المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ترغيب التجار في الصدق وترهيبهم من الكذب ومن الحلف وإن كانوا صادقين] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٨

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌التَّرْغِيب فِي الاقتصاد فِي طلب الرزق والإجمال فِيهِ وَمَا جَاءَ فِي ذلّ الْحِرْص وَحب المَال

- ‌[التَّرْغِيب فِي طلب الْحَلَال وَالْأكل مِنْهُ والتَّرهيب ما اكْتِسَاب الْحَرَام وَأكله ولبسه وَنَحْو ذَلِك]

- ‌[الترغيب في الورع وترك الشبهات وما يحوك في الصدور]

- ‌[الترغيب في السماحة في البيع والشراء وحسن التقاضي والقضاء]

- ‌[الترغيب في إقالة النادم]

- ‌[الترهيب من بخس الكيل والوزن]

- ‌[الترهيب من الغش والترغيب في النصيحة في البيع وغيره]

- ‌[الترهيب من الاحتكار]

- ‌[ترغيب التجار في الصدق وترهيبهم من الكذب ومن الحلف وإن كانوا صادقين]

- ‌[الترهيب من خيانة أحد الشريكين الآخرة]

- ‌[الترهيب من التفريق بين الوالدة وولدها بالبيع ونحوه]

- ‌[الترهيب من الدين وترغيب المستدين والمتزوج أن ينوبا الوفاء والمبادرة إلى قضاء دين الميت]

- ‌[الترهيب من مطل الغني والترغيب في إرضاء صاحب الدين]

- ‌[الترغيب في كلمات يقولهن المديون والمهموم والمكروب والمأسور]

- ‌[الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس]

- ‌[الترهيب من الربا]

- ‌[الترهيب من غصب الأرض وغيرها]

- ‌[الترهيب من البناء فوق الحاجة تفاخرا وتكاثرا]

- ‌[الترهيب من منع الأجير أجره والأمر بتعجيل إعطائه]

- ‌[ترغيب المملوك وأداء حق اللّه تعالى وحق مواليه]

- ‌[ترهيب العبد من الإباق من سيده]

- ‌[الترغيب في العتق والترهيب من اعتباد الحر أو بيعه]

- ‌(فصل)

- ‌كتاب النكاح

- ‌الترغيب في غض البصر والترهيب من إطلاقه ومن الخلوة

- ‌[الترغيب في النكاح سيما بذات الدين الولود]

- ‌فصل

- ‌فصل يذكر فيه خلق آدم وتزويجه بحواء وخروجهما من الجنة وتوبة اللّه عليهما وغير ذلك مما يتعلق بالحديث

- ‌فصل في تزويج آدم بحواء عليها السلام

- ‌فصل في خروج آدم وحواء من الجنة وبكائها وتوبة اللّه عليهما

- ‌[الترهيب من ترجيح إحدى الزوجات وترك العدل بينهم]

- ‌[الترغيب في النفقة على الزوجة والعيال والترهيب من إضاعتهم وما جاء في النفقة على البنات وتأديبهن

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌[الترغيب في الأسماء الحسنة وما جاء في النهي عن الأسماء القبيحة وتغييرها]

- ‌[فصل]

الفصل: ‌[ترغيب التجار في الصدق وترهيبهم من الكذب ومن الحلف وإن كانوا صادقين]

[ترغيب التجار في الصدق وترهيبهم من الكذب ومن الحلف وإن كانوا صادقين]

2745 -

عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ التَّاجِر الصدوق الْأمين مَعَ النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن

(1)

.

وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن ابْن عمر وَلَفظه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم التَّاجِر الْأمين الصدوق الْمُسلم مَعَ الشُّهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة

(2)

.

قوله: وعن أبي سعيد تقدم الكلام عليه التجارة في اللغة عبارة عن المعاوضة ومنه الأجر الذي يعيطه الله تعالى للعبد (عِوَضًا عَنِ) الأعمال الصالحة قال: الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}

(3)

الآية وقال: تعالى: (تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ)

(4)

وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ

(1)

أخرجه عبد بن حميد كما في المنتخب (966)، والدارمى (2735)، والترمذي (1209)، وابن المنذر في الأوسط (8251)، والدارقطنى في السنن (2813)، والحاكم في المستدرك (2/ 6)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (237). وصححه الألباني في الترغيب (1782).

(2)

أخرجه ابن ماجه في السنن (2139)، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال (215)، وابن حبان في المجروحين (2/ 230)، والطبراني في الأوسط (7/ 243 رقم 7394)، والدارقطني في السنن (2812)، والحاكم في المستدرك (2/ 6)، والبيهقي في الكبرى (5/ 237 رقم 10416) والآداب (1/ 317 رقم 785) والشعب (2/ 437 رقم 1175) و (6/ 489 رقم 4514). وصححه الألباني في "الصحيحة"(3453) وصحيح الترغيب (1783).

(3)

سورة الصف، الآية:10.

(4)

سورة فاطر، الآية:29.

ص: 209

اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}

(1)

الآية فسمى ذلك كله بيعا وشراء على جهة المجاز تشبيها بعقود الأثرية والبياعات التي تحصل بها الأعواض قال الغزالي في أول كتاب أحكام الكسب من الإحياء

(2)

: الدنيا مزرعة الآخرة ومدرجة إليها والناس ثلاثة رجل شغله معاشه عن معاده فهو من الهالكين ورجل شغله معداه عن معاشه فهو من الفائزين والأقرب إلى الإعتدال هم الثالث الذي شغله معاشه لمعاده فهو من المقتصدين ولن ينال رتبة (الاقتصاد من لم يلازم في طلب المعيشة منهج السداد).

فرع: يستحب للتاجر أن لا تشغله تجارته عن أداء الفرائض فإذا جاء وقت الصلاة ينبغي له أن يترك تجارته حتى يكون من أهل هذه الآية: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}

(3)

قيل هم الذين تركوا التجارة واشتغلوا بالعبادة مثل أصحاب الصفة من كان مثل حالهم، وقال بعضهم: هم الذين يتجرون ولا تشغلهم تجارتهم عن الصلاة لميقاتها وروي عن الحسن البصري أنه قال: كانوا يتجرون ولا تلهيهم تجارتهم عن ذكر الله (وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وروي عن ابن مسعود: "أنه رأى قوما من أهل السوق سمعوا الأذان، فتركوا بياعاتهم، وقاموا إلى الصلاة، فقال: هؤلاء من الذين" لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله قاله أبو الليث السمرقندى) دخل

(1)

سورة التوبة، الآية:111.

(2)

إحياء علوم الدين (2/ 60 - 61).

(3)

سورة النور، الآية:37.

ص: 210

في كلامه كلا الفريقين وهي محتملة (وروي عن الحسن البصري أنه قال: كانوا يتجرون ولا تلهيهم تجارة عن ذكر الله وعن الصلاة فقد دخل في الآية كلا الفريقين، والله أعلم

(1)

.

قوله: وعن أبي سعيد تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء".

قال في لطائف المنن لابن عطاء الله: بأي طريق يحشر مع النبيين وبأي طريق يحشر مع الصديقين وبأي طريق يحشر مع الشهداء الحديث يحشر مع النبيين فإن الأنبياء شأنهم أداء الأمانة وبذل النصيحة فيحشر مع الأنبياء بهذا الوصف وهذا التاجر أدى الأمانة وبذل النصيحة ويحشر مع الصديقين، لأن الصديق شأنه الصفاء في الظاهر والباطن قد استوى ظاهره وباطنه والتاجر الصدوق وكذلك فيحشر مع الصديقين بهذا الوصف ويحشر مع الشهداء فإن الشهيد مع الصالحين فإن الصالح شأنه أخذ الحلال وترك الحرام فيحشر مع الصالحين بهذا الوصف

(2)

أ. هـ.

وفي الحديث: أن الله يحب التاجر النجيب أي الفاضل الكريم السخي والنجيب جمعه النجباء وأنجاب، وقال ابن مسعود: سورة الأنعام من نجائب القرآن أي من أفاضل سورة

(3)

ا. هـ.

(1)

بستان العارفين (ص 350 - 351).

(2)

لطائف المنن (ص 149).

(3)

النهاية (5/ 17).

ص: 211

2746 -

وَرُوِيَ عَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم التَّاجِر الصدوق تَحت ظلّ الْعَرْش يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيّ وَغَيره

(1)

.

قوله: وروى عن أنس تقدم الكلام عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة" تقدم الكلام عليه.

2747 -

وَرُوِيَ عَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن التَّاجِر إِذا كَانَ فِيهِ أَربع خِصَال طَابَ كَسبه إِذا اشْترى لم يذم وَإِذا بَاعَ لم يمدح وَلم يُدَلس فِي البيع وَلم يحلف فِيمَا بَين ذَلِك رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيّ أَيْضا وَهُوَ غَرِيب جدا

(2)

.

وَرَوَاهُ أَيْضا هُوَ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث معَاذ بن جبل وَلَفظه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أطيب الْكسْب كسب التُّجَّار الَّذين إِذا حدثوا لم يكذبوا وَإِذا ائتمنوا لم يخونوا وَإِذا وعدوا لم يخلفوا وَإِذا اشْتَروا لم يذموا وَإِذا باعوا لم يمدحوا وَإِذا كَانَ عَلَيْهِم لم يمطلوا وَإِذا كَانَ لَهُم لم يعسروا

(3)

.

(1)

أخرجه الأصبهانى في الترغيب والترهيب (794) والديلمى في الغرائب الملتقطة (1285) وابن حجر في الأمالى المطلقة (ص 109) من طريق محمد بن عمر أبى حفص الضرير، ثنا يحيى بن شبيب، ثنا حميد، عن أنس. وقال ابن حجر: هذا حديث غريب، تفرد به يحيى بن شبيب، وهو منكر الحديث، متهم عند الأئمة. وقال الألباني: موضوع ضعيف الترغيب والترهيب (1109) والضعيفة (2405) وضعيف الجامع (2502).

(2)

أخرجه ابن منده في مجلس من أماليه (248)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (797) من طريق أبي رجاء الهروي واسمه عبد الله بن واقد، عن خصيف الجزري، عن أبي غالب، عن أبي أمامة. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1110) والضعيفة (6859).

(3)

أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (689)، وابن عدي في الكامل (2/ 103)، والأصبهاني في الترغيب والترهيب (796)، والبيهقى في الآداب (ص 318 رقم 787) =

ص: 212

قوله: وروي عن أبي أمامة تقدم الكلام عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "أن أطيب المكسب كسب التجار" التجار بكسر التاء وتخفيف الجيم ويجوز بضم التاء وتشديد الجيم لغتان جمع تاجر ويقال أيضا تجر كصاحبه وصحب وورد في الحديث "عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق"

(1)

رواه إبراهيم الحربي في غريب الحديث بإسناد جيد وفي آثر آخر الأسواق موائد الله فمن أتاها أصاب منها رواه صاحب الطيوريات من قول الحسن البصري

(2)

وسأل إبراهيم عن التاجر الصدوق أهو أحب إليك أو المتفرغ للعبادة فقال: التاجر الصدوق أحب إلي لأنه في جهاد يأتيه الشيطان من طريق

= والشعب (6/ 488 - 489 رقم 4513). وقال أبو حاتم في العلل (1151): هذا حديث باطل، ولم يضبط أبو تقي، عن بقية، وكان بقية لا يذكر الخبر في مثل هذا.

وضعفه الألباني في الضعيفة (2404) وضعيف الترغيب (1111) وضعيف الجامع (917 و 1390).

(1)

أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث (2/ 52)، ومسدد كما في إتحاف الخيرة (3/ 275) والمطالب العالية (1434)، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال (213) عن نعيم بن عبد الرحمن مرسلا.

قال العراقى في تخريج الإحياء (1/ 504): رواه إبراهيم الحربي في غريب الحديث من حديث نعيم بن عبد الرحمن "تسعة أعشار الرزق في التجارة" ورجاله ثقات، ونعيم هذا قال فيه ابن منده: ذكر في الصحابة ولا يصح. وقال أبو حاتم الرازي وابن حبان: إنه تابعي فالحديث مرسل. قال البوصيرى: هذا إسناد ضعيف، لجهالة نعيم بن عبد الرحمن. وضعفه الألباني في الضعيفة (3402) وضعيف الجامع (2434).

(2)

الطيوريات (825).

ص: 213

المكيال والميزان ومن قبل الأخذ والعطاء فيجاهده ويخالفه وكان الحسن البصري يرى أن العابد أفضل قال: وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم والقدوة بهم

(1)

.

قال: فإن قيل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أوحي إلي أن اجمع المال وكن من التاجرين ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين"

(2)

رواه ابن مردويه في تفسيره من حديث ابن مسعود بإسناد فيه لين وقيل لسليمان الفارسي أوصنا قال: من استطاع منكم [أن يموت] حاجا أو غازيا أو عامرا لمسجد ربه فليفعل ولا تموتن تاجرا ولا جابيا

(3)

.

(1)

قوت القلوب (2/ 431) والإحياء (2/ 62 - 63).

(2)

أخرجه السهمى في تاريخ جرجان (ص 343) أخبرنا أبو أحمد الحافظ الجرجاني حدثنا أحمد بن حفص السعدي حدثنا محمد بن سليمان بن وردان الجرجاني حدثنا سعد بن سعيد الجرجاني عن أبي طيبة عن كرز بن وبرة الحارثي عن الربيع بن خثيم عن عبد الله بن مسعود. قال العراقى في تخريج الإحياء (1/ 505): رواه ابن مردويه في التفسير من حديث ابن مسعود بسند فيه لين. وأخرجه أحمد في الزهد (2361) حدثنا أبو المغيرة، حدثنا ابن عياش، حدثني شرحبيل بن مسلم، عن جبير بن نفير، عن أبي مسلم الخولاني مرسلا.

(3)

أخرجه ابن المبارك في الجهاد (215) عن حماد بن سلمة، عن جبلة بن عطية، عن رجاء بن حيوة، أن سلمان، قال له أصحابه: أوصنا. قال: "من استطاع منكم أن يموت حاجا، أو معتمرا، أو غازيا، أو في نقل الغزاة فليفعل، ولا يموتن تاجرا، ولا جابيا". قلت هو مرسل يروي عن معاذ وأبي الدرداء وهو مرسل.

ص: 214

فالجواب: أن وجه الجمع بين هذه الأخبار تفضيل الأحوال فلسنا نقول التجارة أفضل مطلقا ولا التخلي عن العبادة أفضل مطلقا ولكن التجارة إما أن يطلب بها الكفاية أو الثروة والزيادة على الكفاية فإن طلب منها الزيادة على الكفاية لاستكثار المال وإدخاره لا للصرف إلى الخيرات والصدقات فهي مذمة لأنه إقبال على الدنيا التي حبها رأس كل خطيئة فإن كان مع ذلك جابيا فهو ظلم وفسق وهذا ما أراده سلمان الفارسي رضي الله عنه لا تمت تاجرا ولا جابيا فأراد بالتاجر طلب الزيادة فأما إذا طلب بالتجارة الكفاية لنفسه وأولاده وكان يقدر على كفايتهم بالسؤال أو غير فالتجارة تعففا عن السؤال وغيره أفضل وعلى التحقيق الكسب أفضل إلا لأربعة عابد مشتغل بالعبادة البدنية وصاحب سر له (سير بالباطن وعمل) بالقلب في علوم الأحوال والمكاشفات وعالم مشتغل بتربية على الظاهر ينتفع الناس به في دينهم كالمفسر والمفتي والمحدث وأمثالهم وهو مشتغل بمصالح المسلمين وسياستيهم كالسلطان والقاضي والشاهد وغيرهم فهؤلاء يكفون مؤنتهم من الأموال المرصدة للمصالح ومن الأوقاف المسبلة على الفقراء والعلماء باقيا لهم على ما هم فيه أفضل من الكسب وبهذا أوحى الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم "سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" ولم يوح إليه أن يكون من التاجرين وكان صلى الله عليه وسلم جامعا لهذه المعاني كلها إلى زيادات عليها لا يحيط بها الوصف ولا يدركها سواة ولهذا أشار الصحابة على أبي بكر بترك المعيشة والتجارة لما ولي الخلافة إذا كان ذلك يشغله

ص: 215

عن المصالح فكان يأخذ كفايته من مال المال الصالح ورءا ذلك أولى ثم لما توفي أوصى برده إلى بيت المال ولكنه رءاه في الإبتداء أولى ولهؤلاء الأربعة حالتان أخريان أحدهما أن تكون كفايتهم عند ترك الكسب من الناس وما يتصدق به وعليهم من زكاة أو صدقة من غي حاجة إلى سؤال فترك الكسب والاشتغال بما هم فيه أولى إذا فيه إعانة على الخيرات وقبول منهم لما هو حق عليهم أو فضل لهم

(1)

انتهى قاله في الديباجة.

2748 -

وَعَن حَكِيم بن حزَام رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "البيعان بِالْخِيَارِ مَا لم تتَفَرَّقَا فَإِن صدق البيعان وَبينا بورك لَهما فِي بيعهمَا وَإِن كتما وكلذبا فَعَسَى أَن يربحا ربحا ويمحقا بركَة بيعهمَا الْيَمين الْفَاجِرَة منفقة للسلعة ممحقة للكسب" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ

(2)

.

قوله: عن حكيم

(3)

بن حزام تقدم الكلام على على مناقبه.

(1)

الإحياء (2/ 63 - 64).

(2)

أخرجه أحمد في المسند 3/ 402 (15547) و 3/ 434 (15556)، والدارمى في السنن (2743 و 2744)، والبخارى (2079) و (2082) و (2108) و (2110) و (2114)، ومسلم (47 - 1532)، وأبو داود (3459)، والترمذى (1246)، والنسائى في المجتبى 7/ 184 (4498) و 7/ 188 (4505)، والكبرى (6006) و (6013) و (11666) - وصححه الألباني في الإرواء (1281) والسراج المنير (2529) وصحيح الترغيب (1784).

(3)

في الأصل حبيب بن حرام وهو خطأ من الناسخ.

ص: 216

قوله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدق البيعان بورك لهما في بيعهما" البيعان بتشديد الياء كذا في بعض الروايات وفي أكثر الروايات المتبايعان بالخيار كلاهما في الصحيحين ولم [يرد] في شيء من طرقه البائعان وإن كان استعمال لفظ البائع أغلب وقد استعمل في اللغة الأمران، وفي الحديث الآخر "إذا تبايع الرجلان فكل منهما بالخيار" قال النووي رحمه الله: هذه الأحاديث تدل على ثبوت خيار المجلس لكل المتبايعين بعد انعقاد البيع حتى يتفرقا من ذلك المجلس بأبدانهما فإذا تفرقا بأبدانهما انقطع هذا الخيار ولزم البيع وبهذا قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وممن قال: به من الصحابة علي بن أبي طالب وابن عباس وأبو هريرة ومن التابعين الزهري والأوزاعي والشافعي والإمام أحمد بن حنبل وإسحاق والبخاري وسائر المحدثين وآخرون، وقال مالك وأصحابهما: لا يثبت خيار المجلس وقالوا: أنه يلزم البيع بنفس الإيجاب والقبول وهذه الأحاديث الصحيحة ترد على هؤلاء وليس لهم عنها جواب صحيح فالصواب ثبوته كما قال الجمهور

(1)

.

تنبيه: الخيار اسم من الاختيار وهو طلب خير الأمرين إما إمضاء البيع أو فسخه وهو على ثلاثة أضرب خيار المجلس وخيار الشرط وخيار النقيصة أما خيار المجلس فالأصل فيه قوله "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" إلا بيع الخيار أي إلا بيعا شرط فيه الخيار فلا يلزم بالتفرق وقيل معناه إلا بيعا

(1)

شرح النووى على مسلم (10/ 173).

ص: 217

شرط فيه خيار المجلس فيلزم بنفسه عند وقوع وأما خيار الشرط فلا تزيد مدته على ثلاثة أيام عند الشافعي أولها من حال العقد أو من حال التفرق وأما خيار النقيصة فإن يظهر بالمبيع عيب يوجب الرد أو يلتزم البائع فيه شرطا لم يكن فيه ونحو ذلك ا. هـ قاله في النهاية

(1)

.

قوله: "ما لم يتفرقا" كذا أكثر الروايات وفي بعضها "ما لم يفترقا" بتقديم الفاء على التاء وبالتخفيف وهو عند النسائي من غير وجه وكذا هو عند مسلم من حديث حكيم بن حزام اختلف الناس في التفرق والذي يصح ويلزم البيع بوجوبه فقيل هو التفرق وبالأبدان وذهب معظم الأئمة الفقهاء من الصحابة والتابعين وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل وقال أبو حنيفة ومالك وغيرهما: إذا تعاقد قد أصح البيع وإن لم يتفرقا وظاهر الحديث يشهد للأول فإن رواية ابن عمر وفي تمامه أنه كان إذا بايع رجلا فأراد أن يتم البيع مشى خطوات حتى يفارقه وإذا لم يجعل التفرق شرطا في الانعقاد لك يكن لذكره فائدة فإن يعلم أن المشترى ما لم يوجد منه قبول البيع فهو بالخيار

(2)

ا. هـ.

تنبيه: وإذا ثبت الخيار امتد إلى إحدى ثلاث غايات الأولى أن يتفرقا بأنفسهما مختارين (فإذَا أُكْرِهَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ عَلَى مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ فَحُمِلَ) كرها أو أحدهما لم يبطل خياره ويعتبر في التفرق العرف فلو تبايعا في (دَارٍ صَغِيرَةٍ فَالتَّفَرُّقُ أَنْ يَخْرُجَ) أحدهما أو يرقى على السطح أو يفارق صاحبه

(1)

النهاية (2/ 91 - 92).

(2)

طرح التثريب (6/ 148).

ص: 218

بحيث لا يعد مجتمعا معه وكذلك لو كان في سفينة صغيرة فإن كانت الدار كبيرة حصل التفرق بأن يخرج أحدهما من البيت إلى الصحن ومن الصحن إلى البيت أو صفة وإن كانا في في صحراء أو سوق فإذا ولى أحدهما ظهره ومشى قليلا حصل التفرق وعلى الصحيح وقال الأصطخري: يشترط أن يبعد عن صاحبه بحيث لو كلمه (عَلَى الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ الصَّوْتِ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ) الصوت لم يسمع كلامه ولا يحصل التفرق بأن يرخي ستر بينهما أو يشق نهر ولو بنى بينهما جدار لم يحصل التفرق على الأصح وصحن الدار والبيت إذا (تفاحش اتساعهما كالصحراء فيحصل التفرق فيه بما ذكرناه والله أعلم) لو ماتا في المجلس أو أحدهما لم ينقطع الخيار بل ينتقل للوارث.

الغاية الثانية: التخاير بأن يقولا اخترنا امضاء البيع أو أمضينا أو أجزناه أو ألزمنا فلو (فلو قال أحدهما: اخترت إمضاءه) انقطع خياره وبقي خيار الآخر كما لو اسقط أحدهما خيار الشرط يسقط خياره فلو قال أحدهما لصاحبه: اختر فقال اخترت انقطع خيارهما وإن (سكت لم) ينقطع خياره وينقطع خيار الآخر على الأصح لأنه دليل على الرضى لو أجاز واحد وفسخ آخر قدم الفسخ

(1)

ا. هـ.

فرع: ألحق الأصحاب بالبيع ما في معناه كالصرف وبيع الطعام والسلم والتولية والتشريك وصلح المعاوضة فيثبت في ذلك كله خيار المجلس

(2)

ا. هـ.

(1)

طرح التثريب (6/ 155 - 157).

(2)

روضة الطالبين (3/ 435).

ص: 219

قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن صدق البيعان وبينا بورك لهام في بيعهما" أي بين كل واحد منهما لصاحبه ما يحتاج إلى بيانه من عيب ونحوه في السلعة والثمن وصدق في ذلك وفي الأخبار بالثمن وما يتعلق بالعوضين

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم "وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحا ويمحقا بركة بيعهما" الحديث والمحق النقصان ومعنى محقت بركة بيعهما أي ذهبت بركته وهي زيادته ونماؤه

(2)

والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "اليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للكسب" المنفقة الممحقة بفتح أولهما وثالثهما وإسكان ثانيهما على وزن مفعلة وهذا البناء موضوع المبالغة كما يقال للولد مجبنة مبخلة والمحدثون يقولون منفقة ممحقة بالتشديد فيهما والوجه الأول ذكره صاحب المفهم

(3)

ومعناه أنه مظنة لنفاقها وموضوع له من قولهم نفق المبيع بالفتح المبيع بالضم إذا أكثر المشترون له والرغبات فيه والنفاق وضده الكساه وفيه النهي عن كثرة الحلف من غير حاجة مكروه وينضم الله ترويج السلعة وربما اغتر المشترى ا. هـ.

2749 -

وَعَن إِسْمَاعِيل بن عبيد بن رِفَاعَة عَن أَبِيه عَن جده رضي الله عنه أَنه خرج

مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمصلى فَرَأى النَّاس يتبايعون فَقَالَ يَا معشر التُّجَّار

فاستجابوا لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَرفعُوا أَعْنَاقهم وأبصارهم إِلَيْهِ فَقَالَ إِن التُّجَّار

(1)

شرح النووي على مسلم (10/ 176).

(2)

شرح النووي على مسلم (10/ 176).

(3)

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (14/ 137).

ص: 220

يبعثون يَوْم الْقِيَامَة فجارا إِلَّا من اتَّقى الله وبر وَصدق رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد

(1)

.

قوله: وعن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده [إسماعيل بن عبيد بن رفاعة العجلاني، تفرد بالرواية عنه ابن خثيم، لكن صحح حديثه الترمذي، وابن حبان، والحاكم].

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا" والفجار جمع فاجر وهو المنبعث في المعاصي والمحارم سماهم فجارا لما في البيع والشراء من الأيمان الكاذبة والعبر والتدليس والربا الذي لا يتحاشاه أحدهم أو لا يفطنون له ولهذا قال في تمام الحديث إلا من اتقى الله وبر وصدق وجمع التاجر تجار بالضم والتشديد وتجار بالكسر والتخفيف ومنه حديث أبي ذر كنا نتحدث أن التاجر فاجر قاله في النهاية.

(1)

أخرجه عبد الرزاق في الجامع (20999) ومن طريقه الطبرانى في الكبير (5/ 47 رقم 4539)، وابن ماجه (2146)، والترمذي (1253)، وابن حبان (4910)، والطبرانى في الكبير (5/ 44 رقم 4542 و 4543)، والحاكم (2/ 6)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 114)، والبيهقى في الكبرى (5/ 436 رقم 10414) والشعب (6/ 485 رقم 4508). وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وقال الذهبي: صحيح.

وصححه الألباني في الصحيحة (994)، وصحيح الترغيب (1785)، وقال في طريق ابن ماجه ضعيف، المشكاة (2799)، غاية المرام (138)، ضعيف الجامع الصغير (6405).

ص: 221

2750 -

وَعَن عبد الرَّحْمَن بن شبْل رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن التُّجَّار هم الْفجار قَالُوا يَا رَسُول الله أَلَيْسَ قد أحل الله البيع قَالَ بلَى وَلَكنهُمْ يحلفُونَ فيأثمون ويحدثون فيكذبون رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد جيد وَالْحَاكِم وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد

(1)

.

قوله: وعن عبد الرحمن بن شبل

(2)

(بكسر الشين المعجمة وسكون

(1)

أخرجه عبد الرزاق في الجامع (19444) وعنه أحمد في المسند 6/ 444 (15770) وعبد بن حميد (314)، وأحمد في المسند 3/ 428 (15770)، والطبرى في تهذيب الآثار (97) و (98)، والطحاوى في مشكل الآثار (2077)، والحاكم (2/ 6 - 7)، والبيهقى في الشعب (6/ 483 رقم 4505)، من طرق، عن هشام، حدثني يحيى بن أبي كثير، عن أبي راشد الحبرانى، عن عبد الرحمن بن شبل.

والطبرى في تهذيب الآثار (مسند علي) برقم (100)، والبيهقي في السنن (5/ 437 رقم 10415)، وفي الشعب (6/ 482 رقم 4503) من طريق علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن جده به. وعفان في أحاديثه (171)، وعنه أحمد في المسند 3/ 444 (15909) من طريق أبان، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4332)، من طريق علي بن المبارك، كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد، عن أبي سلام، عن أبي راشد الحبراني، عن عبد الرحمن بن شبل.

قال الحاكم: صحيح الإسناد، وقد ذكر هشام بن أبي عبد الله سماع يحيى بن أبي كثير من أبي راشد. وهشام ثقةٌ مأمون، وأدخل أبان بن يزيد العطار بينهما زيد بن سلّام، ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في الصحيحة (366) والسراج المنير (2419) وصحيح الترغيب (1786)، وصحيح الجامع (1594).

(2)

طبقات ابن سعد: 4/ 374 و 7/ 402، وطبقات خليفة: 86، 304، وتاريخ البخاري الكبير: 5/ الترجمة 801، والمعرفة والتاريخ: 1/ 291 و 2/ 318، 447، والجرح والتعديل: 5/ الترجمة 1155، وثقات ابن حبان: 3/ 251، والاستيعاب: 2/ 836، وأسد الغابة: 3/ 300، والكاشف: 2/ الترجمة 3255، وتجريد أسماء الصحابة: 1/ =

ص: 222

الموحدة، ابن عمرو بن زيد الأنصاري، الأوسي، المدني، أحد النقباء، نزيل حمص، مات أيام معاوية).

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن التجار هم الفجار" تقدم.

2751 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا الْحلف حنث أَو نَدم رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

.

قوله: وعن ابن عمر تقدم. قوله: "إنما الحلف حنث أو ندم" يقال: الحلف بكسر اللام وإسكانها وممن ذكر الإسكان ابن السكيت

(2)

في أول إصلاح المنطق الحلف هو اليمين حلف يحلف حلفا (وأصلها) العقد بالعزم والنية قال (الميدانى) في الأمثال

(3)

: اليمين حنث أو ندم أي إن كانت صادقة ندم وإن كانت كاذبة حنث يضرب للمكروه من وجهين.

= الترجمة 3701، وتهذيب التهذيب: 6/ 193، والإصابة: 2/ الترجمة 5131، والتقريب: 1/ 483، وخلاصة الخزرجي: 2/ الترجمة 4121.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/ 115 (12615) و 4/ 468 (22200)، وابن ماجه (2103)، وأبو يعلى (5587) و (5697)، وابن حبان (4356)، والطبرانى في الأوسط (8/ 210 رقم 8425) والصغير (2/ 232 رقم 1083) والحاكم 4/ 303، والبيهقي في الكبرى (10/ 54 رقم 19839). قال الدارقطني في العلل (3103): يرويه بشار بن كدام السلمي، عن محمد بن زيد، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. حدث به عنه: أبو معاوية، ويزيد بن عبد العزيز بن سياه، مرفوعا. ورواه عاصم بن محمد العمري، عن أبيه، عن ابن عمر، من قوله. وقيل: عن عاصم، عن أبيه، عن عمر، قوله. والموقوف أصح. وضعفه الألباني في الروض (505) وضعيف الترغيب (1155) وضعيف الجامع (2788).

(2)

إصلاح المنطق (ص 17 - 18) وفيه قال: والحَلْفُ: مصدر حَلَفْتُ أحلِفُ حَلْفًا.

(3)

مجمع الأمثال (2/ 421) للميداني.

ص: 223

2752 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ ثَلَاثة لَا ينظر الله إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وَلا يزكيهم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم قَالَ فقرأها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلاث مَرَّات فَقلت خابوا وخسروا وَمن هم يَا رَسُول الله قَالَ المسبل والمنان والمنفق سلْعَته بِالْحلف الْكَاذِب رَوَاهُ مسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه إِلَّا أَنه قَالَ المسبل إزَاره والمنان عطاءه والمنفق سلْعَته بِالْحلف الْكَاذِب

(1)

.

قوله: وعن أبي ذر تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" الحديث قال النووي

(2)

: هو على لفظ الآية الكريمة ومعنى لا ينظر إليهم أي يعرض عنهم ونظره سبحانه تعالى لعبادة رحمته لطفه بهم قوله: ولا يزكيهم أي لا يطهر لهم من دنس ذنوبهم أي لا يغفرها لهم وقال الزجاج وغيره: معناه لا يثني عليهم ومن لا يثني عليه عذبه وقال ابن عباس: لا يزكي أعمالهم الخبيثة قوله: "ولهم عذاب أليم" أي مولم موجع قال الواحدي: هو العذاب الذي يخلص إلى قلوبهم وجعه قال: والعذاب كل ما يعني الإنسان ويشق عليه واصل العذاب في كلام العرب من العذب وهو المنع يقال: عذبته عذبا إذا منعته وسمي الماء عذبا لأنه يمنع العطش وسمي العذاب عذابا لأنه

(1)

أخرجه مسلم (171 - 106)، وابن ماجه (2208)، وأبو داود (4087)، والترمذى (1211)، والنسائى في المجتبى 4/ 563 (2582) و 7/ 184 (4499). وصححه الألباني في غاية المرام (170) صحيح، ابن ماجه (2208)، صحيح الترغيب والترهيب (2034)، والإرواء (900).

(2)

شرح النووي على مسلم (2/ 115 - 116).

ص: 224

يمنع المعاقب من معاودة مثل جرمه ويمنع غيره من مثل فعله.

تنبيه: رحمه الله وقع في معظم الأصول في الرواية عن أبي ذر وهو صحيح على معنى ثلاث لا يكلمهم الله بحذف الهاء وكذلك وقع في بعض الأصول في الرواية عن أبي ذر وهو صحيح على معنى ثلاث أنفس وجاء الضمير في يكلمهم مذكرا على المعنى

(1)

.

قوله: فقلت "خابوا وخسروا" ومن هم يا رسول قال: "المسبل إزاره والمنان عطاءه" ومعنى المسبل إزاره المرخى له الجار طرفه خيلا والخيلاء الكبر يعني هو الذي يرسل ثوبه إذا مشى كبرا واختيالا والمنان عطاءه هو الذي لا يعطي شيئا إلا من به على المعطي ولا شك أن الاعتداء بالعطاء مبطل لأجر الصدقة ويؤذي المعطي قال الله تعالى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}

(2)

وإنما كان المن كذلك لأنه لا يكون غالبا إلا عن البخل والعجب ا. هـ، وقيل من المن الذي هو النقص من الحق والبخس قال الله تعالى:{وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ}

(3)

أي منقوص

(4)

في جمل الغرائب

(5)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "والمنفق سلعته بالحلف" تقدم الكلام على الحلف أنه بكسر اللام وسكونها.

(1)

شرح النووي على مسلم (2/ 118).

(2)

سورة البقرة، الآية:264.

(3)

سورة القلم، الآية:3.

(4)

انظر شرح السنة (8/ 28) وشرح المشكاة (5/ 1529 و 7/ 2117).

(5)

لم أجده في المطبوع.

ص: 225

قوله: "والمنفق سلعته" بفتح النون وكسر الفاء المشددة وكذلك قاله في النهاية

(1)

فإنه بالتشديد من النفاق وهو ضد الكساد وهو في حال التشديد يتعدى للمفعول ومفعوله هو سلعته وقد وصف الحلف وهي مؤنثة بالكاذب وهو وصف (مذكر) وكأنه ذهب بالحلف مذهب القول ومذهب المصدر وهو مثل قولهم أتاني (كتابى فمزقتها) ذهب بالكتاب مذهب الصحيفة

(2)

انتهى والسلعة المتاع وأما معنى المنفق سلعته فالمنفق المروج.

2753 -

وَعَن سلمَان رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ثَلَاثة لا ينظر اللّه إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة أشيمط زَان وعائل مستكبر وَرجل جعل اللّه بضاعته لا يَشْتَرِي إِلَّا بِيَمِينِهِ وَلا يَبِيع إِلَا بِيَمِينِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَفِي الصَّغِير والأوسط إِلَا أَنه قَالَ فيهمَا ثَلَاثَة لا يكلمهم اللّه وَلا يزكيهم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم فَذكره وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح

(3)

.

(1)

النهاية (5/ 98 - 99).

(2)

المفهم (2/ 72).

(3)

أخرجه البزار (2529)، والطبرانى في الصغير (2/ 82 رقم 821) والكبير (6/ 246 رقم 6111)، والأوسط (5/ 367 - 368 رقم 5577)، وأبو علي الصواف في الثالث من فوائده (113)، والبيهقى في الشعب (6/ 487 رقم 4511). ولفظه عند البزار: ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الشَّيْخُ الزَّانِي، وَالْإِمَامُ الْكَذَّابُ، وَالْعَائِلُ الْمَزْهُوُّ. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 78: رواه الطبراني في الثلاثة إلا أنه قال في الصغير والأوسط: "ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم". فذكره، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في الصحيحة (3461) وصحيح الترغيب (1788).

ص: 226

أشيمط مصغر أشمط وَهُوَ من ابيض بعض شعر رَأسه كبرا وَاخْتَلَطَ بأسوده. والعائل الْفَقِير.

قوله: وعن سلمان تقدم الكلام على سلمان الفارسي.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر اللّه إليه يوم القيامة" لا ينظر إليهم مجاز عن الاستهانة بهم والسخط عليهم وتقدم معنى نظرة سبحانه وتعالى.

قوله: "أشيمط زان" مصغر شمط وهو من أبيض بعض شعر رأسه كبرا واختلط بأسوده ذكره المنذري.

قوله: "وعائل" والعائل الفقير.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل جعل اللّه بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه"(جعل كثرة الحلف باللّه بضاعته يبيع فيها ويشتري لملازمته له وغلبته عليه).

قوله: في رواية الطبراني في الأوسط "ثلاثة لا يكلمهم اللّه ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" قيل معنى لا يكلمهم تكليم أهل الخير وبإظهار الرضى بل بكلام أهل السخط والغضب أي بالتقريع والتوبيخ وبمثل.

قوله: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}

(1)

وقيل عبر بترك الكلام عن الغضب لأن الغضب يلازمه ترك الكلام ا. هـ، وقيل المراد الإعراض عنهم وقال: جمهور المفسرين: لا يكلمهم كلاما ينفعهم ويسرهم، وقيل لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية، وقيل لا يحيهم كما يحي الصالحين.

(1)

سورة المؤمنون، الآية:108.

ص: 227

قوله: "ولا يزكيهم" تقدم معناه قريبًا.

قوله: "ولهم عذاب أليم" أي مؤلم وتقدم الكلام على ذلك في الحديث قبله.

2754 -

وَرُوِيَ عَن عصمَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة لا ينظر اللّه إِلَيْهِم غَدا شيخ زَان وَرجل اتخذ الأَيْمَان بضاعته يحلف فِي كل حق وباطل وفقير مختال مزهو رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ

(1)

.

مزهو أَي متكبر معجب فخور.

قوله: وروي عن عصمة

(2)

رحمه الله (عصمة بن مالك الأنصاري الخطمي قاله أبو نعيم وأبو عُمر، إلا أن أبا عمر لم ينسبه، ونسبه أبو نعيم، فقال عصمة بن مالك بن أمية بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، ونسبه ابن منده مثله، إلا أنه قال الخثعمي: روى عنه عبد اللّه بن موهب، قول ابن منده إنه خثعمي، وهم منه).

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم غدا" تقدم معنى لا ينظر اللّه إليهم قريبا في الباب.

قوله: شيخ زان ورجل اتخذ الأيمان بضاعته وفقير مختال مزهو الحديث المختال بضم الميم والخاء المعجمة والتاء المثناة فوق يقال ختله وخاتله

(1)

أخرجه الطبرانى في الكبير (17/ 184 رقم 492). قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 78: رواه الطبراني في الكبير بإسناد ضعيف. وحسنه الألباني في (342) وصحيح الجامع (3070)، وقال في ضعيف الترغيب (1113): ضعيف جدا.

(2)

ترجمته: الاستيعاب 3/ 1069، أسد الغابة 4/ 37، الإصابة 4/ 416.

ص: 228

أي خدعة والتخاتل التخادع والمزهو هو المتكبر المعجب الفخور كذا قاله المنذري، وفي الرواية الآخرى الشيخ الزاني والملك الكذاب والعائل المستكبر، الشيخ الزاني والملك الكذاب ما ذكره من الوعيد والملك الكذاب فالصدق ويجب أن يكون شعار جميع الناس والملك مطلوب من جميع الناس ومن العائل أكثر من العائل عال عليه إذا افتقر.

2755 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ثَلَاثة لا يكلمهم اللّه يَوْم الْقِيَامَة وَلا ينظر إِلَيْهِم وَلا يزكيهم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم رجل على فضل مَاء بفلاة يمنعهُ ابْن السَّبِيل وَرجل بَايع رجلا بسلعته بعد الْعَصْر فَحلف بِاللّه لأخذها بِكَذَا وَكذَا فَصدقهُ فَأَخذهَا وَهُوَ على غير ذَلِك وَرجل بَايع إِمَامًا لا يبايعه إِلّا للدنيا فَإِن أعطَاهُ مِنْهَا مَا يُرِيد وفى لَهُ وَإِن لم يُعْطه لم يَفِ وَفِي رِوَايَة نَحوه وَقَالَ وَرجل حلف على سلْعَته لقد أعطي بهَا أَكثر مِمَّا أعطي وَهُوَ كَاذِب وَرجل حلف على يَمِين كَاذِبَة بعد الْعَصْر ليقتطع بهَا مَال امرئ مُسلم وَرجل منع فضل مَاء فَيَقُول اللّه عز وجل لَهُ الْيَوْم أمنعك فضلي كمَا منعت فضل مَا لم تعْمل يداك رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ

(1)

.

(1)

أخرجه البخاري (2358) و (2369) و (2358) و (2369) و (2672) و (7212) و (7446)، ومسلم (173 و 174 - 108)، وأبو داود (3474) و (3475)، والترمذي (1595)، وابن ماجه (2207) و (2870)، والنسائي في المجتبى 7/ 186 (4503) والكبرى (5975) و (6011). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (965) و (1789)، وصحيح الجامع (3068).

ص: 229

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يكلمهم اللّه يوم القيامة" فذكره إلى أن قال: ورجل على فضل ماء في فلاة يمنعه ابن السبيل الحديث والفلاة بفتح الصحراء وقيل المفازة القفر التي لا أنيس بها.

قوله: ورجل على فضل ماء يمنع منه ابن السبيل أي يزيد على حاجته وحاجة من يمونه (ولا يملك) ذلك ويمنع منه ابن السبيل المسافر وفيه دليل على أن الماء لا يملك بل يكون على سبيل (الارتفاق) أي يقدم به من سبق إليه ولقائل يقول بل يملك وهو الأصح وليس له منعه من المحتاج إليه إذا لم يكن هناك إلا ماؤه قال النووي

(1)

: ويجب بذلها بلا عوض لأنه إذا منع بذله تضرر ابن السبيل وربما أدى إلى هلاكه وقد جاء في حديث يقول اللّه تعالى "اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك" ا. هـ.

وإذا (قيل): إن الماء يملك فله منعه بثمن مثله فإن لم يكن مع ابن السبيل وخشي الهلاك وجب بذله له مجانا حفظا لمهجته واللّه أعلم.

قوله: "اليوم أمنعك فضلي" قال الخطابي

(2)

: ومعنى اليوم أمنعك فضلي الحديث أنك إذا كنت تمنع الماء الذي ليس بعملك وإنما هو رزق ساقه اللّه إليك (فما الذي) تسمح به لأخيك ا. هـ.

وإنما أعد لهذا من العذاب لأن الماء يشترك فيه جميع الناس فمن منعه

(1)

انظر روضة الطالبين (5/ 309).

(2)

أعلام الحديث (2/ 1178 - 1179).

ص: 230

فكأنما ضيق على اللّه تعالى ما جعل فيه سعة ولا شك في غلظ (تحريم) ما فعل وشدة قبحه وإنما كان من يمنع فضل الماء للماشية عاصيا فكيف من يمنعه الأدمي المحترم فإن الكلام فيه فلو كان ابن السبيل غير محترم كالحربي والمرتد لم يجب بذل الماء له

(1)

واللّه أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل بايع رجلا سلعة بعد العصر فحلف باللّه لأخذها بكذا وكذا فصدقه فأخذها وهو على غير ذلك" وفي رواية "ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر" الحديث وأما الحالف ففيه دليل على تعظيم حرمة مال المسلم والكذب وإن ذلك من الكبائر لهذا الوعيد العظيم وإن أستحل ذلك كان على ظاهره وإلا كان عاصيا ويؤول كما سبق في نظائره في العفو عن ذلك أو إن جازاه كان كذلك واللّه أعلم، وأما الحالف (بيمين كاذبة على محلوف عليه غير واقع وهو عالم به) بعد العصر فمستحق هذا الوعيد وخص المبايعة بعد العصر لأن اللّه تعالى عظم شأن هذا الوقت فقال تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}

(2)

وهي صلاة العصر روى ذلك عن جماعة من الصحابة، وقيل خص ما بعد العصر لشرف بسبب اجتماع ملائكة الليل وكملائكة النهار وغير ذلك قال الخطابي

(3)

: خص وقت العصر بتعظيم الإثم فيه وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة كل وقت لأن اللّه تعالى (عظم شأن هذا الوقت وقد روي أن) الملائكة تجتمع فيه وهو ختام

(1)

شرح النووي على مسلم (2/ 117)، وتسهيل الاقتصاد (لوحة 211).

(2)

سورة البقرة، الآية:238.

(3)

أعلام الحديث (2/ 1175).

ص: 231

الأعمال والأمور بخواتيمها فغلظت العقوبة فيه ليلا (يقدم عليها) تجرؤا فإن من تجرأ عليها (فيه) اعتادها في غير (هذا) الوقت وقيل كان (السلف) يحلفون بعد العصر قال الخطابي رحمه اللّه تعالى: ويحتمل أن يقال: (إنما خصّ ما بعد العصر بهذا الحُكم، لأنه آخر النهار) ومن حال التاجر أنه ينفق من ربح [وفضل] في بياض نهاره وقد يتفق أن لا يربح بعد العصر وقت انصرافه فإذا اتفقت له نفقة بعد العصر حرص على إمضائها باليمين الكاذبة لينفق من الربح ولا ينصرف من غير زيادة وقيل غير ذلك.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل بايع إماما" أي سلطانا لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها ما يريد وفي له وإن لم يعطه لم يف وأما مبايع الإمام على الوجه المذكور فمستحق هذا الوعيد لغشه المسلمين وإمامهم وتسببه إلى الفتن بينهم بنكثه بيعته لا سيما إن كان ممن يقتدى به

(1)

واللّه أعلم.

2756 -

وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَة يبغضهم اللّه البياع الحلاف وَالْفَقِير المختال وَالشَّيْخ الزَّانِي وَالإِمَام الجائر رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَهُوَ فِي مُسلم بِنَحْوِهِ دون ذكر البياع وَيَأْتِي لَفظه فِي التَّرْهِيب من الزِّنَا إِن شَاءَ اللّه

(2)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (2/ 118).

(2)

أخرجه النسائي في المجتبى 4/ 574 (2595)، وفي الكبرى (2368 و 7101)، وأبو يعلى (6597)، وابن حبان (5558) و (7337)، من طرق عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة. وصححه الألباني في صحيح النسائي، والصحيحة (363)، وصحيح الترغيب (2397) و (2906)، وصحيح الجامع (880).

ص: 232

قوله: وعنه رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: قال: رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "أربعة يبغضهم اللّه البياع الحلاف وَالْفَقِير المختال وَالشَّيْخ الزَّانِي وَالإِمَام الجائر" تقدم الكلام على الأربعة.

فرع: إذا اشترى شيئًا من السوق فقال صاحبك (قبل الشراء) ذقه وأنت في حل فلا يأكل منه لأنه إنما أذن في الأكل لأجل الشراء فربما لا يقع البيع فيكون ذلك الأكل شبهة ولكن لو صفه بصفة فاشتريته فلم تجده على تلك الصفة فأنت بالخيار قاله السمرقندي في البستان

(1)

.

فرع آخر: جرت عادة الناس أن يأخذ من البياع ثم يحاسبه بعد مدة ويعطيه كما يفعله كثير من الناس قال (النووي) في شرح المهذب

(2)

: أنه باطل بالإجماع وسامح فيه في الأحياء وجوزه ابن الصلاح بشرط أن يقدر ما يأخذه كل يوم ولا يؤخذ تقديره إلى يوم الحساب ا. هـ واللّه أعلم، "والفقير المختال والشيخ الزاني".

2757 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن اللّه يحب ثَلَاثَة وَيبغض ثَلَاثَة فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ قلت فَمن الثَّلَاثة الَّذين يبغضهم اللّه قَالَ المختال الفخور وَأَنْتُم تجدونه فِي كتاب اللّه الْمنزل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}

(3)

والبخيل المنان والتاجر أَو البَائِع الحلاف رَوَاهُ الْحَاكِم

(1)

بستان العارفين (ص 350).

(2)

المجموع شرح المهذب (9/ 163 - 164).

(3)

سورة لقمان، الآية:18.

ص: 233

وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحه بِنَحْوِهِ وَتقدم لَفظهمْ فِي صَدَقَة السِّرّ

(1)

.

2758 -

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه: قَالَ مر أَعْرَابِي بِشَاة فَقلت تبيعها بِثَلَاثَة دَرَاهِم فَقَالَ لا وَاللّه ثمَّ بَاعهَا فَذكرت ذَلِك لرَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ بَاعَ آخرته بدنياه رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(2)

.

قوله: عن أبي سعيد الخدري تقدم الكلام عليه.

(1)

أخرجه الطيالسى (470) ومن طريقه ابن أبي عاصم في الجهاد (128) والبيهقى في الكبرى (9/ 269 رقم 18501) وابن منده في التوحيد (684)، وأحمد 5/ 176 (21931)، والبزار (3908)، والطحاوى في مشكل الآثار (2784)، والطبرانى في الكبير (2/ 152 رقم 1637)، وابن منده في التوحيد (684)، والحاكم في المستدرك (2/ 88 - 89)، والبيهقى في الشعب (12/ 97 - 98 رقم 9102)، والخطيب في البخلاء (41) من طريق يزيد أبي العلاء عن مطرف بن عبد اللّه بن الشخير. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1791) و (2569). وأخرجه ابن أبي شيبة 5/ 289 (19311)، وأحمد 5/ 153 (21751)، والترمذي (2568)، والنسائي في المجتبى 3/ 376 (1631) و 4/ 570 (2589) وفي الكبرى (1316 و 2362 و 7099)، وابن خزيمة (2456 و 2564)، وابن حبان (3349) و (3350) و (4771) من طريق منصور، قال: سمعت ربعي بن حراش، يحدث عن زيد بن ظبيان، عن أبي ذر.

وأخرجه أحمد 5/ 153 (21752)، والنسائي في الكبرى (1317) من طريق سفيان، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن أبي ذر. قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث صحيح. وضعفه الألباني في المشكاة (1922)، ضعيف الجامع الصغير (2610). ولم يدرج المصنف تحته شرحا.

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في الورع (162)، وابن حبان (4909). وقال الألباني: حسن - "الصحيحة"(364)، "التعليق الرغيب"(1792) وغاية المرام (171).

ص: 234

قوله: "مر أعرابي بشاة فقلت تبيعها بثلاثة دراهم فقال لا واللّه ثم باعها فذكرت ذلك لرسول صلى الله عليه وسلم فقال باع آخرته بدنياه" وفى حديث آخر أنه "مر برجلين يتبايعان شاة، ويتحالفان، فقال أحدهما: لا أنقصك من كذا وكذا. وقال الآخر: واللّه لا أزيدك على كذا وكذا. فمر بالشاة، وقد اشتراها أحدهما، فقال: "أوجب أحدهما أي حَنِثَ وأَوْجَبَ الإثمَ والكَفَّارةَ على نَفْسِهِ"

(1)

ذكره صاحب المغيث

(2)

واللّه أعلم.

2759 -

وَعَن وَاثِلَة بن الأسْقَع رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يخرج إِلَيْنَا وَكُنَّا تجارًا وَكَانَ يَقُول يَا معشر التُّجَّار إيَّاكمْ وَالْكذب رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد لا بَأْس بِهِ إِن شَاءَ اللّه

(3)

.

(1)

أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير - السفر الثانى (2/ 611)، وابن سمعون في "أماليه"(147)، والخرائطى في مساوئ الأخلاق (112)، وأبو الطاهر المخلص في المخلصيات (2359)، والبيهقى في الكبرى (10/ 61 - 62 رقم 19866) من طريق حريز بن عثمان، عن شرحبيل بن شفعة قال: سمعت أبا ناسخ عبد اللّه بن ناسخ الحضرمي، فذكره.

وعند ابن سمعون والمخلص ناسج بن الحضرمى. وعند ابن أبي خيثمة بن ناشج الحضرمى، وقال ابن أبي حاتم كان البخاري أخرج هذا الاسم في باب النون ناسج الحضرمي يعني بالجيم فغيره أبي بخطه وقال إنما هو عبد اللّه بن ناسج الحضرمي يعني بالحاء المهملة وكذلك أخرج أبو زرعة فيما أخرج من خطأ البخاري هذا الاسم وقال كما قال أبي. وقال ابن حجر في تعجيل المنفعة (1/ 774): وَهَذَا إِسْنَاد حسن.

(2)

المجموع المغيث في غريبى القرآن والحديث لأبى موسى المديني (3/ 384).

(3)

أخرجه الطبرانى في الكبير (22/ 56 رقم 132). قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 73: رواه الطبراني في الكبير، وفيه محمد بن إسحاق الغنوي، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله =

ص: 235

قوله: عن وائلة

(1)

هو وثلة بن الأسقع بن عبد العزى الكناني (الليثى من بني كنَانَة، نزل الشَّام) كنيته أبو شداد أسلم والنبي صلى الله عليه وسلم (يتجهز) إلى تبوك وقيل أنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين وكان من أصحاب الصفة توفي سنة ثلاث وثمانين وهو مائة وخمسين سنة وهو آخر الصحابة موتا بدمشق.

قوله: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "يخرج إلينا وكنا تجارا" نقدم الكلام على ذلك قريبًا.

2760 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول الْحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد إِلَا أَنه قَالَ ممحقة للبركة

(2)

.

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "يقول الحلف منفقة للسلعة" أي سبب لسرعة بيعها وكثرة الرغبة والحرص عليها "ممحقة للكسب"(وجاء في) الرواية الأخرى "ممحقة للبركة" منفقة بفتح الميم كذا قيده القاضي أي سبب لنفاق السلعة

= ثقات. وقال في صحيح الترغيب (1793): صحيح لغيره، وضعفه في ضعيف الجامع (6406).

(1)

طبقات ابن سعد: 7/ 407، والاستيعاب: 4/ 1563، وأسد الغابة: 5/ 77، وتهذيب التهذيب: 11/ 101، والإصابة: 3/ الترجمة 9087.

(2)

أخرجه البخاري في الصحيح (2087)، ومسلم (131 - 1606)، وأبو داود (3335)، والنسائى في المجتبى 7/ 186 (4502) والكبرى (6009).

ص: 236

وهي المتاع ومظنة لها من نفق البيع نفاقًا إذا كثر المشترون وممحقة بفتح الأولى وكسر الحاء ويصح فتحها أي سبب لمحق البركة، ومن الناس من يضم الميم منهما مع سكون الثاني والصحيح هو الأول ومنهم من يفتح الثاني منهما ويشدد الثالث وهو غير سديد رواية ولفظا كذا في الميسر

(1)

ذكره في شرح مشارق الأنوار للشيخ وجيه الدين، وفي حديث آخر إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق الحديث معناه أن الحلف الفاجر ينفق السلعة ويمحق البركة فهي ذات نفاق وذات محق ومعنى محق البركة أي يذهبها وقد يذهب رأس المال والربح كما قال اللّه تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}

(2)

وقد يتعدى (المحق إلى الحالف) فيعاقب (بإهلاكه) وبتوالى المصائب عليه وقد (يتعدى ذلك إلى خراب) بيته وبلده كما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اليمين الفاجرة" (تذر الديار بلاقع

(3)

أي خالية من سكانها

(1)

الميسر (2/ 663).

(2)

سورة البقرة، الآية:276.

(3)

أخرجه ابن حبان في المجروحين (3/ 149 - 150)، والقضاعى في مسند الشهاب (255)، والبيهقى في الكبرى (10/ 62 رقم 19870) والشعب (6/ 481 رقم 4501)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 411) عن أبي هريرة. قال الدارقطني في العلل (1540): يَرْوِيهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ نَاصِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ قَائِلٌ: عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ نَاصِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ عِكْرِمَةَ. وقال البيهقى: والحديث مشهور بالإرسال. وأخرجه خيثمة الأطرابلسي في الفوائد (ص 70)، وابن حبان في الثقات (8/ 400)، والدولابى في =

ص: 237

إذا توافقوا على التجرؤ على الأيمان الفاجرة، وأما (محق) الحسنات في الآخرة فلا بد منه لمن لم يتب وسبب هذا كله أن اليمين الكاذبة يمين غموس يؤكل بها مال المسلم بالباطل

(1)

.

(وقوله) وإياكم والحلف في البيع معناه الزجر والتحذير والحلف منصوب على [الإغراء] كما تقول إياك والأسد أي (احذره واتقه وإنما) حذر عن كثرة الحلف لأن الغالب على من كثرت إيمانه وقوعه في الكذب (والفجور وإن) سلم من (من ذلك على بعده لم يسلم من) الحنث أو الندم لأن اليمين حنث أو ندم كما ورد في (الحديث) وإن سلم من ذلك لم يسلم

= الكنى (2072)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 397 رقم 2543)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 702 - 703) من حديث واثلة بن الأسقع.

وقال أبو حاتم في العلل (1329): هَذَا حديثٌ مُنكَرٌ. وأخرجه ابن منده في مجلس من أماليه (92) والخطيب في المتفق والمفترق (1/ 299) والأصبهانى في الترغيب والترهيب (1150) من حديث أبى الدرداء. وأخرجه البيهقى في الشعب (10/ 345 رقم 4501) عن يحيى بن أبي كثير اليمامي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه.

وقال البيهقي: اختلفوا فيه على يحيى، فقيل: هكذا، وقيل: عنه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وقيل: عنه منقطعا وهو أصح. وأخرجه عبد الرزاق في الجامع (20231) عن معمر عن يحيى بن أبي كثير مرسلا. ووكيع في الزهد (406) وإسحاق في المسند (2425) وهناد في الزهد (2/ 494) والبيهقى في الكبرى (10/ 62 رقم 19872) عن مكحول مرسلا. قال البيهقى في الصغير (4/ 98): لَمْ يَثْبُتْ إِسْنَادُهُ مَوْصُولًا، وَقَدْ رُوِيَ مُرْسَلًا. والحديث صححه الألباني في الصحيحة (978) وصحيح الترغيب (1836) وصحيح الجامع (5391).

(1)

المفهم (14/ 136 - 137).

ص: 238

من مدح السلعة (المحلوف عليها) والإفراط (في تزيينها ليروجها على المشتري، مع ما في ذلك من ذكر اللّه تعالى) لا على جهة التعظيم بل على جهة مدح السلعة فاليمين على (ذلك تعظيم للسلع) لا تعظيم (للّه تعالى) وهذه كلها أنواع من المفاسد لا يقدم عليها إلا من عقله ودينه فاسد قاله في الديباجة.

2761 -

وَعَن أبى قَتَادَة رضي الله عنه أَنه سمع رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول إيَّاكُمْ وَكَثْرَة الْحلف فِي البيع فَإِنَّهُ ينْفق ثمَّ يمحق رَوَاهُ مسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

(1)

.

قوله: ينفق بضم حرف المضارعة وسكون النون أي يروج المتاع ويكثر الرغبات ويمحق بضم حرف المضارعة أيضا أي يذهب بالبركة وذلك هو الرواية المعتد بها فيهما ومنهم من يرويه يمحق بالضم على وفاق وهي غير صواب فإن أمحقه لغة ردية في محقة ومنهم من يشدد الكلمتين وليس ذلك بشيء وتقدم ذلك في الحديث قبله. واللّه أعلم.

(1)

أخرجه مسلم (132 - 1607)، وابن ماجه (2209)، والنسائى في المجتبى 7/ 186 (4501) والكبرى (6010).

ص: 239