الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مناقشة فتوى صيام يوم لنصرة فلسطين
د. رياض بن محمد المسيميري 24/2/1423
07/05/2002
لقد نشرت فتوى الدكتور/ رياض بن محمد المسيميري والتي كانت تحت عنوان: (تخصيص صيام يوم وقيامه لنصرة فلسطين) بين أصحابي
وكان رد أحدهم كما يلي، وأرجو من المشايخ الأفاضل توضيح هذه النقطة ولكم جزيل الشكر، إخواني وأخواتي في الله، عندما ينادى بنا لتخصيص يوم للقيام بعبادة معينة جماعيا بنية الدعاء لإخواننا المستضعفين في أرض الله المقدسة لا يدرج تحت بند البدعة؛ لأنه -والله أعلم بالنيات- النية التوجه لله وحده لا شريك له، على عكس كثير من أعمالنا اليوم نعتمد على المخلوق أولاً -والعياذ بالله- ثم الخالق، إذا كنا إخواني لم نتجمع على كلمة واحدة في الدنيا فاتركونا نتجمع ولو لفترات قصيرة على كلمة ورأي واحد مقصده ابتغاء مرضاة الله عنا؛ لأنه يا إخواني لن تنزل بنا نصرة الله ونحن لم ننل مرضاته عنا. أخيراً أحب أن أشارككم حكمة سمعتها " من وجد الله فماذا فقد؟ ومن فقد الله فماذا وجد؟ " تأملوا معناها، وهيا نجد الله في كل أعمالنا، وحتى لا نغضب أصحاب الرأي الموافق لهذه الفتوى فإن وجدنا الله حقاً فلِمَ تمنعني من تخصيص أيام للعبادات دون غيرها؛ لأنه والله عندما يرضى الله عنا ستكون جميع أعمالنا عبادة.
في حديث قدسي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، -معنى الحديث-: "مازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى صرت بصره الذي يبصر به، وسمعه الذي يسمع به، ويده التي يبطش بها
…
" إلى آخر الحديث، فطوبى لمن نال هذا الشرف والتقدير العظيم، وبالتأكيد لن يكون حال المسلمين كما هو عليه اليوم إن نلنا هذه المنزلة، ووالله العملية ليست بصعبة، فقط أردت الرد على هذه النقطة المطروحة في رد الشيخ على الفتوى، واستناده بالتالي:" وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام أو يومها بصيام، فقال:"لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" أخرجه مسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومن هنا يتبين أن أصل التطوع بالصيام والقيام مشروع، لكن التخصيص بأيام أو ليال معينة لا يجوز إلا في حدود المنصوص عليه والوارد شرعاً، وبناءً عليه فإن تخصيص يوم الاثنين الموافق السابع والعشرين من شهر الله المحرم بالصيام، وليلة الأحد بالقيام لنصرة فلسطين أمر محدث لا يجوز بالكيفية التي قصدت، حديث الرسول واضح وصريح والكلام عن يوم الجمعة بالذات ولا تلميح فيه أنه يطبق على أي يوم. فلا يكفي لعدم إجازة موضوع الفتوى المطروح. هذا والله أعلم.
أجاب عن السؤال الشيخ/ د. رياض بن محمد المسيميري (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام)
الجواب:
إنني أشكر الأخ صاحب التعقيب على أدبه الجمّ، ورغبته الشجاعة في التوصل إلى حقيقة الأمر في القضية محل البحث والمناقشة، أعني: تخصيص يوم للصيام وليلة للقيام نصرة لفلسطين العزيزة.
وملخص ما أود الإعراب عنه ما يلي:
1-
أن الله -تعالى- تولى بعدله وحكمته تشريع ما يحتاجه العباد وما تقتضيه الحكمة، دون أن يخوّل لأحد من البشر التقدم بين يديه -سبحانه- أو بين يدي رسوله عليه السلام.
قال -جل وعز-: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله"، (الشورى) .
2-
أن الله -تعالى- أعلن كمال الدين، وتمام النعمة بقوله الكريم:"اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا"، فليس لأحد أن يجيء بجديد أو يبتدع من عند نفسه عبادة لا أصل لها مهما حسنت نيته، وسما قصده، وعلت همته.
3-
أن العبادات مبنية على التوقيف أي: على الشارع الحكيم -سبحانه- فلا تخضع للأذواق، ولا تنطلق من الأهواء، ولا يمليها العقل البشري.
أرأيت صلاة الظهر والعصر، ما بال ركعاتهن أربع فأربع؟ ولمَ لم تكن خمساً؟ إن العقل يعجز عن تفسير أمر كهذا فما عليه إلا أن يذعن للإرادة الإلهية، ويرضخ للحكمة الربانية الباهرة.
4-
أننا لو أخضعنا عباداتنا للمقاييس العقلية، والمعايير الحسابية والأذواق الشخصية لوقعنا في دوامة من الحيرة والقلق، ولوجدنا أنفسنا ندور في حلقة مفرغة، بل نتخبط في متاهة مهلكة من الفتاوى المتضاربة، والانتقادات التعبدية المتصادمة، والأحكام الفقهية المتناقضة دون أن نجد مرجعية يتفق عليها الجميع لحل النزاعات المستشرية تلك، فلا مناص إذاً من ردّ النزاع في كل مسألة من المسائل أو قضية من القضايا إلى الله ورسوله عليه السلام امتثالاً لقوله -سبحانه-:"فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول"، (النساء) .
وإذا رددنا المسألة هذه إلى الله ورسوله عليه السلام وجدنا نبينا قد نهى عن محدثات الأمور ووصفها بأنها ضلالات، ومن ذلك تخصيص أيام وليال للتعبد خلاف ما شرع وسنّ عليه الصلاة والسلام.
أما ما ذكر السائل الكريم من قوله عليه السلام: "مثل المؤمنين في توادهم
…
" الحديث فهو حديث صحيح لا مطعن فيه خرجه مسلم وغيره، ولكن لا وجه للاستشهاد به في مسألتنا هذه فنحن نمنع إحداث عبادات بلا دليل ولا نمنع أن يتواد المؤمنون ويتراحموا ويعطف بعضهم على بعض، بل شيوع المودة والمرحمة والمحبة بينهم هو غاية المنى، وبهجة الصدور ويمكن أن نحقق شيئاً من هذا المطلب بدوام الدعاء لبعضنا البعض، ووقوف بعضنا مع بعض في السراء والضراء، وهكذا.
وأما دعوة وأمنية السائل بأن نجتمع ونتوحد فهذا مطلب لكل مسلم غيور، وينبغي أن يسعى إليه الجميع لكن لا سبيل للاجتماع إلا بذات الأسلوب والمنهج والركيزة التي اجتمع عليها سلفنا الصالح من التسليم المطلق إلى حكم الله ورسوله، ونبذ الأهواء المضلة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه.
وأما الحكمة التي أعجبت السائل: (من وجد الله فماذا فقد
…
إلخ) ، فأحسن وأبلغ منها قوله -تعالى-:"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"، فمن ادّعى محبة الله فليثبت صدق محبته بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة من أمور شريعته، ولذا سمّى العلماء هذه الآية آية المحنة؛ لأن فيها امتحان لصدق الناس من كذبهم في مسألة المحبة.
وأما الحديث القدسي الذي استدل به الأخ الكريم فهو حديث صحيح كذلك، لكن نيل محبة الله بأداء الفرائض والنوافل لا تتحقق إلا إذا كانت الفرائض والنوافل تؤدى بإخلاص لله -تعالى- وبمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ثانياً أي: حسب السنة، وعلى سبيل المثال لو أراد أحد أن يصلي نافلة بعد العصر، فهل يؤجر عليها؟ الجواب: لا طبعاً مهما كان مخلصاً محتسباً، وذلك لأن النبي عليه السلام جعل هذا الوقت من أوقات النهي الثلاثة، فلا تجوز مخالفته أليس كذلك؟ وعلى هذا قس، والله يرعاك والسلام.