الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَوَانَةَ بِمِنًى، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا، فَلَمَّا وَلَّى لَحِقَهُ أَبُو عُوَانَةَ فَأَعْطَاهُ دِينَارًا، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: وَاللَّهِ لَأَنْفَعَنَّكَ بِهَا يَا أَبَا عَوَانَةَ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَأَرَادُوا الدَّفْعَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ، وَقَفَ ذَلِكَ السَّائِلُ عَلَى طَرِيقِ النَّاسِ وَجَعَلَ يُنَادِي إِذَا رَأَى رُفْقَةً مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اشْكُرُوا يَزِيدَ بْنَ عَطَاءٍ اللَّيْثِيَّ، يَعْنِي مَوْلَى أَبِي عَوَانَةَ ; فَإِنَّهُ تَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ عز وجل الْيَوْمَ بِأَبِي عَوَانَةَ فَأَعْتَقَهَ. فَجَعَلَ النَّاسُ يَمُرُّونَ فَوْجًا فَوْجًا إِلَى يَزِيدَ، يَشْكُرُونَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ يُنْكِرُهُ، فَلَمَّا كَثُرَ هَذَا الصَّنِيعُ مِنْهُمْ قَالَ: وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى رَدِّ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ؟ ! اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ.
وَأَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ مَا ثَبَتَ بِقَضِيَّةِ الْعَقْلِ الصِّرْفِ ; كَـ: الْوَاحِدُ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ، وَالْأُمُورِ النَّظَرِيَّاتِ ; إِذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ نَظَرِهِ، وَكُلُّهُ مَقْبُولٌ ; لِإِفَادَتِهِ الْقَطْعَ بِصِدْقِ مُخْبِرِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ كَمَا سَلَفَ، وَلَيْسَ مِنْ مَبَاحِثِ هَذَا الْفَنِّ ; فَإِنَّهُ لَا يُبْحَثُ عَنْ رِجَالِهِ ; لِكَوْنِهِ لَا دَخْلَ لِصِفَاتِ الْمُخْبِرِينَ فِيهِ ; وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ إِلَّا الْقَلِيلُ ; كَالْحَاكِمِ، وَالْخَطِيبِ فِي أَوَائِلِ (الْكِفَايَةِ) ، وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَابْنِ حَزْمٍ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ لَا يَذْكُرُونَهُ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ الْمُشْعِرِ بِمَعْنَاهُ الْخَاصِّ.
وَإِنْ كَانَ الْخَطِيبُ قَدْ ذَكَرَهُ، فَفِي كَلَامِهِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ اتَّبَعَ فِيهِ غَيْرَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَا يَشْمَلُهُ صِنَاعَتُهُمْ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي رِوَايَاتِهِمْ.
[أَمْثِلَةُ التَّوَاتُرِ]
[أَمْثِلَةُ التَّوَاتُرِ] وَلَهُ أَمْثِلَةٌ ; (كَمَتْنِ)( «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» ) ، الَّذِي اعْتَنَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ ; مِنْهُمُ الطَّبَرَانِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ بِجَمْعِ طُرُقِهِ،
وَبَلَغَتْ عِدَّةُ مَنْ رَوَاهُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَتَبِعَهُ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ عِشْرِينَ، بَلِ ارْتَقَتْ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْبَزَّارِ وَإِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ لِأَرْبَعِينَ، وَزَادَ عَلَيْهِمَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ صَاعِدٍ عَدَدًا قَلِيلًا.
وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ شَارِحِ (الرِّسَالَةِ) لِسِتِّينَ. (فَـ) ـارْتَقَتْ (فَوْقَ سِتِّينَ) صَحَابِيًّا بِاثْنَيْنِ (رَوَوْهُ) كَمَا عِنْدَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي مُقَدِّمَةِ مَوْضُوعَاتِهِ، وَلِبَعْضِ الْأَحَادِيثِ عِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ طَرِيقٍ، بِحَيْثُ زَادَتِ الطُّرُقُ عِنْدَهُ عَلَى التِّسْعِينَ. وَجَزَمَ بِذَلِكَ ابْنُ دِحْيَةَ.
وَقَدْ سَبَقَ ابْنَ الْجَوْزِيِّ لِزِيَادَةِ عَدِّ الصَّحَابَةِ عَلَى السِّتِّينَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ.
(وَالْعَجَبْ بِأَنَّ مِنْ رُوَاتِهِ لَلْعَشَرَهْ) الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ. (وَ) أَنَّهُ (خُصَّ بِالْأَمْرَيْنِ) الْمَذْكُورَيْنِ ; وَهُمَا اجْتِمَاعُ أَزْيَدَ مِنْ سِتِّينَ صَحَابِيًّا عَلَى رِوَايَتِهِ، وَكَوْنُ الْعَشَرَةِ مِنْهُمْ، (فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ) ابْنُ الصَّلَاحِ حِكَايَةً (عَنْ بَعْضِهِمُ) مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي مُقَدِّمَةِ إِحْدَى النُّسْخَتَيْنِ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، الْأَوَّلُ مِنْ كَلَامِهِ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي نَقْلًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْإِسْفَرَائِينِيِّ.
وَكَذَا قَالَهُ الْحَاكِمُ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُهُ الْبَيْهَقِيُّ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ.
بَلْ أَشَعَرَ كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ بِاخْتِصَاصِهِ بِكَوْنِهِ مِثَالًا لِلْمُتَوَاتِرِ ; فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَنْ سُئِلَ عَنْ إِبْرَازِ مِثَالٍ لِذَلِكَ فِيمَا يُرْوَى مِنَ الْحَدِيثِ، أَعْيَاهُ تَطَلُّبُهُ.
قَالَ: وَحَدِيثُ: ( «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ) لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ بِسَبِيلٍ، وَإِنْ نَقَلَهُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ وَزِيَادَةً ; لِأَنَّ ذَلِكَ
طَرَأَ عَلَيْهِ فِي وَسَطِ إِسْنَادِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي أَوَائِلِهِ عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ. نَعَمْ، حَدِيثُ:( «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ» ) نَرَاهُ مِثَالًا لِذَلِكَ ; فَإِنَّهُ نَقَلَهُ عَنِ الصَّحَابَةِ الْعَدَدُ الْجَمُّ، وَوَافَقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى إِطْلَاقِ التَّوَاتُرِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ نَازَعَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي اجْتِمَاعِ الْعَشَرَةِ عَلَى رِوَايَتِهِ، وَبَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا فِي كَوْنِهِ مُتَوَاتِرًا ; لِأَنَّ شَرْطَهُ كَمَا قَدَّمْنَا اسْتِوَاءُ طَرَفَيْهِ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي الْكَثْرَةِ، وَلَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي كُلِّ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِهِ بِمُفْرَدِهَا.
وَأُجِيبُ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الطُّرُقَ عَنِ الْعَشَرَةِ مَوْجُودَةٌ فِي مُقَدِّمَةِ الْمَوْضُوعَاتِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ وَابْنِ عَوْفٍ فِي النُّسْخَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْهَا، وَكَذَا مَوْجُودَةٌ عِنْدَ مَنْ بَعْدَهُ، وَالثَّابِتُ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي مِنَ الصِّحَاحِ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ، وَمِنَ الْحِسَانِ طَلْحَةُ وَسَعْدٌ وَسَعِيدٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَمِنَ الضَّعِيفِ الْمُتَمَاسِكِ طَرِيقُ عُثْمَانَ، وَبَقِيَّتُهَا ضَعِيفٌ أَوْ سَاقِطٌ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ وَرَدَتْ فِي الْجُمْلَةِ.
وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِإِطْلَاقِ كَوْنِهِ مُتَوَاتِرًا رِوَايَةُ الْمَجْمُوعِ عَنِ الْمَجْمُوعِ مِنَ ابْتِدَائِهِ إِلَى انْتِهَائِهِمْ فِي كُلِّ عَصْرٍ، وَهَذَا كَافٍ فِي ذَلِكَ. وَأَيْضًا فَطَرِيقُ أَنَسٍ وَحْدَهَا قَدْ رَوَاهَا عَنْهُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ وَتَوَاتَرَتْ عَنْهُمْ. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَوَاهُ عَنْهُ سِتَّةٌ مِنْ مَشَاهِيرِ التَّابِعِينَ وَثِقَاتِهِمْ.
وَكَذَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
فَلَوْ قِيلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا: إِنَّهُ مُتَوَاتِرٌ عَنْ صَاحِبَيْهِ، لَكَانَ صَحِيحًا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَفِي بَعْضِ مَا جُمِعَ مِنْ طُرُقِهِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ. (قُلْتُ: بَلَى) ، لَمْ يُخَصَّ هَذَا الْمَتْنُ بِالْأَمْرَيْنِ، بَلْ (مَسْحُ الْخِفَافِ) قَدْ رَوَاهُ أَيْضًا - فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ ابْنُ مَنْدَهْ فِي كِتَابِهِ:(الْمُسْتَخْرَجُ مِنْ كُتُبِ النَّاسِ لِلْفَائِدَةِ) - أَكْثَرُ مِنْ سِتِّينَ صَحَابِيًّا، وَمِنْهُمُ الْعَشَرَةُ. بَلْ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَلَكِنْ فِي هَذَا مَقَالٌ. نَعَمْ، جَمَعَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ رُوَاتَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ فَجَاوَزُوا الثَّمَانِينَ.
وَصَرَّحَ جَمْعٌ مِنَ الْحُفَّاظِ بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُتَوَاتِرٌ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْهُمْ: رَوَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوُ أَرْبَعِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاسْتَفَاضَ وَتَوَاتَرَ. وَسَبَقَهُ أَحْمَدُ فَقَالَ: لَيْسَ فِي قَلْبِي مِنَ الْمَسْحِ شَيْءٌ، فِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا عَنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا رَفَعُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا وَقَفُوا.
وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ أَجْوَدِ الْأَحَادِيثِ فِي الْمَسْحِ، فَقَالَ: حَدِيثُ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ. . .، وَحَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ. قُلْتُ: وَحَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ؟ قَالَ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ تَوْقِيتٌ لِلْمُقِيمِ.
وَكَذَا الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، قِيلَ: إِنَّ رُوَاتَهُ زَادَتْ عَلَى سِتِّينَ، وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَعَدَمُهُ.
وَأَيْضًا فَأَبُو الْقَاسِمِ (ابْنُ مَنْدَهٍ) الْمَذْكُورُ بِالصَّرْفِ، وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ، (إِلَى عَشْرَتِهِمْ) بِإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ ; أَيْ: الصَّحَابَةِ، (رَفْعَ) بِالنَّصْبِ (الْيَدَيْنِ نَسَبَا) ، بَلْ خَصَّهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ فِيمَا سَمِعَهُ صَاحِبُهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَا نَعْلَمُ سُنَّةً اتَّفَقَ عَلَى رِوَايَتِهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ ثُمَّ الْعَشَرَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَكَابِرَ الْأَئِمَّةِ عَلَى تَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ غَيْرَ هَذِهِ السُّنَّةِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ أُسْتَاذُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رحمه الله ; فَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ عَنِ الْعَشَرَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي (التَّمْهِيدِ) : إِنَّهُ رَوَاهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا. وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَعَزَاهُ لِسَبْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا، وَكَذَا السَّلَفِيُّ. وَعِدَّتُهُمْ عِنْدَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ اثْنَانِ وَعِشْرُونُ.
وَتَتَبَّعَ الْمُصَنِّفُ مَنْ رَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ،
فَبَلَغَ بِهِمْ نَحْوَ الْخَمْسِينَ. وَوَصَفَهُ ابْنُ حَزْمٍ بِالتَّوَاتُرِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَكْثَرُهَا عَنِ الصَّحَابَةِ وُرُودًا ; وَلِذَا لَمَّا حَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ كَوْنَهُ يُرْوَى عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ قَالَ: وَقَدْ بَلَغَ بِهِمْ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ. قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عَدَدُ رُوَاتِهِ فِي ازْدِيَادٍ، وَهَلُمَّ جَرًّا عَلَى التَّوَالِي وَالِاسْتِمْرَارِ.
قُلْتُ: قَدِ ارْتَقَتْ عِدَّتُهُمْ لَأَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ نَفْسًا فِيمَا قَالَهُ أَبُو الْقَاسِمِ ابْنُ مَنْدَهْ أَيْضًا، وَخَرَّجَهَا بَعْضُ النَّيْسَابُورِيِّينَ بِزِيَادَةٍ قَلِيلَةٍ عَلَى ذَلِكَ. وَبَلَغَ بِهِمِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ كَمَا فِي النُّسْخَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ، وَهِيَ بِخَطِّ وَلَدِهِ عَلِيٍّ نَقْلًا عَنْ خَطِّ أَبِيهِ، ثَمَانِيَةً وَتِسْعِينَ. وَأَمَّا أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فَقَالَ: إِنَّهُمْ نَحْوُ الْمِائَةِ. بَلْ (وَنَيَّفُوا) ; أَيْ: زَادُوا، (عَنْ مِائَةٍ) مِنَ الصَّحَابَةِ بِاثْنَيْنِ (مَنْ كَذَبَا) ، وَذَلِكَ بِالنَّظَرِ لِمَجْمُوعِ مَا عِنْدَهُمْ، وَإِنْ كَانَ النَّاظِمُ عَزَا الْعِدَّةَ الْمَذْكُورَةَ لِمُصَنَّفِ الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ يُوسُفَ بْنِ خَلِيلٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَهُوَ فِي جُزْأَيْنِ ; فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ شَيْخِنَا خِلَافُهُ ; حَيْثُ قَالَ: إِنَّ الْحَافِظَيْنِ ; يُوسُفَ بْنَ خَلِيلٍ، وَأَبَا عَلِيٍّ الْبَكْرِيَّ - وَهُمَا مُتَعَاصِرَانِ - وَقَعَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي تَصْنِيفِهِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْآخَرِ، بِحَيْثُ تُكُمِّلَتِ الْمِائَةُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا عِنْدَهُمْ.
وَأَعْلَى مِنْ هَذَا كُلِّهِ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ: إِنَّهُ جَاءَ عَنْ مِائَتَيْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَزَلْ فِي ازْدِيَادٍ. وَاسْتَبْعَدَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ، وَوَجَّهَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهَا فِي مُطْلَقِ الْكَذِبِ ; كَحَدِيثِ:( «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ» ) وَنَحْوِهِ. وَلَكِنْ لَعَلَّهُ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ مِائَةٍ، وَفِيهَا الْمَقْبُولُ وَالْمَرْدُودُ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ إِجْمَالًا أَنَّهُ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ مِنْهَا عَلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. وَانْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ مِنْهَا بِحَدِيثِ الزُّبَيْرِ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ. وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ مِنْهَا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ.
وَصَحَّ أَيْضًا فِي غَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي قَتَادَةَ وَجَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. وَوَرَدَ بِأَسَانِيدَ حِسَانٍ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَعْدٍ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَطَارِقٍ الْأَشْجَعِيِّ وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَخَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي قِرْصَافَةَ وَأَبِي مُوسَى الْغَافِقِيِّ وَعَائِشَةَ.
فَهَؤُلَاءِ وَاحِدٌ وَثَلَاثُونَ نَفْسًا مِنَ الصَّحَابَةِ. وَوَرَدَ عَنْ نَحْوِ خَمْسِينَ غَيْرِهِمْ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ مُتَمَاسِكَةٍ ; مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. وَعَنْ نَحْوِ عِشْرِينَ آخَرِينَ بِأَسَانِيدَ سَاقِطَةٍ. عَلَى أَنَّ شَيْخَنَا قَدْ نَازَعَ ابْنَ الصَّلَاحِ فِيمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُهُ مِنْ عِزَّةِ وُجُودِ مِثَالٍ لِلْمُتَوَاتِرِ، فَضْلًا عَنْ دَعْوَى غَيْرِهِ الْعَدَمَ، يَعْنِي كَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَازِمِيِّ. وَقَرَّرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَائِلِهِ نَشَأَ عَنْ قِلَّةِ اطِّلَاعٍ عَلَى كَثْرَةِ الطُّرُقِ وَأَحْوَالِ الرِّجَالِ وَصِفَاتِهِمِ الْمُقْتَضِيَةِ لِإِبْعَادِ الْعَادَةِ أَنْ يَتَوَاطَئُوا عَلَى كَذِبٍ أَوْ يَحْصُلَ مِنْهُمُ اتِّفَاقًا.
قَالَ: وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يُقَرَّرُ بِهِ كَوْنُ الْمُتَوَاتِرِ مَوْجُودًا وُجُودَ كَثْرَةٍ فِي الْأَحَادِيثِ، أَنَّ الْكُتُبَ الْمَشْهُورَةَ الْمُتَدَاوَلَةَ بِأَيْدِي أَهْلِ الْعِلْمِ شَرْقًا وَغَرْبًا، الْمَقْطُوعَ عِنْدَهُمْ بِصِحَّةِ نِسْبَتِهَا إِلَى مُصَنِّفِيهَا إِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى إِخْرَاجِ حَدِيثٍ، وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ تَعَدُّدًا تُحِيلُ الْعَادَةُ تَوَاطُؤَهُمْ مَعَهُ عَلَى الْكَذِبِ إِلَى آخِرِ الشُّرُوطِ، أَفَادَ الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ بِصِحَّتِهِ إِلَى قَائِلِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ كَثِيرٌ.