الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعلقت بشاب وتقدم لي غيره
المجيب د. خالد بن حمد الجابر
مستشار طب الأسرة.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ قبل الزواج/اختيار الزوج أو الزوجة
التاريخ 20/7/1425هـ
السؤال
إخوتي في الله: أود أن أتفضل بسؤالكم في قضية مهمة جداً تتعلق بحياتي، وقد أتعبتني جداً، بالرغم من أنني إنسانة مؤمنة بمعنى الكلمة، ومتعلقة بالله بشكل كبير، وأدعوه دائماً وأنتظر الإجابة، المهم هو أنني منذ صغري لم أهتم يوماً لشيء اسمه العلاقات المحرمة بين الفتيات والفتيان، وأعرف أنها حرام في الدين، ولهذا ابتعدت عنها بقدر الإمكان، وانشغلت بالصلاة وذكر الله طوال السنين الماضية، وعندما دخلت الجامعة تعرَّفت على شاب من بعيد، ولم يحدثني يوماً أبداً، وقالوا إن هذه شخصيته، وصدقوني أحببته حبًا شديداً، وبالرغم من ذلك لم أغضب الله في هذا الحب، وظللت أدعو طوال ثلاث سنين كاملة أن يجمعني الله معه بالحلال، ولكن الآن سأتخرج من الكلية والشاب مازال على حاله ينظر من بعيد فقط، وأنا تعقدت حياتي بهذه الطريقة، وتقدم لي شاب آخر ذو خلق، وله مواصفات مميزة، وأخبرني أنه يحبني ويريدني بصدق بما يرضي الله منذ زمن، ولكن الآن أنا في حيرة شديدة لا أستطيع الارتباط بهذا الشخص وقلبي ملك لآخر، ولا أريد أن أكذب عليه، وبعدها سوف أظلمه معي، وصليت خمس مرات صلاة الاستخارة، ولكن قلبي مازال متعلقاً بشدة بالأول، وها أنا في دوامة لا أعرف لحياتي معنى، وقد أتعبتني المشكلة، وقلَّ نومي جداً، ولا أعرف ما الحل، وأعرف أن الله كريم جداً ورؤوف بعباده.. أخبروني بالتفصيل ماذا أفعل، وأنا لن أتردد أبداً؟ والسلام عليكم، وجزاكم الله كل خير.
الجواب
الأخت الكريمة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
لقد قرأت رسالتك الرقيقة مرات ومرات، وجعلت أتأمل فيها عدة أيام، ليس لأني لم أواجه حالة تشبهها من قبل، كلا! ، فالحالات المشابهة لحالتك لا تعد ولا تحصى، لكن لما لمست من معاناتك وتألمك، فقد وصفت مشكلتك بأنها قضية مهمة جداً تتعلق بحياتك، وأنها أتعبتك جداً جداً، وأن حياتك تعقدت بهذه الطريقة، وأنك في دوامة، ولم تعودي تعرفين لحياتك معنى، وقلَّ نومك جداً، وأنك لا تعرفين ما الحل؟.
كان الله تعالى في عونك!.
أختي الكريمة:
طلبت منا شيئاً عجيباً، وهو أن نخبرك بالتفصيل عما يجب أن تفعليه، ثم لن تترددي إطلاقاً في تنفيذه بحذافيره، فهل أنتِ متأكدة مما قلتِ!.
حسناً! دعينا نبدأ على بركة الله، وستجدين فيما نكتبه لك - بإذن الله - ما يكون خير مساعدٍ لك على تجاوز هذه المحنة العصيبة، لكن يا أختي الكريمة نحن لا نعطي حلولاً سحرية؛ لأننا ببساطة لا نملكها! كل ما نفعله -وهو ما تحتاجينه- أن نجعل الصورة أكثر وضوحاً، والحلول المتاحة أكثر بياناً بحيث لا تسيطر العاطفة، ولا يزيغ العقل، ثم أنت بعد ذلك تختارين من هذه الحلول ما ترينه أقرب للصواب.
وسنناقش الموضوع كعادتنا في جزئين، دراسة الحالة بشكل أفضل، وطرح الحلول المتاحة لاختيار أفضلها. والله المستعان.
دراسة الحالة بشكل أفضل
لقد لخصتِ لنا مشكلتك بوضوح:
فأنتِ تعرفتِ في الكلية على شاب من بعيد، وأحببتيه حباً شديداً، مع أنه لم يحدثك يوماً أبداً، وظللت في أحلام الحب والعشق ثلاث سنوات كاملة، وأنت خلالها تدعين الله تعالى أن يجمعك معه بالحلال، لكنه لم يتقدم لك ولم يحادثك في الموضوع إطلاقاً، وأكدت لنا أنك لم تغضبي الله في هذا الحب أبداً، وهذا يعني أنك محجبة، ولا تمازحين الرجال الأجانب وتضاحكينهم بما لا يليق بالمسلمة.
ثم حصل أن تقدم لك شاب آخر، ذو خلق وله مواصفات مميزة، وأخبرك أنه يحبك هو الآخر، ويريدك بصدق بما يرضي الله منذ زمن، مع أنه -كما يبدو- لم تشعري أنت بحبه لك! تماماً كما كنت أنت تحبين الآخر وهو لا يدري!! حتى صرت في حيرة شديدة؛ لأنك كما تقولين:
- لا تستطيعين الارتباط بهذا الشخص وقلبك (ملك!!) لآخر
- ولا تريدين أن تكذبي عليه فتظلميه معك.
- وقلبك مازال متعلقاً بشدة بالأول
وهذه بعض النقاط حول حالتك، ما رأيك لو تدارسناها سوياً؟.
(1)
بعض بلايا الاختلاط
ما جرى لك -يا أختي الكريمة- نتيجة متوقعة للاختلاط بين الجنسين في بلاد المسلمين، وأنت واحدة من ضحايا الاختلاط المحرم، وهن بالملايين، ولئن كان حجزك عما يغضب الله أنك - كما ذكرت عن نفسك- "إنسانة مؤمنة بمعنى الكلمة!، وأنك تدعين الله دائماً وتنتظرين الإجابة، ولم تهتمي يوماً لشيء اسمه العلاقات المحرمة بين الفتيات والفتيان؛ لأنك تعرفين أنها حرام، ووفقك الله حين انشغلت بالصلاة وذكر الله طوال السنين الماضية". أقول لئن كان حجزك عن الحرام مراقبتك لله وخوفك منه، فإن كثيرين وكثيرات وقعن في الأمر المكروه! .
يا لله! ، من كان يصدق أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي الأمة العفيفة الشريفة المحافظة، يبلغ بأهلها الأمر أن يجمعوا بين الفتيان والصبايا في قاعات الدرس جنباً إلى جنب! .
أليس فينا رجل رشيد -وامرأة رشيدة- يقول لهذا التهييج الغرائزي والاستنزاف العاطفي أن يتوقَّف، وترجع الأمة إلى ما كانت عليه من عفة وحشمة وشرف!؟ اللهم عجل بهذا يارب.
(2)
ما أرق عاطفة الأنثى..
تهيج عاطفة الفتاة في هذه السن، بصورة قوية عنيفة، فتصبح أكثر حديثاً عن الحب والمحبة، والوله والعشق. وقد تكون هذه العاطفة بين فتاة وأخرى من جنسها، وقد تكون هذه العاطفة بين فتاة وآخر من عالم الرجال، وهي حديثنا هنا.
عاطفتك -يا أختي- جياشة حية متدفقة، إني أراها كموج بحر هادر يضرب في صخور الشاطئ! . الفتاة كالزهرة الندية، في صباح لطيف باسم، رقيقة المشاعر مرهفة الحس ناعمة الوجدان، تطربها الكلمة الودودة، وتنعشها الابتسامة الحانية، ويغرس الاهتمام بها في قلبها البهجة والسرور.
إن مقصودي أنه لابد أن تدركي أن ما تشعرين به من مشاعر وعواطف جياشة هو من طبيعة المرحلة العمرية التي تمرين بها، وجزء أيضاً من طبيعتك الأنثوية الرقيقة، وعندما تمتد بك الحياة على خير وهدى، ستتذكرين كلامي هذا جيداً.
(3)
هل هو الحب الصادق..
الحب شعور قد يكون جبرياً قسرياً قهرياً في أحيان ليست قليلة، ومشاعر الفتاة رقيقة ناعمة سريعة التأثر، والمرأة حين تحب رجلاً فإنها تنطلق من عاطفتها وليس من عقلها في الغالب، بعكس الشاب الذي تكون عواطفه عقلانية فلسفية في الغالب، وهذا من الفروق المشاهدة بين الذكر والأنثى.
وحين تقولين: "صدقوني أحببته حبا شديداً" فنحن نصدقك، ولا نجرؤ أن نقول إن حبك غير صادق، وإنما نسأل عن الحب نفسه هل هو حب صادق أم لا؟
هل هو حب نفس لنفس وروح لروح؟ أو هو حب صور وأشكال وأصوات وجسوم؟ هل هو محبة عرضية أو ذاتية؟ ، وهل هو استحسان روحي وامتزاج نفسي، أم هو استحسان مادي جسدي؟
إن إجابتك على هذه الأسئلة بنفسك سيعينك كثيراً -بإذن الله تعالى- على اتخاذ القرار المناسب.
(4)
"وهم العشق المتبادل"
لا تتصوري يا أختي أنك العاشقة الوحيدة "عن بعد! "، عذراً فهذا المصطلح "العشق عن بعد" اخترعته بعدما رأيت كثرة الحالات الواقعة فيه، وقد لخصه لنا أحد الكتاب المعروفين في بلادنا، وحكى قصة حب عنيفة وقعت له، وهي قصة رمزية لها دلالة مهمة أنا متأكد أنك ستفهمينها بسرعة.
يقول الكاتب إنه كان في طريقه من بيتهم إلى المدرسة (قبل أكثر من 40 سنة) يمر على بيت لأحد جيرانهم، وكان كلما مر رأى من خلف الباب فتاة متلفعة بعباءتها السوداء تطل عليه من فتحة الباب، فطار قلبه بها، وعشقها عشقاً عظيماً، مع أنه لم يرها ولم يدر من هي، غير أنه يعرف أن لجارهم هذا بنتاً في سنه.
وصار كلما مر على بيت جارهم خرجت له هذه الفتاة المتلفعة، ولم تكن تخرج بكاملها إنما كان لا يبدو منها إلا طرف العباءة، واشتعل العشق في قلب صاحبنا، وصار ينسج الأحلام الوردية والآمال الزوجية على هذه الفتاة التي بلغ اليقين عنده أنها تحبه وتتعمد الخروج له كلما مر من باب بيتهم.
حتى كان ذلك اليوم المشهود، وقرر صاحبنا الانتظار أكثر؛ عله يظفر بكلمة أو رسالة من المعشوقة المحبوبة، وفعلاً أطال المكث عند الباب، حتى انفتح أكثر وبانت له معشوقته كأحسن ما أنت راء من "شاة" سوداء أنيقة بديعة! ، مربوطة بحبل قصير لا يوصلها إلا إلى طرف الباب!.
هذه هي القصة ودلالتها الرمزية ظاهرة، إنها تتحدث عن "وهم العشق المتبادل"، ومن العبارات الجميلة المأثورة "ليس المهم أن تُحِبَّ ولكن المهم أن تُحَبَّ "، ومن قصص الصحابة في هذا، القصة المشهورة للصحابية الجليلة "بريرة"، فقد كان زوجها يحبها غاية الحب، بل كان يهيم بها هياماً لم يقدر أن يخفيه عن الناس، حتى عجب النبي صلى الله عليه وسلم نفسه من هذا، كيف يحبها هذا الحب وهي تبغضه هذا البغض.
(5)
تأثير الكلمات المسيطرة..
لقد قلت -يا أختي- في رسالتك الرقيقة: إن قلبك "ملك للأول"! وهذه كلمة في غاية العجب!، كيف بعت قلبك له، وهل اشتراه منك، البيع لابد فيه من قبول وإيجاب، ثم هل تباع القلوب؟.
كلمتك هذه "قلبي ملك للأول" نسميها نحن "كلمات مسيطرة"، وهي كلمات تشير إلى قناعات نفسية لدينا، اقتنعنا بها دون محاكمة لها.
"قلبي ملك للأول".. سبحان الله! ، هل قمت يا أختي بمحاكمة هذه الجملة الخطيرة من قبل؟ ، هل فعلاً قلبك ملك للأول؟ . جربي! حاكميها إلى العقل والمنطق؟ واخبرينا بماذا ستخرجين.
وذكرت يا أختي الكريمة "أنك لا تستطيعين الارتباط بالشاب الذي تقدم لخطبتك". والحقيقة أنني أكره مثل هذه الكلمات: لا أستطيع! ، لا أقدر! ، مستحيل! ، غير ممكن! .. إلى آخر القائمة من "الكلمات ذات السيطرة والهيمنة"، إنها كلمات تؤثر علينا بل وتتحكم في حياتنا دون أن نشعر.
ونظراً للدور الخطير الذي تحدثه مثل هذه الكلمات وأمثالها نشأ في الطب النفسي الحديث تخصص جديد اسمه "علم النفس المعرفي" أوالعقلاني، وهو ينادي بضرورة محاكمة هذه الأفكار التي سماها "الأفكار السلبية التلقائية". جربي يا أختنا الكريمة أن تحاكمي كثيراً من الألفاظ والعبارات والقناعات المتعلقة بحالتك هذه، وستجدين العجب! .
وفي خصوص هذه الكلمة بالذات "لا أستطيع الارتباط بهذا الشخص"، ماذا تقصدين؟ هل تقصدين أن أحداً يمنعك من ذلك، أو أنك تقصدين "لا تريدين الارتباط به"!؟ ، وبينهما فرق كبير.
يا أختي! . أنت تستطيعين الارتباط بهذا الشاب أو غيره، إذا اكتملت شروط الزواج، ولكنك تقصدين: أنا أريد الارتباط بالأول لكنه لم يتقدم لي، فالذي أريده لم يتقدم لي، والذي تقدم لم أفكر فيه أصلاً!! .
(6)
الاكتئاب
ذكرت عن نفسك قلة النوم بشكل كبير، وأن الحياة لم يعد لها عندك معنى، فإذا انضاف إلى هذا نوبات من الضيق والحزن والبكاء، مع الكسل والخمول، وضعف التركيز، وقلة الشهية للطعام، والرغبة في الموت، فهذه ربما تكون علامة أنك أصبت بالاكتئاب، وهو مرض نفسي معروف، يكثر نتيجة الضغوط العاطفية.
فإذا كان الأمر كذلك، فلابد أن تبادري بعرض نفسك على طبيب العائلة الخاص بكم، أو إذا لم يكن هذا النظام الصحي متبعاً عندكم فاعرضي نفسك على طبيب نفسي موثوق، ولا تتأخري في هذا -يا أختي - أو تتساهلي فيه؛ لأنه إذا كان فعلا لديك اكتئاب نفسي، فالحمد لله تعالى ستجدين عند الطبيب جلسات نفسية وأدوية مناسبة يشفيك الله –سبحانه- بسببها من هذا المرض.
(7)
الحب قبل الزواج؟
(.. مسكينات هن فتياتنا يبلغ الظن بهن أن الحب قبل الزواج بحلاوته وطلاوته سيستمر بعد الزواج، قوياً كما هو، ليت شعري كيف لو عرفوا عن الدراسة الأمريكية العجيبة، التي أثبتت أن الغالبية العظمى من الزيجات التي تنشأ عن قصة حب كبيرة، أنها تنتهي بالفشل والطلاق، والسبب ظاهر، فحرارة الحب قبل الزواج حرارة خداعة، سرعان ما تطفئها أمواج الواقع، وهذا معنى قول عمر "وهل تبنى البيوت بالحب وحده"، خاصة أن هذا النوع من الحب يكون عادة متركزاً على جانب واحد من شخصية المحبوب، كالشكل والمظهر، أو الكلام المعسول، دون التفات إلى بقية صفات الشخصية، التي ستبقى فعلاً بعد الزواج، وأنا أتساءل: لو تزوَّج قيس ليلى أو كُثير عزة أو جميل بثينة أو عروة عفراء، فهل سيبقى حبهم بعد الزواج كما هو؟!.
والخلاصة.. أرجو أن يكون قد تبين لك -حتى الآن- أن حالتك هي:
· بعض بلايا الاختلاط،
· وأن مشاعرك الجياشة القوية التي تعيشينها هي بسبب عاطفة الأنثى، وطبيعة المرحلة العمرية.
· وأن الحب الذي وقعت في شباكه أمر قد لا يملكه الإنسان، لكن عليه أن يسأل هل هو حب صادق..
· وأنك ربما تكونين وقعت في "وهم العشق المتبادل".
· وأن حالتك ربما تكون واقعة تحت تأثير بعض الكلمات المسيطرة، وأن عليك محاكمة هذه الكلمات.
· وأنك بحاجة للمرور على الطبيبة للتأكد من الاكتئاب النفسي.
·وأن الحب قبل الزواج ليس دائماً ينتهي بحياة زوجية سعيدة.
الحلول المتاحة:
ليس في الدنيا شيء أكثر من الحلول، بدليل أن المشكلة الواحدة يكون لها عدة حلول، لكن الموفَّق –وأنتِ منهم إن شاءالله تعالى- من وفقه الله لاختيار أفضل هذه الحلول.
(1)
"أعرف أن الله كريم جدا ورؤوف بعباده"
هذه عبارتك أنت، وقد جعلتها عنوانا للفقرة لجمالها وروعتها! .
لا أستطيع أن أخفي فرحي بعباراتك الرائعة حين قلت: لم اهتم يوماً لشيء اسمه العلاقات المحرمة بين الفتيات والفتيان، وأعرف أنها حرام في الدين؛ ولهذا ابتعدت عنها بقدر الإمكان، وانشغلت بالصلاة وذكر الله طوال السنين الماضية.
إن كنت صادقة –وأنتِ كذلك- فأنت فعلاً موفقة محظوظة، وهل شيء في هذه الدنيا أحلى من العفة، وأجمل من الصلاة، وأفضل من ذكر الله تعالى! .
لئن انشغلت بهذه العبادات الجليلة في سنواتك التي سبقت الجامعة، فأنت الآن أكثر حاجة إليها، أليس كذلك؟! . ولا تملي فإن الله لا يمل!، ولا تتوقفي ففضل الله لا يتوقف! .
إن ما تقومين به ليس مجرد عبادة، لكنه علاج نفسي يدرس في جامعات السوربون وهارفارد وإكسفورد! ، نعم هم لا يعرفون صلاتنا، لكنهم يعرفون ما يسمى "بالإشباع العاطفي والنفسي"، وهو أن النفس والعاطفة بحاجة إلى ما يشبعها، وهي تشبع بما تعودينها أنتِ عليه، فإذا كنت تعودينها على الحب والعشق والجنس واللهو والعبث، لم تعد ترضى بغيره، وإذا أشبعتها بحب الله والرسول والقرآن والصلاة شبعت وأي شبع! ، ورويت وأي ريّ! .
واصلي! واثبتي! واستمري! ، فأنت على خير كبير.
(2)
أين المصلحة؟
كيف ندعو ربنا؟ ..
يبدو سؤالاً سهل الإجابة، لكنه ليس كذلك، فأنت جلست تدعين الله ثلاث سنوات أن يجمعك معه بالحلال، فهل عندك ميثاق من الله أنه خير لك إذا توزجتيه؟ ، وأنه لن يقلب حياتك جحيماً لا يطاق؟ ، وأن هذا الهدوء الذي رأيته منه إنما هو ظاهر يخفي باطناً الله أعلم به، أنا لا أسب الرجل فالمؤمن ليس بالسباب، ثم كيف أسب من لا أعرف، ولكني كعادة المجيبين يضربون الاحتمالات لتوسيع آفاق التفكير.
لا تسألي الله أن يجمعك معه بالحلال، ولكن اسأليه أن يرزقك بالزوج الصالح الذي يسعدك، سواء كان هو الأول أو الثاني أو شخصاً آخر غيرهما تماماً!!. إن كثرة إلحاحك أن تتزوجي من الأول بالذات يوقعك في هم شديد، فقد يكون سبق في علم الله أن الأول ليس خيراً لك، فيصرفه عنك لمصلحتك.
ليكن همك يا أختي أن تقترني بالزوج الصالح الذي يسعدك وتسعدينه، ولا تختزلي الأزواج كلهم في ذاك الشاب الأول، ومن الأمثال العامية عندنا "الله يدبر الصالح"، وهو مثل قوي جداً، وله سلطة معرفية كبيرة؛ لأن معناه أن الله تبارك وتعالى بيده مقاليد الأمور وهو يدبر الأصلح لعباده، ولكن العباد قد يرون المصلحة في أمر ما والله عز وجل يعرف أن مصلحتهم ليست فيه، فيصرفه عنهم وهم يصرون عليه!.
تعلمت من هذه الدنيا أن الواحد منا قد يرى مصلحته في أمر ما فيسعى له ويجتهد في تحصيله، ويصيبه الهم لو لم يتحقق، ويغتم لذلك.. مسكين هو! ، هل عنده من الله ميثاق، أو هل كشف الله له سجف الغيب فعلم مكان المصلحة!؟ .
ومن أمثالنا العامية أيضاً وهو مثل في غاية القوة "لا تحب! ولا تكره! "، أي إذا أعجبك أمر أو رأي أو فكرة فلا تحبها حباً شديداً عنيفاً وتقاتل من أجلها، بل اجعلها "مجرد تفضيل" مع استعدادك للتراجع عنها إذا تبين لك أن المصلحة في غيرها، وكذلك الأمر في الكره.
وفي الأثر عن علي رضي الله عنه: "أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما!! "
(3)
المقارنة بين الشابين
اعقدي مقارنة بين الشابين، لكن ليس وحدك، بل استعيني على ذلك بأهل العقل من صديقاتك وقريباتك، ممن يعرف الاثنين. واجعلي المقياس دقيقاً متكاملاُ وليس متركزاً على نقطة واحدة فقط، وقد أخرج البعض معايير اختيار الزوج، وهي موجودة على الإنترنت كما أذكر، وإن كنت نسيت موقعها الآن.
والمعايير في الجملة كالتالي:
1.
الدين
2.
النفسية
3.
التعامل
4.
التعليم
5.
العائلة
6.
التوافق
7.
وغيرها..
واستعيني -بعد ذلك كله- بالله –تعالى- وصلي صلاة الاستخارة حتى ينشرح صدرك، فإذا بقيت في حيرة فلا تستعجلي؛ لأن هذا معناه أن الأمر يحتاج لإعادة دراسة، وربما تصرفين النظر عن الإثنين كليهما! . كان الله معك وأرشدك إلى الصواب وألهمك الحكمة، آمين يا رب.
(4)
مفاتحة الشاب الأول
إذا قررت يا أختي بعد السؤال والتحري أن الأول قد يكون زوجاً صالحاً لك، فأقترح عليك مفاتحته بالموضوع، وهل يريدك زوجة له أصلاً أم لا! . لكن لا تفعلي ذلك أنت! ، فهذا ليس من سلوك المؤمنات، بل أرسلي له من يفعل ذلك من الرجال أو من محارمه النساء.
فأنتِ ربما لم تخطري على باله أصلاً، ولم يفكر فيك بتاتاً، ولو سئل عن اسمك لمال برأسه ينظر للسماء يستذكر: هل مر عليه هذا الاسم من قبل!! . وربما يعرفك لكن لا يريدك.
فإذا كان يريدك فليتقدم، فإن تلكأ وتأخر وماطل، فاتركيه يعوضك الله خيراً منه، وقولي كما قالت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها حين مات زوجها:"اللهم آجرني في مصيبتي، واخلفني خيراً منها" أخرجه مسلم (918) وغيره من حديث أم سلمة – رضي الله عنها، فكان الخلف هو زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه!.
(5)
أنت فتاة ناضجة..
أنت يا أختي الكريمة فتاة ناضجة واقعية، تعرفين أن الحياة لا تتوقف عجلتها عند حب متعثر، ولا ينقطع سيرها لأجل أمنية لم تتحقق، ولذلك فأنا واثق أنك سرعان ما تنعتقين من قيد الأزمة، لتصبحي أكثر خبرة ونضجاً واستقراراً.
إن الفتاة في مثل سنك يصعب عليها أحياناً، أن تقتنع أن العلاقات في الدنيا ليست إلى دوام أبداً، مهما بدت لنا في بدايتها قوية متينة لا يمكن أن تنقطع، وطالما أحببنا أشخاصاً في صغرنا ظننا أن الدنيا لن تفرق بيننا مهما كانت الظروف، لكن حالما تركنا الحي أو المدرسة، انتهى كل شيء، بالتدريج غالباً والبتر السريع في أحيان ليست قليلة، هذه طبيعة الحياة الدنيا، لكن عنفوان العاطفة لدى المرأة في هذه السن تعميها عن هذه الحقيقة.
إن العاطفة كفصول السنة تكون حارة حيناً، باردة حيناً، جافة يابسة حيناً، وتكون حيناً مورقة مزهرة! . ومن يظن أن العاطفة القوية المزهرة ستبقى كذلك أبداً فقد خالف ناموس هذا الكون الذي يسير عليه.
اللهم يا من قلوب العباد بين أصابعك، أطفئ لواعج قلب أختنا، واصرفه إلى طاعتك ومحبتك، واختر لها يا رب ما تكون به سعيدة هانئة في الدنيا والآخرة.. آمين.