المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[بواعث وضع التأريخ] - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - جـ ٤

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْغَرِيبُ وَالْعَزِيزُ وَالْمَشْهُورُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْغَرِيبِ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْعَزِيزِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمَشْهُورِ وَالْمُسْتَفِيضِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْغَرِيبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمَشْهُورِ]

- ‌[تَعْرِيفُ التَّوَاتُرِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[أَمْثِلَةُ التَّوَاتُرِ]

- ‌[الْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ]

- ‌[غَرِيبُ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ]

- ‌[تَعْرِيفُ غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَأَمْثِلَتِهِ]

- ‌[أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[ذِكْرُ أُمَّهَاتَ الْكُتُبِ فِي هَذَا الْفَنِّ]

- ‌[الِاعْتِنَاءُ بِهَذَا الْفَنِّ وَأَهْلِهِ]

- ‌[تَفْسِيرُ الْغَرِيبِ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ]

- ‌[الْمُسَلْسَلُ]

- ‌[مَعْنَى الْمُسَلْسَلِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا وَأَمْثِلَتِهِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُسَلْسَلِ وَفَائِدَتُهُ]

- ‌[كُتُبُ الْمُسَلْسَلَاتِ]

- ‌[ذِكْرُ الْمُسَلْسَلَاتِ النَّاقِصَةَ]

- ‌[النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ]

- ‌[تعريفه]

- ‌[فضله]

- ‌[دَلَائِلُ النَّسْخِ]

- ‌[التَّصْحِيفُ]

- ‌[الْكُتُبُ الْمُهِمَّةُ فِي هَذَا الْفَنِّ]

- ‌[أَمْثِلَةُ التَّصْحِيفِ فِي الْمَتْنِ]

- ‌[أَمْثِلَةُ التَّصْحِيفِ فِي الْإِسْنَادِ]

- ‌[أَسْبَابُ التَّصْحِيفِ فِي الْحَدِيثِ]

- ‌[مَعْنَى التَّصْحِيفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْرِيفِ]

- ‌[مُخْتَلِفُ الْحَدِيثِ]

- ‌[المصنفات فيه]

- ‌[أَمْثِلَتُهُ]

- ‌[خَفِيُّ الْإِرْسَالِ وَالْمَزِيدُ فِي مُتَّصِلِ الْإِسْنَادِ]

- ‌[الْمُرْسَلُ الْخَفِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْسَلِ الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِ]

- ‌[الْمَزِيدُ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ]

- ‌[مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الْكُتُبِ الْمُهِمَّةِ فِي هَذَا الْفَنِّ]

- ‌[تَعْرِيفُ الصَّحَابِيِّ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[بِمَ تُعْرَفُ الصُّحْبَةُ]

- ‌[بَيَانُ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[الْمُكْثِرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الْعَبَادِلَةِ وَالْآخِذُونَ عَنْهُمْ]

- ‌[عَدَدُ الصَّحَابَةِ]

- ‌[تَفْضِيلُ الصَّحَابَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ]

- ‌[مَنْ آخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتًا]

- ‌[مَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ]

- ‌[تَعْرِيفُ التَّابِعِيِّ]

- ‌[مَرَاتِبُ التَّابِعِينَ]

- ‌[ذِكْرُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُخَضْرَمِ وَعَدَدُهُ]

- ‌[الْأَكَابِرُ عَنِ الْأَصَاغِرِ]

- ‌[رِوَايَةُ الْأَقْرَانِ]

- ‌[الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ]

- ‌[رِوَايَةُ الْآبَاءِ عَنِ الْأَبْنَاءِ وَعَكْسُهُ]

- ‌[رِوَايَةُ الْأَبْنَاءِ عَنِ الْآبَاءِ]

- ‌[السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ]

- ‌[مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا رَاوٍ وَاحِدٌ]

- ‌[مَنْ ذُكِرَ بِنُعُوتٍ مُتَعَدِّدَةٍ]

- ‌[أَفْرَادُ الْعَلَمِ]

- ‌[الْأَسْمَاءُ وَالْكُنَى]

- ‌[الْأَلْقَابُ]

- ‌[الْمُؤْتَلِفُ وَالْمُخْتَلِفُ]

- ‌[المصنفات فيه]

- ‌[أقسامه]

- ‌[الْمُتَّفِقُ وَالْمُفْتَرِقُ]

- ‌[المصنفات فيه]

- ‌[أقسامه]

- ‌[الْأَوَّلُ أَنْ تَتَّفِقَ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ]

- ‌[وَالثَّانِي أَنْ تَتَّفِقَ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ]

- ‌[الثَّالِثُ أَنْ تَتَّفِقَ الْكُنْيَةُ وَالنِّسْبَةُ مَعًا]

- ‌[مُتَّفَقٌ مَعَهُ فِي الِاسْمِ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي النِّسْبَةِ]

- ‌[الْخَامِسُ أَنْ تَتَّفِقَ كُنَاهُمْ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ]

- ‌[السَّادِسُ ضِدُّ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ أَنْ تَتَّفِقَ أَسْمَاؤُهُمْ وَكُنَى آبَائِهِمْ]

- ‌[الثامن مَا يَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ فِيهِ فِي لَفْظٍ نَسَبٍ فَقَطْ]

- ‌[تَلْخِيصُ الْمُتَشَابِهِ]

- ‌[الْمُشْتَبِهُ الْمَقْلُوبُ]

- ‌[مَنْ نُسِبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ]

- ‌[الْمَنْسُوبُونَ إِلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ]

- ‌[الْمُبْهَمَاتُ]

- ‌[تَوَارِيخُ الرُّوَاةِ وَالْوَفَيَاتِ]

- ‌[حَقِيقَةُ التَّأْرِيخِ]

- ‌[بَوَاعِثُ وَضْعِ التَّأْرِيخِ]

- ‌[المصنفات فيه]

- ‌[استكمال النبي والصديق وعمر وعلي لثلاثة وستين سنة]

- ‌[الاخْتُلاِفَ فِي ابْتِدَاءِ مَرَضِهِ ثُمَّ مُدَّتِهِ ثُمَّ وَقْتِ وَفَاتِهِ وَدَفْنِهِ]

- ‌[وفاة عمر رضي الله عنه]

- ‌[مقتل عثمان رضي الله عنه]

- ‌[مقتل علي بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

- ‌[مقتل طلحة والزبير رضي الله عنهما]

- ‌[موت سَعْدٌ ابن أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه]

- ‌[موت سعيد بن زيد رضي الله عنه]

- ‌[موت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه]

- ‌[موت أَبُو عُبَيْدَةَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ رضي الله عنه]

- ‌[وفيات المعمرين من الصحابة]

- ‌[وفيات أصحاب المذاهب]

- ‌[وفيات أَصْحَابِ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ]

- ‌[وفيات أَئِمَّةٍ انْتُفِعَ بِتَصَانِيفِهِمْ]

- ‌[مَعْرِفَةُ الثِّقَاتِ وَالضُّعَفَاءِ]

- ‌[أهمية معرفة هذا النوع والمصنفات فيه]

- ‌[النصح في الدين حق واجب]

- ‌[المتكلمون في الرجال]

- ‌[لا يقبل الجرح إلا مفسرا]

- ‌[مَعْرِفَةُ مَنِ اخْتَلَطَ مِنَ الثِّقَاتِ]

- ‌[أهمية هذا الفن]

- ‌[المصنفات فيه والمختلطون في الصحيحين]

- ‌[أمثلة لمن اختلط من الثقات]

- ‌[مِمَّنِ اخْتَلَطَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ]

- ‌[طَبَقَاتُ الرُّوَاةِ]

- ‌[الْمَوَالِي مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالرُّوَاةِ]

- ‌[أَوْطَانُ الرُّوَاةِ وَبُلْدَانُهُمْ]

- ‌[تَصْرِيحٌ عَنْ نِسْبَةِ الْكِتَابِ]

الفصل: ‌[بواعث وضع التأريخ]

وَهُوَ فَنٌّ عَظِيمُ الْوَقْعِ مِنَ الدِّينِ، قَدِيمُ النَّفْعِ بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ، لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ وَلَا يُعْتَنَى بِأَعَمَّ مِنْهُ، خُصُوصًا مَا هُوَ الْقَصْدُ الْأَعْظَمُ مِنْهُ، وَهُوَ الْبَحْثُ عَنِ الرُّوَاةِ وَالْفَحْصِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ فِي ابْتَدَائِهِمْ وَحَالِهِمْ وَاسْتِقْبَالِهِمْ ; لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الِاعْتِقَادِيَّةَ وَالْمَسَائِلَ الْفِقْهِيَّةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كَلَامِ الْهَادِي مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْمُبَصِّرِ مِنَ الْعَمَى وَالْجَهَالَةِ، وَالنَّقَلَةُ لِذَلِكَ هُمُ الْوَسَائِطُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَالرَّوَابِطُ فِي تَحْقِيقِ مَا أَوْجَبَهُ وَسَنَّهُ، فَكَانَ التَّعْرِيفُ بِهِمْ مِنَ الْوَاجِبَاتِ، وَالتَّشْرِيفُ بِتَرَاجِمِهِمْ مِنَ الْمُهِمَّاتِ ; وَلِذَا قَامَ بِهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ أَهْلُ الْحَدِيثِ، بَلْ نُجُومُ الْهُدَى وَرُجُومُ الْعِدَى.

[بَوَاعِثُ وَضْعِ التَّأْرِيخِ]

[بَوَاعِثُ وَضْعِ التَّأْرِيخِ](وَوَضَعُوا التَّأْرِيخَ) الْمُشْتَمِلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ ضَمِّهِمْ لَهُ الضَّبْطَ لِوَقْتِ كُلٍّ مِنَ السَّمَاعِ، وَقُدُومِ الْمُحَدِّثِ الْبَلَدَ الْفُلَانِيَّ فِي رِحْلَةِ الطَّالِبِ وَمَا أَشْبَهَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ تَصَانِيفِهِمْ فِي آدَابِ طَالِبِ الْحَدِيثِ ; لِيَخْتَبِرُوا بِذَلِكَ مَنْ جَهِلُوا حَالَهُ فِي الصِّدْقِ وَالْعَدَالَةِ، (لَمَّا كَذَبَا ذَوُوهُ) أَيْ: ذَوُو الْكَذِبِ، (حَتَّى بَانَ) أَيْ: ظَهَرَ بِهِ كَذِبُهُمْ وَبُطْلَانُ قَوْلِهِمُ الَّذِي يُرَوِّجُونَ بِهِ عَلَى مَنْ أَغْفَلَهُ، (لَمَّا حُسِبَا) سِنُّهُمْ وَسِنُّ مَنْ زَعَمُوا لُقْيَهُمْ إِيَّاهُ، وَافْتَضَحُوا بِذَلِكَ، وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ كَمَا اتَّفَقَ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلًا اخْتِبَارًا: أَيُّ سَنَةٍ كَتَبْتَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ؟ فَقَالَ: سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ. يَعْنِي: وَمِائَةٍ، (فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ سَمِعْتَ مِنْ خَالِدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَبْعِ سِنِينَ) وَهَذَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي وَقْتِ وَفَاةِ خَالِدٍ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الْخَطِيبُ: جَاءَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ: أَنَا شَيْخُكُمُ الصَّالِحُ. وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ. فَقِيلَ لَهُ: فِي أَيِّ سَنَةٍ لَقِيتَهُ؟ قَالَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَةٍ فِي غَزَاةِ أَرْمِينِيَّةَ. فَقِيلَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا شَيْخُ، وَلَا تَكْذِبْ، مَاتَ خَالِدٌ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَلَمْ يَغْزُ أَرْمِينِيَّةَ) وَكَذَا قَالَ عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ خَالِدٍ أَيْضًا: إِنَّهُ مَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، وَهُوَ قَوْلُ دُحَيْمٍ وَسُلَيْمَانَ الْخَبَايِرِيِّ وَمُعَاوِيَةَ

ص: 307

بنِ صَالِحٍ وَيَزِيدَ بْنَ عَبْدِ رَبِّهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ قَرَأَهُ كَذَلِكَ فِي دِيوَانِ الْعَطَاءِ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَبِهِ جَزَمَ الذَّهَبِيُّ فِي (الْعِبَرِ) وَفِيهَا مِنَ الْأَقْوَالِ أَيْضًا: سَنَةَ ثَمَانٍ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ قَانِعٍ، أَوْ خَمْسٍ أَوْ ثَلَاثٍ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: إِنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ وَالْمَدَائِنِيِّ وَالْفَلَّاسِ وَابْنِ مَعِينٍ وَيَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ فِي آخَرِينَ، وَكَذَا اتَّفَقَ لِلْحَاكِمِ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ الْكَشِّيِّ حِينَ حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوْلِدِهِ، فَقَالَ لَهُ: فِي سَنَةِ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ. فَقَالَ: إِنَّ هَذَا سَمِعَ مِنْ عَبْدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ الْمُعَلَّى بْنُ عِرْفَانَ كَمَا فِي مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ بِصِفِّينَ، فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: أَتُرَاهُ بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ وَكَذَا أَدْرَجَ أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ الشَّيْبَانِيُّ سَمَاعَ ابْنِ عُيَيْنَةَ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فَافْتَضَحَ ; إِذْ مَوْتُ عَمْرٍو قَبْلَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا، كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي الْمُسَلْسَلِ.

وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الثَّوْرِيُّ: لَمَّا اسْتَعْمَلَ الرُّوَاةُ الْكَذِبَ اسْتَعْمَلْنَا لَهُمُ التَّأْرِيخَ. أَوْ كَمَا قَالَ، وَنَحْوُهُ قَوْلِ حَسَّانَ بْنِ يَزِيدَ كَمَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي تَأْرِيخِهِ، لَمْ يُسْتَعَنْ عَلَى الْكَذَّابِينَ بِمِثْلِ التَّارِيخِ، يُقَالُ لِلشَّيْخِ: سَنَةَ كَمْ وُلِدْتَ؟ فَإِذَا أَقَرَّ بِمَوْلِدِهِ عُرِفَ صِدْقُهُ مِنْ كَذِبِهِ، وَقَوْلِ حَفْصِ بْنَ غِيَاثٍ الْقَاضِي: إِذَا اتَّهَمْتُمُ الشَّيْخَ فَحَاسِبُوهُ بِالسِّنَّيْنِ يَعْنِي بِفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ تَثْنِيَةُ سِنٍّ، وَهُوَ الْعُمُرُ، يُرِيدُ احْسُبُوا سِنَّهُ وَسِنَّ مَنْ كَتَبَ عَنْهُ،

ص: 308

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَكَذَا يَتَبَيَّنُ بِهِ مَا فِي السَّنَدِ مِنَ انْقِطَاعٍ أَوْ عَضَلٍ أَوْ تَدْلِيسٍ أَوْ إِرْسَالٍ ظَاهِرٍ أَوْ خَفِيٍّ لِلْوُقُوفِ بِهِ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ مَثَلًا لَمْ يُعَاصِرْ مَنْ رَوَى عَنْهُ أَوْ عَاصَرَهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَلْقَهُ ; لِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ وَهُوَ لَمْ يَرْحَلْ إِلَيْهَا، مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَتْ لَهُ مِنْهُ إِجَازَةٌ أَوْ نَحْوُهَا، وَكَوْنُ الرَّاوِي عَنْ بَعْضِ الْمُخْتَلِطِينَ، سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا يَتَبَيَّنُ بِهِ التَّصْحِيفُ فِي الْأَنْسَابِ كَمَا أَسْلَفْتُهُ فِي التَّصْحِيفِ، وَهُوَ أَيْضًا أَحَدُ الطُّرُقِ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا النَّاسِخُ مِنَ الْمَنْسُوخِ كَمَا سَلَفَ فِي بَابِهِ، وَرُبَّمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِضَبْطِ الرَّاوِي، حَيْثُ يَقُولُ فِي الْمَرْوِيِّ: وَهُوَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، أَوْ رَأَيْتُهُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ يَفْعَلُ كَذَا، أَوْ كَانَ فُلَانٌ آخِرَ مَنْ رَوَى عَنْ فُلَانٍ، أَوْ سَمِعْتُ مِنْ فُلَانٍ قَبْلَ أَنْ يُحَدِّثَ مَا أُحَدِّثُ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ، وَفِي الْمُتُونِ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْكَثِيرُ كَـ ( «أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ» ، وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ كَذَا ; وَكَقَوْلِهِ عَنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ: (ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ) الْحَدِيثَ. وَكَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، وَقَوْلِ عَائِشَةَ:(إِنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ إِذَا لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَغْتَسِلْ ثُمَّ اغْتَسَلَ بَعْدُ وَأَمَرَ بِهِ وَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِعَامٍ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِشَهْرٍ وَكُنَّا نَفْعَلُ كَذَا حَتَّى قَدِمْنَا الْحَبَشَةَ، وَنَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ كَذَا) . وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، بِحَيْثُ أَفْرَدَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُدَمَاءِ فَمَنْ بَعْدَهُمُ الْأَوَائِلَ بِالتَّصْنِيفِ، وَأَجْمَعُهَا لِشَيْخِنَا، وَكَذَا أَفْرَدَ أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ مَنْدَهْ آخِرَ الصَّحَابَةِ مَوْتًا كَمَا سَلَفَ هُنَاكَ، بَلْ أَفْرَدَ الْأَوَاخِرَ مُطْلَقًا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلِكَثْرَةِ مَا وَقَعَ فِي الْمُتُونِ مِنْ ذَلِكَ أَفْرَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِنَوْعٍ مُسْتَقِلٍّ وَلَوْ ضَمَّهُ بِهَذَا، وَيَكُونُ عَلَى قِسْمَيْنِ: سَنَدِيٍّ وَمَتْنِيٍّ، وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ لَكَانَ

ص: 309

حَسَنًا.

وَكَانَ لِخِيَارِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ بِأَهْلِهِ أَتَمُّ اعْتِنَاءٍ، حَتَّى إِنَّ الْأَمِيرَ سَنْجَرَ الدَّوَادَارِيَّ سَأَلَ الدِّمْيَاطِيَّ وَنَاهِيَكَ بِجَلَالَتِهِ عَنْ سَنَةِ وَفَاةِ الْبُخَارِيِّ، فَلَمْ تَتَّفِقْ لَهُ الْمُبَادَرَةُ لِاسْتِحْضَارِهَا، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَبَادَرَ لِذِكْرِهَا فَحَظِيَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ جِدًّا، وَزَادَ فِي إِكْرَامِهِ وَتَقْرِيبِهِ.

وَفُنُونُهُ مُتَشَعِّبَةٌ جِدًّا، وَالْمَرْغُوبُ عَنْهُ مِنْهَا مَا لَا نَفْعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا وُضِعَ لِلتَّفَرُّجِ ; وَلِذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي (الْإِحْيَاءِ)، وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ مِنَ (الرَّوْضَةِ) : الْكِتَابُ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِثَلَاثَةِ أَغْرَاضٍ: التَّعْلِيمِ وَالتَّفَرُّجِ بِالْمُطَالَعَةِ، وَالِاسْتِفَادَةِ.

فَالتَّفَرُّجُ لَا يُعَدُّ حَاجَةً ; كَاقْتِنَاءِ كُتُبِ الشِّعْرِ وَالتَّوَارِيخِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا فِي الدُّنْيَا، فَهَذَا يُبَاعُ فِي الْكَفَّارَةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ، وَيَمْنَعُ اسْمَ الْمَسْكَنَةِ. انْتَهَى.

وَصَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْإِحْيَاءِ بِكَوْنِ ذَلِكَ مِنَ الْعِلْمِ الْمُبَاحِ ; فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الْمُبَاحُ مِنْهُ فَالْعِلْمُ بِالْأَشْعَارِ الَّتِي لَا سَخْفَ فِيهَا، وَتَوَارِيخُ الْأَخْبَارِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، وَوَلِعَ بَعْضُ الْفُسَّاقِ بِهَذَا الْكَلَامِ فِي ذَمِّ مُطْلَقِ التَّارِيخِ فَأَخْطَأَ، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ إِذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْوُقُوفِ عَلَى اتِّصَالِ الْخَبَرِ وَشِبْهِهِ.

وَقَدْ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِيمَا قَرَأْتُهُ بِخَطِّهِ: فُنُونُ التَّوَارِيخِ الَّتِي تَدْخُلُ فِي تَأْرِيخَيِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ، وَسَرَدَهَا فَكَانَتْ أَمْرًا عَجَبًا، وَلَمْ أَنْهَضْ لَهُ، وَلَوْ عَمِلْتُهُ لَجَاءَ فِي سِتِّمِائَةِ مُجَلَّدٍ. وَلِذَا قَالَ مُغْلَطَايُ كَمَا قَرَأْتُهُ بِخَطِّهِ أَيْضًا: إِنَّ شَخْصًا وَاحِدًا حَازَ نَحْوًا مِنْ أَلْفِ تَصْنِيفٍ فِيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْوَفَيَاتِ بِخُصُوصِهَا كِتَابٌ مُسْتَوْفًى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُمَيْدِيُّ مُؤَلِّفُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَأَنَّهُ رَامَ جَمْعَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ الْأَمِيرُ أَبُو نَصْرِ بْنُ مَاكُولَا: رَتِّبْهُ عَلَى الْحُرُوفِ بَعْدَ أَنْ تُرَتِّبَهُ

ص: 310