الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
2159 -
عَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا تَعدونَ الشُّهَدَاء فِيكُم قَالُوا يَا رَسُول الله من قتل فِي سَبِيل الله فَهُوَ شَهِيد قَالَ إِن شُهَدَاء أمتِي إِذا لقَلِيل قَالُوا فَمن يَا رَسُول الله قَالَ من قتل فِي سَبِيل الله فَهُوَ شَهِيد وَمن مَاتَ فِي سَبِيل الله فَهُوَ شَهِيد وَمن مَاتَ فِي الطَّاعُون فَهُوَ شَهِيد وَمن مَاتَ من الْبَطن فَهُوَ شَهِيد قَالَ ابْن مقسم أشهد على أَبِيك يَعْني أَبَا صَالح أَنه قَالَ والغريق شَهِيد رَوَاهُ مُسلم
(1)
.
عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الشهداء فيكم؟ " قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال:"إن شهداء أمتي إذا لقليل" قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: "من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في الطاعون فهو شهيد ومن مات من البطن فهو شهيد" وفي رواية مالك وغيره: "وصاحب الهدم شهيد".
اعلم أن الشهادة رتبة عظيمة ومنزلة جسيمة لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم ولا ينالها إلا من سبق له القدر بالفوز العظيم وهي الرتبة الثالثة من مقام النبوة كما قال تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ
(1)
مسلم (1915).
النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}
(1)
وقد صح من حديث عتبة بن عبد الله أن الشهيد لا يفضله النبيون إلا بفضل درجة النبوة
(2)
ولعل ذلك في خواص من الشهداء والآية في عامتهم
(3)
والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم "من قتل في سبيل الله فهو شهيد" الشهيد في الأصل من قتل مجاهدا في سبيل الله تعالى ويجمع على شهداء ثم اتسع فيه فأطلق على من سماه النبي صلى الله عليه وسلم من المبطون والمطعون وإخوانهما لأنهم شهداء في أحكام الآخرة لا في أحكام الدنيا والأول شهيد في الدنيا والآخرة
(4)
، واختلفوا لما سمي الشهيد شهيدًا فقيل لأن جرحه شاهد له بالقتل في سبيل الله، وقال النضر بن شميل لأنه حي شهدت روحه دار السلام وروح غيره لم تشهدها إلا يوم القيامة وقيل لأن ملائكة الرحمة تشهده وقيل لأنه يشهد على الأمم يوم القيامة بإبلاغ الرسل الرسالة إليهم وعلى هذا القول يشاركهم غيرهم في هذا الوصف ولهم خصوصية بالشهادة، قال ابن فارس
(5)
: والشهيد هو القتيل في سبيل الله قالوا لأن ملائكة الله تشهده وقيل سمي بذلك لشهادته على نفسه لله عز وجل حين لزمه الوفاء بالبيعة التي بايعه كما في قوله تعالى
(1)
سورة النساء، الآية:69.
(2)
أخرجه أحمد 4/ 185 - 186 (17657 و 17658)، والدارمي (2455)، وابن حبان (4663). وصححه الألباني في المشكاة (3859) وصحيح الترغيب (1370).
(3)
مشارع الأشواق (ع 693).
(4)
شرح النووي على مسلم (2/ 164).
(5)
مجمل اللغة (ص 514).
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}
(1)
قال ابن الأنباري إن الله وملائكته عليهم الصلاة والسلام يشهدون له بالجنة وقيل لأنه يخرج عند خروج روحه بما أعده الله له من الثواب والكرامة قيل لأنه ملائكة الرحمن يشهدونه فيأخذون روحه وقيل لأن عليه شاهدا يشهد بكونه شهيدا وهو الدم فإنه يبعث يوم القيامة وأوداجه تثغب دما
(2)
والأوداج هي ما أحاط بالعنق من العروق التي يقطعها الذابح واحدها ودج بالتحريك وقيل الودجان عرقان غليظان عن جانبي نقرة النحر
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم "من قتل في سبيل الله فهو شهيد" معناه الشهيد من مات من المسلمين في جهاد الكفار بسبب من أسباب قتالهم قبل انقضاء الحرب
(4)
.
قوله "من قتل في سبيل الله فهو شهيد" أي بأي شيء كان كما جرى لأم حرام وغيرها لأنها لم تقاتل ولكنها وقعت عن دابتها فهلكت أي ماتت فهي شهيدة
(5)
.
فائدة: يختم بها الباب في الميت في الجهاد: ذهب بعض العلماء إلى أن
(1)
سورة التوبة، الآية:111.
(2)
انظر إكمال المعلم (1/ 443)، والتذكرة (ص 443 - 444) وشرح النووي على مسلم (2/ 164 - 163)، وطرح التثريب (7/ 205)، والنجم الوهاج (3/ 69)، ومشارع الأشواق (ص 693 - 694).
(3)
المجموع المغيث (3/ 397)، والنهاية (5/ 165).
(4)
المهذب (1/ 250).
(5)
شرح النووي على مسلم (13/ 60 و 63).
الميت في سبيل الله والمقتول سواء واستدلوا بحديث أم حرام وقول النبي صلى الله عليه وسلم "أنت من الأولين" مع أنها صرعت عن دابتها ولم تقتل وبالأحاديث المتقدمة بقوله صلى الله عليه وسلم "من مات في سبيل الله فهو شهيد" وذهب آخرون إلى أن للمقتول في سبيل الله مزية عن الميت بما أصابه في سبيل الله فهو أفضل وهذا أرجح لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة لما سئل أي الجهاد أفضل قال "قال أن يعقر جوادك ويهراق دمك" مع أن المستقر في بديهة العقل عند عامة الناس قديما وحديثا أن المقتول أفضل من الميت وأن من نوى عملا فعمله أفضل ممن نواه ومات ولم يعمله وإن كان له مثل أجره مع أن الميت في سبيل الله وإن كان له أجر الشهداء فإنه يسمى ميتا والمقتول لا يسمى ميتا بل قد نهى الله عن ذلك فقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ}
(1)
وأيضا للمقتول في سبيل الله ثواب ما أصابه من الجراح الذي يأتي يوم القيامة يتفجر دما لونه لون الدم وريحه ريح المسك والميت لم ينل ذلك وأيضا المقتول في سبيل الله يتمنى الرجعة في الدنيا ليقتل في سبيل الله مرة ثانية وليس كذلك الميت لقوله صلى الله عليه وسلم "ما من نفس تموت لها خير عند الله يسرها أن ترجع إلى الدنيا وإن لها الدنيا وما فيها إلا الشهيد يتمنى أن يرجع فيقتل في الدنيا لما يرى من فضل الشهادة" فإن قيل لفظ الشهيد يشملها قلنا الشهيد حيث أطلق لا يراد به إلا المقتول في سبيل الله، ولو قلنا أن الميت في سبيل الله يتمنى الرجعة أيضا فإنه إنما يتمناها للقتل لا للموت كما جاء
(1)
سورة البقرة، الآية:154.
مصرحا به في جميع ألفاظ هذا الحديث وطرقه وهو يدل على فضل القتل على الموت وأيضا القتل في سبيل الله يكفر كل ذنب ولم يرد ذلك في الموت وأيضا الميت في سبيل الله يصلى عليه والمقتول لا يغسل ولا يصلى عليه فإن الصلاة عليه شفاعة عند الله تعالى في غفران ذنوبه وقد غفرت [قلت ينتقض هذا بغسل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وخصوصا سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وإنما ذلك لما يزيله الغسل من غبار الطاعة الكبرى وأتر الشهادة الذي يتميز به الشهيد يوم القيامة بشهادته له وحرارة طيب ريحه إلى غير ذلك قاله كاتبه] فلا يصلى عليه، وأيضا المقتول روحه في جوف طير أخضر في الجنة وليس كذلك الميت، وأيضا الشهيد القتول يشفع ولم يرد ذلك في الميت، وأيضا الشهيد يرى الحور العين قبل أن يجف دمه وليس كذلك الميت فهذه الفضائل كلها يتميز بها المقتول على الميت، والله أعلم ذكره ابن النحاس عفا الله عنه
(1)
، وإن اشتركا في مطلق الشهادة كما أن الميت في سبيل الله يتميز عن المطعون والمبطون والحريق والغريق وغير ذلك وإن كانوا كلهم شهداء هذا ما يظهر لي من غير تردد
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن مات في الطاعون فهو شهيد" وفي الرواية الأخرى "الطاعون شهادة لكل مسلم" والطاعون هو المرض العام وسيأتي الكلام عليه.
(1)
مشارع الأشواق (ص 656 - 658)
(2)
مشارع الأشواق (ص 658).
قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن مات من البطن فهو شهيد" والمبطون هو الذي يموت بمرض بطنه وهو الإسهال، وقيل: هو الذي به استسقاء وانتفاخ البطن وقيل هو الذي يشتكي بطنه، وقيل هو الذي يموت بداء بطنه مطلقا
(1)
وسيأتي الكلام عليه.
قوله: قال ابن مقسم، ابن مقسم اسمه عبد الله.
قوله: اشهد على أبيك يعني أبا صالح.
فرع: ينزع عن الشهيد الحديد والجلود والجبة المحشوة وما لبس من لباس العادة ويدفن في باقي ثيابه، وقال أبو حنيفة ومالك: لا ينزع عنه شيء من ذلك، لما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم
(2)
أ. هـ.
"أنه قال: والغريق شهيد" أبيك بالباء والياء المثناة في أكثر نسخ بلادنا على أخيك بالخاء وفي بعضها "على أبيك" وهو الصواب كما تقدم، وفي رواية الجلودي "على أخيك" وهو خطأ أيضًا، والصواب "على أبيك" وإنما قاله ابن صقسم لسهيل بن أبي صالح
(3)
، وأما الغريق فهو الذي يموت غريقا بالماء
(4)
؛ وقوله في رواية مالك وغيره: قال "الشهداء خمسة، ومنهم صاحب
(1)
شرح النووي على مسلم (13/ 62 - 63).
(2)
النجم الوهاج (3/ 74). والحديث أخرجه ابن ماجه (1515)، وأبو داود (3126) عن ابن عباس. وضعفه الألباني في المشكاة (1643)، الإرواء (709).
(3)
إكمال المعلم (6/ 345)، ومشارق الأنوار (1/ 67).
(4)
شرح النووي على مسلم (13/ 63).5
الهدم شهيد" وهو الذي ينهدم عليه البناء فيموت به، وفي حديث عقبة بن عامر: "خمس من قبض في شيء منهن فهو شهيد" فذكرهم كما سيأتي، وفي حديث جابر بن عتيك: "الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله"
(1)
قد جاء في حديث آخر في الصحيح: "من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أجله فهو شهيد"
(2)
وغير ذلك، فالجواب عنه: أن التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد والله أعلم، قاله الكرماني
(3)
.
واعلم أن الشهداء على ثلاثة أقسام، أحدها: المقتول في حرب الكفار بسبب من أسباب قتالهم فهذا له حكم الشهداء في ثواب الآخرة وفي أحكام الدنيا وهو أنه لا يغسل ولا يصلي عليه؛ والثاني: شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا وهو المبطون والمطعون وصاحب الهدم ومن قتله بطنه [هو تكرار مع المبطون] والغريق والحريق واللديغ والميت بذات الجنب أو محموما ومن قتله مسلم أو ذمي أو باغ وكذا الميت غريبا وطالب العلم إذا مات على طلبه، والمرأة تموت بسبب الولادة ومن عشق فعف فكتم فمات
(1)
أبو داود (3111)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2141)، والنسائي في الكبرى (7529)، وابن حبان (3189) و (3190)، والبيهقي 4/ 69 - 70، والبغوي في شرح السنة (1532).
(2)
لم أقف عليه مسندا.
(3)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (1/ 82 و 1/ 151 و 4/ 66 و 5/ 42 و 6/ 125 و 7/ 170 و 10/ 174 و 11/ 11 و 11/ 105 و 15/ 92 و 224 و 16/ 67 و 17/ 12 و 19/ 171 و 20/ 56 و 21/ 199).
فهو شهيد ومن قتل دون ماله أو أهله ممن جاءت الأحاديث بتسميته شهيدًا فهذا يغسل ويصلي عليه [وله في الآخرة ثواب، الشهداء] ولا يلزم أن يكون مثل الأول؛ والثالث: من غل في الغنيمة ومن قاتل رياء وسمعة وقتل والمقتول مدبرا أو شبهة ممن وردت الآثار بنفي تسميته شهيدا إذا قتل في حرب الكفار فهذا له حكم الشهيد في الدنيا فلا يغسل ولا يصلي عليه وليس له ثوابهم الكامل في الآخرة
(1)
، أ. هـ.
فائدة: فإن قيل: فما الحكمة في عدم تغسيل الشهداء والصلاة عليهم؟ قلنا: أما عدم التغسيل فلبقاء أثر الشهادة كما جاء في "دمه لونه لون الدم وريحه ريح المسك" فوجب أن لا تغير أحوالهم تمييزا لهم وشهادة بما نالوا وامتثالا للأمر، وأما عدم الصلاة فلأنها مرتبة على الغسل فلا تصح على من لم يغسل، وتزال عنه النجاسة من الدماء
(2)
وغيرها دليله السقط الذي لم يستهل وإذا سقطت الطهارة سقطت الصلاة
(3)
وأيضًا فالصلاة على الميت شفاعة له أن يغفر له والشهيد مغفور له أمن من فتنة القبر.
تنبيه: [ ....... ] رفع الدرجات ونحوها [ ....... ] أ.
قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها، وقد جاء في حديث آخر في الصحيح: "من قتل دون ماله
(1)
شرح النووي على مسلم (2/ 164)، والنجم الوهاج (3/ 71).
(2)
النجم الوهاج (3/ 73).
(3)
شرح الصحيح (3/ 330 - 331).
فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد" قال العلماء: والمراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أن يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء وأما في الدنيا فيغسلون ويصلي عليهم
(1)
كما تقدم.
2161 -
وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه قَالَ دَخَلنَا على عبد الله بن رَوَاحَة نعوده فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فَقُلْنَا رَحِمك الله إِن كُنَّا لنحب أَن تَمُوت على غير هَذَا وَإِن كُنَّا لنَرْجُو لَك الشَّهَادَة فَدخل النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَنحن نذْكر هَذَا فَقَالَ وفيم تَعدونَ الشَّهَادَة فأرم الْقَوْم وتحرك عبد الله فَقَالَ أَلا تجيبون رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ أَجَابَهُ هُوَ فَقَالَ نعد الشَّهَادَة فِي الْقَتْل فَقَالَ إِن شُهَدَاء أمتِي إِذا لقَلِيل إِن فِي الْقَتْل شَهَادَة وَفِي الطَّاعُون شَهَادَة وَفِي الْبَطن شَهَادَة وَفِي الْغَرق شَهَادَة وَفِي النُّفَسَاء يَقْتُلهَا وَلَدهَا جمعا شَهَادَة رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَاللَّفْظ لَهُ ورواتهما ثِقَات
(2)
.
أرم الْقَوْم بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْمِيم سكتوا وَقيل سكتوا من خوف وَنَحْوه وَقَوله يَقْتُلهَا وَلَدهَا جمعا مُثَلّثَة الْجِيم سَاكنة الْمِيم أَي مَاتَت وَوَلدهَا فِي بَطنهَا يُقَال مَاتَت الْمَرْأَة بِجمع مُثَلّثَة الْجِيم إِذا مَاتَت وَوَلدهَا فِي بَطنهَا وَقيل إِذا مَاتَت عذراء أَيْضا.
قوله: وعن عبادة بن الصامت، تقدم الكلام عليه.
(1)
شرح النووي على مسلم (13/ 63).
(2)
أحمد (17797)، والطبراني، وهذا لفظه، كما في مجمع الزوائد (5/ 299)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، رواه الطبراني وأحمد بنحوه ورجالهما ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4438).
قوله صلى الله عليه وسلم: "وفيم تعدون الشهادة؟ فأرم القوم"، أي: اسكتوا، وقيل: سكتوا من خوف ونحوه، أ. هـ.
قال القاضي عياض
(1)
: ورواه بعضهم في غير صحيح مسلم "فأزم" بالزاي المفتوحة وتخفيف الميم من الأزم وهو الإمساك وهو صحيح المعنى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن في القتل شهادة وفي الطاعون شهادة وفي البطن شهادة" وتقدم تفسير ذلك.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وفي الغرق شهادة" والغرق بكسر الراء هو الذي ينغمس في الماء فيموت، والغرق بفتحهما هو الرسوب في الماء ذكر في شرح مشارق الأنوار، ووقع في البخاري "الغريق" بالياء وكلاهما صحيح يقال لمن غرق غرق فإذا مات غرقا فهو غريق، وقيل: هو الذي غلبه الماء ولم يغرق فإذا غرق غريق منه لحديث "اللهم إني أعوذ بك من الغرق والحرق" والغرق بفتح الراء المصدر قاله في النهاية
(2)
ومنه قوله [في الدعاء]"أدعوك دعاء الغريق" الذي يخشى الغرق ويتوقعه
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وفي النفساء يقتلها ولدها جمعا شهادة" قال المنذري جمعا مثلث الجيم ساكنة الميم وكله صحيح ولم يرجح شيئًا، وقال غيره: ضم الجيم أشهر أي إذا ماتت وولدها في بطنها، وقيل: إذا ماتت عذراء أيضًا أ. هـ قاله المنذري، وقال غيره: قيل هي التي تموت حاملا جامعة ولدها في بطنها،
(1)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 337).
(2)
النهاية (3/ 361).
(3)
مشارق الأنوار (2/ 132) ومطالع الأنوار (5/ 141)، والاقتضاب (1/ 153).
وقيل: بل من نفاس، وقيل: صغيرة لم تحض، وقيل: هي البكر التي لم تفتض والصحيح الأول، والمعنى أنها ماتت [مع] شيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل وبكارة
(1)
.
2162 -
وَعَن ربيع الْأنْصَارِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَاد ابْن أخي جبر الْأنْصَارِيّ فَجعل أَهله يَبْكُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم جبر لَا تُؤْذُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِأَصْوَاتِكُمْ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دَعْهُنَّ يبْكين مَا دَامَ حَيا فَإِذا وَجب فليسكتن فَقَالَ بَعضهم مَا كُنَّا نرى أَن يكون موتك على فراشك حَتَّى تقتل فِي سَبِيل الله مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أوما الْقَتْل إِلَّا فِي سَبِيل الله إِن شُهَدَاء أمتِي إِذا لقَلِيل إِن الطعْن شَهَادَة والبطن شَهَادَة والطاعون شَهَادَة وَالنُّفَسَاء بِجمع شَهَادَة والحرق شَهَادَة وَالْغَرق شَهَادَة وَذَات الْجنب شَهَادَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح
(2)
.
قَوْله بِجمع تقدم قبله.
إِذا وَجب أَي إِذا مَاتَ.
قوله: وعن ربيع الأنصاري رضي الله عنه[هو الزرقى قال ابن عبد البر: لَا أقف على نسبه، روى عبد الملك بن عمير
(3)
].
(1)
النهاية (1/ 296).
(2)
الطبراني في الكبير (4607)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 300)، ورجاله رجال الصحيح.
(3)
الاستيعاب (2/ 487 ترجمة 750)، وأسد الغابة (2/ 53 ترجمة 1620).
قوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد ابن أخي جبر الأنصاري.
جبر بفتح الجيم وبالموحدة الساكنة، وقيل: جابر بن عتيك الأنصاري المدني فقال لهم جبر: لا تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصواتكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دعهن يبكين ما دام حيا فإذا وجب فليسكتن" الحديث، سيأتي الكلام على البكاء في حديث جابر بن عتيك قريبا، وأما الوجوب فهو الموت كذا فسره الحافظ
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الطعن شهادة والبطن شهادة والطاعون شهادة والنفساء بجمع شهادة والحرق شهادة والغرق شهادة وذات الجنب شهادة" تقدم الكلام على تفسير بعض الألفاظ والكلام الآن على الحرق، والحرق هو الذي يموت بحريق النار، والغرق والحرق والشرق ومنه الحديث الآخر:"شهيد" بكسر الراء، وفي رواية "الحريق" أي: الذي يقع في حرق الناس فيلتهب.
قوله: "وصاحب ذات الجنب شهيد" وهي قرحة تكون في الجنب باطنا، وقال في النهاية
(2)
: وذات الجنب هي الديبلة والدمل الكبيرة التي [تظهر] في باطن الجنب وتنفجر إلى داخل وقلما يسلم صاحبها وذو الجنب الذي يشتكي جنبه بسبب الديبلة إلا أن ذو للمذكر وذات للمؤنث، وصار ذات الجنب علما وإن كانت في الأصل صفة مضافة، أ. هـ.
(1)
فتح الباري لابن حجر (6/ 37).
(2)
النهاية (1/ 303 - 304).
2163 -
وَعَن رَاشد بن حُبَيْش رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه يعودهُ فِي مَرضه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أتعلمون من الشَّهِيد من أمتِي فأرم الْقَوْم فَقَالَ عبَادَة ساندوني فَأَسْنَدُوهُ فَقَالَ يَا رَسُول الله الصابر الْمُحْتَسب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن شُهَدَاء أمتِي إِذا لقَلِيل الْقَتْل فِي سَبِيل الله عز وجل شَهَادَة والطاعون شَهَادَة وَالْغَرق شَهَادَة والبطن شَهَادَة وَالنُّفَسَاء يجرها وَلَدهَا بسرره إِلَى الْجنَّة قَالَ وَزَاد أَبُو الْعَوام سَادِن بَيت الْمُقَدّس والحرق والسل رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن
(1)
. وَرَاشِد بن حُبَيْش صَحَابِيّ مَعْرُوف.
أرم الْقَوْم تقدم.
والسادن بِالسِّين وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ الْخَادِم.
والسل بِكَسْر السِّين وَضمّهَا وَتَشْديد اللَّام هُوَ دَاء يحدث فِي الرئة يؤول إِلَى ذَات الْجنب وَقيل زكام أَو سعال طَوِيل مَعَ حمى عَادِية وَقيل غير ذَلِك.
2164 -
وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ خمس من قبض فِي شَيْء مِنْهُنَّ فَهُوَ شَهِيد الْمَقْتُول فِي سَبِيل الله شَهِيد والغريق فِي سَبِيل الله شهِيد والمبطون فِي سَبِيل الله شهِيد والمطعون في سَبِيل الله شهِيد وَالنُّفَسَاء فِي سَبِيل الله شَهِيد رَوَاهُ النَّسَائِيّ
(2)
.
(1)
أحمد (15998).
(2)
ابن المبارك في الجهاد (198)، والطبراني في الكبير (17/ 900)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3254).
قوله: وعن راشد بن حبيش رضي الله عنه، قال الحافظ
(1)
: راشد بن حبيش صحابي معروف.
قوله صلى الله عليه وسلم: "القتل في سبيل الله عز وجل شهادة والطاعون شهادة" وتقدم تفسير هذه الألفاظ، والطاعون الموت الكثير، وقيل: هو بتر مؤلم جدًّا يخرج غالبًا في الإباط مع لهيب واسوداد حواليه يخضر ويحصل معه خفقان القلب وورم والقيء في المراق، قال الجوهري: هو الموت من الوباء، والوباء بالمد والقصر قال الخليل هو الطاعون وقال: هو المرض العام فكل طاعون وباء بدون العكس، والوباء الذي وقع بالشام في زمن عمر كان طاعونا وهو طاعون عمواس بفتح المهملة وسيأتي الكلام عليه قاله الكرماني
(2)
.
قوله: "وسادن بيت المقدس شهيد" السادن هو الخادم، قاله المنذري.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والسل شهادة" بضم السين وفتحها، قال المنذري: هو داء يحدث في الرئة يؤل إلى ذات الجنب، وقيل: زكام أو سعال طويل مع حمي هادئة، وقيل: غير ذلك، أ. هـ، وقال غيره: هو مرض يفني البدن ويذيب المريض حتى يجعله نحيفا من غير وجع، أ. هـ.
2165 -
وَعَن جَابر بن عتِيك رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جَاءَ يعود عبد الله بن ثَابت رضي الله عنه فَوَجَدَهُ قد غلب عَلَيْهِ فصاح بِهِ فَلم يجبهُ فَاسْتَرْجع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَ غلبنا عَلَيْك يَا أَبَا الرّبيع فصاحت النسْوَة وبكين وَجعل ابْن عتِيك
(1)
فتح الباري لابن حجر (6/ 3).
(2)
الكواكب الدراري (12/ 150).
يسكتهن فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم دَعْهُنَّ فَإِذا وَجب فَلَا تبكين باكية قَالُوا وَمَا الْوُجُوب يَا رَسُول الله قَالَ إِذا مَاتَ قَالَت ابْنَته وَالله إِنِّي لأرجو أَن تكون شَهِيدا فَإنَّك كنت قد قضيت جهازك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن الله قد أوقع أجره على قدر نِيَّته وَمَا تَعدونَ الشَّهَادَة قَالُوا الْقَتْل فِي سَبِيل الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الشَّهَادَة سبع سوى الْقَتْل فِي سَبِيل الله المبطون شَهِيد والغريق شَهِيد وَصَاحب ذَات الْجنب شَهِيد والمطعون شَهِيد وَصَاحب الْحَرِيق شَهِيد وَالَّذِي يَمُوت تَحت الْهدم شَهِيد وَالْمَرْأَة تَمُوت بِجمع شَهِيد رَوَاهُ أبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
(1)
.
2166 -
وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الطَّاعُون شَهَادَة لكل مُسلم رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
(2)
.
قوله: وعن جابر بن عتيك رضي الله عنه[هو جابر بن عتيك بن قيس بن الأسود بن مري بن كعب بن غنم بن سلمة الأنصاري السلمي، أخو جبر بن عتيك، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنى أبا عبد الله، وقال ابن منده: كنيته أبو الربيع، قال أبو نعيم: وهو وهم، فإنها كنية عبد الله بن ثابت الظفري، وكانت معه راية بني معاوية عام الفتح، روى عنه ابناه: عبد الله وأبو سفيان،
(1)
أبو داود (3111)، والنسائي في الكبرى (7529)، وابن ماجه (2803)، وابن حبان (3190)، ومالك في الموطأ (629)، وأحمد (23753)، والطبراني في الكبير (1779)، والحاكم (1/ 351)، والبيهقي (4/ 69)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3739).
(2)
البخاري (2830)، ومسلم (1916)، وأحمد (12519).
وعتيك بن الحارث بن عتيك
(1)
].
قوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت رضي الله عنه فوجده قد غُلب عليه فصاح به فلم يجبه فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث، أي: قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
قوله: فصاحت النسوة وبكين، وجعل ابن عتيك يسكتهن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية" الحديث، والوجوب الموت وقد فسر في نفس الحديث.
قوله: "فلا تبكين باكية" البكاء عند المحتضر جائز رحمة له بغير ندب ولا رفع صوت، وأما حديث "فإذا وجب فلا تبكين باكية" فمعناه لا تنوح نائحة وليس المراد مع العين، والعرب تطلق بكاء البواكي على النوائح قاله في شرح الإلمام.
قوله: فإنك كنت قد قضيت جهازك، أي: فرغت من النظر فيه والإعداد له، والجهاز: بفتح الجيم هو اسم الشيء المعد ومنهم من أجاز كسر الجيم ومنهم من منعه والله تعالى أعلم، قال النووي
(2)
: قال أصحابنا: ويجوز البكاء قبل الموت وبعده ولكن قبل الموت أولى للحديث: "فإذا وجب فلا تبكين باكية" قد نص الشافعي رحمه الله والأصحاب على أنه يكره البكاء بعد الموت كراهية تنزيه ولا يحرم وتأولوا حديث "فلا تبكين باكية" على الكراهة.
(1)
أسد الغابة (1/ 309 ترجمة 649)، وتهذيب الكمال (4/ 454 - 455 ترجمة 872).
(2)
شرح النووي على مسلم (13/ 58).
قوله صلى الله عليه وسلم: "الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله تعالى" تقدم الكلام على تفسير السبع.
قوله "والذي يموت تحت الهدم شهيد" والهدم بكسر الدال قيدناه أي: الذي مات تحت الهدم بفتح الدال وهو ما يهدم ومثله الحروق، ومن رواه "وصاحب الهدم" بالإسكان فهو اسم الفعل قاله عياض
(1)
.
2167 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الطَّاعُون فَقَالَ كَانَ عذَابا يَبْعَثهُ الله على من كَانَ قبلكُمْ فَجعله الله رَحْمَة للْمُؤْمِنين مَا من عبد يكون فِي بلد فَيكون فِيهِ فيمكث لَا يخرج صَابِرًا محتسبا يعلم أَنه لَا يُصِيبهُ إِلَّا مَا كتب الله لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مثل أجر شَهِيد رَوَاهُ البُخَارِيّ
(2)
.
قوله: وعن عائشة رضي الله عنها، تقدم الكلام عليها رضي الله عنها.
قوله عائشة: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فقال: "كان عذابا يبعثه الله على من كان قبلكم فجعله الله رحمة للمؤمنين" الحديث، وجاء في الأحاديث أنه أرسل على بني إسرائيل أو من كان قبلكم عذابا لهم [قوله] الطاعون رجز على من كان قبلكم، والطاعون: قروح تخرج في المغابن وفي غيرها فلا يلبث صاحبها وتعم غالبا إذا [ظهرت، و"رجز": عذاب]
(3)
وتقدم الكلام عليه، وهذا الوصف بكونه عذابا مختص بمن كان قبلنا، وأما هذه
(1)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 28).
(2)
البخاري (6619).
(3)
مشارق الأنوار (1/ 321)، ومطالع الأنوار (3/ 374).
الأمة فهو لها رحمة وشهادة
(1)
وإنما يكون الطاعون شهادة لمن صبر كما بينه في الحديث
(2)
، وفي الأحاديث: منع القدوم على بلد الطاعون ومنع الخروج منه فرارا من ذلك، قال البيضاوي
(3)
: وإنما نهى عن الدخول في الوباء لأنه تهور وإقدام على خطر وعن الخروج منه فإنه فرار من القدر وأن لا تضيع المرضى ممن يتعهدهم والموتى ممن يجهزهم واحد الأمرين تأديب وتعليم والآخر تفويض وتسليم
(4)
، أ. هـ، أما الخروج لعارض فلا بأس به
(5)
، قال النووي
(6)
: وهذا الذي ذكرناه هو مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال القاضي عياض رحمه الله
(7)
: هو قول الأكثرين حتى قالت عائشة رضي الله عنها: "الفار منه كالفار من الزحف".
2168 -
وَعَن أبي عسيب رضي الله عنه مولى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَتَانِي جِبْرَائِيل عليه السلام بالحمى والطاعون فَأَمْسَكت الْحمى بِالْمَدِينَةِ
(1)
شرح النووي على مسلم (14/ 204).
(2)
شرح النووي على مسلم (14/ 205).
(3)
تحفة الأبرار (1/ 423)، والميسر (2/ 375)، وشرح المشكاة (4/ 1342 - 1343)، والكواكب الدراري (21/ 18).
(4)
معالم السنن (1/ 299).
(5)
شرح النووي على مسلم (14/ 205).
(6)
شرح النووي على مسلم (14/ 205) يعنى قوله: وفي هذه الأحاديث منع القدوم على بلد الطاعون ومنع الخروج منه فرارا من ذلك أما الخروج لعارض فلا بأس به.
(7)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 132)، وشرح النووي على مسلم (14/ 205).
وَأرْسلت الطَّاعُون إِلَى الشَّام فالطاعون شَهَادَة لأمتي ورجز على الْكَافِر رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير ورواة أَحْمد ثِقَات مَشْهُورُونَ
(1)
.
الرجز الْعَذَاب.
قوله: وعن أبي عسيب رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو عسيب اسمه [أحمر ويقال مرة ووقع في الاستيعاب أحمر بن عسيب له حديثان].
قوله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبرائيل عليه السلام بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام" الحديث، قال أبو الحسن المدائني
(2)
: كانت الطواعين المشهورة العظام في الإسلام خمسة، أحدها: طاعون شيرويه بن كسرى بالمدائن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ست من الهجرة، ثانيها: طاعون عمواس وعمواس بفتح العين المهملة والميم في آخره وفي آخره سين مهملة لأنه عم الناس وتواسوا وتساووا فيه
(3)
، وقيل: عم وآسى أي جعل بعض الناس أسوة بعض
(4)
، وعمواس قرية معروفة بين الرملة وبيت المقدس في زمن عمر بن الخطاب كان بالشام
(5)
، وقال الجوهري
(6)
:
(1)
أحمد (20767)، والطبراني في الكبير (974)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1035)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 310)، رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (60).
(2)
الأذكار (ص 275 - 276)، وشرح النووي على مسلم (1/ 106).
(3)
شرح النووي على مسلم (1/ 107) وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 259).
(4)
التذكرة (ص 1152).
(5)
شرح النووي على مسلم (1/ 107).
(6)
الصحاح (3/ 953).
وطاعون عمواس أول طاعون كان في الإسلام بالشام عرف الطاعون بها لأنها منها بدأ
(1)
، أ. هـ.
مات فيه أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح والأمين الفقيه أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل، وقبر أبي عبيدة بغور بيسان، وعليه من الجلالة ما هو اللائق به، وصلى عليه معاذ ونزل في قبره هو وعمرو بن العاص والضحاك بن قيس، وتوفي وهو ابن ثمان وخمسين سنة، ومات شهيدا بالطاعون المذكور فإنه شهادة لكل مسلم، وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي عبيدة بن الجارح "هذا أمين هذه الأمة" تفرد به ابن ماجه
(2)
، قال العلماء: والأمانة مشتركة بينه وبين غيره من الصحابة لكن النبي صلى الله عليه وسلم خص بعضهم بصفات غلبت عليهم وكانوا بها أخص
(3)
وقد ظهر هذا الوصف على أبي عبيدة، وذلك أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام تفقد أحوال الناس والأمراء ودخل منازلهم وبحث عنهم، وأراد أن يدخل منزل أبي عبيدة وهو أمير على الشام وقد ترادفت على يديه الفتوحات واجتمعت لديه كنوزها وأموالها فلما كلمه عمر في ذلك قال له يا أمير المؤمنين لئن دخلت منزلي [لتعصرن] عينيك فلما دخل منزله لم يجد فيه شيئا يرد البصر أكثر من سلاحه ورحل
(1)
شرح النووي على مسلم (1/ 107).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 259) وقول الشارح تعليقا تفرد به ابن ماجه غير صواب فقد أخرجه البخاري (3744) و (4380) و (4382) و (7255) ومسلم (53 و 54 - 2419).
(3)
شرح النووي على مسلم (15/ 191 - 192).
بعيره فبكى عمر وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أمين هذه الأمة
(1)
، أ. هـ قاله في الديباجة.
قال الإمام أحمد بن حنبل في تاريخه: كان طاعون عمواس في الشام [سنة ثمان عشرة رواه عن أحمد أبو زرعة الرازي
(2)
وقال هشام مات بطاعون عمواس في الشام] ثلاثون ألفا، وقيل: خمسة وعشرون ألفا
(3)
، وقال الإمام أحمد بإسناده عن شهر بن حوشب الأشعري عن رجل من قومه وكان قد شهد طاعون عمواس، قال: لما اشتعل الوجع قام أبو عبيدة خطيبا قال: أيها الناس إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له حظا منه، قال: فطعن عمات واستخلف على الناس معاذ بن جبل فقام خطيبا بعده فقال: أيها الناس إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم، الحديث، ومات فاستخلف على الناس عمرو بن العاص فقام خطيبا
(4)
؛ ثالثها: طاعون في زمن ابن الزبير في شوال سنة تسع
(1)
المفهم (42/ 20).
(2)
التذكرة (ص 1152) وانظر تاريخ أبي زرعة (ص 178).
(3)
البداية والنهاية (7/ 93).
(4)
أخرجه أحمد 1/ 196 (1697) والطبرى في تاريخه (4/ 61 - 62) وفيه: فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص فقام فينا خطيبا فقال أيها الناس إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار فتجبلوا منه في الجبال قال فقال له أبو واثلة الهذلي كذبت والله لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت شر من حماري هذا قال والله ما أرد عليك ما تقول وايم الله لا نقيم عليه، ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا عنه ودفعه الله عنهم قال فبلغ ذلك =
وستين ومات في ثلاثة أيام في كل يوم سبعون ألفا مات فيه لأنس بن مالك ثلاثة وثمانون ابنا، وقيل: ثلاثة وسبعون ابنا، ومات لعبد الرحمن بن أبي بكرة أربعون ابنا؛ رابعها: طاعون الفتيات في شوال سنة سبع وثمانين وسمي طاعون الفتيات لأن بدأ في العذارى بالبصرة وواسط والشام والكوفة ويقال طاعون الأشراف لما مات فيه من الأشراف. خامسها: طاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة في رجب واشتد في شهر رمضان وكان يحصي في سكة المربد في كل يوم ألف جنازة ثم خف في شوال وكان بالكوفة طاعون سنة خمسين فيه توفي المغيرة بن شعبة هذا آخر كلام المدائني ولم يقع بالمدينة ولا بمكة طاعون قط لأنها عصمت قلنا في الحديث الصحيح أن المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال وأما مكة فلا يدخلها الدجال وأما الطاعون بها فلم يصح فيه حديث يثبته أو ينفيه وقد وقع سنة تسع وأربعين وسبعمائة به وبغيرها من البلاد إلا المدينة كما في الحديث ووقع الطواعين بعد ذلك إلى زماننا هذا يدور في البلاد آخرها سطيرة وهي سنة اثنين وسبعين وسبعمائة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والطاعون شهادة لأمتي ورجز على الكافر" الرجز العذاب قاله المنذري وقيل الرجز العذاب والإثم والذنب ورجز الشيطان وسواسه قاله ابن الأثير
(1)
.
= عمر بن الخطاب من رأى عمرو فوالله ما كرهه قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل أبان بن صالح جد أبي عبد الرحمن مشكدانة.
(1)
النهاية (2/ 200).
2169 -
وَعَن أبي منيب الأحدب رضي الله عنه قَالَ خطب معَاذ بِالشَّام فَذكر الطَّاعُون فَقَالَ إِنَّهَا رَحْمَة بكم ودعوة نَبِيكُم وَقبض الصَّالِحين قبلكُمْ اللَّهُمَّ اجْعَل على آل معَاذ نصِيبهم من هَذِه الرَّحْمَة ثمَّ نزل عَن مقَامه ذَلِك فَدخل على عبد الرَّحْمَن بن معَاذ فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}
(1)
. فَقَالَ معَاذ: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}
(2)
. رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد جيد
(3)
.
قوله: وعن أبي المنيب الأحدب، أبو المنيب اسمه [لا يعرف روى عن معاذ وأبي هريرة وابن عمر وعمرو بن العاص وسعيد بن المسيب وأبي عطاء اليحبوري روى عنه حسان بن عطية وزيد بن واقد ومجاهد بن فرقد الصنعاني وعاصم الأحول وثور بن يزيد وداود بن أبي هند وفرقد السبخي وثقه العجلي وابن حبان].
قوله: خطب معاذ بن جبل بالشام فذكر الطاعون فقال رحمة ربكم ودعوة نبيكم الحديث تقدم معناه.
2170 -
وَعَن معَاذ بن جبل رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول ستهاجرون إِلَى الشَّام فتفتح لكم وَيكون فِيكُم دَاء كالدمل أَو كالخزة يَأْخُذ
(1)
سورة يونس، الآية:94.
(2)
سورة الصافات، الآية:102.
(3)
أحمد (22085)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 311)، رواه أحمد وروى الطبراني بعضه في الكبير، ورجال أحمد ثقات، وسنده متصل.
بمراق الرجل يستشهد الله بِهِ أنفسهم ويزكي بِهِ أَعْمَالهم اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن معَاذًا سَمعه من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فأعطه هُوَ وَأهل بَيته الْحَظ الأوفر مِنْهُ فَأَصَابَهُمْ الطَّاعُون فَلم يبْق مِنْهُم أحد فطعن فِي أُصْبُعه السبابَة فَكَانَ يَقُول مَا يسرني أَن لي بهَا حمر النعم رَوَاهُ أَحْمد عَن إِسْمَاعِيل بن عبيد الله عَن معَاذ وَلم يُدْرِكهُ
(1)
.
قوله: عن معاذ بن جبل تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم "فتهاجرون إلى الشام فيفتح لكم ويكون فيكم داء كالدمل أو كالجرة فأخذ بمراق الرجل يستشهد الله به أرواحهم ويزكي أعمالهم" الحديث.
قوله: عن أبي بكر الصديق، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، فقال:"اللهم طعنا، وطاعونا". قلت: يا رسول الله، إني أعلم أنك قد سألت منايا أمتك، فهذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال:"ذرب كالدمل، إن طالت بك حياة ستراه" رواه أبو يعلى الموصلي بسند فيه جعفر بن الزبير وهو ضعيف
(2)
.
قوله: "ويكون فيكم داء كالدمل أو كالخزة يأخذ بمراق الرجل" الطاعون قروح تخرج في الجسد فتكون في المرافق والإباط والأيدي أو الأصابع
(1)
أحمد (22088)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 311)، وإسماعيل بن عبيد لم يدرك معاذا. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3260).
(2)
أخرجه أبو يعلى (62) والمروزي في مسند أبي بكر (82). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 310 - 311: رواه أبو يعلى وفيه جعفر بن الزبير الحنفي وهو ضعيف.
وسائر البدن ويكون معه ورم وألم شديد وتخرج تلك القروح مع لهيب ويسود ما حواليه ويخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة ويحصل معه خفقا للقلب والقيء
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم "فأخذ بمراق الرجل" المراق ما بين أصول الأفخاذ والبطون واحدها مرق وهو حيث يسترق الجلد قال ابن قتيبة: المراق أسفل البطن والعامة تخففه وهو مشدد قلت أصلها عند النحويين مرافق فأدغمت الفاء في القاف وهي مفاعل من رق سميت بذلك لأنها موضع رقة الجلد ذكره صاحب العلم المشهور، قال في النهاية
(2)
: المراق: ما سفل من البطن فما تحته من المواضع التي ترق جلودها، واحدها مرق. قاله الهروي. وقال الجوهري: لا واحد لها اهـ.
قوله: اللهم إن كنت تعلم أن معاذا سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطه هو وأهل بيته الحظ الأوفر منه فأصابهم الطاعون فلم يبق منهم أحد".
تتمة: ورد في الحديث النهي عن تمني لقاء العدو ويقاس عليه تمني الطاعون فيكره ويستحب الدعاء لرفعه والقنوت بسببه وما ورد من تمني معاذ إياه وقوله إنه دعوة نبيكم كما رواه أحمد فجوابه أن تمنيه كان اختياره ومذهبه فلا يورد على مذهب غيره وعلى ما شهدت به القواعد والأحاديث.
(1)
شرح النووي على مسلم (14/ 204).
(2)
النهاية (2/ 252).
وأما قوله دعوة نبيكم فإنه صلى الله عليه وسلم لما دعا ربه تعالى أن لا يجعل بأس أمته بينهم ومنع من ذلك سأل أن يكون قتالهم بالطعن والطاعون فلم يدعو به إلا لذلك.
وخز الجن فأشبه الطعن من الكفار وقريب من ذلك النهي عن الدخول في الأرض التي فيها الطاعون فإنه سبب في الموت نعم لا يفر منه بل يصبر ويحتسب فإن مات كان شهيدا ويفوز بالحياة وفيه حديث صحيح.
قوله "فطعن في أصبعه السبابة فكان يقول ما يسرني أن لي بها حمر النعم" وحمر النعم بسكون الميم وتقدم الكلام على ذلك في الصدقات وتقدم الكلام أيضا على السبابة لما سميت سبابة في أوائل هذا التعليق المبارك.
قوله: رواه أحمد عن إسماعيل بن عبيد الله السبيعي عن سبعين أو ثمانين لم يرو عنهم غيره توفي سنة ست وعشرين ومائة
(1)
.
2171 -
وَعَن أبي مُوسَى الأشْعَرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فنَاء أمتِي بالطعن والطاعون فَقيل يَا رَسُول الله هَذَا الطعْن قد عَرفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُون قَالَ وخز أعدائكم من الْجِنّ وَفِي كل شَهَادَة رَوَاهُ أَحْمد بأسانيد أَحدهَا صَحِيح
(1)
كذا هو في المخطوط، وهو خلط فالذي روى عن سبعين .. إلخ هو أبو إسحاق السبيعي كما مر، وأما صاحب الترجمة فهو إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، واسمه أقرم القرشي المخزومي، أبو عبد الحميد الدمشقي، مولى بني مخزوم، والد عبد العزيز ويحيى، وكانت داره ظاهر باب الجابية عند طريق القنوات، وكان يؤدب ولد عبد الملك بن مروان، واستعمله عمر بن عبد العزيز على إفريقية من ثقات الشاميين وعلمائهم الكبار، ولكنه لم يدرك معاذًا. انظر تهذيب الكمال (3/ 143 - 151 ترجمة 465).
وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ
(1)
.
الوخز بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة بعْدهَا زَاي هُوَ الطعْن.
قوله: وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم "فناء أمتي بالطعن والطاعون" الطعن القتل بالرماح أراد أن الغالب على فناء الأمة بالفتن التي تسفك فيها الدماء والطاعون المرض العام والوباء مهموز ومقصور وممدود والقصر أفصح وأشهر وقال آخرون الوباء هو كل مرض عام والصحيح هو ما قاله المحققون إنه مرض الكثيرين من الناس في جهة من الأرض دون سائر الجهات ويكون مخالفا للمعتاد من أمراض في الكثرة وغيرها ويكون مرضهم نوعا واحدا يخالف سائر الأوقات فإن أمراضهم فيها مختلفة قالوا فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونا والوباء الذي وقع بالشام كان طاعونا وهو طاعون عمواس يقال طعن الرجل فهو مطعون وطعنت إذا أصابه الطاعون
(2)
.
قوله: فقيل يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال وخز أعدائكم من الجن" قال الحافظ
(3)
: الوخز هو الطعن الوخز طعن ليس بنافذ قاله صاحب الغريب ومنه حديث عمرو بن العاص وذكر الطاعون إنما [هو
(1)
أحمد (19528)، وأبو يعلى (7226)، والبزار (3040)، والطبراني في الصغير (351)، والأوسط (1418)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4231).
(2)
شرح النووي على مسلم (14/ 204).
(3)
هو المنذري.
وخز من] الشيطان
(1)
.
2172 -
وَعَن أبي بكر بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه رضي الله عنه قَالَ ذكر الطَّاعُون عِنْد أبي مُوسَى فَقَالَ سَأَلنَا عَنهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ وخز أعدائكم الْجِنّ وَهُوَ لكم شَهَادَة رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم
(2)
.
قوله: وعن أبي بكر بن أبي موسى [اسمه كنيته، وكان أسن من "أبي بردة"، ويقال: اسمه عمرو، ويقال: عامر قال أبو عبيد الآجري: قلت لأبي داود: أبو بكر بن أبي موسى سمع من أبيه؟ قال: أراه قد سمع، وأبو بكر أرضى عندهم من أبي بردة بن أبي موسى، كان يذهب مذهب أهل الشام، جاءه أبو غادية الجهني قاتل عمار فأجلسه إلى جنبه، وقال:"مرحبا بأخي"، وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات"، وقال محمد بن عبد الله بن نمير: كان أكبر من أبي بردة، ومات في ولاية خالد بن عبد الله
(3)
].
قوله في حديثه فقال "وخز أعدائكم الجن وهو لكم شهادة" تقدم تفسيره.
2173 -
وَعَن أبي بردة بن قيس أخي أبي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اجْعَل فنَاء أمتِي قتلا فِي سَبِيلك بالطعن والطاعون رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير
(4)
. وَرَوَاهُ الْحَاكم من حَدِيث أبي مُوسَى
(1)
النهاية (5/ 163).
(2)
الحاكم (1/ 50)، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(3)
تهذيب الكمال (33/ ترجمة 7256).
(4)
أحمد (15608)، والطبراني في الكبير (792)، والحاكم (2/ 93)، والبخاري في الكنى =
وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد.
قوله: وعن أبي بردة بن قيس أخي أبي موسى رضي الله عنه أبو بردة هذا اسمه عامر بن قيس واسم أخيه عبد الله وكان لأبي موسى ولد يكنى بأبي بردة من علماء التابعين.
قوله: "اللهم اجعل فناء أمتي قتلا في سبيلك" الحديث وفي هذا الحديث بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الشهادة لأمته وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرددها ويتمناها لنفسه الشريفة أيضا ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تضمن الله لمن خرج في سبيله
…
" الحديث
(1)
وفي آخر "والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل"
(2)
وفي لفظ البخاري "ولوددت أن أقتل في سبيل الله فقتلت ثم أحييت ثم قتلت ثم أحييت ثم قتلت ثم أحييت"
(3)
وذكر القتل أربع مرات ذكره ابن النحاس
(4)
.
2174 -
وَعَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يخْتَصم الشُّهَدَاء والمتوفون على فرشهم إِلَى رَبنَا فِي الَّذين يتوفون فِي الطَّاعُون فَيَقُول
= (9/ 14)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2503)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 312)، رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1258).
(1)
البخاري (36)، مسلم (1876).
(2)
مسلم (1876).
(3)
البخاري (2972).
(4)
مشارع العشاق (ص 665 - 666).
الشُّهَدَاء قتلوا كمَا قتلنَا وَيَقُول المتوفون على فرشهم إِخْوَاننَا مَاتُوا على فرشهم كمَا متْنا فَيَقُول رَبنَا تبارك وتعالى انْظُرُوا إِلَى جراحهم فَإِن أشبهت جراح المقتولين فَإِنَّهُم مِنْهُم وَمَعَهُمْ فَإِذا جراحهم قد أشبهت جراحهم رَوَاهُ النَّسَائِيّ
(1)
.
قوله: وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم "يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم إلى ربنا في الذين يتوفون في الطاعون" الاختصام هو المجادلة والاختلاف وتقدم الكلام على الطاعون.
2175 -
وَعَن عتبَة بن عبد رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ يَأْتِي الشُّهَدَاء والمتوفون بالطاعون فَيَقُول أَصْحَاب الطَّاعُون نَحن شُهَدَاء فَيَقُول انْظُرُوا فَإِن كانَت جراحهم كجراح الشُّهَدَاء تسيل دَمًا كريح الْمسك فهم شُهَدَاء فيجدونهم كَذَلِك رَوَاهُ الطَّبْرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ فِيهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش رِوَايَته عَن الشاميين مَقْبُولَة وَهَذَا مِنْهَا وَيشْهد لَهُ حَدِيث الْعِرْبَاض قبله
(2)
.
قوله: وعن عتبة بن عبد رضي الله عنه[السلمي، كنيته أبو الوليد، له صحبة، عداده
(1)
أحمد (17159)، والطبراني في الكبير (626)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (8046).
(2)
الطبراني في الكبير (292)، وأحمد (17651).
في أهل حمص، يقال: كان اسمه عتلة، ويقال: نشبة، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عتبة، شهد عتبة بن عبد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،. توفي سنة سبع وثمانين أيام الوليد بن عبد الملك. وهو ابن أربع وتسعين سنة، يعد في الشاميين، روى عنه جماعة من تابعي أهل الشام. منهم: خالد بن معدان، وعبد الرحمن بن عمرو السلمي. وكثير بن مرة، وراشد بن سعد، وأبو عامر الألهاني، وعلي بن رباح
(1)
].
تقدم الكلام على هذا الحديث.
2176 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تفنى أمتِي إِلَّا بالطعن والطاعون قلت يَا رَسُول الله هَذَا الطعْن قد عَرفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُون قَالَ غُدَّة كَغُدَّة الْبَعِير الْمُقِيم بهَا كالشهيد والفار مِنْهُ كالفار من الزَّحْف رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ
(2)
.
2177 -
وَفِي رِوَايَة لأبي يعلى أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ وخزة تصيب أمتِي من أعدائهم من الْجِنّ كَغُدَّة الإِبِل من أَقَامَ عَلَيْهَا كَانَ مرابطا وَمن أُصِيب بِهِ كَانَ شَهِيدا وَمن فر مِنْهُ كَانَ كالفار من الزَّحْف
(3)
.
(1)
أسد الغابة (3/ 459 ترجمة 3546)، وتهذيب الكمال (19/ ترجمة 3780).
(2)
أحمد (25118)، وأبو يعلى (4408)، والطبراني في الأوسط (5531)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 314)، رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد ثقات، وبقية الأسانيد حسان.
(3)
أبو يعلى (4664).
رَوَاهُ الْبَزَّار وَعِنْده قلت يَا رَسُول الله هَذَا الطعْن قد عَرفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُون قَالَ يشبه الدمل يخرج فِي الآباط والمراق وَفِيه تَزْكِيَة أَعْمَالهم وَهُوَ لكل مُسلم شَهَادَة
(1)
.
قَالَ المملي رضي الله عنه أَسَانِيد الْكل حسان.
قوله: وعن عائشة رضي الله عنها تقدم الكلام عليها.
قوله: قلت يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال غدة كغدة البعير تأخذهم في مراقيهم" أي في بطونهم، "المقيم بها كالشهيد" الحديث الغدة طاعون الإبل يقال بعير مغد وقلما تسلم منه الإبل حتى تموت والغدة والغرة في الجسم وغدة في المال قطعة ذكره صاحب المغيث
(2)
والغدة [هي شبه الذبحة] يخرج في الحلق والغدة لحمة تنبت بين الجلد واللحم في البعير قاله عياض
(3)
.
2178 -
وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول فِي الطَّاعُون الفار مِنْهُ كالفار من الزَّحْف وَمن صَبر فِيهِ كَانَ لَهُ أجر شَهِيد رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَإسْنَاد أَحْمد حسن
(4)
.
(1)
البزار (3041)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3946)، وفيه كغدة الإبل والمراق، والمراق: ما سفل من البطن فما تحته من المواضع التي ترق جلودها.
(2)
المجموع المغيث (2/ 541)
(3)
مشارق الأنوار (2/ 129).
(4)
أحمد (14793)، والبزار (3038)، والطبراني في الأوسط (3193)، وقال الهيثمي في =
قوله: وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "في الطاعون الفار منه كالفار من الزحف" تقدم الكلام عليه.
2179 -
وَعَن أبي إِسْحَاق السبيعِي رضي الله عنه قَالَ قَالَ سُلَيْمَان بن صرد لخَالِد بن عرفطة أَو خَالِد بن سُلَيْمَان رضي الله عنه أما سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من قَتله بَطْنه لم يعذب فِي قَبره فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه نعم رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ خَالِد بن عرفطة من غير شكّ
(1)
.
عرفطة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَالْفَاء جَمِيعًا بعدهمَا طاء مُهْملَة.
قوله: وعن أبي إسحاق السبيعي رضي الله عنه فلقبه السبيعي واسمه عمرو بن عبد الله والسبيع بطن من همدان القبيلة المشهورة بسكون الميم وبالدال المهملة، قال ابن المديني روى أبو إسحاق السبيعي [عن سبعين أو ثمانين لم يرو عنهم غيره. قال: وأحصينا مشائخه ثلاثمائة أو أربعمائة شيخ. توفى سنة ست وعشرين ومائة، وقيل سبع وعشرين، وقيل: ثمان وعشرين،
= مجمع الزوائد (2/ 315)، رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4277).
(1)
الترمذي (1064)، وابن حبان (2933)، والطبراني في الكبير (4101)، وأحمد (18310)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 289)، والبيهقي في شعب الإيمان (9883)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6461).
وقيل: تسع وعشرين].
قوله صلى الله عليه وسلم "من قتله بطنه لم يعذب في قبره" الحديث، وفي حديث "فهو شهيد" وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من مات مريضا مات شهيدا ووقي فتنة القبر وعدي وريح عليه برزقه من الجنة" انفرد به ابن ماجه
(1)
.
فائدة: قال القرطبي
(2)
: الذي ينجي المؤمن من أهوالط القبر وعذابه وفتنته خمسة أشياء أولها البطن بدليل هذا الحديث وهو قوله "من قتله بطنه لم يعذب في قبره".
أولها: القتل في سبيل الله.
الثاني: الرباط في سبيل الله.
الثالث: قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك فإنها تنجي من عذاب القبر كما رواه الترمذي عن ابن عباس
(3)
.
الخامس: الموت ليلة الجمعة رواه الترمذي عن ربيعة بن سيف عن عبد الله بن عمرو قال ثقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم
(1)
أخرجه ابن ماجه (1615). وضعفه الألباني جدًّا في المشكاة (1595)، الضعيفة (4661).
(2)
التذكرة (ص 415 - 423).
(3)
أخرجه الترمذي (2890). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير (6101)، المشكاة (2154).
يموت ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر" وخرجه الترمذي الحكيم والحافظ أبو نعيم
(1)
.
ثم قال: وقوله صلى الله عليه وسلم "من مات مريضا" عام في جميع الأمراض لكن يقيده الحديث الآخر من تقتله بطنه
(2)
.
تتمة: في دعاء يدعى به للطاعون يذكر عن الشيخ سراج الدين البلقيني: اللهم أنى اعوذ بك من الطعن والطاعون والوباء وعظيم البلاء في النفس والأهل والمال والولد الله أكبر الله أكبر الله أكبر مما نخاف ونحذر الله أكبر الله أكبر الله أكبر عدد ذنوبنا حتى تغفر اللهم صل على سيدنا محمد صاحب الكوثر اللهم يا عظيم يا سلطان أمنا في الأوطان حى صمد له كنف وإن حي له صمد كنف وإن حي له صمد كنف باسمك اللهم أسلم يستحب قراءته في كل يوم اهـ.
وفي قوله: "من قتله بطنه" وفيه قولان:
أحدهما: أنه الذي يصيبه الذرب وهو الإسهال تقول العرب أخذه البطن إذا أصابه الداء وذرب الجرح إذا لم يقبل الدواء وذربت معدته فسدت.
(1)
أخرجه أحمد (6582) و (6646) و (7050)، والترمذي (1074). وقال الترمذي: وهذا حديث ليس إسناده بمتصل ربيعة بن سيف، إنما يروي عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، ولا نعرف لربيعة بن سيف سماعا من عبد الله بن عمرو. وحسنه الألباني في حسن، المشكاة (1367)، الأحكام (35).
(2)
التذكرة (ص 424 - 425).
الثاني: أنه الاستسقاء وهو أظهر القولين فيه، لأن العرب تنسب موته إلى بطنه تقول قتله بطنه يعنون الداء الذي أصابه في جوفه وصاحب الاستسقاء قل إن يموت إلا بالذرب فكأنه قد جمع الوصفين وغيرهما من الأمراض والوجود شاهد للميت بالبطن إن عقله لا يزال حاضرًا، وذهنه باقيًا إلى حين مكوته ومثل ذلك صاحب السل إذ موت الآخر إنما يكون بالذرب، وليست حالة هؤلاء كحال من يموت فجأة أو من يموت بالسام والبرسام، والحميات المطبقة أو القولنج أو الحصاة فتغيب عقولهم لشدة الآلام، ولزوم أدمغتهم، ولفساد أمزجتها، فإذا كان الحال هكذا فالميت يموت وذهنه حاضر وهو عارف. والله أعلم.
ذكره القرطبي في التذكرة
(1)
.
2179 -
م - وَعَن سعيد بن زيد رضي الله عنهما قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون دَمه فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون دينه فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون أَهله فَهُوَ شَهِيد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح
(2)
.
2180 -
وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
التذكرة (ص 425).
(2)
أبو داود (4772)، والترمذي (1421)، وابن ماجه (2580)، وأحمد (1652)، وابن حبان (3194)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6445).
من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ
(1)
.
2181 -
وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي وَغَيره قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من أُرِيد مَاله بِغَيْر حق فقاتل فَقتل فَهُوَ شَهِيد
(2)
.
وَفِي رِوَايَة للنسائي من قتل دون مَاله مَظْلُوما فَهُوَ شَهِيد
(3)
.
2182 -
وَعَن سُويد بن مقرن رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قتل دون مظلمته فَهُوَ شَهِيد رَوَاهُ النَّسَائِيّ
(4)
.
2183 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن جَاءَ رجل يُرِيد أَخذ مَالِي قَالَ فَلَا تعطه مَالك قَالَ أَرَأَيْت إِن قاتلني قَالَ قَاتله قَالَ أَرَأَيْت إِن قتلني قَالَ فَأَنت شَهِيد قَالَ أَرَأَيْت إِن قتلته قَالَ هُوَ فِي النَّار رَوَاهُ مُسلم
(5)
.
وَالنَّسَائِيّ وَلَفظه قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن عدي على مَالِي قَالَ فانشد بِالله قَالَ فَإِن أَبَوا عَليّ قَالَ فانشد بِالله قَالَ فَإِن أَبَوا عَليّ قَالَ فانشد بِالله قَالَ فَإِن أَبَوا عَليّ قَالَ فقاتل فَإِن قتلت فَفِي الْجنَّة وَإِن
(1)
البخاري (2480)، ومسلم (141)، والترمذي (1419)، وأبو داود (4771)، وأحمد (6522).
(2)
الترمذي (1420)، وأحمد (6816).
(3)
النسائي (7/ 115)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6446).
(4)
النسائي (7/ 117)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6446).
(5)
مسلم (140).
قتلت فَفِي النَّار
(1)
. والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله وعن سعيد بن زيد رضي الله عنهما[أحد العشرة، رضى الله عنهم، هو أبو الأعور، وقيل: أبو ثور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح، بالمثناة، ابن عبد الله بن قرط بن رزاح، براء مفتوحة ثم زاى وحاء مهملة، ابن عدى بن كعب بن لؤى بن غالب القريشي العدوي المكي المدني، أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وتوفى وهو راض عنهم، وهو ابن ابن عم عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وتزوج أخت عمر فاطمة بنت الخطاب، أسلمت هي وزوجها سعيد قبل عمر، وكانا سبب إسلام عمر، رضي الله عنهم، وأسلم سعيد قديما، وكان من المهاجرين الأولين، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي بن كعب.
وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها بعد بدر، واختلفوا في شهوده بدرا، فقال الأكثرون: لم يشهدها لعذره، فإنه كان غائبا عن المدينة، وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه منها وأجره. وقال جماعة: شهد بدرا. وذكره البخاري في صحيحه فيمن شهد بدرا، وشهد اليرموك، وحصار دمشق، وكان مجاب الدعوة.
روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عروة، أن سعيد بن زيد خاصمته أروى بنت أوس إلى مروان، وادعت عليه أنه أخذ شيئا من أرضها، فقال
(1)
أحمد (8475).
سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذ شبرا من أرض ظلما، طوقه إلى سبع أرضين"، فقال مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، قال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها واقتلها في أرضها، فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينا هي تمشى في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت. وفي رواية لمسلم أنها قالت: أصابتنى دعوة سعيد.
روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وأربعون حديثا، اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بحديث. روى عنه ابن عمر، وعمرو بن حريث، وابن الطفيل الصحابيون، رضى الله عنهم، وجماعات من التابعين. توفى بالعقيق، وقيل: بالمدينة سنة خمسين أو إحدى وخمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة، وغسله ابن عمر، وقيل: سعد بن أبي وقاص، وصلى عليه ابن عمر، ونزل في قبره سعد، وابن عمر، رضى الله عنهم أجمعين
(1)
].
قوله: "من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد" الحديث.
قوله صلى الله عليه وسلم "من قتل دون ماله فهو شهيد" يعني عند ماله وقال الفراء دون تكون بمعنى عند وأما أحكام الحديث فذهب عامة العلماء إلى أن الرجل إذا أريد ماله فله دفع القاصد بالأحسن فإن لم يمتنع إلا بالقتل فقتله فدمه هدر ففي هذا الحديث جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق سواء أكان المال
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 217 - 218 ترجمة 209).
قليلا أو كثيرا لعموم الحديث وهذا قول جماهير العلماء وقال بعض أصحاب مالك: لا يجوز قتله إذا طلب شيئا يسيرا كالثوب والطعام، قال النووي
(1)
: وهذا ليس بشيء والصواب ما قاله الجماهير وحينئذ فيكون دمه هدرا لتعريضه نفسه لذلك وكذلك من منع من الماء عطشان وهو مستغن عنه وللمسألة نظائر وإذا جاز ذلك في الآدمي ففي القاتل من الحيوانات بالأحق والأولى ولا فرق بين المملوك منها وغيره ولا يلزمه شيء وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف وفي المدافعة عن النفس بالقتل خلاف في مذهب الشافعي رحمه الله ومذهب غيره والمدافعة عن المال جائزة غير واجبة.
قوله في حديث أبو هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال فلا تعطه مالك الحديث فمعناه لا يلزمك أن تعطيه وليس المراد تحريم الإعطاء قال ابن المنذر
(2)
: ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "من قتل دون ماله فهو شهيد" وقد روينا عن جماعة من أهل العلم أنهم رأوا قتال اللصوص ودفعهم عن أموالهم وأنفسهم هذا مذهب ابن عمر والحسن البصري وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق والنعمان قال أبو [بكر] وبهذا يقول عوام أهل العلم إن للرجل أن يقاتل عن نفسه إذا لم ير ظلما للأخبار التي جاءت عن رسول الله
(1)
شرح النووي على مسلم (2/ 165).
(2)
الأشراف (7/ 247 - 248).
- صلى الله عليه وسلم أن يقاتل عن نفسه وماله لم يخص وقتا من وقت ولا حالا دون حال إلا السلطان فإن جماعة أهل الحديث كالمجمعين على من لم يمكنه أن يمنع نفسه وماله إلا بالخروج عن السلطان ومحاربته أن لا يحاربه ولا يخرج عليه للأخبار الدالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يكون منهم من الجور والظلم والله أعلم ذكره القرطبي في القرطبي
(1)
.
وقال البغوي
(2)
: وذهب بعض العلماء على أن الرجل إذا أريد ماله أو دمه أو أهله فله دفع القاصد ومقاتلته وينبغي أن يدفع بالأحسن فالأحسن فإن لم يمتنع إلا بالمقاتلة فقتله فأتى القتل على نفسه فدمه هدر ولا شيء على الدافع وكره قوم أن يقاتل عن نفسه وتمسكوا بأحاديث في ترك القتال في الفتن وليس هذا من ذاك في شيء إنما هذا في قتال اللصوص ونحوهم وذاك في القتال على الملك فهناك يستسلم والله أعلم قاله في شرح الإلمام.
وقوله صلى الله عليه وسلم: في القاتل إذا قتل فهو في النار فمعناه أنه يستحق ذلك وقد يجازى وقد يعفى عنه إلا أن يكون مستحلا لذلك بغير تأويل فإنه يكفر ولا يعفى عنه والله أعلم ذكره النووي
(3)
.
* * *
(1)
التذكرة (ص 1138).
(2)
شرح السنة للبغوي (10/ 370).
(3)
شرح النووي على مسلم (17/ 83).