الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم أعد أرغب في الزواج
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ قبل الزواج/تأخر الزواج وعقباته
التاريخ 27/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
من كثرة ما عشت ورأيت من المشاكل بين أخواتي وأزواجهن وبين إخواني وزوجاتهم لم أعد أرغب في الزواج؛ لأني قرأت في كتاب الله أن الزواج أساسه السكن والمودة، والرحمة، وفي سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام كذلك، ورأيت أن هذه الأمور لم تعد موجودة في هذا الزمن إلا من رحم ربي، وهم قليل جداً، إذاً أقول لنفسي لماذا الزواج؟ هل لأكون مثل أخواتي أو زوجات إخواني فلا أريد ذلك، ولا أريد أن أنجب أطفالاً يعيشون في وسط غير صحي، فما رأيك يا شيخي بهذا؟ ولك مني جزيل الشكر. وأسأل الله أن يحفظك من كل سوء.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا، والصلاة والسلام على النبي المصطفى - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أما بعد:
إلى الابنة الفاضلة: -أسال الله أن يرزقنا وإياك الفردوس الأعلى في الجنة- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بدايةً نشكر لك زيارة موقع الإسلام اليوم، وتفاعلك مع نافذة الاستشارات، فمرحباً بك -ابنتي الكريمة- زائرة مباركة على الموقع.
أما بخصوص ما سألتِ عنه فمستعيناً بالله أقول: من الممكن أن يحدث ما سألت عنه، ولكن في الحدود النادرة على أغلب ظني - إن لم يكن يقيناً- إذ لا يعقل أن الإنسان تصدر منه أفعال تسيء للآخرين دون أي إساءة من الطرف الآخر، وخصوصاً إذا كان بينهما علاقة حميمة كعلاقة الزوجين.
ولكن أود أن أقول ربما أنه يصدر من أحد الأطراف بعض التصرفات، ويظنها تصرفات عادية، ولكن الطرف الثاني يحملها على غير ذلك، ربما لفرط حساسيته أو غير ذلك من الأسباب، وربما تكون تصرفات غير عادية بالفعل مما تجعل الطرف الثاني يصدر منه ردة فعل غير لائقة للطرف الأول.
وعلى كلٍّ نحن عند عرض الحلول في مثل هذه المشاكل لا نلقي باللوم على طرف واحد، بل نتحدث مع جميع الأطراف، ونذكر ماله وما عليه، وما نفعله أننا ننبه على أمور قد لا يفطن لها بعض الأطراف تكون هي سبب المشكلة من أساسها، وقد رُئى في جوابي لهذه الأخت ولغيرها في مثل حالتها أنني بعدما تحدثت معها وجهت الكلام إلى الزوج أيضاً؛ لأن من العدل أن نتكلم مع الطرفين بإنصاف دون تحيز لطرف على حساب الآخر.
أما كونك لم تعد عندك رغبة للزواج لما رأيته من أحوال إخوانك مع زوجاتهم، أو حال أخواتك مع أزواجهن، فهذا كله وغيره لا يسوغ لك شرعاً الإعراض عن الزواج؛ لأن الزواج من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من رغب عن سنتي ليس مني" أخرجه البخاري (5063) ، ومسلم (1401) .
ابنتي الغالية: الحياة الزوجية ليست متمثلة فيما رأيت وشاهدت ممن ذكرت، ولكن الحياة أوسع من هذا كله، فلا داعي للتشاؤم، ودعي عنك هذه الأفكار السوداوية للحياة الزوجية، وإني سائلك فأجيبي: هل أخواتك أو زوجات إخوانك ملتزمات بشرع الله ويعلمن الحقوق الزوجية التي يجب عليهن أداؤها تجاه أزواجهن؟ وكذلك السؤال موجه للرجال، من إخوانك، وأزواج أخواتك، هل هؤلاء ملتزمون بشرع الله، ويعلمون ما لهم من حقوق، وما عليهن من واجبات فيؤدونها، أم ماذا؟
سؤال آخر: هل قام الزواج بين من ذكرت على أي أساس، بمعنى: ما هي المعايير التي تم بها الزواج؟ هل هي معايير دينية شرعية أم معايير دنيوية؟!.
بنيتي: لقد وضع لنا الشارع الحكيم ضوابط لكل شيء فمن سار على هذه الضوابط نجا، ومن تخلف عنها هلك، ومن ذلك بخصوص أمر الزواج، فالزواج أمره عظيم، وخطبه جسيم، لذا سماه ربنا - جل وعلا- الميثاق الغليظ، ولذا أحاطه بسياج قوي؛ لحمايته من الانهيار، فكانت أول هذه المبادئ مسألة الاختيار بالنسبة للزوجين، فحث الشباب على أن يتزوجوا من صاحبة الدين فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" متفق عليه البخاري (5090) ، ومسلم (1466) .
وكذلك حث الفتاة وولى أمرها على أن توافق على صاحب الدين إذا جاء يخطبها، فعن أبي حاتم المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ " أخرجه الترمذي (1085) بإسناد حسن.
وعلى ذلك -يا بنيتي- عليك بالالتزام بشرع الله في كل شؤون حياتك، وعليك بالزواج من الرجل الصالح، صاحب الدين والخلق القويم، والذي يعرف حدود الله ويتقيه، فهو يعمل بقوله -تعالى- "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" [البقرة:229] .
وقد سئل بعض السلف هذا السؤال: "جاء رجل يسأل أحد أئمة السلف، أظنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أو الحسن البصري - رضي الله تعالى عنه- المهم قال له: يا إمام إلى من أزوج ابنتي؟ قال: لا تزوجها إلا لتقي، قال له الرجل: ولِمَ؟ قال الإمام: إذا أحبها أكرمها، وإذا كرهها فلم يهنها"، قلت: وهذا تفسير قوله - تعالى-: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".
فيا بنيتي: عليك أن تستفيدي من التجارب التي تمر بك، وحاولي أن تكون حياتك حياة طيبة مباركة بعيدة عن أسباب الخلاف والشقاق، تكون حياة ملؤها السعادة والفرح، وذلك لا يكون إلا إذا أسس البيت الأسري على تقوى من الله من أول يوم، ولا يغرنك كثرة الهالكين، فليس العجب فيمن هلك كيف هلك، ولكن العجب فيمن نجا كيف نجا، فاسلكي أسباب النجاة تحمدي العقبى.
هذا والله أعلم، والله أسأل أن يقر عينك بالزوج الصالح، والحياة الطيبة السعيدة؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، ونحن في انتظار تواصلك معنا، هذا وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.