الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيع قسيمة الشراء بأقل من قيمتها
د. سامي بن إبراهيم السويلم (*) 17/7/1425
02/09/2004
سبق وأن نشرنا في نافذتنا فتوى حول (بيع قسيمة الشراء بأقل من قيمتها) ثم وردنا تعقيب من أحد الإخوة يستشكل فيه جواز بيع هذه القسيمة بأقل من قيمتها إلى آخر ما ذكر-.فعرضنا هذا التعقيب على أحد المشائخ المشاركين معنا في الإجابة على أسئلة السائلين فتكرَّم بالتوضيح والبيان، فإليكم التعقيب والتوضيح.
التعقيب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الإخوة الكرام بموقع الإسلام اليوم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نسأل الله أن ينفع بكم، ولقد قرأت فتوى بموقعكم تحت عنوان:(بيع قسيمة الشراء بأقل من قيمتها) ، ولي على هذه الفتوى هذا الاستشكال، وأرجو عرض هذا الاستشكال على أهل العلم بفقه المعاملات من موقعكم، وخاصة الشيخ السويلم، نص الاستشكال: قسيمة الشراء هي بمثابة سند بقيمة مالية معينة تمنحها بعض الشركات لموظفيها إما على سبيل القرض، أو على سبيل الهبة، أو على سبيل المكافأة.
هذه القسيمة بمثابة سند للموظف بقيمة مالية معينة، بشرط أن يشتري بها من مكان مخصوص، فهو داخل في مفهوم الأوراق التجارية كالشيك، والسند، والكمبيالة.
فهل أجاز أحد من الفقهاء بيع الشيك أو السند؟ أو الكمبيالة بأقل من قيمتها؟! أليس هذا هو ربا الفضل المحرم؟ أليس هذا ما تحدث عنه علماء العصر مما يعرف بخصم أو حسم الأوراق التجارية بداية من الشيخ الهمشري، ونهاية بوقتنا هذا
…
فكانت الفتوى على التحريم؟.
إن إجازة هذه الصورة ينتج عنها جواز بيع بطاقة الائتمان بأقل من قيمتها.
وخلاصة الأمر أن هذه القسيمة إما أن تمثل مالاً أو عروضاً.
فإذا مثلت مالا فيجوز بيعه، ولكن لا يجوز بيعه بأقل من جنسه، وإلا وقع ربا الفضل.
وإما أن يمثل عروضاً، والعروض يجوز بيعها بالثمن الذي يتفق عليه، ولكن البيع هنا لا يجوز؛ لأنه بيع قبل الشراء، وبيع قبل القبض، وبيع مجهول للطرفين.
التوضيح:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
إذا كانت القسيمة المشار إليها صادرة من المحل التجاري، كما يفهم من السؤال من أنها باسم المحل وليست باسم الشركة، وتعطي حاملها الحق في الحصول على بضاعة من هذا المحل قيمتها 500 ريال، وليس الحصول على النقد، فهذه القسيمة تمثل سلعاً في الذمة، بمثابة دين السَّلم، ولكن هذا الدين لم يتحدد فيه نوع المبيع وقدره، وإنما تحدد مصدره وقيمته، وهذه الصورة لا حرج فيها شرعاً على الأظهر؛ إذ يجوز للرجل أن يسلم مبلغاً من المال للبقال على أن يأخذ منه كل يوم بضاعة بحسب حاجته، وبحسب سعرها، والتزام البقال بذلك من جنس دين السلم، وهو نظير التزام المحل هنا بالبيع لحامل القسيمة، وثمن القسيمة قد يكون دفعته الشركة مقدماً للمحل، وقد يكون التزم به صاحب المحل ابتداء، وفي كلتا الحالتين هو بمثابة دين السلم كما سبق.
إذا تقرر ذلك فدين السلم يجوز بيعه - قبل قبضه - عند الإمام مالك، ومنع من ذلك الجمهور؛ لأنه بيع لما لم يقبض، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية جواز بيع دين السلم قبل قبضه بشرط ألا يربح منه (أي لا يكون ثمن البيع أكبر من رأسمال السلم) ؛ لئلا يقع في ربح ما لم يضمن.
والأقرب -والله أعلم- هو جواز بيع دين السلم قبل قبضه؛ لأنها معاملة تخلو من الربا، فليس فيها نقد بنقد، وإنما نقد مقابل سلع في الذمة، وفيما يتعلق بالقسيمة فالربح غير متصور؛ لأن الموظف حصل على البطاقة دون دفع مقابل، ثم يبيعها بأقل من قيمتها، وعدم تحديد نوع السلع وقدرها لا يضر بالعقد؛ لأنه لا يؤدي للنزاع، والجهالة المحرمة شرعاً هي التي تفضي للنزاع، والنزاع هنا منتف بتحديد المحل التجاري، وتحديد القيمة الكلية.
وبهذا يتبين الفرق بين هذه القسيمة، وبين الورقة التجارية (الشيك والكمبيالة) التي أشار إليها الأخ الفاضل، فهذه الأوراق تمثل نقوداً في الذمة، بينما القسيمة تمثل سلعاً في الذمة، والفرق بينهما ظاهر، وبيع السلع في الذمة مقابل نقود حاضرة لا حرج فيه، بل هذا هو عقد السلم، إذ هو بيع لسلع في الذمة مقابل نقود حاضرة، وإنما المحذور بيعها مقابل نقود في الذمة؛ لأن ذلك من بيع الدين بالدين المجمع على تحريمه.
أما مقارنة القسيمة ببطاقة الائتمان، وفق ما ذكره الأخ في رسالته، فالفرق بينهما من وجوه:
(1)
أن بطاقة الائتمان تصدر من البنك ولا تمثل سلعاً في ذمة البنك، بل ضماناً من المصرف بالسداد، بخلاف القسيمة فإنها تمثل سلعاً في ذمة المحل التجاري، فبيع البطاقة يعني المعاوضة على الضمان، وهو محرم شرعا؛ ً لأنه يؤول إلى الربا.
(2)
أن مشتري البطاقة لا تنتهي مسئوليته بقبض السلع من المحلات التجارية، بل يجب عليه سداد قيمتها للمصرف، فبيع البطاقة في هذه الحالة، حتى لو كانت تمثل سلعاً في الذمة، بمثابة بيع الدين بالدين، وهو ممنوع بالإجماع، بخلاف القسيمة فإن مشتريها لا يترتب في ذمته أي دين، فلا تتضمن بيع الدين بالدين.
(3)
أن البطاقة تسمح بالحصول على النقد من خلال أجهزة الصرف الآلي، بخلاف القسيمة، فبيع البطاقة بيع لحق الاقتراض من البنك، وهو يؤول إلى الاقتراض بفائدة، فقياس بيع القسيمة على بيع البطاقة الائتمانية قياس مع الفارق المؤثر.
وبناء على ما سبق فالأظهر -والله أعلم- هو جواز بيع القسيمة المشار إليها إذا كانت تمثل سلعاً أو منافع في ذمة مصدرها، ولا تسمح لحاملها بالحصول على النقد، وكان ثمنها مدفوعاً نقداً. والله الهادي إلى الصواب، والحمد لله رب العالمين.
(*) مدير مركز البحث والتطوير بالمجموعة الشرعية بشركة الراجحي المصرفية للاستثمار.