الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الترهيب من البناء فوق الحاجة تفاخرا وتكاثرا]
2876 -
عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه: قَالَ بَيْنَمَا نَحن عِنْد رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم إِذْ طلع علينا رجل شَدِيد بَيَاض الثِّيَاب شَدِيد سَواد الشّعْر لَا يرى عَلَيْهِ أثر السّفر وَلَا يعرفهُ منا أحد حَتَّى جلس إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأسند رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوضع كفيه على فَخذيهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّد أَخْبرنِي عَن الْإِسْلَام فَقَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم الْإِسْلَام أَن تشهد أَن لا إِلَه إِلَّا اللّه وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول اللّه وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكاة وتصوم رَمَضَان وتحج الْبَيْت إِن اسْتَطَعْت إِلَيْهِ سَبِيلا، قَالَ صدقت فعجبنا لَهُ يسْأَله ويصدقه قَالَ فَأَخْبرنِي عَن الإِيمَان قَالَ أَن تؤمن بِاللّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر وتؤمن بالْقدرِ خَيره وشره فَقَالَ صدقت قَالَ فَأَخْبرنِي عَن الْإِحْسَان قَالَ أَن تعبد اللّه كأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك قَالَ فَأَخْبرنِي عَن السَّاعَة قَالَ مَا المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل قَالَ فَأَخْبرنِي عَن أماراتها قَالَ أَن تَلد الْأَمة ربتها وَأَن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشَّاء يتطاولون فِي الْبُنيان قَالَ ثمَّ انْطلق فَلَبثت مَلِيًّا ثمَّ قَالَ يَا عمر أَتَدْرِي من السَّائِل؟ قلت اللّه وَرَسُوله أعلم قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيل أَتَاكُم يعلمكم دينكُمْ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا
(1)
.
(1)
أخرجه أحمد 1/ 28 (373) و 1/ 51 (374) و 1/ 52 (385)، والبخارى في خلق أفعال العباد (26)، ومسلم (1 و 2 و 3 و 4 - 8)، وأبو داود (4695) و (4697)، وابن ماجة (63)، والترمذى (2610)، والنسائي في المجتبى 7/ 518 (5034)، وابن خزيمة (2504) و (3065)، وابن حبان (168) و (173).
قوله: وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كنيته: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي قتل سنة ثلاث وعشرين وتقدم الكلام عليه في أوائل هذا التعليق مبسوطا.
قوله: بينما نحن عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الحديث قال في هذا الحديث أصل عظيم في الدين يشتمل على أصول السنة كما اشتملت الفاتحة على أصول الكتاب واللّه أعلم قال في النهاية
(1)
: أصلها بين فأشبعت الفتحة فصار أي فتحة النون بينا يقال بينا وبينما وهي ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ويضافان إلى جملة من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى والأفصح في جوابهما أن لا يكون فيه إذ وإذا وقد جاءا في الجواب كثيرًا تقول بينما زيد جالس دخل عليه وإذ دخل عليه عمرو وإذا دخل عليه وفي الحديث قد اقترن جوابها بالفاء والظاهر أنها زائدة على رأي من يرى زيادتها وهو الأخفش وأنكره سيبويه ا. هـ وقال في التنقيح
(2)
: بين كلمة معناها التوسط تقول جلست بين القوم أي في وسطهم وزيدت ما فيها عوضا عما تستحقه من المضاف إليه ولذلك لا تضاف والمعنى بين أوقات أو حالات نحن جالسون فيها زمان طلوع هذا الرجل ا. هـ.
قوله: "ذات يوم" ها هنا تأنيث ذو بمعنى صاحب أي بينا نحن في ساعة ذات مرة في يوم فحذفت هذه المضافات لوضوح الْأَمر قاله الطوفي
(3)
.
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 176).
(2)
كشف المناهج والتناقيح (1/ 64).
(3)
التعيين في شرح الأربعين (ص 46).
قوله: "إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب" الحديث هو إشارة إلى غرابة هذه القضية لأن الرجل هيئته هيئة حاضر لا يخفى عليه أمر الدين مع اشتهاره غالبا خصوصًا في المدينة وسؤاله سؤال أعرابي وارد غير عالم بالدين وهذا بخلاف حديث طلحة بن عبيد اللّه جاء أعرابي ثائر الرأس من أهل نجد يسمع دوي صوته الحديث إذا وصفه بصفة الأعراب الواردين فلم يكن في سؤاله غرابة ولا عجب.
قوله: "بياض الثياب شديد سواد الشعر" مطابقة جيدة تامة وفيه استحباب التجمل وتحسين الهيئة للعالم والمتعلم لأن هذا الرجل هو جبريل عليه السلام كما تبين في آخر الحديث وهو معلم من جهة لقوله عليه السلام "جاء يعلمكم دينكم" ومتعلم من جهة أنه في صورة سائل ا. هـ قاله الطوفي
(1)
.
تنبيه: ومن ذلك تحسين الهيئة والثياب إذا أراد الدخول في الصلاة لا سيما صلاة الجمعة والعيدين فقد ندب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى التجمل ولبس الثياب الحسنة في الجمعة والعيدين بمقاله وفعاله قاله في تهذيب النفوس فيه دليل على أن السنة في الثياب النظافة ففي جامع الترمذي أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "إن اللّه طيّب يحب الطيب نظيف يحب النظافة"
(2)
وفي شعب البيهقي: عن
(1)
المصدر السابق (ص 48).
(2)
أخرجه البرجلاني في الكرم والجود (12)، والدورقى في مسند سعد (31)، والترمذى (2799)، والبزار (1114)، وأبو يعلى (790) و (791)، والدولابى في الكنى (1203) عن سعد بن أبي وقَّاص. وقال الترمذي: هذا حديث غريب وخالد بن إلياس يضعف.
وحسنه الألباني في المشكاة (4487). وضعفه إلا قوله: إن الله جواد
…
الخ صحيح غاية =
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الثوب النظيف ويكره الثوب الوسخ
(1)
وإنما جاء جبريل عليه السلام في الثياب البيض ولم يجئ في غيرها وان كان غيرها مما يتجمل به أيضًا لأن البياض أفضل الثياب لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن من خير ثيابكم البياض فالبسوه وكفنوا فيه موتاكم"
(2)
.
قوله: "شديد سواد الشعر" فيه دليل على الحث في طلب العلم في زمن الشباب لفراغ قلب الشاب من الشواغل غالبا وقد قيل العلم في الصغر كالنقش على الحجر واللّه أعلم.
قوله: "لا يرى عليه أثر السفر" بضم الياء المثناة آخر الحروف من يرى على من لم يسم فاعله وضبطه بعضهم بالنون المفتوحة.
قوله: "ولا يعرفه منا أحد" الحديث إشارة إلى غرابة القضية أيضًا لأن هيئته أيضًا أنه من أهل المدينة ولو كان منها لعرفناه أو بعضنا فقد حصل فيه أمارة معرفتنا له مع عدم معرفتنا له.
= المرام (113)، الصحيحة (236 و 1627)، حجاب المرأة (101) // ضعيف الجامع الصغير (1616).
(1)
أخرجه البيهقى في الشعب (8/ 273 رقم 5815)، والديلمى كما في الغرائب الملتقطة (754) بلفظ: ما رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وسخا قط كان يحب الدهن غبا ويرجل رأسه وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يبغض الوسخ والشعث. وقال الألباني في الضعيفة (2325): موضوع.
(2)
أخرجه ابن ماجة (1472) و (3566)، وأبو داود (3878) و (4061)، والترمذي (994)، والبزار (5092)، وابن حبان (5423) عن ابن عباس. وقال الألباني: صحيح - "أحكام الجنائز"(82)، "المشكاة"(1638)، "مختصر الشمائل"(43 و 44 و 54).
قوله: "حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه" الحديث يقضي أنه جلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لم يتصور إسناد ركبتيه إلى ركبتيه لأنه لو جلس جانبه لما أمكنه إلا إسناد ركبة واحدة منه إلى ركبة واحدة من النبي صلى الله عليه وسلم ففيه تأديب للمتعلمين أنهم يجلسون بين يدي مشايخهم على ركبهم للتعلم.
قوله: "ووضع كفيه على فخذيه" الضمير في كفيه للرجل وفي فخذيه يحتمل أنه له أيضًا ولأنه وضع كفيه على فخذي نفسه معتمدا عليهما وقت السؤال ويحتمل أنه للنبي صلى الله عليه وسلم وأن الرجل وضح كفيه على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم استئناسا باعتبار ما بينهما من الأنس في الأصل حين يأتيه جبريل عليه السلام لتبليغ الوحي وهذا الاحتمال أرجح لما رواه النسائي من حديث أبي ذر وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهراني أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أهو هو حتى يسأل فطلبنا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه فبنينا له دكانا من طين يجلس عليه إنا لجلوس عنده إذا قبل الرجل أحسن الناس وجها وأطيب الناس ريحا كان ثيابه لا يمسها دنس حتى سلم من طرف السماط فردوا عليه السلام وقال: ادنو يا محمد قال أدنه فما زال يقول ادنوا مرارا ويقول ادنه حتى وضع يديه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
وإنما
(1)
أخرجه إسحاق (165) وعنه المروزى في تعظيم قدر الصلاة (378) والنسائي في المجتبى 7/ 520 (5035)، وفي الكبرى (5843)،، والبخاري في خلق أفعال العباد (189)، وأبو داود (4698)، والبزار (4025)، وأبو عوانة (9)، وابن منده في الإيمان =
خرج احتمال في ضمير فخذيه خو ضمير ركبتيه لجواز نفسه واللّه أعلم.
قوله: "وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام" نداؤه صلى الله عليه وسلم باسم العلم منهي عنه شرعا شرفا له صلى الله عليه وسلم قال اللّه تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}
(1)
فكيف ناداه جبريل عليه السلام بذلك الجواب أن جبريل عليه السلام لا حرج عليه في مخاطبته بذلك لأن ذلك إنما حظر على البشر وغالب خطاب جبريل عليه السلام له إنما وقع هكذا فيكون فيه دلالة على أن الكبير له أن يخاطب الكبير بما ليس للصغير أن يخاطب به الكبير ويمكن أن يجاب بأنه قصد التعمية والتستر ذكره صاحب تهذيب النفوس قال العُلماء: ولعل هذا كان قبل النهي عن مخاطبته صلى الله عليه وسلم باسمه قبل نزول قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ} الآية على أحد التفسيرين أي لا تقولوا يا محمد بل يا رسول اللّه يا نبي اللّه ويحتمل بعد نزول الآية ولم تبلغ القائل فيه نظر
(2)
ا. هـ ففيه جواز تسمية المتعلم شيخة والمرءوس رئيسه باسمه لكن قد غلب في العرف تسمية المشايخ والرؤساء بالأسماء الشريفة المفخمة فينبغي اتباعه إلا أن يعلم أن الشيخ لا ينقبض من تسميته باسمه الأصلي ولا يكون ذلك على سبيل الوضع منه فيكون ذلك هو الأولى اتباعا لهذه
= (160)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي (139) ومن طريقه الشجرى في الأمالى (2/ 353) والبغوى في الأنوار (393). وصححه الألباني في الإرواء (3).
(1)
سورة النور، الآية:63.
(2)
إكمال المعلم (1/ 219) وشرح النووي على مسلم (1/ 170).
السنة وغيرها ولأنه أقرب إلى التواضع وأولى بالصدق ذكره الطوفي
(1)
.
قوله: "أخبرني عن الإسلام فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة" الحديث الإسلام مصدر أسلم إسلاما وهو في اللغة الطاعة والانقياد يقال أسلم الرجل واستسلم انقاد فهذا الحديث بيان أصل الإسلام والإسلام الاستسلام والانقياد فقد يكون المرء مستسلما في الظاهر غير منقاد في الباطن وقد يكون صادقا في الباطن غير منقاد في الظاهر وفي الشريعة ما فسر به النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام في هذا الحديث وهو الأعمال الظاهرة كالشهادتين وباقي العبادات والمراد هنا واللّه أعلم شرائع الإسلام
(2)
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح
(3)
: فهذا بيان لأصل الإيمان وهو التصديق الباطن وبيان لأصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر وحكم الإسلام في الظاهر يثبت بالشهادتين وإنما أضاف إليها الصلاة والزكاة الصوم والحج لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها وبقيامه بها يتم استسلامه وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده واحتلاله واللّه أعلم.
لطيفة: إذا سئلت عن الإسلام ما هو فقل هو الانقياد والاستسلام بأفعال الجوارح الظاهرة وهي النطق بالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة إلى
(1)
التعيين في شرح الأربعين (ص 50).
(2)
شرح النووي على مسلم (1/ 145).
(3)
شرح النووي على مسلم (1/ 147 - 148).
آخره وإذا سئلت عن الإيمان وماهو فقل الإيمان هو التصديق بالقلب باللّه تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خير وشره فهذه قواعد الإيمان وأصول التوحيد واللّه تعالى أعلم.
تنبيه: قوله: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللّه أن تشهد منصوب بأن وباقي الأفعال عطف عليه وهي تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة إلى آخره فأما تؤمن فمنصوب مباشرة مثل تشهد ونبهنا على هذا لأن بعض الناس يغلط فيه فيرفع بعض هذه الأفعال ظنا أنها مستأنفة واللّه أعلم ذكره الطوفي
(1)
.
فائدة: واختلف العُلماء في الإيمان والإسلام هل هما واحد أو متغايران فذهب بعض العُلماء إلى أن الإيمان غير الإسلام وهذا الحديث يقتضى تغايرهما لأن جبريل سأل عنهما سؤالين وأجيب عنهما بجوابين وفسر له الإسلام بأعمال الجوارح كالصلاة والزكاة والحج وفسر الإيمان بعمل القلب وهو التصديق ولو كانا واحد لكان السؤال والجواب على أحدهما كافيا عن السؤال عن الآخر ولكان تفسير أحدهما وهو عين تفسير الآخر قاله الطوفي
(2)
وذهب عامة أهل السنة إلى أنهما واحد واستدلوا يقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}
(3)
، {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}
(4)
فأخبر أن
(1)
التعيين في شرح الأربعين (ص 54).
(2)
المصدر السابق (ص 55).
(3)
سورة آل عمران، الآية:19.
(4)
سورة المائدة، الآية:3.
الدين الذي رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}
(1)
والإسلام هو دين اللّه تعالى في السماء وفي الأرض ليس له دين غيره وفي تفسير البغوي
(2)
: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال: اللّه تعالى هذا دين ارتضيته لنفسي فلن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه"
(3)
وهو دين الملائكة ولم يبعث اللّه من آدم إلى
(1)
سورة آل عمران، الآية:85.
(2)
تفسير البغوى (2/ 13).
(3)
أخرجه الختلى في الديباج (56)، وأبو حاتم كما في العلل (2554)، والعقيلى في الضعفاء (1/ 46)، والخرائطى في مكارم الأخلاق (39 و 40) و (559 و 560)، ابن حبان في المجروحين (2/ 134)، والطبراني في الأوسط (8/ 375 رقم 8920)، ابن عدي في الكامل (4/ 189 - 190)، وابن المقرئ في المعجم (161)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 80)، والقضاعى في مسند الشهاب (1460)، والبيهقى في الشعب (13/ 301 - 303 رقم 10366 و 10367 و 10368)، والبغوى في التفسير (2/ 13) عن جابر.
قال أبو حاتم في العلل (2554): وهو حديث موضوع، وعبد الملك: هو مضطرب الحديث. وضعفه الألباني في الضعيفة (5736) وضعيف الترغيب (1598). كما أنه قد روى عن عمران بن حصين وأبى سعيد وابن عباس وأنس:
أما حديث عمران بن حصين: أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 165 رقم 8286) والكبير 18/ 159 (347) وأبو نعيم في الحلية (2/ 160)، والأصبهانى في الترغيب (1209) و (1545). قال الهيثمي في المجمع 3/ 137: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عمرو بن الحصين العقيلي، وهو متروك. وقال في 8/ 20: رواه الطبراني، وفيه عمرو بن الحصين وهو متروك. وقال الألباني في الضعيفة (1282) وضعيف الترغيب (1561): موضوع.
وأما حديث أبي سعيد الخدرى: أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 148)، =
محمد إلا بدين الإسلام واللّه أعلم.
تنبيه: قال أبو سليمان الخطابي
(1)
: المسلم قد يكون مؤمنا في بعض الأحوال وقد لا يكون مؤمنا في بعض الأحوال والمؤمن مسلم في جميع الأحوال لأن أصل الإسلام الاستسلام والانقياد وأصل الإيمان التصديق فقد يكون المرء مستسلما في الظاهر غير منقاد في الباطن ولا يكون صادقا الباطن منقاد في الظاهر فإذا كلّ مؤمن مسلم وليس كلّ مسلم مؤمنا قاله في شرح السنة للبغوي.
فائدة: شروط الإسلام ستة العقل والبلوغ إلا في تبعية الصبي والمجنون لأبيه أو أمه والاختيار إلا في إسلام الحربي والتلفظ باللسان في حق الأخرس والترتيب فلو آمن بنبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل الإيمان باللّه تعالى لم يصح إيمانه.
تنبيه: شروط التكليف ثلاثة العقل والبلوغ وبلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وأحكام التكليف خمسة الواجب والحرام والمندوب والمكروه المباح الأول:
= والأصبهانى في الترغيب (550). وقال الألباني في الضعيفة (6883): ضعيف جدًّا.
وأما حديث ابن عباس: أخرجه تمام في الفوائد (1130) من طريق عمر بن إسماعيل بن مجالد: نا مسعدة بن صدقة عن الأوزاعي عن ميمون بن مهران عن ابن عباس. وفيه عمر بن إسماعيل متروك قال ابن معين عنه: كذاب خبيث. وشيخه تركه الدَّارقُطْنِي كما في اللسان (6/ 22).
وأما حديث أنس بن مالك: أخرجه الرافعي في تاريخ قزوين (4/ 114). وقال الألباني في الضعيفة (3317): باطل.
(1)
شرح السنة (1/ 11).
الواجب: وهو الذي يثاب فاعله أكثر من ثواب السنة بأضعاف كثيرة ويعاقب تاركه كالوضوء الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك.
الثاني: الحرام وهو الذي يثاب تاركه ويعاقب فاعله.
الثالث: المندوب ويعبر عنه بالسنة والمستحب والتطوع فهو الذي يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.
الرابع: المكروه فهو الذي يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله.
الخامس: المباح: فهو مستو في الطرفين ليس في فعله ثواب ولا في تركه عقاب وهو كثير لا يحتاج إلى أمثلة.
فائدة قوله: صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل وتقيم الصلاة ظاهر الدلالة على أن الأعمال من الإسلام أي من شرائعه ومن مفهومه ففيه دليل بمن يقول أن تارك الصلاة عمدا كافر كما هو مذهب أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم "بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة"رواه مسلم
(1)
وقوله عليه الصلاة والسلام" من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك مسلم الذي له ذمة اللّه وذمة رسوله"
(2)
وقوله عليه الصلاة والسلام "العهد الذي بينا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"
(3)
وكلها أحاديث صحيحة ثابتة.
(1)
أخرجه مسلم (134 - 82)، وأبو داود (4678)، وابن ماجة (1078)، والترمذى (2618 و 2619 و 2620)، والنسائي 1/ 567 (471) عن جابر.
(2)
أخرجه البخاري (391 و 392 و 393)، والترمذى (2608) عن أنس.
(3)
أخرجه ابن ماجة (1079)، والترمذي (2621)، والنسائي 1/ 567 (470) والكبرى (326)، والبزار (4413)، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (895) =
قوله: في حديث جبريل عليه السلام وتؤتي الزكاة فيه دليل على أن الزكاة داخلة في الإسلام وقد قال الصديق الأكبر رضي الله عنه: لما منع قوم زكاة أموالهم واللّه لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة واللّه لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها
(1)
وفي البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما وما منع قوم الزكاة أموالهم إلا منعهم اللّه القطر من السماء
(2)
إلى غير ذلك من الأحاديث.
قوله: صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام عليه وتصوم رمضان هو داخل في مسمى الإسلام وفي شرائعه وهو فريضة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة فمن أفطر منه يومًا متعمدا فقد ارتكب كبيرة عظمى وجريمة شنعاء.
قوله صلى الله عليه وسلم: في حديث جبريل عليه السلام وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الاستطاعة بالزاد والراحلة
(3)
وفي ذلك أحاديث كثيرة ا. هـ.
= و (896)، وابن حبان (1454) عن بريدة بن الحصيب. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وقال الألباني: صحيح - "المشكاة"(574)، صحيح الترغيب (564)، الإيمان لابن أبي شيبة 46.
(1)
أخرجه البخاري (1399 و 1400) و (1456 و 1457) و (6924 و 6925) و (7284)، ومسلم (32 - 20)، وأبو داود (1556 و 1557)، والترمذى (2607)، والنسائي في المجتبى 4/ 461 (2462) و 5/ 341 - 342 (3114 و 3115 و 3116) و 6/ 465 (4005) و 6/ 467 (4008) و 6/ 468 (4010) عن أبي هريرة.
(2)
أخرجه البيهقى في الكبرى (9/ 386 رقم 18850) والشعب (5/ 21 رقم 3039) عن ابن عباس موقوفًا. وصححه الألباني في الصحيحة (107) وقال: وإسناده صحيح وهو موقوف في حكم المرفوع، لأنه لا يقال من قبل الرأي.
(3)
أخرجه الترمذي (2998)، وابن ماجة (2896)، والدارقطني (2421) و (2422) و (2423)، والبيهقى في الصغير (2/ 133) والكبرى (4/ 535 - 536) و (4/ 540) عن =
تنبيه: في حديث جبريل عليه السلام وتحج البيت ان استطعت إليه سبيلا لم قيد الحج بقوله ان استطعت إليه سبيلا ولم يقيد بذلك الصلاة والزكاة والصوم مع إنها تجب مع الاستطاعة لقوله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
(1)
وهذه العبادات من التقوى وقوله: عليه الصلاة والسلام "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"
(2)
فكان ينبغي أن يقيد الجميع بالاستطاعة ولا يقيد واحد منها بها والجواب: أن الخطب في هذا يسير أنه عليه السلام تابع القرآن في قوله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}
(3)
ولم يقل ذلك في خصوص غيره من العبادات فإن قيل ينتقل السؤال إلى القرآن لم قيد الحج بالاستطاعة دون غيره قلنا لأنه يتعلق بقطع
= ابن عمر. وضعفه الألباني في الإرواء (988).
وأخرجه ابن ماجة (2897)، والطبراني في الكبير (11/ 235 رقم 11596)، والدارقطني (2424) و (2425) و (2427) عن ابن عباس. وقال الألباني: ضعيف جدًّا، الإرواء (988). وفي الباب عن أنس وعائشة وجابر وعبد اللّه بن عمرو وابن مسعود وكلها ضعاف ضعفها الألباني في الإرواء (988) وقال (4/ 166): وخلاصة القول: إن طرق هذا الحديث كلها واهية، وبعضها أوهى من بعض، وأحسنها طريق الحسن البصرى المرسل، وليس في شئ من تلك الموصولات ما يمكن أن يجعل شاهدا له لوهائها، خلافا لقول البيهقى بعد أن ساق بعضها: وروى فيه أحاديث آخر، لا يصح شئ منها، وحديث إبراهيم بن يزيد أشهرها، وقد أكدناه بالذى رواه الحسن البصرى وإن كان منقطعا.
(1)
سورة التغابن، الآية:16.
(2)
أخرجه مسلم (412 - 1337) عن أبي هريرة.
(3)
سورة آل عمران، الآية:97.
مسافة وفيه من المشقة ما ليس في غيره فكان أحق بالتفسير بالاستطاعة من غيره واللّه أعلم.
قوله: في حديث جبريل عليه السلام وسبب تعجبهم أن هذا خلاف عادة السائل الجاهل إنما هذا الكلام خبر بالمسئول عنه ولم يكن في ذلك الوقت من يعلم هذا غير النبي صلى الله عليه وسلم ذكره ابن رجب الحنبلي
(1)
وقال الطوفي
(2)
: لأن سؤاله يقضي عدم العلم بما سأل عنه وتصديقه للنبي صلى الله عليه وسلم فيما أجابه به يقضي أنه عالم به فكان ظاهر حاله أنه عالم بذلك غير عالم وهو محل التعجب وإنما زال التعجب عنهم بقوله صلى الله عليه وسلم "إنه جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم" فتبينوا أنه كان عالما فصورة متعلم لقصد التعليم والتبين لهم وذلك لا عجب فيه ا. هـ.
قوله: صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام "قال فأخبرني عن الإيمان" الإيمان مصدر ءامن إيمانا وزن أكرم إكراما فالهمزة الثانية في ءامن نظير الكاف في أكرم فإذًا ءامن وزنه أفعل لا فاعل إذ لو كان فاعل لكان مصدره فعالا نحو قاتل قتالا وضارب ضرابا ونحوه قاله الطوفي
(3)
فالإيمان قد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالاعتقادات الباطنة "فقال أن تؤمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره" وقد ذكر اللّه في كتابه الإيمان بهذه الأصول الخمسة بعد في مواضع كقوله: تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ
(1)
بل هو قول النووي كما في شرح النووي على مسلم (1/ 157).
(2)
التعيين في شرح الأربعين (ص 54 - 55).
(3)
التعيين في شرح الأربعين (ص 55).
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}
(1)
الآية وقال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}
(2)
الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}
(3)
فالإيمان باللّه تعالى هو أن يصدق العبد بوجود ربه ووحدانيته وأنه لا يجوز عليه العدم وأنه تعالى موصوف بصفات الجلال والكمال والعلم والقدرة والإرادة والكلام والسمع والبصر وأنه تعالى منزه عن صفات النقص وعن صفات الإجسام وأنه واحد أحد فرد صمد خالق لجميع المخلوقات متصرف فيها بما يشاء من التصديقات يحكم في ملكه بما يريد لا يسأل عما يفعل وهو يسألون ا. هـ.
لطيفة: وقد ضرب العُلماء مثل الإيمان بمثل شجرة لها أصل وفروع وشعب فاسم الشجرة يشمل ذلك كلّه ولو زال شيء من شعبها وفروعها لم يزل عنها اسم الشجرة وإنما يقال هي شجرة ناقصة أو غيرها أتم منها وقد ضرب اللّه تعالى مثل الإيمان بذلك قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}
(4)
الآية والمراد بالكلمة كلمة التوحيد وبأصلها التوحيد الثابت في القلوب مأكلها هي الأعمال الصالحة الناشئة منه وضرب النبي صلى الله عليه وسلم "المؤمن أو المسلم بالنخلة ولو زال شيء من فروع
(1)
سورة البقرة، الآية:177.
(2)
سورة البقرة، الآية:3.
(3)
سورة البقرة، الآية:3.
(4)
سورة إبراهيم، الآية:24.
النخلة" أو من ثمرها لم يزل بذلك عنها اسم النخلة بالكلية وإن كانت ناقصة الفروع والثمرة ا. هـ قاله ابن رجب الحنبلي في شرح الأربعين النواوية
(1)
واللّه أعلم وأما الإيمان بالملائكة فهو التصديق بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهو بأمره يعلمون ولا يعصون اللّه ما أمرهم يفعلون ما يؤمرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وبوجودهم وإنزالهم منازلهم بأنهم عباد اللّه وخلقه كالإنس والجن مكلفون لا يقدرون إلا على ما يقدرهم ولا حول لهم ولا قوة إلا باللّه.
لطيفة: وذكر الإقليسي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: خلق اللّه حملة العرش قال: أتدرون لم خلقتكم قالوا خلقتنا ربنا لما تشاء قال: خلقتكم لتحملوا عرشي فسلوني من القوة ما شئتم أجعلها فيكم قال: أحدهم كان عرش ربنا على الماء فليجعل ربنا في من القوة قوة الماء قال: قد جعلت تلك فيك وقال: الآخر رب اجعل في قوة السموات قال: قد جعلت ذلك فيك وقال: الثالث رب اجعل في قوة الأرض والجبال قال: قد جعلت ذلك فيك وقال: الرابع رب اجعل في قوة الرياح قال: قد جعلت ذلك فيك قال: احملوا عرشي فوضعوا العرش على كواهلهم فلم يزولوه فقال لهم لا حول ولا قوة إلا باللّه فقالوها فجعل فيهم من الحول والقوة ما لم يبلغه علمهم فحملوه
(2)
وذكر عن كعب أن أقرب الملائكة إلى اللّه تعالى إسرافيل عليه السلام وله أربعة
(1)
جامع العلوم والحكم (1/ 154).
(2)
ذكره الطبرى في التفسير (23/ 229) بلاغا عن ابن زيد.
أجنحة جناح في المشرق وجناح في المغرب وقد تسربل بالثالث وبالرابع وبينه وبين اللوح حجاب فإذا أراد اللّه أمرا أن يوحيه جاء اللوح حتى يصفق جبهتة إسرافيل عليه السلام فينظر فإذا الْأَمر مكتوب فينادي جبريل أمرت بكذا وكذا فلا يهبط جبريل من سماء إلى سماء إلا فزع أهلها مخافة الساعة حتى يقول جبريل عليه السلام الحق من عند الحق فينزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيوحي إليه
(1)
.
قوله: "ورسله" الإيمان بالرسل أن تؤمن أنهم كانوا مرسلين إلى من أرسلوا إليه صادقين فيما أخبروا به عن اللّه تعالى وأن اللّه تعالى أيدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم وأنهم بلغوا عن اللّه رسالاته وبينوا للمكلفين ما أمرهم اللّه ببيانه وأنه يجب احترامهم وأن لا يفرق بين أحد منهم والإيمان برسولنا صلى الله عليه وسلم هو أن تؤمن أنه مرسل إلى الناس كافة وإلى الجن إلى قيام الساعة.
قوله: صلى الله عليه وسلم "وباليوم الآخر بيوم القيامة" وما اشتمل عليه من الإعادة بعد الموت والنشر والحشر والحساب والدنيا منقضية وأن هذا العالم منقض منحل تركبيه وأن اللّه تعالى يعيد الرفات من أبدان الأموات ويجمع ما تفرق منها في البحار وبطون السباع وغيرها حتى تصير بهيئتها الأولى فيقوم الناس
(1)
أخرجها الطبراني في الأوسط (9/ 114 رقم 9283)، وأبو الشيخ في العظمة (286) و (290)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 47). قال أبو نعيم:"غريب من حديث كعب، لم يروه عنه إلا عبد اللّه بن الحارث، ورواه خالد الحذاء، عن الوليد، عن أبي بشر، عن عبد اللّه بن رباح، عن كعب، نحوه". وقال الألباني في الضعيفة (6895) وضعيف الترغيب (2082): موضوع.
كلهم لأمر اللّه تعالى صغيرهم وكبيرهم حتى السقط التي تم خلقه ونفخ فيه الروح فأما الذي لم يتم خلقه ولم ينفخ فيه الروح أصلا فهو وسائر الأموات بمنزلة واحدة واللّه أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وتؤمن بالقدر خير وشره" الحديث: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}
(1)
وإجماع السلف والخلف على صدق من قال: "ما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن" فالقدر هو التقدير والقضاء الخلق وهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر لأن القدر بمنزلة الأساس والقضاء بمنزلة البناء وأما السنة فقال ابن الديلمي: أتيت أبي بن كعب فقلت وقع في نفسي شيء من القدر فحدّثني بشيء لعل اللّه أن يذهبه من قلبي فقال: لو أن اللّه عذب أهل سماواته وأرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل اللّه ما قبل اللّه منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على هذا دخلت النار قال: ثم أتيت ابن مسعود فقال: مثل ذلك ثم أتيت حذيفة فقال: مثل ذلك ثم أتيت زيد بن ثابت فحدّثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك
(2)
واللّه أعلم.
(1)
سورة الإنسان، الآية:30.
(2)
أخرجه أحمد 5/ 182 (21990) و 5/ 185 (22012) و 5/ 189 (22055) والسنة (843) و (844)، وعبد بن حميد (247)، وأبو داود (4699)، وابن ماجة (77)، وابن أبي عاصم في السنة (245)، وابن حبان (727). وقال الألباني: صحيح ظلال السنة (145)، المشكاة (115)، شرح الطحاوية (629).
تنبيه: ثم يعتقد الإيمان بالقدر خيره وشره وأنه لا يكون في الملك والملكوت أعني الأرض والسموات فلتة خاطر ولا لفتة ناظر ولا تحرك متحرك في بر أو بحر بخير أو شر إلا بقضاء اللّه وقدره وإراداته ومشيئته فمنه الخير والشر والنفع والضر والإيمان والكفر وهو خالق كلّ شيء كلّ ذلك بحكمة وسر فسر القدر لا يظهر إلى يوم القيامة فينكشف عن أسرار عجيبة وأمور غريبة فسبحان المدبر الحكيم ا. هـ.
قوله: صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام "فأخبرني عن الإحسان" الحديث فالإحسان ها هنا بمعنى الإخلاص وهو شرط في صحة الإيمان والإسلام معا قال النووي
(1)
: هذا أصل عظيم من أصول الدين وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين وهو عمدة الصديقين وبغية السالكين وكنز العارفين ودأب الصالحين وتلخيص معناه "أن تعبد اللّه عبادة من يرى اللّه ويراه اللّه وحاصله الحث على كمال الإخلاص في العبادة ونهاية المراقبة فيها وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئًا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به فقال صلى الله عليه وسلم اعبد اللّه في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان فإن التتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع اللّه سبحانه وتعالى عليه فلا يقدم العبد على تقصير في هذا الحال للاطلاع عليه وهذا المعنى
(1)
شرح النووي على مسلم (1/ 157 - 158).
موجود مع عدم رؤية العبد فينبغي أن يعمل بمقتضاه فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى في إتمام الخشوع والخضوع وغير ذلك وقد ندب أهل الحقائق على مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من تلبسه من النقائص احتراما لهم واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال اللّه سبحانه وتعالى مطلعا علي في سره وعلانيته قال القاضي عياض
(1)
: وهذا الحديث قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان وأعمال الجوارح وإخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال حتى أن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه ا. هـ، والإحسان في لسان الشرع اتفاق العبادة ومراعاة حقوق اللّه تعالى فيها ومراقبته واستحضار عظمته وجلاله بالمراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه فاستدامته لهذا العلم واليقين هي المراقبة.
لطيفة: وقال: ذو النون رحمت اللّه عليه عامة المراقبة إيثار ما آثر اللّه وتعظيم ما عظم اللّه وتصغير ما صغر اللّه وقيل الرجاء يحرك إلى الطاعة والخوف يبعدك عن المعاصي والمراقبة تؤدبك إلى طريق الحقائق وقيل المراقبة مراعاة القلب لملاحظة الحق مع كلّ خطرة وخطوة وقال: الجريرى أمرنا هذا مبني على فصلين أن تلزم نفسك المراقبة للّه ويكون العلم على ظاهرك فإنما وقال: إبراهيم الخواص رحمت اللّه عليه المراقبة تورث خلوص السر والعلانية للّه تعالى وقال: أبو حفص لأبي عثمان النيسابوري إذا
(1)
إكمال المعلم (1/ 204 - 205).
جلست للناس فكن واعظا لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك واللّه يراقب باطنك
(1)
ا. هـ.
تنبيه: وهذه المنزلة يعني الإحسان هي لب الإيمان وروحه وكما له وهذه المنزلة تجمع جميع المنازل قال: النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الإحسان أن تعبد اللّه كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك إشارة إلى كمال الحضور مع الله ومراقبته الجامع لخشيته ومحبته ومعرفته والإنابة إليه والإخلاص له ولجميع مقامات الإيمان وقد وعد اللّه على الإحسان بالإحسان فقال: تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)}
(2)
قال: ابن عباس رضي الله عنهما هل جزاء من قال: لا إله إلا اللّه وعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إلا الجنة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ لهاشم فقال: "هل تدرون ما قال ربكم" قالوا اللّه ورسوله أعلم قال: "يقول هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة"
(3)
.
فائدة: وأرباب القلوب في هذه المراقبة على حالين أحدهما غالب عليه مشاهدة الحق فكأنه يراه وآخر يغلب عليه أن الحق مطلع عليه ومشاهد له
(1)
الرسالة القشيرية (1/ 331).
(2)
سورة الرحمن، الآية:60.
(3)
أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (929)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 280)، والبغوى في التفسير (4/ 343)، والواحدى في الوسيط (4/ 227)، والثعلبي في التفسير (9/ 192)، والديلمى في كما في الغرائب الملتقطة (2732) عن أنس بن مالك. وأخرجه البيهقى في الشعب (2/ 22 رقم 425) عن ابن عمر. قال البيهقي: تفرد به إبراهيم بن محمد الكوفي هذا وهو منكر، والله أعلم. وقال الألباني في الضعيفة (4984): ضعيف.
وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم فإن لم تكن تراه فإنه يراك وبقوله: تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)}
(1)
الآية وبقوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}
(2)
وهاتان الحالتان ثمرة معرفة اللّه تعالى وخشيته وقد قال اللّه تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}
(3)
فسر النبي صلى الله عليه وسلم الحسنى بالجنة والزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم وأحسنوا إن اللّه يحب المحسنين وإن اللّه لمع المحسنين فمن تحقق بمراقبة اللّه حتى كأنه يرى اللّه فذاك المحقق العظيم ومن تحقق بأن اللّه يراه في كلّ حال استحي منه أن يعصيه وقيل كان ابن عمر في سفر يرعى فرأى غلاما يرعى غنما فقال: تبيع من هذا الغنم واحدا فقال: إنها ليست لي فقال: قل لصاحبها إن الذئب قد أخذ منها واحدا وأراد أن يختبره بذلك فقال: العبد فأين اللّه فكان ابن عمر يقول بعد ذلك إلى مدّة قال: ذلك فأين اللّه ا. هـ.
قوله: "قال فأخبرني عن الساعة" يعني القيامة أي عن زمن وجودها سميت ساعة وإن طال زمنها اعتبارًا بأول زمنها فإنها تقوم بغتة في ساعة ومن الناس من يكون قد تناول لقمة فلا يمهل حتى يبتلعها فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها والساعة في القرآن على وجهين الساعة الأولى
(1)
سورة الشعراء، الآية:218.
(2)
سورة يونس، الآية:61.
(3)
سورة يونس، الآية:26.
وهي عبارة عن نفخ سيدنا إسرافيل في الصور لموت الناس والثانية: ساعة البعث وسؤال جبريل عليه السلام عن الساعة الأولى لأن العلامات والأشراط إنما هي لها وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لتقوم الساعة وقد نشر الرجال ثوبهما بينهما يتبايعان فلا يطويانه الحديث
(1)
.
قوله: صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام "ما المسئول عنها بأعلم من السائل" الحديث أي كانا سواء في عدم العلم بزمن وقوعها يعني أن علم الخلائق كلهم في وقت الساعة سواء وهذا إشارة إلى أن اللّه تعالى استأثر بعلمها فهذا يدلّ على أن العالم والمفتي إذا سئل عما لا يعلمه يقول لا أعلم وأن ذلك لا ينقصه بل يستدل به على ورعه وتقواه ووفور علمه ا. هـ واعلم أن جبريل عليه السلام قد علم أن علم الساعة مما استأثر اللّه تعالى به لا يعرفه ملك مغرب ولا نبي مرسل ولذلك قال: صلى الله عليه وسلم ما المسئول عنها بأعلم من السائل أي تساويا في عدم العلم بها وإنما سأله عنها ليسمع الأمة بما يجيب عنه فيعلموا أن العلوم المكنونة فيعلموا أن العلوم المكنونة مع معرفة أمارتها بمعزل عن درك العقول فيقفوا عن حد الأدب وينتهوا إلى معالم العبودية ولا يتطلعوا إلى البحث عنه والخوض فيه {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}
(2)
، {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا}
(3)
، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}
(4)
، {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا
(1)
أخرجه البخاري (6506) عن أبي هريرة.
(2)
سورة لقمان، الآية:34.
(3)
سورة طه، الآية:15.
(4)
سورة الأعراف، الآية:187.
عِنْدَ رَبِّي}
(1)
الآيات وفي صحيح مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا اللّه وتلا: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}
(2)
الآية
(3)
.
قوله: صلى الله عليه وسلم قال "فأخبرني عن أماراتها" هو بفتح الهمزة أي شرطها وعلامتها التي تدل على اقترابها وربما روي أمارتها على الجمع يقال أمارة وأمارات وأمار بإثبات الهاء وحذفها نحو ضلالة وضلالات وضلال من باب ما بين الواحد وجمعه حذف الهاء نحو تمرة وتمر، وأما الأمارة بكسر الهمزة فهي الولاية، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم للساعة علامتين في هذا الحديث الأولى قوله صلى الله عليه وسلم "أن تلد الأمة ربتها" أي سيدتها ومالكتها تأنيث رب وفي رواية الأخرى ربها على التذكير أي سيدها وفي رواية الأخرى بعلمه والصحيح أن البعل هو المالك أو السيد فيكون بمعنى ربها قال أهل اللغة: بعل الشيء ربه ومالكه وقال ابن عباس: رضي الله عنهما والمفسرون في قوله تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا}
(4)
.
أي ربا والمراد بالبعل في الحديث الزوج ومعناه أن يكثر بيع السراري حتى يتزوج الإنسان أمه وهو لا يدري وهذا أيضًا معنى صحيح وفي تفسير أن تلد الأمة ربتها أو ربها أوجه أحدها أن يكثر بيع السراري حتى تلد الأمة
(1)
سورة الأعراف، الآية:187.
(2)
سورة لقمان، الآية:34.
(3)
أخرجه البخاري (50) و (4777)، ومسلم (5 و 6 و 7 - 10) عن أبي هريرة.
(4)
سورة الصافات، الآية:125.
السرية بنتا لسيدها وبنت السيد في معنى السيد. الثاني: أن يكثر بيع السراري حتى تشتري الأمة أمها وتستعبدها جاهلة بأنها أمها.
الثالث: أن معناه أن الإماء يلدن الملوك فتكون أمة من جملة رعيته وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته وهذا قول إبراهيم الحربي انتهى كلام الطوفي
(1)
وقيل المراد بذلك الهجوم على بيع أمهات الأولاد حتى تنتقل الأمة بالبيع إلى ولدها وهو لا يشعر فيستولى عليها وقيل فيه إشارة على كثرة العقوق حتى أن الرجل يعامل والدته معاملة الإماء وقيل غير ذلك واللّه أعلم وهذا إشارة إلى فتح البلاد وكثرة جلب الرقيق حتى يكثر السراري ويكثر أولادهن فتكون الأمة ورقيقة لسيدها وأولاده منها بمنزلة فإن ولد السيد بمنزلة السيد فيصير ولد الأمة بمنزلة ربها أي سيدها وقال الأكثرون: هو إخبار عن كثرة السراري وأولادهن فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها لأن مال الإنسان صائر إلى ولده غالبا وقد يتصرف فيه حياته تصرف المالكين أما بتصريح أبيه له بالإذن وإما بعلمه بقرينة الحال أو عرف الاستعمال وفيه اختلاف كثير.
العلامة الثانية قوله صلى الله عليه وسلم: "وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان" والحفاة بحاء مهملة جمع حاف وهو الذي لا نعل له والعراة جمع عار والعالة جمع عائل وهو الفقير والعيلة الفقر وعال الرجل
(1)
التعيين في شرح الأربعين (ص 64).
يعيل عيلة أي افتقر ومنه قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)}
(1)
ومنه أيضًا قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}
(2)
ورعاء الشاة بكسر الراء وبالمد جمع راع كصاحب وصحاب ويقال فيهم رعاة بضم الراء وزيادة تاء بالمد كقاض وقضاة وغاز وغزاة ورام ورماة ومعناه رعاء الغنم ومنه قوله: تعالى: {حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} هو
(3)
ومعنى هذا قال الشيخ محي الدين النووي: أن أسافل الناس يصيرون أصحاب ثروة
(4)
انتهى كلامه، وقال الطوفي في شرح الأربعين النووية قلت: ولعل هذا ينظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم "وإذا وسد الْأَمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" لأن أسافل الناس وأراذلهم ليسوا من أهل الإمارة والولاية فإذا تأمروا آثروا
(5)
ا. هـ، وقال أبو سليمان الخطابي رحمة اللّه تعالى: يريد العرب الذين هم أرباب الإبل ورعاتها أي يتسع الإسلام ويفتتح هؤلاء البلاد ويسكتونها ويتطاولون في البنيان بعد أن كانوا أهل النجع لا تستقر بهم دار قاله البغوي
(6)
فيه دليل على ذم التباهي والتفاخر خصوصًا بالتطاول في البنيان ولم يكن إطالة البنيان معروفا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بل كان بنيانهم قصير بقدر الحاجة وروى أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان"
(1)
سورة الضحى، الآية:8.
(2)
سورة النساء، الآية:3.
(3)
سورة القصص، الآية:23.
(4)
الأربعون النووية ملحق الإشارات إلى ضبط الألفاظ المشكلات (الحديث الثانى).
(5)
التعيين في شرح الأربعين (ص 65).
(6)
شرح السنة (1/ 11).
أخرجه البخاري
(1)
ا. هـ ذكره ابن رجب
(2)
وقيل: هذا كما في حديث أشراط الساعة، ويتكلم فيه الرويبضة وهو الرجل التافه يتكلم في أمور العامة قيل الرويبضة هو تصغير الرابضة وهو راعي التربيض والتربيض الغنم والهاء للمبالغة ذكره البغوي في شرح السنة
(3)
والمقصود من هذا الأخبار بتغير الأحوال وتبدلها وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يؤجر ابن آدم في كلّ شيء إلا فيما يضعه في هذا التراب"
(4)
وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة واللّه أعلم.
فائدة: ولعله صلى الله عليه وسلم إنما اقتصر الحديث على هاتين الأمارتين تحذير الحاضرين وغيرهم منها أعنى كثرة اتخاذ السراري وبيعهن والتطاول في البنيان وتوسيد الْأَمر إلى غير أهله لاقتضاء الحال ذلك ولعلهم كانوا يتعاطون شيئًا من ذلك فزجرهم عنه ا. هـ قاله الطوفي
(5)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: قال "ثم انطلق فلبثت مليًّا" قال النووي في شرح مسلم
(6)
: هكذا ضبطناه لبث آخره مثلثة من غير تاء وفي كثير من الأصول المحققة لبثت بزيادة تاء المتكلم وكلاهما صحيح وقوله: "مليا" بتشديد الياء أي قوتا
(1)
أخرجه البخاري (7121) وفي الأدب المفرد (449).
(2)
جامع العلوم والحكم (1/ 144).
(3)
شرح السنة (1/ 11 - 12).
(4)
أخرجه الترمذي (2483)، وابن ماجة (4163)، والبزار (2121) و (2125)، وابن حبان (3243)، والطبراني (4/ 64 رقم 3645) و (4/ 72 رقم 3675) عن خباب. وصححه الألباني في الصحيحة (2831).
(5)
التعيين في شرح الأربعين (ص 65).
(6)
(1/ 159 - 160).
طويلا وقال بعضهم: زمانا طويلا كثيرًا وكان ذلك ثلاثًا هكذا جاء مبنيا وفي رواية أبو داود والترمذي وغيرهما وظاهرها هذا أنه بعد ثلاث ليال وظاهر قال الطوفي
(1)
: قلت ملى غير مهموز ومنه قوله: تعالى: {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}
(2)
لأنه من الملو أن الليل والنهار وأمالهم أن اللّه عز وجل يملي للظالم ولا همز في شيء من ذلك انتهى.
قوله صلى الله عليه وسلم: قال: يا عمر أتدري من السائل قال اللّه ورسوله أعلم فيه دليل على استحباب تنبيه المعلم تلاميذه والرئيس من دونه على فوائد العلم وغرائب الوقائع طلبا لنفعهم فائدتهم ا. هـ ذكره الطوفي
(3)
قوله: "فإنه جبريل" جبريل اسم أعجمي سرياني قيل معناه عبد اللّه وتقدم الكلام عليه مبسوطا في كتاب الجمعة واللّه أعلم قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف جبريل حين سأله وإنما عرفه بعد ذلك بوحي أو نظر ويقال أنه عليه السلام قال: ما جاءني في صورة لم أعرفها إلا هذه المرة وجبريل عليه السلام لم يعلمهم شيئًا إنما الذي علمهم بالحقيقة هو النبي صلى الله عليه وسلم لكن جبريل لما كان سؤاله سبب التعليم من النبي صلى الله عليه وسلم نسب التعليم عليه مجازا من باب إطلاق اسم المسبب على السبب.
قوله: "أتاكم يعلمكم دينكم" والدين الملة والشريعة ويستعمل أيضًا في الجزاء ومنه قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}
(4)
أي يوم الجزاء وبمعنى
(1)
التعيين (ص 47).
(2)
سورة مريم، الآية:46.
(3)
المصدر السابق (ص 67).
(4)
سورة الفاتحة، الآية:4.
العبادة وفي هذا الحديث أن الإسلام والإيمان والإحسان تُسمّى كلها دينا واللّه أعلم واعلم أنه لو كان لم يكن في السنة جميعها غير هذا الحديث لكان وافيا بأحكام الشريعة لاشتماله على جملها مطابقة وعلى تفاصيلها ضمنا وجمعه بين الطاعات المتعلقة بالقلب والبدن أصولا وفروعها ا. هـ قاله الطوفي
(1)
فاشتمل هذا الحديث على أنواع من العلوم والمعارف والآداب واللطائف بل هو أصل الإسلام قال القاضي عياض
(2)
: فإنه قال: أن هذا الحديث اشتمل جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة قال أبو العبَّاس القرطبي
(3)
: فيصلح في هذا الحديث أن يقال فيه أنه أم السنة لما تضمنه من علومها كما سميت الفاتحة أم القرآن لما تضمنته من معاني القرآن قلت: فلذلك افتتح به مسلم كتابه وفيه دليل على أن اللّه تعالى مكن الملائكة من أن يتمثلوا فيما شاءوا من صور بني آدم كما قد نص اللّه على ذلك في قوله: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}
(4)
وقد كان جبريل عليه السلام يتمثل للنبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية وكان لجبريل صورة خاصة خلق عليها لم يره النبي صلى الله عليه وسلم عليها غير مرتين وهذا يدلّ على أنه صلى الله عليه وسلم عرف جبريل لكن في آخر الْأَمر كما جاء التصريح في رواية البخاري.
وقوله: "يعلمكم دينكم" يعني قواعد الدين وكلياته ا. هـ.
(1)
التعيين (ص 76 - 77).
(2)
إكمال المعلم (1/ 204 - 205).
(3)
المفهم (1/ 67).
(4)
سورة مريم، الآية:17.
2877 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم سلوني فهابوه أَن يسألوه فجَاء رجل فَجَلَسَ عِنْد رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُول اللّه مَا الْإِسْلَام قَالَ لا تشرك بِاللّه شَيْئا وتقيم الصَّلاة وتؤتي الزَّكاة وتصوم رَمَضَان قَالَ صدقت قَالَ يَا رَسُول اللّه مَا الايمان قَالَ أَن تؤمن بِاللّه وَمَلَائِكَته وَكتابه وَرُسُله وتؤمن بِالْبَعْثِ الآخر وتؤمن بِالْقدرِ كلّه قَالَ صدقت قَالَ يَا رَسُول اللّه مَا الإِحْسَان قَالَ أَن تخشى اللّه كَأنَّك ترَاهُ فَإنَّك إِن لَا تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك قَالَ صدقت قَالَ يَا رَسُول اللّه مَتى تقوم السَّاعَة قَالَ مَا المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل وسأحدّثك عَن أشراطها إِذا رَأَيْت الْمَرْأَة تَلد رَبهَا فَذَاك من أشراطها وَإِذا رَأَيْت الحفاة العراة الصم الْبكم مُلُوك الْأَرْض فَذَاك من أشراطها وَإِذا رَأَيْت رعاء البهم يتطاولون فِي الْبُنيان فَذَاك من أشراطها الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَاللَّفْظ لَهُ وَهَذَا الحَدِيث لَهُ دلالات كثِيرَة وَلم نذكرهُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَكَان حَسْبَمَا اتّفق فِي الْإِمْلَاء
(1)
.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه: تقدمت ترجمته.
قوله: "فجاء رجل فجلس عند ركبتيه" هذا الرجل هو جبريل عليه السلام وجبريل ملك ملك يتوسط بين اللّه ورسله بالوحي.
قوله: قال: يا رسول الله ما الإسلام قال "لا تشرك باللّه شيئًا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان" الحديث تقدم الكلام على ذلك في الحديث قبله.
(1)
أخرجه البخاري (50) و (4777)، ومسلم (5 و 6 - 9 و 7 - 10)، وابن ماجة (64).
قوله: قال: يا رسول ما الإيمان قال "أن تؤمن باللّه وملائكته وكتابه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر وتؤمن بالقدر كلّه" قال: صدقت. الحديث.
قوله: "وتؤمن بالبعث الآخر" بكسر الخاء واختلف في المراد بالجمع بين الإيمان بلقاء اللّه والبعث فقيل اللقاء يحصل بالانتقال إلى دار الجزاء والبعث بعده عند قيام الساعة، وقيل اللقاء ما يكون بعد البعث عند الحساب وقيل ليس المراد باللقاء رؤية اللّه تعالى فإن أحدا لا يقطع لنفسه برؤية اللّه تعالى لأن الرؤية مختصة بالمؤمنين ولا يدري الإنسان بماذا يختم له وأما وصف البعث بالآخر فقيل هو مبالغة في البيان والإيضاح وذلك لشدة الاهتمام به وقيل سببه أن خروج الإنسان على الدنيا بعث من الأرحام وخروجه من القبر إلى الحشر بعث فقيد البعث بالآخر ليتميز. وإليه الإشارة بقوله: وإن اللّه يبعث من في القبور ا. هـ قاله النووي في شرح مسلم
(1)
وأما اليوم الآخر فأوله من ساعة الموت إلى الحشر إلى الأبد إما في نعيم مخلد وجعلنا اللّه إياكم من أهله أو في عذاب سرمد أعاذنا اللّه عز وجل وإياكم منه فيجب الإيمان بما بين الموت التي دخول إحدى الدارين.
قوله: "وتؤمن بالقدر كلّه" وأما القدر فقد سبق معنى الإيمان به ذكره الطوفي
(2)
.
قوله: قال يا رسول اللّه ما الإحسان، تقدم الكلام.
(1)
شرح النووي على مسلم (1/ 162).
(2)
التعيين في شرح الأربعين (ص 75).
قال: "أن تخشى اللّه كأنك تراه فإنك إن لا تكن تراه فإنه يراك" قال: صدقت الحديث. هذا من جوامع الكلم الذي أوتيها صلى الله عليه وسلم لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئًا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه، إلا التي به فقال صلى الله عليه وسلم:"اعبد اللّه في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان" فإن التأميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع ربه سبحانه وتعالى عليه فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة ومرأقبة العبد ربه تبارك وتعالى في إتمام الخضوع والخضوع غير ذلك وقد نبد أهل الحقائق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من تلبسه بشيء من النقائص احتراما لهم فيكون فكيف بمن لا يزال اللّه تعالى مطلعا عليه في سره وعلانيته واللّه أعلم.
تنبيه: إذا سئلت عنه ما هو فقل الإحسان أن تأتي بقواعد الإيمان وخصال الإسلام كلها بشروطها وأدائها وحين إتيانك بها تستحضر عظمة الرب عز وجل وجلاله وكثرة نعمه عليك وكأنك بين يديه وثمرة ذلك ارتعاد قلبك من خشية اللّه وهيبته وحياؤك من كثرة أياديه عليك وإحسانه وتقصيرك في حقه وتفريطك فهذه مقامات الدين الثلاث، الإيمان ومتعلقه ستة أشياء اللّه عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر فالعلم بأحكام هذه الأشياء الستة هو أعلم المسمى بأصول الدين أما الإيمان فقد سبق القول في لفظه أنه التصديق المجرد وأنه مغاير للإسلام أما اللّه عز وجل فيتعلق الإيمان
بذاته وصفاته وأفعاله وأم الملائكة فيجب الإيمان بأنهم عباد مكرمون وإنهم خلقوا من نور أنهم مطيعون معصومون لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وأما الكتب المنزلة من السماء كالتوراة والإنجيل والقرآن الزبور والفرقان فيجب الإيمان بإنزالها وبما تضمنه من حكم وخبر والعمل بما فيها ما لم يثبت نسخه وأما الرسل فهو جمع رسول وهو النبي الذي أنزل عليه الرسالة والنبي أعم من وقد ذكر الملائكة على الرسل إتباعا لترتيب الوجود فإن الملائكة مقدمون في الخلق وللترتيب الواقع في تحقيق معنى الرسالة فإنه يقال أرسل اللّه الملك إل الرسول لا تفضيلا للملائكة على الرسل كما هو زعم المعتزلة فيجب الإيمان بعد النظر في معجزاتهم بإرسالهم وبما أرسلوا به وأن إرسالهم واجب من اللّه عز وجل لا عليه وأما اليوم الآخر فأوله من الساعة الموت إل الحشر إل الأبد أما في نعيم مخلد جعلنا اللّه عز وجل وإياكم من أهله أو في عذاب سرمد أعاذانا اللّه إياكم منه فيجب الإيمان بما بين الموت إلى دخول إحدى الدارين.
قوله: "تؤمن بالقدر" فقد سبق معنى الإيمان به ذكره الطوفي.
قوله: الإحسان تقدم الكلام علي الإحسان وفيه أن تعبد اللّه كأنك تراه، العبادة هي الطاعة مع الخضوع فيحتمل أن يراد بها معرفة اللّه ويحتمل أن يراد بها الطاعة مطلقا فتدخل جميع وظائف الإسلام فيها ا. هـ قاله الكرماني
(1)
قوله: قال يا رسول اللّه متى تقوم الساعة قال "ما
(1)
الكواكب الدرارى (1/ 168).
المسؤول عنها بأعلم من السائل" تقدم أيضًا الكلام على قوله: "ما المسؤل عنها بأعلم من السائل" في الحديث قبله.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وسأحدّثك عن أشراطها" هو بفتح الهمزة واحدها شرط بفتح الشين والراء والأشراط العلامات وقيل أوائلها وقيل مقدماتها وقيل صغار أمورها قبل تمامها وكله مقارب والمراد أشراطها السابقة لا أشراطها المتقاربة المضايقة كطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة ونحوهما ا. هـ.
قوله: صلى الله عليه وسلم "إذا رأيت الأمة وفي بعض الروايات المرأة تلد ربها أي سيدها فذاك من أشراطها أي من علاماتها" وتقدم الكلام على ذلك مبسوطا في الحديث قبله.
قوله: وأن ترى الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها" الصم جمع الأصم وهو الذي لا يسمع وأراد به الذي لا يهتدي ولا يقبل الحق من صمم العقل لا صمم الأذن قاله في النهاية
(1)
والبكم جمع الأبكم وهو الذي خلق أخرس لا يتكلم وأرتاد بهم الرعاع الجهال لأنهم لا ينتفعون بالسمع ولا بالنطق كثير منفعة فكأنهم سلبوها كأنهم صم بكم كما قيل في قوله: تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ}
(2)
قال الطحاوي
(3)
: صم عن الهدى بكم
(1)
النهاية (3/ 53).
(2)
سورة البقرة، الآية:18.
(3)
عبارة الطحاوى: (ليس يعنى بذلك البكَمَ المتعارف، ولا الصمَّ المتعارف، ولكن يعنى بالبكَم: البكمَ عن القول المحمود، ويعنى بالصم: الصمَّ عن القول المحمود). مشكل 4/ 122.
عن الخير ويحتمل أن يريد الذين لا ينطقون في المشاهد والجماعات ولا يشيرون ولا يشارون لجهلهم وخمولهم وضعتهم في العرب وسوء حالهم وقيل صم بكم لشغلهم عن الآخرة باللذات ا. هـ قاله عياض
(1)
وقيل المراد أنهم بكم عن معرض أحوال الظلمة ودفعهم المظالم كما هو الآن في أيامنا هذه وهذا بخلاف العرب فإنهم في الزمن الذي كانوا فيه ملوك الأرض كانت الأرض ممتلئة عدلا وأمنًا كما هو من المذكورين اليوم ظلما وجورا وقيل أراد بالصم البكم أهل البادية من العرب ا. هـ قاله في شرح المصابيح وهو إشارة إلى جهلهم وعدم علمهم وفهمهم ومضمون ما ذكر من أشراط الساعة يرجع إلى أن الْأَمر توسد إلى غير أهلها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا وسد الْأَمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" فإنه إذا صار الحفاة العراة رعاء الشاء وهم أهل الجهل والحفاة رؤس الناس وأصحاب الثروة والأموال حتى يتطاولون في البنيان فإنه يفسد بذلك نظام الدين والدنيا فإنه إذا رأس الناس من كان فقيرا عائلا فصار ملكا على الناس سواء كان ملكه عاما أو خاصا في بعض الأشياء فإنه لا يكاد يعطي الناس حقوقهم بل يستأثر عليهم بما استولى عليه من المال وإذا كان مع هذا جاهلا جافيا فسد بذلك الدين لأنه لا يكون له همة في إصلاح دين الناس ولا معاملهم بل همته في حيازته المال والبنيان ولا يبالي بما فسد من دين الناس ولا بمن ضاع من أهل حاجتهم فإذا صار ملوك الناس رؤسهم على هذه الحال وانعكست سائر الأحوال فصدق الكاذب
(1)
إكمال المعلم (1209).
وكذب الصادق وإئتمن الخائن وخون الأمين وتكلم الجاهل وسكت العالم وعدم بالكلية وهذا كلّه من انقلاب الحقائق في آخر الزمان وانعكاس الأمور وفي صحيح الحاكم عن عبد اللّه بن عمرو مرفوعًا أن من أشراط الساعة أن توضع الأخيار ويرفع الأشرار
(1)
ا. هـ ذكره ابن رجب الحنبلي
(2)
.
قوله: صلى الله عليه وسلم "وإذا رأيتُ رعاء البهم يتطاولون في البنيان فذاك من أشراطها" أي من علاماتها رعاء البهم بفتح الباء وإسكان الهاء وهي الصغار من أولاد الضأن الغنم والمعز جميعا وقيل أولاد الضان خاصة واقتصر عليه الجوهري في صحاحه والواحدة بهمة قال الجوهري
(3)
: وهي تقع على المذكر والمؤنث والسخال أولاد المعزي قال فإذا أجمعت بينهما قلت بهام وبهم أيضًا وقيل أن البهم يختص بأولاد المعز وإليه أشار القاضي عياض واللّه أعلم.
فائدة: وقد وردت أحاديث وآثار من علامات الساعة فمنها طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة والدجال ويأجوج ومأجوج وكثرة الهرج وهو القتل وتضييع الأمانات وذهاب العلم وكثرة الجهل وتقارب الزمان وموت الفجأة وانتفاخ الأهلة ورفع الأشرار ووضع الأخيار وفيض المال حتى لا يقبله أحد
(1)
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1/ 276 رقم 482)، والحاكم في المستدرك 4/ 554، وصححه. وصححه الألباني في الصحيحة (2821).
(2)
جامع العلوم والحكم (143 - 144)
(3)
الصحاح (5/ 1875).
وأن يحسر الفرات عن جبل ذهب وأشراط الساعة كثيرة معروفة وهي مستوفاة في كتب الحديث فمن أراد شيئًا من ذلك فليراجع مظانها واللّه أعلم.
2878 -
وَعَن أنس رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم خرج يَوْمًا وَنحن مَعَه فَرَأى قبَّة مشرفة فَقَالَ مَا هَذِه قَالَ أَصْحَابه هَذِه لفُلان رجل من الْأَنْصَار فَسكت وَحملهَا فِي نَفسه حَتَّى إِذا جَاءَ صَاحبهَا رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم وَسلم عَلَيْهِ فِي النَّاس فَأَعْرض عَنهُ صنع ذَلِك مرَارًا حَتَّى عرف الرجل الْغَضَب فِيهِ والإعراض عَنهُ فَشَكا ذَلِك إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ وَاللّه إِنِّي لأنكر رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالُوا خرج فَرَأى قبتك فَرجع إِلَى قُبَّته فَهَدمهَا حَتَّى سواهَا بِالْأَرْضِ فَخرج رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم فَلم يرهَا قَالَ مَا فعلت الْقبَّة قَالُوا شكا إِلَيْنَا صَاحبهَا إعراضك عَنهُ فَأَخْبَرنَاهُ فَهَدمهَا فَقَالَ أما إِن كل بِنَاء وبال على صَاحبه إِلَّا مَا لا إِلَّا مَا لا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن مَاجَة أخصر مِنْهُ وَلَفظه قَالَ مر رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم بقبة على بَاب رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ مَا هَذِه قَالُوا قبَّة بناها فلَان فَقَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم كلّ مَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ وبال على صَاحبه يَوْم الْقِيَامَة فَبلغ الْأَنْصَارِيّ ذَلِك فوضعها فَمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بعد فَلم يرهَا فَسَأل عَنْهَا فَأخْبر أَنه وَضعهَا لما بلغه فَقَالَ يرحمه اللّه يرحمه اللّه وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد جيد مُخْتَصرًا أَيْضًا أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم مر ببنية قبَّة لرجل من الْأَنْصَار فَقَالَ مَا هَذِه قَالُوا قبَّة فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كلّ بِنَاء وَأَشَارَ بِيَدِهِ على رَأسه أَكثر من هَذَا فَهُوَ وبال على صَاحبه يَوْم الْقِيَامَة
(1)
.
(1)
أخرجه أبو داود (5237)، وابن ماجة (1393)، وابن أبي الدنيا في قصر الأمل (240) و (241)، وأبو يعلى (4347)، والطحاوي في مشكل الآثار (956)، والطبراني في =
قَوْله: "إِلَّا مَا لا" أَي إِلَّا مَا لَا بُد مِنْهُ مِمَّا يستره من الْحر وَالْبرد وَالسِّبَاع وَنَحْو ذَلِك.
قوله: وعن أنس
(1)
رضي الله عنه: هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام كنيته أبو حمزة الأنصاري الخزرجي البخاري خادم النبي صلى الله عليه وسلم أمه أم سليم امرأة طلحة خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين مدّة إقامته بالمدينة.
قوله: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خرج يومًا ونحن معه فرأى قبة مشرفة وفي لفظ فرأى قبة مضروبة في المسجد والقبة من الخيام بيت صغير مستدير وهو من بيوت العرب ا. هـ قاله في النهاية
(2)
.
قوله: صلى الله عليه وسلم "أما إن كلّ بناء وبال على صاحبه" الحديث الوبال في الأصل الثقل والمكروه والمراد في الحديث العذاب في الآخرة.
قوله: "إلا مالا إلا مالا" أي إلا ما لا بد للإنسان منه مما يستره من الحر والبرد والبياع ونحو ذلك ا. هـ قاله المنذري.
قوله: "يرحمه اللّه يرحمه اللّه" كلمة دعاء فيا سعادة من دخل في دعوته الجامعة.
= الأوسط (3/ 258 رقم 3081) والبيهقي في الشعب (13/ 218 - 220 رقم 10221 و 10222 و 10223). قال العراقي: إسناده جيد إتحاف السادة المتقين 9/ 361 و 362 وصححه الألباني في الصحيحة (2830) وصحيح الترغيب (1874) وقال حسن صحيح.
(1)
ترجمته: الاستيعاب 1/ 84، وأسد الغابة 1/ 258، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 71، وتهذيب الكمال 3/ 568، والإصابة 1/ 277.
(2)
النهاية (4/ 3).
2879 -
وَعَن وَاثِلَة بن الأسْقَع رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم كُل بُنيان وبال على صَاحبه إِلَّا مَا كَانَ هَكَذَا وَأَشَارَ بكفه وكل علم وبال على صَاحبه إِلَّا من عمل بِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَله شَوَاهِد
(1)
.
قوله: وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه: (هو أبو شداد، ويقال: أبو الأسقع، وقيل: أبو محمد، وقيل: أبو الخطاب، وقيل: أبو قرصافة، بكسر القاف، واثلة بن الأسقع بن عبد العزى أسلم والنبى صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى تبوك، وشهدها معه، وشهد فتح دمشق وحمص، وقيل: إنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، وكان من أهل الصفة).
قوله صلى الله عليه وسلم: "كلّ بنيان وبال على صاحبه إلا ما كان هكذا وأشار بكفه" الحديث تقدم تفسير الوبال.
قوله: "وأشار بكفه" وإشارته بكفه كانت مختلفة بما كان منها في ذكر التوحيد والتشهد فإنه كان يشير بالمسبحة وحدها وما كان في غير ذلك فإنه كان يشير بكفه كلها ليكون بين الإشارتين فرق قاله في النهاية
(2)
.
2880 -
وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِذا أَرَادَ اللّه بِعَبْد شرا خضر لَهُ فِي اللَّبن والطين حَتَّى يَبْنِي. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الثَّلَاثَة بِإِسْنَاد جيد
(3)
.
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 55 رقم 131) وفي مسند الشاميين (4/ 305 رقم 3380). قال الهيثمي في المجمع 1/ 164: رواه الطبراني في الكبير، وفيه هانئ بن المتوكل، قال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به بحال. وقال الألباني: ضعيف جدًّا الضعيفة (2608)، وضعيف الترغيب (105) و (1173)، وضعيف الجامع (4221).
(2)
النهاية (2/ 518).
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 185 رقم 1755) والأوسط (9/ 145 رقم 9369) =
قوله: وعن جابر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله: صلى الله عليه وسلم "إذا أراد اللّه بعبد شرا خضر له في اللبن والطين حتى يبني" الحديث خضر معناه زين له وفي الحديث من خضر له في شيء فليرمه أي بورك له فيه ورزق منه وحقيقته أن تجعل حالته خضراء.
2881 -
وروى فِي الْأَوْسَط من حَدِيث أبي بشير الْأَنْصَارِيّ أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا أَرَادَ اللّه بِعَبْد هوانا أنْفق مَاله فِي الْبُنيان
(1)
.
قوله: وروى في الأوسط من حديث أبي بشير الأنصاري
(2)
ولفظه "إذا أراد اللّه بعبد هوانا أنفق ماله في البنيان" أبو بشير الأنصاري اسمه (محمد بن بشير بوزن عظيم، الأنصاري - ذكره البخاري في الصحابة).
= والصغير (2/ 258 رقم 1127)، والخطيب في تاريخ بغداد (11/ 280). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن سفيان إلا المحاربي، ولا عن المحاربي إلا يوسف بن عدي، تفرد به أبو ذر. وقال الهيثمي في المجمع 4/ 96: رواه الطبراني في الثلاثة، ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني، ولم أجد من ضعفه. وضعفه الألباني في الضعيفة (2294) وضعيف الترغيب (1174).
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل (233)، والطبراني في الأوسط (8/ 381 رقم 8939)، والبيهقي في الشعب (8/ 381 - 382 رقم 10235 و 10336)، والضياء في المنتقى من مسموعات مرو (36).
قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث، عن ابن بشر الأنصاري إلا بهذا الإسناد، تفرد به: ابن وهب. وضعفه الألباني في الضعيفة (2295)، وضعيف الترغيب (1175).
(2)
ترجمته في: التاريخ الكبير 1/ 19، والاستيعاب 3/ 2318، والإصابة 6/ 7776.
2882 -
وَعَن عبد اللّه بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم من بنى فَوق مَا يَكْفِيهِ كلف أَن يحملهُ يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة الْمسيب بن وَاضح وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا أنكر عَلَيْهِ وَفِي سَنَده انْقِطَاع
(1)
.
قوله: وعن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله: في الحديث "من بنى فوق ما يكفيه كلف أن يحمله يوم القيامة" الحديث وفي رواية "جاء يوم القايمة حامله على عنقه" قال الفقيه أبو الليث السمرقندي: كره بعض الناس أن ينفق الرجل ماله في البناء واحتجوا بالحديث المذكور وروى عن الحسن البصري أن رجلًا قال له أني بنيت دارا فأدخلها وادع لي بالبركة فقام الحسن مع أصحابه ونظر في الدار وقال: خربت دار نفسك وعمرت دار غيرك غرك من الأرض ومقتك من في السماء وقال بعضهم: لا بأس به لأن اللّه تعالى قال: {تَتَّخِذُونَ مِنْ
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل (246)، والطبراني في الكبير (10/ 151 - 152 رقم 10287) ومن طريقه الشجرى في الأمالى (2/ 280)، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ (1/ 114 - 115)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 246) و (8/ 252)، والبيهقي في الشعب (13/ 221 - 22 رقم 10227). قال أبو حاتم في العلل (1840): هَذَا حديثٌ باطلٌ لا أَصْلَ له بهذا الإسناد. قال أبو نعيم في الحلية (8/ 246): "غريب من حديث الثوري، تفرَّد به المسيب عن يوسف".
وقال الذهبي في الميزان (4/ 116): "حديث منكر". وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (3649/ تخريج أحاديث إحياء علوم الدين): "رواه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد فيه لين وانقطاع". وقال الهيثمي في المجمع (4/ 70): رواه الطبراني في الكبير، وفيه المسيب بن واضح؛ وثقه النسائي، وضعفه جماعة. وقال الألباني في الضعيفة (175) وضعيف الجامع (5506): باطل، وقال في ضعيف الترغيب (1176): ضعيف جدًّا.
سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ}
(1)
فأخبر أن بناء القصور من نعماء اللّه تعالى وقال في آية أخرى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}
(2)
وذكر أن ابنا لمحمد بن سيرين بني دارا وأنفق عليها مالا كثيرًا وذكر ذلك لأبيه فقال ما أرى بأسا أن يبني الرجل بماله ما ينفعه وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا أنعم اللّه على عبد نعمة أحب أن يرى أشر النعمة عليه الحديث ثم أن من أثر النعمة البناء الحسد والنعمة الحسنة ألا ترى أنه لو اشترى جارية جميلة بمال عظيم فإنه يجوز وأن كان دون ذلك وكذلك البناء أو في الثياب فهو غير حرام بعد أن يتجنب ثلاثة أشياء أولها أن يكتبها من حرام أو شبهة والثاني أن لا يظلم مسلما ولا معاهدا الثالث أن لا يضيع فريضة اللّه تعالى انتهى.
قوله: رواه الطبراني من رواية المسيب بن واضح (ضعفه الدَّارقُطْنِي، وقال أبو حاتم: صدوق يخطئ كثيرًا، فإذا قيل له لم يقبل، ووثقه النسائي وابن حبان، وروى له غير ما حديث في صحيحه).
2883 -
وَعَن أبي الْعَالِيَة أَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رضي الله عنه: بنى غرفَة فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اهدمها فَقَالَ أهدمها أَو أَتصدق بِثَمَنِهَا فَقَالَ اهدمها. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَاللَّفْظ لَهُ وَهُوَ مُرْسل جيد الْإِسْنَاد
(3)
.
(1)
سورة الأعراف، الآية:74.
(2)
سورة الأعراف، الآية:32.
(3)
أخرجه الطيالسي (1020)، وابن سعد في الطبقات (4/ 27 - 28)، والمروزي في البر والصلة (268)، وأبو حاتم كما في علل ابنه (1833)، وأبو داود في المراسيل (495)، =
قوله: وعن أبي العالية (بالعين المهملة والياء المثناة من تحت، الرياحي، بكسر الراء وبالياء المثناة من تحت، واسمه رفيع، بضم الراء، ابن مهران، بكسر الميم، البصرى التابعى).
قوله: أن العبَّاس بن عبد المطلب بني غرفة فقال: له النبي صلى الله عليه وسلم أهدمها الحديث العبَّاس بن عبد المطلب
(1)
هو عم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هو أبو الفضل الهاشمي كان أسن من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بسنتين أو ثلاث وأمه نتيلة بضم النون وفتح التاء المثناة فوق وهو أول أعرابية كست الكعبة الحرير قالوا وسببه أن العبَّاس ضاع وهو صغير فنذرت إن وجدته أن تكسوها فوجدته ففعلت وكان العبَّاس رئيسا جليلا في قريش قبل الإسلام وكان أبيه عمارة المسجد الحرام والسقاية وحضر ليلة العقبة مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين بايعت الأنصار قبل أن يسلم العبَّاس فشدد العقد مع الأنصار وأكدها وخرج مع المشركين إلى بدر مكرها وأسر وفدى نفسه وابن اخيه عقيلا ونوفل بن الحارث وأسلم عقب ذلك وقيل أسلم قبل الهجرة وكان يكتم إسلامه مقيما بمكة يكتب بأخبار المشركين إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكان عونا للمسلمين المستضعفين بمكة قالوا وأراد القدوم إلى المدينة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مقام بمكة خير وكان رسول اللّه
= وابن أبي الدنيا في قصر الأمل (281) و (291)، والطحاوى في معاني الآثار (955).
وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1177).
(1)
ترجمته: الاستيعاب 2/ 1378، أسد الغابة 3/ 2799، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 275، تهذيب الكمال 14/ 3129، الإصابة 3/ 4525.
- صلى الله عليه وسلم يعظمه ويكرمه ويبجله وكان وصلا لأرحام قريش محسنا إليهم ذا رأي وكمال عقل جوادا أعتق سبعين عبدا وكانت الصحابة تعظمه وتكرمه وتبجله وتقدمه وتشاوره وتأخذ برأيه وكان للعباس عشر بنين وثلاث بنات الفضل وعبد اللّه وعبيد اللّه وقثم وعبد الرحمن وعبد والحارث وكثير وعون وتمام وءامنه وأم حبيب وصفية روي له عن النبي خمسة وثلاثون حديثًا اتفقا على حديث وانفرد البخاري بحديث ومسلم بثلاثة وفي كتاب الترمذي أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: للعباس "والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم وللّه ولرسوله" ثم قلا: "أيها الناس من آذى عمي فقد آذاني فإنما عم الرجل صنو أبيه"
(1)
وصنو بكسر الصاد أي مثل أبيه وثبت في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون توفي العبَّاس بالمدينة يوم الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت من رجب وقيل من رمضان سنة ثنتين وثلاثين وقيل أربع وثلاتين وهو ابن نحو ثمان وثمانين سنة وقبره مشهور بالبقيع ومناقبه كثيرة مشهورة وتقدم الكلام عليه مبسوطا في صلاة التسبيح.
(1)
أخرجه أحمد 4/ 165 (17788)، والترمذى (3758)، والنسائي في الكبرى (8120)، والطحاوى في مشكل الآثار (1097) من حديث عبد المطلب بن ربيعة. وقال الترمذي حسن صحيح. وقال الألباني: ضعيف إلا قوله: عم الرجل
…
فصحيح، المشكاة (6147)، الصحيحة (806).
قوله: رواه أبو داود في المراسيل وهو مرسل جيد الإسناد.
فائدة حقيقة المرسل قول التابعي قال: رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أو فعل كذا وهو حجة هند أبي حنيفة والشافعي لا يحتج به إلا إذا اقترن بأحد أمور إما أن يسند من طريق أخرى إما أن يكون على وفق المراد القياس وإما أن يعمل به أكثر الصحابة أما مراسيل سعيد بن المسيب عندنا حسنة وهذا لا يفيدهم لجواز أن يريد بحسنها أنها تفيد الترجيح فإن قالوا قد قال في موضع آخر: ومراسيل سعيد بن المسيب عندنا حجة قلنا مراده بذلك بعض مراسيله لا كلها فإن البيهقي والخطيب البغدادي قالا ترك الشافعي جملة من مراسيل سعيد بن المسيب لم يعمل بها وعمل بعدة من مراسيل غيره فعلم بذلك الشافعي لم يعمل بمراسيل سعيد على الإطلاق ولم يرد مراسيل غيره على الإطلاق وأما مراسيل الصحابة فجماهير العُلماء على أنه حجة وخالف الإستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني فقال: ليس بحجة لجواز أن يكون سمعه من تابعي آخر وأجيب عن ذلك بأن الصحابة بالاستقراء لم يرووا عن التابعين شيئًا مضافا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإن قيل قد روت الصحابة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم وليسا من الصحابة، قلنا الحكم للأعم الأغلب ولا نظر إلى فرد من الأفراد
(1)
ذكره ابن عقيل الحنبلي في شرح الأحكام له.
2884 -
وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: "كُلّ مَعْرُوف صَدَقَة وَمَا أنْفق الرجل على أَهله كتب لَهُ صَدَقَة وَمَا وقى بِهِ الْمَرْء عرضه كتب لَهُ بِهِ
(1)
انظر المجموع (1/ 61 - 62) للنوووي.
صَدَقَة وَمَا أنْفق الْمُؤمن من نَفَقَة فَإِن خلفهَا على اللّه وَاللّه ضَامِن إِلَّا مَا كَانَ في بُنيان أَو مَعْصِيّة" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم كِلَاهُمَا عَن عبد الحميد بن الْحسن الْهِلالِي عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَنهُ وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح الإِسْنَاد قَالَ الْحَافِظ وَيَأْتِي الْكَلام على عبد الْوَاحِد
(1)
.
قوله: وعن جابر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كل معروف صدقة" الحديث المعروف تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وما وقى به المرء عرضه كتب له به صدقة" قال: هو ما يعطي الشاعر وذو اللسان المتمنى وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب النكاح ومن قاله.
2885 -
وَعَن حَارِثَة بن مضرب قَالَ أَتَيْنَا خبابا نعوده وَقد اكتوى سبع كيات فَقَالَ لقد تطاول مرضِي وَلَوْلا أنِّي سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول لَا
(1)
أخرجه الطيالسي (1819)، وعبد بن حميد (1083)، وابن أبي الدنيا في اصطناع المعروف (9) وقضاء الحوائج (9)، وأبو يعلى (2040)، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (1253)، والخرائطى في مكارم الأخلاق (83)، والدارقطني (2895)، والحاكم 2/ 50، وتمام في الفوائد (1724)، والقضاعي في مسند الشهاب (88)، والبيهقي في الكبرى (10/ 409 رقم 21132 و 21133) والشعب (5/ 147 - 148 رقم 3220) و (13/ 223 - 224 رقم 10229)، والبغوي (1646).
وصححه الحاكم. وتعقبه الذهبي فقال: فيه عبد الحميد بن الحسن ضعفوه. وقال الهيثمي في المجمع 3/ 136: رواه بطوله أبو يعلى، واختصره الإمام أحمد كما تقدم، وفي إسناد أحمد المنكدر بن محمد بن المنكدر، وثقه أحمد وغيره، وضعفه النسائي وغيره، وفي إسناد أبي يعلى مسور بن الصَّلْت، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (898) وضعيف الترغيب (1178) و (1222) وضعيف الجامع (4254).
تَتَمَنَّوْا الْمَوْت لتمنيت وَقَالَ يُؤجر الرجل فِي نَفَقَته كلهَا إِلَّا فِي التُّرَاب أَو قَالَ فِي الْبناء رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح
(1)
.
قوله: وعن حارثة بن مضرب. مضرب بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وكسر الراء العبدي الكوفي التابعي (سمع عمر بن الخطاب، وعليًا، وابن مسعود، وأبا موسى الأشعري، وعمارًا، وغيرهم، رضي الله عنهم. قال يحيى بن مَعين وغيره: هو ثقة).
قوله: "قال أتينا خبابا نعوده وقد اكتوى سبع كيات فقال لقد تطاول مرضي" الحديث وخباب هو (خباب بن الأرت بن جندلة بن خزيمة، وهو عربي لحقه سباء في الجاهلية فبيع بمكة، وقيل: هو حليف بنى زهرة، وقيل: هو مولى أم أنمار بنت سباع الخزاعية، فهو تميمى النسب، خزاعى الولاء، زهرى الحلف، وكان خباب من السابقين إلى الإسلام، وممن تعذب في اللّه تعالي، وكان سادس ستة في الإسلام، وشهد مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بدرًا، وأُحُدًا، والمشاهد كلها مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. رُوى له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اثنان وثلاثون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بحديث).
(1)
أخرجه الترمذي (2483)، وابن ماجة (4163)، والبزار (2121) و (2125)، وابن حبان (3243)، والطبراني (4/ 64 رقم 3645) و (4/ 72 رقم 3675) عن خباب. قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وصححه الألباني في الصحيحة (2831)، والمشكاة (5682/ التحقيق الثاني)، وصحيح الترغيب (1875).
قوله: "يؤجر الرجل في نفقته كلها إلا في التراب أو قال في البناء" وفي حديث أنس بعده إلا البناء فلا خير فيه.
2886 -
وَرُوِيَ عَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم النَّفَقَة كلهَا فِي سَبِيل اللّه إِلَّا الْبناء فَلا خير فِيهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ
(1)
.
2887 -
وَعَن عَطِيَّة بن قيس رضي الله عنه قَالَ كَانَ حجر أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم بجريد النّخل فَخرج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي مغزى لَهُ وَكَانَت أم سَلمَة موسرة فَجعلت مَكَان الجريد لَبَنًا فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَا هَذَا قَالَت أردْت أَن أكف عني أبصار النَّاس فَقَالَ يَا أم سَلمَة إِن شَرّ مَا ذهب فِيهِ مَال الْمَرْء الْمُسلم الْبُنيان رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل
(2)
.
قوله: وعن عطية بن قيس رضي الله عنه (أبو يحيى الكلابي مولاهم الحمصي الدمشقي المقرئ، ويعرف بالمذبوح، أرسل عن أبي، وأبي الدرداء، وغزا مع أبي أيوب وسمع معاوية وقرأ القرآن على أم الدرداء وعنه سعيد بن عبد العزيز وطائفة وكانوا يصلحون مصاحفهم على قراءته قال ابن سعد: و كان معروفا، و له أحاديث، عمر دهرا وجاوز المائة مات 121).
(1)
أخرجه الترمذي (2482)، وابن أبي الدنيا في قصر الأمل (230)، والبزار (7522)، والحسن بن عرفة في حديثه (66)، وابن عدى في الكامل (4/ 204). وضعفه اللبانى في الضعيفة (1061) وضعيف الترغيب (1179)، وضعيف الجامع (5994). ولم يدرج المُصَنِّف تحته شرحا.
(2)
أخرجه أبو داود في المراسيل (494). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1180).
قوله: "قال كان حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بجريد النخل فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في مغزى له وكانت أم سلمة موسرة فجعلت مكان الجريد لبنا" الحديث واللبس هو الطوب النبي.
قوله: رواه أبو داود في المراسيل تقدم الكلام على الحديث المرسل.
2888 -
وَعَن الْحسن رضي الله عنه قَالَ لما بنى رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِد. قَالَ ابنوه عَرِيشًا كعريش مُوسَى قيل لِلْحسنِ وَمَا عَرِيش مُوسَى قَالَ إِذا رفع يَده بلغ الْعَريش يَعْني السّقف رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا مُرْسلا وَفِيه نظر
(1)
.
قوله: وعن الحسن رضي الله عنه تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: "قال لما بنى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المسجد" قال ابنوه عريشا كعريش موسى الحديث العريش كلّ ما يستظل به من سعف وجريد ونخل ونحو ذلك قاله ابن النحاس وقال الحربي
(2)
: أي مظللا بجريد ونحوه (العريش) يستظل به يريد أنه لم يكن له سقف يكن من (المطر) وهو كان (كالبيت) يصنع من سعف النخل ينزل فيه الناس أيام الثمار ليصيبوا منها حين تصرم حتى سمي بذلك (أهل) البيت عريشا والعريش أيضًا الخيام والبيوت ومنه عريش مكة وعريش البيت (سقفه) عريشه أيضًا.
قوله: رواه ابن أبي الدنيا مرسلا تقدم الكلام على الحديث المرسل.
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل (286). قال الألباني في صحيح الترغيب (1876): حسن لغيره وصححه لغيره في الصحيحة (616).
(2)
غريب الحديث (1/ 174) ونقله عياض في مشارق الأنوار (2/ 77) وابن قرقول في مطالع الأنوار (4/ 415).
2889 -
وَعَن عمار بن أبي عمار رضي الله عنه قَالَ إِذا رفع الرجل بِنَاء فَوق سبع أَذْرع نُودي يَا فاسق الْفَاسِقين إِلَى أَيْن رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَرَفعه بَعضهم وَلَا يَصح
(1)
.
قوله: وعن عمار بن عامر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه. قوله: "قال إذا رفع الرجل بناء فوق سبع أذرع نودي يا أفسق الفاسقين إلى أين".
قوله: رواه ابن أبي الدنيا موقوفًا عليه. والموقوف ما قاله الصحابي ولم يضفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن بطال
(2)
: التطاول في البنيان من أشراط الساعة وذلك أن يبني ما يفضل عما يكنه من الحر والبرد ويستره عن الناس وقد ذم الله تعالى من فعل ذلك فقال: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)}
(3)
يعني قصورا وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المتفرقة أنه قال: ما أنفق ابن آدم في التراب فلن يخلف له ولا يؤجر عليه وأما من بنى ما يحتاج إليه من الحر والبرد والمطر فمباح له ذلك وكذلك كان فعل السلف ألا ترى قول ابن عمر بنيته بيدي يكننى من المطر ويظلني من حر الشمس وقد روى مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فأباح صلى الله عليه وسلم من البناء ما يقيه من أذى الشمس والمطر اللذين لا طاقة لأحد باحتمال مكروهما ا. هـ واللّه أعلم.
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل (250). وأخرجه أبو نعيم في الحلية (3/ 75) موصولا عن أنس. وقال الألباني في الضعيفة (174): موضوع. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1181) وقال ضعيف موقوف.
(2)
شرح الصحيح (9/ 74 - 75).
(3)
سورة الشعراء، الآيتان: 128 - 129.