المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تفسير الغريب بما ورد في بعض طرقه] - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - جـ ٤

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْغَرِيبُ وَالْعَزِيزُ وَالْمَشْهُورُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْغَرِيبِ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْعَزِيزِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمَشْهُورِ وَالْمُسْتَفِيضِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْغَرِيبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمَشْهُورِ]

- ‌[تَعْرِيفُ التَّوَاتُرِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[أَمْثِلَةُ التَّوَاتُرِ]

- ‌[الْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ]

- ‌[غَرِيبُ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ]

- ‌[تَعْرِيفُ غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَأَمْثِلَتِهِ]

- ‌[أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[ذِكْرُ أُمَّهَاتَ الْكُتُبِ فِي هَذَا الْفَنِّ]

- ‌[الِاعْتِنَاءُ بِهَذَا الْفَنِّ وَأَهْلِهِ]

- ‌[تَفْسِيرُ الْغَرِيبِ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ]

- ‌[الْمُسَلْسَلُ]

- ‌[مَعْنَى الْمُسَلْسَلِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا وَأَمْثِلَتِهِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُسَلْسَلِ وَفَائِدَتُهُ]

- ‌[كُتُبُ الْمُسَلْسَلَاتِ]

- ‌[ذِكْرُ الْمُسَلْسَلَاتِ النَّاقِصَةَ]

- ‌[النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ]

- ‌[تعريفه]

- ‌[فضله]

- ‌[دَلَائِلُ النَّسْخِ]

- ‌[التَّصْحِيفُ]

- ‌[الْكُتُبُ الْمُهِمَّةُ فِي هَذَا الْفَنِّ]

- ‌[أَمْثِلَةُ التَّصْحِيفِ فِي الْمَتْنِ]

- ‌[أَمْثِلَةُ التَّصْحِيفِ فِي الْإِسْنَادِ]

- ‌[أَسْبَابُ التَّصْحِيفِ فِي الْحَدِيثِ]

- ‌[مَعْنَى التَّصْحِيفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْرِيفِ]

- ‌[مُخْتَلِفُ الْحَدِيثِ]

- ‌[المصنفات فيه]

- ‌[أَمْثِلَتُهُ]

- ‌[خَفِيُّ الْإِرْسَالِ وَالْمَزِيدُ فِي مُتَّصِلِ الْإِسْنَادِ]

- ‌[الْمُرْسَلُ الْخَفِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْسَلِ الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِ]

- ‌[الْمَزِيدُ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ]

- ‌[مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الْكُتُبِ الْمُهِمَّةِ فِي هَذَا الْفَنِّ]

- ‌[تَعْرِيفُ الصَّحَابِيِّ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[بِمَ تُعْرَفُ الصُّحْبَةُ]

- ‌[بَيَانُ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[الْمُكْثِرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الْعَبَادِلَةِ وَالْآخِذُونَ عَنْهُمْ]

- ‌[عَدَدُ الصَّحَابَةِ]

- ‌[تَفْضِيلُ الصَّحَابَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ]

- ‌[مَنْ آخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتًا]

- ‌[مَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ]

- ‌[تَعْرِيفُ التَّابِعِيِّ]

- ‌[مَرَاتِبُ التَّابِعِينَ]

- ‌[ذِكْرُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُخَضْرَمِ وَعَدَدُهُ]

- ‌[الْأَكَابِرُ عَنِ الْأَصَاغِرِ]

- ‌[رِوَايَةُ الْأَقْرَانِ]

- ‌[الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ]

- ‌[رِوَايَةُ الْآبَاءِ عَنِ الْأَبْنَاءِ وَعَكْسُهُ]

- ‌[رِوَايَةُ الْأَبْنَاءِ عَنِ الْآبَاءِ]

- ‌[السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ]

- ‌[مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا رَاوٍ وَاحِدٌ]

- ‌[مَنْ ذُكِرَ بِنُعُوتٍ مُتَعَدِّدَةٍ]

- ‌[أَفْرَادُ الْعَلَمِ]

- ‌[الْأَسْمَاءُ وَالْكُنَى]

- ‌[الْأَلْقَابُ]

- ‌[الْمُؤْتَلِفُ وَالْمُخْتَلِفُ]

- ‌[المصنفات فيه]

- ‌[أقسامه]

- ‌[الْمُتَّفِقُ وَالْمُفْتَرِقُ]

- ‌[المصنفات فيه]

- ‌[أقسامه]

- ‌[الْأَوَّلُ أَنْ تَتَّفِقَ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ]

- ‌[وَالثَّانِي أَنْ تَتَّفِقَ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ]

- ‌[الثَّالِثُ أَنْ تَتَّفِقَ الْكُنْيَةُ وَالنِّسْبَةُ مَعًا]

- ‌[مُتَّفَقٌ مَعَهُ فِي الِاسْمِ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي النِّسْبَةِ]

- ‌[الْخَامِسُ أَنْ تَتَّفِقَ كُنَاهُمْ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ]

- ‌[السَّادِسُ ضِدُّ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ أَنْ تَتَّفِقَ أَسْمَاؤُهُمْ وَكُنَى آبَائِهِمْ]

- ‌[الثامن مَا يَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ فِيهِ فِي لَفْظٍ نَسَبٍ فَقَطْ]

- ‌[تَلْخِيصُ الْمُتَشَابِهِ]

- ‌[الْمُشْتَبِهُ الْمَقْلُوبُ]

- ‌[مَنْ نُسِبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ]

- ‌[الْمَنْسُوبُونَ إِلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ]

- ‌[الْمُبْهَمَاتُ]

- ‌[تَوَارِيخُ الرُّوَاةِ وَالْوَفَيَاتِ]

- ‌[حَقِيقَةُ التَّأْرِيخِ]

- ‌[بَوَاعِثُ وَضْعِ التَّأْرِيخِ]

- ‌[المصنفات فيه]

- ‌[استكمال النبي والصديق وعمر وعلي لثلاثة وستين سنة]

- ‌[الاخْتُلاِفَ فِي ابْتِدَاءِ مَرَضِهِ ثُمَّ مُدَّتِهِ ثُمَّ وَقْتِ وَفَاتِهِ وَدَفْنِهِ]

- ‌[وفاة عمر رضي الله عنه]

- ‌[مقتل عثمان رضي الله عنه]

- ‌[مقتل علي بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

- ‌[مقتل طلحة والزبير رضي الله عنهما]

- ‌[موت سَعْدٌ ابن أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه]

- ‌[موت سعيد بن زيد رضي الله عنه]

- ‌[موت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه]

- ‌[موت أَبُو عُبَيْدَةَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ رضي الله عنه]

- ‌[وفيات المعمرين من الصحابة]

- ‌[وفيات أصحاب المذاهب]

- ‌[وفيات أَصْحَابِ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ]

- ‌[وفيات أَئِمَّةٍ انْتُفِعَ بِتَصَانِيفِهِمْ]

- ‌[مَعْرِفَةُ الثِّقَاتِ وَالضُّعَفَاءِ]

- ‌[أهمية معرفة هذا النوع والمصنفات فيه]

- ‌[النصح في الدين حق واجب]

- ‌[المتكلمون في الرجال]

- ‌[لا يقبل الجرح إلا مفسرا]

- ‌[مَعْرِفَةُ مَنِ اخْتَلَطَ مِنَ الثِّقَاتِ]

- ‌[أهمية هذا الفن]

- ‌[المصنفات فيه والمختلطون في الصحيحين]

- ‌[أمثلة لمن اختلط من الثقات]

- ‌[مِمَّنِ اخْتَلَطَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ]

- ‌[طَبَقَاتُ الرُّوَاةِ]

- ‌[الْمَوَالِي مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالرُّوَاةِ]

- ‌[أَوْطَانُ الرُّوَاةِ وَبُلْدَانُهُمْ]

- ‌[تَصْرِيحٌ عَنْ نِسْبَةِ الْكِتَابِ]

الفصل: ‌[تفسير الغريب بما ورد في بعض طرقه]

فَقَالَ: وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْأَلْفَاظِ الْغَرِيبَةِ مِنَ الشَّارِعِ عَلَى مَا وُجِدَ فِي أَصْلِ كَلَامِ الْعَرَبِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَتَبُّعِ كَلَامِ الشَّارِعِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الشَّارِعِ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إِلَّا مَا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ. وَأَمَّا إِذَا وُجِدَ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ قَرَائِنُ بِأَنَّ مُرَادَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَعَانٍ اخْتَرَعَهَا هُوَ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ، كَمَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ. انْتَهَى.

وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ.

ثُمَّ إِنَّ الْمَذْكُورَ هُنَا لَا يُنَافِي مَا سَلَفَ فِي إِصْلَاحِ اللَّحْنِ وَالْخَطَأِ مِنْ أَنَّهُ إِذَا وَجَدَ كَلِمَةً مِنْ غَرِيبِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ وَأُشْكِلَتْ عَلَيْهِ حَيْثُ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا أَهْلَ الْعِلْمِ بِهَا - أَيْ: بِالْعَرَبِيَّةِ - وَيَرْوِيَهَا عَلَى مَا يُخْبِرُونَهُ بِهِ، كَمَا رُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمَا.

[تَفْسِيرُ الْغَرِيبِ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ]

[تَفْسِيرُ الْغَرِيبِ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ](وَخَيْرُ مَا فَسَّرْتَهُ) ; أَيْ: الْغَرِيبَ، (بِـ) الْمَعْنَى (الْوَارِدِ) فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مُفَسِّرًا لِذَلِكَ اللَّفْظِ ; (كَالدُّخِّ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَحَكَى ابْنُ السَّيِّدِ فِيهَا الْفَتْحَ أَيْضًا، بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ ; فَإِنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَا يَقْتَضِي تَفْسِيرَهُ (بِالدُّخَّانِ) مَعَ كَوْنِهِ لُغَةً حَكَاهَا ابْنُ الدُّرَيْدِ وَابْنُ السَّيِّدِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ، قَالَ الشَّاعِرُ:

عِنْدَ رِوَاقِ الْبَيْتِ يَغْشَى الدُّخَّا

فِي الْقِصَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، (لِابْنِ صَائِدِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ: أَبِي عِمَارَةَ عَبْدِ اللَّهِ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ: ابْنُ صَيَّادٍ أَيْضًا، وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ الدَّجَّالُ. فَالْبُخَارِيُّ أَخْرَجَهَا مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ

ص: 33

الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَالَ لَهُ:(خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئًا) . قَالَ ابْنُ صَائِدٍ: هُوَ الدُّخُّ. (كَذَاكَ) ; أَيْ: كَوْنُهُ الدُّخَانَ، ثَبَتَ (عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ) فِي جَامِعِهِ وَقَالَ: إِنَّهُ صَحِيحٌ. وَكَذَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، كِلَاهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ أَيْضًا. وَاتَّفَقَ الثَّلَاثَةُ عَلَى قَوْلِهِمْ: وَخَبَّأَ لَهُ، يَعْنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:{يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] .

بَلْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: فَأَرَادَ ابْنُ صَيَّادٍ أَنْ يَقُولَ: الدُّخَانُ. فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: الدُّخُّ الدُّخُّ. وَذَلِكَ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَلَى عَادَةِ الْكُهَّانِ فِي اخْتِطَافِ بَعْضِ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيَاطِينِ مِنْ غَيْرِ وُقُوفٍ عَلَى تَمَامِ الْبَيَانِ ; وَلِهَذَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ) ; أَيْ: فَلَا مَزِيدَ لَكَ عَلَى قَدْرِ إِدْرَاكِ الْكُهَّانِ.

وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الْبَزَّارِ أَيْضًا، وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ:(كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَبَّأَ لَهُ سُورَةَ الدُّخَانِ) :. وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ السُّورَةَ وَأَرَادَ بَعْضَهَا.

وَحَكَى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ أَنَّ السِّرَّ فِي امْتِحَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ الْآيَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام يَقْتُلُ الدَّجَّالَ بِحَبْلِ الدُّخَانِ، كَمَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، فَأَرَادَ التَّعْرِيضَ لِابْنِ صَائِدٍ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ

ص: 34

الدَّجَّالُ. عَلَى أَنَّ الْخَطَّابِيَّ اسْتَبْعَدَ تَفْسِيرَ الدُّخِّ بِالدُّخَانِ، وَصَوَّبَ أَنَّهُ خَبَّأَ لَهُ الدُّخَّ، وَهُوَ نَبْتٌ يَكُونُ مِنَ الْبَسَاتِينِ. وَسَبَبُ اسْتِبْعَادِهِ أَنَّ الدُّخَانَ لَا يُحَطُّ فِي الْيَدِ وَلَا الْكُمِّ، ثُمَّ قَالَ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ خَبَّأَ لَهُ اسْمَ الدُّخَانِ فِي ضَمِيرِهِ.

(وَالْحَاكِمُ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (فَسَّرَهُ) أَيْضًا فِي عُلُومِهِ (الْجِمَاعَ) ; أَيْ: بِالْجِمَاعِ، (وَهْوَ) كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ (وَاهِمُ) فِي ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّهُ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ يَغِيظُ الْعَالِمَ وَالْمُؤْمِنَ. وَلَفْظُ الْحَاكِمِ: سَأَلْتُ الْأُدَبَاءَ عَنْ تَفْسِيرِ الدُّخِّ، فَقَالَ: كَذَا يَدُخُّهَا وَيَزُخُّهَا - يَعْنِي بِالزَّاءِ بَدَلَ الدَّالِ - بِمَعْنًى وَاحِدٍ، الدُّخُّ وَالزَّخُّ. قَالَ: وَالْمَعْنَى الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ صَائِدٍ - خَذَلَهُ اللَّهُ فِيهِ - مَفْهُومٌ، ثُمَّ أَنْشَدَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: طُوبَى لِمَنْ كَانَتْ لَهُ مَزَخَّهْ يَزُخُّهَا ثُمَّ يَنَامُ الْفَخَّهْ فَالْمَزَخَّةُ بِالْفَتْحِ: هِيَ الْمَرْأَةُ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَمَعْنَى يَزُخُّهَا: يُجَامِعُهَا. وَالْفَخَّةُ: أَنْ يَنَامَ فَيَنْفُخَ فِي نَوْمِهِ. وَيُؤَيِّدُ وَهْمَ الْحَاكِمِ رِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ الْمَاضِيَةُ ; لِمَا فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَرَادَ ابْنُ صَائِدٍ أَنْ يَقُولَ: الدُّخَانُ. فَلَمْ يَسْتَطِعْ.

بَلْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إِنَّهُ لَمْ يَرَ فِي كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الدُّخَّ بِالدَّالِ هُوَ الْجِمَاعُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِالزَّاءِ فَقَطْ. وَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنَ الْحَاكِمِ وَالْخَطَّابِيِّ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَنِّ صَدَرَ مِنْهُ خِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ،

ص: 35

فَكَيْفَ مِمَّنْ دُونَهُمَا عَلَى أَنَّ مِنَ الْغَرِيبِ مَا لَا يُعْرَفُ تَفْسِيرُهُ إِلَّا مِنَ الْحَدِيثِ؟ ! .

وَقَدْ جَمَعَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ، فَقَالَ فِي (هَرَدَ) : قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي الْحَدِيثِ: (بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ) يُرْوَى بِالدَّالِ وَالذَّالِ ; أَيْ: بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ، عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَمْ نَسْمَعْهُ إِلَّا فِيهِ. وَكَذَلِكَ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ لَمْ تُسْمَعْ إِلَّا فِي الْحَدِيثِ، وَنَقَلَ غَيْرُهُ عَنِ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ مِنْهَا حَدِيثَ:( «مَنِ اطَّلَعَ فِي صِيرِ بَابٍ فَفَقَيْتَ عَيْنَهُ فَهِيَ هَدَرٌ» )، وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ:(أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ وَمَعَهُ صِيرٌ فَذَاقَ مِنْهُ) . فَالْأَوَّلُ: الشَّقُّ، وَالثَّانِي: الصَّحْنَاةُ. وَمِنْهَا أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ الْمَفْقُودَ الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ: مَا شَرَابُهُمْ؟ قَالَ: الْجَدَفُ. يَعْنِي بِالْجِيمِ وَالْمُهْمَلَةِ الْمُحَرَّكَتَيْنِ بَعْدَهُمَا فَاءٌ، وَهُوَ نَبَاتٌ بِالْيَمَنِ لَا يَحْتَاجُ آكِلُهُ شُرْبَ مَاءٍ. وَقِيلَ: مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.

وَنَازَعَ ابْنَ الْأَنْبَارِيِّ صَاحِبُهُ الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ النَّهْرَوَانِيُّ فِي جَعْلِهِ الصِّيرَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ إِلَّا فِي الْحَدِيثِ، بِأَنَّهُ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ. وَكَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ فِي الْغَرِيبِ تَفْسِيرُ الرَّاوِي، وَلَا يُتَخَرَّجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ اللَّفْظِ بِأَحَدِ مُحْتَمِلَيْهِ ; لِأَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ مَدْلُولِ اللُّغَةِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَخِطَابُ الشَّارِعِ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَةِ مَا أَمْكَنَ مُوَافَقَتُهُ لَهَا.

وَوَرَاءَ الْإِحَاطَةِ بِمَا تَقَدَّمَ الِاشْتِغَالُ بِفِقْهِ الْحَدِيثِ وَالتَّنْقِيبِ عَمَّا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْآدَابِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْهُ. وَقَدْ تَكَلَّمَ الْبَدْرُ بْنُ جَمَاعَةٍ فِي مُخْتَصَرِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِفِقْهِهِ وَكَيْفِيَّةِ الِاسْتِنْبَاطِ مِنْهُ، وَلَمْ يُطِلْ فِي ذَلِكَ، وَالْكَلَامُ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ، وَذَكَرَ

ص: 36

شُرُوطَهُ لِمَنْ بَلَغَ أَهْلِيَّتَهُ ذَلِكَ. وَهَذِهِ صِفَةُ الْأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُجْتَهِدِينَ الْأَعْلَامِ ; كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْحَمَّادَيْنِ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَابْنِ رَاهَوَيْهِ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَخَلْقٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ. وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا تَصَانِيفُ كَثِيرَةٌ ; (كَالتَّمْهِيدِ) وَ (الِاسْتِذْكَارِ) ، كِلَاهُمَا لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ. وَ (مَعَالِمِ السُّنَنِ) وَ (إِعْلَامِ الْحَدِيثِ عَلَى الْبُخَارِيِّ) ، كِلَاهُمَا لِلْخَطَّابِيِّ. وَ (شَرْحِ السُّنَّةِ) لِلْبَغَوِيِّ مُفِيدٍ فِي بَابِهِ. وَ (الْمُحَلَّى) لِابْنِ حَزْمٍ، كِتَابٍ جَلِيلٍ، لَوْلَا مَا فِيهِ مِنَ الطَّعْنِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَانْفِرَادِهِ بِظَوَاهِرَ خَالَفَ فِيهَا جَمَاهِيرَ الْأُمَّةِ. وَ (شَرْحِ الْإِلْمَامِ) وَ (الْعُمْدَةِ) ، كِلَاهُمَا لِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَفِيهِمَا دَلِيلٌ عَلَى مَا وَهَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَنِعْمَ الْكِتَابُ (شَرْحُ مُسْلِمٍ) لِأَبِي زَكَرِيَّا النَّوَوِيِّ، وَكَذَا أَصْلُهُ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ، وَ (شَرْحُ الْبُخَارِيِّ) لِشَيْخِنَا، وَ (الْأَحْوَذِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ) لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ، وَالْقِطْعَةُ الَّتِي لِابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ عَلَيْهِ أَيْضًا، ثُمَّ الذَّيْلُ عَلَيْهَا لِلْمُصَنِّفِ، وَانْتَهَى فِيهِ إِلَى النِّصْفِ، وَقَدْ شَرَعْتُ فِي إِكْمَالِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ إِيرَادُهُ مِنَ الشُّرُوحِ الَّتِي عَلَى الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَكُلُّهَا مَشْرُوحَةٌ.

وَمِنْ غَرِيبِهَا (شَرْحُ النَّسَائِيِّ) لِلْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ النَّغْمَةِ، سَمَّاهُ (الْإِمْعَانَ فِي شَرْحِ مُصَنَّفِ النَّسَائِيِّ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) . وَمِنْ مُتَأَخِّرِهَا شَرْحُ ابْنِ مَاجَهْ لِلدَّمِيرِيِّ. وَلِأَبِي زُرْعَةَ ابْنِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَبِي دَاوُدَ قِطْعَةٌ حَافِلَةٌ، بَلْ وَشَرَحَهُ بِتَمَامِهِ الشِّهَابُ ابْنُ رَسْلَانَ. وَكَذَا عَلَى ابْنِ مَاجَهْ لِمُغَلْطَايْ قِطْعَةٌ. وَعَلَى (الْمُوَطَّأِ) وَ (مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ) وَ (الْمَصَابِيحِ) وَ (الْمَشَارِقِ) وَ (الْمِشْكَاةِ) وَ (الشِّهَابِ) وَ (الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ) وَ (تَقْرِيبِ الْأَحْكَامِ) لِخَلْقٍ، وَمَا لَا يَنْحَصِرُ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَأْرِيخِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ قَالَ: تَفَكَّرْتُ لَيْلَةً فِي رِجَالٍ، فَأُرِيتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ رَجُلًا يُنَادِي يَا أَبَا زُرْعَةَ: فَهْمُ مَتْنِ الْحَدِيثِ خَيْرٌ مِنَ التَّفَكُّرِ فِي الْمَوْتَى.

ص: 37