الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في سكنى المدينة إلى الممات وما جاء في فضلها وفضل أحد ووادي [القرى]
قَالَ الْحَافِظ تقدم فِي الْبَاب قبله مِمَّا يَنْتَظِم فِي سلكه وَيقرب مِنْهُ حَدِيث بِلَال بن الْحَارِث رَمَضَان بِالْمَدِينَةِ خير من ألف رَمَضَان فِيمَا سواهَا من الْبلدَانِ وجمعة بِالْمَدِينَةِ خير من ألف جُمُعَة فِيمَا سواهَا من الْبلدَانِ.
وَحَدِيث جَابر أَيْضا وَفِيه إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام.
1851 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يصبر على لأواء الْمَدِينَة وشدتها أحد من أمتِي إِلَّا كنت لَهُ شَفِيعًا يَوْم الْقِيَامَة أَو شَهِيدا رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا
(1)
.
1852 -
وَعَن أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَا يصبر أحد على لأوائها إِلَّا كنت لَهُ شَفِيعًا أَو شَهِيدا يَوْم الْقِيَامَة إِذا كَانَ مُسلما رَوَاهُ مُسلم
(2)
.
اللأواء مهموزا ممدودا هِيَ شدَّة الضّيق.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام على أبي هريرة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي" الحديث،
(1)
مسلم (1378)، والترمذي (3924)، وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه، وأحمد (7865)، وابن حبان (3740)، والبيهقي في دلائل النبوة (2/ 569).
(2)
مسلم (1374).
قال المنذري: اللأواء مهموز ممدود هي شدة الضيق أ. هـ.
وقال غيره: اللأواء هو الجوع وشدة الكسب فيها والمشقات الحاصلة للمقيم بها
(1)
فيستحب المجاورة بالمدينة لما يحصل من ذلك من نيل الدرجات ومزيد الكرامات قاله الزركشي
(2)
.
قوله: "إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدًا" وفي حديث أبي سعيد الذي بعده: "إذا كان مسلما" فيكون المعنى أن الصابر على شدة المدينة صنفان: من يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم من العصاة ومن يشهد له بما نال فيها من الشدة ليوفي أجره، وشفاعته صلى الله عليه وسلم وإن كانت عامة للعصاة من أمته إلا أن العصاة من أهل المدينة لهم زيادة خصوص، وذلك والله أعلم بأن يشفع لهم قبل أن يعذبوا بخلاف غيرهم أو يشفع في رفع درجاتهم أو في السبق إلى الجنة أو فيما شاء الله من ذلك
(3)
، أ. هـ.
وقال في شرح مشارق الأنوار
(4)
القول الأقوم في هذا الحديث أن (أو) للتقسيم لا على الشك من بعض الرواة والمراد منه على هذا كنت شفيعا لبعضهم شهيدا لبعضهم وهو الذي وفى لله تعالى بعهده والرسول صلى الله عليه وسلم لا يشهد إلا لمن هذه صفته ويشهد على سائر أمته بالبلاغ وإن ذهب ذاهب إلى
(1)
المفهم (11/ 29).
(2)
إعلام الساجد بأحكام المساجد (ص 245).
(3)
المفهم (11/ 30).
(4)
حدائق الأزهار (لوحة 169/ خ 87781 كتبخانة) للأرزنجانى.
أن أو بمعنى الواو لورود الرواية أيضا بالواو فالتأويل أن يقال: إنه أشار إلى اختصاص أهل المدينة بالجمع بين الفضيلتين الشهادة والشفاعة كذا في الميسر
(1)
، وقال ابن عقيل في شرح الأحكام والمراد به أن يكون شاهدا لأهل الطاعة شفيعا لأهل المعصية
(2)
.
فإن قيل: شفاعته عامة في العصاة فما وجه اختصاص أهل المدينة بذلك؟
قلنا: يجوز أن يكون وجه اختصاصهم حمايتهم من دخول النار بالكلية بخلاف غيرهم فإنهم يعذبون ثم يخرجون بالشفاعة أ. هـ.
قال القاضي عياض
(3)
رحمه الله تعالى: سُئِلْتُ قَدِيمًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَلِمَ خُصَّ سَاكِنُ الْمَدِينَةِ بِالشَّفَاعَةِ هُنَا مَعَ عُمُومِ شَفَاعَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَادِّخَارِهِ إِيَّاهَا؟ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِجَوَابٍ شَافٍ مُقْنِعٍ فِي أَوْرَاقٍ اعْتَرَفَ بِصَوَابِهِ كُلُّ وَاقِفٍ عَلَيْهِ، قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا "أَوْ" هُنَا لِلشَّكِّ وَالْأَظْهَرُ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلشَّكِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ جَابِرٌ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وجماعة كثيرة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ وَيَبْعُدُ اتِّفَاقُ جَمِيعِهِمْ أَوْ رُوَاتِهِمْ عَلَى الشَّكِّ وَيُطَابِقُهُمْ فِيهِ عَلَى صيغَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ هَكَذَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ هَكَذَا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ "أَوْ" لِلتَّقْسِيمِ وَيَكُونُ شَهِيدًا لِبَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
(1)
الميسر (2/ 645 - 646).
(2)
انظر: شرح النووي على مسلم (9/ 136)، وحدائق الأزهار (لوحة 169/ خ 87781 كتبخانة) للأرزنجانى.
(3)
إكمال المعلم (4/ 482 - 483).
وَشَفِيعًا لِبَاقِيهِمْ، إِمَّا شَفِيعًا لِلْعَاصِينَ وَشَهِيدًا لِلْمُطِيعِينَ، وَإِمَّا شَهِيدًا لِمَنْ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ وَشَفِيعًا لِمَنْ مَاتَ بَعْدَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ رَائِدَةٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ لِلْمُذْنِبِينَ أَوْ لِلْعَاصِينَ فِي الْقِيَامَةِ، وَعَلَى شَهَادَتِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ:"أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ" فَيَكُونُ لِتَخْصِيصِهِمْ بِهَذَا كُلِّهِ مَزِيَّةٌ وَزِيَادَةُ مَنْزِلَةٍ وَحُظْوَةٌ، قَالَ: وَيحتمل أن تَكُونُ "أَوْ" بِمَعْنَى الْوَاوِ فَيَكُونُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ شَفِيعًا وَشَهِيدًا. قَالَ وَقَدْ رُوِيَ إِلَّا كنت له شهيدا أو له شَفِيعًا قَالَ وَإِذَا جَعَلْنَا أَوْ لِلشَّكِّ كَمَا قَالَهُ الْمَشَايِخُ فَإِنْ كَانَتِ اللَّفْظَةُ الصَّحِيحَةُ شَهِيدًا انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ الْمُدَّخَرَةِ الْمُجَرَّدَةِ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتِ اللَّفْظَةُ الصَّحِيحَةُ شَفِيعًا فَاخْتِصَاصُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِهَذَا مَعَ مَا جَاءَ مِنْ عُمُومِهَا وَادِّخَارُهَا لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ أَنَّ هَذِهِ شَفَاعَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْعَامَّةِ الَّتِي هِيَ لِإِخْرَاجِ أُمَّتِهِ مِنَ النَّارِ وَمُعَافَاةِ بَعْضِهِمْ مِنْهَا بِشَفَاعَتِهِ صلى الله عليه وسلم في الْقِيَامَةِ وَتَكُونُ هَذِهِ الشَّفَاعَةُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ بِزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ أَوْ تَخْفِيفِ الْحِسَابِ أَوْ بِمَا شَاءَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ بِإِكْرَامِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْكَرَامَةِ كَإِيوَائِهِمْ إِلَى ظِلِّ الْعَرْشِ أَوْ كَوْنِهِمْ فِي رَوْحٍ وَعَلَى مَنَابِرَ أَوَ الْإِسْرَاعِ بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصِ الْكَرَامَاتِ الْوَارِدَةِ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَاللهُ أَعْلَمُ أ. هـ.
قوله: في قتلى أحد "أنا شهيد" والشهيد بمعنى الشاهد، والشفاعة هي السؤال في التجاوز عن الذنوب.
1853 -
وَعَن سعد رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنِّي أحرم مَا بَين لابتي الْمَدِينَة أَن يقطع عضاهها أَو يقتل صيدها وَقَالَ الْمَدِينَة خير لَهُم لَو كَانُوا يعلمُونَ لَا يَدعهَا أحد رَغْبَة عَنْهَا إِلَّا أبدل الله فِيهَا من هُوَ خير مِنْهُ وَلَا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إِلَّا كنت لَهُ شَفِيعًا أَو شَهِيدا يَوْم الْقِيَامَة.
وَزَاد فِي رِوَايَة وَلَا يُرِيد أحد أهل الْمَدِينَة بسوء إِلَّا أذابه الله فِي النَّار ذوب الرصاص أَو ذوب الْملح فِي المَاء رَوَاهُ مُسلم
(1)
.
لابتا الْمَدِينَة بِفَتْح الْبَاء مُخَفّفَة هُوَ حرتاها وطرفاها
والعضاه بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وبالضاد الْمُعْجَمَة وَبعد الْألف هَاء جمع عضاهة وَهِي شَجَرَة الخمط وَقيل بل كل شَجَرَة ذَات شوك وَقيل مَا عظم مِنْهَا قوله: وعن سعد رضي الله عنه، هو: سعد بن أبي وقاص، تقدم الكلام على مناقبه، أعاد الله علينا من بركاته.
قوله: "إني أحرم ما بين لابتي المدينة" وفي رواية أخرى "ما بين جبليها" قال الحافظ المنذري: لابتي المدينة بفتح الباء مخففة هو حرتاها وطرفاها، أ. هـ. وقال بعض العلماء: لابتا المدينة تثنية لابة وهي الحرة، والحرة هي الأرض ذات الحجارة السود، ومعناه: اللابتان وما بينهما، وقال بعضهم: اللابتان من جهة المشرق والمغرب والجبلان جهتا الشمال والجنوب [والمراد تحريم المدينة ولابتيها]
(2)
.
(1)
مسلم (1363).
(2)
شرح النووي على مسلم (9/ 135 - 136) و (9/ 143).
[قوله]: "أن يقطع عضاهها" والعضاه بكسر العين المهملة وبالضاد المعجمة وبعد الألف هاء جمع عضاهة وهي شجرة الخمط، وقيل: بل كل شجرة ذات شوكة، وقيل: ما عظم منها، أ. هـ، قاله المنذري.
[وعضاهها: بالقصر وكسر العين وتخفيف الضاد المعجمة] جمع عضاهة وعضهة وعضة بحذف الهاء الأصلية كما حذفت من الشفة وشجرة الخمط هي شجر أم غيلان، وكل شجر عظيم له شوك، وعضهت العضاه إذا قطعتها ومنه الحديث:"ما عضهت عضاة إلا بترك التسبيح" قاله في النهاية
(1)
.
وفي هذا الحديث تصريح ودلالة للشافعي ومالك وأحمد والجمهور على تحريم صيد المدينة وقطع شجرها على الحلال والمحرم كمكة، وخالف أبو حنيفة في ذلك واحتج له بحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يا أبا عمير ما فعل النغير"
(2)
وكان النغير صيدا فأقرهم على اصطياده، ولو كان صيد المدينة حراما لأنكر عليهم؟ وأجيب عن ذلك بجوابين: أحدهما: أن ذلك كان قبل النهي وفي هذا الجواب ضعف فإنه مجرد دعوى، والجواب الثاني: لعل ذلك كان من صيد الحل، وهذا الجواب أيضا ضعيف فإن الخصم يرى أن صيد الحل متى دخل الحرم التحق بصيد الحرم
(3)
، وقد ثبت عن أبي هريرة أنه قال: لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 255)، وكشف المناهج (2/ 444).
(2)
أخرجه البخاري (6129) و (6203)، ومسلم (30 - 2150).
(3)
شرح النووي على مسلم (9/ 134).
"ما بين لابتيها حرام" وأراد بقوله "ما ذعرتها"
(1)
أي: ما أفزعتها وخوفتها قاله ابن عقيل.
وقوله في حديث أنس: "يا أبا عمير ما فعل النغير" والنغير تصغير النغر بضم النون وفتح الغين المعجمة قال الجوهري
(2)
أنه طير كالعصافير حمر المناقير والجمع نغران كصرد وصردان ومؤنثه نغرة كهمزة وأهل المدينة يسمونه البلبل، وفي الصحيحين
(3)
عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ -قَالَ: أَحْسِبُهُ- فَطِيمًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ:"يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ".
وعمير: تصغير عمر أو عمرو والفطيم بمعنى المفطوم
(4)
، قال وكيع يعني طيرا كان يلعب به، وقيل: نوع من الحمر وقيل هو طائر أسود اللون أحمر المنقار
(5)
، وأبو عمير المذكور في الحديث هو ابن أبي طلحة الأنصاري أخو أنس بن مالك لأمه
(6)
، قال النووي
(7)
: في هذا الحديث فوائد كثيرة، منها: جواز تكنية من لم يولد له، وتكنية الطفل وأنه ليس كذبا،، وفي الحديث
(1)
أخرجه مسلم (471 و 472 - 1372)، والترمذي (3921) وهو في الموطأ (2600).
(2)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 833).
(3)
البخاري (6129)، مسلم (2150).
(4)
حياة الحيوان (2/ 493).
(5)
مطالع الأنوار (4/ 187).
(6)
عمدة القارى (22/ 170).
(7)
شرح النووي على مسلم (14/ 129).
بادروا بكنى أولادكم لا يسبق لها ألقاب السوء
(1)
، وفيه جواز المزاح فيما ليس بإثم، وفي الترمذي
(2)
من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدًا فتخلفه" قال العلماء المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط [ويداوم] عليه فإنه يورث الضحك وقسوة القلب ويشغل عن ذكر الله والفكر في مهمات الدين [ويؤول في] كثير من الأوقات إلى الإيذاء ويورث الأحقاد ويسقط المهابة والوقار، فأما ما سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله فإنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يفعله في نادر من الأحوال لمصلحة ولتطييب نفس المخاطب ومؤانسته وهذا لا منع منه مطلقا بل هو سنة مستحبة إذا كان بهذه الصفة
(3)
قاله في الديباجة. أ. هـ.
وفيه: جواز تصغير بعض المسميات وفيه جواز السجع في هذا الكلام الحسن بلا كلفة وفيه ملاطفة الصبيان وتأنيسهم وفيه بيان ما كان عليه رسول الله من حسن الخلق وكرم الشمائل والتواضع وزيارة أهل الفضل لأن أم
(1)
روى مرفوعا عن ابن عمر وموقوفا على عمر بن الخطاب:
أما المرفوع عن ابن عمر: أخرجه ابن حبان (1/ 172)، وابن عدى (2/ 172) بلفظ بادروا أولادكم بالكنى لا يغلب عليهم الألقاب. وقال الألباني موضوع الضعيفة (1728). وأما الموقوف: أخرجه الغسانى في ألقاب الصحابة (ص 25) وتقييد المهمل (2/ 1087) من طريق بقية، عن عبد الملك بن النعمان، أن رجلًا حدثه أن عمر بن الخطاب قال:"عجلوا بكنى أولادكم، لا تسرع إليهم ألقاب السوء".
(2)
سنن الترمذي (1995) وقال الألباني ضعيف ينظر: ضعيف الأدب المفرد (58/ 394).
(3)
الأذكار (ص 508) للنووى.
الفضل والدة أبي عمير وأنس من محارمه صلى الله عليه وسلم، واستدل به بعض المالكية على جواز الصيد من حرم المدينة ولا دلالة فيه لذلك لأنه ليس في الحديث [صراحة ولا كناية أنه من] حرم المدينة بل يقال إنه صيد من الحل وأدخل الحرم ويجوز للحلال أن يفعل ذلك ولا يجوز له أن يصيد من الحرم فيفرق بينه وبين ابتداء صيده وبين استحباب إمساكه، وقد صحت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم صيد المدينة فلا يجوز تركها بمثل هذا الاحتمال ومعارضتها به، وفي الحديث أيضًا دليل على جواز لعب الصغير بالطير الصغير
(1)
.
قال الإمام العباس القرطبي
(2)
: لكن الذي أجاز العلماء أن يمسك له وأن يلهو بحبسه وأما تعذيبه والعبث به فلا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان إلا لمأكلة.
وقال غيره معنى قوله: "يلعب به" يتلهى بحبسه وإمساكه، وفيه دليل على جواز حبس الطير في القفص لهذا الغرض وغيره ومنع ابن عقيل الحنبلي من ذلك وجعله سفها وتعذيبا لقول أبي الدرداء رضي الله عنه تجيء العصافير يوم القيامة تتعلق بالعبد الذي كان يحبسها في القفص عن طلب أرزاقها وتقول: هذا عذبني في الدنيا؟ والجواب: ان هذا فيمن منعها المأكول والمشروب
(3)
وقد
(1)
المفهم (17/ 137 - 138)، وشرح النووي على مسلم (14/ 129).
(2)
المفهم (17/ 138).
(3)
حياة الحيوان (2/ 493).
سئل القفال عن ذلك لسماع أصواتها وغير ذلك، فأجاب بالجواز إذا كفاها مالكها المؤنة لما تحتاج إليه لأنها كالبهيمة [تربط وقال]
(1)
كذلك ابن يونس في النفقات من شرح التعجيز، وقال: إن الطائر كالدابة والقفص كالاصطبل وهذا واضح لا توقف فيه
(2)
، أ. هـ.
بل في الحديث دليل على جواز قصها للعب الصبيان بها وكان بعض الصحابة يكره ذلك
(3)
.
لطيفة: ورأيت لأبي العباس أحمد بن القاضي تصنيفا حسنا على هذا الحديث قال فيه: إن أبا حنيفة سمع صوت امرأة يضربها بعلها وهي تصيح فقال: صدقة مقبولة وحسنة مكتوبة، فقال له رجل من أصحابه، كيف ذلك يا أستاذ، فقال لقوله صلى الله عليه وسلم:"أدب الجاهل صدقة عليه وأنا أعرفها جاهلة"
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "أن تقطع عضاهها أو يقتل صيدها" الحضاه قد ضبطها الحافظ
(5)
وفسرها فقال جمع عضاهة وهي شجرة الخمط، وقيل: بل كل شجرة ذات شوك، وقيل: ما أعظم منها
(6)
، أ. هـ.
وقال غيره واحدها عضاهة وعضيهة وعضهة وعضة بحذف الهاء الأصلية
(1)
النجم الوهاج (9/ 281).
(2)
الفتاوى الكبرى (4/ 241) للهيتمى.
(3)
فوائد حديث أبي عمير (ص 29) لابن القاص، وحياة الحيوان (2/ 493).
(4)
حياة الحيوان (2/ 493).
(5)
المراد بالحافظ المنذرى.
(6)
لسان العرب (13/ 516).
كما حذفت من الشفة وهي شجرة أم غيلان
(1)
.
فرع: من قطع شيئا من شجر المدينة أو اصطاد صيدا ففي ضمانه قولان للشافعي قديم وجديد، الجديد: أنه لا يضمن وهو قول مالك لأنه مكان يجوز دخوله بغير إحرام فلا يضمن، والقديم: يضمن لحديث عامر بن سعد عن أبيه: [أنه ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد غلاما يخبط شجرا أو يقطعه فسلبه، فلما رجع سعد جاءَ أهل الغلام فكلموه أن يرد ما أَخذ من غلامه. فقال معاذ الله أن أَرد شيئا نَفَّلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يرده عليهم
(2)
] قال النووي في شرح المهذب ومسلم وتصحيح التنبيه وهذا القول هو المختار فإن فيه حديث صحيح يعني ما ذكرنا، وقال ابن المنذر: ثبت [عن] رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخذ سلب القاتل وقاطع الشجر ولكن لم يقل به أحد إلا ابن أبي ليلى والشافعي في القديم وهو المختار وعمل به سعد بن أبي وقاص، وإذا قلنا به فقيل كضمان مكة، والأصح أنه يسلب الصائد والقاطع وعلى هذا ففي المراد بالسلب وجهان: أحدهما أنه ثيابه فقط وأصحهما أنه كسلب القتيل فيدخل فيه فرسه وسلاحه وهل هو للسالب أو لمساكين المدينة أو بيت المال فيه ثلاثة أوجه، أصحها: الأول وإذا سلب أخذ جميع ما عليه إلا ساتر العورة على الأصح وسلبه بمجرد الاصطياد سواء أتلف أو لا نعم يستثنى علف البهائم والعلف بإسكان اللام مصدر علف علفا وأما
(1)
كشف المناهج (2/ 444).
(2)
أخرجه مسلم (461 - 1364).
بمفتوحها فاسم للحشيش والتبن والشعير ونحوها قاله الزركشى
(1)
.
وقال ابن النحاس في تنبيهه
(2)
: ففي ضمانه قولان القديم يضمن، وفي ضمانه وجهان أحدهما أخذ سلب الصائد وقاطع الشجر والصحيح أنه كسلب المقتول من الكفار وأنه للسالب أ. هـ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون" يعني للمرتحلين عنها إلى غيرها
(3)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه" الحديث، أي: كراهية لها، يقال: رغبت في الشيء أحببته، ورغبت عنه كرهته
(4)
، يعني: أن الذي يخرج من المدينة راغبا عنها أي زاهدا فيها إنما هو إما جاهل بفضلها وفضل المقام بها وإما كافر بذلك، وكل واحد من هذين إذا خرج منها فمن بقي من المسلمين خير منه وأفضل على كل حال قال: وقد خص الله تعالى مكة والمدينة بأنهما لا تخلوان من أهل العلم والفضل والدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين
(5)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعًا أو
(1)
إعلام الساجد (ص 243 - 244).
(2)
تنبيه الغافلين (ص 281).
(3)
المفهم (11/ 29).
(4)
المفهم (11/ 29).
(5)
المفهم (11/ 38).
شهيدا" تقدم تفسير الألواء، وأما الجهد فهو المشقة وهو بفتح الجيم وفي لغة قليلة بضمها، وأما الجهد بمعنى الطاقة فبضمها على المشهور وحكي فتحها
(1)
.
وقوله في الرواية الأخرى: "ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء" سيأتي الكلام عليه في آخر الباب.
1854 -
وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ليَأْتِيَن على أهل الْمَدِينَة زمَان ينْطَلق النَّاس مِنْهَا إِلَى الأرياف يَلْتَمِسُونَ الرخَاء فيجدون رخاء ثمَّ يأْتونَ فيتحملون بأهليهم إِلَى الرخَاء وَالْمَدينَة خير لَهُم لَو كَانُوا يعلمُونَ رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَاللَّفْظ لَهُ وَرِجَاله رجال الصَّحِيح
(2)
.
الأرياف جمع ريف بِكَسْر الرَّاء وَهُوَ مَا قَارب الْمِيَاه فِي أَرض الْعَرَب وَقيل هُوَ الأَرْض الَّتِي فِيهَا الزَّرْع وَالْخصب وَقيل غير ذَلِك.
قوله: وعن جابر رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ليأتين على أهل المدينة زمان ينطلق الناس منها إلى الأرياف يلتمسون الرخاء" الأرياف جمع ريف، قد ضبطه المنذري وفسره فقال: وهو ما قارب المياه من أرض العرب ومن غيرها، وقيل: هو الأرض التي فيها
(1)
شرح النووي على مسلم (9/ 136).
(2)
أحمد (14680)، والبزار (1186)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 300)، رواه أحمد والبزار، ورجال البزار رجال الصحيح.
الزرع والخصب ومنه حديث العرنيين: كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف أي إنا من أهل البادية لا من أهل المدن
(1)
، وقيل: غير ذلك أ. هـ قاله الحافظ
(2)
.
1855 -
وَعَن سُفْيَان بن أبي زُهَيْر رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول تفتح الْيمن فَيَأْتِي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم وَمن أطاعهم وَالْمَدينَة خير لَهُم لَو كَانُوا يعلمُونَ وتفتح الشَّام فَيَأْتِي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم وَمن أطاعهم وَالْمَدينَة خير لَهُم لَو كَانُوا يعلمُونَ وتفتح الْعرَاق فَيَأْتِي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم وَمن أطاعهم وَالْمَدينَة خير لَهُم لَو كانُوا يعلمُونَ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
(3)
.
البس السُّوق الشَّديد وَقيل البس سرعَة الذّهاب.
قوله: وعن سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه[واسمه: القرد الأزدي الشنائي، قاله ابن المديني، وشباب، وقيل: سفيان بن نمير بن مرارة بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث، وقيل: إنه نميري، وقيل: نمري، والأول أكثر، ولا يختلفون أنه من أزد شنوءة، فربما كان في أجداده من اسمه نمر أو نمير، فنسب إليه، قال أبو أحمد العسكري: يعني أنه من النمر بن عثمان بن نصر بن
(1)
النهاية (2/ 290).
(2)
ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 423).
(3)
البخاري (1875)، ومسلم (1388)، ومالك في الموطأ (2596)، وأحمد (21915)، وعبد الرزاق (17159)، والحميدي (865)، والنسائي في الكبرى (4264)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1596)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 313)، وابن حبان (6673).
زهران، من ازد شنوءة، شنوءة، وشنوءة: هو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن يعرب بن الغوث. وإنما سموا شنوءة لشنئآن كان بينهم وقال بعضهم، في نسبه: النمري، وبعضهم: النميري. له صحبة يعد في أهل المدينة أخرج له في الصحيحين حديثان متفق عليهما
(1)
].
قوله صلى الله عليه وسلم: "تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم" الحديث، يبسون قال أهل اللغة بفتح الياء المثناة من تحت وبعدها باء موحدة تضم وتكسر ويقال أيضا بضم المثناة مع كسر الباء الموحدة وبالسين المهملة المشددة فتكون اللفظة ثلاثية ورباعية فحصل في ضبطه ثلاثة أوجه
(2)
، قال الحافظ المنذري: البس السوق الشديد، وقيل: البس سرعة الذهاب أ. هـ، وقال غيره: قيل: هو السَّوْق اللين وقال الزمخشري في فائقة
(3)
: إنه يخرج قوم من المدينة إلى العراق والشام يَبُسُّون، قالوا: والبس السوق والطرد وبه فسر قوله تعالى {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا}
(4)
والمعنى: يسوقون بهائمهم سائرين، أ. هـ.
وقال إبراهيم الحربي
(5)
: بسست الغنم والنوق إذا دعوتها فمعناه يدعون الناس إلى بلاد الخصب ومعنى الحديث يحملون بأهليهم، وقال ابن وهب:
(1)
تلقيح أهل الفهوم (ص 285)، وأسد الغابة (2/ 495)، وتهذيب الكمال (11/ ترجمة 2403).
(2)
شرح النووي على مسلم (9/ 158).
(3)
الفائق في غريب الحديث (1/ 107).
(4)
سورة الواقعة، الآية:5.
(5)
إكمال المعلم (4/ 505).
معناه يزينون البلاد ويحببونها إليهم ويدعونهم إلى الرحيل إليها ونحوه، قال العلماء: وهذا الحديث من دلائل نبوته وصدقه صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر بوقوع أمور ثم وقعت بعد ذلك فكان ذلك دليلا على صدقه فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر بفتح هذه الأقاليم وأن الناس يتحملون بأهليهم إليها ويتركون المدينة وأن هذه الأقاليم تفتح على هذا الترتيب ووجد جميع ذلك كذلك بحمد الله وفضله، وفيه فضيلة سكنى المدينة والصبر على شدتها وضيق العيش بها
(1)
والله أعلم.
1856 -
وَعَن أبي أسيد السَّاعِدِيّ رضي الله عنه قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على قبر حَمْزَة بن عبد الْمطلب فَجعلُوا يجرونَ النمرة على وَجْهه فتنكشف قدماه ويجرونها على قَدَمَيْهِ فينكشف وَجهه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اجْعَلُوهَا على وَجهه وَاجْعَلُوا على قَدَمَيْهِ من هَذَا الشّجر قَالَ فَرفع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَأسه فَإِذا أَصْحَابه يَبْكُونَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّه يَأْتِي على النَّاس زمَان يخرجُون إِلَى الأرياف فيصيبون مِنْهَا مطعما وملبسا ومركبا أَو قَالَ مراكب فيكتبون إِلَى أَهْليهمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا فَإِنَّكُم بِأَرْض حجاز جدوبة وَالْمَدينَة خير لَهُم لَو كَانُوا يعلمُونَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسن
(2)
.
النمرة بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم وَهِي بردة من صوف تلبسها الْأَعْرَاب.
قوله: وعن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه، أبو أسيد الساعدي بضم الهمزة
(1)
شرح النووي على مسلم (9/ 159).
(2)
الطبراني في الكبير (2940)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 301)، وإسناده حسن.
واسمه مالك بن ربيعة.
قوله: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر حمزة بن عبد المطلب، الحديث، حمزة يقال له أسد الرحمن وأسد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمه وأخوه من الرضاعة، وكنيته أبو عمارة كنى بابن له يقال له عمارة من امرأة من بني النجار، وقيل: كنيته أبو يعلى بابنه يعلى، وهو شقيق صفية بنت عبد المطلب أم الزبير بن العوام وكان حمزة أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل: بأربع، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن حارثة، أسلم حمزة في السنة الثانية من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجر إلى المدينة وشهد بدرا وبارز وأبلى فيها بلاء عظيما وقاتل بسيفين ودفن عند أحد في موضعه وقبره مشهور مزار ويتبرك به
(1)
، أ. هـ.
قوله: "فجعلوا يجرون النمرة على وجهه فتنكشف قدماه" الحديث.
النمرة: قد ضبطها الحافظ
(2)
وفسرها فقال: هي بردة من صوف يلبسها الأعراب، أ. هـ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إنه يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف" تقدم معناه في الحديث قبله.
1857 -
وَعَن عمر رضي الله عنه قَالَ غلا السّعر بِالْمَدِينَةِ فَاشْتَدَّ الْجهد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اصْبِرُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنِّي قد باركت على صاعكم ومدكم وكلوا
(1)
تهذيب الأسماء (1/ 168 - 169 ترجمة 131). لا يجوز التبرك بالقبور وسبق الكلام عنه.
(2)
ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 432).
وَلَا تتفرقوا فَإِن طَعَام الْوَاحِد يَكْفِي الِاثْنَيْنِ وَطَعَام الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَة وَطَعَام الْأَرْبَعَة يَكْفِي الْخَمْسَة والستة وَإِن الْبركَة فِي الْجَمَاعَة فَمن صَبر على لأوائها وشدتها كنت لَهُ شَفِيعًا وشهيدا يَوْم الْقِيَامَة وَمن خرج عَنْهَا رَغْبَة عَمَّا فِيهَا أبدل الله بِهِ من هُوَ خير مِنْهُ فِيهَا وَمن أرادها بِسوء أذابه الله كَمَا يذوب الْملح فِي المَاء رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد جيد
(1)
.
قوله: وعن عمر رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله: "غلا السعر بالمدينة فاشتد الجهد" وهو بفتح الجيم المشقة وفي لغة قليلة بضمها وتقدم الكلام عليه وكذلك تقدم الكلام على قوله "فمن صبر على لأوائها وشدتها".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ومن خرج عنها رغبة عما فيها أبدل الله به من هو خير منه فيها" قال القاضي
(2)
: اختلف في هذا فقيل في معناه قولان أحدهما أنه مخصوص بمدة حياته صلى الله عليه وسلم، والثاني: أنه دائم أبدا بدليل قوله في حديث آخر "يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء والمدينة خير لهم"
(3)
الحديث وهذا القول أصح
(4)
.
(1)
البزار (1185)، وقال: تفرد به عمرو بن دينار، وهو لين، وأحاديثه لا يشاركه فيها أحد، قد روى عنه جماعة، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 305)، ورجاله رجال الصحيح.
(2)
إكمال المعلم (4/ 383).
(3)
أخرجه مسلم (487 - 1381) عن أبي هريرة.
(4)
شرح النووي على مسلم (9/ 137).
[قوله]"ومن أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء" الحديث، قال القرطبي
(1)
: ظاهر هذا أن الله يعاقبه بذلك في النار وقيل: يحتمل أن المراد من أرادها غازيا مغيرا عليها ويحتمل أن يكون ذلك كناية عن إهلاكه في الدنيا أو عن [توهين] أمره وطمس كلمته كما قد فعل الله ذلك بمن غزاها وقاتل أهلها كمسلم بن عقبة إذا أهلكه الله بمنصرفه عنها وكإهلاك يزيد بن معاوية [إثر إغزائه أهل المدينة، إلى غير ذلك].
1858 -
وَعَن أَفْلح مولى أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَنه مر بزيد بن ثَابت وَأبي أَيُّوب رضي الله عنهما وهما قاعدان عِنْد مَسْجِد الْجَنَائِز فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه تذكر حَدِيثا حدّثنَاهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْمَسْجِد الَّذِي نَحن فِيهِ قَالَ نعم عَن الْمَدِينَة سمعته يزْعم أَنه سَيَأْتِي على النَّاس زمَان تفتح فِيهِ فتحات الأَرْض فَتخرج إِلَيْهَا رجال يصيبون رخاء وعيشا وَطَعَامًا فيمرون على إخْوَان لَهُم حجاجا أَو عمارا فَيَقُولُونَ مَا يقيمكم فِي لأواء الْعَيْش وَشدَّة الْجُوع فذاهب وقاعد حَتَّى قَالَهَا مرَارًا وَالْمَدينَة خير لَهُم لَا يثبت بهَا أحد فيصبر على لأوائها وشدتها حَتَّى يَمُوت إِلَّا كنت لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شَهِيدا أَو شَفِيعًا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد جيد وَرُوَاته ثِقَات
(2)
.
[قوله]: وعن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري [كنيته أبو عبد الرحمن
(1)
ينظر: المفهم (11/ 30).
(2)
الطبراني في المعجم الكبير (3985)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 300)، ورجاله ثقات.
ويقال: أبو يحيى ويقال: أبو كثير، من سبي عين التمر الذين سباهم خالد بن الوليد.
روى عن: مولاه أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري وكان يكون معه في مغازيه، وزيد بن ثابت، وأبي سعيد سعد بن مالك الأنصاري الجدري، وعبد الله بن سلام، وعثمان بن عفان، وعمر بن الخطاب، روى عنه: أبو الوليد عبد الله بن الحارث البصري نسيب محمد بن سيرين، ومحمد بن سيرين وقال محمد بن سعد: مات في خلافة يزيد بن معاوية، سنة ثلاث وستين، وكان ثقة قليل الحديث وقال غيره: قتل بالحرة
(1)
].
قوله: أنه مر بزيد بن ثابت وأبي أيوب رضي الله عنهما وهما قاعدان عند مسجد الجنائز، اسم [أبى أيوب الأنصارى خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف ابن غنم بن مالك بن النجار الأنصارى الخزرجى النجارى المدنى الصحابى الجليل. شهد العقبة، وبدرا، وأحدا، والخندق، وبيعة الرضوان، وجميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة مهاجرا، وأقام عنده شهرا حتى بنيت مساكنه ومسجده، روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وخمسون حديثا، اتفق البخارى ومسلم على سبعة منها، وانفرد البخارى بحديث ومسلم بخمسة. روى عنه البراء بن عازب، وجابر بن سمرة، والمقدام بن معدى كرب، وأبو أمامة الباهلى، وزيد بن خالد الجهنى، وابن عباس، وعبد الله بن يزيد الخطمى، وكلهم صحابة، وسعيد بن
(1)
تهذيب الكمال (3/ 325 - 326 ترجمة 549).
المسيب، وسالم بن عبد الله، وعروة بن الزبير، وعطاء بن يزيد الليثى، وعبد الله بن حنين، وخلائق سواهم. توفى بأرض الروم غازيا سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة ثنتين وخمسين، وقبره بالقسطنطينية، رضى الله عنه
(1)
] وتقدم معنى اللأواء في أحاديث هذا الباب.
1859 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من اسْتَطَاعَ أَن يَمُوت بِالْمَدِينَةِ فليمت بهَا فَإِنِّي أشفع لمن يَمُوت بهَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ. وَلَفظ ابْن مَاجَه من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يَمُوت بِالْمَدِينَةِ فَلْيفْعَل فَإِنِّي أشهد لمن مَاتَ بهَا.
1860 -
وَفِي رِوَايَة للبيهقي قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يَمُوت بِالْمَدِينَةِ فليمت فَإِنَّهُ من مَاتَ بِالْمَدِينَةِ شفعت لَهُ يَوْم الْقِيَامَة
(2)
.
قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام على ابن عمر.
قوله: "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها" الحديث.
والمدينة: تسمى طيبة، وسيأتي الكلام على أسمائها، فيستحب دعاء الإنسان أن يكون موته في البلد الشريف
(3)
، وقد كان [المهاجرون] إلى المدينة يكرهون أن يموتوا بغيرها ويسألون الله عز وجل أن يتوفاهم بها لهذا الحديث فإن
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 177 ترجمة 722).
(2)
الترمذي (3917)، وابن ماجه (3112)، وابن حبان (3741)، والبيهقي في شعب الإيمان (4185)، وأحمد (5437)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6015).
(3)
الأذكار (ص 138) وإعلام الساجد (ص 248).
قيل: قد جاء ما يعارض هذا عن عمرو بن العاصي قال: مات رجل بالمدينة ممن ولد بها فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "يا ليته مات بغير مولده" قالوا: لم ذاك يا رسول الله؟ قال: "إن الرجل إذا مات بغير مولده [قيس له] من مولده إلى منقطع أثره في الجنة"
(1)
وذكره ابن طاهر في [الصفوة] وبوب عليه [إيثارهم] الغربة على الوطن
(2)
[فالجواب] إن صح فلا [يعارضه، بل الحديث] خاص بمن يولد في المدينة والله أعلم. قاله الزركشي
(3)
.
1861 -
وَعَن الصميتة امْرَأَة من بني لَيْث رضي الله عنها أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن لَا يَمُوت إِلَّا بِالْمَدِينَةِ فليمت بهَا فَإِنَّهُ من يمت بهَا نشفع لَهُ أَو نشْهد لَهُ رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ
(4)
.
1862 -
وَفِي رِوَايَة للبيهقي أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من اسْتَطَاعَ أَن يَمُوت بِالْمَدِينَةِ فليمت فَمن مَاتَ بِالْمَدِينَةِ كنت لَهُ شَفِيعًا أَو شَهِيدا
(5)
.
قوله: وعن الصميتة امرأة من بني ليث رضي الله عنها، بنو ليث [بطن من بكر من كنانة نسبة إلى ليث بن كنانة].
(1)
أخرجه أحمد 2/ 177 (6656)، وابن ماجه (1614)، والنسائي في المجتبى 4/ 15 (1848) والكبرى (1971)، وابن حبان (2934)، والطبراني في الكبير (14/ 73 رقم 14674). وقال الألباني: حسن، المشكاة (1593)، وصحيح الترغيب (3134).
(2)
صفة الصفوة (1/ 334 - 335 رقم 466).
(3)
إعلام الساجد بأحكام المساجد (ص 248 - 249)
(4)
ابن حبان (3742)، والبيهقي في شعب الإيمان (4183).
(5)
البيهقي في الشعب (4182)، والطبراني في الكبير (24/ رقم 823).
قوله: "من استطاع منكم أن لا يموت إلا بالمدينة فليمت بها" تقدم الكلام على المدينة.
1863 -
وَعَن سبيعة الأسْلَمِيَّة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يَمُوت بِالْمَدِينَةِ فليمت فَإِنَّهُ لَا يَمُوت بهَا أحد إِلَّا كنت لَهُ شَفِيعًا أَو شَهِيدا يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح إِلَّا عبد الله بن عِكْرِمَة روى عَنهُ جمَاعَة وَلم يُخرجهُ أحد وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ هُوَ خطاء وَإِنَّمَا هُوَ عَن صميتة كَمَا تقدم
(1)
.
قوله: وعن سبيعة الأسلمية رضي الله عنها، هي: سبيعة بنت الحارث الأسلمية بنت الحارث الأسلمية روى عنها: عمر بن عبد الله بن الأرقم، روى لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر حديثا، روى لها الجماعة إلا الترمذي.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت" تقدم الكلام على المدينة.
1864 -
وَعَن امْرَأَة يتيمة كانَت عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من ثَقِيف أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يَمُوت بِالْمَدِينَةِ فليمت فَإِنَّهُ من مَاتَ بهَا كنت لَهُ شَهِيدا أَو شَفِيعًا يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسن
(2)
.
(1)
الطبراني في الكبير (24/ رقم 747)، والبيهقي في شعب الإيمان (4184)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 306)، ورجاله رجال الصحيح، خلا عبد الله بن عكرمة، وقد ذكره ابن أبي حاتم، وروى عنه جماعة ولم يتكلم فيه أحد بسوء.
(2)
الطبراني في الكبير (24/ رقم 825)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 306)، وإسناد حسن، ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني.
قوله: وعن امرأة يتيمة كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقيف، وتقدم الكلام على المدينة.
1865 -
وَعَن حَاطِب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من زارني بعد موتِي فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي وَمن مَاتَ بِأحد الْحَرَمَيْنِ بعث من الْآمنينَ يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن رجل من آل حَاطِب لم يسمه عَن حَاطِب
(1)
.
قوله: وعن حاطب رضي الله عنه[هو أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله حاطب بن أبى بلتعة عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب بن سهل بن العتيك بن سعاد، بفتح السين وتشديد العين، ابن راشدة بن جزيلة، بالزاى، ابن لخم بن عدى حليف للزبير بن العوام. وقيل: كان لعبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد، فكاتبه فأدى كتابته، شهد بدرا، والحديبية، وشهد الله له بالإيمان فى قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}
(2)
الآيتين نزلتا فيه.
قالوا: وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس صاحب الإسكندرية سنة ست من الهجرة، فقال له المقوقس: أخبرنى عن صاحبك أليس هو نبيا؟ قال: بلى، قال: فما له لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلدته؟ قال له حاطب: فعيسى ابن مريم رسول الله حين أراد قومه صلبه لم يدع عليهم حتى رفعه
(1)
البيهقي في شعب الإيمان (4151)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (47)، شطره الأول وقال: موضوع.
(2)
سورة الممتحنة، الآية:1.
الله، قال: أحسنت، أنت حكيم جئت من عند حكيم، وبعث معه هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها مارية القبطية، وأختها شيرين، وجارية أخرى، فاتخذ مارية سرية، ووهب شيرين لحسان بن ثابت، والأخرى لأبى جهم بن حذيفة، وأرسل معه من يوصله مأمنه.
توفى حاطب سنة ثلاثين بالمدينة، وصلى عليه عثمان بن عفان، رضى الله عنه، وكان عمره خمسا وستين سنة. وروينا فى صحيح البخارى عن جابر، أن عبدا لحاطب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا، فقال: يا رسول الله، ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كذبت لا يدخلها، فإنه شهد بدرا، والحديبية"، وكان حاطب حسن الجسم، خفيف اللحية. ذكره ابن سعد
(1)
].
قوله صلى الله عليه وسلم: "من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة" الحديث.
1866 -
وعن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من زار قبري، أو قال: من زارني كنت له شفيعًا، أو شهيدًا يوم القيامة، ومنْ مات في أحدِ الحرمين بعثه الله في الآمنين يوم القيامة. رواه البيهقي وغيره عن رجل من آل عُمر لم يسمه عن عمر
(2)
.
قوله: وعن عمر، تقدم الكلام على أمير المؤمنين عمر.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 151 - 152 ترجمة 110).
(2)
البيهقي في شعب الإيمان (4153)، والطيالسي (65).
قوله صلى الله عليه وسلم: "من زار قبري أو قال زارني كنت له شفيعا أو شهيدا" الحديث تقدم الكلام على شفيعا أو شهيدا.
1867 -
وَرُوِيَ عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من مَاتَ فِي أحد الْحَرَمَيْنِ بعث من الْآمنينَ يَوْم الْقِيَامَة وَمن زارني محتسبا إِلَى الْمَدِينَة كَانَ فِي جواري يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا
(1)
.
قَالَ المملي الْحَافِظ رحمه الله وَقد صَحَّ من غير مَا طَرِيق عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن الوباء والدجال لَا يدخلانها اختصرت ذَلِك لشهرته.
قوله: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، تقدم الكلام على أنس.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة ومن زارني محتسبا إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة" الحديث، وجاء في الحديث أيضًا:"من زار قبري وجبت له شفاعتي" رواه الدراقطني وغيره وصححه عبد الحق، ورواه جماعة منهم الحافظ أبو علي بن السكن في كتابه المسمى بالسنن الصحاح
(2)
، فهذان إمامان صححا هذين الحديثين وقولهما أولى من قول من طعن في ذلك.
فائدة: ويستحب لقاصد ذلك أن يغتسل قبل دخوله المدينة ويلبس أنظف ثيابه فإذا دخل المدينة استحضر شرفها وحرمة من فيها وملأ قلبه من الهيبة
(1)
البيهقي في شعب الإيمان (4158).
(2)
سنن الدارقطني (2695)، الكنى والأسماء للدولابي (1483) شعب الإيمان (3862) وضعفه الالباني كما في ضعيف الجامع الصغير وزيادته (5607).
والإجلال والخشوع فإذا دخل المسجد بدأ بالتحية في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمنه وقد وسع بعده وقد تقدم ذلك، والضعيف مختص بذلك القدر الذي كان في زمانه فليحرص عليه لكن إذا صلى في جماعة فالتقدم إلى الصف الأول ثم ما يليه أفضل فإذا صلى التحية شكر الله تعالى وسأله إتمام ما قصده وقبول [زيارته] ثم يأتي القبر الكريم فيستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر والمسمار الفضة الذي في الجدار فمن استقبله استقبل وجه [النبى صلى الله عليه وسلم] واستقبال [القبلة مستحب] عند جمهور العلماء عند السلام وعند الدعاء ومناظرة مالك بن أنس أبا جعفر المنصور مشهورة، وعن أبي حنيفة أنه يستقبل القبلة ليجمع بين عبادتين السلام على النبي صلى الله عليه وسلم واستقبال القبلة والجمهور على ما قدمناه [وآداب السلام عليه] كما في حالة الحياة ويقف الزائر غاض البصر في مقام الهيبة والإجلال ثم يسلم ولا يرفع صوته بل يقتصد فيقول السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا خيرة الله من خلقه السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا صفوة الله السلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين السلام عليك وعلى أصحابك أجمعين السلام عليك وعلى الأنبياء والمرسلين وسائر عباد الله الصالحين السلام عليك أيها النبي رحمت الله وبركاته جزاك الله عنا يا رسول الله أفضل ما جزى الله نبيا ورسولا عن أمته، صلى الله عليك كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرك الغافلون، وصلى عليك في الأولين وصلى عليك في الآخرين أفضل وأكمل وأطيب [ما صلى
على]، على أحد من الخلق أجمعين كما استنقذنا بك من الضلالة وبصرنا بك من العمى والجهالة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك عبده ورسوله وأمينه وخيرته من خلقه، أشهد أنك قد بلغت وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده اللهم آته نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون وغاية ما ينبغي أن يؤمله المأملون وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته و [أقل] ذلك السلام عليك يا رسول الله وعن السلف [الاقتصار فى] ذلك جدا، فإنه صلى الله عليه وسلم يسمع ويعلم الواقف بين يديه
(1)
، أ. هـ قاله في الديباجة.
ومعنى وجبت: حقت وتبتت ولزمت وأنه لا بد منها لمن زار قبره بوعده الصادق، وفي هذا بشارة عظيمة وهو موت الزائر على الإسلام وهذه البشارة العظيمة من ثمرة زيارة قبره المكرم وفي قوله صلى الله عليه وسلم:"وجبت له شفاعتي" تحقيق لما قلته لأجل إضافة الشفاعة إليه لأنه عليه الصلاة والسلام مشفع لا ترد له شفاعة في حياته ولا بعد وفاته ولا في عرصات القيامة ويا لها من فائدة عظيمة ما أجزلها وأعظم نيلها
(2)
، وقال عليه السلام:"من جاءني زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتي كان حقا على أن أكون شفيعا له يوم القيامة"
(3)
قول الحافظ
(1)
انظر: الايضاح (ص 447 - 453)، والمجموع (8/ 273 - 274).
(2)
دفع شبه من تمرد (ص 161).
(3)
أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 16 رقم 4546) والكبير (12/ 291 رقم 13149) والخلعى في الخلعيات (68) عن ابن عمر. وقال الطبراني: لم يرو هذه الأحاديث عن عبيد الله ابن عمر إلا مسلمة بن سالم، قال الهيثمي في المجمع 4/ 2: رواه الطبراني في الأوسط، والكبير وفيه مسلمة بن سالم، وهو ضعيف. وضعفه الألباني جدا في الضعيفة (5732).
رحمه الله
(1)
: وقد صح من غير ما طريق عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الوباء والدجال لا يدخلان المدينة، ففي الصحيحين من حديث أنس مرفوعا:"إن الدجال لا يطأ مكة ولا المدينة وأنه يخرج حتى ينزل في ناحية المدينة فترجف ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر ومنافق وفي رواية البخاري عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال [لها] يومئذ سبعة أبواب على باب ملكان"
(2)
وفي الحديث أيضًا: "إن الطاعون لا يدخل المدينة" وهذا من خصائصها ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " [على أنقاب] المدينة ملائكة [لا يدخلها الطاعون] ولا الدجال"
(3)
قال القرطبي
(4)
: الطاعون الموت العام الفاشي، ويعني بذلك أنه لا يكون بالمدينة من الطاعون مثل الذي يكون في غيرها من البلاد كالذي وقع في طاعون عمواس والجارف وغيرهما، وقد أظهر الله تعالى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يسمع من النقلة ولا من غيرهم من يقول أنه وقع بالمدينة طاعون عام وذلك ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم حيث قال:"اللهم صححها لنا"
(5)
والسر في ذلك أن الطاعون وباء عند الأطباء، وقد صح أنهم لما قدموا المدينة أصابتهم أمراض عظيمة وحمى شديدة دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم فكشف عنهم ذلك، وقال: اللهم
(1)
أى المنذرى.
(2)
أخرجه البخاري (1879) و (7125) و (7126).
(3)
أخرجه البخاري (1880) و (5731) و (7133)، ومسلم (485 - 1379) عن أبي هريرة.
(4)
ينظر: تفسير القرطبي (3/ 43) والمفهم (11/ 37).
(5)
أخرجه البخاري (1889) و (3926) و (5654) و (5677)، ومسلم (480 - 1376) عن عائشة.
انقل وباءها إلى خُمّ، هو بضم الخاء وتشديد الميم كما سيأتي أو إلى الحجفة أ. هـ، قاله الزركشي
(1)
.
الوباء بالقصر والمد والهمز لغتان، قال الجوهري وغيره: والقصر أشهر وهو مرض عام يفضي إلى الموت غالبا
(2)
أ. هـ
والمراد أن الطاعون وباء يتركه الله تعالى فيما شاء من أرضه يكون سببا لكثرة الموت أ. هـ، قاله ابن عقيل، وفي هذه الأحاديث فضيلة المدينة وفضيلة سكانها وحمايتها من الطاعون والدجال والله أعلم.
1868 -
وَعَن أبي قَتَادَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ ثمَّ صلى بِأَرْض سعد بِأَرْض الْحرَّة عِنْد بيُوت السقيا ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِن إِبْرَاهِيم خَلِيلك وَعَبْدك وَنَبِيك دعَاك لأهل مَكَّة وَأَنا مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك أَدْعُوك لاهل الْمَدِينَة مثل مَا دعَاك بِهِ إِبْرَاهِيم لمَكَّة ندعوك أَن تبَارك لَهُم فِي صاعهم ومدهم وثمارهم اللَّهُمَّ حبب إِلَيْنَا الْمَدِينَة كَمَا حببت إِلَيْنَا مَكَّة وَاجعَل مَا بهَا من وباء بخم اللَّهُمَّ إِنِّي حرمت مَا بَين لابتيها كَمَا حرمت على لِسَان إِبْرَاهِيم الْحرم رَوَاهُ أَحْمد وَرِجَال إِسْنَاده رجال الصَّحِيح
(3)
.
خم بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم اسْم غيضة بَين الْحَرَمَيْنِ قَرِيبا من الْجحْفَة لَا يُولد بهَا أحد فيعيش إِلَى أَن يَحْتَلِم إِلَّا أَن يرتحل عَنْهَا لشدَّة مَا بهَا
(1)
إعلام الساجد (ص 254).
(2)
الصحاح (1/ 79)، ومطالع الأنوار (6/ 146)، النهاية (5/ 144) وشرح النووي على مسلم (13/ 186 - 187) و (14/ 204).
(3)
أحمد (22630)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 304)، ورجاله رجال الصحيح.
من الوباء والحمى بدعوة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وأظن غَدِير خم مُضَافا إِلَيْهَا.
قوله: وعن أبي قتادة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله: "اللهم إن إبراهيم خليلك وعبدك ونبيك دعاك لأهل مكة وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة" إلى قوله "أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم" الحديث، قال القاضي عياض
(1)
: البركة هنا بمعنى النماء والزيادة، وتكون بمعنى الثبات واللزوم، قال: فقيل: يحتمل أن تكون هذه البركة دينية وهي ما يتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزكوات والكفارات فتكون بمعنى الثبات، ويحتمل أن تكون دنيوية من تكثير الكيل والقدر بهذه الأكيال حتى يكفى منه ما لا يكفي من غيره في غير المدينة أو ترجع البركة إلى التصرف بها في التجارة وأرباحها وإلى كثرة ما يكال بها من غلاتها وثمارها أو تكون الزيادة فيما يكال بها لإتساع عيشتهم وكثرته بعد ضيقه لما فتح الله تعالى عليهم ووضع من فضله لهم وملكهم من بلاد الخصب والريف بالشام والعراق ومصر وغيرها حتى كثر الحمل إلى المدينة واتسع عيشهم حتى صارت هذه البركة في الكيل نفسه فزاد مدهم وصار هاشميا مثل مد النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أو مرة ونصفا، وفي هذا كله ظهور إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم وقبولها هذا آخر كلام القاضي، والظاهر من هذا كله أن المراد البركة في نفس المكيل في المدينة بحيث يكفي المد فيها لمن لا يكفيه في غيرها والله أعلم.
(1)
ينطر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 227).
قوله صلى الله عليه وسلم: "واجعل ما بها من وباء بخم" خم بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم اسم غيضة بين الحرمين لا يولد بها أحد فيعيش إلى أن يحتلم إلا أن يرتحل عنها [لشدة ما بها من] الوباء والحمى بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وأظن غدير خم مضافا إليها، قاله المنذري، وقال في النهاية
(1)
: "غدير خم" هو موضع بين مكة والمدينة تصب فيه عين هناك، وبينهما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: وإنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بنقل الحمى إلى الجحفة لأنها كانت إذ ذاك دار اليهود [قال ابن بطال:] فيه الدعاء برفع المرض والرغبة في العافية وهذا [رد] على الصوفية في [قولهم:] لا تتم له الولاية حتى يرضى بجميع ما ينزل به من البلاء [ولا يدعو] في كشفه أ. هـ قاله الكرماني
(2)
، وفيه دليل من دلائل النبوة إذ لا يشرب أحد من مائها إلا صار [محموما] الحديث فإن قلت: كيف قدموا على الوباء وفي الحديث النهي عن القدوم عليه؟ قلت: هذا كان قبل النهي أو المنهي عنه [هو] الأمر العام وهذا الذي كان في المدينة هو للغرباء، وفيه: الدعاء على الكفار بالأمراض وللمسلمين بالصحة وكشف الضر عنهم وفيه رد بعض قول المتصوفة [أن الدعاء] قدح في التوكل وقول المعتزلة أنه لا فائدة في الدعاء مع سبق القدر والمذهب أن الدعاء عبادة مستقلة ولا يستجاب منه إلا ما سبق به التقدير أ. هـ قاله الكرماني
(3)
.
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 81).
(2)
الكواكب الدراري (20/ 186).
(3)
الكواكب الدراري (9/ 74 - 75).
تنبيه: فإن قلت: كيف يتصور نقل الحمى وهي عرض؟ قلت: جوزه طائفة مع أن معناه أن يعدم من المدينة ويوجد في الجحفة، فإن قلت: لا دعاء بالإعدام مطلقا؟ قلت: كانوا يهودها أعداء شديدى الإيذاء للمسلمين فدعا عليهم إرادة الخير لأهل الإسلام
(1)
أ. هـ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أحرم ما بين لابتيها" والمراد باللابتين الحرتان والأحاديث كلها متفقة على أن المراد فيما بين لابتيها بيان لحد حرمها من جهة المشرق والمغرب وما بين جبليها في الرواية الأخرى، وبيان لحده من جهتي الجنوب والشمال
(2)
ففي هذا الحديث حجة ظاهرة للشافعي ومالك وموافقيهما في تحريم صيد المدينة وقطع شجرها وأباح أبو حنيفة ذلك والمشهور من مذهب مالك والشافعي والجمهور أنه لا ضمان في صيد المدينة وشجرها بل هو حرام بلا ضمان
(3)
وتقدم الكلام على ذلك، والمراد بقوله "وإني حرمت المدينة" الحديث المراد بتحريمها أنه لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كما حرمت على لسان إبراهيم الحرم" المراد أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم بين حرمة مكة وأنا بينت حرمة المدينة، فهذا الحديث دليل لمن يقول أن
(1)
الكواكب الدراري (20/ 185).
(2)
شرح النووي على مسلم (9/ 143).
(3)
شرح النووي على مسلم (9/ 134).
(4)
شرح النووي على مسلم (9/ 136).
تحريم مكة إنما كان في زمن إبراهيم عليه السلام والصحيح أنه كان يوم خلق الله السموات والأرض وذكروا في تحريم إبراهيم احتمالين، أحدهما: إنه حرمها بأمر الله تعالى له بذلك لا باجتهاده فلهذا أضاف التحريم إليه تارة وإلى الله تارة، والثاني: أنه دعا لها فحرمها الله تعالى بدعوته فأضيف التحريم إليه لذلك
(1)
.
1869 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنه قَالَ كانَ النَّاس إِذا رَأَوْا أول الثَّمر جاؤوا بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِذا أَخذه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي ثمرنا وَبَارك لنا فِي مدينتنا وَبَارك لنا فِي صاعنا ومدنا اللَّهُمَّ إِن إِبْرَاهِيم عَبدك وخليلك وَنَبِيك وَإِنِّي عَبدك وَنَبِيك وَإنَّهُ دعَاك لمَكَّة وَإِنِّي أَدْعُوك للمدينة بِمثل مَا دعَاك بِهِ لمَكَّة وَمثله مَعَه قَالَ ثمَّ يَدْعُو أَصْغَر وليد يرَاهُ فيعطيه ذَلِك الثَّمر رَوَاهُ مُسلم وَغَيره
(2)
.
قَوْله فِي صاعنا ومدنا يُرِيد فِي طعامنا الْمكيل بالصاع وَالْمدّ وَمَعْنَاهُ أَنه دَعَا لَهُم بِالْبركَةِ فِي أقواتهم جَمِيعًا.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام على أبي هريرة.
قوله: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك لنا في تمرنا وبارك لنا في مدينتنا" الحديث.
(1)
شرح النووي على مسلم (9/ 134).
(2)
مسلم (1373)، ومالك في الموطأ (2591)، والبخاري في الأدب المفرد (362)، والترمذي (3454)، وابن ماجه (3329)، والنسائي (10134)، وابن حبان (3747).
ومجيء الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأول التمر مبادرة بهدية ما يستطرف واغتناما لدعائه وبركته صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أول ذلك التمر وضعه على وجهه كما رواه بعض الرواة عن مالك في هذا الحديث من الزيادة
(1)
، قال العلماء: كانوا يفعلون ذلك رغبة في دعائه صلى الله عليه وسلم وللمدينة والصاع والمد وإعلاما له صلى الله عليه وسلم بابتداء صلاحها لما يتعلق بها من الزكاة وغيرها وتوجيه الخارصين إليها
(2)
.
قوله: "ثم يدعو أصغر وليد يراه" لأنه أقل صبرا ممن هو أكبر منه وأكثر جزعا وأشد فرحا وهذ من حسن سياسته صلى الله عليه وسلم ومعاملته الكبار والصغار، قيل: إن ذلك من باب التفاؤل بنمو الصغير وزيادته كنمو التمرة وزيادتها والله أعلم، ففي هذا الحديث بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق وكمال الشفقة والرحمة وملاطفة الكبار والصغار صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ذكره النووي
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لنا في تمرنا" إلى قوله "وصاعنا" قال الحافظ المنذري: يريد في طعامنا المكيل بالصاع والمد، ومعناه أنه دعا له بالبركة في أقواتهم جميعا، أ. هـ.
(1)
المفهم (11/ 33).
(2)
شرح النووي على مسلم (9/ 146).
(3)
شرح النووي على مسلم (9/ 146).
قال السهيلي
(1)
: دعاؤه صلى الله عليه وسلم بالبركة في صاع المدينة ومدها يعني به الطعام الذي يكال والمد ولذلك قال في حديث آخر كيلوا طعامكم
(2)
وذكر في تفسيره ما قلناه قال: وذكر أبو عبيد في كتاب الأموال
(3)
: مد المدينة قال: هو رطل وثلث والرطل مائة وثمانية و [الرطل مائة وثمانية وعشرون] درهما والدرهم خمسون حبة وخمسان قاله الزركشي
(4)
.
1870 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُمَّ حبب إِلَيْنَا الْمَدِينَة كحبنا مَكَّة أَو أَشد وصححها لنا وَبَارك لنا فِي صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بِالْجُحْفَةِ رَوَاهُ مُسلم وَغَيره
(5)
.
قيل إِنَّمَا دَعَا بِنَقْل الْحمى إِلَى الْجحْفَة لِأَنَّهَا كانَت إِذْ ذَاك دَار الْيَهُود.
قوله: وعن عائشة رضي الله عنها، تقدم الكلام على عائشة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد" الحديث تقدم معناه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وانقل حماها فاجعلها بالجحفة" تقدم الكلام على الحجفة.
1871 -
وَعَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذا كُنَّا عِنْد السقيا الَّتِي كَانَت لسعد قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ إِن إِبْرَاهِيم عَبدك
(1)
الروض الأنف (5/ 47).
(2)
أخرجه البخاري (2128) عن المقدام بن معدى كرب.
(3)
الأموال للقاسم بن سلام (ص: 629).
(4)
إعلام الساجد (ص 251).
(5)
البخاري (5677)، ومسلم (1375)، وأحمد (24288)، والنسائي في الكبرى (4271)، ومالك في الموطأ (2603).
وخليلك دعَاك لأهل مَكَّة بِالْبركَةِ وَأَنا مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك وَإِنِّي أَدْعُوك لأهل الْمَدِينَة أَن تبَارك لَهُم فِي صاعهم ومدهم مثل مَا باركت لاهل مَكَّة وَاجعَل مَعَ الْبركَة بركتين رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِإِسْنَاد جيد قوي
(1)
.
قوله: وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تقدم الكلام على علي رضي الله عنه.
قوله: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا عند السقيا التي كانت لسعد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة" الحديث، تقدم معناه.
1872 -
وَعَن أبي سعيد رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي مدينتنا اللَّهُمَّ اجْعَل مَعَ الْبركَة بركتين وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا من الْمَدِينَة شَيْء وَلَا شعب وَلَا نقب إِلَّا عَلَيْهِ ملكان يحرسانها رَوَاهُ مُسلم فِي حَدِيث
(2)
.
قوله: وعن أبي سعيد رضي الله عنه، هو الخدري تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما من المدينة شيء ولا شعب ولا نقب إلا عليه ملكان يحرسانها" أي: لا يدخلها الطاعون ولا الدجال، قال أهل اللغة: الشعب بكسر الشين هو الفرجة النافدة بين الجبلين، والنقب: الطريق بينهما،
(1)
الطبراني في الأوسط (6818)، وأحمد (936)، والترمذي (3914)، والنسائي في الكبرى (4270)، وابن خزيمة (209)، وابن حبان (3746)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 305)، رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1272).
(2)
مسلم (1374).
قال ابن السكيت
(1)
: هو الطريق في الجبل والنقب بفتح النون على المشهور وحكى القاضي عياض
(2)
: ضمها أيضا هو مثل الشعب، وقيل: هو الطريق في الجبل قال الأخفش
(3)
أنقاب المدينة طرقها وفجاجها.
قوله في الحديث الآخر "على أنقاب المدينة ملائكة" جمع النقب جمع قلة وأما النقاب فهو جمع كثرة وهي الطريق في الجبل، قال ابن وهب: يريد بالأنقاب يعني مداخل المدينة، وقال غيره: هي أبوابها وفوهات طرقها التي يدخل إليها منها، والنقب أيضا في الحائط وغيره كالباب يخلص منه إلى ما وراءه ومنه الحديث الآخر:"وإذ نقب مثل التنور" قاله عياض
(4)
وفي هذا الحديث بيان فضل المدينة وحراستها في زمنه صلى الله عليه وسلم وكثرة الحراس واستيعابهم الشعب زيادة في الكرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
(5)
والله أعلم.
1873 -
وَعَن أنس رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَل بِالْمَدِينَةِ ضعْفي مَا جعلت بِمَكَّة من الْبركَة رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
(6)
.
قوله: وعن أنس رضي الله عنه، تقدم الكلام على أنس.
قوله: "اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة" قال
(1)
الألفاظ (ص 343) لابن السكيت.
(2)
مشارق الأنوار (2/ 23) وإكمال المعلم (4/ 494).
(3)
إكمال المعلم (4/ 494).
(4)
مشارق الأنوار (2/ 23) وإكمال المعلم (4/ 494).
(5)
شرح النووي على مسلم (9/ 148).
(6)
البخاري (1885)، ومسلم (1369)، وأحمد (12452).
الجوهري: ضعف الشيء [مثله، وضعفاه مثلاه، وقال الفقهاء: ضعفه مثلاه وضعفاه ثلاثة أمثاله، ولفظ البركة مجمل في بركة الدنيا والدين فبينها بقوله "اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا" إن المراد البركة الدنيوية
(1)
ودعوته صلى الله عليه وسلم مستجابة بلا شك، أ. هـ].
1874 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ دَعَا نَبِي الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي صاعنا ومدنا وَبَارك لنا فِي شامنا ويمننا فَقَالَ رجل من الْقَوْم يَا نَبِي الله وعراقنا قَالَ إِن بهَا قرن الشَّيْطَان وتهيج الْفِتَن وَإِن الْجفَاء بالمشرق رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَرُوَاته ثِقَات
(2)
.
قرن الشَّيْطَان قيل مَعْنَاهُ أَتبَاع الشَّيْطَان وأشياعه وَقيل شدته وقوته وَمحل ملكه وتصريفه وَقيل غير ذَلِك.
وقوله: عن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا وبارك لنا في شامنا ويمننا" فقال رجل من القوم: يا نبي الله وعراقنا، قال:"إن بها قرن الشيطان وتهيج الفتن" الحديث، قال الحافظ
(3)
: قرن الشيطان، قيل: معناه أتباعه وأشياعه، وقيل: شدته وقوته ومحل ملكه وتصرفه، وقيل: غير ذلك أ. هـ، وفي حديث:"تطلع الشمس بين قرني الشيطان" الحديث، قال الحربي
(4)
: قرني الشيطان هما
(1)
الكواكب الدراري (9/ 71).
(2)
الطبراني في الكبير (12553)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 305)، ورجاله ثقات.
(3)
ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 579).
(4)
إكمال المعلم (2/ 588).
ناحيتا رأسه وجانباه، وقال غيره: يأتي الشيطان الشمس عند طلوعها وغروبها فيجعل رأسه تحتها مخيلا أن سجود الكفار له لا لها
(1)
، وقال بعض أهل العلم: المراد بقرنه جماعته وحزبه
(2)
، وقال بعضهم: هذا على المجاز والمراد من ذلك أن الشيطان في هذا الوقت تشتد وسوسته وتقوى
(3)
قاله ابن عقيل.
قوله في حديث [وعراقنا قال]: "إن بها قرن الشيطان" الحديث، قيل: القرن القوة أي حين تطلع يتحرك الشيطان ويتسلط فيكون كالمعين لها وقيل قرنيه [أي أمتيه] الأولين والآخرين وكل هذا تمثيل لمن يسجد للشمس عند طلوعها فكأن الشيطان سول له ذلك فإذا سجد لها كان الشيطان مقترن بها أ. هـ قاله في النهاية
(4)
.
1875 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَأَيْت فِي الْمَنَام امْرَأَة سَوْدَاء ثائرة الرَّأْس خرجت حَتَّى قَامَت بمهيعة وَهِي الْجحْفَة فأولت أَن وباء الْمَدِينَة نقل إِلَى الْجحْفَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط ورواة إِسْنَاده ثِقَات
(5)
.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (4/ 90).
(2)
أعلام الحديث (3/ 1508)، وغريب الحديث للخطابى (1/ 725).
(3)
انظر شرح الإلمام (4/ 468)
(4)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 52).
(5)
البخاري (7038)، والطبراني في الكبير (13147)، وفي الأوسط (4425)، وأحمد (5849)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 305)، ورجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3474) وعزاه للبخاري.
مهيعة: بِفَتْح الْمِيم وَإِسْكَان الْهَاء بعْدهَا يَاء مثناة تَحت وَعين مُهْملَة مفتوحتين هِيَ اسْم لقرية قديمَة كَانَت بميقات الْحَج الشَّامي على اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ميلًا من مَكَّة فَلَمَّا أخرج العماليق بني عبيل إخْوَة عَاد من يثرب نزلوها فَجَاءَهُمْ سيل الجحاف بِضَم الْجِيم فجحفهم وَذهب بهم فسميت حِينَئِذٍ الْجحْفَة بِضَم الْجِيم وَإِسْكَان الْحَاء الْمُهْملَة.
قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام على ابن عمر.
قوله صلى الله عليه وسلم: "رأيت في المنام امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت حتى قامت بمهيعة وهي الجحفة" بفتح الميم وإسكان الهاء بعدها ياء مثناة تحت وعين مهملة مفتوحتين هي اسم لقرية قديمة كانت ميقات الحج الشامي على اثنين وثلاثين
(1)
ميلا من مكة فلما أخرج العماليق بني عبيل إخوة عاد من يثرب نزلوها فجاءهم سيل الجحاف بضم الجيم فجحفهم وذهب بهم فسميت حينئذ الجحفة بضم الجيم وإسكان الحاء المهملة أ. هـ، قاله المنذري.
1876 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة قبَّة الْإِسْلَام وَدَار الْإِيمَان وَأَرْض الْهِجْرَة ومثوى الْحَلَال وَالْحرَام رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ
(2)
.
(1)
في الأصل وثمانين.
(2)
الطبراني في الأوسط (5618)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 298)، وفيه عيسى بن ميناء قالون، وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقات، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5921).
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "المدينة قبة الإسلام [يحتمل أن يكون المراد بذلك: عصمة المدينة من الدجال والفتن، فيكون الإسلام فيها موقرا]، ويحتمل أن يكون المراد بذلك [رجوع الناس] إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها: ظهرت ويحتمل أن يريد بذلك أن الدين أخذ من علمائها وأئمتها وكذلك كان
(1)
، وفي الترمذي
(2)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوشك أن يضرب الناس آباط المطي في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة، وعالم المدينة هو مالك بن أنس، "ودار الإيمان وأرض الهجرة ومثوى الحلال والحرام" والمثوى المنزل من ثوى المكان يثوي إذا أقام فيه قاله ابن الأثير
(3)
، وروي البزار
(4)
بإسناده عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فتحت البلاد بالسيف وفتحت المدينة بالقرآن" وروى الطبراني
(5)
عن معقل بن يسار مرفوعا: "الْمَدِينَةُ مُهَاجِرِي وَمَضْجَعِي فِي الْأَرْضِ، حَقٌّ عَلَى أُمَّتِي أَنْ يُكْرِمُوا جِيرَانِي مَا اجْتَنِبُوا الْكَبَائِرَ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ سَقَاهُ اللهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ" قُلْنَا: يَا
(1)
حياة الحيوان الكبرى (1/ 399).
(2)
سنن الترمذي ت بشار (2680)، السنن الكبرى للنسائي (4277) وينظر: ضعيف الجامع الصغير وزيادته (6448).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 230).
(4)
سلسلة الأحاديث الضعيفة (1847)، ولفظه: افتتحت القرى بالسيف، وافتتحت المدينة بالقرآن.
(5)
البخاري (1876).
أَبَا يَسَارٍ، مَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ:"عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ". عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنَّ الإيمان لَيَأْزِرُ إلى المدينة كما تأْزِرُ الحيّةُ إلى جُحْرها" رواه البخاري في الحج
(1)
ومسلم في الإيمان
(2)
، وروي مسلم
(3)
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ، كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا".
قوله "يأرز هو بياء مثناة من تحت بعدها همزة ثم راء ساكنة ثم ياء" هذا هو المشهور في أكثر الروايات، قال أبو الحسن بن سراج: ليأزر بضم الراء، وحكي [القابسي] فتح الراء ومعناه ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض هذا هو المشهور عند أهل اللغة والغريب
(4)
.
وقوله: "بين مسجدين" أي: بين مسجدي مكة والمدينة.
قوله: "بدأ الإسلام غريبا" لفظة بدأ بالهمز من الابتداء قوله: "طوبى" فعلى من الطيب
(5)
.
وقوله: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}
(6)
اختلف المفسرون في معناه فعن ابن عباس أنه فرح وقرة عين، وقال عكرمة نعم ما لهم وقال الضحاك غبطة
(1)
مسلم (147).
(2)
مسلم (145).
(3)
أخرجه مسلم (146).
(4)
شرح النووي على مسلم (2/ 177).
(5)
شرح النووي على مسلم (2/ 176).
(6)
سورة الرعد، الآية:29.
لهم، وقال قتادة: حسنى لهم، وقيل: خير وكرامة، وقيل: دوام الخير، وقيل: الجنة، وقيل: شجرة في الجنة وكل هذه الأقوال محتملة في الحديث
(1)
ومعنى غرابة الإسلام قال مالك في المدينة فإن الإسلام بدأ غريبا وسيعود إليها كذلك، قال القاضي: وظاهر الحديث العموم وأن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة، ثم انتشر وظهر ثم سيحلقه النقص والاختلال حتى لا يبقى إلا في آحاد [ثم سيلحقه النقص والإخلال حتى لا يبقى إلا في آحاد] وقلة أيضا كما بدأ و [جاء فى الحديث] تفسير الغرباء بأنهم [النزاع] من القبائل، قال الهروي [: أراد بذلك] المهاجرين الذين أوطانهم إلى الله تعالى
(2)
.
قوله: "وهو يأرز إلى المدينة" قال القاضي عياض
(3)
: معناه أولًا وآخرا بهذه الصفة لأنه كان في أول الإسلام كان كل من خلص إيمانه وصح إسلامه أتى المدينة إما مهاجرًا مستوطنا أو متشوقا إلى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتعلما منه ومتقربا ثم بعده هكذا في زمان الخلفاء لأخذ سيرة العدل منهم والاقتداء بجمهور الصحابة فيها ثم بمن بعدهم من العلماء الذين كانوا سرج الوقت وأئمة الهدى ولأخذ السنن المنتشرة بها عنهم وكان كل ثابت الإيمان منشرح الصدر به يرحل إليها ثم بعد ذلك في كل وقت إلى زماننا لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه الكرام فلا يأتيها إلا مؤمن قاله في الديباجة.
(1)
شرح النووي على مسلم (2/ 176).
(2)
شرح النووي على مسلم (2/ 177).
(3)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 457).
1877 -
وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خير مَا ركبت إِلَيْهِ الرَّوَاحِل مَسْجِد إِبْرَاهِيم صلى الله عليه وسلم ومسجدي رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه إِلَّا أَنه قَالَ مَسْجِدي هَذَا وَالْبَيْت الْمَعْمُور.
وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَلَفظه إِن خير مَا ركبت إِلَيْهِ الرَّوَاحِل مَسْجِدي هَذَا وَالْبَيْت الْعَتِيق
(1)
.
قَالَ الْحَافِظ وَقد صَحَّ من غير مَا طَرِيق أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تشد الرَّوَاحِل إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد مَسْجِدي هَذَا وَالْمَسْجِد الْحَرَام وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى
(2)
.
قوله: وعن جابر تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "خير ما ركبت إليه الرواحل مسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم ومسجدي" وفي الرواية الأخرى: "مسجدي هذا والبيت المعمور" وفي الرواية الأخرى "والبيت العتيق" وتقدم الكلام على هذا وعلى قوله "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" في أول الباب مبسوطًا.
قوله: "البيت المعمور" قيل: البيت المعمور الذي [بناه] آدم أول ما نزل إلى الأرض [فرفع] إلى السماء أيام الطوفان يدخل كل يوم سبعون ألف
(1)
أحمد (14612)، والطبراني في الأوسط (744)، وابن حبان (1616)، والنسائي في الكبرى (11347)، وعبد بن حميد (1049)، وأبو يعلى (2266)، والبزار (1075)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 3)، رواه أحمد والطبراني في الأوسط وإسناده حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3325).
(2)
البخاري (1189)، ومسلم (1397)، وأحمد (7191)، وأبو داود (2033)، والنسائي في الكبرى (690)، وابن ماجه (1409)، وابن حبان (1631).
ملك، وقال الزمخشري في ربيع الأبرار
(1)
: ويقاله له الضريح، ومن قال الضراح فهو اللحن الصراح، قاله الزركشي
(2)
، وقيل: البيت المعمور بيت في السماء حيال الكعبة
(3)
اسمه الضراخ والضراخ ضبطه الجوهري
(4)
بضم الضاد المعجمة وتخفيف الراء وبالخاء المعجمة وسمي بذلك لأنه ضرخ عن الأرض إلى السماء أي بعد عنها، قال في كنز الدرر
(5)
: واختلفوا في أي سماء هو على أقوال، أحدها: في السماء الدنيا وهو قول ابن عباس ومجاهد و [الربيع] وروي عكرمة عن ابن عباس حديث [بمعناه، وقال: حرمته] في السماء كحرمة الكعبة في [الأرض فهو] معمور بكثرة الغاشية [والأهل والعبادة] يصلى فيه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه [وخازنه يقال] له [رزين] والقول الثاني: أنه في السماء السادسة عند شجرة طوبى، روي عن علي، والقول الثالث: أنه في السماء السابعة قاله مجاهد والضحاك، وقد روى البخاري
(6)
في حديث المعراج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رأيت البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه"، قلت: ولا منافاة بين هذه الأقوال لأنه يحتمل أن الله تعالى
(1)
ربيع الأبرار (1/ 96). وكذلك الفائق (2/ 336).
(2)
إعلام الساجد (ص 195).
(3)
قاله الليث في تهذيب اللغة (4/ 122).
(4)
الصحاح للجوهري (1/ 386).
(5)
كنز الدرر (1/ 61 - 62).
(6)
صحيح البخاري (3207).
رفعه ليلة المعراج إلى السماء السابعة عند سدرة المنتهى تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم حتى رءاه ثم أعاده إلى السماء الدنيا، ذكر الثعلبي عن الحسن البصري أنه قال:{وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)}
(1)
أنه الكعبة الحرام يعمره الله كل سنة بالناس وهو أول بيت عمر بالعباد، والقول الأول أظهر ولأن الكعبة تعمر بالناس في كل عام مرة واحدة والبيت المعمور يعمر كل يوم بالملائكة أ. هـ.
1878 -
وَعَن سعد رضي الله عنه قَالَ لما رَجَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من تَبُوك تَلقاهُ رجال من المتخلفين من الْمُؤمنِينَ فأثاروا غبارا فخمر بعض من كَانَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنفه فأزال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اللثام عَن وَجهه وَقَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن فِي غبارها شِفَاء من كل دَاء قَالَ وَأرَاهُ ذكر وَمن الجذام والبرص ذكره رزين الْعَبدَرِي فِي جَامعه وَلم أره فِي الْأُصُول
(2)
.
قوله: وعن سعد رضي الله عنه[هو سعد بن أبى وقاص وتقدمت ترجمته].
(1)
سورة الطور، الآية:4.
(2)
قال الحافظ الناجى في عجالة الاملاء (3/ 247 - 248): عزوه حديث سعد، في غبار المدينة، إلى رزين، وتوريكه عليه. مُسَلَّم، وقد روى الحافظ أبو نعيم في الطب من حديث ثابت بن قيس بن شماس مرفوعا: غبار المدينة شفاء من الجذام.
وروى أيضا مرسلا، من حديث سالم أنه يبرئ من الجذام. انظر جامع الأصول (6962).
وقال الألباني في الضعيفة (8/ 424 رقم: 3957): وإذا عرفت أن طرق الحديث ضعيفة جدًا مع إرسالها وإعضالها، وفقدان الشاهد الصالح لها؛ يتبين لك جهل المعلقين على الترغيب (2/ 191) بقولهم: حسن بشواهده!
وقال في ضعيف الترغيب (770): منكر جدا. وقال في ضعيف الجامع (3908): ضعيف جدًا.
قوله: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك تلقاه رجال من المتخلفين من المؤمنين فأثاروا غبارا فخمر بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفه، خمر معناه غطى أنفه والتخمير التغطية.
قوله: "تبوك" وغزوة تبوك كانت في السنة [التاسعة من الهجرة].
1879 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لابي طَلْحَة التمس لي غُلَاما من غِلْمَانكُمْ يخدمني فَخرج أَبُو طَلْحَة يردفني وَرَاءه فَكنت أخدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل قَالَ ثمَّ أقبل حَتَّى إِذا بدا لَهُ أحد قَالَ هَذَا جبل يحبنا ونحبه فَلَمَّا أشرف على الْمَدِينَة قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أحرم مَا بَين جبليها مثل مَا حرم إِبْرَاهِيم مَكَّة ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ بَارك لَهُم فِي مدهم وصاعهم رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَاللَّفْظ لَهُ
(1)
.
قَالَ الْخطابِيّ فِي قَوْله هَذَا جبل يحبنا ونحبه: أَرَادَ بِهِ أهل الْمَدِينَة وسكانها كمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}
(2)
أَي أهل الْقرْيَة.
قَالَ الْبَغَوِيّ: وَالْأولَى إجراؤه على ظَاهره وَلَا يُنكر وصف الجمادات بحب الْأَنْبِيَاء والأولياء وَأهل الطَّاعَة كَمَا حنت الأسطوانة على مُفَارقَته صلى الله عليه وسلم حَتَّى سمع الْقَوْم حنينها إِلَى أَن سكنها وكما أخبر أَن حجرا كَانَ يسلم عَلَيْهِ قبل الْوَحْي فَلَا يُنكر عَلَيْهِ وَيكون جبل أحد وَجَمِيع أَجزَاء الْمَدِينَة تحبه وتحن إِلَى لِقَائِه حَالَة مُفَارقَته إِيَّاهَا. قَالَ الْحَافِظ وَهَذَا الَّذِي قَالَه الْبَغَوِيّ حسن جيد وَالله أعلم.
(1)
البخاري (2889)، ومسلم (1365).
(2)
سورة يوسف، الآية:82.
1880 -
وَقد روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْوَلِيد بن أبي ثَوْر عَن السّديّ عَن عبَادَة بن أبي يزِيد عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِمَكَّة فخرجنا فِي بعض نَوَاحِيهَا فَمَا استقبله جبل وَلَا شجر إِلَّا وَهُوَ يَقُول السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن غَرِيب
(1)
.
قوله: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة التمس: "لي غلاما من غلمانكم يخدمني" الحديث، الغلام الشاب القوي
(2)
، قال ذلك لأبي طلحة عند مقدمه إلى المدينة فاختار له أبو طلحة أنسا فخدمه عشر سنين.
قوله: فخرج أبو طلحة يردفني وراءه فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل، وقال: ثم أقبل حتى إذا بدا له أحد قال: "هذا جبل يحبنا ونحبه" الحديث، أحد: جبل بالمدينة، قال السهيلي
(3)
: سمي به لتوحده وانقطاعه عن جبال أخر هنالك، وإنما خص الجبل بالذكر لأنه أول ما يبدوا من أعلامها، وقيل: سمي هذا الجبل بهذه الاسم إذ أهله هم الأنصار نصروا التوحيد والمبعوث بدين التوحيد مع انه مشتق من الأحدية، وحركاته الرفع وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وارتفاعه، أ. هـ، وجبل أحد كانت الوقعة عنده.
(1)
الترمذي (3626)، والدرامي (21)، والحاكم (2/ 620)، والبيهقي في دلائل النبوة (2/ 153)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي (747).
(2)
المفاتيح (6/ 192).
(3)
الروض الأنف (5/ 448 - 450).
قوله صلى الله عليه وسلم: "هذا جبل يحبنا ونحبه" الحديث، قال الحافظ
(1)
: قال الخطابي
(2)
في قوله "هذا جبل يحبنا ونحبه": أراد به أهل المدينة وسكانها كما قال الله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}
(3)
أي أهل القرية أ. هـ، فتقدير الكلام أن أهل أحد يحبونا ونحبهم، أ. هـ.
قال الزهري: وهذا عند علماء البيان والبديع جائز، قال العلماء في معنى هذا الحديث أقوال أحدها: ما ذكر وقيل: أراد أنه كان يبشره إذا رآه عند القدوم من أسفاره بالقرب من أهله ولقائهم وذلك فعل المحب، وقيل: بل حبه حقيقة وضع الحب فيه [كما وضع التسبيح] في الجبال المسبحة مع داود عليه السلام
(4)
، قال الحافظ البغوي
(5)
: والأولى إجراؤه على ظاهره ولا ينكر وصف الجمادات بحب الأنبياء والأولياء وأهل الطاعة كما حنت الأسطوانة على مفارقته صلى الله عليه وسلم حتى سمع القوم حنينها إلى أن سكنها، الحديث، الأسطوانة بضم الهمزة وسكون السين وضم الطاء المهملتين وهي السارية والعمود هكذا ذكره في التنقيح
(6)
، فهذا الذي ذكره البغوي
(7)
هو الصحيح
(1)
أراد المنذرى.
(2)
ينظر: أعلام الحديث (2/ 813) و (2/ 1390)، ومعالم السنن (2/ 147).
(3)
سورة يوسف، الآية:82.
(4)
الروض الأنف (5/ 448).
(5)
شرح السنة للبغوي (7/ 314 - 315).
(6)
كشف المناهج (4/ 491).
(7)
ينظر: شرح السنة للبغوي (7/ 314 - 315).
المختار أن معناه أن أحدا يحبنا حقيقة جعل الله فيه تمييزا الحب به كما قال سبحانه وتعالى في الحجارة {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}
(1)
وكما حن الجذع اليابس
(2)
، وفي لفظ البخاري أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فالتزمه
(3)
، وفي روايه له "فمسحه
(4)
[وفى رواية] أخرى "فسمعنا له مثل أصوات العشار"
(5)
وفي صحيح مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى امرأة أن مري غلامك غلامك النجار يعمل لي أعوادا أكلم عليها الناس فعملت هذه الثلاث درجات فكان يخطب عليها
(6)
وكان منبره صلى الله عليه وسلم ثلاث دُرَج غير الدرجة التي تسمى المستراح ويستحب أن يقف على التي تليها
(7)
وكما سبح الحصى في في يديه
(8)
وكما فرَّ الحجر بثوب موسى صلى الله عليه وسلم
(9)
وكما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إني
(1)
سورة البقرة، الآية:74.
(2)
شرح النووي على مسلم (9/ 139 - 140).
(3)
الترمذي (505) عن ابن عمر
(4)
البخاري (3583) وابن حبان (6506) عن ابن عمر.
(5)
البخاري (918) و (3585) عن جابر.
(6)
أخرجه البخاري (448) و (917) و (2094) و (2569)، ومسلم (44 و 45 - 544) عن سهل بن سعد.
(7)
كفاية النبيه (4/ 348).
(8)
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 442)، وابن أبي عاصم في السنة (1146)، والبزار (4040) و (4044).
قال الهيثمي في المجمع 8/ 299: رواه البزار بإسنادين ورجال أحدهما ثقات، وفي بعضهم ضعف.
(9)
أخرجه البخاري (3404) ومسلم (75 - 339) عن أبي هريرة.
إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن يقال هو الحجر الأسود
(1)
، وفي حديث بحيرا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبل من العقبة من أرض بصرى قال بحيرا لمن كان عنده هذا سيد العالمين فقيل له بم ذلك، فقال إنه لما أقبل لم تبق شجرة ولا حجر إلا سجد
(2)
، ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خاف المشركين على نفسه ناداه جبل حراء إلي إلي يا رسول الله، وعن مجاهد قال: ما من صباح إلا ويسلم الجبل على الجبل ويقول: هل مر بك ذاكر لله عز وجل، وكما دعا صلى الله عليه وسلم الشجرتين المفرقتين فاجتمعتا
(3)
وكما رجف جبل حراء فقال: اسكن حراء فليس عليك إلا نبي"
(4)
الحديث، وكما كلمته ذراع الشاة وأدل دليل على هذا قول الله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}
(5)
الآية، قال بعض المفسرين: لا يزال الثوب يسبح الله عز وجل ما لم يتسخ فإذا اتسخ قطع التسبيح ولا تزال الورقة تسبح لله تعالى على
(1)
أخرجه مسلم (2 - 2277) عن جابر بن سمرة وانظر الروض الأنف (2/ 388).
(2)
أخرجه البزار (3096) عن أبي موسى.
قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه إلا يونس بن أبي إسحاق ولا عن يونس إلا عبد الرحمن بن غزوان المعروف بقراد.
(3)
أخرجه الحاكم (2/ 617 - 618) عن يعلى بن مرة عن أبيه. وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. وصححه الألباني في الصحيحة (485).
(4)
أخرجه مسلم (50 - 2417) عن أبي هريرة.
(5)
سورة الإسراء، الآية:44.
الشجرة ما لم تسقط فإذا سقطت قطعت التسبيح ولا يزال الماء يسبح الله تعالى ما دام جاريا فإذا ركن قطع التسبيح، ونقيض السقف تسبيح وصرير الباب تسبيح
(1)
.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع، وقال:"إن نقيقها تسبيح"
(2)
ولله سبحانه وتعالى سر في هذه الجمادات من الأحجار والأشجار وغيرها أودعها معرفة وفهمًا، والصحيح في معنى هذه الأشياء كلها أن كل شيء يسبح حقيقة بحسب حاله ولكن لا نفقهه فهذا ما اختاره المحققون في معنى الحديث، وأن أحدا نحبه حقيقة
(3)
والله أعلم.
1881 -
وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أحد جبل يحبنا ونحبه فَإِذا جئتموه فَكُلُوا من شَجَره وَلَو من عضاهه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة كثير بن زيد
(4)
.
1882 -
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عبد الله بن
(1)
تفسير الخازن (3/ 131).
(2)
أبو داود (4586)، ابن ماجه (3223)، الدارمي (1941)، مسند عبد الحميد (657)، مصنف عبد الرزاق (8191)، السنن الكبرى للبيهقي (17838) وروى البيقهي عن عبد الله بن عمرو بن العاص موقوفًا: لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح، قال البيهقي: إسناده صحيح، قال الحافظ: وإن كان إسناده صحيحًا لكن عبد الله بن عمرو كان يأخذ عن الإسرائيليات. قال الصنعاني: والحديث دليل على تحريم قتل الضفادع.
(3)
شرح النووي على مسلم (9/ 139 - 140).
(4)
الطبراني في الأوسط (1905)، وابن شبة في تاريخ المدينة (1/ 84)، وعبد الرزاق (17172)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (186).
مكنف عَن أنس وَهَذَا إِسْنَاد واه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن جبل أحد يحبنا ونحبه وَهُوَ على ترعة من ترع الْجنَّة وعير على ترعة من ترع النَّار
(1)
.
قَالَ المملي رضي الله عنه وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من غير مَا طَرِيق وَعَن جمَاعَة من الصَّحَابَة أَنه قَالَ لَاحَدَّ هَذَا جبل يحبنا ونحبه وَالزِّيَادَة على هَذَا عِنْد الطَّبَرَانِيّ غَرِيبَة جدًّا.
العضاه تقدم.
والترعة بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا عين مُهْملَة مَفْتُوحَة هِيَ الرَّوْضَة وَالْبَاب أَيْضا وَهُوَ المُرَاد فِي هَذَا الحَدِيث فقد جَاءَ مُفَسرًا فِي حَدِيث أبي عَنْبَس بن جبر رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لأحد هَذَا جبل يحبنا ونحبه على بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة وَهَذَا عير جبل يبغضنا ونبغضه على بَاب من أَبْوَاب النَّار رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط
(2)
.
قوله: وعنه رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أحد يحبنا ونحبه فإذا جئتموه فكلوا من شجره ولو من عضاهه".
قوله: "أحد يحبنا ونحبه" قال عليه السلام "المرء مع من أحب" وكان عليه السلام
(1)
ابن ماجه (3115)، وقال البوصيري في الزوائد (3/ 45)، هذا إسناد ضعيف، لتدليس ابن إسحاق، وشيخه عبد الله بن مكنف، قال البخاري: في حديثه نظر، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، وقال الألباني ضعيف جدًا: في ضعيف الجامع (1368).
(2)
البزار (1199)، والطبراني في الأوسط (6505)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 13)، وفيه عبد المجيد بن أبي عبس، لينه أبو حاتم، وفيه من لم أعرفه، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (188).
يحب الاسم الحسن ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية، وقد خص الله تعالى هذا الجبل بهذا الاسم لموافقته لما أراد الله تعالى من مشاكلة اسمه لمعناه إذ أن أهله وهم الأنصار نصروا التوحيد والمبعوث بدين التوحيد عنده استقر حيا وميتا وكان من عادته عليه السلام أن يحب الوتر ويستعمله في شأنه كله استشعارا للأحدية، فقد وافق اسم هذا الجبل لأغراضه عليه السلام ومقاصده في الأسماء فاسم هذا الجبل من أوفق الأسماء له ومع أنه مشتق من الأحدية فحركات حروفه الرفع وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعلوه فتعلق الحب من النبي صلى الله عليه وسلم به اسمًا ومعنى فخص من بين الجبال كلها بان يكون معه في الجنة إذا بست الجبال بسا فكانت هباء منبثا، وفي أحد قبر هارون عليه السلام وفيه قبض وكان أحد محببا إلى قومه
(1)
انتهى قاله في الديباجة، وتقدم الكلام على أحد وعلى العضاه.
وقوله في الرواية الأخرى: "إن جبل أحد يحبنا ونحبه وهو على ترعة من ترع الجنة" والترعة هي الروضة والباب أيضا كذا فسرها الحافظ
(2)
، وهو المراد في هذا الحديث، وقيل: الترعة الدرجة، وقيل: الباب وفي رواية "على ترعه من ترع الحوض" وهو مفتح الماء إليه، وأترعت الحوض إذا ملأته، والترعة في الأصل الروضة على المكان المرتفع خاصة فإذا كانت في المطمئن فهي الروضة، وقال الطحاوي في مشكل الآثار: وقد جاء "وضع
(1)
قاله السهيلى في الروض الأنف (5/ 449 - 450).
(2)
أى المنذرى.
منبري على ترعة من ترعات الجنة وما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة وإن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة"
(1)
قال: ففي هذا الحديث ما يدل على أن قبره ومنبره خارجان عن الروضة وأن منبره في موضع من الجنة غير الروضة المذكورة في الحديث، ومما يدل على ذلك أن سهل بن سعد لما حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن منبره على ترعة من ترع الجنة قال: أتدرون ما الترعة؟ هي الباب من أبواب الجنة
(2)
وإذا كان منبره صلى الله عليه وسلم قد بلغه الله بجلوسه وقيامه عليه هذه المنزلة فغيره الذي تضمن بدنه الشريف وصار له مثوى بأن يكون من الجنة أرفع منها وأحرى وهو بذلك أولى والجنة فيها روضات كثيرة قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ}
(3)
فقد يكون قبره في روضة منها غير الروضة المذكورة في الحديث، وقد يكون فيها
(1)
أخرجه الطحاوى في مشكل الآثار (2871)،، والعقيلي في الضعفاء (4/ 72)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (3/ 264، و 6/ 341) والسمرقندى في الفوائد (61)، وأبو الحسين الطيورى في الطيوريات (93). قال أبو نعيم: غريب من حديث مالك وربيعة، تفرد به مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ، أبو الربيع التيمي البصري. وقال ابن عبد البر: لم يتابعه أحد على هذا الإسناد. التمهيد (17/ 180).
(2)
أخرجه أحمد 5/ 335 (22841) و 5/ 339 (22874)، والطحاوى في المشكل (2884)، والطبراني في الكبير (6/ 142 رقم 5779) و (6/ 149 رقم 5809) و (6/ 170 رقم 5888) و (6/ 190 رقم 5971) و (6/ 199 رقم 5995). وقال الهيثمي في المجمع 4/ 9: رواه أحمد، والطبراني في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح. وصححه الألباني في الصحيحة (2363).
(3)
سورة الشورى، الآية:22.
من غير الروضة مما هو أرفع من الروضة وقد يكون مما تجمع الروضة وغيرها مما شرفه الله به وأبان منزلته عن الناس، وفي تصحيح هذه الألفاظ علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم لأن [الله اختصه بأَن أَعلمه بالمخفيات] والله أعلم قاله الزركشى
(1)
، وجاء في الحديث:"ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة" وفي لفظ "ما بين بيتي ومنبري" وفي لفظ للطبراني "ما بين حجرتي ومصلاي" قال الكرماني
(2)
: قال الطبري: المراد بالبيت إما القبر وإما مسكنه [الظاهر] ولا تفاوت بينهما لأن قبره في حجرته وهي بيته وسمي تلك البقعة المباركة روضة لأن زوار قبره من الملائكة والإنس والجن لم يزالوا مكبين على ذكر الله وعبادته.
واختلف في المراد به فقيل: مجري على ظاهره فيوم القيامة ينقل قبره ومنبره فيكون ما بينهما روضة من رياض الجنة وهذا لا مانع منه
(3)
، وقيل: المراد به أن من قصد زيارة هذا الموضع الشريف كان جزاؤه أن يدخل روضة من رياض الجنة
(4)
والأول أصوب، أ. هـ.
وقيل: معنى الحديث أن الصلاة والذكر فيما بينهما يؤدي إلى روضة من رياض الجنة، وقيل: سمى ما بينهما روضة لأنه مجلس الذكر والدعاء وقد سمى
(1)
إعلام الساجد (ص 252).
(2)
ينظر: الكواكب الدراري (7/ 16 - 17).
(3)
المفهم (11/ 42).
(4)
الميسر (1/ 201) وشرح المصابيح (1/ 419).
رسول الله صلى الله عليه وسلم مجالس الذكر والدعاء رياضا لأنها مؤدية إليها كذا ذكره البيضاوي في شرح المصابيح
(1)
، وفي هذه الرواية الأخرى "منبري على حوضى" [أي: حوض الكوثر يدعو الناس عليه، قال الخطابي
(2)
: معناه [تفضيل] المدينة والترغيب في المقام بها والاستكثار من ذكر الله تعالى وعبادته في مسجدها وأن من لزم الطاعة آلت به الطاعة إلى روضة الجنة ومن لزم عبادة الله عند المنبر سقى في القيامة من الحوض والله أعلم قاله الكرماني
(3)
].
اختلف العلماء في معناه على ثلاثة أقوال، أحدها: أن المراد به أن هذا المنبر بعينه يعاد فيكون على الحوض منصوبا، والثاني: أنه ينصب له منبر آخر، والثالت: أن من قصد زيارته ترتب له على ذلك أن يسقي من حوضه
(4)
ذكره ابن عقيل، وقال القاضي عياض
(5)
: قال أكثر العلماء: المراد منبره بعينه الذي كان في الدنيا قال: وهذا هو الأظهر وأنكر كثير منهم ذلك، قال: وقيل إن له هناك منبرا على حوضه، وقيل: معناه أن قصد منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد صاحبه إلى الحوض ويقتضي شربه منه
(6)
أ. هـ.
وفي رواية أخرى: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" ذكروا في
(1)
تحفة الأبرار (1/ 255 - 256).
(2)
أعلام الحديث (1/ 649).
(3)
ينظر: الكواكب الدراري (23/ 69 - 70).
(4)
المفهم (11/ 43).
(5)
ينظر: إكمال المعلم (4/ 176).
(6)
شرح النووي على مسلم (9/ 162).
معناه قولين، أحدهما: القبر قاله زيد بن أسلم كما روي مفسرا بين قبري ومنبري أن ذلك الموضع بعينه ينقل إلى الجنة، والثاني: ان العبادة فيه تؤدي إلى الجنة، قال الطبري: في المراد ببيتي هنا قولان، أحدهما: القبر قاله زيد بن أسلم كما روي مفسرا بين قبري ومنبري، والثاني: بيت سكناه على ظاهره، وروي:"ما بين حجرتي ومنبري" قال الطبري والقولان متفقان لأن قبره صلى الله عليه وسلم في حجرته وهي بيته
(1)
ا. هـ والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وهذا عير جبل يبغضنا ونبغضه على باب من أبواب النار" عير: بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها راء مهملة جبل معروف بالمدينة، ويقال له غاير، وفي حديث آخر في الصحيح:"المدينة حرم ما بين عير إلى ثور" وأما ثور فالمعروف أنه بمكة وفيه الغار الذي اختفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وفي راوية قليلة: "المدينه حرم ما بين عير وأحد" وأحد بالمدينة فيكون ثور غلطا من الراوي وإن كان هو الأشهر في الرواية والأكثر وإن صحت الرواية فيكون معناه حرم المدينة مقدر في المسافة ما بين عير وثور إن كانا موجودين بمكة أو غيرها أو حرم المدينة تحريمًا مثل تحريم بين عير وثور بمكة على حذف المضاف ووصف المصدر محذوف، وقال القاضي عياض
(2)
: ويقول بعضهم ليس بالمدينة عير ولا ثور ولا بقربه منها جبل يسمى بواحد من هذين الاسمين، وقال الزبير: عير جبل بناحية
(1)
شرح النووي على مسلم (9/ 161).
(2)
ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 176).
بالمدينة وأكثر الرواة لكتاب البخاري ذكروا عيرا وأما ثور فمنهم من كنى عنه بلدا ومنهم من ترك بمكانه بياضا ليتبين الوهم فيه لأنهم اعتقدوا أن ذكر تور هنا خطأ، وقال المحب الطبرى: ثور جبل بالمدينة رأيته غير مرة وحددته
(1)
أ. هـ، ويقال له ثور المحل، وقال بعضهم: اسم [الجبل] المحل نسب إلى ثور بن عبد مناة لأنه نزله
(2)
، أ. هـ.
1883 -
وَرُوِيَ عَن سهل بن سعد رضي الله عنهما قالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أحد ركن من أَرْكَان الْجنَّة رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير
(3)
.
قوله: وروي عن سهل بن سعد رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه. قوله صلى الله عليه وسلم:"أحد ركن من أركان الجنة" تقدم الكلام على أحد.
1884 -
وَعَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رضي الله عنه قَالَ كنت أرمي الْوَحْش وأصيدها وأهدي لَحمهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أما لَو كنت تصيدها بالعقيق لشيعتك إِذا ذهبت وتلقيتك إِذا جِئْت فَإِنِّي أحب العقيق رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسن
(4)
.
1885 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَتَانِي آتٍ وَأَنا بالعقيق فَقَالَ
(1)
إعلام الساجد (ص 227 - 228).
(2)
كنز الدرر (1/ 131).
(3)
أبو يعلى (7478)، والطبراني في الكبير (5813)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 13)، وفيه عبد الله بن جعفر، والد علي بن المديني، وهو ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (187).
(4)
الطبراني في المعجم الكبير (6222)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 14)، وإسناده حسن.
إِنَّك بواد مبارك رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد جيد قوي
(1)
.
قوله: وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، واسم الأكوع سنان بن مسلم، ويقال أبو إياس الأسلمي المدني الحجازي أحد من بايع تحت الشجرة وغزى غزوات وكان شجاعا راميا محسنا، قال يحيى بن بكير وغيره: مات بالمدينة سنة أربع وسبعين وله ثمانون سنة
(2)
والله أعلم.
قوله: قال كنت أرمي الوحش وأصيدها وأهدي لحمها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث، وتقدم الكلام على سلمة بن الأكوع، قال الشيخ تقي الدين القشيري: والظاهر أن هذا كله قبل التحريم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أما لو كنت تصيدها بالعقيق لشيعتك إذا ذهبت وتلقيتك إذا جئت فإني أحب العقيق" والعقيق: موضع بينه وبين المدينة عشرة أميال
(3)
، وهو واد عليه أموال أهل المدينة
(4)
، وبه مات سعد وحمل إلى المدينة فصلى عليه ودفن بها فرضي الله تعالى عنه
(5)
، وقيل: على ثلاثة أميال وقيل ميلين وقيل ستة، وقيل: سبعة، قاله ابن وضاح، وهما عقيقان أحدهما عقيق المدينة وهو العقيق الأصغر وفيه بئر رومة والعقيق الآخر أكبر من هذا وفيه بئر عروة
(1)
البزار (1201)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 14)، ورجاله رجال الصحيح.
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 229 ترجمة 221)، وتهذيب الكمال (11/ 301 - 302 ترجمة 2462). وعندهم أن الأكوع اسمه سنان بن عبد الله بن قشير الأسلمى.
(3)
كشف المشكل (1/ 246) والمفهم (11/ 30).
(4)
مشارق الأنوار (2/ 108).
(5)
كشف المشكل (1/ 246) والمفهم (11/ 30).
الذي ذكره الشعراء والعقيق الذي جاء فيه: "إنك بواد مبارك" هو الذي ببطن وادي ذي الحليفة وهو الأقرب منهما، قاله عياض
(1)
والعقيق واد يدفق ماؤه في غور تهامة
(2)
ومبارك بلفظ النكرة وقي بعضها بالمعرفة والإضافة أي وادي الموضع [المبارك]
(3)
.
1886 -
وَعَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ حَدثنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أَتَانِي اللَّيْلَة آتٍ من رَبِّي وَأَنا بالعقيق أَن صل فِي هَذَا الْوَادي الْمُبَارك رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه
(4)
.
قوله: وعن عمر، تقدم الكلام على عمر رضي الله عنه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أتاني الليلة آت من ربي وأنا بالعقيق [قال الجوهرى: العقيق واد بظاهر المدينة وكل مسيل شقه ماء السيل وهو موضع قريب من ذات عرق، قبلها بمرحلة أو مرحلتين وقال أبو سليمان الخطابي: هو ميقات لأهل العراق].
قوله "أن صل في هذا الوادي المبارك" إعلام [منه عليه السلام] بفضل المكان لا إيجاب الصلاة فيه لأن الأمة مجمعة على أن الصلاة بوادي العقيق غير فرض فبان بهذا أن أمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة فيه نظير حثه على الصلاة في مسجده
(1)
مشارق الأنوار (2/ 108).
(2)
عمدة القارى (9/ 147).
(3)
الكواكب الدراري (8/ 67)، وعمدة القارى (9/ 147).
(4)
البخاري (1534)، وابن خزيمة (2617).
ومسجد قباء
(1)
أ. هـ، قاله في الديباجة.
وقد ركب عليه الصلاة والسلام إليه ثم رجع فقال: "يا عائشة، جئنا من هذا العقيق فما ألين موطئه وأعذب ماءه! " قالت: أفلا ننتقل إليه؟ قال: "وكيف وقد ابتنى الناس"، وقد ابتنى الناس من خلافة عثمان ونزلوا وحفروا فيه الآبار وغرسوا فيه الأشجار والنخيل من جميع نواحيه على جنبتي وادي العقيق ونزل فيه جماعة من الصحابة منهم سعد بن أبي وقاص وأبو [هريرة وسعيد بن زيد] وسعيد بن العاصي ومات به سعد وسعيد وهما من العشرة، و [أبو هريرة] مات به سعيد بن العاص وحملوا إلى المدينة ودفنوا بالبقيع وكانت فيه قصور مشيدة ومناظر رائقة وآبار عذبة وحدائق ملتفة فخرب على طول الزمان ولم فيه اليوم إلا الآثار، قال ابن النجار وليس به مساكن
(2)
أ. هـ، قاله في شرح الإلمام.
وروى ابن أبي الدنيا في "كتاب الاعتبار" من حديث أنس بن مالك قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي العقيق فقال: "يا أنس خذ هذه المطهرة واملأها من هذا الوادي المبارك فإنه يحبنا ونحبه" فأخذتها فملأتها وأسرعت فلحقت النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد علي فلما سمع حسي التفت إلي وقال: "يا أنس فعلت ما أمرتك به" قلت: نعم يا رسول الله، ثم التفت إلي على فقال:
(1)
شرح الصحيح (4/ 203) لابن بطال.
(2)
تاريخ مكة المشرفة (ص 242 - 243).
"يا علي ما من حبرة إلا ستتبعها عبرة يا علي ما من حبرة إلا ستتبعها عبرة، يا علي كل هم منقطع إلا هم النار"
(1)
.
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في الاعتبار (1). قلنا فيه الحسن بن يحيى الخشنى صدوق كثير الغلط.