الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعقيب على فتوى (اشتراط الغرامة المالية لأجل التأخير)
د. سامي بن إبراهيم السويلم 2/5/1427
29/05/2006
نشرت فتوى بعنوان: (اشتراط الغرامة المالية لأجل التأخير) ، للشيخ الدكتور/ سامي بن إبراهيم السويلم "باحث في الاقتصاد الإسلامي"، وقد ورد إلى الموقع تعقيب على الفتوى المذكورة من أحد الإخوة الزوار، وبعد عرضه على الشيخ أجاب بما يلي:
التعقيب:
آمل من فضيلة الدكتور بيان كيف كانت المسألة من قبيل ربا الجاهلية، ووجه السؤال أن الغرامة ليست في جانب دافع المال، وإنما في جانب بائع البضاعة -إن كان فهمي صحيحاً- وهذه الغرامة فيما يظهر لي من قبيل الشرط الجزائي. ولو أن التحريم بني على ما فيها من الضرر البالغ فلا إشكال. مجرد تساؤل أرجو أن يتسع له صدر فضيلة الدكتور. وشكراً للجميع.
الرد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أشكر الأخ الكريم على ملاحظته، وأرجو ألا يبخل القارئ بما يراه لأن هذا من النصيحة في الدين التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
وأود أن أنبه الأخ إلى أن السؤال نص على أن الغرامة هي ألف ريال لكل يوم تأخير، دون أن يذكر تحديداً للحد الأقصى من الغرامة، ودون أن يربط الغرامة بالضرر الواقع على المشتري.
وهذا يعني أنه بمجرد مضي الوقت يستحق المشتري مبلغ ألف ريال على البائع دون أي مقابل. ولا ريب أن هذا الشرط بهذه الصيغة من الظلم البين على البائع، ومن أكل المال بالباطل بالنسبة للمشتري، لأنه يحصل على هذا المبلغ دون أي مقابل لمجرد مضي الزمن، وهذا هو الظلم الحاصل في ربا الجاهلية، حيث يحصل الدائن على مبالغ مالية لا لشئ إلا لمجرد تأخر المدين في السداد.
والشرط الجزائي الذي أجازه مجمع الفقه وهيئة كبار العلماء له شروط تحول بينه وبين أن يكون من باب الربا. فليس في الشرط الجزائي غرامة مفتوحة مرتبطة بمجرد التأخير، بل إما أن تكون مرتبطة بالضرر الذي تحمله الطرف الآخر، وإما أن تكون محددة بما لا يتجاوز مبلغاً محدداً (5% مثلاً من قيمة العقد) ، وفي هذه الحالة يعتبر الشرط الجزائي نظير العربون، كما أشار لذلك عدد من البحوث التي تناولت الموضوع (انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة 12، مجلد 2) . وفي جميع الأحوال لا يمكن أن تصل غرامة التأخير إلى ما يساوي ثمن المبيع كله (أي 100% من قيمة العقد) لأن هذا يناقض أصل العقد القائم على المعاوضة، ويجعل الشرط سبباً للكسب وليس المبيع الذي هو سبب العقد ابتداء.
وأما ما أشار له الأخ بأن الغرامة هي من جانب البضاعة وليس من جانب النقد، فإن هذا لا ينفي عنها الربا، كما أن الفائدة يمكن أن تكون خدمة، أو سلعة، إذا اشترطت في الدين ولا يلزم أن تكون نقوداً.
فالزيادة في الدين مقابل التأخير ربا مطلقاً، سواء كان الدين نقوداً أو سلعاً، وسواء كانت الزيادة نقوداً أو سلعاً، ولهذا منع المجمع الشرط الجزائي في السَّلَمْ لأنه زيادة في الدين، مع أن الدين سلعة وليس نقوداً.
والشرط الجزائي المتضمن للتعويض المالي، يشترط فيه ما يلي:
1.
ألا يكون التعويض على المدين في عقد مداينة، فلا يجوز اشتراط التعويض على البائع في عقد السَّلَمْ، ولا على المشتري في البيع الآجل. وكذلك لا يكون على المشتري في عقود الاستصناع والتوريد ونحوها. ومن الفقهاء المعاصرين من يمنع التعويض عن التأخير مطلقاً في كل العقود لأن فيه شبهة ربا النسيئة (راجع بحوث المجمع ومناقشاته) .
2.
أن يرتبط التعويض بالضرر الذي يلحق بالمشتري في عقود المقاولات والاستصناع والتوريد. وقد نص قرار المجمع على أن الضرر هنا يشمل الضرر المالي الفعلي، ولا يشمل الضرر الأدبي، أو المعنوي، ولا فوات الكسب المحتمل.
3.
أن يكون هذا الضرر ناتجاً عن تفريط البائع وإهماله في الالتزام بالعقد، وليس لأمر خارج عن إرادته. كما لا يصح اشتراط التعويض إذا كان الضرر ناتجاً عن سبب آخر لا علاقة له بالبائع، ولا إذا انتفى الضرر.
4.
وقد نص عدد من الفقهاء على أنه لا يجوز أن يتجاوز مقدار التعويض عن الضرر المالي قيمة الصفقة الإجمالية (كما في بحوث المجمع ومناقشاته) ، لئلا يجتمع للمشتري الثمن والمثمن، فيفضي إلى الربح بدون مقابل. كما أنه من المقرر عند الفقهاء أن ضمان المتلفات يكون بالمثل أو بالقيمة، فإذا تأخر البائع في تسليم المبيع فإنه على أسوأ الأحوال يكون كما لو أتلف المبيع، فليس عليه حينئذ سوى المثل أو القيمة. فلا يجوز اشتراط تعويض مالي يزيد عن قيمة الصفقة (كما أفاده فضيلة الشيخ علي الندوي) .
وفي الصورة محل السؤال فإن الغرامة وإن كانت على البائع لكنها غير محددة بالضرر، بل بمدة التأخير فحسب. وهذا لا يمكن أن يكون مقبولاً لأنه يؤدي إلى أن يربح المشتري من مجرد التأخير، وهذه هي حقيقة الربا. كما أنه يؤدي إلى أن يربح المشتري أكثر من قيمة الصفقة، فيكون كسباً دون مقابل وأكلاً للمال بالباطل. كما أنها تؤدي إلى ظلم البائع بتحميله مبالغ طائلة تتجاوز ما يستحقه المشتري. فسبب المنع هنا أمران: الظلم والربا، وهما متلازمان. والله تعالى أعلم.