الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في الطواف واستلام الحجر الأسود والركن اليماني وما جاء في فضلهما وفضل المقام ودخول البيت
1756 -
عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر رضي الله عنه أَنه سمع أَبَاهُ يَقُول لِابْنِ عمر رضي الله عنهما مَا لي لَا أَرَاك تستلم إِلَّا هذَيْن الرُّكْنَيْنِ الْحجر الْأسود والركن الْيَمَانِيّ فَقَالَ ابْن عمر إِن أفعل فقد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن استلامهما يحط الْخَطَايَا قَالَ وسمعته يَقُول من طَاف أسبوعا يُحْصِيه وَصلى رَكْعَتَيْنِ كَانَ كَعدْل رَقَبَة قَالَ وسمعته يَقُول مَا رفع رجل قدما وَلَا وَضعهَا إِلَّا كتب لَهُ عشر حَسَنَات وَحط عَنهُ عشر سيئات وَرفع لَهُ عشر دَرَجَات رَوَاهُ أَحْمد وَهَذَا لَفظه.
وَالتِّرْمِذِيّ وَلَفظه إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن مسحهما كفَّارَة للخطايا وسمعته يَقُول لَا يضع قدما وَلَا يرفع أُخْرَى إِلَّا حط الله عَنهُ بهَا خَطِيئَة وَكتب لَهُ بهَا حَسَنَة.
1757 -
وَرَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَلَفظه قَالَ إِن أفعل فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مسحهما يحط الْخَطَايَا وسمعته يَقُول من طَاف بِالْبَيْتِ لم يرفع قدما وَلم يضع قدما إِلَّا كتب الله لَهُ حَسَنَة وَحط عَنهُ خَطِيئَة وَكتب لَهُ دَرَجَة وسمعته يَقُول من أحصى أسبوعا كَانَ كعتق رَقَبَة.
1758 -
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه مُخْتَصرا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مسح الْحجر والركن الْيَمَانِيّ يحط الْخَطَايَا حطا
(1)
.
(1)
أحمد (4462)، والترمذي (959)، والحاكم (1/ 489)، وابن خزيمة (2753)، وابن حبان (3698)، وأبو يعلى (5668)، والطيالسي (1899)، والطبراني في الكبير =
قَالَ الْحَافِظ رَوَوْهُ كلهم عَن عَطاء بن السَّائِب عَن عبد الله.
قوله: عن عبد الله بن عبيد، أبو عبد الله بن عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد أبو عاصم الليثي ثم الجندعي المكي
(1)
، قاضي أهل مكة، قال مسلم: ولد عبيد بن عمير في زمان النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
، روى عن أبي وعمر وعلي وعائشة وأبي موسى وأبي هريرة وابن عباس وطائفة، وثقه أبو زرعة وجماعة وكان من أبلغ الناس، وكان يبكي حتى [بل الحصى بدموعه]
(3)
، وكان إذا آخى في الله تعالى استقبل به القبلة وقال: اللهم اجعلنا سعداء بما جاء به نبيك واجعله شهيدا علينا بالإيمان
(4)
، قيل: إنه مات قبل ابن عمر، وقيل: سنة أربع وسبعين
(5)
أ. هـ، قاله في شرح الإلمام.
قوله: أنه سمع أباه يقول لابن عمر رضي الله عنهما ما لي لا أراك تستلم إلا هذين الركنين الحجر الأسود والركن اليماني؟ فقال ابن عمر رضي الله عنه: إن أفعل فقد
= (13439)، والبيهقي في السنن (5/ 110)، والنسائي في الكبرى (3951) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6380).
(1)
التاريخ الكبير للبخاري (1479)، تاريخ الإسلام (2/ 860).
(2)
الاستيعاب (3/ 1018)، وتهذيب الكمال (19/ 223).
(3)
كذا هو في الأصل وإنما المعروف أنها حكاية عن ابن عمر فقد قال في تهذيب الكمال (19/ 224 - 225): عن العوام بن حوشب: رأى ابن عمر في حلقة عبيد بن عمير وكان من أبلغ الناس يبكي حتى بل الحصى بدموعه.
(4)
وتمام كلامه: وقد سبقت لنا منك الحسنى غير متطاول علينا الأمد ولا قاسية قلوبنا ولا قائلين ما ليس لنا بحق ولا سائليك ما ليس لنا به علم.
(5)
تهذيب الكمال (16/ 223 - 225 ترجمة 3730).
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن استلامهما يحط الخطايا حطا"
(1)
الحديث، فالاستلام هو المسح باليد بلا خلاف، واستلم الركن معناه: مسحه بيده مشتق من السلام الذي هو التحية ولذلك سمي المحيا أي أن الناس يحيونه بالسلام لأن أهل اليمن يسمون الركن الأسود المحيا وقيل مشتق من السلام بكسر السين وهي الحجارة
(2)
.
اعلم أن للبيت الحرام أربعة أركان: ركنان يمانيان وأما الآخران فيقال لهما الشاميان فالركن الأسود هو الذي في ركن الكعبة القريب بباب البيت من جانب المشرق ويقال له وللركن اليماني الركنان اليمانيان وارتفاع الحجر الأسود من الأرض ذراعان وثلثا ذراع، قاله الأزرقي
(3)
، قال: وذرع ما بين الركن الأسود والمقام ثمانية وعشرون ذراعًا
(4)
وروي الأزرقي في فضله وما يتعلق به أشياء كثيرة، قال [التيمى] الركنان اللذان يليان الحجر ليسا بركنين
(1)
أخرجه الترمذي (959)، والنسائي في الكبرى (3951)، وأبو يعلى (5687)، وابن خزيمة (2753)، والحاكم 1/ 489، وابن خزيمة (2753) وقال الترمذي: حديث حسن، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على ما بينتُه من حال عطاء بن السائب، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، قال الهيثمي، وقال: روى ابنُ ماجه بعضه، رواه أحمد، وفيه عطاء بن السائب، وهو ثقة، ولكنه اختلط. قلنا: هذا ليس من شرطه، فقد رواه الترمذي. المجمع الزوائد (3/ 240 - 241).
(2)
النهاية (2/ 365)، وشرح النووي على مسلم (9/ 8 - 9).
(3)
أخبار مكة (1/ 317)، وشرح النووي على مسلم (9/ 14)، والكواكب الدراري (8/ 116 و 123 - 124).
(4)
أخبار مكة (1/ 317).
أصليين لأن وراء ذلك الحجر وهو من البيت فلو رفع جدار الحجر وضم إلى الكعبة في البناء كما كان على بناء إبراهيم عليه السلام يستلمان
(1)
أ. هـ.
فالركن الأسود فيه فضيلتان: إحداهما: كونه على قواعد إبراهيم عليه السلام، والثانية: كونه فيه الحجر الأسود، وأما اليماني ففيه فضيلة واحدة وهي كونه على قواعد إبراهيم، وأما الركنان الشاميان فليس فيهما شيء من هاتين الفضيلتين فلهذا اختص الأسود بشيئين الاستلام والتقبيل للفضيلتين، وأما اليماني فيستلم ولا يقبل لأن فيه فضلية واحدة؛ وأما الشاميان فلا يستلمنا ولا يقبلان، وقد أجمعت الأمة على استحباب استلام الركنين واتفق الجماهير على أنه لا يمسح الركنين الآخرين واستحبه بعض السلف وممن كان يرى استلامهما الحسن والحسين وابن الزبير وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعروة بن الزبير وأبو الشعثاء
(2)
، قال القاضي أبو الطيب: أجمعت أئمة الأمصار على أنهما لا يستلمان، قال وإنما فيه خلاف لبعض الصحابة والتابعين
(3)
وعن بعض الصحابة أنه كان يستلم الأركان كلها ويقول ليس شيء من البيت مهجورا
(4)
وكذا نقل عن الشافعي أنه قال وأي البيت قبل
(1)
الكواكب الدراري (8/ 124).
(2)
المجموع (8/ 58)، وشرح النووي على مسلم (9/ 14).
(3)
شرح النووي على مسلم (9/ 14) وزاد: وانقرض الخلاف.
(4)
الحاوى ونقله عن عبد الله بن الزبير (4/ 137) وأخرجه ابن أبي شيبة (14995) عنه، ومعروف عن معاوية أخرجه البخاري (1608)، والترمذي (858).
فحسن
(1)
والله أعلم.
وكان ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم يقبل يده وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله
(2)
ومنه يؤخذ استحباب تقبيل اليد بعد استلام الحجر الأسود وهذا محمول على من عجز عن تقبيله وإلا فالقادر يقبله
(3)
ويستحب تقبيله في أول الطواف
(4)
ويستحب إذا قبل الحجر أن يخفف القبلة فلا يظهر لها صوت ولا يشرع للنساء استلام ولا تقبيل إلا عند خلو المطاف ليلا أو نهارا
(5)
، وأما ضبط الركنين اليمانيين فهما فبتخفيف الياء وهذه هي اللغة الفصيحة المشهورة وحكي سيبويه والجوهري وغيرهما من الأئمة تشديدها في لغة قليلة والصحيح التخفيف فمن خفف قال هي نسبة إلى اليمن فحقه أن يقال اليمني
(6)
فالمراد بالركنين اليمانيين الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود
(7)
ويقال له العراقي لكونه إلى جهة العراق وقيل للذي قبله اليماني لأنه إلى جهة اليمن، سميا بذلك لأن كلا منهما يمان لكونه من جهة اليمن، قال النووي
(8)
: ويقال لهما اليمانيين من باب التغليب تغليبا لأحد الاسمين كما
(1)
الأم (2/ 188).
(2)
أخرجه مسلم (246 - 1268).
(3)
شرح النووي على مسلم (9/ 15).
(4)
المجموع (8/ 33)، والنجم الوهاج (3/ 493).
(5)
المجموع (8/ 33 - 34)، والنجم الوهاج (3/ 484).
(6)
شرح النووي على مسلم (9/ 14).
(7)
شرح النووي على مسلم (8/ 94).
(8)
شرح النووي على مسلم (8/ 94).
قالوا الأبوان للأب والأم والقمران للشمس والقمر والعمران لأبي بكر وعمر والأسودان للتمر والماء، ونظائره مشهورة فتارة يغلبون للفضيلة كالأبوين وتارة للخفة كالعمرين وتارة بغير ذلك، قال العلماء: ويقال للركنين الآخرين اللذين يليان الحجر بكسر الحاء الشاميان لجهة الشام قالوا: واليمانيان باقيان على قواعد إبراهيم عليه السلام بخلاف الشاميين كما تقدم.
تنبيه: قال بعض السلف: استلام الحجر الأسود هو أن لا يعود إلى معصية يشير إلى ما قاله ابن عباس
(1)
أن الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن استلمه وصافحه فكأنما صافح الله عز وجل وقبل يمينه، وقال عكرمه: الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن لم يدرك بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح الركن فقد بايع الله ورسوله
(2)
فمستلم الحجر يبايع الله على اجتناب معاصيه والقيام بحقوقه {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}
(3)
(4)
.
قوله: وسمعته يقول "من طاف أسبوعا [يحصيه] وصلى ركعتين" الحديث، الطواف هو الدوران حول البيت، قال العلماء: ويبدأ الحاج بطواف القدوم لما روى مسلم
(5)
أنه صلى الله عليه وسلم طاف حين قدم مكة واستلم الركن
(1)
أخرجه عبد الرزاق (8919 و 8920) والأزرقى في أخبار مكة (1/ 323 و 324 و 326)، والفاكهى (14 و 17 و 18 و 20 و 21).
(2)
أخرجه الأزرقى (1/ 225).
(3)
سورة الفتح، الآية:10.
(4)
لطائف المعارف (ص 62).
(5)
صحيح مسلم (1227).
أول شيء ثم ركع حين قضى طوافه، وهذا الطواف سنة للحاج رجلا كان أو امرأة إذا دخل مكة قبل الوقوف لأنه تحية البيت كتحية المسجد
(1)
.
تنبيه: وفي الشرع ثلاثة أطواف، أحدها: القدوم ويقال طواف القادم والوارد والورود والتحية، والثاني: طواف الإفاضة ويقال طواف الزيارة وطواف الفرض وطواف الركن وطواف الصدر بفتح الصاد والدال، والثالث: طواف الوداع
(2)
ويبتدئ من الحجر الأسود فيستلمه بيده أي يلمسه ويقبله، وقد ورد في الحديث أن الله تعالى لما استخرج من ظهر آدم ذريته وأخذ عليهم الميثاق، كتب ذلك العهد في رق ثم استودعه هذا الحجر فمن ثم يقول من استلمه [وفاء بعهدك]
(3)
. قال العلماء: يقال عند ابتداء الطواف أي وهي حالة استلام الحجر الأسود باسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، قال الرافعي:
(1)
قال ابن القيم: اختلف العلماء في طواف القارن والمتمتع على ثلاثة مذاهب: أحدها: أن على كل منهما طوافين وسعيين، روي ذلك عن علي وابن مسعود، وهو قول سفيان الثوري، وأبي حنيفة، وأهل الكوفة، والأوزاعي، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، الثاني: أن عليهما كليهما طوافا واحدًا وسعيًا واحدًا، نص عليه الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله، وهو ظاهر حديث جابر، الثالث: أن على المتمتع طوافين وسعيين، وعلى القارن سعي واحد، وهذا هو المعروف عن عطاء وطاووس والحسن، وهو مذهب مالك والشافعي وظاهر مذهب أحمد، تهذيب السنن 2/ 382 - 383.
(2)
الإيضاح (ص 204)، والمجموع (8/ 12)، وتحرير ألفاظ التنبيه (ص 150)، وكفاية النبيه (7/ 358).
(3)
لطائف المعارف (ص 62).
كذا رواه ابن السائب عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو غريب نقل في المهذب بعضه عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضه عن الصحابة، قال في مختصر الكفاية: ولا يتعين هذ في تأدية هذه السنة، وروي أن عمر قال: باسم الله والله أكبر والحمد لله على ما هدانا [لا إله إلا الله] وحده لا شريك له آمنت بالله وكفرت بالطاغوت وباللات والعزى وما ادعى من [دون] الله {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ}
(1)
الآية
(2)
، وهذا الدعاء يستحب في كل طواف
(3)
وروي عبد الرزاق عن الحسن أنه كان يقول إذا استلم الركن اللهم إني أعوذ بك من الفقر والكفر ومواقف الذل
(4)
، والمراد بالعهد هنا الميثاق الذي يأخذه الله تعالى على بني آدم بامتثال أمره حيث قال:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}
(5)
(6)
ثم يجعل البيت عن يساره ويطوف سبعا حول البيت ثم يصلي ركعتي الطواف لما روى مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين ويقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الركعة الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لما رواه جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم
(7)
أ. هـ.
(1)
الأعراف، الآية:196.
(2)
أخرجه الأزرقى في أخبار مكة (1/ 339).
(3)
الحاوى (4/ 136).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (8896).
(5)
سورة الأعراف، الآية:172.
(6)
لطائف المعارف (ص 62).
(7)
صحيح مسلم (1218).
1759 -
وَعَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن أَبِيه رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من طَاف بِالْبَيْتِ أسبوعا لَا يَلْغُو فِيهِ كَانَ كَعدْل رَقَبَة يعتقها رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَرُوَاته ثِقَات
(1)
.
قوله: عن محمد بن المنكدر عن أبيه رضي الله عنه، كنيته: أبو عبد الله محمد بن المنكدر، قال أبو الفرج: جاء المنكدر والد محمد هذا إلى عائشة يشتكي إليها الحاجة فقالت: أول شيء يأتيني ابعث به إليك فجاءتها عشرة آلاف درهم فقالت ما أسرع ما امتحنت عائشة وبعثت بها إليه فاشترى منها جارية فولدت له محمدا وأبا بكر وعمر [وكلهم] يذكر بالصلاح والعبادة [ويحمل] عنه الحديث، توفي بالمدينة سنة ثلاثين ومائة
(2)
كان محمد بن المنكدر إذا بكى مسح لحيته ووجهه بدموعه ويقول: بلغني أن النار لا تأكل موضعا مسته الدموع
(3)
أ. هـ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من طاف بالبيت أسبوعا لا يلغو فيه كان كعتق رقبة يعتقها" تقدم الكلام على الطواف في الحديث قبله.
وقوله: "أسبوعا" أي سبع مرات ومنه الأسبوع للأيام ويقال له سبوع بلا ألف لغة فيه قليلة، وقيل: هو جمع سبع أو سبع كبرد وبرود وضرب
(1)
الطبراني في الكبير (20/ رقم 845)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 245)، ورجاله ثقات.
(2)
صفة الصفوة (1/ 378 - 380).
(3)
أخرجه الدينورى في المجالسة (410).
وضروب ومنه حديث سلمة بن جنادة إذا كان يوم سبوعه يريد يوم أسبوعه من العرس أي بعد سبعة أيام، أ. هـ، قاله في النهاية
(1)
.
قوله: "كعدل رقبة يعتقها" العدل بفتح العين وكسرها المثل، وتقدم الكلام على ذلك في أذكار الصبح، فالطواف يكون حول البيت في المسجد في أرضه والمراد بالمسجد ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وما استجد فيه من بعده وقد زيد فيه زيادات فيجوز الطواف فيها كلها، ولو وسع المسجد جاز الطواف في جميعه داخله
(2)
ولو طاف خارج المسجد لم يصح قاله فى مختصر الكفاية
(3)
.
1760 -
وَعَن حميد بن أبي سوية رضي الله عنه قَالَ سَمِعت ابْن هِشَام يسْأَل عَطاء بن أبي رَبَاح عَن الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَهُوَ يطوف بِالْبَيْتِ فَقَالَ عَطاء حَدثنِي أَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ وكل بِهِ سَبْعُونَ ملكا فَمن قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْعَفو والعافية فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار قَالُوا آمين فَلَمَّا بلغ الرُّكْن الْأسود قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد مَا بلغك فِي هَذَا الرُّكْن الْأسود فَقَالَ عَطاء حَدثنِي أَبُو هُرَيْرَة أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من فاوضه فَإِنَّمَا يفاوض يَد الرَّحْمَن قَالَ لَهُ ابْن هِشَام يَا أَبَا مُحَمَّد
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 336).
(2)
النجم الوهاج (3/ 482).
(3)
الوسيط (2/ 645)، والمجموع (8/ 39)، وكفاية النبيه (7/ 401)، ومختصر الكفاية (لوحة 241 و 242/ خ 2176 ظاهرية).
فالطواف قَالَ عَطاء حَدثنِي أَبُو هُرَيْرَة أَنه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من طَاف بِالْبَيْتِ سبعا وَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بسبحان الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِالله محيت عَنهُ عشر سيئات وكتبت لَهُ عشر حَسَنَات وَرفع لَهُ بهَا عشر دَرَجَات وَمن طَاف فَتكلم وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَال خَاضَ فِي الرَّحْمَة برجليه كخائض المَاء برجليه رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش حَدثنِي حميد بن أبي سوية وَحسنه بعض مَشَايِخنَا
(1)
.
قوله: عن حميد بن أبي سوية رضي الله عنه: ويقال بن أبي سويد ويقال ابن أبي حميد المكي
(2)
روى عن عطاء بن أبي رباح وعنه اسماعيل بن عياش
(3)
له أحاديت منكرة روى له ابن عدي
(4)
عن أبي هريرة هذا الحديث وحديث "علموا ولا تعنفوا" وحديث "أقرب ما يكون العبد إلى الله وأحب إليه من كان جبهته في الأرض ساجدا لله تعالى" ثم قال وحديث ابن أبي سوية هذا قد
(1)
ابن ماجه (2957)، قال البوصيري في الزوائد (3/ 19)، هذا إسناد ضعيف، حميد قال فيه ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة، وقال الذهبي، مجهول، وقال الألباني ضعيف: أخرجه ابن ماجه (2957)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه.
(2)
هكذا وقع في رواية ابن ماجه، وَقَال المزي في تحفة الاشراف (10/ 260) والصحيح: حميد بن أَبي سويد، كذلك ذكره عَبْد الرحمن بْن أَبي حاتم، عَن أبيه، وكذلك رواه أَبُو أَحْمَد بْن عدي الحافظ عن جعفر بن أحمد بن عاصم الدمشقي، عن هشام بن عمار.
(3)
تهذيب الكمال (7/ 373)، والجرح والتعديل:(981)، والكامل لابن عدي:(238)، وميزان الاعتدال:(2331)، وتذهيب التهذيب:(179)، والكاشف: 1/ 256، وتهذيب التهذيب: 3/ 43، وخلاصة الخزرجي:(1649).
(4)
الكامل: (2/ 238).
حدث عنه ابن عياش بغير هذه الأحاديث وهي الأحاديث التي يرويها عن عطاء غير محفوظات. ا. هـ.
قوله: سمعت ابن هشام يسأل عطاء بن أبي رباح عن الركن اليماني وهو يطوف بالبيت الحديث، ابن هشام اسمه [هو سليمان بن هشام بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو أيوب ويقال أبو الغمر الأموي
(1)
] وعطاء بن أبي رباح كنيته أبو محمد المكي القرشي وهو معدود في كتاب التابعين ولد في آخر خلافة عثمان ابن عفان ونشأ بمكة وسمع العبادلة الأربعة ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وابن أبي العاص وجماعة آخرين من الصحابة وهو مفتي أهل مكة وأئمتهم المشهورين وهو أحد شيوخ أصحابنا الشافعي في [سلسلة الفقه] المتصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم روينا عن سلمة بن كهيل قال: ما رأيت من [يطلب بعلمه ما] عند الله تعالى غير عطاء وطاوس ومجاهد واتفقوا على توثيقه وجلالته وإمامته توفي بمكة قال الجمهور سنة خمس عشرة ومائة وقيل سنة أربع عشرة وقيل سبع عشرة ومن غرائبه ما حكاه عنه ابن المنذر وغيره أنه قال: إذا كان العيد يوم الجمعة وجبت صلاة العيد ولا يجب بعدها لا جمعة ولا ظهر ولا صلاة بعد العيد إلا العصر
(2)
وتقدم الكلام أيضا على مناقبه في كتاب الجمعة.
قوله: فقال عطاء حدثني أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وكل به سبعون ملكا فمن قال اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ربنا
(1)
تاريخ دمشق (22/ الترجمة 2703)، وتاريخ الاسلام (3/ 669).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 333 - 334 الترجمة 409).
آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا آمين" وهو كذلك في كتب الرافعي وشرح المهذب وقد جاء عن الحسن في تفسير الحسنة العلم والعبادة وقيل الطاعة والعبادة وفي الآخرة الجنة بالإجماع وقيل حسنة الدنيا المرأة الصالحة الحسنة وفي الآخرة الحور العين وقيل المال.
قوله: "وقنا عذاب النار" وأصل قنا أو قنا فسقطت الواو كما سقطت ألف الوصل والمعنى اجعلنا موقين عذاب النار قال النووي
(1)
: ومأثور الدعاء أي منقوله أفضل من القراءة تأسيا بمن أنزل عليه القرآن قال وهي أفضل من غير مأثورة لأن القرآن أفضل من الذكر قال تعالى [حديث قدسي]: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" و"فضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله على خلقه" رواه الترمذي وقال حسن، قال الشافعي وبلغني عن مجاهد أنه قال: يقرأ القرآن وهو طائف وقال عروة ومالك تكون القراءة فيه ومن المأثور في المستدرك
(2)
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في طوافه "اللهم قنعني فيما رزقتني وبارك لي فيما أعطيتني واخلف لي في كل غائبة لي منك بخير" وفي بعض [الأجزاء أن] النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول "إذا حاذى الميزاب اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب"
(3)
.
(1)
انظر: المجموع شرح المهذب (8/ 44).
(2)
المستدرك على الصحيحين للحاكم (1674) وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَحْتَجَّا بِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَخِي حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ.
(3)
أخرجه الأزرقى في أخبار مكة (1/ 319) عن جعفر بن محمد، عن أبيه مرسلًا.
قوله: قال عطاء حدثني أبو هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من طاف بالبيت سبعا ولا يتكلم إلا بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" إلى آخره، وروى الحافظ الطبري في كتاب القرى عن ابن عباس رضي الله عنه قال:"حج آدم عليه السلام فطاف بالبيت سبعًا فلقيته الملائكة في الطواف فقالوا بر حجك يا آدم أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام فقال ما كنتم تقولون في الطواف؟ قالوا: كنا نقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، قال آدم عليه السلام: فزيدوا فيها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: فزادت الملائكة فيها ذلك، فلما حج إبراهيم عليه السلام بعد بنيانه البيت، فلقيته الملائكة في الطواف فسلموا عليه، فقال لهم إبراهيم: ماذا كنتم تقولون في طوافكم؟ قالوا: كنا نقول قبل أبيك آدم: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فأعلمناه ذلك، فقال آدم عليه السلام: زيدوا فيها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقال إبراهيم: زيدوا فيها العلي العظيم، قال: ففعلت الملائكة ذلك" أخرجه الأزرقي
(1)
فالطواف بالبيت من سنن النبيين والمرسلين وقد حج آدم وجماعة من الأنبياء لا يحصون البيت قبل رفع إبراهيم قواعده على ما ورد في الآثار عن النبي المختار.
1761 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ينزل الله كل يَوْم على حجاج بَيته الْحَرَام عشْرين وَمِائَة رَحْمَة سِتِّينَ للطائفين وَأَرْبَعين
(1)
أخرجه الأزرقى في أخبار مكة (1/ 45)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 429).
للمصلين وَعشْرين للناظرين رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن
(1)
.
قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل الله كل يوم على حجاج بيته الحرام عشرين ومائة رحمة ستين للطائفين وأربعين للمصلين وعشرين للناظرين" رواه البيهقي، يترتب الثواب على مجرد النظر للكعبة لهذا الحديث [وروى] الأزرقى [حدثنا سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج، قال] أخبرني [زهير] بن محمد قال [الجالس في المسجد ينظر] إلى البيت لا يطوف به ولا يصلي أفضل من الصلاة في بيته [لا] ينظر إلى البيت
(2)
أ. هـ.
1762 -
وَعَن ابْن عَبَّاس أَيْضا رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الطّواف حول الْبَيْت صَلَاة إِلَّا أَنكُمْ تتكلمون فِيهِ فَمن تكلم فِيهِ فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه قَالَ التِّرْمِذِيّ وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا وَلَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث عَطاء بن السَّائِب
(3)
.
(1)
البيهقي في شعب الإيمان (4501)، والطبراني في الكبير (11475)، وابن الجوزي في العلل (940)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 292)، وفيه يوسف بن السفر، وهو متروك، والطبراني في الكبير (11248)، وفي إسناده خالد بن يزيد العمري، كذاب.
والبيهقي في شعب الإيمان (4501)، وابن عدي في الكامل (15656)، والخطيب في التاريخ (6/ 27)، وفي إسناده محمد بن معاوية النيسابوري، متروك.
(2)
أخبار مكة (2/ 9).
(3)
الترمذي (960)، وابن حبان (3836)، وابن خزيمة (2739)، وأبو يعلى (2599)، والدارمي (1889)، والحاكم (1/ 459)، والبيهقي (5/ 87)، وصححه الألباني في =
1763 -
وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من طَاف بِالْبَيْتِ خمسين مرّة خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب
(1)
سَأَلت مُحَمَّدًا يَعْنِي البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ إِنَّمَا يرْوى عَن ابْن عَبَّاس من قَوْله
(2)
.
قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام على ترجمته.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الطواف حول البيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير" الحديث، فالطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه النطق فسماه صلاة وهو لا يضع الأسماء اللغوية وإنما يكسبها أحكاما شرعية، وإذا ثبت أنه صلاة أي الطواف لم يجز بدون الستارة وطهارة الحدث وطهارة البدن والثوب والمطاف
(3)
لكن قد عمت البلوى بغلبة النجاسة في المطاف من جهة الطير وغيره فاختار جماعة من أصحابنا المحققين المتأخرين أنه يعفى عنه أي عما يشق الاحتراز عنه كدم البراغيث ونحوه لأن المطاف لم يزل كذلك في عهده صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم ولم يأمروا بتطهيره لأجل الطواف
(4)
ولو نام فى الطواف على هيئة لا تنقض
= صحيح الجامع (3955).
(1)
الترمذي (866)، وابن الجوزي في العلل (3/ 573) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5682).
(2)
عبد الرزاق في مصنفه (9809).
(3)
الحاوى (4/ 145)، والمجموع (8/ 15 - 16)، والنجم الوهاج (3/ 475 - 476).
(4)
المجموع (8/ 15)، والإيضاح (ص 222)، وكفاية النبيه (7/ 391 - 392).
الوضوء فالأصح في الروضة صحة طوافه
(1)
والله أعلم.
وسئل مالك عمن أصابه ما ينقض وضوئه وهو يطوف فقال: يتوضأ ثم يستأنف الطواف بخلاف السعي وإن كان الطواف تطوعا فإن شاء توضأ واستأنف وإن شاء ترك وكذلك الصلاة
(2)
وعندنا يجوز في الطواف البناء على الأصح
(3)
، وقال أبو حنيفة: إذا طاف جنبا أو محدثا أو فارق مكة لا يلزمه الإعادة وعليه دم شاة
(4)
، وقيل: بدنة، وكذلك الحائض، وعند الشافعي: لا يجزئ الطواف إلا بما تجزئ به الصلاة من الطهارة عن الحدث والنجاسة، والشروط التي تقدم ذكرها، فإن ترك شيئا منها فعليه الإعادة
(5)
، وعند الإمام أحمد خلاف في ذلك.
(6)
(1)
المجموع (8/ 16)، الروضة (3/ 83)، وكفاية النبيه (7/ 392 - 393)، والنجم الوهاج (3/ 495).
(2)
الموطأ رواية أبي مصعب الزهرى (1295 و 1296)، وشرح السنة (7/ 125 - 126).
(3)
انظر: المجموع (8/ 48 - 49)، والروضة (3/ 79)، وكفاية النبيه (7/ 394)، والنجم الوهاج (3/ 477).
(4)
شرح السنة (7/ 126).
(5)
شرح السنة (7/ 126).
(6)
قال ابن قدامة: الطَّهَارَة مِنْ الْحَدَثِ شرط لِصِحَّةِ الطَّوَافِ، فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ اهـ. واستدل الجمهور لهذا القول بعدة أدلة، منها:
1 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم:" (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ، إلا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ". رواه الترمذي (960) وصححه الألباني في إرواء الغليل (121).
2 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يطوف توضأ". وقد قال: صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم". رواه مسلم (1297). وذهب بعض العلماء إلى أن الطهارة من =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الحدث ليست شرطًا للطواف. وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. وأجابوا عن أدلة القول الأول بالآتي: أما حديث "الطواف بالبيت صلاة" فقالوا: لا يصح من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول ابن عباس، ا. قال النووي في المجموع: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ اهـ. وأما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه طاف متطهرًا فقالوا: هذا لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على الاستحباب فقط، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولم يَرِد أنه أمر أصحابه بذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم حجة أصلًا؛ فإنه لم يَنقل أحدٌ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه أمر بالوضوء للطواف، مع العلم بأنه قد حج معه خلائق عظيمة، وقد اعتمر عمَرًا متعددة والناس يعتمرون معه فلو كان الوضوء فرضًا للطواف لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بيانًا عامًّا، ولو بيَّنه لنَقل ذلك المسلمون عنه ولم يهملوه، ولكن ثبت في الصحيح أنه لما طاف توضأ، وهذا وحده لا يدل على الوجوب؛ فإنه قد كان يتوضأ لكل صلاة، وقد قال: إني كرهتُ أن أذكر الله إلا على طهر
…
اهـ. مجموع الفتاوى (21/ 273) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد أن أجاب عن أدلة الجمهور: وعليه: فالقول الراجح الذي تطمئن إليه النفس: أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل واتباعًا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، ولكن أحيانًا يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام، مثل: لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ولتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد، لا سيما إذا لم يبق عليه إلا بعض شوط: فيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر فيه النص ظهوراً بيِّنًا: فإنه لا ينبغي أن نُلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح منافٍ لقوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} . البقرة/ 185 اهـ. الشرح الممتع (7/ 300). وأما بالنسبة للسعي: فلا يشترط فيه الوضوء وهو مذهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، بل يجوز للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الحائض إلا من الطواف فقال لعائشة رضي الله عنها =
قوله صلى الله عليه وسلم: "من تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير" الكلام في الطواف مباح ولا يبطل به ولا يكره، ولكن الأولى تركه إلا في خير ويكره أن يبصق فيه وأن يتنخم وأن يغتاب وَأَنْ يَكُونَ حَاقِنًا أَوْ حَاقِبًا
(1)
أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ تشوق نفسه إليه وأن تكون المرأة منتقبة ويكره فيه الأكل والشرب وكراهة الشرب أخف، وينبغي أن يكون في طوافه خاشعا متواضعا حاضر القلب ملازم الأدب بظاهره وباطنه مستحضرا في قلبه عظمة من يطوف ببيته ويلزمه أن يصون نظره عما لا يحل نظره إليه وقلبه عن احتقار من يراه من الضعفاء والمرضى ويعلم الجاهل [برفق وهل] الأفضل التطوع في المسجد الحرام بالطواف أو الصلاة، قال الماوردي: الطواف أفضل وظاهر قول غيره أن الصلاة أفضل، وقال ابن عباس: الصلاة [لأهل مكة] والطواف (للغرباء)، والمستحب أن يقول قبالة البيت: اللهم البيت بيتك والحرم حرمك (والأمن) أمنك، وهذا مقام العائذ بك، قال الشيخ أبو محمد: ويشير بقوله "وهذا مقام العائذ بك" إلى مقام إبراهيم وخطأه ابن الصلاح وصوب أنه قد يشير إلى نفسه، وقبالة: بضم القاف يعني الجهة التي تقابل البيت ولا يتكلم إلا بذكر أو
= لما حاضت: افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت. انظر المغني 5/ 246.
قال الشيخ ابن عثيمين: فلو سعى محدثًا، أو سعى وهو جنب، أو سعت المرأة وهي حائض: فإن ذلك مجزئ، لكن الأفضل أن يسعى على طهارة. الشرح الممتع (7/ 310، 311).
(1)
قَوْله: حاقنا أَو حاقبا الأول بالنُّون وَهُوَ مدافع الْبَوْل وَالثَّانِي بِالْبَاء وَهُوَ مدافع الْغَائِط. دقائق المنهاج للنووي (ص: 45).
قراءة [وليدع بما شاء ومأثور] الدعاء أفضل مثل قوله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً}
(1)
(2)
ولفظ خير في الحديث يعم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الجاهل وجواب المستغيث والإنقاذ مما يضر وإجابة من يؤمر بإجابته ورد السلام وتشميت العاطس ونحوه، قاله في شرح الإلمام
(3)
.
فرع: الموالاة هل تشترط في الطواف ففيه قولان، أصحهما: لا وهو الجديد لأنها عبادة لا يبطلها التفريق اليسير لإجماعهم على جواز الجلوس للاستراحة فلا يبطلها التفريق الكثير كالزكاة، والقديم اشتراطها لأنها عبادة تتعلق بالبيت فأبطلها التفريق كالصلاة ومحلهما إذا فرق بلا عذر، فإن فرق كثيرا بعذر فطريقان كالوضوء، أحدهما: يضر، والثانية: أجزأ القولين، قال الإمام: وحد الكثير وما يغلب على الظن الإضراب به عن الطواف
(4)
.
فرع آخر: إذا أحدث في أثناء الطواف عمدا أو سبقه، فإن قلنا لا تشترط الموالاة توضأ وبنى على طوافه من حيث أحدث هذا هو الأصح، وفي وجه إن كان حدثه في أثناء طوفه استأنف تلك الطوفة من أولها لأن التفريق يجوز بين أعداد الطواف لأن لكل طوفة حكمها، وليس كذلك الطوفة الواحدة، وإن قلنا تشترط الموالاة فإن كان حدثه عمدًا استأنف الطواف وإن سبقه
(1)
سورة البقرة، الآية:201.
(2)
المجموع (8/ 46 - 47)، والنجم الوهاج (3/ 487 - 488).
(3)
سبق وقد أشرنا الى أن الكتاب لم يطبع بكامله.
(4)
كفاية النبيه (7/ 393).
[الحدث] فإن قلنا التفريق بالحذر جائز كان الحكم كما ذكرنا تفريعا على القول الأول وإن قلنا يضر فإن قلنا إن الصلاة لا تبطل بذلك فالطواف أولى وإلا فقولان أصحهما البناء
(1)
.
فرع آخر: يندب عقيب كل أسبوع ركعتان فلو طاف أسبوعين أو أكثر بلا صلاة ثم صلى لكل أسبوع ركعتين جاز لكن [كان تاركا] للأفضل ويندب أن يدعو عقيبهما خلف [المقام] بما أحب
(2)
والله أعلم.
1764 -
وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من طَاف بِالْبَيْتِ وَصلى رَكْعَتَيْنِ كَانَ كعتق رَقَبَة رَوَاهُ ابْن ماجه وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحَة وَتقدم
(3)
.
1765 -
وَعنهُ أَيْضا رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من طَاف بِالْبَيْتِ أسبوعا لَا يضع قدما وَلَا يرفع أُخْرَى إِلَّا حط الله عَنهُ بهَا خَطِيئَة وَكتب لَهُ بهَا حَسَنَة وَرفع لَهُ بهَا دَرَجَة رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَابْن حبَان وَاللَّفْظ لَهُ
(4)
.
قوله: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من طاف بالبيت وصلى ركعتين كان كعتق رقبة" قال في الديباجة: قال أصحابنا وغيرهم: يستحب أن يصلي الطائف ركعتين خلف
(1)
كفاية النبيه (7/ 394).
(2)
إحياء علوم الدين (1/ 251)، والنجم الوهاج (3/ 495).
(3)
ابن ماجه (2956)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6379).
(4)
ابن حبان (3697)، وابن خزيمة (2753) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6380).
المقام يقرأ في الأولى بعد الفاتحة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وتقدم ذلك، فلو صلى فريضة كفت عنهما كتحية المسجد نص عليه في القديم
(1)
، وقيل للزهري إن عطاء يقول تجزيه المكتوبة عن ركعتي الطواف، فقال: السنة أفضل لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم أسبوعا إلا صلى ركعتين، رواه البخاري
(2)
، وقال الروياني في البحر
(3)
: يختار أن يدعو عقبيهما بما روى عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعدهما: "اللهم إن هذا بلدك الحرام ومسجدك الحرام وبيتك الحرام وأنا عبدك ابن عبدك ابن أمتك، أتيتك بذنوب كثيرة وخطايا جمة وأعمال سيئة وهذا مقام العائذ بك من النار فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إنك دعوت عبادك إلى بلدك الحرام وقد جئتك طالبا رحمتك ومبتغيا مرضاتك وأنت مننت علي بذلك فاغفر لي وراحمني إنك على كل شيء قدير"
(4)
أ. هـ.
فائدة: يجوز الطواف راكبًا وماشيًا ولكن الطواف ماشيًا أفضل إلا أن يكون ممن يستفتي فيستحب له الطواف راكبًا
(5)
وعلى ذلك يحمل الحديث الذي فيه طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن
(1)
روضة الطالبين (3/ 83)، وبحر المذهب (2/ 492 - 493)، وكفاية النبيه (7/ 407)، والنجم الوهاج (3/ 492 - 493)
(2)
أخرجه البخاري (2/ 154).
(3)
بحر المذهب (3/ 494).
(4)
قال ابن حجر في نتائج الأفكار (5/ 288): ولم أظفر بسنده إلى الآن.
(5)
انظر: معالم السنن (2/ 192)، والإيضاح (1/ 231) وإحكام الأحكام (2/ 72)، ورياض الأفهام (4/ 27).
بمحجن
(1)
والمحجن عصى معوجة الرأس
(2)
فإنه صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليرى الناس فيقتدون بأفعاله وأقواله فإن الراكب يتيسر سؤاله ويتيسر جوابه
(3)
، وفي هذا الحديث دليل على جواز دخول البعير المسجد لحاجة الطواف ونحوها كنقل الماء للوضوء إلى المسجد على الدابة وفيه دليل على طهارة بول البعير وطهارة بول جميع ما يؤكل لحمه
(4)
فإن البعير من عادته إرسال البول، وادعى بعضهم أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب دابة لا تبول ما دام راكبا، وفي ذلك نظر فبول البعير على تقدير طهارته يجب تنزيه المسجد لاستقذاره كما يجب تنزيهه عن المخاط والبصاق فيه، وفيه دليل على الاستلام بالمحجن إذا تعذر الوصول إلى الاستلام باليد وعلى أن الآلة المتصلة باليد تعطي حكم اليد حتى يستحب له تغسيل المحجن وعلى أنه لو أمسك عصى وهو في الصلاة ووضع طرفها على نجاسة بطلت صلاته وكذا لو أمسك طرف حبل وطرفه متصل بالنجاسة بطلت صلاته أيضًا
(5)
، اختلفوا اختلفوا في المحدث إذا قلب أوراق المصحف بعود في يده فظاهر الحديث
(1)
أخرجه البخاري (1607) ومسلم (253 - 1272) عن ابن عباس.
(2)
غريب الحديث (3/ 216)، ومشارق الأنوار (1/ 182)، ومطالع الأنوار (2/ 237).
(3)
يدل عليه حديث جابر عند مسلم (254 و 255 - 1273). وانظر تحفة الأبرار (2/ 145) وإحكام الأحكام (2/ 72)، والإعلام (6/ 213).
(4)
انظر شرح النووي على مسلم (9/ 18)، والعدة (2/ 1008)، والاعلام (6/ 220 - 221).
(5)
انظر المجموع (3/ 149)، والروضة (1/ 274 - 275)، وعمدة السالك (ص 39)، والنجم الوهاج (2/ 203).
تحريمه وهو ما صححه الرافعي وصحح النووي
(1)
الحل قياسا على ما لو وضع اللوح بين يديه وكتب فيه القرآن من غير مس، أ. هـ قاله ابن العماد.
1766 -
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ من تَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء ثمَّ أَتَى الرُّكن يستلمه خَاضَ فِي الرَّحْمَة فَإِذا استلمه فَقَالَ بِسم الله وَالله أكبر أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله غمرته الرَّحْمَة فَإِذا طَاف بِالْبَيْتِ كتب الله لَهُ بِكُل قدم سبعين ألف حَسَنَة وَحط عَنهُ سبعين ألف سَيِّئَة وَرفع لَهُ سبعين ألف دَرَجَة وشفع فِي سبعين من أهل بَيته فَإِذا أَتَى مقَام إِبْرَاهِيم فصلى عِنْده رَكْعَتَيْنِ إِيمَانًا واحتسابا كتب الله لَهُ عتق رَقَبَة محررة من ولد إِسْمَاعِيل وَخرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِم الْأَصْبَهَانِيّ مَوْقُوفا
(2)
.
(1)
قال في التبيان (ص 193): إذا تصفح المحدث أو الجنب أو الحائض أوراق المصحف بعود أو شبهه ففي جوازه وجهان لأصحابنا 1 - أظهرهما جوازه وبه قطع العراقيون من أصحابنا لأنه غير ماس ولا حامل 2 - والثاني تحريمه لأنه يعد حاملا للورقة والورقة كالجميع وأما إذا لف كمه على يده وقلب الورقة فحرام بلا خلاف وغلط بعض أصحابنا فحكى فيه وجهين والصواب القطع بالتحريم لأن القلب يقع باليد لا بالكم. ونحوه ذكر ذلك في المجموع (2/ 68).
ومثله قال في روضة الطالبين وعمدة المفتين (1/ 79): وَلَوْ قَلَّبَ أَوْرَاقَهُ بِعُودٍ، حَرُمَ عَلَى الْأَصَحِّ قلت: قطع العراقيون بالجواز، وهو: الراجح، فإنه غير حامل ولا ماس.
ولو لف كمه على يده، وقلب به الورق، حرم عند الجمهور، وهو الصواب. وقيل: وجهان.
(2)
الأصبهاني في الترغيب (1041).
قوله: وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: "من توضأ فأسبغ الوضوء [ثم أتى الركن يستلمه] خاض في الرحمة فإذا استلمه فقال بسم الله والله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله غمرته الرحمة فإذا طاف بالبيت كتب الله له بكل قدم سبعين ألف حسنة" تقدم الكلام على إسباغ الوضوء، وتقدم الكلام أيضًا على استلام الركن [اليمانى كلما حاذاه] في كل طوافه، وتقدم الكلام أيضا على الطواف بالبيت وأنه الدوران حوله يقال: طفت أطوف طوفا وطوافا والجمع الأطواف.
فرع: من البدع ما يفعله بعض الجهال وهو أن يأتي الحجر الأسود فيقبله أو يستلمه ثم يأخذ في الطواف أو يفعل ذلك في أواخر الطواف وينصرف وهذا لا يصح طوافه لأن شرط الطائف أن يحاذي أول الحجر بجميع بدنه ثم يطوف وشبهه القاضي أبو الطيب بتكبيرة الإحرام، والذي يواجهه لا يصح منه ذلك ولا يحسب له الشوط الأول فعلى هذا يكون طوافه ستة أشواط فإن كان ذلك طواف القدوم وجب عليه دم وإن كان طواف الإفاضة بطل حجه فيجب على من رأى من يفعل ذلك ان يبينه له ويامره أن يتأخر عن الحجر الأسود إلى جهة الركن اليماني قليلا ثم يجعل البيت عن يساره ويأخذ في الطواف وإذا كان آخر شوط تقدم إلى جهة الباب قليلا أيضا ثم خرج أ. هـ، قاله ابن النحاس في تنبيهه
(1)
.
(1)
تنبيه الغافلين (ص 467).
فرع آخر: ومن البدع أيضا أن كثيرا من الناس يمس الجدار بيده في طوافه حال موازته الشاذروان وهذا لا يصح طوافه وإن كان ذلك في طواف الإفاضة فسد حجه وهذا فعل يسير وخطره عظيم فيجب التنبيه على مثل هذا وكذلك الحكم فيمن مشى على الشاذروان أو وقف عليه أو وضع عليه رجله في حال الطواف وكثير من الناس يقف على الشاذروان ويضمع وجهه على جدار الشاذروان فليحذر الإنسان مثل هذا غاية الحذر لئلا يفسد حجه أو يقع في محذور وإن من رأى من يفعل ذلك أو الذي قبله فلينهه عليه ويأمره أن يرجع خطوة أو خطوتين احتياطا ثم يطوف على ما كان ليصح طوافه قاله ابن النحاس أيضا
(1)
.
فرع آخر: ومن البدع أن بعضهم يرجع يوم النحر ويطوف طواف الإفاضة ثم يشتغل بها إلى الليل ويثبت بها والمبيت بمكة في ليالي منى بدعة ومن بات بها أراق دما عند مالك ومن تابعه، وأظهر أقوال الشافعي أنه لا يريق دما بليلة واحدة والأظهر عند النووي
(2)
ان الدم بترك المبيت واجب وهو مذهب مالك ومن تابعه قاله ابن النحاس
(3)
.
فائدة مهمة: طواف الإفاضة ركن لا بد منه
(4)
، وأنه لا يسقط عن الحائض ولا
(1)
تنبيه الغافلين (ص 468).
(2)
انظر: المجموع شرح المهذب (7/ 2).
(3)
تنبيه الغافلين (ص 470).
(4)
سمي طواف الإفاضة بعدة أسماء منها: =
غيرها، وإذا حاضت المرأة قبل طواف الإفاضة فالأولى أن تقيم حتى تطهر فتطوف إلا أن يكون عليها ضرر ظاهر، فإن أرادت السفر مع الناس قبل طواف الإفاضة جاز وتبقى محرمة حتى تعود إلى مكة فتطوف ولو طال سنين، وفي كلام الشافعي والماوردي ما يشعر بأنه لا يجوز لها أن تنفر حتى تطوف، وحاول النووي
(1)
تأويله على الكراهة وإذا أرادت الإقامة حتى تطهر لم يلزم الجمال انتظارها خلافا لمالك فيما إذا كان الطريق آمنا، فإن كان مخوفا لم ينتظرها بالإجماع قاله السبكي
(2)
، وذهب أبو حنيفة إلى أن الحائض إذا حجت وطافت صح طوافها ولكن لا يفتيها بذلك، وكان البارزي يفتي النساء بذلك لأن في تخلفهن عن السفر وانقطاعهن عن الرفقة ضررا شديدا وما ذكره لا تجوز
=
1 -
طواف الإفاضة: وسمي بذلك لأنه يأتي بعد إفاضته من منى إلى مكة.
2 -
طواف الزيارة: وذلك لأن الحاج يأتي من منى لزيارة البيت، ولا يقيم بمكة بل يرجع إلى منى.
3 -
طواف الصَّدَر: لأنه يفعل بعد الرجوع، والصدر يطلق أيضًا على طواف الوداع.
4 -
طواف الواجب وطواف الركن وطواف الفرض: وذلك باعتبار الحكم.
وطواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به، ولا ينوب عنه شيء. الأدلة: يقول الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] ونقل الإجماع على ركنية طواف الإفاضة: ابن المنذر، وابن حزم، وابن عبد البر، وابن رشد، وابن قدامة، والنووي، وابن تيمية وغيرهم.
(1)
انظر: المجموع شرح المهذب (7/ 2).
(2)
كذا هو في الأصل والصواب قاله الدميرى فهذا نص كلامه في النجم الوهاج (3/ 552)، وانظر أيضا المجموع (8/ 257).
الفتوى به لمخالفته الحديث الصحيح
(1)
أ. هـ.
[وقوله] إن في تخلفها ضررا عليها ليس كذلك لأنه لا ضرر عليها في الإقامة بمكة حتى تطهر وتطوف ثم بعد ذلك إن وجدت رفقة وإلا أقامت بمكة إلى العام المقبل أو إلى أن تجد رفقة، وهذا ظاهر والله أعلم، قاله ابن العماد.
فرع: ومن البدع [تقبيل] بعضهم الحجر الأسود أو استلامه بيده وهو مُحْرِم وفي الحجر ما فيه من الطيب والمسك ونحو ذلك فيقع فيما حرم عليه من الطيب وهو لا يشعر ويجب عليه دم وما أظن في ذلك خلافا [وهذا الفعل قل من يسلم منه] فيجب على من علم تحريم ذلك أن ينبه عليه غيره من إخوانه المسلمين نصحا لهم وشفقة عليهم
(2)
.
فرع آخر: ومن البدع أن بعض الجهال والأعراب يطوف من داخل الحجر وهذا لا يصح طوافه ويبطل حجه إن فعل ذلك في طواف الإفاضة ولم يتداركه ويجب عليه دم إن فعل ذلك في طواف القدوم أو الوداع على الصحيح
(3)
أ. هـ.
ومنها -أي البدع-: طوافهم بالقبة التي يسمونها قبة آدم عليه السلام وهو بدعة شنيعة يجب إنكارها والمنع منها قاله ابن النحاس أيضًا
(4)
.
(1)
رسالة في طواف الحائض للبارزى (خ 6/ 3865/ المكتبة المركزية بمسجد السيدة زينب).
(2)
تنبيه الغافلين (ص 468).
(3)
تنبيه الغافلين (ص 468).
(4)
تنبيه الغافلين (ص 468 - 469).
1767 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْحجر وَالله ليبعثنه الله يَوْم الْقِيَامَة لَهُ عينان يبصر بهما ولسان ينْطق بِهِ يشْهد على من استلمه بِحَق وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا
(1)
.
1768 -
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَلَفظه يبْعَث الله الْحجر الْأسود والركن الْيَمَانِيّ يَوْم الْقِيَامَة وَلَهُمَا عينان ولسانان وشفتان يَشْهَدَانِ لمن استلمهما بِالْوَفَاءِ
(2)
.
قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم في الحجر "والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق" وفي رواية الطبراني
(3)
[في الكبير]"يبعث الله الحجر الأسود والركن اليماني يوم القيامة ولهما عينان ولسان وشفتان يشهدان لمن استلمهما بالوفاء" ولما أخذ الله العهد على آدم وذريته أودعه إياه فهو يشهد لمن وافاه يوم القيامة وهذا معنى ما روى أن الطائف يستحب له أن يقول في أول الطواف اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك
(1)
الترمذي (961)، وابن خزيمة (2735)، وابن حبان (3711)، وأحمد (2215)، وابن ماجه (2944)، والحاكم (1/ 457)، والبيهقي (5/ 75) وصححه الألباني في صحيح الجامع (5346).
(2)
الطبراني في الكبير (11432)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 242)، رواه الطبراني في الكبير من طريق بكر بن محمد القرشي عن الحارث بن غسان، كلاهما لم أعرفه.
(3)
سبق تخريجه.
واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المراد بقوله في الحديث "يشهد لمن استمله" بالوفاء، والمراد بالعهد ها هنا قيل: الميثاق الذي أخذ الله تعالى على إبراهيم بامتثال أمره، أمر سبحانه وتعالى أن يكتب بذلك عهدا وأن يدرج في الحجر الأسود
(1)
.
1769 -
وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَأْتِي الرُّكْن الْيَمَانِيّ يَوْم الْقِيَامَة أعظم من أبي قبيس لَهُ لسانان وشفتان رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن. وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَزَاد يشْهد لمن استلمة بِالْحَقِّ وَهُوَ يَمِين الله عز وجل يُصَافح بهَا خلقه. وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَزَاد يتَكَلَّم عَمَّن استلمه بِالنِّيَّةِ وَهُوَ يَمِين الله الَّتِي يُصَافح بهَا خلقه
(2)
.
1770 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أشهدوا هَذَا الْحجر خيرا فَإِنَّهُ يَوْم الْقِيَامَة شَافِع يشفع لَهُ لسانان وشفتان يشْهد لمن استلمه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَرُوَاته ثِقَات إِلَّا أَن الْوَلِيد بن عباد مَجْهُول
(3)
.
قوله: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، تقدم الكلام على مناقبه.
(1)
انظر تنبيه الغافلين (ص 491)، ورياض الأفهام (4/ 16)، ولطائف المعارف (ص 62).
(2)
أحمد (6978)، والطبراني في الأوسط (563)، وابن خزيمة (2737)، والحاكم (1/ 457)، وقال الذهبي: عبد الله بن المؤمل واه، وابن الجوزي في العلل المتناهية (945)، وقال: وهذا لا يثبت، قال أحمد: عبد الله بن مؤمل أحاديثه مناكير، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 242)، رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وفيه عبد الله بن المؤمل، وثقه ابن حبان، وقال: يخطئ وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(3)
الطبراني في المعجم الأوسط (2971) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (880).
قوله صلى الله عليه وسلم: "يأتي الركن اليماني يوم القيامة أعظم من أبي قبيس له لسان وشفتان" الحديث، وزاد الطبراني
(1)
"يشهد لمن استلمه بالحق وهو [يمين] الله عز وجل [يصافح بها خلقه] "، ورواه ابن خزيمة وزاد
(2)
"يتكلم عمن استلمه [بالنية وهو] يمين الله التي يصافح بها خلقه" تقدم الكلام على الركن اليماني وعلى أبي قبيس، وللترمذي
(3)
"مسح الحجر والركن اليماني يحط الخطايا حطا" وفي الطبراني
(4)
"أنه يرجع إلى الجنة" ومعنى كون الحجر يمين الله في الأرض، قال الخطابي
(5)
: هذا كلام تمثيل وتشبيه وأصله أن الملك إذا صافح رجلا قبل الرجل يده فكأن الحجر الأسود لله تعالى بمنزلة اليمين للملك فنزل الحجر منزلة يمين الملك حيث يستلم ويلثم ولله المثل الأعلى
(6)
، وكذلك من صافحه كان له عند الله عهد كما أن الملوك تعطي العهد بالمصافحة
(7)
، ومنه الحديث الآخر "وكلتا يديه يمين"
(8)
أي إن يديه تبارك وتعالى بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما لأن الشمال تنقص عن
(1)
سبق تخريجه.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
ينظر: معالم السنن (2/ 191 - 192) والمجموع المغيث (3/ 533).
(6)
تأويل مختلف الحديث (1/ 313) وغريب الحديث (2/ 337) لابن قتيبة، والنهاية (5/ 300).
(7)
معالم السنن (2/ 191)، وشرح السنة (7/ 114).
(8)
سبق تخريجه عند الحديث على صفة اليدين لله تعالى.
اليمين وكل ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد والأيدي واليمين وغير ذلك من أسماء الجوارح إلى الله تعالى فإنما هو على سبيل المجاز والاستعارة والله تعالى منزه عن التشبيه والتجسيم
(1)
انتهى.
والمعنى: أن من صافحه في الأرض كان له عند الله عهد وكان كالعهد يعقده الملك بالمصافحة لمن يريد موالاته والاختصاص به وكما يصفق في أيدي الملوك للبيعة (وكذلك) تقبيل اليد من الخدم للسادة والكبراء فهذا كالتمثيل بذلك والتشبيه
(2)
.
1771 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله-صلى الله عليه وسلم نزل الْحجر الْأسود من الْجنَّة وَهُوَ أَشد بَيَاضًا من اللَّبن فسودته خَطَايَا بني آدم رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه إِلَّا أَنه قَالَ أَشد بَيَاضًا من الثَّلج
(3)
.
1772 -
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْكَبِير بِإِسْنَاد حسن وَلَفظه قَالَ الْحجر الْأسود من حِجَارَة الْجنَّة وَمَا فِي الأَرْض من الْجنَّة غَيره وَكَانَ أَبيض كالمها وَلَوْلَا مَا مَسّه من رِجْس الْجَاهِلِيَّة مَا مَسّه ذُو عاهة إِلَّا برأَ
(4)
.
(1)
النهاية (5/ 301). وما ذكره ابن الأثير في النهاية هو خلاف ما عليه السلف من إثبات اليد لله سبحانه مع تنزيهه عن التشبيه والتمثيل. وقد سبق الرد على هذه الشبهة.
(2)
معالم السنن (2/ 191 - 192).
(3)
الترمذي (877)، وابن خزيمة (2733)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6756).
(4)
الطبراني في الأوسط (5673)، وفي الكبير (11314)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 242)، وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2768).
قوله: عن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم" قال بعضهم: إذا كان هذا فعل الخطايا في الحجارة فكيف في القلوب
(1)
، وفي كامل ابن عدي
(2)
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحجر الأسود من ياقوت الجنة فمسحة المشركون فاسود من مسحهم" فقوله "نزل الحجر الأسود من الجنة" قال بعضهم: يحتمل أن يحمل الحديث على ظاهره ويحتمل أن يؤول على ما يستقيم عليه المعنى من باب الاتساع، ومن المعلوم أن الجنة وما احتوت عليه من الجواهر خلقت خلقا غير قابل للزوال والفناء وهي مباينة لما خلق في هذه الدار الفانية التي هي في حكم الزوال والفناء، وقد كسر الحجر الأسود وذلك من أقوى أسباب الزوال وتأويله أن الحجر الأسود لما فيه من الشرف والكرامة وما فيه من اليمن والبركة يشارك جواهر الجنة فكأنما نزل منها وأن خطايا بني آدم [تكاد تؤثر في الجماد] فتجعل المبيض مسودا فكيف [بقلوبكم أو لأنه من حيث إنه مكفر للخطايا محاء للذنوب، لما روي عن ابن عمر: أنه كان يزاحم على الركنين، وقال: سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن مسحهما كفارة للخطايا"
(3)
كأنه من الجنة، ومن كثرة تحمله أوزار بني آدم صار كأنه ذا بياض شديد، فسودته الخطايا،
(1)
تحفة الأبرار (2/ 147)، وكشف المناهج (2/ 383)، والإعلام (6/ 196).
(2)
الكامل في ضعفاء الرجال (4/ 439).
(3)
أخرجه الترمذي (959) واللفظ له، والنسائي في المجتبى 5/ 215 (2941)، وابن خزيمة (2729 و 2730 و 2753)، وابن حبان (3698). وصححة الألباني.
هذا، وإن احتمال إرادة الظاهر غير مدفوع عقلًا ولا سمعًا، والله أعلم بالحقائق والمطلع على ما في الضمائر]
(1)
.
[وقوله فى الحديث الآخر] عن ابن عباس "أنزل الله الركن والمقام مع آدم عليه السلام ليلة نزل"
(2)
، وقد ورد أن الله تعالى حين أخرج الذرية من ظهر آدم عليه السلام على أقسام أربعة قسم كالجواهر وقسم كالسرج وقسم كبياض البيض وقسم كسواد القار والقار الزفت، أمرهم الله تبارك وتعالى أن يسجدوا له فسجدوا إلا قسم سواد القار لم يطق السجود لأن الله تبارك وتعالى جعل في أصلابهم صياصي فلم يقدروا على السجود ثم أمر الله تبارك وتعالى الملك أن يأتى بالحجر من الجنة ليضعه بين أيديهم وأن يضعوا أيديهم عليه ويشهدوا لله بالربوبية والوحدانية فوضعوا وشهدوا وشهد الله تعالى على شهادتهم لقوله تعالى:{فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}
(3)
وكتب بذلك كتابا، وأمر الحجر أن يلتقمه، وروي أيضًا عن علي أنه قال:"لما أخذ الله تعالى على بني آدم [عهودهم، ومواثيقهم] كتب بذلك كتابا في رق [وكان لهذا الحجر عينان ولسان، فقال له: افتح فاك، قال: ففتح فاه فجعله] في جوف [الحجر] فيجيء يوم القيامة ويشهد لمن استلمه"
(4)
أ. هـ.
(1)
تحفة الأبرار (2/ 147)، وشرح المشكاة (6/ 1981).
(2)
أخبار مكة للأزرقي (1/ 325).
(3)
سورة آل عمران، الآية:81.
(4)
أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 457 - 458). وتعقبه الذهبى فقال: أبو هارون ساقط.
تتمة: روى مسلم والترمذي
(1)
من حديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن" وفي بعض المسندات أنه الحجر الأسود، قال السهيلي: وهذا التسليم الأظهر فيه أنه حقيقة وأن يكون الله تعالى أنطقه إنطاقا كما خلق الحنين في الجذع [وقال:] ولكن ليس من شرط الكلام الذي هو صوت وحرف الحياة والعلم والإرادة لأنه صوت كسائر الأصوات والصوت عرض في قول الأكثرين ولم يخالف فيه إلا النظام فإنه زعم أنه جسم وجعله الأشعري اصطكاكا في الجواهر بعضها لبعض فهو عنده من الألوان ولكنه معني زائد عليه ولو قدرنا الكلام صفة قائمة بنفس الحجر والشجر والصوت عبارة عنه لم يكن بُدّ من اشتراط الحياة والعلم مع الكلام أي ذلك كان كلاما مقرونا بحياة وعلم فيكون الحجر به [مؤمنا] أم كان صوتا مجردا غير مقترن بحياة وعلى كلا الوجهين هو علم من أعلام النبوة وأما حنين الجذع فحقيقة الحنين [يقتضي] شرط الحياة [وقد يحتمل تسليم] الحجارة أن تكون مضافة إلى ملائكة، يسكنون تلك الأماكن ويعمرونها فيكون مجازا من باب قوله:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}
(2)
والأول أظهر وإن كان هذا علما من أعملا النبوة لا يسمى معجزة في اصطلاح المتكلمين إلا ما تحدى به الخلق فعجزوا عن معارضته
(3)
، أ. هـ.
(1)
مسلم (2277) الترمذي (3624)، ابن حبان (6482) وتمام في فوائده (1412).
(2)
سورة يوسف، الآية:82.
(3)
الروض الأنف (2/ 388 - 389).
1773 -
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة قَالَ الْحجر الْأسود ياقوتة بَيْضَاء من يَوَاقِيت الْجنَّة وَإِنَّمَا سودته خَطَايَا الْمُشْركين يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة مثل أحد يشْهد لمن استلمه وَقَبله من أهل الدُّنْيَا
(1)
.
1774 -
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مُخْتَصرا قَالَ الْحجر الْأسود من الْجنَّة وَكَانَ أَشد بَيَاضًا من الثَّلج حَتَّى سودته خَطَايَا أهل الشّرك
(2)
.
المها مَقْصُورا جمع مهاة وَهِي البلورة.
1775 -
وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما قَالَ نزل الرُّكْن الْأسود من السَّمَاء فَوضع على أبي قبيس كَأَنَّهُ مهاة بَيْضَاء فَمَكثَ أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ وضع على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير مَوْقُوفا بِإِسْنَاد صَحِيح
(3)
.
1776 -
وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُسْند ظَهره إِلَى الْكَعْبَة يَقُول الرُّكْن وَالْمقَام ياقوتتان من يَوَاقِيت الْجنَّة وَلَوْلَا أَن الله تَعَالَى طمس نورهما لأضاءتا مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه كِلَاهُمَا من رِوَايَة رَجَاء بن صبيح وَالْحَاكِم وَمن طَرِيقه الْبَيْهَقِيّ
(4)
.
(1)
ابن خزيمة (2734) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2770).
(2)
البيهقي في شعب الإيمان (4034)، وأحمد (2795) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2767).
(3)
الطبراني في الكبير (14170)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 243).
(4)
الترمذي (878)، وابن حبان (3710)، والحاكم (1/ 456)، والبيهقي في السنن (5/ 75)، وفي شعب الإيمان (4030)، وأحمد (7000)، وابن خزيمة (2731)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1633).
1777 -
وَفِي رِوَايَة للبيهقي قَالَ إِن الرُّكْن وَالْمقَام من ياقوت الْجنَّة وَلَوْلَا مَا مَسّه من خَطَايَا بني آدم لأضاء مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب وَمَا مسهما من ذِي عاهة وَلَا سقيم إِلَّا شفي
(1)
.
1778 -
وَفِي أُخْرَى لَهُ رضي الله عنه أَيْضا رَفعه قَالَ لَوْلَا مَا مَسّه من أنجاس الْجَاهِلِيَّة مَا مَسّه ذُو عاهة إِلَّا شفي وَمَا على الأَرْض شَيْء من الْجنَّة غَيره
(2)
.
قوله: في الحديث في رواية ابن خزيمة "الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة وإنما سودته خطايا المشركين" وروى الطبراني
(3)
من حديث عبد الله بن عمرو قال: "نزل الحجر الأسود من السماء فوضع على أبي قبيس كأنه مهاة بيضاء فمكث أربعين سنة ثم وضع على قواعد إبراهيم"، وفي رواية للبيهقي
(4)
قال: "إن الركن والمقام من ياقوت الجنة ولولا ما مسه من خطايا بني آدم لأضاء ما بين المشرق والمغرب وما مسهما من ذي عاهة ولا سقيم إلا شفي" وفي رواية أخرى له أيضًا: "ما مسه ذو عاهة إلا شفي وما على الأرض شيء من الجنة غيره"
(5)
أ. هـ، الياقوت فارسي
(1)
البيهقي في السنن (5/ 75)، وفي شعب الإيمان (4031).
(2)
البيهقي في السنن (5/ 75)، وفي شعب الإيمان (4031).
(3)
المعجم الكبير للطبراني (13/ 352)(14170): ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 243)، وقال:"رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات".
(4)
أخرجه أحمد (7000)، وابنُ خزيمة (2732)، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/ 232).
(5)
انظر ما قبله.
معرب الواحدة ياقوتة وجمعه يواقيت وهو معدن معروف عند أهله فيه خاصية كما ان النار لا تؤثر فيه ولا تغيره وأن من تختم به أمن من الطاعون وتيسرت له أمور المعاش ويقوي قلبه وتهابه الناس ويسهل عليه قضاء الحوائج
(1)
، روي ابن عدي في كامله
(2)
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اتخذ خاتما فصه من ياقوت نفي عنه الفقر"، قال ابن الأثير
(3)
: يريد أنه إذا ذهب ماله باع خاتمه فوجد به غني، قال: والأشبه إن صح الحديث أن يكون لخاصية فيه كما تقدم.
قوله في الحجر بأنه مهاة بيضاء، قال الحافظ
(4)
: المهى مقصور جمع مهاة وهي [البلورة] أ. هـ، قال ابن الأثير في النهاية: المَهَا: البِلَّوْرُ، وكلُّ شَيءٍ صُفِّي فَهُوَ مُمَهًّى، تَشْبِيهًا بِهِ. وَيُقَالُ للكَوْكَبِ: مَهًا، ولِلثَّغْرِ إِذَا ابْيَضَّ وكَثُرَ ماؤُهُ: مَهًا
(5)
أ. هـ.
وقال [فى حياة] الحيوان: المهى بالفتح جمع مهاة والجمع مهوات نوع من البقر الوحشية إذا حملت الأنثى منها هربت من البقر وبها يضرب المثل في سمن المرأة، وروي ابن عروة عن أبيه قال: بينما عمر يطوف بالبيت إذا
(1)
النجم الوهاج (1/ 259).
(2)
أخرجه ابن عدى في الكامل (1/ 393). قال ابن عدى: وهذا الحديث باطل بهذا الإسناد، وأبو ضمرة ثقة.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 10)
(4)
أى المنذرى.
(5)
النهاية (4/ 377).
رجل يطوفه على عنقه مثل المهاة يعني حسنا وجمالا وهو يقول:
صِرْتُ لِهَذِهِ جَمَلًا ذَلُولَا
…
مُوَطَّأَ أتَّبِعُ السُّهُوَلَا
أعْدِلُهَا بِالْكَفِّ أَنْ تَمِيلَا
…
أَحْذَرُ أَنْ تَسْقُطَ أَوْ تَزُولَا
أَرْجو بِذَاكَ نَائِلًا جَزِيلَا
…
.................................
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللهِ مَنْ هَذِهِ الَّتِي وَهَبْتَ لَهَا حَجَّكَ؟ قَالَ: امرأَتي، يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ إِنها حَمْقَاءُ مِرْغامة، أَكول قَامَةٌ، مَا تَبْقى لَهَا خَامَةٌ قَالَ: مَا لَكَ لَا تُطَلِّقُهَا؟ قَالَ: يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ، هِيَ حَسْنَاءُ فَلَا تُفْرَك، وأُم صِبْيَانٍ فَلَا تُتْرك
(1)
، أ. هـ.
تنبيه: حجر البلور: من علق عليه لم ير منام سوء
(2)
، وَالْفَيْرُوزَجِ حجر أخضر تشوبه زرقة يصفر لونه مع صفاء الجو ويتكدر بتكدره ومن خواصه أنه لم ير في يد قتيل خاتم منه أبدا، والمرجانة: إذا علق على طفل امتنعت عنه أعين السوء من الجن والإنس
(3)
. أ. هـ.
تتمة: في سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ قدم أبو طاهر القرمطي
(4)
-واسمه
(1)
حياة الحيوان (2/ 449).
(2)
مطالع البدور ومنازل السرور للغزولى (ص 228).
(3)
ليس له أصل في الشرع. انظر: النجم الوهاج (1/ 259). والتعليق الرشيق في التختم بالعقيق لإبراهيم الناجي (ص: 18).
(4)
قال ابن الجوزي في المنتظم (2/ 156) وابن كثير في البداية والنهاية (11/ 160): فِيهَا [أي في حوادث سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] خَرَجَ رَكْبُ الْعِرَاقِ وَأَمِيرُهُمْ مَنْصُورٌ الدَّيْلَمِيُّ فَوَصَلُوا إِلَى مَكَّةَ سَالِمِينَ، وَتَوَافَتِ الرُّكُوبُ هُنَاكَ من كل مكان وجانب وفج، فَمَا شَعَرُوا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= إِلَّا بِالْقِرْمِطِيِّ قَدْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي جَمَاعَتِهِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَانْتَهَبَ أَمْوَالَهُمْ وَاسْتَبَاحَ قتالهم، فقتل في رحاب مكة وشعابها وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقا كثيرًا، وجلس أميرهم أبو طاهر لَعَنَهُ اللهُ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ، وَالرِّجَالُ تُصْرَعُ حوله، والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام في الشهر الحرام فِي يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، الَّذِي هُوَ مِنْ أَشْرَفِ الأيام، وهو يقول: أنا الله وبالله، أنا أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا. فكان الناس يفرون منهم فَيَتَعَلَّقُونَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَلَا يُجْدِي ذَلِكَ عَنْهُمْ شَيْئًا. بَلْ يُقْتَلُونَ وَهُمْ كَذَلِكَ، وَيَطُوفُونَ فَيُقْتَلُونَ فِي الطَّوَافِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَوْمَئِذٍ يَطُوفُ، فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ أَخَذَتْهُ السُّيُوفُ، فَلَمَّا وَجَبَ أَنْشَدَ وَهُوَ كَذَلِكَ:
تَرَى الْمُحِبِّينَ صَرْعَى فِي دِيَارِهِمُ
…
كَفِتْيَةِ الْكَهْفِ لَا يَدْرُونَ كم لبثوا
فلما قضى القرمطى لعنه الله أمره وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة، أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم، ودفن كثيرا منهم في أماكنهم من الحرم، وفي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَيَا حَبَّذَا تِلْكَ الْقِتْلَةُ وَتِلْكَ الضجعة، وذلك المدفن والمكان، ومع هذا لم يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُكَفَّنُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ محرمون شهداء في نفس الأمر. وَهَدَمَ قُبَّةَ زَمْزَمَ وَأَمَرَ بِقَلْعِ بَابِ الْكَعْبَةِ وَنَزَعَ كُسْوَتَهَا عَنْهَا، وَشَقَّقَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَأَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَصْعَدَ إِلَى مِيزَابِ الكعبة فيقتلعه، فسقط على أم رأسه فمات إلى النار فعند ذلك انكف الخبيث عَنِ الْمِيزَابِ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ يُقْلَعَ الْحَجَرُ الأسود، فجاءه رجل فضربه بِمُثْقَلٍ فِي يَدِهِ وَقَالَ: أَيْنَ الطَّيْرُ الْأَبَابِيلُ، أَيْنَ الْحِجَارَةُ مِنْ سِجِّيلٍ؟ ثُمَّ قَلَعَ الْحَجَرَ الأسود وأخذوه حين رأحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عِنْدَهُمْ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً حَتَّى رَدُّوهُ، كَمَا سنذكره في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 وَلَمَّا رَجَعَ الْقِرْمِطِيُّ إلى بلاده ومعه الحجر الأسود وتبعه أَمِيرُ مَكَّةَ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَجُنْدُهُ وَسَأَلَهُ وتشفع إليه أن يرد الحجر الأسود لِيُوضَعَ فِي مَكَانِهِ، وَبَذَلَ لَهُ جَمِيعَ مَا عنده من الأموال فلم يلتفت إليه، فَقَاتَلَهُ أَمِيرُ مَكَّةَ فَقَتَلَهُ الْقِرْمِطِيُّ وَقَتَلَ أَكْثَرَ أهل بيته، وأهل مكة وَجُنْدِهِ، وَاسْتَمَرَّ ذَاهِبًا إِلَى بِلَادِهِ وَمَعَهُ الْحَجَرُ وأموال الحجيج. وقد ألحد هذا للعين فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلْحَادًا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا يَلْحَقُهُ فِيهِ، وَسَيُجَازِيهِ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ، وَلَا يَوْثِقُ =
سليمان بن أبي ربيعة- مكة يوم التروية فنهب هو وعسكره أموال الحاج وقتلوهم في المسجد والبيت وقلع الحجر الأسود وأرسله إلى بلاد الحساء والقطيف وقتل أمير مكة وقلع باب الكعبة وطرح القتلى في بئر زمزم ودفن البقية في المسجد بلا غسل ولا صلاة وأخذ كسوة البيت فقسمها بين أصحابه ونهب دور مكة، ثم كان رد الحجر إلى مكة سنة اثنتين وثلاثين فكانت مدة غيبته عندهم اثنتين وعشرين سنة، والقرمطي بكسر القاف، والقصة في ذلك مطولة شهيرة
(1)
والله أعلم.
1779 -
وعنِ ابن عمر رضي الله عنهما قال: استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر، ثمَّ وضع شفتيهِ عليه يبكي طويلًا، ثمُّ التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي فقال يا عمر: ها هنا تسكب العبرات. رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وصححه
(2)
، ومن طريقه البيهقي، وقال: تفرَّد به محمد بن عون.
(3)
= وِثَاقَهُ أَحَدٌ. وَإِنَّمَا حَمَلَ هَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا الصنيع أنهم كفار زَنَادِقَةً، وَقَدْ كَانُوا مُمَالِئِينِ لِلْفَاطِمِيِّينَ الَّذِينَ نَبَغُوا في هذه السنة بِبِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الْمَغْرِبِ، وَيُلَقَّبُ أَمِيرُهُمْ بِالْمَهْدِيِّ، وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبِيدُ اللهِ بْنِ ميمون القداح.
(1)
النجم الوهاج (3/ 479 - 480).
(2)
ابن ماجه (2945)، وابن خزيمة (2712)، والحاكم (1/ 454)، ووافقه الذهبي، والبيهقي في شعب الإيمان (4056)، وقال البوصيري في الزوائد (3/ 18)، هذا إسناد ضعيف، وضعفه جدًاالألباني في ضعيف الترغيب (730) وراجع تعليق الشيخ على كلام المنذري والسلسلة الضعيفة (1022).
(3)
ومحمد بن عون: قال يحيى بن معين وأبو داود: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة، وقال في موضع آخر: متروك الحديث. وقال أبو =
قال الحافظ: ولا نعرفه إلا من حديثه، وهو متروك.
قوله: عن ابن عمر، تقدم الكلام على ترجمته.
قوله: استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه ثم وضع شفتيه [عليه يبكي طويلا] فالتفت [فإذا] عمر بن الخطاب يبكي فقال: "يا عمر ها هنا تسكب العبرات"، رواه الحاكم بلفظ "وضع جبهته" بدل شفتيه، فيستحب أن يضع جبهته عليه فإن أمكنه أن يجعل جبهته عليه ثلاثا فليفعل ويستحب استقبال
= زرعة: ضعيف الحديث ليس بقوي. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث.
وقال أبو بشر الدولابي وأبو الفتح الأزدي: متروك الحديث. قال ابن حبان: كان ممن ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الاثبات على قلة روايته فلا يحتج به إلا فيما وافق الثقات.
قال الحافظ: متروك. انظر التاريخ الكبير (1/ 197)، والضعفاء للبخاري (1/ 104)، والجرح والتعديل (8/ 47) والضعفاء للنسائي (532)، والضعفاء للعقيلي (4/ 112)، والمجروحين (2/ 272)، والكامل في الضعفاء (6/ 244) تهذيب الكمال (26/ 240)، وتقريب التهذيب (6203) الذهبي في الميزان (3/ 676). قال الحافظ في الدراية (2/ 13) وروى البخاري من وجه آخر عن ابن عمر أنه سئل عن استلام الحجر فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 193): هذا إسناد ضعيف محمد بن عوف ضعفه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة والبخاري والنسائي وغيرهم رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وصحح إسناده ومن طريقه البيهقي وقال تفرد به محمد بن عون ورواه عبد بن حميد في مسنده عن يعلى به
وأورده الزيلعي في في نصب الراية (3/ 38)، وقال: ورواه العقيلي، وابن عدى في كتابيهما، وأسند ابن عدى تضعيف ابن عون عن البخاري والنسائي وابن معين، وقال ابن حبان في كتاب الضعفاء: هو قليل الرواية، ولا يحتج به إلا إذا وافق الثقات. انتهى.
الحجر الأسود لهذا الحديث، وهذا الاستقبال يظهر أنه حين دخول المسجد يعني أنه يقصده لا في حال الطواف فإن لم يمكنه التقبيل استلمه بيده أو بمحجن وقبله لأنه صلى الله عليه وسلم طاف على بعير يستلم الركن بمحجنه ثم يقبله، رواه مسلم وغيره، والمحجن: عصي محنية الرأس، ثم الأصح أن تقبيل ما يستلم به يكون بعد الاستلام فإن لم يمكنه أشار إليه بيده لأنه قدر استطاعة ولا يشير إلى القبلة بالفم لأنه لم ينقل، واستحب جماعة من العلماء الزحام عند تقبيل الحجر لأن ابن عمر كان يزاحم عليه وذلك مكروه عندنا، وفي مسند الإمام أحمد عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر الأسود فتؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه والا فاستقبله وهلل وكبر والمستحب للمرأة الإشارة باليد مطلقا لقول عائشة وما للنساء واستلام الركن، نعم لو أرادت التقبيل فعلته ليلا عند خلوة المطاف
(1)
، أ. هـ، قاله في مختصر الكفاية.
قوله: "ها هنا تسكب العبرات"، والعبرات جمع عبرة وهي جلب الدمع قاله الجوهري
(2)
وقال ابن سيدة
(3)
العبرة الدمع وقيل هو أن ينهمل الدمع ولا يسمع البكاء، وقيل: هي الدمعة قبل أن تقبض، وقيل: تردد البكاء في الصدر، وقيل: هي الحزن بغير بكاء والصحيح الأول، [وفي] الحديث أن
(1)
كفاية النبيه (7/ 370).
(2)
الصحاح (2/ 732).
(3)
المحكم والمحيط الأعظم (2/ 132).
النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "ما من حبرة الا ستتبعها عبرة"
(1)
والعين العبراء الباكية، أ. هـ قاله في الديباجة.
1780 -
وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ فَدَخَلْنَا مَكَّة ارْتِفَاع الضُّحَى فَأتى يَعْنِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَاب الْمَسْجِد فَأَنَاخَ رَاحِلَته ثمَّ دخل الْمَسْجِد فَبَدَأَ بِالْحجرِ فاستلمه وفاضت عَيناهُ بالبكاء فَذكر الحَدِيث قَالَ وَرمل ثَلَاثًا وَمَشى أَرْبعا حَتَّى فرغ فَلَمَّا فرغ قبل الْحجر وَوضع يَدَيْهِ عَلَيْهِ ثمَّ مسح بهما وَجهه رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم
(2)
.
قوله: عن جابر بن عبد الله، تقدم الكلام على ترجمته.
قوله: فدخلنا مكة ارتفاع الضحى فأتى يعني النبي صلى الله عليه وسلم باب المسجد فأناخ راحلته ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر -يعني الأسود-[فاستلمه وفاضت] عيناه بالبكاء" الحديث.
قوله: فدخلنا مكة، وسميت مكة بالميم [لقلة] مائها من قولهم أمتك الفضيل أمه إذا استخرج ما في ضرعها، وقيل: لأنها تمك الذنوب أي تذهب بها، وبكة: بالباء، قيل هما اسم البلد، قيل: بالميم الحرم كله، وبالباء المسجد، قيل: بالميم البلد وبالباء موضع البيت، قاله مالك، قال ابن رشد: أخذ ذلك من قوله عز وجل لأنه قال في بكة {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ}
(3)
وهو إنما
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في الاعتبار (1) عن أنس.
(2)
ابن خزيمة (2713)، والحاكم (1/ 454)، والبيهقي (5/ 74).
(3)
سورة آل عمران، الآية:96.
وضع موضعه الذي وضع فيه لا فيما سواه من القرية، وقال في مكة {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ}
(1)
وذلك إنما [كان] في القرية لا في موضع البيت، ولها أسماء كثيرة مكة وبكة والبلد، والبلد الأمين والبيت والبيت العتيق والبيت الحرام والمأموم وأم رحم بضم الراء وأم القرى وصلاح كقطام والقادسة من التقديس وهو التطهير لأنها تطهر من الذنوب والمقدسة والنساسة بالنون وسينين مهملتين، وقيل: الناسة أيضا بسين واحدة والباسة أيضا بالباء وسين واحدة لأنها تبس من الحد فيها أي تحطمه، وقيل: تبسهم تخرجهم منها والحاطمة والرأس مثل رأس الإنسان وكوثى بضم الكاف وثاء مثلثة باسم بقعة بها كانت منزل بني عبد الدار، قاله عياض
(2)
، قال النووي رحمه الله
(3)
: ولا نعلم بلدا أكثر أسماء من مكة والمدينة لكونهما أفضل الأرض، وذلك لكثرة الصفات المقتضية للتسمية وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، ولهذا كثرت أسماء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، قيل: أن لله تعالى ألف اسم ولرسوله صلى الله عليه وسلم كذلك ومكة أفضل الأرض إلا الموضع الذي ضم أعضاء النبي صلى الله عليه وسلم فهو أفضل من كل البقاع بالإجماع
(4)
:
(1)
سورة الفتح، الآية:24.
(2)
مشارق الأنوار (1/ 392).
(3)
تهذيب الأسماء واللغات (4/ 157).
(4)
ذكره كمال الدين الدميري في النجم الوهاج في شرح المنهاج (3/ 465). ولم أجد دليلا شرعيا على ذلك.
جَزَمَ الْجَمِيعُ بِأَنَّ خَيْرَ الْأَرْضِ مَا
…
قَدْ حَاطَ ذَاتَ الْمُصْطَفَى وَحَوَاهَا
نَعَمْ لَقَدْ صَدَقُوا بِسَاكِنِهَا عَلَتْ
…
كَالنَّفْسِ حِينَ زَكَتْ زَكَى مَأوَاهَا
(1)
وأنشد بعضهم:
فمكة خير أرض الله إلا
…
ضريحا فيه خير خلق الله باقي
وفي مثير الغرام الساكن عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنبِّهٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَا بَعَثَ اللهُ تَعَالَى مَلَكًا وَلا سَحَابَةً فَتَمُرُّ حَيْثَ تُبْعَثُ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ تَمْضِي حَيْثُ أُمِرَتْ. وروي الليث بن سعد عن عطاء بن خالد قال: يحج عيسى بن مريم إذا نزل في سبعين ألفا فيهم أصحاب الكهف فإنهم لم يموتوا ولم يحجوا
(2)
وقال في باب [توقان] النفوس إلى مكة التائقون إلى مكة ستة أقسام، الأول: من تكون وطنا له وهذا ظاهر، الثاني: من يتردد إليها للتجارة، الثالث: أن يكون محصورا في بلد فيحب النزهة والفرحة فيروح نفسه بذلك محبة للراحة، الرابع: من تبطن نفسه الرياء ويخفيه عنه حتى لا يكاد يحس به وذلك لمحبة قول الناس له قد حج فلان، وهذ من الغرور الذي يجب الحذر منه، الخامس: من يعلم فضل الحج فيتشوق إلى ثواب الله عز وجل وهذا هو المؤمن، السادس: توقان عام ليس له سبب من الأسباب المتقدمة إلا ان فيه شائبة من القسم الخامس الذي هو صفة المؤمن وهو أن قوما يشوفون ويحدون قلقا لأنه يبعث عليه شيء من الأسباب المتقدمة، وليس المكان
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (4/ 156 - 157)، والنجم الوهاج (3/ 465 - 466).
(2)
مثير الغرام الساكن (ص 372 و 377).
مستلذا في نفسه فيوجب ذلك القلق فهذا السد الغامض الذي يحتاج إلي الكشف ولهذا التوقان ثلاثة أسباب أحدها: دعاء الخليل عليه الصلاة والسلام حين قال: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}
(1)
قال ابن عباس: معناه تحن إليهم ولو قال: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} لحجه اليهود والنصارى لكنه قال من الناس، الثاني: أنه قد جاء في الحديث أن الله تعالى ينظر إلى الكعبة ليلة النصف من شعبان فتحن القلوب إليها وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليلة النصف من شعبان تنسخ فيها الآجال [ويكتب] فيها الحاج، والثالث: أن الله تعالى أخذ العهد من ذرية آدم بأرض نعمان وهي عرفة بقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}
(2)
فذلك المكان أول وطن والنفس أبدًا تنازع إلى حب الوطن والأوطان أبدا محبوبة
(3)
أ. هـ قاله في الديباجة.
قوله: "ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر الأسود فاستلمه وفاضت عيناه بالدموع" تقدم الكلام على الاستلام وهو المسح باليد بلا خلاف فلهذا يستحب لداخل المسجد أن يستلم الحجر في أول الطواف كما صرح به الحديث.
قوله: "ورمل ثلاثا ومشى أربعا حتى فرغ" الرمل: بتحريك الميم وفتحها
(1)
سورة إبراهيم، الآية:37.
(2)
سورة البقرة، الآية:172.
(3)
مثير الغرام الساكن (ص 73 - 75).
قال العلماء هو الإسراع في المشي مع تقارب الخطا وهو الخبب دون شدة العدو
(1)
ويمشى في الأربعة الأخيرة بسكينة، قال العلماء: الرمل مطلوب في كل طواف يعقبه سعي قالوا: ولا يشرع استحباب الرمل في غير طواف الحج والعمرة ولا في طواف الوداع
(2)
أ. هـ.
فيه دليل على استحباب الرمل والأكثرون على استحبابه مطلقا في طواف القدوم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده وإن كافت العلة التي ذكرها ابن عباس قد زالت فيكون استحبابه في ذلك الوقت لتلك العلة وفيما بعد ذلك تأسيا واقتداء بما فعل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وفي ذلك من الحكمة بذكر الوقائع الماضية للسلف الكرام، وفى طي ذلك تذكر مصالح دينية إذ تبين في أثناء كتيرة منها ما كانوا عليه من امتثال أمر الله تعالى والمبادرة إليه وبذل الأنفس في ذلك وبهذه النكتة يظهر لك كثير من الأعمال التي وقعت في الحج يقال فيها أنها تعبد ليست كما قيل
(3)
، قال ابن عباس:"قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة فقال المشركون: يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين"
(4)
(1)
الايضاح (ص 233)، والروضة (3/ 86)، وشرح النووي على مسلم (9/ 7).
(2)
المجموع (8/ 20)، وشرح النووي على مسلم (8/ 175) و (9/ 7)، والمنهاج (ص 87)، والعدة (2/ 1104)، وعمدة السالك (ص 132 - 133)، وكشف المناهج (2/ 372)، والاعلام (6/ 207 - 208)، والنجم الوهاج (3/ 490 - 491).
(3)
إحكام الأحكام (2/ 71).
(4)
أخرجه البخاري (1602) و (4256)، ومسلم (237 و 240 - 1264).
الحديث، أَلَا تَرَى أَنَّا إذَا فَعَلْنَاهَا وَتَذَكَّرْنَا أَسْبَابَهَا: حَصَلَ لَنَا مِنْ ذَلِكَ تَعْظِيمُ الْأَوَّلِينَ، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ احْتِمَالِ الْمَشَاقِّ فِي امْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ، فَكَانَ هَذَا التَّذَكُّرُ بَاعِثًا لَنَا عَلَى عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَمُقَرِّرًا فِي أَنْفُسِنَا تَعْظِيمَ الْأَوَّلِينَ. وَذَلِكَ مَعْنًى مَعْقُولٌ. مِثَالُهُ: السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. إذَا فَعَلْنَاهُ وَتَذَكَّرْنَا أَنَّ سَبَبَهُ: قِصَّةُ هَاجَرَ مَعَ ابْنِهَا، وَتَرْكُ الْخَلِيلِ لَهُمَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الْمُوحِشِ مُنْفَرِدَيْنِ مُنْقَطِعَيْ أَسْبَابِ الْحَيَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ، مَعَ مَا أَظْهَرهُ اللهُ تَعَالَى لَهُمَا مِنْ الْكَرَامَةِ، وَالْآيَةِ فِي إخْرَاجِ الْمَاءِ لَهُمَا -كَانَ فِي ذَلِكَ مَصَالِحُ عَظِيمَةٌ. أَيْ فِي التَّذَكُّرِ لِتِلْكَ الْحَالِ. وَكَذَلِكَ "رَمْيُ الْجِمَارِ" إذَا فَعَلْنَاهُ، وَتَذَكَّرْنَا أَنَّ سَبَبَهُ: رَمْيُ إبْلِيسٍ بِالْجِمَارِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عِنْدَ إرَادَةِ الْخَلِيلِ ذَبْحَ وَلَدِهِ: حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ مَصَالِحُ عَظِيمَةُ النَّفْعِ فِي الدِّينِ
(1)
، أ. هـ قاله ابن العماد.
تنبيه: يستحب أن يقال في الرمل اللهم اجعله حجًّا مبرورًا وذنبا مغفورًا وسعيًا مشكورًا، قال الرافعي: إن ذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
، والمبرور الذي لم يخالطه ذنب، والسعي المشكور: العمل المتقبل قال الله تعالى: {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}
(3)
(4)
ويستحب أن يقال في الأربعة
(1)
إحكام الأحكام (2/ 71)، والعدة (2/ 1002)، والاعلام (6/ 206 - 207). ورياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (4/ 20).
(2)
العزيز شرح الوجيز (3/ 404).
(3)
سورة الإسراء، الآية:19.
(4)
النجم الوهاج (3/ 491).
الأخيرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك انت الأعز الأكرم، فإن كان في عمرة قال: وعمرة متقبلة بدلا من حجا مبرورا، روي:"رب اغفر وارحم واهدنا السبيل الأقوم"
(1)
، ويستحب في السعي الطهارة والستر [والمشى] والموالاة بينه وبين الطواف وكذلك الموالاة بين السبع، ويكره أن يقف في سعيه لحديث، ولو أقيمت الصلاة قطعه وصلى ثم بنى
(2)
. أ. هـ.
فرع: لو طاف راكبا أو محمولا ففي قول لا يرمل لأنه فيه أذى الناس والأصح أن الحامل يرمل بالمحمول والراكب يحرك الدابة
(3)
.
فرع آخر: لو ترك الرمل في الثلاثة الأول لم يأت به في الأربعة الأخيرة لأن المشي فيها سنة فلا تترك سنة لسنة أخرى، فإن قيل: لو منعته الزحمة عند قربه من البيت من الرمل ولم يرج زوالها فإنه يتباعد عنه ليرمل فقد ترك سنة القرب لسنة الرمل، قيل: ثم السنتان في نفس العبادة فلا [يكون] لأحدهما [مزية فإن] القرب فضيلة في محل العبادة والرمل فضيلة في نفس العبادة فقط، كما أن الصلاة جماعة في البيت أفضل منها منفردا في المسجد نعم قال الماوردي: إن كان إذا تباعد ليرمل خالط النساء لفعلهن ما هو الأفضل في حقهن وهو الطواف متباعدا فليقرب من البيت ويترك الرمل ويستحب أن
(1)
السنن الكبرى للبيهقى (5/ 137) والمعرفة (7/ 230)، والأذكار (ص 194)، والنجم الوهاج (3/ 491).
(2)
النجم الوهاج (3/ 502 - 503).
(3)
المجموع (8/ 44) والروضة (3/ 87)، وكفاية النبيه (7/ 379).
يشير بالرمل
(1)
أ. هـ قاله في مختصر الكفاية.
قوله في الحديث: "فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحجر ووضع يديه عليه ثم مسح بهما وجهه" ولهذا كان عمر بن الخطاب يقبل الحجر الأسود ويقول: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولو لا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، وفي بعض طرقه: لما قال عمر ذلك قرأ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}
(2)
روي أنه لما قال ذلك، قال له أبي بن كعب: إنه يضر وينفع إنه يأتي يوم القيامة وله لسان ذلق يشهد لمن قبله واستلمه فهذه منفعته
(3)
، قال الخطابي
(4)
وكذا الروياني: فيه من العلم أن متابعة السنن واجبة وإن لم يوقف لها على علل معلومة وأسباب معقولة وأن أعيانها حجة على من بلغته وإن لم يفقه معانيها إلا أن معلوما في الجملة أن تقبيل الحجر إنما هو إكرام له وإعظام لحقه وتبرك به وقد فضل الله بعض الأحجار على بعض كما فضل تلك البقعة على سائر البقاع والبلدان على بعض، ويوم عرفة
(1)
كفاية النبيه (7/ 379 - 380).
(2)
سورة الأحزاب، الآية:21.
(3)
بحر المذهب (3/ 472). والحديث أخرجه الأزرقى في أخبار مكة (1/ 323 - 324)، والحاكم في المستدرك (1/ 457)، والبيهقي في الشعب (3749) والقائل هو على بن أبي طالب. قال الحاكم: ليس من شرط الشيخين، فإنهما لم يحتجا بأبي هارون عمارة بن جوين العبدي وقال البيهقي: أبو هارون العبدي غير قوي. وقال الذهبى: أبو هارون ساقط. وقال الحافظ في الفتح (4/ 208): وفي إسناده أبو هارون العبدي وهو ضعيف جدًّا.
(4)
ينظر: أعلام الحديث (2/ 875)، ومعالم السنن (2/ 191)، وبحر المذهب (2/ 472).
على سائر الأيام وكما فضل بعض الليالي والشهور وباب هذا كله التسليم، وهذا أمر سائغ في العقول جائز فيها غير ممتنع ولا مستنكر وليس لهذه الأمور علة يرجع إلها وإنما هو حكم الله تعالى ومشيئته لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون، ففيه استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف ويستحب أيضا وضع الجبهة عليه خلافا لمالك وهو من مفاريد مذهبه وإنما قال إنك لا تضر ولا تنفع خوفا من أن يرى تقبيله قريبو العهد بالإسلام الذين ألفوا عبادة الأصنام من الحجارة وتعظيما ورجاء نفعها فيشتبه عليهم الأمر فصرح عمر بأنه لا يضر ولا ينفع وأشاع هذا في الموسم ليشتهر في البلدان ويحفظه عنه أهل الموسم المختلفي الأوطان
(1)
والله أعلم.
1781 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل الْبَيْت دخل فِي حَسَنَة وَخرج من سَيِّئَة مغفورًا لَهُ" رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من رِوَايَة عبد الله بن المؤمل
(2)
.
قوله: عن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة مغفورًا له"[رواه ابن خزيمة فى صحيحه من رواية] عبد الله بن المؤمل، نفس دخول الكعبة مثاب عليه لهذا الحديث، وقد نص الشافعي على استحباب دخول
(1)
الكواكب الدراري (8/ 116).
(2)
ابن خزيمة (3013)، والطبراني في الكبير (11490)، والبيهقي (5/ 158)، والبزار (1161) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5574).
البيت لهذا الحديث، فيستحب لمن حج أو اعتمر أن يدخل البيت إن لم يؤذ غيره بمزاحمة وغيرها
(1)
لما روى أبو داود
(2)
عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة وبلال فأغلقها عليهم فمكث فيها.
ولدخولها آداب، منها: كف البصر من غير تأمل جدرانه وسقوفه
(3)
لأنه صلى الله عليه وسلم لما دخله لم يرفع رأسه إلى السقف
(4)
، ومنها: أن يكون متواضعا خاشعا
(1)
البيان (4/ 373)، وكفاية النبيه (7/ 521)، وإعلام الساجد (ص 111 - 112)، وطرح التثريب (5/ 130).
(2)
أبو داود (2023) و (2024) وهو مروي في البخاري (505).
(3)
إعلام الساجد (ص 112).
(4)
أخرج ابن خزيمة (3012)، والحاكم (1/ 479)، والبيهقي في الكبرى (5/ 258 رقم 9726) عن عن سالم بن عبد الله، أن عائشة، كانت تقول: عجبا للمرء المسلم إذا دخل الكعبة كيف يرفع بصره قبل السقف يدع ذلك إجلالا لله وإعظاما؟ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها. وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبى. وصححه الألباني في الإرواء تحت حديث: 354. قال أبو حاتم في العلل (895): هو حديث منكر. قلنا فيه: أحمد بن عيسى بن زيد بن عبد الجبار بن مالك اللخمي قال عنه ابن عدي: له مناكير وقال الدارقطني: ليس بقوي وكذبه ابن طاهر. وهو من رواية عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد:
قال أحمد: في رواية الشاميين عن زهير يروون عنه مناكير، أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر، وأما أحاديث أبي حفص ذاك التنيسي عنه فتلك بواطيل موضوعة أو نحو هذا. وقال النسائي: زهير بن محمد ليس به بأس وعند عمرو بن أبي سلمة يعني التنيسي عنه مناكير. وقال البخاري: ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير، وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح.
خاضعًا
(1)
وغير ذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندي وهو قرير العين طيب النفس ثم رجع إلى وهو حزين فقال: "إني دخلت الكعبة ووددت أني لم أكن فعلت إني أخاف أن أكون أتعبت أمتي من بعدي" رواه أحمد وأبو داود والترمذي
(2)
وصححه، وقال البيهقي: ولأنه أشرف الأرض ومحل الرحمة، ومنها: ان يدخله حافيا تعظيما له
(3)
، ومنها: أن يدخله تائبا منيبا، ومنها: أن يدخله مرات مرة يصلي فيه ركعتين ومرة أربعا ومرة يدعو فقط لاختلاف الروايات في ذلك وحمله المحققون على دخوله مرات أ. هـ. قاله الزركشي
(4)
.
والمراد بالصلاة فيه صلاة النفل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الفرض فالقياس أن يكون خارجها أفضل خروجا من خلاف مالك فإنه لا يرى بصحته فيها
(5)
لكن نقل النووي
(6)
عن الأصحاب أنه إن رجى جماعة فخارجها أفضل وإلا ففيها أفضل، ويستحب أن يقصد مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
المجموع (8/ 269) وإعلام الساجد (ص 112 - 113).
(2)
أخرجه أحمد (25056)، والترمذي (873)، وابن ماجه (3064)، وابن خزيمة (3014) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(3)
المجموع (8/ 269)، والروضة (3/ 118).
(4)
إعلام الساجد (ص 112 - 113)، وانظر: النجم الوهاج (3/ 555).
(5)
كذا في الأصل ولعله: لا يرى صحتها فيه أو لا يرى بالصحة كما في كفاية النبيه (7/ 522 - 523).
(6)
الايضاح في مناسك الحج والعمرة (ص 396 - 397).
فإذا دخل من الباب مشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع فيصلي هناك ويدعوا في جوانبه بحضور القلب
(1)
ويستحب الإكثار من دخول الحجر والصلاة فيه والدعاء لسهولته لأنه من البيت أو بعضه
(2)
، قال الحسن البصري في رسالته المشهورة: الدعاء يستجاب في خمسة عشر موطنا في الطواف والملتزم وتحت الميزاب وفي البيت وعند زمزم وعلى الصفا والمروة وفي المشعر وخلف المقام وفي عرفات ومزدلفة ومنى وعند الجمرات الثلاث وقال ابن عباس من دعى في الملتزم من ذي غم أو ذي كربة فرج الله عنه
(3)
، وفي الحديث: إن هناك ملكا يؤمن على الدعاء
(4)
.
فرع: يستحب أن يختم القرآن بمكة وأن ينوي الاعتكاف كلما دخل المسجد الحرام وأن يزور الأماكن المشهورة بالفضل منها البيت الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم وهو اليوم في مسجد في زقاق يسمى زقاق المولد، ومنها: بيت خديجة الذي كان صلى الله عليه وسلم يسكنه معها إلى أن هاجر فجعله معاوية مسجدا في دار الأرقم وهي دار الخيزران عند الصفا كان صلى الله عليه وسلم مستترا فيها في أول
(1)
الايضاح (ص 394)، والروضة (3/ 118)، وكفاية النبيه (7/ 532).
(2)
المجموع (8/ 269) والنجم الوهاج (3/ 556).
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 321 رقم 11873) بلفظ بين الركن والمقام ملتزم؛ ما يدعوبه صاحب عاهة إلا برئ. قال الهيثمي في المجمع 3/ 246: رواه الطبراني في الكبير، وفيه عباد بن كثير الثقفي، وهو متروك. وضعفه جدا الألباني في الضعيفة (2149).
(4)
النجم الوهاج (3/ 553 - 554).
الإسلام، ومنها: الغار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه بحراء ومنها الغار الذي بجبل ثور وهو المراد بقوله تعالى: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ}
(1)
(2)
قاله في مختصر الكفاية.
خاتمة: يستحب أن يحمل المسافر إلى أهله هدية لما روى البيهقي في الشعب عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قدم أحدكم على أهله من سفر فليهد لأهله وليطرفهم ولو كان حجارة"
(3)
، ويستحب إذا قدم من وطنه أن يرسل إليهم من يعلمهم بقدومه إلا أن يكون في قافلة اشتهر عند أهل البلد وقت دخولها ويكره أن يطرقهم ليلا والسنة أن يتلقى المسافر وأن يقال له إذا كان حاجا قبل الله تعالى حجك وغفر ذنبك وأخلف نفقتك، وَإِنْ كَانَ غَازِيًا قِيلَ لَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَصَرَك، وَأَكْرَمَك، وَأَعَزَّك، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ عِنْدَ دُخُولِهِ بِأَقْرَبِ مَسْجِدٍ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بنِيَّةِ صَلَاةِ الْقُدُومِ وَيستحب النَّقِيعَةُ وَهِيَ طَعَامٌ يُعْمَلُ لِقُدُومِ الْمُسَافِرِ
(4)
.
(1)
سورة التوبة، الآية:40.
(2)
كفاية النبيه (7/ 527 - 528).
(3)
أخرحه البيهقي في الشعب (6/ 75 رقم 3905)، وابن الجوزى في العلل (946). قال البيهقي: تفرد به عتيق، عن يحيى. قال ابن الجوزى: وهذا لا يصح. قال ابن حبان: محمد بن المنذر يروي عن الأثبات الموضوعات لا يحل كتب حديثه إلا على الاعتبار وعتيق مجهول. وضعفه الألباني جدا في ضعيف الجامع (625).
(4)
النجم الوهاج (3/ 629). وتحفة المحتاج (4/ 214).