المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في الغزاة في البحر وأنها أفضل من عشر غزوات في البر - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٦

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌التَّرْغِيب فِي تَعْجِيل الْفطر وَتَأْخِير السّحُور

- ‌الترغيب في الفطر على التمر فإن لم يجد فعلى الماء

- ‌التَّرْغِيب فِي إطْعَام الطَّعَام

- ‌ترغيب الصَّائِم فِي أكل المفطرين عِنْده

- ‌ترهيب الصَّائِم من الغَيْبَة وَالْفُحْش وَالْكذب وَنَحْو ذَلِك

- ‌التَّرْغِيب فِي الِاعْتِكَاف

- ‌التَّرْغِيب فِي صَدَقَة الْفطر وبَيَان تأكيدها

- ‌كتاب الْعِيدَيْنِ وَالْأُضْحِيَّة

- ‌التَّرْغِيب فِي إحْيَاء لَيْلَتي الْعِيدَيْنِ

- ‌التَّرْغِيب فِي التَّكْبِير فِي الْعِيد وَذكر فَضله

- ‌التَّرْغِيب فِي الْأُضْحِية وَمَا جَاءَ فِيمَن لم يضح مَعَ الْقُدْرَة وَمن بَاعَ جلد أضحيته

- ‌التَّرْهِيب من الْمثلَة بِالْحَيَوَانِ وَمن قَتله لغير الْأكل وَمَا جَاءَ فِي الْأَمر بتحسين القتلة والذبحة

- ‌كتاب الحج

- ‌الترغيب في الإحرام من المسجد الأقصى

- ‌التَّرْغِيب فِي النَّفَقَة فِي الْحَج وَالْعمْرَة وَمَا جَاءَ فِيمَن أنْفق فيهمَا من مَال حرَام

- ‌التَّرْغِيب فِي الْعمرَة فِي رَمَضَان

- ‌التَّرْغِيب فِي التَّوَاضُع فِي الْحَج والتبذل وَلبس الدون من الثِّيَاب اقْتِدَاء بالأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌التَّرْغِيب فِي الْإِحْرَام والتلبية وَرفع الصَّوْت بهَا

- ‌التَّرْغِيب فِي الْإِحْرَام من الْمَسْجِد الْأَقْصَى

- ‌الترغيب في الطواف واستلام الحجر الأسود والركن اليماني وما جاء في فضلهما وفضل المقام ودخول البيت

- ‌[الترغيب في العمل الصالح في عشر ذي الحجة وفضله]

- ‌التَّرْغِيب فِي الْوُقُوف بِعَرَفَة والمزدلفة وَفضل يَوْم عَرَفَة

- ‌التَّرْغِيب فِي رمي الْجمار وَمَا جَاءَ فِي رَفعهَا

- ‌التَّرْغِيب فِي حلق الرَّأْس بمنى

- ‌التَّرْغِيب فِي شرب مَاء زَمْزَم وَمَا جَاءَ فِي فَضله

- ‌ترهيب من قدر على الْحَج فَلم يحجّ وَمَا جَاءَ فِي لُزُوم الْمَرْأَة بَيتهَا بعد قَضَاء فرض الْحَج

- ‌التَّرْغِيب فِي الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الْمَدِينَة وَبَيت الْمُقَدّس وقباء

- ‌الترغيب في سكنى المدينة إلى الممات وما جاء في فضلها وفضل أحد ووادي [القرى]

- ‌الترهيب من إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء

- ‌كتاب الجهاد

- ‌الترغيب في الرباط في سبيل الله عز وجل

- ‌الترغيب في الحراسة في سبيل الله تعالى

- ‌الترغيب في النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة وخلفهم ها أهليهم

- ‌الترغيب في احتباس الخيل في الجهاد لا رياء ولا سمعة وما جاءه في فضلها، والترغيب فيها يذكر منها والنهي عن قص نواصيها لأن فيها الخير والبركة

- ‌ترغيب الغازي والمرابط في الإكثار من العمل الصالح من الصوم والصلاة والذكر ونحو ذلك

- ‌الترغيب في الغدوة في سبيل الله والروحة وما جاء في فضل المشي والغبار في سبيل الله والخوف فيه

- ‌الترغيب في سؤال الشهادة في سبيل الله

- ‌الترغيب في الرمي في سبيل الله وتعلمه والترهيب من تركه بعد تعلمه رغبة عنه

- ‌التَّرْغِيب فِي الْجِهَاد فِي سَبِيلِ اللّه تَعَالَى وَمَا جَاءَ فِي فضل الْكَلم فِيهِ وَالدّعَاءِ عِنْد الصَّفّ والقتال

- ‌الترغيب في إخلاص النية في الجهاد وما جاء فيمن يولد الأجر والغنيمة والذكر وفضل الغزاة إذا لم يغنموا

- ‌الترهيب من الفرار من الزحف

- ‌الترغيب في الغزاة في البحر وأنها أفضل من عشر غزوات في البر

- ‌الترهيب من الغلول والتشديد فيه وما جاء فيمن ستر على غال

- ‌الترغيب في الشهادة وما جاء في فضل الشهداء

- ‌الترهيب من أن يموت الإنسان ولم يغز ولم ينو الغزو وذكر أنواع من الموت تلحق أربابها بالشهداء والترهيب من الفرار من الطاعون

- ‌فصل

الفصل: ‌الترغيب في الغزاة في البحر وأنها أفضل من عشر غزوات في البر

‌الترغيب في الغزاة في البحر وأنها أفضل من عشر غزوات في البر

2089 -

عَن أنس رضي الله عنه: أَنَّ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم كَانَ يدْخل على أم حرَام بنت ملْحَان فتطعمه وَكَانَت أم حرَام تَحت عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه فَدخل عَلَيْهَا رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فأطعمته ثمَّ جَلَست تفلي رَأسه فَنَامَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ثمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يضْحك قَالَت فَقلت يَا رَسُول اللّه مَا يضحكك قَالَ نَاس من أمتِي عرضوا عَليّ غزَاة فِي سَبِيل اللّه يركبون ثبج هَذَا الْبَحْر ملوكا على الأسرة أَو مثل الْمُلُوك على الأسرة قَالَت فَقلت يَا رَسُول اللّه ادْع اللّه أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم فَدَعَا لَهَا ثمَّ وضع رَأسه فَنَامَ ثمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يضْحك قَالَت فَقلت مَا يضحكك يَا رَسُول اللّه قَالَ نَاس من أمتِي عرضوا عَليّ غزَاة فِي سَبِيل اللّه كمَا قَالَ فِي الأولى قَالَت فَقلت يَا رَسُول اللّه ادْع اللّه أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم قَالَ أَنْت من الْأَوَّلين فركبت أم حرَام بنت ملْحَان الْبَحْر فِي زمن مُعَاوِيَة فصرعت عَن دابتها حِين خرجت من الْبَحْر فَهَلَكت رضي الله عنها رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَاللَّفْظ لَهُ

(1)

.

قَالَ المملي رضي الله عنه كَانَ مُعَاوِيَة رضي الله عنه قد أغزى عبَادَة بن الصَّامِت قبرس فَركب الْبَحْر غازيا وَركبت مَعَه زَوجته أم حرَام.

(1)

البخاري (2788)، وفي الأدب المفرد (952)، ومسلم (1912)، وأحمد (13790)، وأبو داود (2491)، والترمذي (1645).

ص: 536

ثبج الْبَحْر هُوَ بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة بعدهمَا جِيم مَعْنَاهُ وسط الْبَحْر ومعظمه.

قوله: عن أنس رضي الله عنه، تقدم الكلام على أنس رضي الله عنه.

قوله: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان، الحديث، ملحان: بكسر الميم وإسكان اللام، واسمه مالك بن خالد بن زيد بن حرام، وأم حرام بفتح الحاء والراء المهملتين وبعد الألف ميم، قيل: اسمها الرميصاء، وقيل: غير ذلك، وهي أخت أم سليم أم أنس بن مالك زوجة أبي طلحة الأنصاري، وقيل: النمري، لم أقف لها على اسم صحيح وهي أنصارية نجارية خالة أنس بن مالك نسبًا وخالة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رضاعا، واتفق العُلماء على أن أم حرام كانت محرما لسيدنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، واختلفوا في ذلك فقال ابن عبد البر

(1)

وغيره كانت إحدى خالاته من الرضاع، وقال آخرون: بل كانت خالة لأبيه أو لجده لأن عبد المطلب كانت أمه من بني النجار وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يأتيها زائرا والزيارة من صلة الرحم وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأطعمته تم جلست تفلي رأسه، الحديث، قال المنذري في حواشي مختصر سنن أبي داود: ظاهره أنه كان زوجها حين نام النبي صلى الله عليه وسلم غير أنه جاء في الحديث الآخر ما يبين ذلك وأن عبادة بن الصامت تزوجها بعد ذلك فأخبر الابن في

(1)

ينظر الاستذكار (5/ 124) والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (16/ 222).

ص: 537

الحديث الأول عن حالها بعد لا في ذلك الوقت، وفسره في الثاني

(1)

، ا. هـ.

فتحمل الرِّواية الأولى على موافقة الثانية ويكون قد أخبر عما صار حالها بعد ذلك، وقوله "ثم جلست تفلي رأسه" تفلي بفتح التاء وإسكان الفاء وكسر الميم فيه جواز فلي الرأس وقتل القمل منه ومن غيره، قال النووي

(2)

: قال أصحابنا قتل القمل وغيره من المؤذيات مستحب وفيه جواز ملامسة المحرم في الرأس وغيره مما ليس بعورة وجواز الخلوة بالمحرم والنوم عندها وهذا كلّه مجمع عليه، ا. هـ وما نقله في الإجماع في المسائل الثلاث صحيح، وما ذكره من الاتفاق على أن أم حرام كانت محرما له صلى الله عليه وسلم ليس بصحيح ومن أحاط علما بنسب النبي صلى الله عليه وسلم ونسب أم حرام علم أنه ليس محرما لها وقد بين ذلك الحافظ شرف الدين الدمياطي في جزء مفرد

(3)

وأما الجواب عن قصة أم حرام فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل ذلك مع كلّ أحد لكن أم حرام لها خصوصية فلذلك كان يقيل عندها وتفلي رأسه صلى الله عليه وسلم، وأيضًا فقد صح أن أبا بكر قبل خد عائشة وهي نائمة، وكان قد دخل عليها وهي مضطجعة أصابتها حمى فقال: كيف أنت يا بنية؟ وقبل خدها، وفي رواية: أن فاطمة كانت إذا دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قام إليها ورحب بها وأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وقال مالك: ولا بأس أن يقبل الرجل خد ابنته

(1)

إكمال المعلم (6/ 340 - 341).

(2)

شرح النووي على مسلم (13/ 58).

(3)

خصائص النبي صلى الله عليه وسلم لابن الملقن (ص 220 - 221).

ص: 538

وَلَا يُقَبِّلُ خَدَّ ابْنِهِ ولا غيره لأنه لم يكن من فعل الماضين

(1)

، وقال النووي

(2)

: وفي الحديث جواز أكل الضيف عند الأمة المزوجة.

قوله: إلا أن يعلم أنه من مال الزوج ويعلم أنه يكره أكله من طعامه.

قوله: فنام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ إلى آخره، هذا الضحك مرحا وسرورًا بكون أمته تبقى بعده متظاهرة بأمور الإسلام قائمة بالجهاد حتى في البحر

(3)

، وسروره بما يفتح اللّه عليهم في الدنيا وما يجب لهم من الأجر في الآخرة

(4)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثبج هذا البحر" معناه: وسط البحر ومعظمه، قاله المنذري، وقال غيره: هو ظهره ووسطه

(5)

.

قوله: "مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ، أَوْ: مِثْلَ المُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ"، شَكَّ إِسْحَاقُ" ابن عبد اللّه أنه قال: ملوكًا أو مثل الملوك. والأسرة: جمع سرير شبههم بالملوك لفضل الجهاد في سبيل اللّه، وقيل: هو صفتهم في الآخرة إذا دخلوا الجنة كما قال اللّه تعالى: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ}

(6)

و {عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ}

(7)

، وقيل: يحتمل أن يريد حالهم في الدنيا من ركوب البحر

(1)

قضاء أرب في أسئلة حلب (ص 256 - 258) للسبكى.

(2)

شرح النووي على مسلم (13/ 58).

(3)

شرح النووي على مسلم (13/ 58).

(4)

إكمال المعلم (6/ 338).

(5)

شرح النووي على مسلم (13/ 58).

(6)

سورة الواقعة، الآية:16.

(7)

سورة يس، الآية:56.

ص: 539

مراكب الغزاة أو الملوك لسعة حالهم واستقامة أمرهم وكثرة عددهم وجودة آلاتهم فكأنهم الملوك على أسرتهم وهذا هو الأصح

(1)

.

قوله: فقالت أم حرام: قلت: يا رسول اللّه، ادع اللّه أن يجعلني منهم فدعا لها، ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك، إلى قوله: فقلت يا رسول اللّه: ادع اللّه أن يجعلني منهم! قال: "أنت من الأولين"، ومعنى قوله "أنت من الأولين" أي: لا تركبين البحر ثانيًا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا لها في الأولى فهذا يدلّ على أن عرض فيها عليه غير الطائفة الأولى، ففي هذا الحديث دليل على جواز الركوب في البحر للجهاد، ولسرور النبي صلى الله عليه وسلم بما عرض عليه من ذلك، وفيه دليل على أن رؤياه الثانية غير الأولى فيه وجه من إعلام نبوءته صلى الله عليه وسلم أخبر بها صلى الله عليه وسلم قبل وقوعها فكانت كما أخبر، منها جهاد أمته في البحر وضحكه دليل على أن اللّه تعالى يفتح لهم ويغنمهم، وفيه معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم منها إخباره ببقاء أمته بعده وأنه يكون لهم شوكة وقوة وعدد وأنهم يغزون وأنهم يركبون البحر وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان وأنها تكون معهم وقد وجد بحمد الله تعالى كلّ ذلك وفيه فضيلة لتلك الجيوش وأنهم غزاة في سبيل اللّه

(2)

.

قوله: فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت رضي الله عنها، الحديث، قال الحافظ

(3)

رحمه الله:

(1)

إكمال المعلم (6/ 339).

(2)

شرح النووي على مسلم (13/ 58 - 59).

(3)

أي المنذري.

ص: 540

كان معاوية قد أغزى عبادة بن الصامت قبرس

(1)

فركب البحر غازيا وركبت معه زوجته أم حرام، ا. هـ.

واختلف العُلماء متى جرت هذه الغزوة التي توفيت فيها أم حرام في البحر، وقال القاضي عياض

(2)

رحمه الله: قال أكثر أهل السير والأخبار أن ذلك كان في خلافة عثمان بن عفان، قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ

(3)

: رَكِبَ مُعَاوِيَةُ الْبَحْرَ غَازِيًا بِالْمُسْلِمِينَ فِي خِلَافَةِ عُثمَانَ إلَى قُبْرُصَ وَمَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ زَوْجَةُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَرَكِبَتْ بَغْلَتَهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ السَّفِينَةِ فَصُرِعَتْ فَمَاتَتْ.

وكانت هذه الغزوة لمعاوية سنة ثمان وعشرين فذهب أكثر أهل السير، إلى ما قدمناه وأن ذلك في خلافة عثمان وأن قوله في زمن معاوية أي في زمان غزوه في البحر لا في أيام خلافته

(4)

، قال ابن النحاس عفا اللّه عنه

(5)

: كان أول من غزا في البحر معاوية في زمن عثمان رضي الله عنه: كذا قال الفريابي وغيره، وأغزى عبادة بن الصامت قبرس فخرجت معه زوجته أم حرام فلما أن جاءت قربت لها بغلة لتركبها فصرعتها فاندقت عنقها، قال بعضهم: فأهل قبرس يستسقون

(1)

بضم أوله وسكون ثانيه ثم ضم الراء وسين مهملة. قال ياقوت: كلمة رومية وافقت من العربية (القبرس): النحاس الجيد. وهي جزيرة معروفة في شرقي البحر المتوسط بين تركيا وسورية. ويلفظونها اليوم: (قبرص) بالصاد.

(2)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 340).

(3)

أورده ابن عبد البرّ في الاستذكار (14/ 290) والتمهيد: (1/ 242).

(4)

شرح النووي على مسلم (13/ 59).

(5)

مشارع الأشواق (245 - 247).

ص: 541

بقبرها رضي الله عنها

(1)

، ثم أغزى أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك القسطنطينية وجهز إليها الجيوش برا وبحرا فأغزى أهل الشام والجزيرة في البر في نحو من عشرين ومائة ألف وأغزى إلى أهل مصر والمغرب في البحر في ألف مركب وعليهم عمر بن هبيرة وأمير الكل مسلمة بن عبد الملك، فنزل بفنائها يحاصرها ثلاثين شهرا حتى أكل الناس في العسكر الميتة والعذرة من الجوع هذا، وفي وسط العسكر عرمة حنطة مثل الجبل يغيظون بها الروم، قال محمد بن زياد الألهاني: غزونا القسطنطينية فجعنا حتى هلك ناس كثير وإن كان الرجل ليخرج إلى قضاء الحاجة والآخر ينظر إليه فإذا قام أقبل ذلك على رجيعه فأكله وإن كان الرجل يذهب إلى الحاجة فيؤخذ ويذبح ويؤكل وإن الأهرام من الطعام كالتلال لا نصل إليها نكايد بها أهل القسطنطينية فلما استخلف عمر بن عبد العزيز أذن لهم في الترحل عنها ذكر ذلك غير واحد من أئمة التاريخ، أ. هـ.

ففي هذا الحديث يعني حديث أم حرام يعني جواز ركوب البحر للرجال والنساء وكذا قاله الجمهور، وكره مالك ركوبه للنساء لأنه لا يمكنهن غالبا التستر فيه ولا غض البصر عن المبصرين فيه ولا يؤمن انكشاف عوراتهن في تصرفهن لاسيما فيما صغر من السقى مع ضرورتهن إلى قضاء حاجة بحضرة الرجال، قال القاضي عياض

(2)

: وروى عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد

(1)

لا يجوز الاستسقاء بالقبور بل هو منكر ومحرم.

(2)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 339).

ص: 542

العزيز منع ركوبهن، وقيل: إنما منعه العمران للتجارة وطلب الدنيا لا لطلب الطاعات، وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ركوب البحر إلا لحاج أو معتمر أو غاز، وضعف أبو داود هذا الحديث وقال رواته مجهولون

(1)

، وفيه: ضحك المستبشر إذا بشر بما يسره كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم

(2)

، قيل: وفيه: فضل لمعاوية لأنه أول من غزى في البحر وجعل من غزى تحت رايته من الأولين

(3)

.

فائدة: استدل بعض العُلماء بهذا الحديث أن القتل في سبيل اللّه والموت فيه سواء في الأجر لأن أم حرام ماتت ولم تقتل ولا دلالة فيه لذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل إنهم شهداء إنما قال: "يغزون في سبيل اللّه" ولكن قد ذكر مسلم في حديث زهير بن حرب من رواية أبي هريرة: "من قتل في سبيل اللّه فهو شهيد ومن مات في سبيل اللّه فهو شهيد" وهو موافق لقوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}

(4)

الآية

(5)

، واللّه أعلم.

(1)

شرح النووي على مسلم (13/ 59).

(2)

شرح الصحيح (5/ 11) لابن بطال.

(3)

شرح الصحيح (5/ 11) لابن بطال.

(4)

سورة النساء، الآية:100.

(5)

شرح النووي على مسلم (13/ 59 - 60).

ص: 543

2090 -

وَعَن عبد اللّه بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما. قالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم حجَّة لمن لم يحجّ خير من عشر غزوات وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج وغزوة فِي الْبَحْر خير من عشر غزوات فِي الْبر وَمن أجَاز الْبَحْر فَكَأَنَّمَا أجَاز الأودية كلهَا والمائد فِيهِ كالمتشحط فِي دَمه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَالْبَيْهَقِيّ كلَاهُمَا من رِوَايَة عبد اللّه بن صَالح كَاتب اللَّيْث

(1)

.

وروى الْحَاكِم مِنْهُ غَزْوَة فِي الْبَحْر خير من عشر غزوات فِي الْبر إِلَى آخِره وَقَالَ صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَلَا يضر مَا قيل فِي عبد اللّه بن صَالح فَإِن البُخَارِيّ احْتج بِهِ

(2)

.

المائد هُوَ الَّذِي يدوخ رَأسه ويميل من ريح الْبَحْر والميد الْميل.

2091 -

وَرُوِيَ عَن عمرَان بن حُصَيْن رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم من غزا فِي سَبِيل اللّه غَزْوَة فِي الْبَحْر وَاللّه أعلم بِمن يَغْزُو فِي سَبيله فقد أدّى إِلَى اللّه طَاعَته كلهَا وَطلب الْجنَّة كلّ مطلب وهرب من النَّار كلّ مهرب رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي معاجيمه الثَّلَاثَة

(3)

.

(1)

الطبراني في الأوسط (3144)، والبيهقي (4/ 334)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 281)، وفيه عبد اللّه بن صالح، كاتب الليث، قال عبد الملك بن شعيب بن الليث: ثقة مأمون، وضعفه غيره.

(2)

الحاكم (2/ 143). وقال الألباني ضعيف، دون قوله "وغزوة في البحر

إلخ" فصحيح في السلسلة الضعيفة، (1230)، وصحيح الجامع (4154).

(3)

الطبراني في الكبير (336)، وفي الأوسط (2964)، وفي الصغير (239)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 281)، وفي عمر بن الصبح، وهو متروك.

ص: 544

قوله: وعن عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وغزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر، ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلها والمائد فيه كالمتشحط في دمه" المائد هو الذي تدوخ رأسه وتميل من ريح البحر بالأمواج، والميد الميل قاله المنذري وغيره، والمائد [هذا اسم فاعل] من ماد يميد إذا دار رأس الرجل من [من خوف البحر وغشيان معدته من تحرك السفينة في البحر" يعني: من] ركب البحر [وأصابه دوار له أجر شهيد إن كان يمشي إلى طاعة، كالغزو والحج وتحصيل العلم] أما التجار؛ فإن لم يكن لهم طريق سوى البحر، وكانوا يتَّجِرون للقُوت لا لجمعِ المال، فهم داخلون في هذا الأجر، قاله في شرح المصابيح

(1)

.

قوله: "كالمتشخط في دمه في البر" أي المضطرب في الدم

(2)

.

فائدة فيها بشرى لشهداء البحر: ورد في الحديث: "إذا دخل أهل الجنة الجنة ركب شهداء البحر في قراقير من در"

(3)

القراقير: جمع قرقور وهي السفينة العظيمة ذكره في النهاية لابن الأثير

(4)

.

(1)

المفاتيح شرح المصابيح (4/ 358 - 359).

(2)

الصحاح (3/ 1135)، ومجمل اللغة (ص 523).

(3)

أخرجه الحارث (632). وقال البوصيري في إتحاف الخيرة (5/ 156): هذا حديث فيه داود بن المحبر، وهو ضعيف، قال فيه ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات. قال ابن حجر في المطالب (1972): قلت: هذا حديث موضوع ما أجهل من افتراه وأجرأه على ذلك.

(4)

النهاية (4/ 48).

ص: 545

واعلم أيدك اللّه بتوفيقه أن للغزو في البحر فضائل ليست للغزو في البر، منها: أن غزوة في البحر أفضل من عشر غزوات في البر كما هو مذكور في هذا الحديث، ومنها: أن المائد في البحر كالشهيد المتشخط في دمه كما هو مذكور أيضًا في هذا الحديث ومنها: أن شهداء البحر أفضل على الإطلاق من شهداء البر، قال ابن النحاس عفا اللّه عنه: إذا كان المائد في البحر كالشهيد في البر فكيف يكون الشهيد فيه، ومنها: ما روى أن من غزى في البحر كمن غزى مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها: ما خرجه ابن عساكر بإسناده عن عمران بن حصين قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَزَا فِي الْبَحْرِ غَزْوَةً فِي سَبِيلِ اللّهِ - وَاللّهُ أَعْلَمُ مَنْ هُوَ فِي سَبيلِهِ - فَقَدْ أَدَّى إِلَى اللّهِ طَاعَتَهُ كُلَّهَا، وَطَلَبَ الْجَنَّةَ كُلَّ مَطْلَبٍ، وَهَرَبَ مِنَ النَّارِ كُلَّ مَهْرَبٍ"

(1)

، ومنها: ما روي أن فَضْلُ الْغَازِي فِي الْبَحْرِ عَلَى الْغَازِي فِي الْبَرِّ كَفَضْلِ الْغَازِي فِي الْبَرِّ عَلَى الْقَاعِدِ فِي بَيْتِهِ

(2)

، ومنها: أن أجر جهاد في يوم في البحر كأجر جهاد شهر في البر، ومنها: أن خيار الشهداء عند اللّه تعالى وأفضلهم من تتغلب بهم مراكبهم فيغرقون في سبيل اللّه وأن للمجاهد إذا غرق في البحر أجر شهيدين في البر، ومنها: ما روي أن غزاة البحر لا يحزنهم الفزع الأكبر، وقد صح أن المرابط إذا مات يبعث يوم القيامة آمنا من الفزع الأكبر وغازي البحر أعلا منه وأولى بهذه الفضيلة والله أعلم، ومنها: ما روى أن لغازي البحر ما بين كلّ موجين كمن قطع الدنيا في

(1)

أخرجه الطبراني (18/ 154 رقم 336)، وابن عساكر (43/ 79). وأخرجه أيضًا: ابن أبي عاصم في الجهاد (2/ 667 رقم 290)، والطبراني في الأوسط (3/ 218، رقم 2964)، وفى الصغير (1/ 159، رقم 247) قال الهيثمى (5/ 281): فيه عمر بن الصبح وهو متروك.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 224 رقم 19508).

ص: 546

طاعة اللّه عز وجل، ومنها: ما روي أن شهداء البحر يغفر لهم الذنوب كلها والديون بخلاف شهداء البر لأنهم يغفر لهم كلّ الذنوب إلا الدين، ومنها: أن الغازي في البحر إذا وضع رجله في السفينة يخلف خطايا خلف ظهره ويخرج منها كيوم ولدته أمه ويضحك اللّه عز وجل إليه، ومنها: ما روى أن شهيد البحر لا يجد القتل في سبيل اللّه إلا كشربة عسل بماء بارد، ومنها: ما ذكر صاحب شفاء الصدور عن كعب أن شهيد البحر يأتي يوم القيامة في نهر من نور أبيض يتلألأ رافعين شراعهم من دورهم في سفائنهم، الحديث مطول، ومنها: ما روي أن ملك الموت يقبض روح كلّ شهيد وغيره إلا شهداء البحر فإن اللّه تعالى يتولى قبض أراوحهم لكرامتهم عليه.

[فائدة: قال القاضي أبو بكر بن العربي: من أراد أن يوقن بأن اللّه هو الفاعل وحده لا فاعل معه، وأن الأسباب ضعيفة لا تعلق لموقن بها، ويتحقق التوكل والتفويض فليركب البحر

(1)

].

قال صاحب المغني

(2)

وغيره من أصحاب الإمام أحمد: غزو البحر أفضل من غزو البر لأن البحر أعظم خطرا ومشقة فإنه بين خطر العدو وخطر الغرق ولا يتمكن من الفرار إلا مع أصحابه فكان أفضل من غيره، قال ابن النحاس عفا اللّه عنه: وينبغي أن لا يكون في هذا خلاف لما تقدم في فضله من الأحاديث الحسان وغيرها

(3)

واللّه أعلم.

(1)

أحكام القرآن (2/ 358).

(2)

المغني لابن قدامة (9/ 165). ط. إحياء التراث.

(3)

مشارع الأشواق (ص 247 - 261) باختصار.

ص: 547

قوله: في آخر حديث عبد اللّه بن عمرو: ولا يضر ما قيل في عبد اللّه بن صالح فإن البخاري احتج به، قال شيخ الإسلام ومحدّث الأنام ابن حجر: البخاري لم يحتج به واللّه أعلم

(1)

.

2092 -

وَعَن أم حرَام رضي الله عنهما أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ المائد فِي الْبَحْر الَّذِي يُصِيبهُ الْقَيْء لَهُ أجر شَهِيد والغريق لَهُ أجر شَهِيد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(2)

.

2093 -

وَرُوِيَ عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم من فَاتَهُ الْغَزْو معي فليغز فِي الْبَحْر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط

(3)

.

قوله: وعن أم حرام رضي الله عنها، تقدم الكلام على أم حرام.

قوله صلى الله عليه وسلم: "المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد" الحديث؛ قوله: "الذي يصيبه القيء" أي: غثيان معدته من تحرك السفينة في البحر.

خاتمة: عن سليم بن عامر قال: سمعتُ أبا أمامة يقول: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر الحديث

(4)

إلى أن قال: "وإن اللّه وكل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهيد البحر فإن اللّه يتولى قبض روحه ويغفر لشهيد البر الذنوب

(1)

فتح الباري (2/ 273).

(2)

أبو داود (2493)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6642).

(3)

الطبراني في الأوسط (8352)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 281)، وفيه عمرو بن الحصين، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5718)

(4)

أخرجه أبو داود (2493)، وابن ماجة (2778)، والحميدي (349)، وابن أبي عاصم في الجهاد (285)، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (817).

ص: 548

كلها إلا الدين ولشهيد البحر الذنوب والدين" انفرد به ابن ماجه، ومذهب جميع العُلماء أن اللّه تعالى هو القابض لأرواح جميع الخلق وأن ملك الموت وأعوانه وسائط، وسئل مالك بن أنس عن البراغيث، أملك الموت يقبض أرواحها؟ فأطرق مليا ثم قال: ألها نفس؟ قالوا: نعم، فقال:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ}

(1)

(2)

[ففي الخبر أن ملكي الموت والحياة]، تناظرا فقال ملك الموت: أنا أميت الأحياء، وقال ملك الحياة: أنا أحيي الموتي، فأوحى الله تعالى إليهما كونا على عملكما [وما سخرتكما له] من الصنع وأنا المميت [والمحي لا يميت] ولا يحيى سواي، كذا ذكره الشيخ أبو حامد في الإحياء

(3)

قاله في الديباجة.

ص: 549