الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرغبة عن الزواج
المجيب يوسف بن أحمد القاسم
المحاضر بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ قبل الزواج/تأخر الزواج وعقباته
التاريخ 17/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قررت عدم الزواج لهذه الأسباب
1/ البلد الذي أعيش فيه لا أضمن أنني أستطيع أن أربي فيه أولادي تربية صحيحة، والشواهد عندي كثيرة جداً (أرى وأسمع قصص وروايات) ، طبعاً لا تستطيع أن ترمي بابنك أو ابنتك في البحر مقيداً ثم تقول له إياك ثم إياك أن تبتل بالماء، بلدي الأصلي أسوأ من هنا، لا أدري شيخي الكريم إن كنت تعلم هذا أم لا (إرتيريا) ..
2/تكاليف الزواج غريبة عجيبة لا تحتاج إلى تفصيل.
3/ أقسم بالله العظيم لم أر السعادة في وجوه المتزوجين بل العكس.
4/أسرتي الفقيرة الكبيرة العدد حفظهم الله وهم في حاجة إلى مساعدتي بعد الله عز وجل.
عمري 32 عاماً، أحيط نفسي بصحبة طيبة، أغض بصري قدر المستطاع، أحياناً أستمني؛ لكنني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأحب كل أهل السنة والجماعة.
أخيراً شيخي الفاضل توصلت إلى هذه الفكرة (عدم الزواج مطلقاً) . السؤال: هل هذا حرام أن الشخص يقرر عدم الزواج مطلقاً؟ علماً أن شيخ الإسلام ابن تيميه لم يتزوج، وكذلك الإمام النووي رحمهم الله. هذا، وجزاكم الله كل خير.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فهذا الحل أو هذه الفكرة التي توصلت إليها غير مجدية؛ لأنك كالمستجير من الرمضاء بالنار، فهذه الغريزة الجنسية لا تستطيع أن تطفيء لهبها بهذه العادة السرية؛ لأنها في الواقع لا تزيدك إلا شوقاً نحو تلك اللذة، ولذا فإنه لا يمكن أن تطفيء هذه الشهوة أو الغريزة إلا بما يوافق الطبيعة التي طبع الله الناس عليها، وذلك بالزواج وحسب، ولا بالرهبانية أو بالسبل الأخرى المنافية للفطرة، ولذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الصحابي رضي الله عنه الذي قال:"لا أتزوج النساء"، بقوله:"ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" والحديث مخرج في الصحيحين البخاري (5063) ، ومسلم (1401) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ثم أخبر عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر أن الذي يطفئ هذه الغريزة هو إتيان الزوجة، فقال:"إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه" أخرجه مسلم في صحيحه (1403)، وأوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة، فأتى امرأته زينب وهي تَمْعَس منيئةً لها - أي وهي تدلك جلداً لها- فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه رضي الله عنهم فقال: "إن المرأة تقبل
…
" الحديث، وقد علق النووي على هذا الحديث في شرحه على صحيح مسلم (9/178-179)، فقال: قال العلماء: (إنما فعل هذا بياناً لهم وإرشاداً لما ينبغي لهم أن يفعلوه، فعلمهم بفعله وقوله
…
) ا. هـ.
هذا إذا قدر على مؤن النكاح، فإن عجز عن مؤمن النكاح ونفقاته فقد أرشد نبينا –صلى الله عليه وسلم إلى ما يطفئ هذه الغريزة بالوسيلة المباحة والناجعة، حيث قال صلى الله عليه وسلم:"يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء" أخرجه البخاري (4779) ، ومسلم (1400) من حديث ابن مسعود – رضي الله عنه.
قال الحافظ ابن حجر تعليقاً على هذا الحديث كما في الفتح (9/112) : "واستدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء؛ لأنه أرشد عند العجز عن التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة، فلو كان الاستمناء مباحاً لكان الإرشاد إليه أسهل" ا. هـ.
بقي أن نقول: إذا كان المجتمع الذي تعيش فيه يعج بالفساد والمغريات والفتن، فهاجر منه إلى بلدٍ آخر تأمن فيه على نفسك، وعلى أولادك، ولا يكن هذا الأمر عائقاً لك عن الزواج، لا سيما وأنت خائف للعنت، وواقع في ورطة الشهوة، وقد قرر عامة أهل العلم، أن النكاح واجب على من هذا حاله إذا كان قادراً عليه، كما أفاده ابن قدامة في المغني (9/341) ؛ لأن المسلم يجب عليه أن يعف نفسه، ويصونها عن الحرام، ولتكن قدوتك حبيبك محمداً – صلى الله عليه وسلم، فهو الأسوة، وهو أخشانا لله وأتقانا له، لا شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله ولا غيره من علماء الدين والملة، علماً بأن أولئك الأئمة، ما تركوا النكاح رغبة عنه ولا زهداً فيه، وإنما لأن أحدهم كان مثقل الظهر بهموم العلم والدعوة والجهاد، ولهذا لما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (32/5)، عن شاب أو رجل أصابه سهم من سهام إبليس المسمومة- في إشارة إلى الوقوع في الشهوة المحرمة- فأجاب:(من أصابه جرح مسموم فعليه بما يخرج السهم ويبرئ الجرح بالترياق والمرهم، وذلك بأمور: منها: أن يتزوج أو يتسرى؛ فإن النبي –صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نظر أحدكم إلى محاسن امرأة فليأت أهله؛ فإنما معها مثل ما معها" رواه الترمذي (1158) وأصله عند مسلم (1403) ، من حديث جابر – رضي الله عنه، وهذا مما ينقص الشهوة، ويضعف العشق.
الثاني: أن يداوم على الصلوات الخمس، والدعاء، والتضرع وقت السحر، وتكون صلاته بحضور قلب وخشوع، وليكثر من الدعاء بقوله:"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك وطاعة رسولك" فإنه متى أدمن الدعاء والتضرع لله صرف قلبه عن ذلك، كما قال تعالى: "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين
…
" [يوسف:24] ا. هـ.
وأما قولك – أيها السائل الكريم-: (لم أر السعادة
…
) فهو غريب وربما لم تحظ – كما حظي غيرك- برؤية زوجين ينعمان بحياة زوجية سعيدة، وحسبنا قول نبينا –صلى الله عليه وسلم:"خير متاع الدنيا المرأة الصالحة" أخرجه مسلم (1467) من حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: "لم ير للمتحابَّين مثل النكاح" أخرجه ابن ماجة في سننه (1847) ، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/94)"هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات" ا. هـ.
وقد علق على هذا الحديث ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (ص364-367) بقوله: "فنكاح المعشوقة هو دواء العشق الذي جعله الله دواءه شرعاً وقدراً، وبه تداوى داود صلى الله عليه وسلم
…
ولا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد حبب إليه النساء، كما عند النسائي (3939) وأحمد (11884) عن أنس رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حبب إلي من الدنيا النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة
…
"، وهذا خليل الله إبراهيم إمام الحنفاء صلى الله عليه وسلم كان عنده أجمل نساء العالمين، وأحب هاجر وتسرى بها، وهذا سليمان عليه السلام كان يطوف في الليلة الواحدة على تسعين امرأة، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب الناس إليه؟ فقال: "عائشة" رواه البخاري (3662) ومسلم (2384) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، وقال عن خديجة "إني قد رزقت حبها" رواه مسلم (2435) من حديث عائشة رضي الله عنها، فمحبة النساء من كمال الإنسان، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "خير هذه الأمة أكثرها نساء
…
" رواه البخاري (5069) ا. هـ. هذا، والله -تعالى- أعلم وأحكم.