الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ، فَذَيَّلَ عَلَيْهِ وَلَدُهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَثَمَانِي مِائَةٍ، وَلَكِنَّ الَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَلِلْحَافِظِ التَّقِيِّ بْنِ رَافِعٍ فِي الْوَفَيَاتِ كِتَابٌ كَثِيرُ الْفَائِدَةِ ذَيَّلَ بِهِ عَلَى تَارِيخِ الْعِلْمِ الْبَرْزَالِيُّ الَّذِي ابْتَدَأَ بِهِ، مِنْ سَنَةِ مَوْلِدِهِ، وَجَعَلَهُ ذَيْلًا عَلَى تَأْرِيخِ أَبِي شَامَةَ، وَانْتَهَتْ وَفَيَاتُ ابْنِ رَافِعٍ إِلَى أَوَّلِ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ; وَلِذَا قَالَ شَيْخُنَا: إِنَّ تَارِيخَهُ إِنْبَاءَ الْغَمْرِ يَصْلُحُ مِنْ جِهَةِ الْوَفَيَاتِ أَنْ يَكُونَ ذَيْلًا عَلَيْهِ ; فَإِنَّهُ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ شَرَعْتُ فِي ذَيْلٍ عَلَيْهِ يَسَّرَ اللَّهُ إِكْمَالَهُ وَتَحْرِيرَهُ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالذُّيُولُ الْمُتَأَخِّرَةُ أَبْسَطُ مِنَ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَكْثَرُ فَوَائِدَ، وَأَصْلُهَا ـ وَهُوَ كِتَابُ ابْنِ زَبْرٍ ـ أَشَدُّهَا إِجْحَافًا، حَتَّى إِنَّهُ فِي كُلٍّ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتٍّ وَسَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ لَمْ يَكْتُبْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، بَلْ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَاللَّتَيْنِ بَعْدَهَا، وَكَذَا فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَاثْنَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ السِّنِينَ لَمْ يُؤَرِّخْ أَحَدًا وَلِأَجْلِ إِجْحَافِهَا قَالَ الْحُمَيْدِيُّ مَا أَسْلَفْنَاهُ، وَمِمَّنْ صَنَّفَ فِي الْوَفَيَاتِ أَيْضًا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَلَمْ أَرَ أَكْثَرَ اسْتِيعَابًا مِنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنَ الْوَفَيَاتِ عُيُونًا مُفِيدَةً تَحْسُنُ الْمُذَاكَرَةُ بِهَا وَيَقْبُحُ بِالطَّالِبِ جَهْلُهَا مَعَ مِقْدَارِ سِنِّ جَمَاعَةٍ وَبَيَانِ عِدَّةٍ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ.
[استكمال النبي والصديق وعمر وعلي لثلاثة وستين سنة]
فَأَمَّا الثَّانِي (فَاسْتَكْمَلَ النَّبِيُّ) سَيِّدُ الْعَالَمِينَ طُرًّا، وَسَنَدُ الْمُؤْمِنِينَ ذُخْرًا صلى الله عليه وسلم وَشَرُفَ وَكَرُمَ، (وَ) كَذَا خَلِيفَتُهُ وَصَاحِبُهُ (الصِّدِّيقُ) أَبُو بَكْرٍ، وَ (كَذَا) ابْنُ عَمِّهِ وَزَوْجُ ابْنَتِهِ (عَلِيٌّ) هُوَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ (كَذَا الْفَارُوقُ) هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخُطَّابِ الْمُسَمَّى قَدِيمًا بِذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ; لِكَوْنِهِ كَمَا فِي مَرْفُوعٍ مُرْسَلٍ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ:
(فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ) ، وَالْمُتَأَخِّرُ هُنَا فِي الذِّكْرِ عَنِ الَّذِي قَبْلَهُ لِلضَّرُورَةِ، (ثَلَاثَةَ الْأَعْوَامِ وَالسِّتِّينَا) أَيْ: ثَلَاثَةَ وَسِتِّينَ سَنَةً مَعَ اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمْ، لَكِنَّ الْقَوْلَ بِهِ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رضي الله عنهم، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَعَنْ عَائِشَةَ وَجَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ رضي الله عنهما مَعَ مَجِيءِ خِلَافِهِ أَيْضًا عَنْهُمْ إِلَّا مُعَاوِيَةَ فَلَمْ يَجِئْ عَنْهُ سِوَاهُ، وَبِهِ جَزَمَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ، وَكَذَا قَالَ بِهِ الْقَاسِمُ وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَالْبُخَارِيُّ وَآخَرُونَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْجُمْهُورُ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ سَعْدٍ: هُوَ الثَّبَتُ عِنْدَنَا. بَلْ حَكَى فِيهِ الْحَاكِمُ الْإِجْمَاعَ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ، اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ، وَتَأَلَّوُا الْبَاقِيَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: سِتُّونَ كَمَا ثَبَتَ فِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) عَنْ أَنَسٍ، وَرُوِيَ عَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمَالِكٍ، وَأَوْرَدَهُ الْحَاكِمُ فِي (الْإِكْلِيلِ) ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي تَارِيخِهِ، وَهُوَ مُخَرَّجٌ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُلْغِي الْكُسُورَ وَتَقْتَصِرُ عَلَى الْأَعْدَادِ الصَّحِيحَةِ، وَقِيلَ: خَمْسٌ وَسِتُّونَ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ أَيْضًا، وَدَغْفَلِ بْنِ حَنْظَلَةَ، وَقِيلَ: اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ. قَالَهُ قَتَادَةُ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْهُ، وَنَحْوُهُ مَا فِي تَارِيخِ ابْنِ عَسَاكِرَ بِسَنَدِهِ إِلَى أَنَسٍ، قَالَ: اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ وَنِصْفٌ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ شَبَّةَ: إِحْدَى أَوِ اثْنَتَانِ، لَا أَرَاهُ بَلَغَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، وَهُوَ شَاذٌّ، وَالَّذِي قَبْلَهُ إِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ وُلِدَ فِي رَمَضَانَ، وَهُوَ شَاذٌّ أَيْضًا، ثُمَّ إِنَّ الرِّوَايَاتِ اخْتَلَفَتْ فِي مِقْدَارِ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ فَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَدَّ مِنْ وَقْتِ مَجِيءِ الْمَلَكِ إِلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّهُ عَشْرٌ فَقَطْ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَدَّ مِنْ بَعْدِ فَتْرَةِ الْوَحْيِ وَمَجِيءِ الْمَلَكِبِـ {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] .
وَالْقَوْلُ بِهِ فِي الصِّدِّيقِ صَحَّ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ وَمُعَاوِيَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي الْخُلَفَاءِ، لَهُ مِنْ جِهَةِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ قَانِعٍ وَالْمِزِّيُّ وَالذَّهَبِيُّ، وَقَالَ مُبَالِغًا فِي أَصَحِّيَّتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَقِيلَ: خَمْسٌ وَسِتُّونَ قَالَهُ قَتَادَةُ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَهُوَ شَاذٌّ، وَقِيلَ: اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا. قَالَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.
وَالْقَوْلُ بِهِ فِي الْفَارُوقِ صَحَّ عَنْ أَنَسٍ وَمُعَاوِيَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَصَحَّحَهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمِزِّيُّ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِهِ وُلِدَ بَعْدَ الْفِيلِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، يَعْنِي فَإِنَّ مَوْلِدَهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِيهِ، وَهُوَ تَأَخَّرَ عَنِ الْمُدَّةِ الَّتِي سَبَقَهُ بِهَا، وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ. قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَقِيلَ: خَمْسٌ وَخَمْسُونَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الْخُلَفَاءِ لَهُ، وَقِيلَ: سِتٌّ وَخَمْسُونَ أَوْ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ أَوْ تِسْعٌ وَخَمْسُونَ، رُوِيَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَقِيلَ: سِتُّونَ. وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ قَانِعٍ فِي (الْوَفَيَاتِ)، وَقِيلَ: إِحْدَى وَسِتُّونَ. قَالَهُ قَتَادَةُ، وَقِيلَ: خَمْسٌ وَسِتُّونَ. قَالَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَالزُّهْرِيُّ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْهُمَا، وَقِيلَ: سِتٌّ وَسِتُّونَ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَتَوَقَّفَ شَيْخُنَا فِي تَصْحِيحِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَهُوَ وَإِنْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّ عُمَرَ قُتِلَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ فَقَدْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَظْهَرُ مِنْهُ، فَرَأَيْتُ فِي أَخْبَارِ الْبَصْرَةِ لِعُمْرَ بْنِ شَبَّةَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، ثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ،
سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِعَامٍ: أَنَا ابْنُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ، أَوْ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَإِنَّمَا أَتَانِي الشَّيْبُ مِنْ قِبَلِ أَخْوَالِي بَنِي الْمُغِيرَةِ. قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ يَوْمَ مَاتَ ابْنَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ أَوْ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ يُرَجَّحُ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ عَنْ عُمَرَ نَفْسِهِ، وَهُوَ أَخْبَرُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَبِأَنَّهُ عَنْ آلِ بَيْتِهِ، وَآلِ الرَّجُلِ أَتْقَنُ لِأَمْرِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَالْقَوْلُ بِهِ فِي عَلِيٍّ مَرْوِيٌّ عَنْ وَلَدِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَأَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ وَآخَرِينَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَبِهِ صَدَّرَ ابْنُ الصَّلَاحِ كَلَامَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ لِثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ. وَقِيلَ: سَبْعٌ وَخَمْسُونَ. قَالَهُ الْهَيْثَمُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَرْقِيِّ، وَبِهِ صَدَّرَ ابْنُ قَانِعٍ كَلَامَهُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَالْمِزِّيُّ حِينَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ، وَقِيلَ: ثَمَانٍ وَخَمْسُونَ. وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَاضِي، وَقِيلَ: اثْنَانِ وَسِتُّونَ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الْخُلَفَاءِ لَهُ، وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَسِتُّونَ أَوْ خَمْسٌ وَسِتُّونَ، رُوِيَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَيْضًا.
(وَ) أَمَّا الْوَفَيَاتُ وَاقْتَصَرَ مِنْهَا عَلَى الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ وَالْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ وَالْفُقَهَاءِ الْخَمْسَةِ، الثَّوْرِيِّ، ثُمَّ الْأَرْبَعَةِ الْمَشْهُورِينَ وَالْحُفَّاظِ الْخَمْسَةِ أَصْحَابِ أُصُولِ
الْإِسْلَامِ وَسَبْعَةِ حُفَّاظٍ بَعْدَهُمُ انْتُفِعَ بِتَصَانِيفِهِمُ الْحَسَنَةِ مِنْ زَمَنِهِمْ، وَهَلُمَّ جَرًّا، وَأَرْدَفَ الْعَشَرَةَ بِجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مُعَمَّرِينَ (فَفِي) شَهْرِ (رَبِيعٍ) هُوَ الْأَوَّلُ (قَدْ قَضَى) أَيْ: مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (يَقِينَا) أَيْ: بِلَا خِلَافٍ ; فَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يَكُونَ إِجْمَاعًا، لَكِنْ فِي حَدِيثٍ لِابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ أَنَّهُ كَانَ فِي حَادِي عَشَرَ شَهْرَ رَمَضَانَ ـ انْتَهَى.
وَذَلِكَ (سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ) بِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى أَحَدِ لُغَاتِهَا مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَذَا لَا خِلَافَ فِي كَوْنِهِ دُفِنَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، وَأَنَّهُ كَانَ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْيَوْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ، وَمِنَ التَّابِعِينَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّهْرِيُّ وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ فِي آخَرِينَ، وَالْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي ضَبْطِهِ مِنَ الشَّهْرِ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، فَجَزَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ سَعْدٍ وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ كَانَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْهُ، وَبِهِ جَزَمَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ فِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ) وَ (الرَّوْضَةِ) وَغَيْرِهِمَا مِنْ تَصَانِيفِهِ، وَالذَّهَبِيُّ فِي (الْعِبَرِ) ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَبِهِ صَدَّرَ الْمِزِّيُّ كَلَامَهُ، وَعِنْدَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَابْنِ شِهَابٍ وَاللَّيْثِ وَالْخَوَارِزْمِيِّ أَنَّهُ فِي مُسْتَهَلِّهِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ زَبْرٍ فِي (الْوَفَيَاتِ) ، وَعَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ كَمَا سَيَأْتِي عَنْهُمَا أَنَّهُ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْهُ، بَلْ يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ سَلْمِ بْنَ قُتَيْبَةَ الْبَاهِلِيِّ: ثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:(لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرِضَ ثَمَانِيَةً فَتُوُفِّيَ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ، وَنَحْوُهُ مَا نَقَلَهُ الطَّبَرِيُّ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ وَأَبِي مِخْنَفٍ أَنَّهُ فِي ثَانِيهِ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ يَتَنَزَّلُ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ حِجَّتِهِ ثَمَانِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ: وَاحِدًا وَثَمَانِينَ يَوْمًا. وَأَمَّا عَلَى جَزْمٍ مَا بِهِ فِي (الرَّوْضَةِ) ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ فَيَكُونُ عَاشَ بَعْدَ حِجَّتِهِ تِسْعِينَ يَوْمًا أَوْ أَحَدًا أَوْ تِسْعِينَ.
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ السُّهَيْلِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذَا الْحِجَّةِ كَانَ أَوَّلُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ؟ ؟ ، فَمَهْمَا فُرِضَتِ الشُّهُورُ الثَّلَاثَةُ تَوَامَّ أَوْ نَوَاقِصَ أَوْ بَعْضُهَا لَمْ
يَصِحَّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، وَأَجَابَ الشَّرَفُ ابْنُ الْبَارِزِيِّ ثُمَّ ابْنُ كَثِيرٍ بِاحْتِمَالِ وُقُوعِ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ كَوَامِلَ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ اخْتَلَفُوا فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ، فَرَآهُ أَهْلُ مَكَّةَ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ، وَلَمْ يَرَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَحَصَلَتِ الْوَقْفَةُ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَرَّخُوا بِرُؤْيَةِ أَهْلِهَا، فَكَانَ أَوَّلُ ذِي الْحِجَّةِ الْجُمُعَةَ وَآخِرُهُ السَّبْتَ، وَأَوَّلُ الْمُحَرَّمِ الْأَحَدَ وَآخِرُهُ الِاثْنَيْنِ، وَأَوَّلُ صَفَرٍ الثُّلَاثَاءَ، وَآخِرُهُ الْأَرْبِعَاءَ، وَأَوَّلُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ الْخَمِيسَ، فَيَكُونُ ثَانِيَ عَشْرَةَ الِاثْنَيْنِ، وَأَجَابَ الْبَدْرُ بْنُ جَمَاعَةَ بِجَوَابٍ آخَرَ فَقَالَ: يُحْمَلُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ أَيْ: بِأَيَّامِهَا فَيَكُونُ مَوْتُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَتُفْرَضُ الشُّهُورُ كَوَامِلَ فَيَصِحُّ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
وَاسْتَبْعَدَهُمَا شَيْخُنَا لِمُخَالَفَةِ الثَّانِي اصْطِلَاحَ أَهْلِ اللِّسَانِ فِي قَوْلِهِمْ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ، فَإِنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ مِنْهَا إِلَّا مُضِيَّ اللَّيَالِي، وَيَكُونُ مَا أُرِّخَ بِذَلِكَ وَاقِعًا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَشَرَ، وَلِاسْتِلْزَامِهِمَا مَعًا تَوَالِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَوَامِلَ مَعَ جَزْمِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ أَحَدِ الثِّقَاتِ، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي (الدَّلَائِلِ) بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: بِأَنَّ ابْتِدَاءَ مَرَضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرَ، وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ صَفَرَ كَانَ نَاقِصًا، وَأَنَّ أَوَّلَهُ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَنَحْوُهُ فِي تَضَمُّنِ كَوْنِ أَوَّلِهِ السَّبْتَ مَا فِي (الْمَغَازِي) لِأَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ صَفَرَ إِلَى أَنْ قَالَ: إِنَّهُ اشْتَكَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ السَّبْتَ إِلَّا أَنْ كَانَ ذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ نَاقِصَيْنِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ نَقْصَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَةٍ، قَالَ: وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ أَبُو مِخْنَفٍ وَمَنْ وَافَقَهُ مِمَّا رَجَّحَهُ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ فِي ثَانِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَكَانَ لَفْظُ شَهْرٍ غُيِّرَ مِنْ أَوَّلِ قَائِلٍ بِعَشْرٍ، فَصَارَ ثَانِيَ عَشَرَ، وَاسْتَمَرَّ الْوَهْمُ بِذَلِكَ ; لِاقْتِفَاءِ الْمُتَأَخِّرِ الْمُتَقَدِّمَ بِدُونِ تَأَمُّلٍ.