المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٨

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌التَّرْغِيب فِي الاقتصاد فِي طلب الرزق والإجمال فِيهِ وَمَا جَاءَ فِي ذلّ الْحِرْص وَحب المَال

- ‌[التَّرْغِيب فِي طلب الْحَلَال وَالْأكل مِنْهُ والتَّرهيب ما اكْتِسَاب الْحَرَام وَأكله ولبسه وَنَحْو ذَلِك]

- ‌[الترغيب في الورع وترك الشبهات وما يحوك في الصدور]

- ‌[الترغيب في السماحة في البيع والشراء وحسن التقاضي والقضاء]

- ‌[الترغيب في إقالة النادم]

- ‌[الترهيب من بخس الكيل والوزن]

- ‌[الترهيب من الغش والترغيب في النصيحة في البيع وغيره]

- ‌[الترهيب من الاحتكار]

- ‌[ترغيب التجار في الصدق وترهيبهم من الكذب ومن الحلف وإن كانوا صادقين]

- ‌[الترهيب من خيانة أحد الشريكين الآخرة]

- ‌[الترهيب من التفريق بين الوالدة وولدها بالبيع ونحوه]

- ‌[الترهيب من الدين وترغيب المستدين والمتزوج أن ينوبا الوفاء والمبادرة إلى قضاء دين الميت]

- ‌[الترهيب من مطل الغني والترغيب في إرضاء صاحب الدين]

- ‌[الترغيب في كلمات يقولهن المديون والمهموم والمكروب والمأسور]

- ‌[الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس]

- ‌[الترهيب من الربا]

- ‌[الترهيب من غصب الأرض وغيرها]

- ‌[الترهيب من البناء فوق الحاجة تفاخرا وتكاثرا]

- ‌[الترهيب من منع الأجير أجره والأمر بتعجيل إعطائه]

- ‌[ترغيب المملوك وأداء حق اللّه تعالى وحق مواليه]

- ‌[ترهيب العبد من الإباق من سيده]

- ‌[الترغيب في العتق والترهيب من اعتباد الحر أو بيعه]

- ‌(فصل)

- ‌كتاب النكاح

- ‌الترغيب في غض البصر والترهيب من إطلاقه ومن الخلوة

- ‌[الترغيب في النكاح سيما بذات الدين الولود]

- ‌فصل

- ‌فصل يذكر فيه خلق آدم وتزويجه بحواء وخروجهما من الجنة وتوبة اللّه عليهما وغير ذلك مما يتعلق بالحديث

- ‌فصل في تزويج آدم بحواء عليها السلام

- ‌فصل في خروج آدم وحواء من الجنة وبكائها وتوبة اللّه عليهما

- ‌[الترهيب من ترجيح إحدى الزوجات وترك العدل بينهم]

- ‌[الترغيب في النفقة على الزوجة والعيال والترهيب من إضاعتهم وما جاء في النفقة على البنات وتأديبهن

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌[الترغيب في الأسماء الحسنة وما جاء في النهي عن الأسماء القبيحة وتغييرها]

- ‌[فصل]

الفصل: ‌[الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس]

[الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس]

2817 -

عَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من حلف على مَال امرء مُسلم بِغَيْر حَقه لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان قَالَ عبد الله ثمَّ قَرَأَ علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}

(1)

إِلَى آخر الآية زَاد فِي رِوَايَة بِمَعْنَاهُ قَالَ فَدخل الأشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ فَقَالَ مَا يُحَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن فَقُلْنَا كَذَا وَكَذَا قَالَ صدق أَبُو عبد الرَّحْمَن وَكَانَ بيني وَبَين رجل خُصُومَة فِي بِئْر فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم شَاهِدَاك أَو يَمِينه قلت إِذا يحلف وَلا يُبَالِي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يَمِين صَبر يقتطع بهَا مَال امرئ مُسلم هُوَ فِيهَا فَاجر لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان وَنزلت {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إِلَى آخر الآيَة رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه مُخْتَصرا

(2)

.

قوله: عن ابن مسعود رضي الله عنه: تقدم الكلام عليه.

(1)

سورة آل عمران، الآية:77.

(2)

أخرجه البخاري (2356 و 2357) وفي (2416 و 2417) و 3 (2666 و 2667) وفي (2515 و 2516) و (2669 و 2670) و (2676 و 2677) و (4549 و 4550) و (6659 و 6660) و (6676 و 6677) و (7183 و 7184) ومسلم (220 و 221 و 222 - 138)، وأبو داود (3243) و (3621)، وابن ماجه (2322)، والترمذي (1269) و (2996)، والنسائي في الكبرى (5949) و (5951) و (10945).

ص: 348

قوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على مال امرء مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان" الغضب تغير يحصل عند غليان دم القلب لشهوة الانتقام وهذا على الله تعالى محال وها هنا قاعدة كلية وهي أن الأغراض النفسانية نحو الرحمة والفرح والسرور والغضب والحياء والغيرة والمكر والخداع والاستهزاء لها أوائل ولها غايات ومتاله الغضب أوله غليان دم القلب وغايته إرادة إيصال الضرر إلى المغضوب عليه فلفظ الغضب لا يحمل على أولى في حق الباريء سبحانه وتعالى بل على غايته فمعنى قوله "لقى الله وهو عليه غضبا" وهو يريد انتقامه وإيصال الضرر إليه.

قوله: في حديث ابن مسعود في آخره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد لك أو يمينه معناه لك ما يشهد به شاهداك أو يمينه.

قوله: "يحلف ولا يبالي" يجوز في يحلف نصب الفاء ورفعها وذكر الإمام أبو الحسن بن خروف في شرح الجمل إن الرواية فيه برفع الفاء والله أعلم.

قوله: أيضا في آخر الحديث ابن مسعود على يمين (صبر) هو فيها فاجر أي متعمد الكذب.

قوله: زاد في رواية قال: فدخل الأشعث بن قيس الكندي فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن فقلنا وكذا وكذا قال صدق أبو عبد الرحمن الأشعث لقب الأشعث

(1)

رأسه وكنيته: أبو محمد الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن الحارث بن معاوية بن

(1)

ترجمته: الاستيعاب 1/ ترجمة 135، وأسد الغابة 1/ ترجمة 185، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ ترجمة 61.

ص: 349

الحارث الأصغرن، معاوية بن الحارث الأكبر فذكره إلى أن قال ابن ثوري بن عفير هو كندة وإنما قيل له كندة لأنه كند أباه النعمة أي كبر ومنه قوله: تعالى إن الإنسان لربه لكنود وفد الأشعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشرة من الهجرة في وفد كنده وكانوا ستين راكبا فأسلموا ورجع إلى اليمن وكان الأشعث ممن إرتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم فبعث أبو بكر الصديق رضي الله عنه: الجنود إلى اليمن فأسروه وأحضر بين يديه فأسلم (وقال: استبقنى لحربك وزوجنى أختك، فأطلقه أبو بكر) وزوجه أخته وهي أم محمد بن الأشعث وشهد اليرموك بالشام ثم القادسية بالعراق والمدائن وغير ذلك وسكن الكوفة وشهد صفين مع علي وكان الحسن بن علي زوج ابنته روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم تسعة أحاديث ومناقبه كثيرة مشهورة وتقدم الكلام عليه أبسط من هذه والله أعلم.

2818 -

وَعَن وَائِل بن حجر رضي الله عنه قَالَ جَاءَ رجل من حَضرمَوْت وَرجل من كنْدَة إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ الْحَضْرَمِيّ يَا رَسُول الله إِن هَذَا قد غلبني على أَرض كَانَت لأبي فَقَالَ الْكِنْدِيّ هِيَ أرضي فِي يَدي أزرعها لَيْسَ لَهُ فِيهَا حق فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم للحضرمي أَلك بَيِّنة قَالَ لا قَالَ فلك يَمِينه قَالَ يَا رَسُول الله إِن الرجل فَاجر لا يُبَالِي على مَا حلف عَلَيْهِ وَلَيْسَ يتورع عَن شَيء فَقَالَ لَيْسَ لَك مِنْهُ إِلَا يَمِينه فَانْطَلق ليحلف فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما أدبر لَئِن حلف على مَال ليأكله ظلما ليلقين الله وَهُوَ عَنهُ معرض رَوَاه مسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ

(1)

.

(1)

أخرجه مسلم (223 و 224 - 139)، وأبو داود (3245) و (3623)، والترمذى (1340)، وابن حبان (5074). وقال الترمذي: حديث وائل بن حجر حديث حسن صحيح.

ص: 350

قوله: وعن وائل بن حُجر

(1)

رضي الله عنه بضم الحاء المهملة وسكون الجيم ووائل بن حجر من ملوك حمير قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العلماء: بشر رسول الله أصحابه بقدومه ووصوله بأيام فقال: "يأتيكم وائل بن حجر من أرض بعيدة من حضرموت طائعا راغبا في الله عز وجل وفي رسوله "فلما قدم رحب به وأدناه من نفسه وبسط له رداء وأجلسه مع نفسه وقال: "اللهم بارك في وائل ووالده ثم استعمله على بلاده وأقطعه أرضا" روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى وسبعون حديثا.

قوله: "جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم" الرجل الذي من حضرموت هو ربيعة بن عيدان

(2)

بفتح العين المهملة وبعدها ياء آخر الحروف ساطنة ويقال: عبدان بكسر العين المهلة وباء موحدة له صحبة وشهد الفتح بمصر وأغفله بأن عبد البر في كتابه وحضرموت اسم إقليم تقدم الكلام عليه في الحج والرجل الذي من كنده هو امرؤ القيس

(3)

بن عائس الكندي له صحبة وكان شاعر أو عابس بعين المهملة وبعد الألف باء موحدة

(1)

ترجمته الاستيعاب 4/ ترجمة 2738، وأسد الغابة 5/ ترجمة 5443، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ ترجمة 664، وتهذيب الكمال 30/ ترجمة 6674، والإصابة 6/ ترجمة 9120.

(2)

ترجمته في أسد الغابة 2/ ترجمة 1654، والإصابة 2/ 2636، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 314.

(3)

الاستيعاب 1/ ترجمة 72، وأسد الغابة 1/ ترجمة 225، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ ترجمة 67، والإصابة 1/ ترجمة 250.

ص: 351

وسين مهملة وقال الخطيب البغدادي

(1)

: وليس في الصحابة من يسمى إمرؤ القيس غيره وما قاله خالفه فيه ابن عبد البر فإنه ذكر ابن عابس هذا وذكر بعده إمرء القيس بن الأصبغ الكلبي وقال: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاملا على كلب وذكر أنه خال أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ذكره صاحب التنقيح

(2)

.

قوله: صلى الله عليه وسلم "للحضرمي ألك بينة قال لا قال فلك يمينه" قال يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه وليس يتورع عن شيء فقال ليس لك منه إلا ذلك منه إلا ذلك الحديث أما حديث الحضرمي في الكندي ففيه أنواع من العلوم ففيه أن صاحب اليد أولى من اجنبي يدعى عليه وفيه أن المدعى عليه يلزمه اليمين إذا لم يقر وفيه أن البينه تقدم على اليمين ويقضى لصاحبها بغير يمين وفيه أن يمين الفاجر المدعى عليه تقبل كيمين العدل وتسقط عنه المطالبة بها وفيه أن أحد الخصمين إذا قال: لصاحبه أنه ظالم أو فاجر أو نحوه في خال المخاصمة يحتمل ذلك منه إذ لم ينكره وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم والجمهور ولا يحيزون شيئا من ذلك وينكرونه ويؤدبون عليه تمسكا بقاعدة تحريم السباب والأعراض واعتذروا عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون عليه السلام علم أن المقول له ذلك كان كما

(1)

كلام الحافظ الخطيب البغدادي في الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة (ص 427 - 429)، وكلام ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 104 رقم 72).

(2)

كشف المناهج والتناقيح (3/ 312).

ص: 352

قيل فيه وكان القائل صادقا ولم يقصد أذاه بذلك وإنما قصد أنه ينزجر بذلك (فيرجع) إلى الحق ويحتمل أنه إنما تركه ولم ينهه لأن المقول له لم يطلب حقه في ذلك والصواب الأول.

قوله: فانطلق ليحلف أنه لم يحلف بحضرته صلى الله عليه وسلم بل انطلق ليحلف وهذا دليل على أن اليمين لا تبذل أمام الحاكم بل لها موضوع مخصوص وهو أعظم مواضع البلد كالبيت بمكة والمنبر بالمدينة وبيت المقدس والجوامع في سائر الأمصار باليمين بتافه وخالف أبو حنيفة في ذلك فقال: لا تكون اليمن إلا حيث كان الحاكم وظاهر الحديثان أن المدعي عليه إذا حلف أقطعت حجة خصمه وبقي المدعى عليه في يده وملكه ا. هـ قاله في شرح الإلمام واختلف العلماء في هذه المسألة وهي ما إذا أدعى على غريمه شيئا فأكره وأحلفه ثم أراد إقامة البينة عليه بعد الإحلاف فله ذلك عند الشافعية وعند المالكية ليس له ذلك إلا أن يأتي بعذر في ترك إقامة البينة وربما يتمسكون بقوله صلى الله عليه وسلم شاهد لك أو يمينه ووجه الدلالة منه أن أو تقتضي أحد الشيئين فلو أخرنا إقامة البينة بعد التحليف لكان له الأمران معا أعني اليمين وإقامة البينة، والجواب إن ذلك سبق لبيان حصر الحجة في السببين المذكورين إذا لم تقم للأصل وقد يستدل الحنفية.

بقوله: صلى الله عليه وسلم "شاهد لك أو يمينه على ترك العمل بالشاهدين واليمين" والله أعلم، وفيه أن الوارث إذا ادعى شيئا لموروثة وعلم الحاكم أن موروثة مات ولا وارث له سوى هذا المدعي جاز الحكم له به ولم يكلفه حال الدعوى

ص: 353

بينه على ذلك وموضع الدلالة أنه قال: في الحديث غلبني على أرض كانت لأبي فقد أقر أنها كانت لأبيه فلو علم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ورثها وحده لطالبه بينه على كونه وارثا ثم بينه آخرى على أنه كان محقا في دعواه على خصمه فإن قال: فائدة.

قوله: صلى الله عليه وسلم شاهد لك أو يمينه معناه شاهد لك على ما تستحق به انتزاعها وإنما يكون ذلك بأن يشهدا يكونه فيرثا وحده وأنه ورث للدار والأرض فالجواب أن هذا خلاف الظاهر ويجوز أن يكون مرادا قاله النووي والله أعلم قال في المفهم: قوله: هي أرض في في يدي زرعها ليس له فيها حق دليل على أن المدعي فيه لا ينزع من يد صاحب السيد بمجرد الدعوى وأنه لا يسأل عن سبب يده ولا سبب ملكه.

قوله: للحضرمي أن بينه وفي رواية شاهد لك أو يمينه دليل على أن المدعي يلزمه لإقامة البينة فإن لم يقمها حلف المدعي عليه وهو أمر متفق عليه ولحديث البينة على المدعى واليمين على من أنكر.

قوله: "أن الرجل فاجر" الحديث أي كاذب جرى على الكذب ليس يتورع من شيء، الورع الكف.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لئن حلف على مال ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض" الرواية الآخرى وهو عليه غضبان فقال العلماء: الإعراض والغضب والسخط من الله تعالى هو إرادته إبعاد ذلك المغضوب عليه من رحمته وتعذيبه وإنكار فعله وذمه والله أعلم.

ص: 354

2819 -

وَعَن الأشْعَث بن قيس رضي الله عنه: أَن رجلا من كنْدَة وَآخر من حَضرمَوْت اخْتَصمَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي أَرض من الْيمن فَقَالَ الْحَضْرَمِيّ يَا رَسُول الله إِن أرضي اغتصبنيها أَبُو هَذَا وَهِي فِي يَده قَالَ هَل لَك بَيِّنه قَالَ لا وَلَكِن أحلفه وَالله مَا يعلم أنَّهَا أرضي اغتصبنيها أَبوهُ فتهيأ الْكِنْدِيّ للْيَمِين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يقتطع أحد مَالا بِيَمِين إِلَا لَقِي الله وَهُوَ أَجْذم فَقَالَ الْكِنْدِيّ هِيَ أرضه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن مَاجَه مُخْتَصرا قَالَ من حلف على يَمِين ليقتطع بهَا مَال امرئ مُسلم هُوَ فِيهَا فَاجر لَقِي الله أَجْذم

(1)

.

قوله: وعن الأشعث بن قيس رضي الله عنه الكندي كان رئيس كنده مطاعا في قومه مات بالكوفة وصلى عليه الحسن بن علي رضي الله عنهما وتقدم الكلام عليه في أول الباب.

قوله: "أن رجلا من كندة وآخر من حضرموت اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض من اليمن" تقدم الكلام على ذلك في الحديث قبله.

قوله: صلى الله عليه وسلم "من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم" أي يأخذه لنفسه متملكا.

(1)

أخرجه أبو داود (3244) و (3622)، والنسائى في الكبرى (5959)، وابن الجارود في المنتقى (1005)، وابن المنذر في الأوسط (6582)، والطحاوى في مشكل الآثار (4479)، والبيهقى في الصغير (4/ 167 رقم 3333) والكبرى (10/ 304 رقم 20720). وصححه في صحيح أبي داود والإرواء (8/ 262 - 263)، وضعفه في ضعيف الترغيب (1154).

ص: 355

هو قوله: هو فيها فاجر (فيه بيان غلظ تحريم حقوق المسلمين وأنه لا فرق بين قليل الحق وكثيره لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: وإن قضيب من سواك).

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين هو فيها فاجر فالتعبير بكونه فاجرا لا بد منه ومعناه وهو آثم ولا يكون آثما إلا إذا كان متعمدا عالما بأنه غير محق وفيه لطيفة وهي أن قوله صلى الله عليه وسلم "حق امرئ مسلم يدخل فيه من حلف على غير مال كجار الميتة والسرجس" وغير ذلك من النجاسات التي ينتفع بها وكذا سائر الحقوق التي ليست بمال كحد القذف ونصب الزوجة في القسم وغير ذلك وأما تقييده صلى الله عليه وسلم بالمسلم فليس يدل على عدم تحريم حق الذمي بل معناه أن هذا الوعيد الشديد وهو أن يلقي الله تعالى وهو عليه غضبان لمن اقتطع حق المسلم وأما الذمي فاقتطاع حقه حرام لكن ليس يلزم وأن يكون فيه هذه العقوبة العظيمة هذا كله على مذهب من يقول بالمفهوم وأما من لا يقول به فإنه فلا يحتاج إلى التأويل وقال القاضي عياض رحمه الله

(1)

: تخصيص المسلم لكونه المخاطب وعامة المتعاملين في الشريعة لا أن غير المسلم بخلافه بل حكمه حكمه في ذلك والله أعلم ثم إن هذه العقوبة لمن اقتطع حق المسلم ومات قبل التوبة أما من تاب فندم على فعله ورد الحق إلى صاحبه وتحلل منه وعزم أن لايعود فقد سقط عنه الإثم والله أعلم، وفي هذا الحديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجماهير أن حكم

(1)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 434).

ص: 356

الحاكم لا يبيح الإنسان ما لم يكن له خلافا لأبي حنيفة رحمه الله.

قوله: "لقي الله وهو أجذم" أجذم بالذال المعجمة وتقدم تفسيره.

2820 -

وَعَن أبي مُوسَى رضي الله عنه: قَالَ اخْتصم رجلانِ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي أَرض أَحدهمَا من حَضرمَوْت قَالَ فَجعل يَمِين أَحدهمَا فَضَجَّ الآخر قَالَ إِذا يذهب بأرضي فَقَالَ إِن هُوَ اقتطعها بِيَمِينِهِ ظلما كَانَ مِمَّن لا ينظر الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة وَلا يُزَكِّيه وَله عَذَاب أَلِيم قَالَ وورع الآخر فَردهَا رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير

(1)

وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا بِنَحْوِهِ من حَدِيث عدي بن عميرَة إِلَّا أَنه قَالَ خَاصم رجل من كِنْدَة يُقَال لَهُ امرء الْقَيْس بن عَابس رجلا من حَضرمَوْت فَذكره وَرُوَاته ثِقَات

(2)

قَالَ الْحَافِظ عبد

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 4/ 463 (22145)، وأحمد 4/ 394 (19823)، وعبد بن حميد (538)، ومحمد بن عاصم في جزئه (13)، والرويانى (484)، والبزار (3163)، وأبو يعلى (7274)، وأبو الفضل الزهرى في حديثه (288)، والطبرانى في الأوسط (2/ 19 رقم 1090). قال الطبرانى: لم يرو هذا الحديث عن أبي بردة إلا ثابت، تفرد به: جعفر. قال الهيثمي في المجمع 4/ 178: رواه أحمد، والبزار، وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط، وإسناده حسن. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1829).

(2)

أخرجه أحمد 4/ 191 (17993)، ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2444) و (2445)، والنسائي في الكبرى (5953)، والطحاوي في مشكل الآثار (4478)، والطبراني في الكبير 17/ 108 (265)، والدارقطني (4342) و (4343) و (4500)، والبيهقي في الكبرى 10/ 300 (20708) و 10/ 430 (21211 و 21212)، وفي الشعب (6/ 479 - 480 رقم 4499). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1830).

ص: 357

الْعَظِيم وَقد وَردت هَذِه الْقِصَّة من كير مَا وَجه وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كفَايَة ورع بِكَسْر الرَّاء أَي تحرج من الإِثْم وكف عَمَّا هُوَ قَاصد وَيحْتَمل أَنه بِفَتْح الرَّاء أَي جبن وَهُوَ بِمَعْنى ضمهَا أَيْضا وَالأول أظهر.

قوله: وعن أبي موسى الأشعري

(1)

هو عبد الله بن قيس بن سليم الصحابي الكوفي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قبل هجرته إلى المدينة وأم أبي موسى اسمها طيبة بنت وهب أسلمت وتوفيت بالمدينة وأسلم أبو موسى ثم هاجر إلى الحبشة ثم هاجر إلى رسول الله مع أصحاب السفينة بعد فتح خبير فأسهم له منها ولم يسهم لأحد غاب عن فتحها غيره قال الإمام الحافظ أبو بكر بن أبي داود السجستاني

(2)

في كتاب شريعة القاري لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه مع حسن صوته بالقراءات فضيلة ليست لأحد من الصحابة هاجر ثلاث هجرات هجرة من اليمن إلى رسول الله وهجرة من مكة إلى الحبشة وهجرة من الحبشة إلى المدينة وقال غيره: استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن وساحل اليمن واستعمله عمر بن الخطاب على الكوفة والبصرة وشهد وفاة عبيدة بالأردن وقدم دمشق على معاوية روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وستون حديثا اتفق البخاري ومسلم منها على خمسين وانفرد البخاري بخمسة عشرة توفي بمكة وقيا

(1)

ترجمته: الاستيعاب 3/ 1639، وأسد الغابة 3/ 3137، وتهذيب الكمال 15/ 3491، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 871، والإصابة 4/ 4916.

(2)

نقله النووي في تهذيب الأسماء واللغات 2/ 268.

ص: 358

بالكوفة سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين وقيل غير ذلك قال قتادة: قدم أبو موسى البصرة والياء من جهة عمر بن الخطاب سنة عشرة بعد عذل المغيرة ثم كتب إليه عمر أن يسير إلى الأهواز فأتاها فافتتحتها عنوة وقيل صلحا وافتتح أصبهان سنة ثلاث وعشرين والله أعلم.

قوله: "اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض أحدهما من حضرموت" تقدم الكلام على ذلك.

قوله: "فقال إن هو اقتطعها بيمينه ظلما" أي أخذها لنفسه متملكا.

قوله صلى الله عليه وسلم: "كان ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة" ونزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ}

(1)

الآية عهد الله تعالى ميثاقه وهو لإيجابه على المكلفين أنهم قومون بالحق ويعملون بالعدل والإيمان جمع يمين وهو إلى الحلف بالله تعالى ويشترون معناه يتعاطون فكأنهم يعطون ما أوجب الله عليهم من رعايته العهود والإيمان في شيء قليل حقير من عرض الدنيا والخلاق والحظ والنصيب ولا يكلمهم بما يسرهم ولا يكلمهم.

إعراضا عنهم واحتقارا لهم ولا ينظر إليهم أي لا يثني عليهم كما يثني على من يزكي وقيل لا يطهرهم من الذنوب والأليم الموجع الشديد الألم والله أعلم قال العلماء: يستحب للحاكم أن يقرأ هذه الآية عند تحليف الخصوم وليرتدعوا عن الأيمان الفاجرة.

(1)

سورة آل عمران، الآية:77.

ص: 359

قوله صلى الله عليه وسلم: "وورع الآخر فردها" ورع بكسر الراء أي تحرج من الإثم وكف عما هو قاصده ويحتمل أنه بفتح الراء أي جبن وهو معنى ضمها أيضا والأول أظهر قاله المنذري.

2821 -

وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الْكَبَائِر الإشْرَاك بِالله وعقوق الْوَالِدين وَالْيَمِين الْغمُوس وَفِي رِوَايَة أَن أَعْرَابِيًا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا الْكَبَائِر قَالَ الإِشْرَاك بِالله قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ الْيَمين الْغمُوس قَالَ وَمَا الْيَمين الْغمُوس قَالَ الَّذِي يقتطع مَال امرئ مُسلم يَعْني بِيَمِين هُوَ فِيهَا كَاذب رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ قَالَ الْحَافِظ سميت الْيَمين الكاذبة اَلَّتِي يحلفها الإِنْسَان مُتَعَمدا يقتطع بهَا مَال امرئ مُسلم عَالما أَن الأمر بِخِلاف مَا يحلف غموسا بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة لأنَّهَا تغمس الْحَالِف فِي الإِثْم فِي الدُّنْيَا وَفِي النَّار فِي الآخِرَة

(1)

.

2822 -

وَعَن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أكبر الْكَبَائِر الإِشْرَاك بِالله وعقوق الْوَالِدين وَالْيَمِين الْغمُوس وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يحلف رجل على مثل جنَاح بعوضة إِلَا كَانَت كيا فِي قلبه يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ وَالْبَيْهَقِيّ إِلَا أَنه قَالَ فِيهِ وَمَا حلف حَالف بِالله يَمِين صَبر فَأدْخل فِيهَا مثل جنَاح بعوضة إِلَّا جعلت نُكْتَة فِي قلبه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيثه

(1)

أخرجه البخاري (6675) و (6870) و (6920)، والترمذى (3021)، والنسائى في المجتبى 6/ 490 (4046) و 7/ 443 (4912). ولم يدرج المصنف تحته شرحا.

ص: 360

وَمَا حلف حَالف بِالله يَمِين صَبر فَأدْخل فِيهَا مثل جنَاح بعوضة إِلَّا جعلت نُكْتَة فِي قلبه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

(1)

.

قوله: وعن عبد الله بن أنيس كنيته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده" تقدم الكلام على ذلك.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلف رجل على مثل جناح بعوضة إلا كانت نكته في قلبه يوم القيامة" النكته بالتاء المثناة فوق كالنقطة وقيل شبه الوسخ في المرءاة.

قوله: قال الترمذي في حديثه: وما حلف حالف بالله يمين صبر هو بإضافة يمين إلى صبر ويمين الصبر هي التي يحبس الحالف نفسة عليها وتحبس صاحب الحق عن حقه والصبر والحبس ويقال: لهذه اليمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في الإثم وفي جهنم ومذهبنا وجوب الكفارة في اليمين الغموس.

2823 -

وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نعد من الذَّنب الَّذِي لَيْسَ لَهُ كفَّارَة الْيَمين الْغمُوس قيل وَمَا الْيَمين الْغمُوس قَالَ الرجل يقتطع بِيَمِينِهِ مَال

(1)

أخرجه أحمد 3/ 495 (16289)، والترمذي (3020) والطحاوي في مشكل الآثار (893) وابن أبي حاتم في تفسيره (5199) والخرائطي في مساوئ الأخلاق (124)، وابن حبان (5563)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 344)، والطبراني في الكبير (14/ 297 رقم 349) والأوسط (3/ 305 رقم 3237) والحاكم (4/ 296) وأبو نعيم في الحلية (7/ 327) والبيهقي في الشعب (6/ 482 رقم 4502).

وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقال الألباني: حسن صحيح - صحيح الترغيب (1832)، المشكاة (3777/ التحقيق الثاني)، الصحيحة (3364).

ص: 361

الرجل رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا

(1)

.

قوله: "عن ابن مسعود رضي الله عنه" تقدم الكلام عليه.

قوله رضي الله عنه: "كنا نعد من الذنب الذي ليس له كفارة اليمين الغموس قيل وما اليمين الغموس قال الرجل يقتطع بيمينه مال الرجل" وتقدم المعنى.

2824 -

وَعَن الْحَارِث بن البرصاء رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْحَج بَين الْجَمْرَتَيْن وَهُوَ يَقُول من اقتطع مَال أَخِيه بِيَمِين فاجرة فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ليبلغ شاهدكم غائبكم مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا رَوَاهُ أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَاللَّفْظ لَهُ وَهُوَ أتم وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَابْن حبَان فِي صَحِيحه إِلَّا أنَّهُمَا قَالا فَليتبَوَّأ بَيْتا فِي النَّار

(2)

.

قوله: "وعن الحارث بن البرصاء رضي الله عنه " هو الحارث بن مالك بن البرصا الليثي

(3)

له صحبة سكن مكة شرفها الله تعالى والبرصا أمه وقيل جدته أم أبيه

(1)

أخرجه أحمد بن منيع كما في إتحاف الخيرة (5/ 356) والمطالب العالية (1780)، وابن المنذر في الأوسط (8926)، والبغوى في الجعديات (1408)، والحاكم 4/ 296، والبيهقى في الكبرى (10/ 67 رقم 19883). وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1833).

(2)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 258)، وحنبل في جزئه (69)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (908)، والطحاوى في مشكل الآثار (446) و (5932)، وابن حبان (5165)، والطبرانى في الكبير (3/ 256 رقم 3330)، والحاكم 4/ 294 - 295، وتمام في الفوائد (1339)، وابن بشران في مجلسان من أماليه (8). وصححه الحاكم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1834).

(3)

ترجمته: الاستيعاب 1/ ترجمة 406، وأسد الغابة 1/ ترجمة 956، وتهذيب الكمال 5/ ترجمة 1040، والإصابة 1/ ترجمة 1482.

ص: 362

زوله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "في الحج بين الجمرتين وهو يقول من اقتطع مال أخيه بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار" تقدم تفسير هذه الألفاظ في أماكن متفرقة والله أعلم.

2825 -

وَعَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الْيَمين الْفَاجِرَة تذْهب المَال أَو تذْهب بِالْمَالِ رَوَاهُ الْبَزَّار وَإِسْنَاده صَحِيح لَو صَحَّ سَماع أبي سَلمَة من أَبِيه عبد الرَّحْمَن بن عَوْف

(1)

.

قوله: وعن عبد الرحمن بن عوف

(2)

رضي الله عنه. كنيته أبو محمد عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشي الزهري المدني كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو وقيل عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن أمه الشفاء بنت عوف هو أحد العشرة واحد الخمسة الذين أسلموا على يد الصديق ولد رضي الله عنه بعد الفيل بعشر سنين أسلم عبد الرحمن قديما قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهذا أحد العشرة الذين

(1)

أخرجه البزار (1034). وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عبد الرحمن بن عوف، إلا من هذا الوجه ولا نعلم أسند هشام بن حسان، عن يحيى بن أبي كثير، غير هذا الحديث ولا نعلم رواه عن هشام إلا ابن علاثة، وابن علاثة هذا لين الحديث.

وقال الهيثمي في المجمع 4/ 179: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح إلا أن أبا سلمة لم يصح سماعه من أبيه، والله أعلم. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1835).

(2)

ترجمته: الاستيعاب 2/ ترجمة 1447، وأسد الغابة 3/ ترجمة 3370، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ ترجمة 357، وتهذيب الكمال 17/ ترجمة 3923، والإصابة 4/ ترجمة 5195.

ص: 363

شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وتوفي رسول الله وهو عنهم راض وكان من المهاجرين الأولين وهاجر الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع وشهد مع رسول الله بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان وسائر المشاهد كلها روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وستون حديثا اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بخمسة أعتق رضي الله عنه: في يوم واحد أحدا وثلاثين عبدا وتصدق بشطر ماله وهو أربعة آلاف درهم ثم تصدق بخمسمائة فرس في سبيل الله عز وجل ثم تصدق بخمسمائة راحلة كان له أربع نسوة صالحت إحداهن على نصيبها من ربع الثمن على ثمانين ألف درهم توفي سنة ثنيتن وثلاثين وقيل إحدى وثلاثين وهو ابن ثنتين وسبعين سنة وقيل خمس وسبعين وقيل ثمان وسبعين ودفن بالبقيع ومناقبه كثيرة مشهورة والله أعلم.

قوله: صلى الله عليه وسلم "اليمين الفاجرة" أي (الكاذبة).

قوله: صلى الله عليه وسلم "تذهب المال أو تذهب بالمال" معناه (أن الحالف بها يفتقر ويذهب ما في بيته من الرزق).

2826 -

وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه. قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ مِمَّا عصي الله بِهِ هُوَ أعجل عقَابا من الْبَغي وَمَا من شَيْء أطيع الله فِيهِ أسْرع ثَوابًا من الصِّلَة وَالْيَمِين الْفَاجِرَة تدع الديار بَلَاقِع رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ

(1)

.

(1)

أخرجه الطبرانى في الأوسط (2/ 19 رقم 1092)، وأبو نعيم في مسند أبى حنيفة (1/ 242)، والقضاعى في مسند الشهاب (255)، والبيهقى في الكبرى (10/ 67 رقم 19870) والشعب (6/ 481 رقم 4551)، وابن الجوزى في البر والصلة (244). =

ص: 364

قوله: وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع" الحديث بلاقع جمع بلقع وبلقعة وهي الأرض التي لا شيء بها يريد القفر أن الحالف بها يفتقر ويذهب ما في بيته من الرزق ومنه حديث عمر فأصبحت الأرض فهي بلاقع وصفها (بالجمع) مبالغة ومنه الحديث "شر النساء البلقعة" أي الخالية من كل خير ا. هـ هذا الحديث نهى عن الإقدام على احتجاب أموال الناس بالأيمان يقول فيمن حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها مال امريء مسلم ويحوز بها ما ليس له أو يدفع بها حقًّا عليه عاجلته العقوبة فأجاحته فتركت داره بلاقع أي أفقرته حتى لا يبقى له شيء والبلقع القفر الذي لا شيء فيه وقد كانت العرب تحلف وتستحلف بالنار والملح وهو الذي كانوا يسمونه التهويل فيحلف الرجل على الكرب فيمحق ماله ويثكل ولده وبذلك سمي الحطيم لمكة لأنهم كانوا يحلفون عنده فيحطم المبطل ا. هـ وقال شمر: بلاقع معناه يفتقر الحالف ويذهب ما في يده من المال وقال غيره: هو أن يفرق الله شمله ويغير عليه ما أولاه الله عليه من نعمة والله أعلم.

= قال الدارقطني في العلل (1540): يَرْوِيهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ نَاصِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ قَائِلٌ: عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ نَاصِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ عِكْرِمَةَ. وقال الهيثمي في المجمع 4/ 180: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أبو الدهماء الأصعب وثقه النفيلي، وضعفه ابن حبان. وصححه الألباني في الصحيحة (978) وصحيح الترغيب (1836).

ص: 365

2827 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من لَقِي الله لا يُشْرك بِهِ شَيْئا وَأدّى زَكَاة مَاله طيبَة بهَا نَفسه محتسبا وَسمع وأطاع فَلهُ الْجنَّة أَو دخل الْجنَّة وَخمْس لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَة الشّرك بِالله وَقتل النَّفس بِغَيْر حق وبهت مُؤمن والفرار من الزَّحْف وَيَمِين صابرة يقتطع بهَا مَالا بِغَيْر حق رَوَاهُ أَحْمد وَفِيه بَقِيَّة وَلم يُصَرح بِالسَّمَاعِ

(1)

.

قوله: عن أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه تقدم

قوله صلى الله عليه وسلم: "خمس ليس لهن كفارة الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وبهت مؤمن" سيأتي الكلام على بهت المؤمن في باب الغيبة.

قوله: "والفرار من الزحف" تقدم الكلام على ذلك في الجهاد.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ويمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق" تقدم الكلام على ذلك قوله: وفيه بقية (بن الوليد مشهور بالتدليس ولم يصرح بالسماع).

2828 -

وَعَن عمرَان بن حُصَيْن رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من حلف على يَمِين مصبورة كَاذِبَة فَلَيتبَوَّأ مَقْعَده من النَّار رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا

(2)

.

(1)

أخرجه إسحاق مختصرا (336)، وأحمد 2/ 362 (8858)، وابن أبي عاصم في الجهاد (278) وفي الديات ص 18، وابن أبي حاتم في العلل (1005)، والطبرانى في مسند الشاميين (2/ 187 رقم 1161) و (2/ 200 رقم 1183)، وأبو الشيخ في التوبيخ والتنبيه (211)، وابن شاهين في جزئه (17). قال الهيثمي في المجمع 1/ 102 و 10/ 188 - 189: رواه أحمد، وفيه بقية، وهو مدلس وقد عنعنه. وضعفه الألباني في الإرواء (2568) وحسنه في صحيح الترغيب (1339) و (1836) و (2846).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 463 (22150)، وأحمد 4/ 436 (20231) و 4/ 441 =

ص: 366

قَالَ الْخطابِيّ

(1)

: الْيَمين المصبورة هِيَ اللَّازِمَة لصَاحِبهَا من جِهَة الحكم فيصبر من أجلهَا إِلَى أَن يحبس وَهِي يَمِين الصَّبْر وأصل الصَّبْر الْحَبْس وَمِنْه قَوْلهم قتل فلان صبرا أَي حبسا على الْقَتْل وقهرا عَلَيْهِ.

قوله: وعن عمران بن حصين رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: تقدم الكلام على ذلك صلى الله عليه وسلم "من حلف على يمين مصبورة كاذبة" وفي حديث آخر "من حلف على يمين صبر (أي ألزم بها) وحبس عليها وقيل (لها مصبورة) " وان كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها أي حبس فوضعت بالصبر فأضيعت إليه مجازا قاله في النهاية

(2)

اليمين المصبورة هي اللازمة لصاحبها من جهة الحكم فيصبر من أجلها إلى أن يحبس وهي يمين الصبر وأصل الحبس ومنه قولهم قتل فلان صبرا أي حبسا على القتل وقهرا عليه ا. هـ قاله المنذري وقال غيره: الصبر الحبس ومنه قولهم قتل فلان صبرا أي حبسا على القتل وقهرا عليه ا. هـ وقال غيره: الصبر الحبس أي قتل وهو مأسور محبوس للقتل لا في معركة ا. هـ، وقال بعضهم:

= (20286)، وأبو داود (3242)، والبزار (3611) والروياني في مسنده (139)، والسراج (467)، والطبراني في الكبير 18/ 187 - 188 (445) و (446)، وأبو الطاهر المخلص (2868)، والحاكم 4/ 294، وأبو نعيم في الحلية 6/ 277، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم 1/ 172. وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في الصحيحة (2332) وصحيح الترغيب (1837).

(1)

معالم السنن (4/ 44).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 8).

ص: 367

أيضا هي التي ألزم الحالف عند حاكم ونحوه وأصل الصبر الحبس والإمساك، أ. هـ.

2829 -

وَعَن عبد الله بن ثَعْلَبَة أَنه أَتَى عبد الرَّحْمَن بن كعْب بن مَالك رضي الله عنه: وَهُوَ فِي إِزَار خَز ذِي طاق خلق قد التبب بِهِ وَهُوَ أعمى يُقَاد قَالَ فَسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ هَل سَمِعت أَبَاك يحدث بِحَدِيث قلت لا أَدْرِي قَالَ سَمِعت أَبَاك يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من اقتطع مَال امرئ مُسلم بِيَمِين كَاذِبَة كَانَت نُكْتَة سَوْدَاء فِي قلبه لَا يغيرها شَيْء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الْحَاكم وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد

(1)

.

قوله: وعن عبد الله بن ثعلبة أنه أتى عبد الرحمن بن كعب بن (مالك أبو الخطاب الأنصارى السلمى، بفتح السين واللام، المدنى التابعى، سمع أباه، وجابرًا. روى عنه صالح بن رستم، والزهرى، وغيرهما، وهو ثقة. روى له البخاري، ومسلم. توفى في خلافة سليمان بن عبد الملك، وقيل: في خلافة هشام، رحمه الله.

قوله: أنه أتى عبد الرحمن بن كعب بن مالك "وَهُوَ فِي إِزَار خَز ذِي طاق خلق قد التبب بِهِ وَهُوَ أعمى يُقَاد قَالَ فَسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ هَل سَمِعت أَبَاك

(1)

أخرجه الحارث كما في الزوائد (457)، والطبرانى في الكبير (1/ 275 رقم 801) ومن طريقه أبو موسى المديني في اللطائف (566)، والحاكم 4/ 294. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في الصحيحة (3364) وصحيح الترغيب (1838) وصحيح الجامع (1714).

ص: 368

يحدث بِحَدِيث قلت لا أَدْرِي قَالَ سَمِعت أَبَاك" هو ثعلبة بن عبد الله الأنصاري وقيل: البلوي، حليف الأنصاري، روى عنه: ابنه عبد الله، وعبد الرحمن بن كعب بن مالك.

قوله: "وهو في إزار خز ذي طاق خلق قد التبب به" الالتباب هو (جمع الثوب الذي هو لابسه) صلى الله عليه وسلم من اقتطع مال إمرئ مسلم بيمين كاذبة كانت نكته سوداء في قلبه لا يغيرها شيء إلى يوم القيامة تقدم الكلام على تفسير النكتة.

2830 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله جلّ ذكره أذن لي أَن أحدث عَن ديك قد فرقت رِجْلَاهُ الأرْض وعنقه مثنى تَحت الْعَرْش وَهُوَ يَقُول سُبْحَانَكَ مَا أعظمك رَبنَا فَيرد عَلَيْهِ مَا علم ذَلِك من حلف بِي كَاذِبًا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد

(1)

.

2831 -

وَعَن جَابر بن عتِيك رضي الله عنه: أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من اقتطع مَال امرئ مُسلم بِيَمِينِهِ حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة وَأوجب لَهُ النَّار قيل يَا رَسُول الله وَإِن كَانَ شَيْئا يَسِيرا قَالَ وَإِن كَانَ سواكا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَاللَّفْظ لَهُ

(1)

أخرجه الطبرانى في الأوسط (7/ 220 رقم 7324)، وأبو الشيخ في العظمة (524) و (1248)، والحاكم 4/ 297. وصححه الحاكم.

وقال الهيثمي في المجمع 4/ 180 - 181: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. وقال في 8/ 134: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح إلا أن شيخ الطبراني محمد بن العباس بن الفضل بن سهيل الأعرج لم أعرفه. وصححه الألباني في الصحيحة (150) وصحيح الترغيب (1839).

ص: 369

وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد

(1)

.

قوله: وعن جابر بن عتيك رضي الله عنه، تقدم ذكره في فضل الشهداء.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه" ومعنى بيمينه: أي بحلفه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "حرَّم الله عليه الجنة وأوجب له النار" فيه جوابان للعلماء مذكوران كما في نظائره، أحدهما: أنه محمول على المستحل لذلك إذا مات على ذلك فإنه كفر ويخلد في النار، والثاني: أن معناه أن هذا جزاؤه وما يستحقه ويجوز العفو عنه وقد حرم عليه دخول الجنة أول وهلة مع الفائزين، أ. هـ؛ وقال العلماء أيضًا ثم ما ورد من الوعيد على هذا المنوال لا يحكم به في حق المؤمن إلا أن يحمل على تحريمها في وقت دون التأبيد وإنما يخرجه الشرع هذا المخرج تعظيما للأمر ومبالغة في الزجر لأن مرتكب هذه الجريمة قد بلغ في الاعتداء الغاية القصوى حيث انتهك حرمة بعد حرمة، إحداهما: اقتطاع مال لم يكن له ذلك، الثانية: الاستخفاف بحرمة وجب عليه رعايتها وهو حرمة الإسلام وحق الآخرة، الثالثة: الإقدام على اليمين الفاجرة والله أعلم.

(1)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 208)، والطبرانى في الكبير (2/ 192 رقم 1782) و (2/ 192 - 193 رقم 1783 و 1784)، والحاكم في المستدرك 4/ 295. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. قال الهيثمي في المجمع 4/ 181: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح خلا أبا سفيان بن جابر بن عتيك ذكره ابن أبي حاتم، وروى عنه غير واحد من أهل الصحيح، ولم يتكلم فيه أحد. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1840).

ص: 370

2832 -

وَعَن أبي أُمَامَة إِيَاس بن ثَعْلَبَة الْحَارِثِيّ رضي الله عنه: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من اقتطع حق امرئ مُسلم بِيَمِينِهِ فقد أوجب لَهُ النَّار وَحرم عَلَيْهِ الْجنَّة قَالُوا وَإِن كَانَ شَيْئا يَسِيرا يَا رَسُول الله فَقَالَ وَإِن كَانَ قَضِيبًا من أَرَاك رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَرَوَاهُ مَالك إِلَا أَنه كرر وَإِن كَانَ قَضِيبًا من أَرَاك ثَلاثًا

(1)

.

قوله: وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي

(2)

[من بنى الحارث بن الخزرج وقيل إنه بلوي وهو حليف بني حارثة وهو بن أخت أبي بردة بن نيار هذا هو المشهور في اسمه وقال أبو حاتم الرازي اسمه عبد الله بن ثعلبة ويقال ثعلبة بن عبد الله ثم اعلم أن هنا دقيقة لابد من التنبيه عليها وهي أن الذين صنفوا في أسماء الصحابة رضي الله عنهم ذكر كثير منهم أن أبا أمامة هذا الحارثي رضي الله عنه توفي عند انصراف النبي صلى الله عليه وسلم من أحد فصلى عليه ومقتضى هذا التاريخ أن يكون هذا الحديث الذي رواه مسلم منقطعا فإن عبد الله بن كعب تابعي فكيف يسمع من توفي عام أحدفي السنة الثالثة من الهجرة ولكن هذا النقل في وفاة أبي أمامة ليس بصحيح فإنه صح عن عبد الله بن كعب أنه قال حدثني

(1)

أخرجه مالك في الموطأ (2129)، وأحمد 5/ 260 (22669) و (22670) و 5/ 463 (24410) و (24411)، والدارمي (2805) و (2806)، ومسلم (218 و 219 - 137)، وابن ماجه (2324)، والنسائى في المجتبى 8/ 316 (5463).

(2)

ترجمته: الاستيعاب 1/ ترجمة 131 و 4/ ترجمة 1601، وأسد الغابة 1/ ترجمة 335 و / ترجمة 5696، وتهذيب الكمال 33/ ترجمة 7213، والإصابة 1/ ترجمة 374 و 7/ ترجمة 9545.

ص: 371

أبو أمامة كما ذكره مسلم في الرواية الثانية فهذا تصريح بسماع عبد الله بن كعب التابعي منه فبطل ما قيل في وفاته ولو كان ما قيل في وفاته صحيحا لم يخرج مسلم حديثه ولقد أحسن الإمام أبو البركات الجزري المعروف بابن الأثير حيث أنكر في كتابه معرفة الصحابة رضي الله عنهم هذا القول في وفاته].

قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن كان قضيبًا من أراك" الحديث، قال النووي رحمه الله

(1)

: وقع في بعض أصول مسلم أو في أكثرها "وإن قضيب من أراك" مرفوع وهو ظاهر وفي أكثرها "وإن قضيبا" نصب على أنه خبر كان المحذوفة أو أنه مفعول لفعل محذوف تقديره: "وإن اقتطع قضيبًا".

2833 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لا يحلف عِنْد هَذَا الْمِنْبَر عبد وَلا أمة على يَمِين آثمة وَلَو على سواك رطب إِلَّا وَجَبت لَهُ النَّار رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح

(2)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمة" المنبر: بكسر الميم وهو مشتق من النبر وهو الارتفاع وهو بلفظ الآلة لأنه آلة الارتفاع وفي صحيح

(1)

شرح النووي على مسلم (2/ 160).

(2)

أخرجه أحمد 2/ 329 (8477) و 2/ 518 (10862)، وابن ماجه (2326)، والحاكم 4/ 297. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. قال الهيثمي في المجمع 4/ 179: رواه أحمد، ورجاله ثقات. وقال البوصيري في الزجاجة 3/ 45: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه. وصححه الألباني في الإرواء (2764) وصحيح الترغيب (1842).

ص: 372

مسلم [أن رسول الله]صلى الله عليه وسلم أرسل إلى امرأة أن مري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أكلم الناس عليها فعملت هذه الثلاث درجات، فكان يخطب عليها

(1)

وكان منبره صلى الله عليه وسلم ثلاث درج غير الدرجة التي تسمي مستراح، ويستحب أن يقف على التي تليها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن قيل: روى أن أبا بكر نزل عن موقف النبي صلى الله عليه وسلم وعمر درجة أخرى وعثمان أخرى تم وقف على موقف النبي صلى الله عليه وسلم، قلنا كل واحد منهم له قصد صحيح وليس فعل بعضهم حجة على بعض، والمختار موافقة النبي صلى الله عليه وسلم لعموم الأمر للاقتداء به، ويستحب أن يكون المنبر على يمين المحراب وهو جهة يمين المصلي لأن منبره صلى الله عليه وسلم كذلك [كان في تلك الجهة ومن] خطب على الأ [رض] فليقف هناك ويكره المنبر الكبير الذي يضيق على المصلين كمنبر مكة الآن وكان بعض العلماء يقول:[الخطابة بمكة] على منبر بدعة وإنما السنة أن يخطب على الباب كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، لا يقال: تلك أقضية، خاصة فعلت للضرورة. جوابه: أن الخلفاء الراشدين أقروا الأمر على ذلك وهم الذين يقتدي بهم [وإنما] أحدث ذلك بمكة معاوية بن أبي سفيان. أ. هـ.

قوله: "على يمين آثمة ولو على سواك رطب إلا وجبت له النار" قوله "آثمة" أي: كاذبة يعلم أنه فيها حانث سميت آثمة وفاجرة اتساعا وفي هذا

(1)

أخرجه البخاري (377) و (448) و (917) و (2094) و (2569)، ومسلم (44 - 544)، وابن ماجه (1416)، وأبو داود (1080)، والنسائى في المجتبى 2/ 206 (751) عن سهل بن سعد.

ص: 373

الحديث دليل على أن اليمين يغلظ بالأمكنة [والأزمنة] تعظيم اليمين بالمكان كما جاء في تعظيمها بالزمان في حديث "من حلف على سلعة بعد العصر" قال البغوي

(1)

: إذا توجهت اليمين على رجل في أمر عظيم خطره من قصاص أو عقوبة أو نكاح أو طلاق أو مال بلغ نصابا، [فتغلظ] تلك اليمين بالمكان والزمان [فالمكان أن يحلف] بين الركن والمقام بمكة وتحت المنبر بغيرها و [في الزمان] بعد العصر ويخوفه بالله تعالى ويقرأ عليه قوله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}

(2)

ليرتدع إن كان فيها مبطلا، قال الشافعي: وهذا قول [الحكام المكيين]، وكان أبو بكر الصديق يحلف عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على تعظيم مواطن الذكر والوعظ ونحوها من إقراء العلم والحديث والتفسير وما شاكلها، أ. هـ. قاله في شرح الإلمام، فليحذر الإنسان من اليمين الفاجرة في هذه المساجد فإن عقوبتها عاجلة، روى أن عمر بن عبد العزيز أمر بحمل عمال سليمان بن عبد الملك إلى الصخرة ليحلفوا عندها فحلفوا عندها إلا واحدا فدى يمينه بألف دينار فما جاء الحول على واحد منهم بل ماتوا كلهم، أ. هـ، قاله الزركشي

(3)

في كتابه الذي ألفه فيما يتعلق بالمساجد، قال الحافظ رحمه الله: كانت اليمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المنبر ذكر ذلك أبو عبيد الخطابي، واستشهد بحديث أبي هريرة هذا والله أعلم، أ. هـ.

(1)

شرح السنة (10/ 143).

(2)

سورة آل عمران، الآية:77.

(3)

إعلام الساجد (ص 295).

ص: 374

2834 -

وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يَمِين آثمة عِنْد قَبْرِي هَذَا فَليَتبَوَّأ مَقْعَده من النَّار وَلَو على سواك أَخْضَر رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه لم يذكر السِّوَاك قَالَ الْحَافِظ كَانَت الْيَمين على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عِنْد الْمِنْبَر ذكر ذَلِك أَبُو عبيد والخطابي وَاسْتشْهدَ بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمُتَقَدّم وَالله أعلم

(1)

.

قوله: وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين آثمة عند قبري هذا فليتبوأ مقعده من النار" تقدم تفسير اليمين الآثمة في الحديث قبله، وتقدم تفسير قوله:"فليتبوأ مقعده من النار" في أوائل هذا التعليق في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2835 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا الْحلف حنث أَو نَدم رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه أَيْضًا

(2)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 4/ 462 (22143)، وأحمد 3/ 344 (14932) و 3/ 375 (15255)، وابن ماجه (2325)، وأبو داود (3246)، والنسائي في الكبرى (5973)، وابن حبان (4368)، والحاكم 4/ 296، والبيهقي في الصغير (4/ 163 رقم 3319) والكبرى (7/ 653 رقم 15309) و (10/ 295 - 296 رقم 20692). وصححه الألباني في الإرواء (2764) و (2697) وصحيح الترغيب (1843).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/ 115 (12615) و 4/ 468 (22200)، البخاري في التاريخ الكبير 2/ 129، وابن ماجه (2103)، وأبو يعلى (5587) و (5697)، وابن حبان (4356)، والطبر اني في الأوسط (8/ 210 رقم 8425) الصغير (2/ 232 رقم 1083)، والحاكم 4/ 303، والبيهقي في الكبرى (10/ 54 رقم 19839).

وقال الدارقطني في العلل (3103): يرويه بشار بن كدام السلمي، عن محمد بن زيد، عَنِ =

ص: 375

قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الحلف حنث أو ندم" تقدم الكلام أيضًا على الحلف أنه بكسر اللام وسكونها في بيع التجار.

2836 -

وَعَن جُبَير بن مطعم رضي الله عنه أَنه افتدى يَمِينه بِعشْرَة آلَاف ثمَّ قَالَ وَرب الْكَعْبَة لَو حَلَفت حَلَفت صَادِقا وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء افتديت بِهِ يَمِيني رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط بِإِسْنَاد جيد

(1)

. وروى فِيهِ أَيْضا عَن الأشْعَث بن قيس رَضِي الله قَالَ اشْتريت يَمِيني مرّة بسبعين ألفا

(2)

.

قوله: وعن جبير

(3)

، هو: أبو محمد، ويقال: أبو عدي، جبير بن مطعم بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي، أسلم عام خيبر وقيل أسلم يوم

= ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حدث به عنه: أبو معاوية، ويزيد بن عبد العزيز بن سياه، مرفوعا.

ورواه عاصم بن محمد العمري، عن أبيه، عن ابن عمر، من قوله. وقيل: عن عاصم، عن أبيه، عن عمر، قوله. والموقوف أصح.

وضعفه الألباني في الروض النضير (505) وضعيف الترغيب (1112) و (1155) والضعيفة (6859) وقال منكر.

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 270 رقم 881). قال الهيثمي في المجمع 4/ 181: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1156).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 155 رقم 1559) والكبير (1/ 234 رقم 639).

قال الهيثمي في المجمع 4/ 181: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عيسى بن المسيب البجلي، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1157).

(3)

ترجمته: الاستيعاب 1/ ترجمة 311، أسد الغابة 1/ ترجمة 698، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ ترجمة 103، وتهذيب الكمال 4/ ترجمة 903، والإصابة 1/ ترجمة 1096.

ص: 376

فتح مكة، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على ستة، وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بحديث، توفي بالمدينة سنة أربع وخمسين، وقال ابن قتيبة سنة تسع وخمسين والله أعلم.

قوله: وروى فيه أيضا عن الأشعث بن قيس، تقدم الكلام على الأشعث بن قيس الكندي في أول الباب والله أعلم.

ص: 377