المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترهيب من الغلول والتشديد فيه وما جاء فيمن ستر على غال - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٦

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌التَّرْغِيب فِي تَعْجِيل الْفطر وَتَأْخِير السّحُور

- ‌الترغيب في الفطر على التمر فإن لم يجد فعلى الماء

- ‌التَّرْغِيب فِي إطْعَام الطَّعَام

- ‌ترغيب الصَّائِم فِي أكل المفطرين عِنْده

- ‌ترهيب الصَّائِم من الغَيْبَة وَالْفُحْش وَالْكذب وَنَحْو ذَلِك

- ‌التَّرْغِيب فِي الِاعْتِكَاف

- ‌التَّرْغِيب فِي صَدَقَة الْفطر وبَيَان تأكيدها

- ‌كتاب الْعِيدَيْنِ وَالْأُضْحِيَّة

- ‌التَّرْغِيب فِي إحْيَاء لَيْلَتي الْعِيدَيْنِ

- ‌التَّرْغِيب فِي التَّكْبِير فِي الْعِيد وَذكر فَضله

- ‌التَّرْغِيب فِي الْأُضْحِية وَمَا جَاءَ فِيمَن لم يضح مَعَ الْقُدْرَة وَمن بَاعَ جلد أضحيته

- ‌التَّرْهِيب من الْمثلَة بِالْحَيَوَانِ وَمن قَتله لغير الْأكل وَمَا جَاءَ فِي الْأَمر بتحسين القتلة والذبحة

- ‌كتاب الحج

- ‌الترغيب في الإحرام من المسجد الأقصى

- ‌التَّرْغِيب فِي النَّفَقَة فِي الْحَج وَالْعمْرَة وَمَا جَاءَ فِيمَن أنْفق فيهمَا من مَال حرَام

- ‌التَّرْغِيب فِي الْعمرَة فِي رَمَضَان

- ‌التَّرْغِيب فِي التَّوَاضُع فِي الْحَج والتبذل وَلبس الدون من الثِّيَاب اقْتِدَاء بالأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌التَّرْغِيب فِي الْإِحْرَام والتلبية وَرفع الصَّوْت بهَا

- ‌التَّرْغِيب فِي الْإِحْرَام من الْمَسْجِد الْأَقْصَى

- ‌الترغيب في الطواف واستلام الحجر الأسود والركن اليماني وما جاء في فضلهما وفضل المقام ودخول البيت

- ‌[الترغيب في العمل الصالح في عشر ذي الحجة وفضله]

- ‌التَّرْغِيب فِي الْوُقُوف بِعَرَفَة والمزدلفة وَفضل يَوْم عَرَفَة

- ‌التَّرْغِيب فِي رمي الْجمار وَمَا جَاءَ فِي رَفعهَا

- ‌التَّرْغِيب فِي حلق الرَّأْس بمنى

- ‌التَّرْغِيب فِي شرب مَاء زَمْزَم وَمَا جَاءَ فِي فَضله

- ‌ترهيب من قدر على الْحَج فَلم يحجّ وَمَا جَاءَ فِي لُزُوم الْمَرْأَة بَيتهَا بعد قَضَاء فرض الْحَج

- ‌التَّرْغِيب فِي الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الْمَدِينَة وَبَيت الْمُقَدّس وقباء

- ‌الترغيب في سكنى المدينة إلى الممات وما جاء في فضلها وفضل أحد ووادي [القرى]

- ‌الترهيب من إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء

- ‌كتاب الجهاد

- ‌الترغيب في الرباط في سبيل الله عز وجل

- ‌الترغيب في الحراسة في سبيل الله تعالى

- ‌الترغيب في النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة وخلفهم ها أهليهم

- ‌الترغيب في احتباس الخيل في الجهاد لا رياء ولا سمعة وما جاءه في فضلها، والترغيب فيها يذكر منها والنهي عن قص نواصيها لأن فيها الخير والبركة

- ‌ترغيب الغازي والمرابط في الإكثار من العمل الصالح من الصوم والصلاة والذكر ونحو ذلك

- ‌الترغيب في الغدوة في سبيل الله والروحة وما جاء في فضل المشي والغبار في سبيل الله والخوف فيه

- ‌الترغيب في سؤال الشهادة في سبيل الله

- ‌الترغيب في الرمي في سبيل الله وتعلمه والترهيب من تركه بعد تعلمه رغبة عنه

- ‌التَّرْغِيب فِي الْجِهَاد فِي سَبِيلِ اللّه تَعَالَى وَمَا جَاءَ فِي فضل الْكَلم فِيهِ وَالدّعَاءِ عِنْد الصَّفّ والقتال

- ‌الترغيب في إخلاص النية في الجهاد وما جاء فيمن يولد الأجر والغنيمة والذكر وفضل الغزاة إذا لم يغنموا

- ‌الترهيب من الفرار من الزحف

- ‌الترغيب في الغزاة في البحر وأنها أفضل من عشر غزوات في البر

- ‌الترهيب من الغلول والتشديد فيه وما جاء فيمن ستر على غال

- ‌الترغيب في الشهادة وما جاء في فضل الشهداء

- ‌الترهيب من أن يموت الإنسان ولم يغز ولم ينو الغزو وذكر أنواع من الموت تلحق أربابها بالشهداء والترهيب من الفرار من الطاعون

- ‌فصل

الفصل: ‌الترهيب من الغلول والتشديد فيه وما جاء فيمن ستر على غال

‌الترهيب من الغلول والتشديد فيه وما جاء فيمن ستر على غال

2094 -

عَن عبد اللّه بن عَمْرو بن العَاصِي رضي الله عنهما. قالَ كَانَ على ثقل رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم رجل يُقَال لَهُ كركرة فَمَاتَ فَقَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم هُوَ فِي النَّار فَذَهَبُوا ينظرُونَ إِلَيْهِ فوجدوا عباءة قد غلها رَوَاهُ البُخَارِيّ وَقَالَ قَالَ ابْن سَلام كركرة يَعْنِي بفتحهما

(1)

.

الثّقل محركا هُوَ الْغَنِيمَة.

وكركرة ضبط بِفَتْح الكافين وبكسرهما وَهُوَ أشهر.

والغلول هُوَ مَا يَأْخُذهُ أحد الْغُزَاة من الْغَنِيمَة مُخْتَصًّا بِهِ وَلَا يحضرهُ إِلَى أَمِين الْجَيْش ليقسمه بَين الْغُزَاة سَوَاء قل أَو كثر وَسَوَاء كانَ الآخِذ أَمِين الْجَيْش أَو أحدهم.

وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الطَّعَام والعلوفة وَنَحْوهمَا اخْتِلَافا كثيرًا لَيْسَ هَذَا مَوضِع ذكره.

قوله: عن عبد اللّه بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله: كان على ثقل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة، الثقل هو بفتح الثاء المثلثة والقاف هو متاع المسافر وما يحمله على دوابه، ومنه قوله

(1)

البخاري (3074) وابن ماجه (2849)، وأحمد (6493)، وعبد الرزاق (9504)، وسعيد بن منصور (2720).

ص: 550

تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ}

(1)

الآية

(2)

، هكذا ذكره في شرح مشارق الأنوار، وذكره ابن النحاس في كتاب الجهاد له فقال: النفل بفتح النون والفاء جميعا هو الغنيمة

(3)

، أ. هـ.

وقال أهل اللغة والفقهاء: الأنفال هي العطايا من الغنيمة غير السهم المستحق بالقسمة واحدها نفل، بفتح الفاء على المشهور وحكي إسكانها

(4)

، وقال الحافظ

(5)

: النفل محركا هو الغنيمة، ولم يتعرض الشيخ لمادة حروف الثقل ولكن تفسيره بالغنيمة يقتضي أن يكون بالنون والفاء، قال الجوهري

(6)

: والنفل بالتحريك الغنيمة والجمع الأنفال، وقيده القاضي في المشارق

(7)

بفتح الثاء المثلثة والقاف.

وقال تبعا للجوهري

(8)

: الثقل متاع البيت وحشمه أي خدمه ومن يغضب له، وكذا قيده الزركشي في تنقيحه

(9)

وفسره بالعيال وما يثقل من الأمتعة وهو قريب من الأول وهذا هو الظاهر وقال الكرماني

(10)

: الثقل هو متاع المسافر

(1)

سورة النحل، الآية:7.

(2)

إكمال المعلم (4/ 394 - 395)، وشرح النووي على مسلم (9/ 61).

(3)

مشارع الأشواق (ص 802)، وانظر: الصحاح (5/ 1833)، والنهاية (5/ 99).

(4)

شرح النووي على مسلم (12/ 55).

(5)

أي المنذري.

(6)

الصحاح (5/ 1833).

(7)

مشارق الأنوار (1/ 134).

(8)

الصحاح (4/ 1647)، والمشارق (1/ 134).

(9)

التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح (ص 680).

(10)

الكواكب الدراري (12/ 118).

ص: 551

وحشمه أصله من الثقل ضد الخفة والمراد هنا: آلات السفر ومتاع المسافر، قال في شرح مشارق الأنوار هو متاع المسافر وما يحمله على دوابه، وتقدم تفسيره من كلام المشارق" وكركرة: هذا معدود من موالي رسول اللّه كان غلاما للنبي صلى الله عليه وسلم، ذكره عبد الملك النيسابوري في شرف المصطفى

(1)

فقال: كركرة مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان نوبيا أهداه هوذة بن علي الحنفي إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأعتقه ولا يعرف لكركرة المذكور ذكر في غير هذا الحديث واللّه أعلم، قال ابن سَلَام: كركرة بفتح الكافين، قال الكرماني

(2)

: ابن سلام الصحيح الذي عليه الجمهور تخفيف لامه، وقيل: بتشديدها، قال الدَّارقُطْنِي

(3)

: ليس في الأسماء ابن سلام بالتخفيف إلا عبد اللّه بن سلام الصحابي وكانت الموالي نحو ستة عشر.

واعلم أن هؤلاء الموالي لم يكونوا موجودين في وقت واحد للنبي صلى الله عليه وسلم بل كان بعض منهم في وقت

(4)

.

[قوله:] فمات فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "هو في النار" فذهبوا ينظرون فوجدوا عباءة قد غلها، الحديث، ففي هذا الحديث تحريم قليل الغلول وكثيره كما سيأتي ذكره في [هذا] الباب في [الرجل الذي غل خرزا من خرز يهود]

(1)

شرف المصطفى (3/ 269).

(2)

الكواكب الدراري (12/ 150).

(3)

المؤتلف والمختلف (3/ 1193 - 1194).

(4)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 28).

ص: 552

والغلول هو ما يأخذه أحد الغزاة من الغنيمة مختصا به ولا يحضره إلى أمين الجيش ليقسمه بين الغزاة إلى آخره.

تنبيه: قال بعض العُلماء: وإنما سمي غلولا لأن الأيدي مغلولة عنه أي ممنوعة من تناوله مجعول فيها غل [وهو الحديدة] التي تجمع في يد الأسير إلى عنقه

(1)

وقال نفطويه: سمي بذلك لأن الأيدي مغلولة عنه أي محبوسة

(2)

والغلول هو أحد عظائم الذنوب وكبائر المعاصي وموبقات الآثام

(3)

، وقد قال اننبي صلى الله عليه وسلم:"من مات وهو برئ من الكبر والغلول والدين دخل الجنة" رواه الترمذي

(4)

.

فائدة: أجمع المسلمون على تغليظ تحريم الغلول فإنه من الكبائر وأجمعوا على أن عليه رد ما غله فإن كان تفرق الجيش وتعذر إيصال كلّ واحد إلى حقه، ففيه خلاف للعلماء قال الشافعي وطائفة: يجب تسليمه إلى الإمام أو الحاكم كسائر الأموال الضائعة، وقال ابن مسعود وابن عباس ومعاوية والحسن والزهري والأوزاعي ومالك والثوري وأحمد بن حنبل والجمهور: يدفع خمسه إلى الإمام ويتصدق بالباقي

(5)

.

(1)

النهاية (3/ 380).

(2)

إكمال المعلم (6/ 232) والايجاز (1/ 254) وشرح النووي على مسلم (12/ 216).

(3)

مشارع الأشواق (ص 797 - 798).

(4)

سنن الترمذي (1572) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (4/ 138).

(5)

شرح النووي على مسلم (12/ 317).

ص: 553

لطيفة: غلّ رجل من الغنيمة ثم تاب فجاء بما غله إلى أمير الجيش فأبى أن يقبل منه وقال: كيف لي بإيصاله إلى الجيش وقد تفرقوا فأتى حجاج بن الشاعر فقال: يا هذا، إن اللّه تعالى يعلم الجيش وأسمائهم وأنسابهم فادفع خمسة إلى صاحب الجيش وتصدق بالباقي عنهم فإن اللّه يوصل ذلك إليهم أو كما قال ففعل فلما أخبر معاوية قال: لأن أكون أفتيتك بذلك أحب إليّ من نصف ملكي

(1)

، ا. هـ.

2095 -

وَعَن عبد اللّه بن شَقِيق أَنه أخبرهُ من سمع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بوادي الْقرى وجاءه رجل فَقَالَ اسْتشْهد مَوْلَاك أَو قَالَ غلامك فلَان قَالَ بل يجر إِلَى النَّار فِي عباءة غلها رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد صَحِيح

(2)

.

قوله: وعن عبد اللّه بن شقيق، هو عبد اللّه بن شقيق [العقيلي أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد البصري، من بني عقيل بن كعب بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ذكره محمد بن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل البصرة. وكان عبد اللّه بن شقيق عثمانيا، وكان ثقة في الحديث وروى أحاديث صالحة، وقال صالح بن أحمد، عن علي: سمعتُ يحيى بن سعيد يقول: كان سليمان التيمي سئ الرأي في عبد اللّه بن شقيق، وقال أحمد بن حنبل: ثقة، وكان يحمل على علي، وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن مَعين: ثقة، من خيار المسلمين، لا يطعن في حديثه وقال أبو حاتم: ثقة

(1)

مدارج السالكين (1/ 391).

(2)

أحمد (20351).

ص: 554

وقال أبو أحمد بن عدي: ما بأحاديثه إن شاء اللّه بأس، وقال الهيثم بن عدي، ومحمد بن سعد: توفي في ولاية الحجَّاج بن يوسف على العراق، وقال خليفة بن خياط: مات بعد المئة، وقال غيرهم: مات سنة ثمان ومئة

(1)

].

قوله: أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى. جمع القرية موضع، وادي القرى بضم القاف وفتح المهملة من أعمال المدينة والشام، جاء ذكره كثيرًا في الحديث والمغازي، وقد نزل فيه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.

قوله: وجاءه رجل فقال استشهد مولاك أو قال غلامك فلان، قال: بل يجر إلى النار في عباءة غلها، أي: من أجلها وسببها.

2096 -

وَعَن زيد بن خَالِد رضي الله عنه أَن رجلًا من أَصْحَاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم توفّي يَوْم خَيْبَر فَذكرُوا لرَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ صلوا على صَاحبكُم فتغيرت وُجُوه النَّاس لذَلِك فَقَالَ إِن صَاحبكُم غل فِي سَبِيل اللّه ففتشنا مَتَاعه فَوَجَدنَا خرزا من خرز يهود لا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ رَوَاهُ مَمالك وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَة

(2)

.

قوله: وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

قوله: أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر فذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك"، فقال: "إن

(1)

تهذيب الكمال (15/ ترجمة 3333).

(2)

مالك في الموطأ (1320)، وأحمد (17031)، وأبو داود (2710)، وابن ماجه (2848)، وابن حبان (4853). وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (579).

ص: 555

صاحبكم غل". الحديث، وكانت غزوة خيبر في السنة السادسة من الهجرة وهي من الغزوات التي قاتل فيها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بنفسه

(1)

قد جاء في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على من غل في سبيل اللّه ولو كان غلوله شيئًا يسيرًا تعظيما لجرمه وتغليظا لإثمه وإشارة إلى أنه كما امتنع من الدعاء له والشفاعة في الدنيا كذلك يمتنع من الشفاعة فيه في الآخرة كما سيأتي في حديث أبي هريرة المطول أنه إذا جاء إليه حاملا مكروبا فيقول: يا رسول اللّه أغثني فيجيبه صلى الله عليه وسلم: "لا أملك لك من اللّه شيئًا"، قد أبلغتك الحديث وتاللّه أن من حرم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لجدير بالهلاك والبوار وأن من رده الشفوق النصوح الرحيم خائبا لحري أن يكون من أهل النار، اللهم لا تحرمنا شفاعته وإن من عظم جرمنا وجل حوبنا وكثرت ذنوبنا يا أرحم الراحمين

(2)

.

قوله: ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين، الحديث، الأصل في يهود أن يستعمل بغير لام التعريف لأنه علم خاص لقوم أي علم للقبيلة فلهذا امتنع من الصرف للتأنيث والعلمية وقد يدخله اللام نحو الحس وإنما جوز تعريفه لأنه أجرى يهودي ويهود مجرى تمرة وتمر كذا في الفائق

(3)

.

قوله: رواه مالك، هو: مالك بن أنس إمام دار الهجرة المجمع على حفظه

(1)

عيون الأثر (2/ 172). وذكر في صفحة (353) أن غزوة خيبر في عام 7 هـ.

(2)

مشارع الأشواق (ص 807).

(3)

الفائق (1/ 156).

ص: 556

وإتقانه وعدالته وعلو شأنه، خرجه في موطئه الذي رواه عنه أكابر الأئمة وتلقاه بالقبول أحبار الأمة واللّه أعلم.

قوله: ورواه الإمام أحمد بن حنبل، كان الإمام أحمد بن حنبل أحفظ الناس للسنة وأشدهم بها إحاطة حتى ثبت أنه كان يذاكر بألف ألف حديث، وأنه قال: خرجت مسندي من سبعمائة ألف حديث وخمسين ألف حديث، وجعلته حجة فيما بيني وبين اللّه عز وجل فما لم تجدوه فيه فليس بشيء، ذكره الطوفي في شرح الأربعين النواوية

(1)

.

قوله: ورواه أبو داود، اسم أبي داود سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو بن عامر، كذا نسبه ابن أبي حاتم، وكان أبو داود إماما حافظا محدّثا فقيها أجمع الناس على عدالته، قال أبو عيسى الرملي: ورّاق أبي داود، قلت لأبي داود: ما خرجت هذه السنن إلا من حديث كثير، فقال لي: أو قد فطنت بذلك ما خرجتها إلا من ثلثمائة ألف ونيف وستين ألف حديث، ولد أبو داود سنة ثنتين ومائتين، وتوفي بالبصرة في النصف من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين، ذكره صاحب العلم المشهور في فضائل الأيام والشهور

(2)

.

2097 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ حَدثنِي عمر رضي الله عنه قَالَ لما كَانَ يَوْم خَيْبَر أقبل نفر من أَصْحَاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا فلَان شَهِيد وَفُلَان شَهِيد وَفُلَان شَهِيد حَتَّى مروا على رجل فَقَالُوا فلَان شَهِيد فَقَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم كلا إِنِّي

(1)

التعيين في شرح الأربعين (ص 211).

(2)

العلم المشهور (لوحة 53/ أ).

ص: 557

رَأَيْته فِي النَّار فِي بردة غلها أَو عباءة غلها ثمَّ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَا ابْن الْخطاب اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاس إِنَّه لا يدْخل الْجنَّة إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهم

(1)

.

قوله: وعن ابن عباس، تقدم الكلام عليه.

قوله: حدّثني عمر قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد وفلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة غلها" الحديث، تقدم الكلام على النفر وأنهم من الثلاثة إلى التسعة، وقوله:"كلا" كلمة زجر ورد لقولهم في هذا الرجل أنه شهيد محكوم له بالجنة أول وهلة بل هو في النار بسبب غلولة والغلول أصله الخيانة مطلقا ثم غلب اختصاصه في الاستعمال بالخيانة في الغنيمة

(2)

وكل من خان في شيء [خفية] فقد غل

(3)

، ويحك يا ظالم بل ويلك إذا كان هذا شهيد المعركة، وصاحب حق في الغنيمة وجاهد بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ولو أراد أن ينفله ما أخذه لكان يسوغ له الأخذ والشملة أو العباءة تلتهب عليه نارا فكيف حال من يأخذ الأموال بالإجمال ولا حق له فيها البتة قاله الشيخ تقي الدين اليحصبي

(4)

.

(1)

مسلم (114)، والترمذي (1574)، وأحمد (203)، والدرامي (2492)، وابن حبان (4849).

(2)

شرح النووي على مسلم (12/ 216).

(3)

النهاية (3/ 380).

(4)

كذا هو وهو خطأ إملائى فهو تقى الدين الحصنى أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن بن حريز بن معلى الحسيني الحصني، تقي الدين: فقيه ورع من أهل دمشق. ووفاته بها. =

ص: 558

تنبيه: كلمة (ويلك) هذه كلمة أصلها لمن وقع في هلكة يقال له ذلك، وقيل: هذه كلمة تجري على اللسان وتستعمل من غير قصد إلى غير ما وضعت له أولا لذلك كقولهم لا أم لك، لا أب له، تربت يداه أو قاتله اللّه وَعَقْرَى وَحَلْقَى، وما أشبه ذلك

(1)

واللّه أعلم.

قوله: ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون" أنه بفتح الهمزة لكون إن مع اسمه وخبره مفعولا، وناد بالكسر فيه معنى القول.

قوله: "أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون" قال ابن النحاس عفا اللّه عنه

(2)

: في هذا الحديث إشارة إلى أن الغال ليس بمؤمن ويؤيده ما روى عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغل مؤمن" رواه الطبراني

(3)

وهو من باب قوله: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"

(4)

الحديث.

= نسبته إلى الحصن (من قرى حوران) وإليه تنسب (زاوية الحصني) بناها رباطا في محلة الشاغور بدمشق (752 - 829 هـ). وكلامه من كتابه قمع النفوس ورقية المأيوس (لوحة 59 - 58).

(1)

شرح النووي على مسلم (9/ 74).

(2)

مشارع الأشواق (ص 799 - 800).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 91 رقم 275) والكبير (11/ 229 رقم 11578).

قال الهيثمي في المجمع (5/ 339): وفيه روح بن صلاح، وثقه ابن حبان والحاكم، وضعفه ابن عدي، وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في الجامع (7738).

(4)

أخرجه البخاري (2475) و (5578) و (6772) و (6810)، ومسلم (100 و 101 و 102 و 103 و 104 و 105 - 57) عن أبي هريرة.

ص: 559

2098 -

وَعَن حبيب بن مسلمة رضي الله عنه: قَالَ سَمِعت أَبَا ذَر يَقُول قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِن لم تغل أمتِي لم يقم لَهُم عَدو أبدًا قَالَ أَبُو ذَر لحبيب بن مسلمة هَل يثبت لكم الْعَدو حلب شَاة قَالَ نعم وَثَلَاث شِيَاه غزر قَالَ أَبُو ذَر غللتم وَرب الْكَعْبَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِإِسْنَاد جيد لَيْسَ فِيهِ مَا يُقَال إِلَّا تَدْلِيس بَقِيَّة بن الْوَليد فقد صرح بِالتَّحْدِيثِ

(1)

.

قوله: وعن حبيب بن مسلمة رضي الله عنه، حبيب هذا [حبيب بن مسلمة بن مالك الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر] القرشي [الفهري، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو مسلمة، ويقال: أبو سلمة المكي نزيل الشام] قال البخاري: له صحبة، قال مصعب بن عبد الله الزبيري: قد [سمع من النبي]صلى الله عليه وسلم[أخرج إلى الشام مجاهدا في حياة أبي بكر الصديق]، وشهد اليرموك وكان له دار بدمشق وكان شريفا [أنكر الواقدي أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، توفي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم] ولحبيب اثنتا عشرة سنة [وقال ابن أبي مليكة أن حبيب بن مسلمة قدم المدينة] على النبي صلى الله عليه وسلم غازيا [وأدركه] أبوه، وقال [للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي اللّه إني ليس لي ولد غيره يقوم في مالي وضيعتي، وعلى أهل بيتي فرده] رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقال:[لعلك أن يخلو لك] وجهك [عامك، فارجع يا حبيب مع أبيك] فمات مسلمة من عامه

(1)

الطبراني في الأوسط (8108)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 338)، رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات، وقد صرح بقية بالتحديث.

ص: 560

وكان يقال له حبيب الروم لكثرة مجاهدته الروم ودخوله بلادهم

(1)

، وقد أثبت البخاري والزبيري صحبته، ومات سنة إحدى وأربعين، وقيل سنة اثنتين وأربعين، قال ابن سعد: بأرمينيا واليًا عليها، وقيل بدمشق، قاله في شرح الإلمام، وقد مدحه حسان بن ثابت بأبيات منها:

فِيهِمْ حَبِيبٌ شِهَابُ الْمَوْتِ يَقْدُمُهُمْ

مُسْتَلْئِمًا قَدْ بَدَا فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ

قال سمعتُ أبا ذر يقول قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إن لم تغل أمتي لم يقم لهم عدو أبدًا، تقدم الكلام على الغلول.

وقوله: [قال نعم] وثلاث شياه غزر، الحديث، فغزر جمع غزيرة أي: كثيرة اللبن هكذا جاء في رواية المعزوز بالعين المهملة والزاءين جمع عزوز قاله في النهاية

(2)

.

قوله: قال أبو ذر: غللتم ورب الكعبة، أي: خنتم في القول والعمل ولم تصدقوا قاله في النهاية

(3)

أيضًا وتقدم الكلام على أبي ذر.

2099 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: قَالَ قَامَ فِينَا رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم فَذكر الْغلُول فَعَظمهُ وَعظم أمره حَتَّى قَالَ لا أَلفَيْنِ أحدكم يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة على رقبته بعير لَهُ رُغَاء فَيَقُول يَا رَسُول اللّه أَغِثْنِي فَأَقُول لا أملك لَك شَيْئًا قد أبلغتك لا أَلفَيْنِ أحدكم يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة على رقبته فرس لَهُ حَمْحَمَة فَيَقُول

(1)

تهذيب الكمال (5/ 396 - 405 ترجمة 1099).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 365).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 381).

ص: 561

يَا رَسُول اللّه أَغِثْنِي فَأَقُول لا أملك لَك شَيْئا قد أبلغتك لا أَلفَيْنِ أحدكُم يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة على رقبته شَاة لَهَا ثُغَاء يَقُول يَا رَسُول اللّه أَغِثْنِي فَأَقُول لا أملك لَك شَيْئا قد أبلغتك لَا أَلفَيْنِ أحدكُم يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة على رقبته نفس لَهَا صياح فَيَقُول يَا رَسُول اللّه أَغِثْنِي فَأَقُول لا أملك لَك شَيْئا قد أبلغتك لا أَلفَيْنِ أحدكُم يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة على رقبته رقاع تخفق فَيَقُول يَا رَسُول اللّه أَغِثْنِي فَأَقُول لا أملك لَك شَيْئا قد أبلغتك لا أَلفَيْنِ أحدكُم يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة على رقبته صَامت فَيَقُول يَا زسُول اللّه أَغِثْنِي فَأَقُول لا أملك لَك شَيْئا قد أبلغتك رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَاللَّفْظ لَهُ

(1)

.

لا أَلفَيْنِ أَي لَا أجدن.

والرغاء بِضَم الرَّاء وبالغين الْمُعْجَمَة وَالْمدّ هُوَ صَوت الإِبِل وَذَوَات الْخُف.

والحمحمة بحاءين مهملتين مفتوحتين هُوَ صَوت الْفرس.

والثغاء بِضَم الْمُثَلَّثَة وبالغين الْمُعْجَمَة وَالْمدّ هُوَ صَوت الْغنم.

والرقاع بِكَسْر الرَّاء جمع رقْعَة وَهُوَ مَا تكْتب فِيهِ الْحُقُوق.

وتخفق أَي تتحرك وتضطرب.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

قوله: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، أي: خطيبًا فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره الحديث، هذا تصريح بغلظ تحريم الغلول وأصل الغلول الخيانة

(1)

البخاري (3073)، ومسلم (1831)، وأحمد (9503)، وابن حبان (4848)، وأبو يعلى (698).

ص: 562

مطلقًا كما تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى قال لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء" قال الحافظ

(1)

: "لا ألفين" بالفاء لا أجدن، قال النووي

(2)

: ضبطناه بضم الهمزة وبالفاء المكسورة أي لا أجدن أحدكم على هذه الصفة ومعناه: لا تعملوا عملا أجدكم بسببه على هذه الصفة، قال القاضي: ووقع في رواية العذري "لا ألفين" بفتح الهمزة والقاف من اللقاء وبالفاء من باب الأفعال يقال: ألفيت الشيء ألفيه إلفاء إذا وجدته وصادفته ولقيته

(3)

، قال الجوهري

(4)

: ألفيت الشيء وجدته ومنه قوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}

(5)

أي صادفاه وفيه أن المرأة تقول: [لبعلها] سيدي وإنما لم يقل سيدهما لأن ملك يوسف صلى الله عليه وسلم لا يصح فلم يكن بعلها سيدًا ليوسف عليه السلام في الحقيقة

(6)

، واللفاء في اللغة هو الشيء الخسيس الحقير يقال: رضي فلان من الوفاء باللفاء ومن الجرا بأقل الجرا

(7)

، قاله في الديباجة لكن المشهور الأول.

(1)

المنذري.

(2)

شرح النووي على مسلم (12/ 216).

(3)

النهاية (4/ 262).

(4)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2484).

(5)

سورة يوسف، الآية:25.

(6)

الكشاف (2/ 458).

(7)

انظر التقفية (ص 42)، والصحاح (6/ 2484)، والمحكم (10/ 403) والنهاية (4/ 258).

ص: 563

قوله: "بعير له رغاء" الرغاء هو صوت الإبل وذوات الخف قاله المنذري، أ. هـ يقال: رغا يرغو رغاء وأرغيته أنا ومنه حديث الإفك، وقد أرغى الناس للرحيل أي حملوا رواحلهم على الرغاء وهذا دأب الإبل عند رفع الأحمال عليها، وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي رَجاء "لَا يكونُ الرَّجل مُتَّقيا حَتَّى يَكُونَ أذَلَّ مِنْ قَعُود، كلُّ مَن أتَى عَلَيْهِ أَرْغَاهُ" أَيْ قَهَره وأذلَّه، لِأَنَّ الْبَعِيرَ لَا يَرْغُو إلَّا عَنْ ذُلّ وإسْتِكَانة، وَإِنَّمَا خَصَّ القَعُود لِأَنَّ الفَتِيَّ مِنَ الْإِبِل يَكُونُ كثيرَ الرُّغَاءِ. قاله في النهاية

(1)

.

قوله: فيقول: يا رسول اللّه أغثني فأقول لا أملك لك شيئًا فقد أبلغتك. قال القاضي

(2)

: معناه أي من المغفرة أو الشفاعة إلا بإذن اللّه، قال: ويكون ذلك أولًا غضبا عليه لمخالفته ثم يشفع في جميع الموحدين بعد ذلك.

قوله: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة" الحديث: الحمحمة هو صوت الفرس إذا طلب العلف قاله المنذري.

قوله: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء" والثغاء هو صوت الغنم قاله المنذري، يقالط: ما له ثاغية أي شيء من الغنم، ومنه حديث جابر: عمدت إلى عنز لأذبحها فثغت فسمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثغوتها فقال: "لا تقطع [درا ولا] نسلا" الثغوت المرة من الثغاء قاله في النهاية

(3)

،

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 240)

(2)

إكمال المعلم (6/ 234).

(3)

النهاية (1/ 214).

ص: 564

والثغاء للضأن أو يعار، واليعار للمعز، ومثله شاة تيعر

(1)

.

قوله: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق" الرقاع جمع الرقعة وهي الخرقة

(2)

وهو ما يكتب فيه الحقوق

(3)

.

وقوله: "تخفق" أي: تتحرك وتضطرب، قاله المنذري، وليس المقصود منه تعيينها بل تعميم الأجناس من الحيوان والنقود والثياب وغيرها قاله الكرماني

(4)

.

قوله: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت" والصامت: الذهب والفضة خلاف الناطق وهو الحيوان

(5)

.

فائدة: والحكمة في خفق الرقاع ونطق الحيوان أن كلّ من غل شيئًا في سبيل الله فإنه يأتي يوم القيامة وهو على عنقه يصوت بلغته ويصيح على رأسه ليروعه.

بصياحه وليفتضح بذلك على رؤوس الأشهاد، ويحصل له الخزي بإظهار خيانته بين كافة العباد مع ما هو فيه من مشقة حمله في كرب المحشر وشدة الزحام وإلجام العرق وعظم الأهوال وغير ذلك هذا ما يظهر لي واللّه أعلم قاله ابن النحاس في كتاب الجهاد

(6)

.

(1)

عمدة القارى (8/ 251).

(2)

الكواكب الدراري (13/ 64).

(3)

النهاية (2/ 251).

(4)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (13/ 64).

(5)

النهاية (3/ 52).

(6)

مشارع الأشواق (ص 806).

ص: 565

قال الإمام أبو عبد اللّه القرطبي

(1)

قال علماؤنا في قوله تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}

(2)

إن ذلك على الحقيقة كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم أي يأتي به حاملا له على ظهره ورقبته معذبا بحمله وثقله ومرعوبا بصوته موبخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد وكذلك مانع الزكاة كما في الحديث الصحيح. قال أبو حامد الغزالى

(3)

: فمانع زكاة الإبل يحمل بعيرًا على كاهله له رغاء وثقل يعدل الجبل العظيم، ومانع زكاة البقر يحمل ثورًا على كاهله له خوار وثقل يعدل الجبل العظيم، ومانع زكاة الغنم يحمل شاة لها ثغاء وثقل يعدل الجبل العظيم والرغاء والخوار والثغاء كالرعد القاصف، ومانع زكاة الزرع يحمل على كاهله أعدالًا قد ملئت من الجنس الذي كان يبخل به برًا كان أو شعيرًا أثقل ما يكون ينادي تحته بالويل والثبور، ومانع زكاة المال يحمل شجاعًا أقرع له زبيبتان وذنبه قد انساب في منخريه واستدارت بجيده وثقل على كاهله كأنه طوق بكل وحي في الأرض وكل واحد ينادي مثل هذا فتقول الملائكة هذا ما بخلتم به في الدنيا رغبة فيه وشحًا عليه وهو قوله تعالى:{سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}

(4)

.

قلت: وهذه الفضيحة التي يوقعها اللّه بالغال نظير الفضيحة التي يوقعها بالغادر، إذا رفع له لواء غدرته يوم القيامة.

(1)

تفسير القرطبى (4/ 256)، والتذكرة (ص 693).

(2)

سورة آل عمران، الآية:161.

(3)

التذكرة (ص 693).

(4)

سورة آل عمران، الآية:180.

ص: 566

[فصل] فيه من الكتاب قوله تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}

(1)

أي: بذلك الشيء بعينه يحمله على عنقه وهذا وعيد عظيم فإن يفتضح به على رؤوس الأشهاد، وقال الزمخشري

(2)

: وعن بعض جفاة العرب أنه سرق نافجة مسك وتليت عليه هذه الآية: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فقال: أجيء بها حقيقة المحمل طيبة الريح، أ. هـ وجعل اللّه تعالى هذه المعقبات حسب ما تعهده البشر ويفهمونه [ألا ترى إلى قول الشاعر

(3)

.

أَسُمَّيَ وَيْحَكَ هل سمعتِ بِغَدْرَةٍ

رُفع اللِّوَاءُ لنَا بِها في مَجمعِ

فكانت العرب ترفع للغادر لواء في المحافل ومواسم الحج، وكذلك يطاف بالجاني مع جنايته، و] ذهب بعض العُلماء أن ما يجيء به الغال يحمله عبارة عن وزر ذلك وشهرة الْأَمر أي يأتي يوم القيامة قد شهر اللّه أمره كما يشهر لو حمل بعيرا له رغاء وفرسا لها حمحمة

(4)

.

قلت: وهذا عدول عن الحقيقة إلى المجاز والتشبيه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالحقيقة فهو أولى

(5)

واللّه أعلم، أ. هـ.

اعلم أن من غل شيئًا في سبيل اللّه استوجب عقوبتين عقوبة في الدنيا وعقوبة

(1)

سورة آل عمران، الآية:161.

(2)

الكشاف (1/ 434 - 435).

(3)

هو الحادرة الغطفانى انظر: المفضليات (ص 45)، والتذكرة الحمدونية (3/ 393).

(4)

تفسير القرطبي (4/ 256 - 257)، والتذكرة (ص 694 - 695).

(5)

تفسير القرطبي (4/ 257)، والتذكرة (ص 695).

ص: 567

في الآخرة، أما عقوبة الآخرة فقد تقدم أن من غل يدخل النار ويلبس مثل ما غل من النار وأنه يأتي يوم القيامة بحمل ما غله على عنقه وهو يصيح عليه ويفضحه على رؤوس الأشهاد، وتقدم أن الغلول نار وعار وشنار يوم القيامة، وإن الغال إذا جاء يوم القيامة يسأل رسول اللّه الشفاعة والإغاثة يقول:"لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك"، وأنه يحرم الفوز بالشهادة وإن قتل في جهاده لقوله صلى الله عليه وسلم حين قال الصحابة لمن قتل في سبيل اللّه وقد غل: فلان شهيد، فقال:"كلا، واللّه إنه في النار" فنفي أن يكون شهيدًا، وأكد ذلك بقسمه البار صلى الله عليه وسلم، وقد صرح النووي

(1)

بأن من غل في سبيل اللّه لا يكون شهيدًا في الآخرة، ذكره مسلم في باب بيان الشهداء واللّه أعلم

(2)

، وأما عقوبة الغال في الدنيا فإن الغلول ما ظهر في قوم إلا ألقى في قلوبهم الرعب وأخر عنهم النصر لقوله صلى الله عليه وسلم:"ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقى اللّه في قلوبهم الرعب"

(3)

الحديث

(4)

، أ. هـ.

(1)

شرح النووي على مسلم (13/ 63).

(2)

قاله ابن النحاس في مشارع الأشواق (ص 813).

(3)

أخرجه مالك في الموطأ (1323) بلاغا عن ابن عباس وتمامه: ولا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم القطر، ولا حكم قوم بغير الحق إلا فشا فيهم الدم، ولا ختر قوم بالعهد إلا سلط عليهم العدو.

قال ابن عبد البر في التمهيد (33/ 430 - 431): قد رويناه متصلًا عنه ومثله لا يقال رأيا. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1590).

(4)

مشارع الأشواق (ص 817).

ص: 568

2100 -

وَعَن عبد اللّه بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما. قَالَ كَانَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِذا أصَاب غنيمَة أَمر بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاس فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه فجَاء رجل يَوْمًا بعد النداء بزمام من شعر فَقَالَ يَا رَسُول اللّه هَذَا كَانَ فِيمَا أصبناه من الْغَنِيمَة فَقَالَ أسمعت بِلَالًا نَادي ثَلَاثًا قَالَ نعم قَالَ فَمَا مَنعك أَن تَجِيء بِهِ فَاعْتَذر إِلَيْهِ فَقَالَ كن أَنْت تَجِيء بِهِ يَوْم الْقِيَامَة فَلَنْ أقبله عَنْك رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

.

قوله: وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه فجاء رجل يومًا بعد النداء بزمام من شعر، فقال يا رسول اللّه: هذا كان فيما أصبناه من الغنيمة. الحديث، وكل هذا تعظيم أمر الغلول وتحذير له وإذا كان هذا في القليل فمان الظن بالكثير، وقد اختلف العُلماء في صفة عقوبة الغال، قال ابن النحاس عفا اللّه عنه

(2)

: هذه المسألة مما اختلف العُلماء فيها، قال الإمام أبو بكر بن المنذر في كتاب الإشراف

(3)

: واختلفوا فيما يفعل بالغال، فقالت طائفة: يُحَرَّقُ رَحْلُهُ، كذلك

(1)

أبو داود (2712)، وابن حبان (4809)، وأحمد (6996)، والحاكم (2/ 127)، والبيهقي (6/ 293)، وقال الألباني صحيح، أخرجه أبو داود (2712)، وصححه في صحيح سنن أبي داود.

(2)

مشارع الأشواق (ص 821 - 823).

(3)

(4/ 65).

ص: 569

قال الحسن البصري، ومكحول، وسعيد بن عبد الملك، والوليد بن هشام، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.

وقال الحسن البصري: "ألا أن لا يكون حيوانًا أو مصحفًا"، وقال الأوزاعي: لا يحرق ما غلّ لأنه حق للغانمين يرد عليهم فإن استهلكه غرم قيمته ويحرق مَتَاعه الَّذِي غزا بِهِ، وسرجه، وإكافه، وَلَا تحرق دَابَّته وَلَا نَفَقَته إِن كَانَت فِي خرجه، وقال أحمد بن حنبل: لَا تحرق ثِيَابه الَّتِي عَلَيْهِ، وَلَا سَرْجه، وَلَا يحرق مَا يلْبسهُ عَلَيْهِ من سلاحه. وَقَالَت طَائِفَة: لَا يحرق رَحْله وَلَا يعاقب فِي مَاله هَذَا قَول مَالك بن أنس، وَاللَّيْث بن سعد، وَالشَّافِعِيّ، وَكَانَ اللَّيْث بن سعد يرى أَن عَلَيْهِ الْعقُوبَة، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ عَالما بِالنَّهْي، وَقَالَ الشَّافِعِي:"لَا يعاقب رجل فِي مَاله إِنَّمَا يُعَاقب فِي بدنه، جعل اللّه الْحُدُود على الْأَبدَان، لا على الأموال"، أ. هـ.

وقال الإمام أبو عبد اللّه القرطبي في تفسيره

(1)

: إذا غل الرجل في المغنم ووجد أخذ منه وأدب وعوقب بالتعزير عند مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم، أ. هـ.

(1)

تفسير القرطبي (4/ 260) وتمام كلامه: والليث: لا يحرق متاعه. وقال الشافعي والليث وداود: إن كان عالما بالنهي عوقب. وقال الأوزاعي: يحرق متاع الغال كلّه إلا سلاحه وثيابه التي عليه وسرجه، ولا تنزع منه دابته، ولا يحرق الشيء الذي غل. وهذا قول أحمد وإسحاق، وقاله الحسن، إلا أن يكون حيوانا أو مصحفا. وقال ابن خويز منداد: وروي أن أبا بكر وعمر، اضربا الغال وأحرقا متاعه. قال ابن عبد البر: وممن قال يحرق رحل الغال ومتاعه مكحول وسعيد بن عبد العزيز. وحجة من ذهب إلى هذا حديث صالح المذكور. وهو عندنا حديث لا يجب به انتهاك حرمة، ولا إنفاذ حكم، لما يعارضه من الآثار التي هي أقوى منه. وما ذهب إليه مالك ومن تابعه من هذه المسألة أصح من جهة النظر وصحيح الأثر.

ص: 570

2101 -

وَعَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيبَر فَفتح الله علينا فَلم نغنم ذَهَبا وَلا وَرقا غنمنا الْمَتَاع وَالطَّعَام وَالثيَاب ثمَّ انطلقنا إِلَى الْوَادي يَعْني وَادي الْقرى وَمَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عبد لَهُ وهبه لَهُ رجل من جذام يدعى رِفَاعَة بن يزِيد من بني الضبيب فَلَمَّا نزلنَا الْوَادي قَامَ عبد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يحل رَحْله فَرمي بِسَهْم فَكَانَ فِيهِ حتفه فَقُلْنَا هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَة يَا رَسُول الله قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كلا وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِن الشملة لتلتهب عَلَيْهِ نَارا أَخذهَا من الْغَنَائِم لم تصبها المقاسم قَالَ فَفَزعَ النَّاس فجَاء رجل بِشِرَاك أَو شراكين فَقَالَ أصبت يَوْم خَيْبَر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم شِرَاك من نَار أَو شراكان من نَار رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائيّ

(1)

.

الشملة كسَاء أَصْغَر من القطيفة يتشح بهَا.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

قوله: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ففتح الله علينا فلم نغنم ذهبا ولا ورقا غنمنا المتاع والطعام والثياب ثم انطلقنا إلى الوادي يعني وادي القرى. الحديث، تقدم الكلام على غزوة خيبر وعلى وادي القرى وهو: اسم موضع قتل فيه رفاعة أصابه سهم.

قوله: ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد له وهبه له رجل من جذام يدعى رفاعة بن [زيد]

(2)

من بني الضبيب، قال ابن النحاس عفا الله عنه: هذا

(1)

البخاري (6707)، ومسلم (115)، وأبو داود (2711)، والنسائي (8763).

(2)

في المخطوط يزيد، وجاء في هامش المخطوط [صوابه (رفاعة بن زيد) بدون ياء في أوله، قاله بعض أهل أصحاب الحديث، أهـ من خط المصنف رحمه الله] كذا.

ص: 571

العبد الذي قتل بوادي القرى اسمه مدعم بكسر الميم وإسكان الدال المهملة وفتح العين المهملة أيضًا على وزن درهم، كذا جاء مسمى عند أبي داود وغيره

(1)

.

واختلف العلماء هل أعتقه النبي صلى الله عليه وسلم أو مات عبدا وجاء هاهنا أن العبد الأسود هو مدعم، وقيل: غير مدعم وكلاهما قتل بخيبر

(2)

.

قوله: من بني الضبيب، الضبيب بضم الضاد وبعدها باء موحدة مفتوحة ثم ياء مثناة من تحت ثم باء موحدة اسم قبيلة.

قوله: فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل رحله فرمي بسهم فكان فيه حتفه. الرحل هو بالحاء وهو مركب الرجل على البعير، والحتف هو: بفتح الحاء وإسكان المثناة فوق أي موته، وجمعه حتوف، ومات حتف أنفه أي من غير قتل ولا ضرب

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "كلا، والذي نفسي بيده إن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم لم تصبها المقاسم" [والشملة، قال الحافظ

(4)

: كساء أصغر من القطيفة يتشح بها] وقال في الديباجة: الشملة كساء يتغطى به ويتلفف فيه

(5)

.

(1)

مشارع الأشواق (ص 801).

(2)

الاستيعاب (4/ 1468).

(3)

شرح النووي على مسلم (2/ 129).

(4)

أي المنذري.

(5)

النهاية (2/ 501).

ص: 572

وفي حديث سهل أن الشملة هي البردة

(1)

وتقدم الكلام على قوله "والذي نفسي بيده"، وفيه أن من غل شيئًا يجب رده وإذا رده يقبل منه ولا يحرق متاعه سواء رده أم لم يرده، فإنه عليه السلام لم يحرق متاع صاحب الشملة وصاحب الشراك، ولو كان واجبا لفعله ولو قبله لنقل

(2)

، وقد تقدم الخلاف في عقوبة الغال في ماله.

وقوله: "لتلتهب عليه نارًا" والتهاب النار إيقادها.

قوله: "لم تصبها المقاسم" معناه: لم تدخل في القسمة أي أخذها قبل قسمة الغنائم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "شراك من نار أو شراكان من نار" الشراك أحد سيور النعل [التي تكون على وجهها على ظهر القدم، قال العلماء: قد تكون المعاقبة بهما أنفسهما فيعذب بهما وهما من نار، وقد يكون ذلك على أنهما سبب لعقاب النار

(3)

.

قوله: رواه البخاري، قال البخاري: روينا عن أبي عبد الله محمد بن يوسف الفربري رواية صحيح البخاري قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: "أين تريد؟ " قلت: أريد محمد بن إسماعيل البخاري، فقال:"أقرئه مني السلام"

(4)

، وعن

(1)

أخرجه البخاري (1277) و (2093) و (5810) و (6036) ولفظه: عن سهل بن سعد، قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة، فقال سهل للقوم: أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هي الشملة، فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها.

(2)

شرح النووي على مسلم (2/ 130).

(3)

شرح النووي على مسلم (2/ 129).

(4)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 68).

ص: 573

محمد بن حمدويه قال: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائة ألف حديث غير صحيح، جملة ما صحح البخاري من الأحاديث المسندة سبعة ألاف حديث ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالأحاديث المكررة وبحذف المكررة نحو أربعة آلاف حديث

(1)

.

(2)

2102 -

وَعَن أبي رَافع رضي الله عنه: قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا صلى الْعَصْر ذهب إِلَى بني عبد الأشْهَل فيتحدث عِنْدهم حَتَّى ينحدر للمغرب قَالَ أَبُو رَافع فَبينا النَّبِي صلى الله عليه وسلم يسْرع إِلَى الْمغرب مَرَرْنَا بِالبَقِيعِ فَقَالَ أُفٍّ لَك أُفٍّ لَك أُفٍّ لَك قَالَ فَكبر ذَلِك فِي ذرعي فاستأخرت وظننت أَنه يُرِيدنِي فَقَالَ مَا لَك امش قلت وَحدث حدث فَقَالَ مَا ذَاك قلت أففت بِي قَالَ لا وَلَكِن هَذَا فلَان بعثته ساعيا علي بني فلَان فَغَلَّ نمرة فدرع مثلهَا من نَار رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَابْن خُزَيْمَة فِي صحِيحه

(3)

.

البقيع بِالْبَاء الْمُوَحدَة مَوَاضِع بِالْمَدِينَةِ.

مِنْهَا بَقِيع الْخَيل وبقيع الخنجبة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْجِيم وبقيع الْغَرْقَد وَهُوَ المُرَاد هُنَا كَذَا جَاءَ مُفَسرًا فِي رِوَايَة الْبَزَّار وَكبر فِي ذرعي هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة بعْدهَا رَاء سَاكنة أَي عظم عِنْدِي موقعه.

(1)

المصدر السابق.

(2)

ينظر ترجمته والكلام على الصحيح، تهذيب الأسماء واللغات، الجزء الأول من القسم الأول، (ص 67 - 76)، وفيات الأعيان، (4/ 188)، تهذيب الكمال، (24/ 430)، تذهيب التهذيب، (8/ 32)، سير أعلام النبلاء، (12/ 391).

(3)

أحمد (27192)، والطبراني (962). وقال الألباني حسن في صحيح سنن النسائي.

ص: 574

والنمرة بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم بردة من صوف تلبسها الأعْرَاب.

وَقَوله فدرع بِالدَّال الْمُهْملَة المضمومة أَي جعل لَهُ درع مثلهَا من نَار.

2103 -

وَعَن ثَوْبَان رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة بَرِيئًا من ثَلَاث دخل الْجنَّة الْكبر والغلول وَالدّين رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا

(1)

.

قوله: وعن أبي رافع رضي الله عنه، هو: أبو رافع أسلم، وقيل: ثابت، وقيل: هرمز من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبه العباس من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أسلم العباس بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي رضي الله عنه قبل مقتل عثمان رضي الله عنه

(2)

.

قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدث عندهم حتى ينحدر للمغرب، بنو عبد الأشهل اسم قبيلة.

قوله: قال أبو رافع فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يسرع إلى المغرب مررنا بالبقيع، بالباء الموحدة مواضع بالمدينة، منها: بقيع الخيل، ومنها: بقيع الخبجبة بفتح الخاء المعجمة والجيم الخبجبة شجرة [عرف بها] ذكره السهيلي في الروض

(1)

النسائي (8764)، وابن حبان (198)، والحاكم (2/ 26)، وأحمد (22369)، والترمذي (1572)، وابن ماجه (2412)، والبيهقي في شعب الإيمان (5540). وقال الألباني صحيح، أخرجه أبو الترمذي (1578)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي.

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 330 ترجمة 782). وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1657): وقيل: فِي خلافة علي رضي الله عنه، وَهُوَ الصواب إن شاء الله تعالى.

ص: 575

الأنف على السيرة

(1)

، ومنها: بقيع الغرقد وهو موضع بظاهر المدينة فيه قبور أهلها كان به شجر الغرقد [، فذهب وبقي اسمه]، قاله في النهاية

(2)

وهو المراد هنا كذا جاء مفسرا في رواية البزار، أ. هـ.

وقال القاضي عياض

(3)

: النقيع روى بالباء والنون، حكاهما القاضي عياض

(4)

والأصح الأشهر الذي قاله الخطابي

(5)

والأكثرون بالنون وكسر القاف الخفيفة والمهملة وهو موضع في [صدر] وادي العقيق على نحو عشرين ميلا من المدينة، وسمي به لأنه مستنقع للماء وإذا نضب نبت فيه الكلأ وهو الذي حماه رسول الله لإبل الصدقة و [خيل] المجاهدين ونحوه

(6)

.

قوله: فقال أف لك أف لك [أف لك]، الحديث، قال القاضي عياض

(7)

وغيره: فيها عشر لغات بفتح الفاء وضمها وكسرها بلا تنوين وبالتنوين فهذه ستة وأف وأفى وأفه، قالوا: وأصل الأف والفف وسخ الأظفار، وأف لفظ يستعمل جوابا عما يضجر منه، وتستعمل هذه الكلمة في كل ما يستقذر وهو فعل يستعمل في الواحد والاثنين والجمع والمؤنث والمذكر بلفظ واحد،

(1)

الروض الأنف (4/ 100).

(2)

النهاية (1/ 146).

(3)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 69).

(4)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 293).

(5)

معالم السنن (2/ 236).

(6)

الكواكب الدراري (10/ 182).

(7)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 337).

ص: 576

قال الله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}

(1)

قال الهروي: يقال لكل ما يضجر منه ويستثقل أف له، وقيل: معناه الاحتقار مأخوذ من الأفف وهو القليل.

قوله: فكبر ذلك في ذرعي، بالذال المعجمة المفتوحة بعدها راء ساكنة أي عظم عندي موقعه كذا قاله المنذري وقال غيره: أي عظم عندي موقع ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من التأفيف.

قوله: "فغل نمرة فدرع مثلها من نار" النمرة بكسر الميم وسكونها ويجوز كسر النون مع سكون الميم قاله الكرماني

(2)

، وهي كما قال المنذري: بردة من صوف تلبسها الأعراب، أ. هـ.

وقال غيره: النمرة كساء من صوف فيه خطوط بيض وسود وحمر كأنها أخذت من جلد النمر لاشتراكهما في التلون ولذلك سميت نمرة لشبهها بال [نمر] وهي من مأزر العرب

(3)

، وقال في النهاية

(4)

: أي ألبس عوضها درعا من نار ودرع المرأة قميصها والدراعة والمدرعة والمدرع واحد وأدرعهما إذا لبسها، أ. هـ.

قوله: "فدرع مثلها من نمار" بالدال المهملة المضمومة أي جعل له درع مثلها من نار، قاله المنذري.

(1)

سورة الإسراء، الآية:23.

(2)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (7/ 124).

(3)

شرح النووي على مسلم (3/ 89).

(4)

النهاية (2/ 114).

ص: 577

2104 -

وَعَن أبي حَازِم رضي الله عنه: قَالَ أُتِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم بنطع من الْغَنِيمَة فَقيل يَا رَسُول الله هَذَا لَك تستظل بِهِ من الشَّمْس قَالَ أتحبون أَن يستظل نَبِيكُم بِظِل من نَار رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله وَالطَّبَرَانيّ فِي الأوْسَط وَزَاد يَوْم الْقِيَامَة

(1)

.

قوله: وعن أبي حازم رضي الله عنه: [هو سلمة بن دينار المدنى الأعرج، الزاهد، الفقيه، المشهور بالمحاسن، وهو مخزومى، مولى الأسود بن سفيان المخزومى، وقيل: مولى لبنى ليث، سمع سهل بن سعد الساعدى، وأكثر الرواية عنه في الصحيحين وغيرهما، والنعمان بن أبي عياش الزرقى، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وآخرين، روى عنه ابناه عبد العزيز وعبد الجبار، والزهرى وهو أكبر من أبى حازم، ومالك بن أنس، وابن أبي ذؤيب، وسفيان التورى، وسليمان بن بلال، ومعمر، وسفيان بن عيينة، وأخوه محمد بن عيينة، وخلائق لا يحصون. وأجمعوا على توثيقه وجلالته والثناء عليه، قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: لم يكن في زمن أبى حازم مثله، توفى سنة خمس وثلاثين ومائة.

واعلم أن في هذا المرتبة اثنين يكنيان أبا حازم، أحدهما هذا المشهور بالرواية عن سهل، والثانى أبو حازم سلمان مولى عزة الأشجعية المشهورة بالرواية عن أبي هريرة، والله أعلم].

(1)

أبو داود في المراسيل (295)، والطبراني في الأوسط (7131)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 339)، وفيه الحسن بن صالح بن أبي الأسود ضعفه الأزدي. وقال الألباني مرسل.

ص: 578

قوله: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بنطع من الغنيمة، في النطع أربع لغات مشهورة أشهرها كسر النون مع فتح الطاء، والثانية: بفتحهما، والثالثة بفتح النون مع إسكان الطاء بكسر النون مع إسكان الطاء، قاله النووي

(1)

.

2105 -

وَعَن يزِيد بن مُعَاوِيَة أَنه كتب إِلَى أهل الْبَصْرَة سَلام عَلَيْكُم أما بعد فَإِن رجلا سَأل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زماما من شعر من مغنم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سَأَلتنِي زماما من نَار لم يكن لَك أَن تسألنيه وَلم يكن لي أَن أعْطِيه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل أَيْضا.

قوله: وعن يزيد بن معاوية أنه كتب إلى أهل البصرة: [سلام عليكم أما بعد] فإن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم زمامًا من شعر، الحديث، الزمام هو [السير الذي يعقد فيه الشسع].

قوله: رواه أبو داود في المراسيل، الحديث المرسل تقدم الكلام عليه مرات عديدة [وهو ما أسنده التابعي أو تابع التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يذكر الصحابي الذي يروي الحديث].

2106 -

وَعَن سَمُرَة بن جُنْدُب رضي الله عنه: قَالَ أما بعد فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من يكتم غالا فَإِنَّهُ مثله رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(2)

.

يكتم غالا أَي يستر عَلَيْهِ.

قوله: وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

(1)

في المنهاج للنووي (1/ 310).

(2)

أبو داود (2716)، والطبراني في الكبير (7023). وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (584).

ص: 579

قوله صلى الله عليه وسلم: "من يكتم غالا فإنه مثله" أي: يستر عليه قاله المنذري، وقال: قد جاء أن من رأى غالا أو علم به فستر عليه كان عليه مثل إثمه.

واعلم أن الغلول ذنب عظيم عند الله تعالى سواء كان قليلًا أو كتيرًا جليلًا أو حقيرًا، وتقدم الكلام على ذلك مبسوطًا في أحاديث الباب، والله أعلم.

خاتمة: في الحديث "لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول" تقدم الكلام على الغلول أنه بضم الغين وهو الخيانة وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة، قال أبو سليمان الخطابي

(1)

: إنه يدل على أن من سرق مالا أو [خانه] ثم تصدق به لم يجز وإن كان نواه عن صاحبه وفيه مستدل لمن ذهب إلى أنه إن تصدق به على صاحب المال لم تسقط عنه تبعته وإن كان طعاما فأطعمه إياه لم يبرأ منه ما لم يُعلِمه بذلك وإطعام الطعام لأهل الحاجة صدقة ولغيرهم معروف وليس من باب أداء الحقوق ورد الظلامات، أ. هـ.

وهذه المسألة ذكرها الأصحاب في باب الغصب أن الغاصب إذا حمل المغصوب منه على إتلافه بأن قدم له طعامًا مغصوبا ضيافة فأكله فللشافعي قولان: أحدهما: أن قرار الضمان على الغاصب لأنه غر المالك؛ والقول الثاني، وهو الأظهر: أن الغاصب يبرأ بذلك من ضمان المغصوب لأن المالك هو المباشر لإتلافه وإليه عادت منفعته وهذان القولان يعرفان بقول المباشرة والغرور ومحلهما عند جهل الأكل، أما عند علمه فيبرأ الغاصب قطعًا، أما إذا أمر الغاصب رجلا بإتلاف المغصوب بفعل أو إحراق ففعله

(1)

معالم السنن (1/ 33).

ص: 580

جاهلا بالحال فالمذهب القطع بأن القرار على المتلف لأن الفعل حرام، وقيل: على القولين، ولو لم يطعمه الغاصب المغصوب بل أكله المالك ظانا أنه طعام الغاصب برئ وجها واحدا، ولو صال العبد المغصوب فقتله بالدفع لم يبرأ الغاصب سواء علم أنه عبده أم لا لأنا الإتلاف [بهذه الجهة كإتلاف العبد نفسه ولهذا لو] كان العبد [لغيره] لم [يضمنه] وقيل: لا يبرأ عند [العلم] وهو ضعيف، وإذا قال الغاصب للمالك أعتق هذا العبد فأعتقه جاهلا نفذ العتق وبرئ الغاصب [ولو زوج الغاصب الجارية المغصوبة من مالكها] فتزوجها جاهلًا بالحال فتلفت [عنده] لم يبرأ كما لو [أودعها] فتلفت، ولو استولدها .. نفذ الاستيلاد قطعًا وبرئ الغاصب

(1)

والله أعلم.

(1)

النجم الوهاج (5/ 176 - 177).

ص: 581