الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في الرباط في سبيل الله عز وجل
1896 -
عَن سهل بن سعد رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ رِبَاط يَوْم فِي سَبِيل الله خير من الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَمَوْضِع سَوط أحدكُم من الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا والروحة يروحها العَبْد فِي سَبِيل الله أَو الغدوة خير من الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهم
(1)
.
الغدوة بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة هِيَ الْمرة الْوَاحِدَة من الذّهاب.
والروحة بِفَتْح الرَّاء الْمرة الْوَاحِدَة من الْمَجِيء.
قوله: عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها" سبيل الله عام يقع على كل عمل خالص لله تعالى سلك به طريق التقرب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع الطاعات وإذا أطلق السبيل فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه كذا في التحفة
(2)
.
وقال في الديباجة: السبيل ها هنا يحتمل ان يكون طرق الجنة ومسالكها ويحتمل أن يكون سبيل الأعمال المؤدية إلى الجنة، وقال ابن أسباط: هي إصلاح النية في الأعمال فيزداد بها العالم فهما في الدين
(3)
، انتهى.
(1)
البخاري (2892)، ومسلم (1881).
(2)
النهاية (2/ 338).
(3)
تفسير ابن عطية (4/ 326) وعبارته قال يوسف بن أسباط: هي إصلاح النية في الأعمال =
قوله صلى الله عليه وسلم: "خير من الدنيا وما عليها" اختلف العلماء في هذا الحديث وفي أمثاله فقيل إنه على ظاهره، وقيل: معناه أن هذه الطاعة خير من الدنيا وما عليها لو قدر أن يملكها إنسان وينفقها في طاعة الله تعالى، قاله القاضي عياض
(1)
والشيخ محب الدين الطبري في فضائل العشرة وغيرهما ورجحه جماعة لأن الدنيا وما عليها لا تزن عند الله جناح بعوضة فكيف تقاس بشيء من الأجر الموجب للجنة التي لا قيمة لأقل جزء منها ولو قدر استواؤهما في القيامة وهو محال لكان العقل بالضرورة يقطع أن ذرة مما يبقى أبدا خير من ملئ الأرض مما يفني، فالتفاضل بينهما إذًا عارٍ عن الفائدة إلا أن يراد مقابلة الأجر الباقي بالأجر الفانى [وهو ما قاله القاضي عياض
(2)
ومحب الدين الطبري وما ذكره كان ترجيح له وإيضاح]، وقال بعضهم هو من باب تنزيل المغيب منزلة المحسوس المحقق تحقيقا له وتثبيتا في النفوس فإن ملك الدنيا ونعيمها ولذاتها محسوسة مستعظمة في طباع النفوس محقق عندها أن ثواب اليوم الواحد في الرباط وهو من المغيبات خير من المحسوسات التي عهدتموها من لذات الدنيا
(3)
، قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد
(4)
: وهذا
= وحب التزيد والتفهيم، وهذا هو أن يجازى العبد على حسنة بازدياد حسنة وبعلم يقتدح من علم متقدم.
(1)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 300).
(2)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 300) وشرح النووي على مسلم (13/ 27).
(3)
إحكام الأحكام (2/ 301).
(4)
إحكام الأحكام (2/ 302).
عندي أوجه وأظهر يعني مما ذكره القاضي عياض
(1)
والله أعلم.
فإن قيل: لا خصوصية للجهاد بذلك لأن أدنى عمل من عمل البر يكون ثوابه خيرا من الدنيا وما فيها لأن الدنيا تفنى والعمل يبقى وقد ورد مثل ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".
قوله صلى الله عليه وسلم: "وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها" ومعنى الحديث: ولقدر الموضع الذي يوضع فيه سوطه خير من الدنيا وما فيها
(2)
، وقد رواه البزار مختصرا "موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها"
(3)
ويحتمل أن يكون المراد ثواب موضع السوط خير من الدنيا وما عليها موضع السوط هو الموضع الذي يعلق فيه على الدابة وإذا كان هذا ثواب موضع السوط الذي هو أدنى أمتعة المجاهد فغيره أولى، أ. هـ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها" قال الحافظ المنذري: الروحة المرة الواحدة من المجيء، والغدوة المرة الواحدة من الذهاب، انتهى. وقال ابن النحاس
(4)
: الروحة
(1)
مشارع الأشواق (ص 368 - 369).
(2)
قاله المنذرى كما سأتى في فصل في أن أعلى ما يخطر على البال أو يجوزه العقل من حسن الصفات المتقدمة فالجنة وأهلها فوق ذلك.
(3)
أخرجه البخاري (3250) و (6415) وابن ماجه (4330) عن سهل بن سعد. وأخرجه البزار (6254)، وابن عدي في الكامل (4/ 59)، وأبو نعيم في صفة الجنة (56) عن أنس بن مالك. قال الهيثمي في المجمع 10/ 415: رواه البزار، وإسناده حسن. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3768).
(4)
مشارع الأشواق (ص 223 - 224).
السير من الزوال إلى آخر النهار والغدوة السير من أول النهار إلى وقت الزوال وهو وقت الغداء، ولو حلف إنسان لا يتغدي حنث بالأكل قبل الزوال، وأو هنا للتقسيم لا للشك، ومعناه: أن الروحة يحصل بها هذا الثواب وكذا الغدوة والظاهر أنه لا يختص ذلك بالغدو أو الرواح من بلدته بل يحصل هذا الثواب بل غدوة أو روحة في طريقه إلى الغزو، وكذا غدوه ورواحه في موضع القتال لأن الجميع يسمى غدوة وروحة في سبيل الله وثوابها خير من نعيم الدنيا كلها لو ملكها إنسان وتصور تنعمه بها كلها لأنه زائل ونعيم الآخرة باق، قال القاضي عياض
(1)
رحمه الله تعالى: وقيل في معناه ومعنى نظائره من تمثيل أمور الآخرة وثوابها بأمور الدنيا أنها خير من الدنيا وما فيها لو ملكها إنسان وملك جميع ما فيها وأنفقه في أمور الآخرة.
1897 -
وَعَن سلمَان رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول رِبَاط يَوْم وَلَيْلَة خير من صِيَام شهر وقيامه وَإِن مَاتَ فِيهِ جرى عَلَيْهِ عمله الَّذِي كَانَ يعْمل وَأجْرِي عَلَيْهِ رزقه وَأمن من الفتان رَوَاهُ مُسلم وَاللَّفْظ لَهُ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَزَاد وَبعث يَوْم الْقِيَامَة شَهِيدا
(2)
. قوله: وعن سلمان رضي الله عنه، هو الفارسي تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه" الحديث، وهذه فضيلة ظاهرة للمرابط، وقد تقدم الكلام على الرباط ومعناه.
(1)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 337).
(2)
مسلم (1913)، والترمذي (1665)، وابن حبان (4623)، وأحمد (23728)، والطبراني في الكبير (6179).
وقوله: "وإن مات فيه" أي في الرباط "جرى عليه عمله الذي كان يعمل" وجريان عمله عليه بعد موته فضيلة مختصة به لا يشاركه فيها أحد، وقد جاء صريحا في غير مسلم:"كل ميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمي له عمله إلى يوم القيامة" أي يزاد ويرفع ولا معنى للنماء إلا المضاعفة وهي غير موقوفة على سبب فتنقطع بانقطاعه بل هي فضل دائم من الله تعالى وهذا العمل الذي يجري عليه ثوابه هو ما كان يعمله من الأعمال الصالحة أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات مرابطا أجري عليه أجر عمله الصالح"
(1)
قاله القرطبي
(2)
.
قوله: "وأجري عليه رزقه" موافق لقوله تعالى في الشهداء {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}
(3)
وفي الصحيح ان أرواح الشهداء تأكل من ثمار الجنة
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وأمن من الفتان" قال النووي
(5)
: ضبطوا "أمن" بوجهين أحدهما: أمن بفتح الهمزة وكسر الميم من غير واو، والثاني: أومن بضم الهمزة وبواو، وأما الفتان: فقال القاضي عياض
(6)
رواية الأكثرين بضم الفاء
(1)
أخرجه ابن ماجه (2767).
وقال الألباني: صحيح، الروض النضير (1013).
(2)
تفسير القرطبى (4/ 325) والتذكرة (ص 415 - 416).
(3)
سورة آل عمران، الآية:169.
(4)
شرح النووي على مسلم (13/ 61).
(5)
شرح النووي على مسلم (13/ 61).
(6)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 342).
جمع فاتن قال: ورواية الطبري
(1)
بالفتح، وفي رواية أبي داود في سننه
(2)
"وأومن من فتاني القبر" الحديث، ويريد مسائلة منكر ونكير عليهما السلام
(3)
وهو من الفتنة التي هي الاختبار والامتحان
(4)
ذكره المنذري في حواشي مختصر أبي داود، وهذا الحديث هو أحد الأحاديث الخمس التي تنجي من أهوال القبر وفتنته وعذابه وهي: رباط، قتل، قول، بطن، زمان. فأولها الرباط وذكر هذا الحديث وسيأتي الكلام على البواقي ذكر ذلك القرطبي
(5)
.
فائدة: إنما سميا فتاني القبر منكر ونكير لأن في سؤالهما انتهارا وفي خلقهما صعوبة لأن خلقهما لا يشبه خلق الآدميين ولا خلق الملائكة ولا خلق الطير ولا خلق البهائم ولا خلق الهوام بل هما خلق بديع وليس في خلقتهما أنس للناظرين إليهما بل جعلهما الله تعالى مكرمة للمؤمن لتثبته وتبصره وهتكا لستر المنافق في البرزخ من قبل ان يبعث حتى يحل عليه العذاب قاله أبو عبد الله الترمذي
(6)
.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
جامع الأصول (9/ 469) ومشارع الأشواق (ص 374).
(4)
شرح المصابيح (4/ 308).
(5)
التذكرة (ص 415).
(6)
نوادر الأصول (6/ 24) وعنه القرطبى في التذكرة (ص 384 - 385) وزاد الترمذي: وإنما وإنما صارت مكرمة للمؤمن؛ لأن العدو لم ينقطع طمعه بعد، فهو يتخلل السبيل إلى أن =
1898 -
وَعَن فضَالة بن عبيد رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ كل ميت يخْتم على عمله إِلَّا المرابط فِي سَبِيل الله فَإِنَّهُ ينمى لَهُ عمله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ويؤمن من فتْنَة الْقَبْر رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم.
وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَزَاد فِي آخِره قَالَ وَسمعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الْمُجَاهِد من جَاهد نَفسه لله عز وجل
(1)
، وَهَذِه الزِّيَادَة فِي بعض نسخ التِّرْمِذِيّ.
قوله: وعن فضالة بن عبيد
(2)
رضي الله عنه، بضم العين المهملة وفتح الباء الموحدة بعدها ياء مثناة تحت بن ناقد بن قيس كنيته أبو محمد الأنصاري من الطبقة الثانية من الأنصار من الأوس وأمه عفرة بنت محمد بن عقبة، وقال ابن سعد
(3)
عن الواقدي، وفضالة هو الذي بشر الأنصار بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكان ابن ست سنين وكان فضالة شاعرًا
= يجده في البرزخ.
(1)
أبو داود (2500)، والترمذي (16921)، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم (2/ 144)، وابن حبان (4624)، وأحمد (23951)،، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6679).
(2)
التاريخ الكبير: 7/ 124، الجرح والتعديل 7/ 77، الحلية 2/ 17، الإصابة 3/ 206، الاستيعاب: 1262، أسد الغابة 4/ 182، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 2/ 50، تهذيب الكمال: 1096، تهذيب التهذيب 8/ 267
(3)
طبقات ابن سعد 7/ 401.
فاضلًا وهو أحد الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا والخندق والمشاهد كلها ثم نزل الشام وكان له شرف وولاه عمر بن الخطاب وولاه معاوية قضاء دمشق، قال ابن سعد عن الواقدي: كان فضالة قاضيا بالشام ونزل دمشق وبنى بها دارا.
ذكر وفاته: حكى ابن عساكر عن ابن معين قال: مات فضالة في دمشق سنة ثلاث وخمسين، وقال ابن يونس: فتح مصر وولي البحر بها، قاله النووي في تهذيب الأسماء واللغات
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة" وتقدم أن النماء الزيادة، ومعناه يزاد ويرفع.
قوله: "ويؤمن من فتنة القبر" أي من مسائلة منكر ونكير، وفي الحديث، وأمن من الفتان جمع فاتن وهو الذي يضل الناس عن الحق، وروي بفتح الفاء وهو الشيطان يفتن الناس بخدعه وغروره وتزيينه للمعاصي
(2)
والله أعلم.
قال الإمام أبو عبد الله القرطبي في حديث فضالة هذا دليل على أن الرباط أفضل الأعمال التي يبقى ثوابها بعد الموت كما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 50 ترجمة 490).
(2)
الميسر (3/ 873).
ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له" رواه مسلم
(1)
من طرق عدة فإن الصدقة الجارية والعلم المنتفع به والوالد الصالح الذي يدعو لأبويه قد ينقطع ذلك بنفاد الصدقة وذهاب العلم وموت الولد والرباط يضاعف أجره إلى يوم القيامة لأنه لا معنى للنماء إلا المضاعفة وهي غير موقوفة على سبب فتنقطع بانقطاعه وهذا لأن أعمال البر كلها لا يتمكن منها إلا بالسلامة من العدو والتحرز منهم بحراسة بيضة الدين وإقامة شعائر الإسلام
(2)
، أ. هـ، كلامه وهو مليح جدا فتأمله
(3)
والله أعلم.
تنبيه: قال ابن النحاس عفا الله عنه: جرت السنة في معاملة الله عبيده بفضله وكرمه أن من توجه بصدق إلى شئ من القربات فمنعه منه القدر الإلهى مع شدة حرصه عليه وتصميم قصده في طلبه إن الله يعطيه يوم القيامة أجر تلك القربة تفضلا منه وإحسانا لحسن قصده وإخلاص نيته وصدق طويته، والدليل على ذلك أن من خرج مجاهدا فمات كان شهيدا وكذلك من حج فمات كتب حاجا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي سقط عن بعيره فمات "إنه يبعث يوم القيامة ملبيا"
(4)
، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عينه حتى أصبح كتب له ما نوى وكان نومه
(1)
مسلم (2682).
(2)
تفسير القرطبى (4/ 325)، والتذكرة (ص 416).
(3)
مشارع الأشواق (ص 372).
(4)
البخاري (1851)، ومسلم (1206).
صدقة عليه من ربه"
(1)
وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطا له الله مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا"
(2)
وأشباه هذا الحديث كثيرة والمرابط إنما يرابط توقعا للشهادة وتعرضا من بذل نفسه في نيلها فلا [جرم] أنه إذا مات يبعث شهيدا، ويؤيد هذا ما وهبه الله من خصائص الشهداء وهو إجراء الرزق عليه والأمان من فتنة القبر ومن الفزع الأكبر ونحو ذلك فلو لم يرد حديث مصرح بأنه يبعث شهيدا لكان مما يستنبط من هذه القاعدة فكيف وقد روي في ذلك عدة أحاديث وإن كانت.
لا تسلم من مقال فهي تتعاضد وتقوي بكثرة الطرق ويؤيدها القاعدة المذكورة
(3)
والله أعلم، أ. هـ.
1899 -
وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ رِبَاط شهر خير من صِيَام دهر وَمن مَاتَ مرابطا فِي سَبِيل الله أَمن من الْفَزع الْأَكْبَر وغدي عَلَيْهِ برزقه وريح من الْجنَّة وَيجْرِي عَلَيْهِ أجر المرابط حَتَّى يَبْعَثهُ الله عز وجل رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته ثِقَات
(4)
.
(1)
سنن ابن ماجه (1344) سنن النسائي (1787)، وابن خزيمة (1175).
(2)
شرح السنة للبغوي (789) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6163 - 2052).
(3)
مشارع الأشواق (ص 377 - 379).
(4)
الطبراني في الكبير، كما في كنز العمال (10512)، ومجمع الزوائد، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 290)، رواه الطبراني ورجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3479).
قوله: وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "رباط شهر خير من صيام دهر ومن مات مرابطا في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر" الحديث، وقال في الديباجة: والفزع: الذعر وشدة الخوف وهو في الأصل مصدر وربما جمع على أفزاع
(1)
، قال الله تعالى:{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}
(2)
روى أبو هريرة: "إن الملك له في الصور ثلاث نفخات نفخة النزع من حياة الدنيا وليس بالفزع الأكبر، ونفخة الصعق، ونفخة القيام من القبور"
(3)
وهي المعبر عنها بقوله تعالى في صفة أهل الجنة: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ}
(4)
وهو كل هول يكون يوم القيامة فكأن يوم القيامة بجملته هو الفزع الأكبر
(5)
، والفزع أيضا الإغاثة والنصر ومنه قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار:"إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع"
(6)
أ. هـ.
الفزع الأكبر: قال الواحدي
(7)
في وسيطه قال أكثرهم هو إطباق جهنم على أهلها، وقال الحسن: هو أن يؤمر بالعبد إلى النار، وقال ابن جرير هو
(1)
الصحاح (3/ 1258).
(2)
سورة النمل، الآية:87.
(3)
تفسير ابن عطية (4/ 272).
(4)
سورة الأنبياء، الآية:103.
(5)
تفسير ابن عطية (4/ 102).
(6)
النهاية (3/ 443).
(7)
التفسير البسيط (7/ 165).
ذبح الموت بين الفريقين.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وغدي عليه برزقه وريح من الجنة ويجري عليه إجراء المرابط حتى يبعثه الله عز وجل" تقدم الكلام على ذلك.
تنبيه: قال ابن النحاس في كتاب الجهاد: واعلم أن الرباط أحد شعب الإيمان وموجبات الغفران وقد ورد في فضله أشياء عظيمة لم ترد في غيره من القربات فمن فضائله ان رباط يوم خير من الدنيا وما عليها
(1)
.
ومنها: أن رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ورباط شهر خير من صيام دهر
(2)
.
ومنها: أن كل ميت إذا مات ينقطع عمله إلا المرابط إذا مات في رباطه فإنه يجري عليه أجر عمله الصالح من الرباط وغيره إلى يوم القيامة
(3)
.
ومنها: أن المرابط إذا مات في رباطه أمنه الله تعالى من فتاني القبر وهما منكر ونكير عليهما السلام
(4)
.
ومنها: أن المرابط إذا مات في رباطه بعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع الأكبر
(5)
.
(1)
مشارع الأشواق (ص 368).
(2)
مشارع الأشواق (ص 369).
(3)
مشارع الأشواق (ص 370).
(4)
مشارع الأشواق (ص 374).
(5)
مشارع الأشواق (ص 375).
ومنها: ما روي أن المرابط إذا مات بعثه الله يوم القيامة شهيدا
(1)
.
ومنها: ما روي أن المرابط إذا مات في رباطه يمر على الصراط كهيئة الريح بغير حساب ولا عذاب
(2)
.
ومنها: أن الرباط في سبيل الله أفضل من موافقة ليلة القدر
(3)
.
ومنها: ما روي ان من رابط يوما جعل الله بينه وبين النار سبع خنادق
(4)
.
ومنها: أن المرابط في سبيل الله أجر من خلفه
(5)
.
ومنها: أن رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل
(6)
.
ومنها: أن صلاة المرابط بأرض الرباط مضاعفة وكذلك صومه وذكره وقراءته ونفقته
(7)
، والله أعلم. أ. هـ.
1900 -
وَعَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كل عمل يَنْقَطِع عَن صَاحبه إِذا مَاتَ إِلَّا المرابط فِي سَبِيل الله فَإِنَّهُ ينمى لَهُ عمله ويجرى عَلَيْهِ رزقه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَادَيْنِ رُوَاة
(1)
مشارع الأشواق (ص 376).
(2)
مشارع الأشواق (ص 379).
(3)
مشارع الأشواق (ص 380).
(4)
مشارع الأشواق (ص 382).
(5)
مشارع الأشواق (ص 383).
(6)
مشارع الأشواق (ص 383).
(7)
مشارع الأشواق (ص 386).
أَحدهمَا ثِقَات
(1)
.
قوله: وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كل عمل ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله" الحديث، أي يزاد ويصل إليه كل لحظة أجر جديد لأنه فدى نفسه في شيء يعود نفعه إلى المسلمين فيكون داخلا في قوله عليه السلام:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" الحديث، وتقدم الكلام عليه في الأحاديث قبله.
1901 -
وَعَن أم الدَّرْدَاء رضي الله عنها ترفع الحَدِيث قَالَ من رابط فِي شَيْء من سواحل الْمُسلمين ثَلَاثَة أَيَّام أَجْزَأت عَنهُ رِبَاط سنة رَوَاهُ أَحْمد من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن الْمَدَنِيين وَبَقِيَّة إِسْنَاده ثِقَات
(2)
.
قوله: وعن أم الدرداء، اسمها رضي الله عنها[وهى بالمد، وهى زوجة أبى الدرداء، وهى صحابية، واعلم أن لأبى الدرداء زوجتين كل واحدة منهما كنيتها أم الدرداء، وهما كبرى وصغرى، فالكبرى صحابية، والصغرى تابعية، واسم الكبرى خيرة،
(1)
الطبراني في المعجم الكبير (641)، وابن أبي عاصم في الجهاد (296)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 157)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 290)، رواه الطبراني في بإسنادين رجال أحدهما ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4539).
(2)
أحمد (27040)، والطبراني في الكبير (648)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 394)، وابن أبي عاصم في الجهاد (307)، وفي الآحاد والمثاني (3355)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 289)، رواه أحمد والطبراني من رواية إسماعيل بن عياش عن المدنيين، وبقية رجاله ثقات.
بفتح الخاء المعجمة، واسم الصغرى هجيمة، بضم الهاء، وفتح الجيم، وبعدها ياء مثناة تحت ساكنة، ثم ميم، ويقال: جهيمة بنت حيى، وقيل: حيى الأصابية، ويقال: الوصابية، والوصاب بطن من حمير، قال البخارى فى صحيحه فى أبواب صفة الصلاة: وكانت أم الدرداء، يعنى هذه، فقيهة. واتفقوا على وصفها بالفقه، والعقل، والفهم، والجلالة. توفى عنها أبو الدرداء بدمشق، فخطبها معاوية فلم تفعل، وهى أم بلال بن أبى الدرداء، وسمعت أبا الدرداء، وأبا هريرة، وعائشة، روى عنها خلائق من كبار التابعين. روى لها مسلم فى صحيحه، قال الحميدى فى آخر الجمع بين الصحيحين: قال أبو بكر البرقانى: أم الدرداء الصغرى هى التى روت فى الصحيح، وأما أم الدرداء الكبرى الصحابية فليس لها فى الصحيحين حديث، وفى تاريخ دمشق فى ترجمة أم الدرداء الكبرى الصحابية، قال: اسمها خيرة بنت أبى حدرد، واسم أبى حدرد سلامة بن عمير، وهى أخت عبد الله بن أبى حدرد، وهى أسلمية، ويقال: كنيتها أم محمد، توفيت أم الدرداء فى حياة أبى الدرداء، وفى التاريخ فى ترجمة أم الدرداء الصغرى هجيمة أنها روت عن أبى الدرداء، وأبى هريرة، وعائشة، وكانت زاهدة فقيهة، وفى تاريخ دمشق أن أم الدرداء الصغرى، قالت لأبى الدرداء عند الموت: إنك خطبتنى إلى أبوى فى الدنيا فأنكحوك، وأنا أخطبك إلى نفسك فى الآخرة. قال: فلا تنكحى بعدى، فخطبها معاوية بن أبى سفيان، فأخبرته بالذى كان، فقال: عليك بالصوم، وفى رواية: أن معاوية خطبها بعد وفاة أبى الدرداء، فقالت: قال أبو الدرداء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرأة لزوجها الأخير"، فلست بمتزوجة بعد أبى الدرداء زوجا حتى
أتزوجه فى الجنة. وفى رواية: خطبها معاوية، فقالت: لا والله لا أتزوج زوجا فى الدنيا حتى أتزوج أبا الدرداء إن شاء الله تعالى فى الجنة. وفى رواية: لست أريد بأبى الدرداء بدلا، وروينا فى المستصفى عن سعيد بن عبد العزيز، قال: كانت أم الدرداء هجيمة تقيم ببيت المقدس وبدمشق ستة أشهر
(1)
].
قوله صلى الله عليه وسلم: "من رابط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام أجزأت عنه رباط سنة" الحديث، وتقدم معنى الرباط، والسواحل جمع ساحل، والظاهر من كلام الإمام مالك أن السواحل سواحل البحر وأن الثغور هي المعدة لإقامة المرابطين القاطنين بها بأهاليهم وأولادهم وغير ذلك كالاسكندرية ودمياط وعسقلان وصيدا وبيروت وأذنة وطرابلس وأنطاكية وطرسوس وقزوين والأندلس وغير ذلك من الثغور.
1902 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من مَاتَ مرابطا فِي سَبِيل الله أجري عَلَيْهِ أجر عمله الصَّالح الَّذِي كانَ يعْمل وَأجْرِي عَلَيْهِ رزقه وَأمن من الفتان وَبَعثه الله يَوْم الْقِيَامَة آمنا من الْفَزع الْأَكْبَر رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح
(2)
.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 359 - 362).
(2)
ابن ماجه (2767)، وابن أبي عاصم في الجهاد (297)، وأحمد (9244)، وعبد الرزاق (9622)، والبيهقي في شعب الإيمان (9895)، والبزار (1655)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 200).
وقال البوصيري في الزوائد (2/ 391)، هذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الجامع (6544).
وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط أطول مِنْهُ وَقَالَ فِيهِ والمرابط إِذا مَاتَ فِي رباطه كتب لَهُ أجر عمله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وغدي عَلَيْهِ وريح برزقه ويزوج سبعين حوراء وَقيل لَهُ قف اشفع إِلَى أَن يفرغ من الْحساب وَإِسْنَاده مقارب
(1)
.
1903 -
وَعَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من سنّ سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا مَا عمل بهَا فِي حَيَاته وَبعد مماته حَتَّى تتْرك وَمن سنّ سنة سَيِّئَة فَعَلَيهِ إثمها حَتَّى تتْرك وَمن مَاتَ مرابطا فِي سَبِيل الله جرى عَلَيْهِ عمل المرابط فِي سَبِيل الله حَتَّى يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ
(2)
.
1904 -
وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن أجر الرِّبَاط فَقَالَ من رابط لَيْلَة حارسا من وَرَاء الْمُسلمين كَانَ لَهُ أجر من خَلفه مِمَّن صَامَ وَصلى رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِإِسْنَاد جيد
(3)
.
1905 -
وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من رابط يَوْمًا فِي سَبِيل الله جعل الله بَينه وَبَين النَّار سبع خنادق كل خَنْدَق كسبع سموات وَسبع أَرضين رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَإِسْنَاده لَا بَأْس بِهِ إِن شَاءَ الله وَمَتنه غَرِيب
(4)
.
(1)
الطبراني في الأوسط (3299)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 293)، رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه بكر بن سهل الدمياطي، قال الذهبي: مقارب الحديث، وضعفه النسائي.
(2)
الطبراني في الكبير (184)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 168)، ورجاله موثقون.
(3)
الطبراني في المعجم الأوسط (8059)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 289)، ورجاله ثقات.
(4)
الطبراني في المعجم الأوسط (4825)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 289)، وفيه عيسى بن سليمان أبو طيبة، وهو ضعيف، وقال الشيخ الألباني في حاشية، ضعيف الترغيب: فقه عند الطبراني أبو طيبة عيسى بن سلميان، وهو ضعيف كما قال الهيثمي، =
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه.
قوله: "من مات مرابطا في سبيل الله أجري عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن من الفتان" الحديث، الفتان بفتح الفاء على لفظ الواحد هو الذي يفتن المقبور بالسؤال ويعذبه، وقيل: أريد به الشيطان الذي يفتن الناس أي يخدعهم بتزيينه لهم المعاصي، ويروي بضم الفاء على أنه جمع فاتن وهم الذين يعاونون من يضلون الناس عن الحق ويفتنونهم كذا في التحفة وتقدم الكلام على ألفاظ الحديث كلها.
1906 -
وعن أبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لرباط يومٍ في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبًا من غير شهر رمضان أعظم أجرًا من عبادة مائة سنةٍ صيامها وقيامها.
قوله: وعن أبي بن كعب، هو: أبي بن كعب بن قيس بن عمرو بن مالك بن النجار
(1)
، واسم النجار تيم الله، وقيل: تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأكبر الأصناري الخزرجي النجاري بالنون المدني، وقيل: أبي بن كعب بن المنذر بن قيس، وله كنيتان إحداهما: أبو المنذر كناه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثانية: أبو الطفيل كناه بها عمر بن الخطاب كني بابنه الطفيل، وأمه: صهيلة بضم الصاد المهملة بنت السود بن حرام بالراء بن عمرو بن زيد مناة بن
= وقال الحافظ في التقريب، صدوق يهم.
(1)
الاستيعاب: 1/ 126، أسد الغابة: 1/ 61، الإصابة: 1/ 26، التاريخ الكبير: 2/ 39 - 40، الجرح والتعديل: 2/ 290.
عدي بن عمرو بن مالك بن النجار وهي عمة أبي طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام والأوس والخزرج هما جماع الأنصار وهما ابنا حارثة بالحاء والمثلثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس، وأما النجار: فقيل سمي بذلك لأنه اختتن بالقدوم، وقيل: ضرب وجهه رجل بالقدوم فنجره أي نحته، شهد أبي العقبة الثانية في السبعين من الأنصار وشهد بدرا وغيرها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وأربعة وستون حديثا
(1)
وتقدم الكلام عليه مبسوطا.
1907 -
وَعَن مُجَاهِد وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنه كَانَ فِي الرِّبَاط ففزعوا إِلَى السَّاحِل ثمَّ قيل لَا بَأْس فَانْصَرف النَّاس ووقف أَبُو هُرَيْرَة فَمر بِهِ إِنْسَان فَقَالَ مَا يوقفك يَا أَبَا هُرَيْرَة فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول موقف سَاعَة فِي سَبِيل الله خير من قيام لَيْلَة الْقدر عِنْد الْحجر الْأسود رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا
(2)
.
1908 -
وَعَن عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول رِبَاط يَوْم فِي سَبِيل الله خير من ألف يَوْم فِيمَا سواهُ من الْمنَازل رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب
(3)
.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 108 - 109 ترجمة 44).
(2)
ابن حبان (4603) والبيهقي في شعب الإيمان (4286)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6636).
(3)
الترمذي (1667). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3084).
1909 -
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَزَاد فَلْينْظر كل امرئ لنَفسِهِ وَهَذِه الزِّيَادَة مدرجة من كَلَام عُثْمَان غير مَرْفُوعَة كَذَا جَاءَت مبينَة فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَقَالَ الْحَاكم صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ
(1)
.
1910 -
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه إِلَّا أَنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من رابط لَيْلَة فِي سَبِيل الله كَانَت كألف لَيْلَة صيامها وقيامها
(2)
.
قوله: وعن مجاهد وأبي هريرة، هو: مجاهد بن [جبر، ويقال: ابن جبير، بالتصغير، المكى المخزومى، مو لاهم مولى عبد الله بن أبى السائب، ويقال: مولى السائب ابن أبى السائب، ويقال: مولى قيس بن الحارث، وهو تابعى، إمام، متفق على جلالته وإمامته. سمع ابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وابن عمرو بن العاص، وأبا سعيد، وأبا هريرة، وعائشة، وغيرهم من الصحابة، رضى الله عنهم. وسمع من التابعين طاووسا، وابن أبى ليلى، ومصعب بن سعد، وآخرين روى عنه طاووس، وعكرمة، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير، والحكم، وابن عون، والأعمش، ومنصور، وحماد بن أبى سليمان، وطلحة بن مصرف، وأيوب السختيانى، وعبد الله بن أبى نجيح،
(1)
ابن حبان (4609)، والحاكم (2/ 68).
(2)
ابن ماجه (2766)، وابن المبارك في الجهاد (72)، والطيالسي (87)، وأحمد (442)، والدرامي (2429)، وابن أبي عاصم في الجهاد (299)، والبيهقي في شعب الإيمان (4234)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 214)، والطبراني في الكبير (145)، قال البوصيري (2/ 390)، هذا إسناد ضعيف.
وخلائق لا يحصون. واتفق العلماء على إمامته، وجلالته، وتوثيقه، وهو إمام فى الفقه، والتفسير، والحديث قال مجاهد: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة. وقال خصيف: كان أعلمهم بالتفسير مجاهد. وقال أبو حاتم: لم يسمع مجاهد عائشة. ومناقبه كثيرة مشهورة. وقال ابن بكير: توفى مجاهد سنة إحدى ومائة، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة، وقيل: توفى سنة مائة، وقيل: سنة ثنتين ومائة، وقيل: سنة ثلاث ومائة].
قوله: "أنه كان في الرباط ففزعوا إلى الساحل فقيل لا بأس فانصرف الناس وأبو هريرة واقف.
1911 -
وَرُوِيَ عَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن صَلَاة المرابط تعدل خَمْسمِائَة صَلَاة وَنَفَقَة الدِّينَار وَالدِّرْهَم مِنْهُ أفضل من سَبْعمِائة دِينَار يُنْفِقهُ فِي غَيره رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ
(1)
.
1912 -
وروى أَبُو الشَّيْخ وَغَيره من حَدِيث أنس إِن الصَّلَاة بِأَرْض الرِّبَاط بألفي ألف صَلَاة وَفِيه نَكَارَة.
قوله: وروي عن أبي أمامة، تقدم الكلام عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة ونفقة الدينار والدرهم منه أفضل من سبعمائة دينار ينفقه في غيره" وروي أبو الشيخ وغيره من حديث أنس ان الصلاة بأرض الرباط بألفي ألف صلاة.
(1)
البيهقي في شعب الإيمان (4295).
تنبيه: قال ابن النحاس في كتابه الذي ألفه في الجهاد: خرج أبو الشيخ بن حيان في كتاب الثواب بإسناد ضعيف عن أنس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي تعدل بعشرة آلاف صلاة، وصلاة في المسجد الحرام تعدل بمائة ألف صلاة والصلاة بأرض الرباط بألفي ألف صلاة"
(1)
قال رضي الله عنه: قد صح أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة كما رواه أصحاب السنن وقد صح مع هذا أن إقامة يوم بأرض الرباط أفضل من ألف يوم فيما سواه، وتقدم أنه يعم مكة وغيرها فمن المحتمل أن يقال إن كل عبادة تصدر من المرابط في ذلك اليوم حكمها حكم اليوم في التضعيف لأن كل يوم من أجزاء يوم الرباط أفضل من مثله من اليوم ليس فيه رباط فذلك الجزاء الذي أديت فيه الصلاة وما استعمل عليه من الطاعة أفضل من ألف جزء مثله بغيرها وإن اشتمل على مثل ما اشتمل عليه، فالتضعيف لازم لذلك فيكون صلاة المرابط على هذا بمائة ألف ألف صلاة، وإذا كان فضل الله وكرمه اقتضى أن المرابط إذا مات يجري عليه أجر عمله الصالح إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر ويجري عليه رزقه كما في الأحاديث الصحيحة ولم يرد ذلك فيمن مات بمكة أو المدينة فلا يبعد أن يخص الله المرابط بزيادة تضعيف الصلاة أيضا على الصلاة بالمساجد الثلاثة والله يؤتي فضله
(1)
أخرجه البزار (6461) والطبراني في المعجم الأوسط (3908) بدون زيادة الرباط وأخرجه بنصه أبو نعيم في حلية الأولياء (8/ 46). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3570).
من يشاء والله واسع عليهم
(1)
، أ. هـ.
1913 -
وَعَن عتبَة بن الْمُنْذر رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا انتاط غزوكم وَكَثُرت العزائم واستحلت الْغَنَائِم فَخير جهادكم الرِّبَاط رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه
(2)
.
قوله: وعن عتبة بن [الندر]رضي الله عنه، بضم النون وفتح الدال المشددة السلمي له صحبة عداده في الشاميين يقال: إنه سكن دمشق، ذكره محمد بن سعد فيمن لم يحفظ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي عنه: علي بن رباح اللخمي المصري، وقال ابن عبد البر
(3)
: عتبة بن الندر وهو عتبة بن عبد السلمي، قال: وقد قيل: إن عتبة بن الندر غير عتبة بن عبد، وليس ذلك بشيء والصواب ما ذكرناه إن شاء الله تعالى
(4)
. قال الحافظ: كذا قال، ولَمْ نجد
(1)
مشارع الأشواق (ص 387 - 389).
(2)
ابن حبان (4856)، والطبراني في الكبير (334)، والخطيب في التاريخ (12/ 135)، وابن أبي عاصم في الجهاد (318)، وفي الآحاد والمثاني (1376)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5359)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (38/ 287)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 290)، رواه الطبراني، وفيه سويد بن عبد العزيز، وهو متروك. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (401).
(3)
الاستيعاب (3/ 1031 - 1032 ترجمة 1768).
(4)
وحجة ابن عَبد الْبَرِّ رواية خالد بن معدان عنهما وقول أبي حاتم في هذا، إنه شامي، قال ابن حجر: وهي حجة واهية، فقد قال محمد بن الربيع لما ذكر حديث علي بن رباح عنه، وروى عنه من أهل الشام خالد بن معدان، ولا يلزم من روايته عن عتبة بن عبد أن يكون هو عتبة بن الندر (الإصابة: 2/ الترجمة 5415،). وَقَال ابن حجر في التهذيب: قال ابن =
أحدًا تابعه عَلَى ما قال، والصواب مَا ذكره غَيْر واحد أنهما اثنان والله أعلم.
وعلي بن رباح اللخمي أبو عبد الله ويقال أبو موسى المصري، والمشهور فيه علي بالضم، قال الدارقطني: كان يلقب بعلي وكان اسمه عليا وكان يحرج عليه من يسميه عليا بالتصغير روي عن سراقة بن مالك وعقبة بن عامر الجهني وعمرو بن العاصي وفضالة بن عبيد وعتبة بن الندر وغيرهم، ووفد على معاوية بن أبي سفيان وعلي عبد الملك بن مروان وكان تابعيا مصريا ثقة وكان في المكتب يوم قتل عثمان، قال الليث بن سعد: كان علي بن رباح يقول: لا أجعل في حل من سماني عليا فاسمي علي، قال أبو عبد الرحمن المقري: كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه فبلغ ذلك رباحا فقال هو علي وكان يغضب منه وكان أعور وليس لعتبة بن الندر في الكتب الستة سوى هذا الحديث
(1)
والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا انتاط غزوكم" انتاط معناه بعد، وفي حديث عمر:"إذا انتاطت المغازي" أي بعدت وهو من نياط المغازي وهو بعدها فكأنها نيطت بمفازة أخرى لا تكاد تنقطع، وانتاط فهو نيط إذا بعد وانتاطت الديار أي بعدت.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "وكثرت العزائم" وفي حديث عمر "واشتدت العزائم" يريد
= يونس الرواية عنه قصيرة وما عرفنا وقت قدومه مصر، وَقَال أبو عُبَيد الله الجريري، عن يحيى بن عثمان شهد فتح مصر (7/ 102). انظر حاشية تهذيب الكمال (19/ 335).
(1)
انظر تهذيب الكمال (19/ ترجمة 3780) و (20/ ترجمة 4067).
عزمات الأمراء على الناس في الغزو إليى الأقطار البعيدة وأخذهم بها، ومنه حديث سعد "فلما أصابنا البلاء اعتزمنا لذلك" احتملناه وصبرنا عليه وهو افتعلناه من العزم قاله صاحب النهاية
(1)
، وقال ابن النحاس رحمه الله تعالى: كثرت العزائم يعني حمل السلطان عليهم شدة الأمر والعزم فيما يشق عليهم لبعد المغزى وقلة عونهم عليهم وغير ذلك، قال أبو الوليد بن رشد في المقدمات
(2)
بعد ذكر هذا الحديث دل ذلك من قوله على أن الجهاد على السنة أفضل من الرباط وكذلك روى ابن القاسم عن مالك والأظهر في تأويل ذلك عندي أن معناه عند شدة الخوف على أهل ذلك الثغر وتوقع هجوم العدو عليهم وغلبته إياهم على أنفسهم ونسائهم وذراريهم إذ لا يشك أن إعانتهم في ذلك الوقت وحراستهم فيما يتوقع عليهم أفضل من الجهاد إلى أرض العدو فلا يصح أن يقال أن أحدهما أفضل من صاحبه على الإطلاق وإنما ذلك على قدر ما يرى وينزل
(3)
، أ. هـ.
روى عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب فذكر الحديث إلى أن قال "فإذا انتاطت المغازي وأكلت الغنائم واستحلت الحرم فعليكم بالرباط"
(4)
فإنه
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 232).
(2)
المقدمات الممهدات (1/ 365).
(3)
مشارع الأشواق (ص 400 - 401).
(4)
الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (1376) الجهاد لابن أبي عاصم (318).
أفضل غزوكم" وروي ابن أبي شيبة
(1)
عن أبي أسامة عن عبد الرحمن بن زيد بن جابر: حدثنا خالد بن معدان قال: سمعت أبا أمامة وجبير بن نفير يقولان: يأتي على الناس زمان أفضل الجهاد الرباط فقلت وما ذاك؟ قال: "إذا انتاط الغزو وكثرت العزائم واستحلت الغنائم فأفضل الجهاد يومئذ الرباط" ذكره في مختصر الجهاد.
1914 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ تعس عبد الدِّينَار وَعبد الدِّرْهَم وَعبد الخميصة زَاد فِي رِوَايَة وَعبد القطيفة إِن أعطي رَضِي وَإِن لم يُعْط سخط تعس وانتكس وَإِذا شيك فَلَا انتقش طُوبَى لعبد آخذ بعنان فرسه فِي سَبِيل الله أَشْعَث رَأسه مغبرة قدماه إِن كَانَ فِي الحراسة كَانَ فِي الحراسة وَإِن كَانَ فِي السَّاقَة كَانَ فِي السَّاقَة إِن اسْتَأْذن لم يُؤذن لَهُ وَإِن شفع لم يشفع رَوَاهُ البُخَارِيّ
(2)
.
القطيفة كسَاء لَهُ خمل يَجْعَل دثارا. والخميصة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة ثوب معلم من خَز أَو صوف. وانتكس أَي انْقَلب على رَأسه خيبة وخسارا. وشيك بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت أَي دخلت فِي جِسْمه شَوْكَة وَهِي وَاحِدَة الشوك وَقيل الشَّوْكَة هُنَا السِّلَاح وَقيل النكاية فِي الْعَدو. والانتقاش بِالْقَافِ والشين الْمُعْجَمَة نَزعهَا بالمنقاش. وَهَذَا مثل مَعْنَاهُ إِذا أُصِيب فَلَا انجبر. وطوبى اسْم الْجنَّة وَقيل اسْم شَجَرَة فِيهَا وَقيل فعلى من
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 4/ 219 (19459). وانتاط: بعد النهاية (5/ 141).
(2)
البخاري (2886، 2887).
الطّيب وَهُوَ الْأَظْهر.
قوله: عن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام على أبي هريرة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة" وفي رواية "وعبد القطيفة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط" الحديث، الخميصة: ثوب معلم من خز أو صوف، والقطيفة: كساء له خمل يجعل دثارا هكذا فسرها المنذري، فسمي هؤلاء الذين أن أعطوا رضوا وإن منعوا سخطوا عبيدا لهذه الأشياء لأنها محنتهم ورضاهم ورغبتهم إليها فإذا أشغف الإنسان بمحبة صورة لغير الله بحيث يرضيه وصوله إليها وظفره بها ويسخطه فوات ذلك كان فيه من التعبد لها بقدر ذلك، أ. هـ.
قوله: "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم" قال النووي
(1)
: تعس بفتح العين وكسرها لغتان واقتصر الجوهري
(2)
على الفتح والقاضي على الكسر ومعناه عثر، وقيل: هلك، وقيل: لزمه الشر، وقيل: سقط وجهه، وقيل: تعس أي انكب إلى آخره والمراد بعبد الدينار وعبد الدرهم من يحرص على تحصيل أنواع الأموال ولا يتفكر في أنه يحصله من الحلال أو من الحرام وإذا حصلها بخل بانفاقها وبأداء حقوق الله تعالى الواجب فيها، وهذه الكلمات دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على من ترك عمل الآخرة واشتغل بجمع أموال الدنيا يعني من كان هذا صفته صار ذليلا وإن أصابه غم وجراحة ما أزال الله عنه ذلك الغم ففيه ذم فتنة متاع الدنيا الفاني، ومعنى قوله "إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط"
(1)
شرح النووي على مسلم (13/ 58).
(2)
الصحاح (3/ 910).
أي: سخط ما قدره له خالقه ويسره له من رزقه فصح بهذا أنه عبد في طلب هذين فوجب الدعاء عليه بالتعس لأنه أوقف عمله على متاع الدنيا الفاني وترك العمل لنعيم الآخرة الباقي قاله في الديباجة، فمعنى "تَعِسَ" أَيِ: انْكَبَّ وَعَثَرَ، وَمَعْنَاهُ الدُّعَاءُ عَلَيْهِ، أَيْ: أَتْعَسَهُ اللهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى:{فَتَعْسًا لَهُمْ}
(1)
أَيْ: عِثَارًا وَسُقُوطًا، قال الجوهري في صحاحه
(2)
: التعس: الهلاك، وأصله الكب وهو ضد الانتعاش، وقال في النهاية
(2)
: تعس يتعس إذا عثر وانكب لوجهه، وقد تفتح العين وهو دعاء بالهلاك.
قوله صلى الله عليه وسلم: "تعس وانتكس" أي انقلب على رأسه خيبة وخسارا قاله المنذري وهو دعاء عليه بالخيبة والخسران لأن من انتكس في أمره فقد خاب وخسر [والانتقاش بالقاف والشين نزعها بالنقاش وهذا مثل معناه] الدعاء عليه
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا شيك" أي: دخلت في جسمه شوكة، وهي واحدة الشوك فلا قدر على انتقاشها وهو إخراجها بالمنقاش قاله ابن الأثير والانتقاش نزعها من الرجل وقيل الشوكة هنا السلاح، وقل: النكاية في العدو أ. هـ ذكره المنذري وهذا مثل الدعاء عليه إذا اصيب فلا انجبر أي فلا قدر على انتقاشها فيمتنع عليها السعي للدينار والدرهم
(4)
والله أعلم.
(1)
سورة محمد، الآية:8.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 115).
(3)
النهاية (5/ 115) ومشارع الأشواق (ص 412 - 413).
(4)
مشارع الأشواق (ص 413).
قوله صلى الله عليه وسلم: "طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه" قال الحافظ
(1)
: طوبى اسم الجنة، وقيل: اسم شجرة فيها، وقيل: فعلى من الطيب وهو الأظهر
(2)
، أ. هـ.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "آخذ بعنان فرسه في سبيل الله" الْعَنَان: بِكَسْر الْعين، وهو ما تقاد به الدابة، كاللجام ونحوه، والعنان بفتح العين السحاب.
قوله: أشعث رأسه مغبرة قدماه، شعث الرأس هو قلة تعاهدها بالدهن ونحوه وإغبار القذم معروف.
قوله: "إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة". هذا بيان لحال هذا العبد وانه ممتثل مطيع لأمر الإمام المطاع، وأراد بالحراسة حراسة العدو وهي تكون في مقدمة الجيش والمراد بالساقة ساقة الجيش أي مؤخره وإنما ذكر الحراسة والساقة لأنهما أشد مشقة وأكثر آفة من غيرهما، الأول: عند دخولهم في دار الحرب والآخر عند خروجهم منها
(3)
والله اعلم.
1915 -
وَعنهُ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من خير معاش النَّاس لَهُم رجل يمسك بعنان فرسه فِي سَبِيل الله يطير على مَتنه كلما سمع هيعة أَو فزعة طَار على مَتنه يَبْتَغِي الْقَتْل أَو الْمَوْت مظانه وَرجل فِي غنيمَة فِي شعفة من هَذِه الشعفاء وبطن وَاد من هَذِه الأودية يُقيم الصَّلَاة ويؤتي الزَّكاة ويعبد ربه حَتَّى
(1)
فتح الباري لابن حجر (6/ 3).
(2)
مشارع الأشواق (ص 413).
(3)
عمدة القارى (14/ 172).
يَأْتِيهِ الْيَقِين لَيْسَ من النَّاس إِلَّا فِي خير رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ
(1)
.
متن الْفرس ظَهره. والهيعة بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء كل مَا أفزع من جَانب الْعَدو من صَوت أَو خبر. والشعفة بالشين الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة مفتوحتين هِيَ رَأس الْجَبَل.
قوله: وعنه رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من خير معاش الناس لهم" الحديث، المعاش هو العيش وهو الحياة وتقديره والله أعلم من خير أحوال عيشهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله وتقدم معنى العنان.
قوله: "يطير على متنه" وقد فسره الحافظ
(2)
: فقال متن الفرس ظهره أ. هـ، ومعناه: يسرع على ظهره.
قوله: "كلما سمع هيعة" والهيعة، قال الحافظ
(3)
: كل ما أفزع [من] جانب العدو من صوت أو خبر، أ. هـ، وقال غيره: الصوت الذي يفزع ويجزع منه ويخاف، أ. هـ.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أو فزعه" بإسكان الزاي النهوض إلى العدو.
وقوله "طار على متنه" أ يسرع راكبا على ظهره قال في النهاية
(4)
أي يجريه
(1)
مسلم (1889)، والنسائي في الكبرى (8830)، وأحمد (9723).
(2)
فتح الباري لابن حجر (6/ 143).
(3)
فتح الباري لابن حجر (6/ 37).
(4)
ينظر: النهاية (3/ 150).
في الجهاد واستعار له الطيران ومنه حديث وابصة فلما قتل عثمان طار قلبي نطاره أي مال إلى جهة يهواها وتعلق بها، والمطار موضع الطيران قاله في النهاية
(1)
.
قوله: "يبتغي القتل أو الموت مظانه" والمظان جمع مظنة بالكسر وهي موضع الشيء ومعدنه أي المواضع التي يعلم فيها القتال والموت ومعناه يطلبه في مواطنه التي يرجى فيها لشدة رغبته في الشهادة.
قوله: "ورجل في غنيمة" والغنيمة تصغير الغنم أي قطعة منها وهو مؤنث سماعي ولذلك صغر بالتاء.
قوله: "في شعفة من هذه الشعفاء" قال الحافظ
(2)
: الشعفى هي رأس الجبل أ، هـ، قال غيره: وشعفة كل شيء أعلاه والمراج هنا رأس جبل من الجبال والجمع شعف وشعاف وشعوف.
قوله: "ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين" واليقين في الأصل هو العلم الثابت الذي زال عنه الشك والمراد به هنا الموت لتحققه عن كل أحد وزوال الشك عنه ففي هذا الحديث فضيلة الجهاد والرباط والحرص على الشهادة.
1916 -
وَعَن أم مَالك البهزية رضي الله عنها قَالَت ذكر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فتْنَة فقربها قَالَت قلت يَا رَسُول الله من خير النَّاس فِيهَا قَالَ رجل فِي مَاشِيَة يُؤَدِّي حَقّهَا ويعبد ربه وَرجل آخذ بِرَأْس فرسه يخيف الْعَدو ويخيفونه رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن
(1)
المصدر السابق.
(2)
فتح الباري لابن حجر (6/ 143).
رجل عَن طَاوس عَن أم مَالك وَقَالَ حَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه وَرَوَاهُ لَيْث بن أبي سليم عَن طَاوس عَن أم مَالك انْتهى
(1)
.
1917 -
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مُخْتَصرا من حَدِيث أم مُبشر تبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ خير النَّاس منزلَة رجل على متن فرسه يخيف الْعَدو ويخيفونه
(2)
.
قوله: وعن أم مالك البهزية رضي الله عنها، وأم مالك هذه ليس لها في الكتب الستة غير هذا الحديث وهو عند الترمذي خاصة.
قولها: إنه صلى الله عليه وسلم ذكر فتنة فقربها قالت قلت يا رسول الله من خير الناس فيها قال "رجل في ماشية يؤدي حقها ويعبد ربه" المراد بالحق هنا الزكاة.
قوله: "ورجل آخذ برأس فرسه يخيف العدو ويخيفونه" تقدم معناه في الحديث قبله ورواه البيهقي مختصرا من حديث أم بشير، وأم بشير هذه هي بنت البراء بن معرور قاله ابن النحاس عفا الله عنه.
(1)
أحمد (27353)، والطبراني في الكبير (260)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1769).
(2)
البيهقي في شعب الإيمان (4291)، والطبراني (25/ رقم 271).