الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أجل هذا رفضوا زواجي منه
المجيب حصة البازعي
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ قبل الزواج/تأخر الزواج وعقباته
التاريخ 12/06/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
أنا فتاة تخرجتُ من إحدى الكليات من أسرة معروفة وميسورة، تقدَّم لي شاب وهو ذو خلق ودين وسمعة طيبة، وقد وافقت عليه، وأرجو أن يكون زوجاً لي، ولكن والدي -سامحه الله- لم يقبل به، أما والدتي فهي موافقة عليه، وكذلك عمي، فلا يوجد عائق في المسألة سوى أبي، وأما السبب الذي جعل أبي يرفض فهو أن أحد أقارب الخاطب سيِّئ السمعة، علماً أن أبي يعرف تمام المعرفة بأنني أريد الزواج من هذا الإنسان بالتحديد ولا أقبل بغيره، وقد أعلنت رغبتي هذه على الجميع، فازداد رفض أبي لهذا الزواج، مع العلم أن والدي يعلم بأمور الدين والشرع، ويعلم أن ما يفعلهُ بي هو الحرام بعينه، ولكنه من الناس الذين يتخذون دينهم على هواهم، حيث إنه يفسر الدين على هواه، وقد هددني بأنه سوف يقتلني إذا تزوجتُ هذا الشاب، أو يحرمني من الميراث ويتبرأ مني، أو يطلق أمي إذا ما تمت هذه الزيجة.
ملاحظة: أرجو أن تشرح لي قول الرسول- صلى الله عليه وسلم: "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس"، فوالدي يربط معنى هذا الحديث بالأخلاق، فإنها في نظره تنتقل جينياً مع الأجيال، وليس عن طريق التربية أو الصحبة، سواءً كانت فاسدة أو صالحة، ويحجب النظر عن القول الذي يقول: يخلق الفاسق من ظهر عالم والعالم من ظهر فاسق، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم "من جاءكم من ترضون دينهُ وخلقهُ فزوجوهُ إلا تفعلوا تكن فتنه في الأرض وفسادٌ كبير"، قيل يا رسول الله وإن كان فيهِ؟ قال:"وإن كان فيه فزوجوهُ ثلاثاً".وجزاكم الله خيراً عنا، ووفقكم لخير الأعمال وصالحها.
الجواب
الأخت السائلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد اطلعت على -معاناتك- بسبب رفض والدك لزواجك، وأود في البداية أن أشير إلى بعض الملاحظات التي خرجت بها عند قراءتي لمشكلتك:
أولاً: أعجبني مبادرتك إلى الاستشارة تحرياً للحل السليم لمشكلتك، وهذه ميزة إيجابية بدلاً من التهور أو الاستسلام والعجز.
ثانياً: إن مثل هذه المشكلات كثيرة الحدوث، وإن اختلفت في حدتها وصورتها، وهي تنشأ غالباً من اختلاف الرؤى، ووجهات النظر بين الأجيال.
ثالثاً: أنه لا توجد حلول سحرية للمشاكل، كما أن أحداً لا يستطيع مساعدة صاحب المشكلة أكثر من صاحب المشكلة نفسه، إلا أننا هنا نقدم أو نقترح طرقاً ووسائل قد تساعد السائلة - بإذن الله- على الاستبصار ورؤية الحل أو المفتاح لمشكلتها أو معاناتها بصفة عامة، ومن ذلك:
(1)
اللجوء الصادق إلى الله، وهو مفتاح الحل لكل ما يعانيه الإنسان من آلام وصراعات ومشاكل، ذلك أن نور البصيرة لا ينقدح إلا بالتعلق بالله، وقد يكون حلّ مشكلتك قاب قوسين أو أدنى منك، ولكن حاولي لكي تُبصريه وتتناوليه، إشعال مصابيح الإيمان والتوكل والاستعانة والاستغاثة والخوف والرجاء والدعاء، اجعلي من مشكلتك فرصة عظيمة لتجديد إيمانك، فتتحول نقطة ضعفك هذه وعجزك إلى قوة -بإذن الله-. وإخفاقك إلى نجاح، ففي مثل هذه المواقف يمتحن المؤمن في صلته بالله، ومدى استكانته وتضرعه إلى ربه، وفي صبره وقدرته على العمل، وفي رضاه وأمله، وروحه التي لا تعرف اليأس "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" [يوسف: 87] ، إن صلتك بالله ستمنحك الطمأنينة والبصيرة والأمل، وربما سخر الله لك والدك من حيث لا تعلمين.
(2)
الأمر الآخر الذي قد يخفى علينا جميعاً- خصوصاً عندما نواجه المشكلات -هو أمر (الخيرة) فإن الإنسان- بسبب قلة علمه، وعدم إحاطته بالموضوع وملابساته، والمستقبل وما يخفيه، قد يرغب أو يحرص على حصول أمر ليس في صالحه، وقد يكره أمر هو غاية ما يُصلحه، ولهذا شرعت الاستخارة ليبرأ الإنسان من جهله وعجزه إلى علم الله وقدرته، فإنه تعالى يعلم ولا نعلم، ويقدر ولا نقدر، قال تعالى:"وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم"[البقرة: 216] ، فالاستخارة تُشعر بمعية الله وعونه، فيعلم أن هناك من يعينه فيطمئن، كما تعلمنا أنه لا يوجد حل واحد للمشكلات، فهناك خيارات أخرى قد تكون هي الأفضل، وأن دورنا هو تحري الصواب والحق والخير، وهذا لا يعلمه أحد إلا الله، مما يقلل من الضغط النفسي عند محاولة اتخاذ أي قرار.
(3)
والمطلوب منك -يا أختاه- تحري ما فيه خيرك في الدنيا والآخرة، والإلحاح على الله عز وجل مع الاستمرار في بذل الجهد المستطاع للخروج من معاناتك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"استعن بالله ولا تعجز" رواه مسلم (2664) ، فحاولي كما تحاولين اليوم ولا تيأسي أبداً، واعلمي أنك صاحبة الدور الأكبر في حل مشكلتك، وتأكدي أنك تملكين – بإذن الله- القدرة على ذلك، فأنت تعانين، وهذا أكبر دافع للبحث عن مخرج.
حاولي الاقتراب من أبيك، دعيه يشعر من قرب بمعاناتك، واستعيني ببعض الوسطاء للتأثير عليه وشرح وضعك له، وابتعدي عن الجفاء والبعد والعناد، فهذا يزيد من سخط النفوس وتنافرها.
(4)
أما حديث "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس" فليس بحديث بهذه الصيغة، وهو مركب من حديثين كلاهما في سنده ضعف، ولا يحتج به، إلا أن بعض أهل العلم يرون ضرورة المكافأة في النسب بين الزوجين، كما أن أعراف الناس -وهي ما تعارفوا عليه من تقاليد وعادات- التي لا تنافي أصول الدين ينبغي مراعاتها، خصوصاً إذا كانت مخالفتها تؤدي إلى مفسدة أشد، وهو ما تخشى منه الأخت السائلة، وفقك الله إلى ما يحبه ويرضاه.
(5)
أوصيك ثم أوصيك بعدم التهور، فإن الزوج يعوِّض بزوج آخر، أما الأبوان فلا عوض عنهما، فإياك وسخط الوالدين، وحاولي قدر المستطاع التودد إليهما، وطلب رضاهما، ففي ذلك رضا الله تعالى، واعلمي أن ذلك هو - بإذن الله- عين الصواب مهما كان صعباً، وستعلمين -بإذن الله- إن عاجلاً أو آجلاً صدق ما أقول لك، وفوضي أمرك إلى الله، والله بصير بالعباد.