بعد: فإن المجمع الفقهي الإسلامي قد نظر في موضوع التأمين بأنواعه المختلفة، بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك، وبعد ما اطلع أيضًا على ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، في دورته العاشرة المنعقدة بمدينة الرياض بتاريخ 4/4/1398هـ من التحريم للتأمين بأنواعه. وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك، قرر المجلس بالأكثرية: تحريم التأمين بجميع أنواعه، سواء كان على النفس، أو البضائع التجارية، أو غير ذلك من الأموال. كما قرر مجلس المجمع بالإجماع: الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء من جواز التأمين التعاوني، بدلاً من التأمين التجاري المحرَّم والمنوه عنه آنفًا وعهد بصياغة القرار إلى لجنة خاصة. تقرير اللجنة المكلفة بإعداد قرار مجلس المجمع حول التأمين:
بناء على قرار مجلس المجمع المتخذ بجلسة الأربعاء 14 شعبان 1398هـ المتضمن تكليف كل من أصحاب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد محمود الصواف، والشيخ محمد بن عبد الله السبيل بصياغة قرار مجلس المجمع حول التأمين بشتى أنواعه وأشكاله. وعليه فقد حضرت اللجنة المشار إليها وبعد المداولة أقرت ما يلي: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه
…
أما بعد: فإن المجمع الفقهي الإسلامي، في دورته الأولي المنعقدة في 10 شعبان 1398هـ بمكة المكرمة بمقر رابطة العالم الإسلامي، نظر في موضوع التأمين بأنواعه، بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك، وبعد ما اطلع أيضًا على ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة بمدينة الرياض بتاريخ 4/4/1379هـ. بقراره رقم (55) من التحريم للتأمين التجاري بأنواعه. وبعد الدراسة الوافية، وتداول الرأي في ذلك، قرر مجلس المجمع الفقهي بالإجماع- عدا فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا- تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه، سواء كان على النفس، أو البضائع التجارية، أو غير ذلك للأدلة التالية:
الأول: عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية، المشتملة على الغرر الفاحش لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد، مقدار ما يعطي، أو يأخذ، فقد يدفع قسطًا أو قسطين، ثم تقع الكارثة، فيستحق ما التزم به المؤمِّن، وقد لا تقع الكارثة أصلاً، فيدفع جميع الأقساط، ولا يأخذ شيئًا، وكذلك المؤمِّن، لا يستطيع أن يحدد ما يعطي، ويأخذ، بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع الغرر.
الثاني: عقد التأمين التجاري: ضرب من ضروب المقامرة، لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغُرم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ، فإن المستأمن قد يدفع قسطًا من التأمين ثم يقع الحادث فيغرم المؤمن كل مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر ومع ذلك يغنم المؤمن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة، كان قمارًا ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(المائدة:90) والآية بعدها.
الثالث: عقد التأمين التجاري: يشتمل على ربا الفضل والنسأ: فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها، فهو ربا فضل والمؤمن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة فيكون ربا نسأ، وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نسأ فقط وكلاهما محرم بالنص والإجماع.
الرابع: عقد التأمين التجاري: من الرهان المحرم، لأن كلاًّ منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة، ولم يبح الشرع من الرهان، إلا ما فيه نصرة للإسلام، وظهور لأعلامه بالحجة والسنان، وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم رخصة الرهان بعوض في ثلاثة بقوله:"لا سبقَ إلَاّ في خُفٍّ أو حَافَرٍ أو نَصْلٍ". وليس التأمين من ذلك ولا شبيهًا به فكان محرمًا.
الخامس: عقد التأمين التجاري: فيه أخذ مال الغير بلا مقابل، وأخذ المال بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم، لدخوله في عموم النهى في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)[النساء:29] .
السادس: في عقد التأمين التجاري: الإلزام بما لا يلزم شرعًا، فإن المؤمِّن لم يحدث الخطر منه، ولم يتسبب في حدوثه، وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له، والمؤمن لم يبذل عملاً للمستأمن فكان حرامًا. وأما ما استدل به المبيحون للتأمين التجاري مطلقًا، أو في بعض أنواعه؛ فالجواب عنه بما يلي:
(أ) الاستدلال بالاستصلاح غير صحيح، فإن المصالح في الشريعة الإسلامية ثلاثة أقسام: قسم شهد الشرع باعتباره فهو حجة. وقسم سكت عنه الشرع فلم يشهد له بإلغاء ولا اعتبار فهو مصلحة مرسلة، وهذا محل اجتهاد المجتهدين. والقسم الثالث: ما شهد الشرع بإلغائه، لغلبة جانب المفسدة فيه على جانب المصلحة.
(ب) الإباحة الأصلية: لا تصلح دليلاً هنا، لأن عقود التأمين التجاري قامت الأدلة على مناقضتها لأدلة الكتاب والسنة. والعمل بالإباحة الأصلية مشروط بعدم الناقل عنها، وقد وجد فبطل الاستدلال بها.
(ج) الضرورات تبيح المحظورات لا يصح الاستدلال به هنا، فإن ما أباحه الله من طرق كسب الطيبات أكثر أضعافًا مضاعفة مما حرمه عليهم، فليس هناك ضرورة معتبرة شرعًا تلجئ إلى ما حرَّمته الشريعة من التأمين.
(د) لا يصح الاستدلال بالعرف، فإن العرف ليس من أدلة تشريع الأحكام، وإنما يبنى عليه في تطبيق الأحكام، وفهم المراد من ألفاظ النصوص، ومن عبارات الناس في أيمانهم وتداعيهم وأخبارهم وسائر ما يحتاج إلى تحديد المقصود منه من الأفعال والأقوال، فلا تأثير له فيما تبين أمره، وتعين المقصود منه، وقد دلت الأدلة دلالة واضحة على منع التأمين فلا اعتبار به معها.
(هـ) الاستدلال بأن عقود التأمين التجاري من عقود المضاربة، أو في معناها غير صحيح، فإن رأس المال في المضاربة لم يخرج عن ملك صاحبه، وما يدفعه المستأمن يخرج بعقد التأمين من ملكه إلى ملك الشركة، حسبما يقضي به نظام التأمين، وأن رأس مال المضاربة يستحقه ورثة مالكه عند موته، وفي التأمين قد يستحق الورثة نظامًا مبلغ التأمين ولو لم يدفع مورثهم إلا قسطًا واحدًا، وقد لا يستحقون شيئًا، إذا جعل المستفيد سوى المستأمن وورثته، وأن الربح في المضاربة يكون بين الشريكين، نسبًا مئوية مثلاً، بخلاف التأمين فربح رأس المال وخسارته للشركة، وليس للمستأمن إلا مبلغ التأمين أو مبلغًا غير محدد.
(و) قياس عقود التأمين على ولاء الموالاة عند من يقول به غير صحيح، فإنه قياس مع الفارق، ومن الفروق بينهما: أن عقود التأمين هدفها الربح المادي المشوب بالغرر والقمار وفاحش الجهالة، بخلاف عقد ولاء الموالاة، فالقصد الأول منه التآخي في الإسلام، والتناصر والتعاون في الشدة والرخاء وسائر الأحوال، وما يكون من كسب مادي فالقصد إليه بالتبع.
(ز) قياس عقد التأمين التجاري على الوعد الملزم عند من يقول به، لا يصح، لأنه قياس مع الفارق، ومن الفروق أن الوعد بقرض أو إعارة أو تحمل خسارة مثلاً، من باب المعروف المحض، فكان الوفاء به واجبًا، أو من مكارم الأخلاق، بخلاف عقود التأمين فإنها معاوضة تجارية، باعثها الربح المادي، فلا يغتفر فيها ما يغتفر في التبرعات من الجهالة والغرر.
(ح) قياس عقود التأمين التجاري على ضمان المجهول، وضمان ما لم يجب، قياس غير صحيح، لأنه قياس مع الفارق أيضًا، ومن الفروق: أن الضمان نوع من التبرع يقصد به الإحسان المحض، بخلاف التأمين، فإنه عقد معاوضة تجارية، يقصد منها أولاً الكسب المادي، فإن ترتب عليه معروف فهو تابع غير مقصود إليه، والأحكام يراعى فيها الأصل لا التابع، مادام تابعًا غير مقصود إليه.
(ط) قياس عقود التأمين التجاري على ضمان خطر الطريق لا يصح، فإنه قياس مع الفارق كما سبق في الدليل قبله.
(ى) قياس عقود التأمين التجاري على نظام التقاعد غير صحيح، فإنه قياس مع الفارق أيضًا؛ لأن ما يعطى من التقاعد، حق التزم به ولي الأمر، باعتباره مسئولاً عن رعيته، وراعى في صرفه ما قام به الموظف من خدمة الأمة، ووضع له نظامًا راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف، ونظر إلى مظنة الحاجة فيهم، فليس نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها، وعلى هذا لا شبه بينه وبين التأمين، الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية التي يقصد بها استغلال الشركات للمستأمنين والكسب من ورائهم بطرق غير مشروعة، لأن ما يعطى في حالة التقاعد، يعتبر حقًّا التُزم به من حكومات مسئولة عن رعيتها، وتصرفها لمن قام بخدمة الأمة كفاء لمعروفه، وتعاونًا معه جزاء تعاونه معها ببدنه وفكره، وقطع الكثير من فراغه في سبيل النهوض معها بالأمة.
(ك) قياس نظام التأمين التجاري وعقوده على نظام العاقلة لا يصح، فإنه قياس مع الفارق، ومن الفروق أن الأصل في تحمل العاقلة لدية الخطأ وشبه العمد ما بينها وبين القاتل- خطأ أو شبه العمد- من الرحم والقرابة، التي تدعو إلى النصرة والتواصل والتعاون، وإسداء المعروف، ولو دون مقابل، وعقود التأمين التجارية استغلالية تقوم على معاوضات مالية محضة، لا تمت إلى عاطفة الإحسان وبواعث المعروف بصلة.
(ل) قياس عقود التأمين التجاري على عقود الحراسة غير صحيح، لأنه قياس مع الفارق أيضًا، ومن الفروق أن الأمان ليس محلاًّ للعقد في المسألتين، وإنما محله في التأمين الأقساط ومبلغ التأمين، وفي الحراسة الأجرة وعمل الحارس، أما الأمان فغاية ونتيجة، وإلا لما استحق الحارس الأجرة عند ضياع المحروس. (م) قياس التأمين على الإيداع لا يصح، لأنه قياس مع الفارق أيضًا، فإن الأجرة في الإيداع عوض عن قيام الأمين بحفظ شيء في حوزته يحوطه، بخلاف التأمين فإن ما يدفعه المستأمن لا يقابله عمل من المؤمن، ويعود إلى المستأمن بمنفعة، إنما هو ضمان الأمن والطمأنينة، وشرط العوض عن الضمان لا يصح، بل هو مفسد للعقد، وإن جعل مبلغ التأمين فيه مقابلة الأقساط كان معاوضة تجارية جهل فيها مبلغ التأمين أو زمنه فاختلف عن عقد الإيداع بأجر.
(ن) قياس التأمين على ما عرف بقضية تجَّار البَزِّ مع الحاكة لا يصح، والفرق بينهما أن المقيس عليه من التأمين التعاوني، وهو تعاون محض، والمقيس تأمين تجاري وهو معاوضات تجارية، فلا يصح القياس.
كما قرر مجلس المجمع بالإجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم (15) وتاريخ 4/4/1379هـ من جواز التأمين التعاوني بدلاً عن التأمين التجاري المحرم والمنوه عنه آنفًا للأدلة التالية:
الأول: أن التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار، والاشتراك في تحمل المسئولية، عند نزول الكوارث، وذلك عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية، تخصص لتعويض من يصيبه الضرر، فجماعة التأمين التعاوني، لا يستهدفون تجارة، ولا ربحًا من أموال غيرهم، وإنما يقصدون توزيع الأخطار بينهم، والتعاون على تحمل الضرر.
الثانى: خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسأ، فليست عقود المساهمين ربوية، ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية.
الثالث: أنه لا يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بتحديد ما يعود عليهم من النفع، لأنهم متبرعون، فلا مخاطرة ولا غرر ولا مقامرة، بخلاف التأمين التجاري فإنه عقد معاوضة مالية تجارية.
الرابع: قيام جماعة من المساهمين، أو من يمثلهم باستثمار ما جمع من الأقساط لتحقيق الغرض الذي من أجله أنشئ هذا التعاون، سواء كان القيام بذلك تبرعًا أو مقابل أجر معين.
ورأى المجلس أن يكون التأمين التعاوني على شكل شركة تأمين تعاونية مختلطة للأمور التالية:
أولاً: الالتزام بالفكر الاقتصادي الإسلامي، الذي يترك للأفراد مسئولية القيام بمختلف المشروعات الاقتصادية، ولا يأتي دور الدولة إلا كعنصر مكمل لما عجز الأفراد عن القيام به وكدور موجه ورقيب، لضمان نجاح هذه المشروعات وسلامة عملياتها.
ثانيًا: الالتزام بالفكر التعاوني التأميني الذي بمقتضاه يستقل المتعاونون بالمشروع كله من حيث تشغيله، ومن حيث الجهاز التنفيذي ومسئولية إدارة المشروع.
ثالثًا: تدريب الأهالي على مباشرة التأمين التعاوني، وإيجاد المبادرات الفردية، والاستفادة من البواعث الشخصية، فلا شك أن مشاركة الأهالي في الإدارة، تجعلهم أكثر حرصًا ويقظة، على تجنب وقوع المخاطر التي يدفعون مجتمعين تكلفة تعويضها، مما يحقق بالتالي مصلحة لهم في إنجاح التأمين التعاوني إذ إن تجنب المخاطر يعود عليهم بأقساط أقل في المستقبل، كما أن وقوعها قد يحملهم أقساطًا أكبر في المستقبل.
رابعًا: إن صورة الشركة المختلطة، لا تجعل التأمين كما لو كان هبة أو منحة من الدولة للمستفيدين منه، بل بمشاركة منها معهم فقط، لحمايتهم ومساندتهم، باعتبارهم هم أصحاب المصلحة الفعلية، وهذا موقف أكثر إيجابية، ليشعر معه المتعاونون بدور الدولة، ولا يعفيهم في نفس الوقت من المسئولية.
ويرى المجلس أن يراعى في وضع المواد التفصيلية للعمل بالتأمين التعاوني الأسس التالية:
الأول: أن يكون لمنظمة التأمين التعاوني مركز له فروع في كافة المدن، وأن يكون بالمنظمة أقسام تتوزع بحسب الأخطار المراد تغطيتها، وبحسب مختلف فئات ومهن المتعاونين، كأن يكون هناك قسم للتأمين الصحي، وثان للتأمين ضد العجز والشيخوخة
…
إلخ. أو يكون هناك قسم لتأمين الباعة المتجولين، وآخر للتجار، وثالث للطلبة، ورابع لأصحاب المهن الحرة كالمهندسين والأطباء والمحامين.... إلخ.
الثاني: أن تكون منظمة التأمين التعاوني على درجة كبيرة من المرونة والبعد عن الأساليب المعقدة.
الثالث: أن يكون للمنظمة مجلس أعلى يقرر خطط العمل، ويقترح ما يلزمها من لوائح وقرارات، تكون نافذة إذا اتفقت مع قواعد الشريعة.
الرابع: يمثل الحكومة في هذا المجلس من تختاره من الأعضاء، ويمثل المساهمين من يختارونه، ليكونوا أعضاء في المجلس ليساعد ذلك على إشراف الحكومة عليها، واطمئنانها على سلامة سيرها، وحفظها من التلاعب والفشل. الخامس: إذا تجاوزت المخاطر موارد الصندوق بما قد يستلزم زيادة الأقساط، فتقوم الدولة والمشتركون بتحمل هذه الزيادة. ويؤيد مجلس المجمع الفقهي ما اقترحه مجلس هيئة كبار العلماء في قراره المذكور بأن يتولى وضع المواد التفصيلية لهذه الشركة التعاونية جماعة من الخبراء المختصين في هذا الشأن. والله ولي التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
مخالفة الأستاذ الدكتور مصطفى الزرقاء:
إخواني الأساتذة الفضلاء أعضاء المجمع الفقهي.... إني أخالف ما ذهبتم إليه من اعتبار التأمين الذي أسميتموه تجاريًّا بمختلف أنواعه وصوره حرامًا، وميزتم بينه وبين ما أسميتموه تعاونيًّا، وأرى أن التأمين من حيث إنه طريق تعاوني منظم لترميم الأضرار التي تقع على رؤوس أصحابها من المخاطر التي يتعرضون لها، هو في ذاته جائز شرعًا بجميع صوره الثلاث وهي: التأمين على الأشياء، والتأمين من المسئولية المسمى (تأمين ضد الغير) ، والتأمين المسمى- خطأً- بالتأمين على الحياة. وإن أدلتي الشرعية من الكتاب العزيز والسنة النبوية، وقواعد الشريعة ومقاصدها العامة، والشواهد الفقهية، بالقياس السليم عليها، ودفع توهم أنه يدخل في نطاق القمار أو الرهان المحرَّمَين، ودفع شبهة أنه ربا، كل ذلك موضح تمام الإيضاح في كتابي المنشور بعنوان (عقد التأمين، وموقف الشريعة الإسلامية منه) وأنتم مطلعون عليه، مع بيان حاجة الناس في العالم كله إليه. وقد بينت لكم في هذه الجلسة أيضًا، أن التمييز بين تأمين تعاوني وتجاري لا سند له، فكل التأمين قائم على فكرة التعاون على تفتيت الأضرار وترميمها، ونقلها عن رأس المصاب، وتوزيعها على أكبر عدد ممكن، بين عدد قليل من الأشخاص الذين تجمعهم حرفة صغيرة، أو سوق، ويتعرضون لنوع من الأخطار فيساهمون في تكوين صندوق مشترك، حتى إذا أصاب أحدهم الخطر والضرر، عوَّضوه عنه من الصندوق الذي هو أيضًا مساهم فيه، هذا النوع الذي يسمى في الاصطلاح تبادليًّا وسميتموه (تعاونيًّا) لا تحتاج إدارته إلى متفرغين لها، ولا إلى نفقات إدارة وتنظيم وحساب
…
إلخ. فإذا كثرت الرغبات في التأمين، وأصبح يدخل فيه الألوف، عشراتها أو مئاتها أو آلافها من الراغبين، وأصبح يتناول عددًا كبيرًا من أنواع الأخطار المختلفة، فإنه عندئذ يحتاج إلى إدارة متفرغة، وتنظيم ونفقات كبيرة، من أجور محلات وموظفين ووسائل آلية وغير آلية
…
إلخ. وعندئذ لابد لمن يتفرغون لإدارته وتنظيمه من أن يعيشوا على حساب هذه الإدارة الواسعة، كما يعيش أي تاجر أو صانع أو محترف أو موظف على حساب عمله. وعندئذ لابد من أن يوجد فرق بين الأقساط التي تجبى من المستأمنين، وبين ما يؤدى من نفقات وتعويضات للمصابين عن أضرارهم، لتربح الإدارة المتفرغة هذا الفرق، وتعيش منه، كما يعيش التاجر من فرق السعر بين ما يشتري ويبيع. ولتحقيق هذا الربح يبنى التأمين الذي أسميتموه تجاريًّا على حساب إحصاء دقيق، لتحديد القسط الذي يجب أن يدفعه المستأمن في أنواع من الأخطار، هذا هو الفرق الحقيقي بين النوعين. أما المعنى التعاوني فلا فرق فيه بينهما أصلاً من حيث الموضوع. كما إني أحب أن أضيف إلى ذلك: أن هذه الدورة الأولى لهذا المجمع الفقهي الميمون، الذي لم يجتمع فيها إلا نصف أعضائه فقط، والباقون تخلفوا أو اعتذروا عن الحضور لظروفهم الخاصة، لا ينبغي أن يتخذ فيها قرار بهذه السرعة، بتحريم موضوع كالتأمين من أكبر الموضوعات المهمة اليوم خطورة وشأنًا، لارتباط مصالح جميع الناس به في جميع أنحاء المعمورة، والدول كلها تفرضه إلزاميًّا في حالات، كالتأمين على السيارات ضد الغير، صيانة لدماء المصابين في حوادث السيارات من أفئدة تذهب هدرًا إذا
كان قائد السيارة أو مالكها مفلسًا. فإذا أريد اتخاذ قرار خطير كهذا، وفي موضوع اختلفت فيه آراء علماء العصر اختلافًا كبيرًا في حله أو حرمته، يجب في نظري أن يكون في دورة يجتمع فيها أعضاء المجمع كلهم أو إلا قليلاً منهم، وعلى أن يكتب لغير أعضاء المجمع من علماء العالم الإسلامي، الذين لهم وزنهم العلمي، ثم يبت في مثل هذا الموضوع الخطير في ضوء أجوبتهم، على أساس الميل إلى التيسير على الناس عند اختلاف آراء العلماء، لا إلى التعسير عليهم. ولا بد لي ختامًا من القول بأنه إذا كانت شركات التأمين تفرض في عقودها مع المستأمنين شروطًا لا يقرها الشرع، أو تفرض أسعارًا للأقساط في أنواع الأخطار غالية بغية الربح الفاحش، فهذا يجب أن تتدخل فيه السلطات المسئولة لفرض رقابة وتسعير لمنع الاستغلال، كما توجب المذاهب الفقهية وجوب التسعير والضرب على أيدي المحتكرين لحاجات الناس الضرورية، وليس علاجه تحريم التأمين، لذلك أرجو تسجيل مخالفتي هذه مع مزيد الاحترام لآرائكم.
دكتور مصطفى الزرقاء