المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْحَلَبِيَّ عَرَضَ لَهُ الْفَالِجُ، فَأُنْسِيَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْفَاتِحَةَ ثُمَّ - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - جـ ٤

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْغَرِيبُ وَالْعَزِيزُ وَالْمَشْهُورُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْغَرِيبِ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْعَزِيزِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمَشْهُورِ وَالْمُسْتَفِيضِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْغَرِيبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمَشْهُورِ]

- ‌[تَعْرِيفُ التَّوَاتُرِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[أَمْثِلَةُ التَّوَاتُرِ]

- ‌[الْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ]

- ‌[غَرِيبُ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ]

- ‌[تَعْرِيفُ غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَأَمْثِلَتِهِ]

- ‌[أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[ذِكْرُ أُمَّهَاتَ الْكُتُبِ فِي هَذَا الْفَنِّ]

- ‌[الِاعْتِنَاءُ بِهَذَا الْفَنِّ وَأَهْلِهِ]

- ‌[تَفْسِيرُ الْغَرِيبِ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ]

- ‌[الْمُسَلْسَلُ]

- ‌[مَعْنَى الْمُسَلْسَلِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا وَأَمْثِلَتِهِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُسَلْسَلِ وَفَائِدَتُهُ]

- ‌[كُتُبُ الْمُسَلْسَلَاتِ]

- ‌[ذِكْرُ الْمُسَلْسَلَاتِ النَّاقِصَةَ]

- ‌[النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ]

- ‌[تعريفه]

- ‌[فضله]

- ‌[دَلَائِلُ النَّسْخِ]

- ‌[التَّصْحِيفُ]

- ‌[الْكُتُبُ الْمُهِمَّةُ فِي هَذَا الْفَنِّ]

- ‌[أَمْثِلَةُ التَّصْحِيفِ فِي الْمَتْنِ]

- ‌[أَمْثِلَةُ التَّصْحِيفِ فِي الْإِسْنَادِ]

- ‌[أَسْبَابُ التَّصْحِيفِ فِي الْحَدِيثِ]

- ‌[مَعْنَى التَّصْحِيفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْرِيفِ]

- ‌[مُخْتَلِفُ الْحَدِيثِ]

- ‌[المصنفات فيه]

- ‌[أَمْثِلَتُهُ]

- ‌[خَفِيُّ الْإِرْسَالِ وَالْمَزِيدُ فِي مُتَّصِلِ الْإِسْنَادِ]

- ‌[الْمُرْسَلُ الْخَفِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْسَلِ الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِ]

- ‌[الْمَزِيدُ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ]

- ‌[مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الْكُتُبِ الْمُهِمَّةِ فِي هَذَا الْفَنِّ]

- ‌[تَعْرِيفُ الصَّحَابِيِّ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[بِمَ تُعْرَفُ الصُّحْبَةُ]

- ‌[بَيَانُ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[الْمُكْثِرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الْعَبَادِلَةِ وَالْآخِذُونَ عَنْهُمْ]

- ‌[عَدَدُ الصَّحَابَةِ]

- ‌[تَفْضِيلُ الصَّحَابَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ]

- ‌[مَنْ آخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتًا]

- ‌[مَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ]

- ‌[تَعْرِيفُ التَّابِعِيِّ]

- ‌[مَرَاتِبُ التَّابِعِينَ]

- ‌[ذِكْرُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُخَضْرَمِ وَعَدَدُهُ]

- ‌[الْأَكَابِرُ عَنِ الْأَصَاغِرِ]

- ‌[رِوَايَةُ الْأَقْرَانِ]

- ‌[الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ]

- ‌[رِوَايَةُ الْآبَاءِ عَنِ الْأَبْنَاءِ وَعَكْسُهُ]

- ‌[رِوَايَةُ الْأَبْنَاءِ عَنِ الْآبَاءِ]

- ‌[السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ]

- ‌[مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا رَاوٍ وَاحِدٌ]

- ‌[مَنْ ذُكِرَ بِنُعُوتٍ مُتَعَدِّدَةٍ]

- ‌[أَفْرَادُ الْعَلَمِ]

- ‌[الْأَسْمَاءُ وَالْكُنَى]

- ‌[الْأَلْقَابُ]

- ‌[الْمُؤْتَلِفُ وَالْمُخْتَلِفُ]

- ‌[المصنفات فيه]

- ‌[أقسامه]

- ‌[الْمُتَّفِقُ وَالْمُفْتَرِقُ]

- ‌[المصنفات فيه]

- ‌[أقسامه]

- ‌[الْأَوَّلُ أَنْ تَتَّفِقَ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ]

- ‌[وَالثَّانِي أَنْ تَتَّفِقَ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ]

- ‌[الثَّالِثُ أَنْ تَتَّفِقَ الْكُنْيَةُ وَالنِّسْبَةُ مَعًا]

- ‌[مُتَّفَقٌ مَعَهُ فِي الِاسْمِ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي النِّسْبَةِ]

- ‌[الْخَامِسُ أَنْ تَتَّفِقَ كُنَاهُمْ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ]

- ‌[السَّادِسُ ضِدُّ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ أَنْ تَتَّفِقَ أَسْمَاؤُهُمْ وَكُنَى آبَائِهِمْ]

- ‌[الثامن مَا يَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ فِيهِ فِي لَفْظٍ نَسَبٍ فَقَطْ]

- ‌[تَلْخِيصُ الْمُتَشَابِهِ]

- ‌[الْمُشْتَبِهُ الْمَقْلُوبُ]

- ‌[مَنْ نُسِبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ]

- ‌[الْمَنْسُوبُونَ إِلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ]

- ‌[الْمُبْهَمَاتُ]

- ‌[تَوَارِيخُ الرُّوَاةِ وَالْوَفَيَاتِ]

- ‌[حَقِيقَةُ التَّأْرِيخِ]

- ‌[بَوَاعِثُ وَضْعِ التَّأْرِيخِ]

- ‌[المصنفات فيه]

- ‌[استكمال النبي والصديق وعمر وعلي لثلاثة وستين سنة]

- ‌[الاخْتُلاِفَ فِي ابْتِدَاءِ مَرَضِهِ ثُمَّ مُدَّتِهِ ثُمَّ وَقْتِ وَفَاتِهِ وَدَفْنِهِ]

- ‌[وفاة عمر رضي الله عنه]

- ‌[مقتل عثمان رضي الله عنه]

- ‌[مقتل علي بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

- ‌[مقتل طلحة والزبير رضي الله عنهما]

- ‌[موت سَعْدٌ ابن أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه]

- ‌[موت سعيد بن زيد رضي الله عنه]

- ‌[موت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه]

- ‌[موت أَبُو عُبَيْدَةَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ رضي الله عنه]

- ‌[وفيات المعمرين من الصحابة]

- ‌[وفيات أصحاب المذاهب]

- ‌[وفيات أَصْحَابِ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ]

- ‌[وفيات أَئِمَّةٍ انْتُفِعَ بِتَصَانِيفِهِمْ]

- ‌[مَعْرِفَةُ الثِّقَاتِ وَالضُّعَفَاءِ]

- ‌[أهمية معرفة هذا النوع والمصنفات فيه]

- ‌[النصح في الدين حق واجب]

- ‌[المتكلمون في الرجال]

- ‌[لا يقبل الجرح إلا مفسرا]

- ‌[مَعْرِفَةُ مَنِ اخْتَلَطَ مِنَ الثِّقَاتِ]

- ‌[أهمية هذا الفن]

- ‌[المصنفات فيه والمختلطون في الصحيحين]

- ‌[أمثلة لمن اختلط من الثقات]

- ‌[مِمَّنِ اخْتَلَطَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ]

- ‌[طَبَقَاتُ الرُّوَاةِ]

- ‌[الْمَوَالِي مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالرُّوَاةِ]

- ‌[أَوْطَانُ الرُّوَاةِ وَبُلْدَانُهُمْ]

- ‌[تَصْرِيحٌ عَنْ نِسْبَةِ الْكِتَابِ]

الفصل: الْحَلَبِيَّ عَرَضَ لَهُ الْفَالِجُ، فَأُنْسِيَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْفَاتِحَةَ ثُمَّ

الْحَلَبِيَّ عَرَضَ لَهُ الْفَالِجُ، فَأُنْسِيَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْفَاتِحَةَ ثُمَّ عُوفِيَ، وَكَانَ يَحْكِي عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ صَارَ يَتَرَاجَعُ إِلَيْهِ مَحْفُوظُهُ كَالطِّفْلِ شَيْئًا فَشَيْئًا.

وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيَّ الْمَعْرُوفَ بِابْنِ الشَّرَفِيِّ، وَالْمُتَوَفَّى سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، كَانَ قَدْ حَصَلَ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثِينَ شَهْرًا فَالِجٌ، فَلَمْ يَكُنْ يَنْطِقُ بِغَيْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَكْتُبُ غَيْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ عز وجل، وَنَحْوُهُ مَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرٍ الْوَادِي - يَعْنِي شَيْخَهُ - يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَكَّامٍ وَالنَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَانْهَدَمَتْ دَارُهُ وَتَقَطَّعَتِ الْكُتُبُ، فَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَمْرٍو فِي حَدِيثِ النَّضْرِ ; لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا يُحَدِّثَانِ عَنْ شُعْبَةَ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ الِاخْتِلَاطَ الْمَذْكُورَ وَإِنْ قَالَ شَيْخُنَا: إِنَّهُ يُلْحَقُ فِي الْمُخْتَلِطِينَ.

وَقَدْ يَتَغَيَّرُ الْحَافِظُ لِكِبَرِهِ، وَيَكُونُ مَقْبُولًا فِي بَعْضِ شُيُوخِهِ ; لِكَثْرَةِ مُلَازَمَتِهِ لَهُ وَطُولِ صُحْبَتِهِ إِيَّاهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ حَدِيثُهُ عَلَى ذِكْرِهِ وَحِفْظِهِ بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ وَالتَّغَيُّرِ، كَمَا كَانَ قَبْلَهُ ; كَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَحَدِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي ثَابِتِ الْبُنَانِيِّ ; وَلِذَا خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ - كَمَا قَدَّمْتُهُ - فِي مَرَاتِبِ الصَّحِيحِ، عَلَى أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ: إِنَّ مُسْلِمًا اجْتَهَدَ وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ ثَابِتٍ بِخُصُوصِهِ مَا سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[طَبَقَاتُ الرُّوَاةِ]

ِ

992 -

وَلِلرُّوَاةِ طَبَقَاتٌ تُعْرَفُ

بِالسِّنِّ وَالْأَخْذِ وَكَمْ مُصَنِّفُ

993 -

يَغْلَطُ فِيهَا وَابْنُ سَعْدٍ صَنَّفَا

فِيهَا وَلَكِنْ كَمْ رَوَى عَنْ ضُعَفَا

(طَبَقَاتُ الرُّوَاةِ) وَهُوَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ، وَفَائِدَتُهُ الْأَمْنُ مِنْ تَدَاخُلِ الْمُشْتَبِهِينَ

ص: 388

كَالْمُتَّفِقِينَ فِي اسْمٍ أَوْ كُنْيَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمُتَّفِقِ وَالْمُفْتَرِقِ، وَإِمْكَانُ الِاطِّلَاعِ عَلَى تَبَيُّنِ التَّدْلِيسِ، وَالْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ الْمُرَادِ مِنَ الْعَنْعَنَةِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّارِيخِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ، فَيَجْتَمِعَانِ فِي التَّعْرِيفِ بِالرُّوَاةِ، وَيَنْفَرِدُ التَّارِيخُ بِالْحَوَادِثِ وَالطَّبَقَاتِ، بِمَا إِذَا كَانَ فِي الْبَدْرِيِّينَ مَثَلًا مَنْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ عَمَّنْ لَمْ يَشْهَدْهَا ; لِاسْتِلْزَامِهِ تَقْدِيمَ الْمُتَأَخِّرِ الْوَفَاةِ، وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ التَّارِيخَ يُنْظَرُ فِيهِ بِالذَّاتِ إِلَى الْمَوَالِيدِ وَالْوَفَيَاتِ، وَبِالْعَرَضِ إِلَى الْأَحْوَالِ، وَالطَّبَقَاتِ يُنْظَرُ فِيهَا بِالذَّاتِ إِلَى الْأَحْوَالِ، وَبِالْعَرَضِ إِلَى الْمَوَالِيدِ وَالْوَفَيَاتِ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَشْبَهُ.

(وَلِلرُّوَاةِ طَبَقَاتٌ) أَيْ: مَرَاتِبُ وَأَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ، جَمْعُ طَبَقَةٍ ; وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: الْقَوْمُ الْمُتَشَابِهُونَ، (وَتُعْرَفُ) فِي الِاصْطِلَاحِ، (بِالسِّنِّ) أَيْ: بِاشْتِرَاكِ الْمُتَعَاصِرِينَ فِي السِّنِّ وَلَوْ تَقْرِيبًا (وَ) بِـ (الْأَخْذِ) عَنِ الْمَشَايِخِ، وَرُبَّمَا اكْتَفَوْا بِالِاشْتِرَاكِ فِي التَّلَاقِي، وَهُوَ غَالِبًا مُلَازِمٌ لِلِاشْتِرَاكِ فِي السِّنِّ.

قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَالْبَاحِثُ النَّاظِرُ فِي هَذَا الْفَنِّ يَحْتَاجُ مَعْرِفَةَ الْمَوَالِيدِ وَالْوَفَيَاتِ، وَمَنْ أَخَذُوا عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَرُبَّ شَخْصَيْنِ يَكُونَانِ مِنْ طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ لِتَشَابُهِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى جِهَةٍ، وَمِنْ طَبَقَتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى لَا يَتَشَابَهَانِ فِيهَا، فَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه وَغَيْرُهُ مِنْ أَصَاغِرَ الصَّحَابَةِ مَعَ الْعَشَرَةِ رضي الله عنهم، وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ مِنْ طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ إِذَا نَظَرْنَا إِلَى تَشَابُهِمْ فِي أَصْلِ صِفَةِ الصُّحْبَةِ، فَعَلَى هَذَا فَالصَّحَابَةُ بِأَسْرِهِمْ طَبَقَةٌ أُولَى، وَالتَّابِعُونَ طَبَقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَأَتْبَاعُ التَّابِعِينَ طَبَقَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهَلُمَّ جَرًّا، يَعْنِي كَمَا صَنَعَ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، وَإِذَا نَظَرْنَا إِلَى تَفَاوُتِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي سَوَابِقِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ كَانُوا عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ، يَعْنِي فِي الصَّحَابَةِ بِضْعَ عَشْرَةَ طَبَقَةً، وَلَا يَكُونُ عِنْدَ هَذَا أَنَسٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصَاغِرَ الصَّحَابَةِ مِنْ طَبَقَةِ الْعَشَرَةِ مِنَ

ص: 389

الصَّحَابَةِ، بَلْ دُونَهُمْ بِطَبَقَاتٍ.

يَعْنِي كَمَا فَعَلَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ حَيْثُ عَدَّدَ الطَّبَقَاتِ فِي كُلٍّ مِنْهُمْ، قَالَ شَيْخُنَا: وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا وَجْهٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ - كَمَا قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ - كُلَّ طَبَقَةٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقَدْ يَسْتَشْهِدُ لَهُ بِمَا يُرْوَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «إِنَّ طَبَقَاتِ أُمَّتِي خَمْسُ طَبَقَاتٍ، كُلُّ طَبَقَةٍ مِنْهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَطَبَقَتِي وَطَبَقَةُ أَصْحَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَالَّذِي يَلُونَهُمْ إِلَى الثَّمَانِينَ أَهْلُ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ إِلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ أَهْلُ التَّرَاحُمِ وَالتَّوَاصُلِ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ إِلَى السِّتِّينَ - يَعْنِي وَمِائَةٍ - أَهْلُ التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ إِلَى الْمِائَتَيْنِ أَهْلُ الْهَرَجِ وَالْحُرُوبِ» ) . رَوَاهُ يَزِيدٌ الرَّقَاشِيُّ وَأَبُو مَعْنٍ، وَكِلَاهُمَا فِي ابْنِ مَاجَهْ، وَعَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ أَبُو مَعْمَرٍ، كَمَا فِي نُسْخَةِ كَامِلِ بْنِ طَلْحَةَ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، ثَلَاثَتُهُمْ - وَهُمْ ضُعَفَاءُ - عَنْ أَنَسٍ، وَكَذَا لَهُ شَوَاهِدُ، كُلُّهَا ضِعَافٌ، مِنْهَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُجْرٍ رَوَاهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُطَهَّرٍ الْفِهْرِيِّ وَلَيْسَ بِعُمْدَةٍ، عَنْ أَبِي الْمُلَيْحِ بْنِ أُسَامَةَ الْهُذَلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ الْقُرَشِيُّ - وَهُوَ تَالِفٌ - عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا نَحْوَهُ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْتُهُ لِكَوْنِهِ فِي إِحْدَى السُّنَنِ، وَكَذَا يُسْتَشْهَدُ لِهَذَا النَّوْعِ فِي الْجُمْلَةِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:( «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ) . فَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً.

(وَكَمْ) مَرَّةٍ أَوْ وَقْتٍ (مُصَنِّفُ) مِنْ حُفَّاظِ الْأَئِمَّةِ (يَغْلَطُ) أَوْ كَمْ يَغْلَطُ مُصَنِّفٌ (فِيهَا) ; لِسَبَبِ الِاشْتِبَاهِ فِي الْمُتَّفِقِينَ حَيْثُ يَظُنُّ أَحَدَهُمَا الْآخَرَ، أَوْ لِسَبَبٍ أَنَّ الشَّايِعَ رِوَايَتُهُ عَنْ أَهْلِ طَبَقَةٍ رُبَّمَا يَرْوِي عَنْ أَقْدَمَ مِنْهَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ التَّابِعِينَ،

ص: 390

أَوْ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ طَبَقَتِهِ فَيَذْكُرُهُ تَخْمِينًا عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيبِ، كَمَا اتَّفَقَ لِلْمُقَيَّدِينَ فِي إِدْخَالِ مَنْ لَيْسَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَثَلًا كَابْنِ هُبَيْرَةَ الْحَنْبَلِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الطَّرْطُوسِيِّ الْمَالِكِيِّ، وَكَذَا مِنَ الظَّنِّ الْغَالِبِ كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا كَالْبُخَارِيِّ فِيهِمْ، وَفِي إِدْخَالِ مُصَنِّفِ طَبَقَاتِ الْحَنَفِيَّةِ الْفَخْرَ الرَّازِيَّ الشَّافِعِيَّ فِيهِمْ ; وَلِذَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّهُ افْتَضَحَ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ.

وَفِيهَا تَصَانِيفُ كَثِيرَةٌ لِأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيِّ وَخَلِيفَةَ بْنِ خَيَّاطٍ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي الْحَسَنِ مَحْمُودِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُمَيْعٍ الدِّمَشْقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ الْبَرْقِيِّ وَأَبِي عَرُوبَةَ الْحَرَّانِيِّ وَأَبِي الشَّيْخِ بْنِ حَيَّانَ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مَرْدُوَيْهِ وَأَبِي مَسْعُودٍ أَحْمَدَ بْنِ الْفُرَاتِ الرَّازِيِّ وَأَبِي الْفَضْلِ الْفَلَكِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَحْمَدَ بْنِ إِشْكَابٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْوَرَّاقِ وَأَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمُسْتَمْلِي الْبَلْخِيِّ، فِي آخَرِينَ، مِنْهُمْ مَنْ طَوَّلَ، وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَصَرَ غَيْرَ مُتَقَيِّدِينَ أَوْ مُتَقَيِّدِينَ بِالْفُقَهَاءِ ; إِمَّا مُطْلَقًا كَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ، أَوْ مُقَيَّدًا بِمَذْهَبٍ كَـ (الْمَدَارِكِ) لِلْقَاضِي عِيَاضٍ، وَالْحَنَابِلَةِ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى ثُمَّ ابْنِ رَجَبٍ، وَالشَّافِعِيَّةِ لِخَلْقٍ، أَوْ بِالْحُفَّاظِ أَوْ بِالْقُرَّاءِ كَالذَّهَبِيِّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، لِلدَّانِيِّ ثُمَّ ابْنِ الْجَزْرِيِّ فِي الْقُرَّاءِ أَيْضًا أَنَّ بِالنُّحَاةِ كَالْقِفْطِيِّ وَابْنِ مَكْتُومٍ، أَوْ بِالْبِلَادِ كَطَبَقَاتِ الْمَكِّيِّينَ الْمُتَأَخِّرِينَ لِلْقَاضِي بْنِ مُفَرِّجٍ، أَوِ النَّيْسَابُورِيِّينَ لِلِحَاكُمِ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، كُلُّهُ مِمَّا بَسَطْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ.

ص: 391

(وَابْنُ سَعْدٍ) بْنِ مَنِيعٍ، وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْهَاشِمِيُّ، مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ الْحَافِظُ نَزِيلُ بَغْدَادَ وَكَاتِبُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ الْأَسْلَمِيِّ الْوَاقِدِيِّ أَيْضًا (صَنَّفَا فِيهَا) أَيْ: فِي الطَّبَقَاتِ ثَلَاثَةَ تَصَانِيفَ، وَالْكَبِيرُ مِنْهَا كِتَابٌ حَفِيلٌ جَلِيلٌ كَثِيرُ الْفَائِدَةِ، أَثْنَى عَلَيْهِ وَعَلَى مُصَنِّفِهِ الْخَطِيبُ فَقَالَ: كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ، صَنَّفَ كِتَابًا كَبِيرًا فِي طَبَقَاتِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى وَقْتِهِ، فَأَجَادَ فِيهِ وَأَحْسَنَ. انْتَهَى.

وَهُوَ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ (وَلَكِنْ كَمْ رَوَى) فِي كِتَابِهِ الْمَذْكُورِ (عَنْ) أُنَاسٍ (ضُعَفَا) ، مِنْهُمْ شَيْخُهُ الْوَاقِدِيُّ مُقْتَصِرًا كَثِيرًا عَلَى اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ بِنِسْبَتِهِ وَلَا غَيْرِهَا، وَمِنْهُمْ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، فَأَكْثَرَ عَنْهُمَا، وَمِنْهُمْ نَصْرُ بْنُ بَابٍ أَبُو سَهْلٍ الْخُرَاسَانِيُّ مَعَ قَوْلِهِ فِيهِ: إِنَّهُ نَزَلَ بَغْدَادَ فَسَمِعُوا مِنْهُ وَرَوَوْا عَنْهُ، ثُمَّ حَدَّثَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ فَاتَّهَمُوهُ، فَتَرَكُوا حَدِيثَهُ، وَالْمَرْءُ قَدْ يُضَعَّفُ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الضُّعَفَاءِ مِثْلِ هَؤُلَاءِ، لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَمِ تَمْيِيزِهِمْ وَمَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمْ بِمَنْ عِنْدَهُ مِنَ الثِّقَاتِ الْأَئِمَّةِ، وَلَا شَكَ أَنَّ مِنْ شُيُوخِ ابْنِ سَعْدٍ [هُشْيَمًا وَالْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ وَابْنَ عُيَيْنَةَ وَابْنَ عُلَيَّةَ وَابْنَ أَبِي فُدَيْكٍ، وَأَبَا ضَمْرَةَ أَنَسَ بْنَ عِيَاضٍ وَيَزِيدَ بْنَ هَارُونَ وَمَعْنَ بْنَ عِيسَى وَأَبَا الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيَّ، وَوَكِيعًا وَأَبَا أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيَّ وَغَيْرَهُمْ؟ ؟ ؟] ، وَكَتَبَ عَنْ أَقْرَانِهِ وَمَنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ، عَلَى أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ كَامِلٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ فَهْمٍ يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ، فَمَرَّ بِنَا ابْنُ مَعِينٍ فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْكَاتِبُ بِكَذَا وَكَذَا. فَقَالَ يَحْيَى: كَذَبَ، وَلَكِنْ قَدْ قَالَ الْخَطِيبُ: أَظُنُّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُصْعَبٌ عَنْهُ لِابْنِ مَعِينٍ مِنَ الْمَنَاكِيرِ الَّتِي يَرْوِيهَا الْوَاقِدِيُّ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ. فَقَالَ: يَصْدُقُ، رَأَيْتُهُ جَاءَ إِلَى الْقَوَارِيرِيِّ وَسَأَلَهُ عَنْ أَحَادِيثَ فَحَدَّثَهُ. قَالَ الْخَطِيبُ: وَهُوَ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ، وَحَدِيثُهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ ; فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى فِي كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَاتِهِ. وَقَالَ ابْنُ فَهْمٍ: كَانَ كَثِيرَ الْعِلْمِ وَالْكُتُبِ وَالْحَدِيثِ وَالْغَرِيبِ وَالْفِقْهِ. وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: ظَهَرَتْ فَضَائِلُهُ وَمَعْرِفَتُهُ الْوَاسِعَةُ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ وَاحِدٍ عَنْهُ حِكَايَةً،

ص: 392