الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَوْنِ الْخَطِيبِ يَرَى سَمَاعَهُ مِنْهُ بَعِيدٌ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي التَّابِعِينَ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ) : إِنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعِيٍّ، وَلَكِنَّهُ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ. ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يُسْتَأْنَسُ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:( «طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، وَطُوبَى لِمَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي» ) ; حَيْثُ اكْتَفَى فِيهِمَا بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ، وَإِذْ قَدْ بَانَ تَعْرِيفُهُ فَمُطْلَقُهُ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالتَّابِعِ بِإِحْسَانٍ.
[مَرَاتِبُ التَّابِعِينَ]
[مَرَاتِبُ التَّابِعِينَ] الثَّانِيَةُ: فِي تَفَاوُتِهِمْ بِأَنَّ فِيهِمُ الْقَدِيمَ الْمُلَاقِيَ لِقُدَمَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، أَوِ الْمُدْرِكَ لِلزَّمَنِ النَّبَوِيِّ أَوْ لِلْجَاهِلِيَّةِ، وَالْمُخْتَصَّ بِمَزِيدِ الْفَضِيلَةِ عَنْ سَائِرِهِمْ، وَبِالْعَدَالَةِ، وَبِرِوَايَةِ الصَّحَابَةِ عَنْهُمْ، وَالْمُتَصَدِّيَ لِلْفَتْوَى، وَإِنِ اشْتَرَكُوا فِي الِاسْمِ.
(وَهُمْ) لِتَفَاوُتِهِمْ (طِبَاقٌ) . قِيلَ: ثَلَاثٌ، كَمَا فِي (الطَّبَقَاتِ) لِمُسْلِمٍ وَابْنِ سَعْدٍ، وَرُبَّمَا بَلَغَ بِهَا أَرْبَعًا. (وَقِيلَ) كَمَا لِلْحَاكِمِ فِي (عُلُومِ الْحَدِيثِ) :(خَمْسَ عَشِرَهْ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا كَتَبَهُ النَّاظِمُ بِخَطِّهِ مَشْيًا عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ ; لِيَكُونَ مُغَايِرًا مَعَ آخِرِ الْبَيْتِ، وَلَمْ يُفَصِّلِ الْحَاكِمُ الطِّبَاقَ كُلَّهَا. نَعَمْ، أَشْعَرَ تَصَرُّفُهُ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَقِيَ مَنْ تَقَدَّمَ كَانَ مِنَ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، ثُمَّ هَكَذَا إِلَى آخِرِهَا ; بِحَيْثُ يَكُونُ آخِرُهَا سُلَيْمَانُ بْنُ نَافِعٍ إِنْ صَحَّ أَنَّ وَالِدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَزِيَادُ بْنُ طَارِقٍ الرَّاوِي عَنْ زُهَيْرِ بْنِ صُرَدٍ، وَنَحْوُهُمَا ; كَخَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ الْمُتَوَفَّى - كَمَا سَلَفَ قَرِيبًا - فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، وَأَنَّهُ آخِرُ التَّابِعِينَ مَوْتًا. وَحِينَئِذٍ (فَأَوَّلُهُمْ رُوَاةُ كُلِّ الْعَشَرَهْ) الْمَشْهُودِ لَهُمْ
بِالْجَنَّةِ، الَّذِينَ سَمِعُوا مِنْهُمْ. (وَقَيْسٌ) هُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، (الْفَرْدُ) مِنْهُمْ (بِهَذَا الْوَصْفِ) ; أَيْ: رِوَايَتُهُ عَنْ كُلِّهِمْ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خِرَاشٍ، وَعِبَارَتُهُ: وَهُوَ كُوفِيٌّ جَلِيلٌ، وَلَيْسَ فِي التَّابِعِينَ أَحَدٌ رَوَى عَنِ الْعَشَرَةِ غَيْرُهُ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِهِ: رَوَى عَنِ الْعَشَرَةِ. (وَقِيلَ) كَمَا لِأَبِي دَاوُدَ مِمَّا قَالَهُ الْآجُرِّيُّ عَنْهُ وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ: إِنَّهُ (لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ابْنِ عَوْفِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَحَدِهِمْ.
(وَ) أَمَّا (قَوْلُ مَنْ عَدَّ) مَعَ قَيْسٍ فِيمَنْ سَمِعَ الْعَشَرَةَ (سَعِيدًا) ، هُوَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَهُوَ الْحَاكِمُ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالرَّابِعَ عَشَرَ مَعًا مِنْ عُلُومِهِ، بَلْ وَعَدَّ فِي ثَانِي الْمَوْضِعَيْنِ غَيْرَهُ، (فَغَلَطْ) صَرِيحٌ ; لِأَنَّ سَعِيدًا إِنَّمَا وُلِدَ بِاتِّفَاقٍ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَكَيْفَ يَسْمَعُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ. وَالْحَاكِمُ نَفْسُهُ مُعْتَرِفٌ بِذَلِكَ ; حَيْثُ قَالَ: أَدْرَكَ عُمَرَ فَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْعَشَرَةِ. انْتَهَى.
بَلْ سَمَاعُهُ مِنْ عُمَرَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلَكِنْ مِمَّنْ جَزَمَ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَيَّدَهُ شَيْخُنَا بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لَا مَطْعَنَ فِيهَا مُصَرِّحَةٍ بِسَمَاعِ سَعِيدٍ مِنْهُ. وَكَذَا فِي الصَّحِيحِ سَمَاعُهُ مِنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ الِاخْتِلَافَ فِي الْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَإِهْلَالِ عَلِيٍّ بِهِمَا. وَكَذَا جَاءَ عَنْهُ قَوْلُهُ: أَنَا أَصْلَحْتُ بَيْنَهُمَا. وَأَثْبَتَ بَعْضُهُمْ سَمَاعَهُ مِنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَبِالْجُمْلَةِ، فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَكْثَرِ الْعَشَرَةِ. (بَلْ قِيلَ) : إِنَّهُ (لَمْ يَسْمَعْ سِوَى) ; أَيْ: غَيْرَ، (سَعْدٍ) ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، (فَقَطْ) . وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ قَوْلَ قَتَادَةَ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ (صَحِيحِهِ) مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ قَالَ: دَخَلَ أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى عَلَى قَتَادَةَ، فَلَمَّا قَامَ قَالُوا: إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَقِيَ
ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا. فَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا كَانَ سَائِلًا قَبْلَ الْجَارِفِ، لَا يَعْرِضُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ، فَوَاللَّهِ مَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً، وَلَا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً إِلَّا عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْتَ بُطْلَانَهُ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، لَا سِيَّمَا وَلَيْسَتِ الْعِبَارَةُ صَرِيحَةً فِي النَّفْيِ. (لَكِنَّهُ) ; أَيْ: سَعِيدًا، (الْأَفْضَلُ) مِنْ سَائِرِ التَّابِعِينَ (عِنْدَ أَحْمَدَا) كَمَا سَمِعَهُ مِنْهُ عُثْمَانُ الْحَارِثِيُّ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: هُوَ عِنْدِي أَجَلُّ التَّابِعِينَ، لَا أَعْلَمُ فِيهِمْ أَوْسَعَ عِلْمًا مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَيْسَ فِي التَّابِعِينَ أَنْبَلُ مِنْهُ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى: أَفْقَهُ التَّابِعِينَ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: سَيِّدُ التَّابِعِينَ. وَعَنْهُ أَيْضًا: كَانَ مِنْ سَادَاتِ التَّابِعِينَ فِقْهًا وَدِينًا وَوَرَعًا وَعِبَادَةً وَفَضْلًا، أَفْقَهُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَعْبَرُ النَّاسِ لِلرُّؤْيَا، مَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِلَّا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَسَأَلْتُ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَدُفِعْتُ إِلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ: وَمَنْ مِثْلُهُ؟ !
(وَعَنْهُ) ; أَيْ: عَنْ أَحْمَدَ قَوْلٌ آخَرُ، أَنَّ الْأَفْضَلَ (قَيْسٌ) هُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ. (وَسِوَاهُ) ، وَهُوَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلٍّ، وَمَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ (وَرَدَا) ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَهُمْ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَلَفْظُهُ: أَفْضَلُ التَّابِعِينَ قَيْسٌ وَأَبُو عُثْمَانَ وَمَسْرُوقٌ، هَؤُلَاءِ كَانُوا فَاضِلِينَ وَمِنْ عِلْيَةِ التَّابِعِينَ. وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: لَا أَعْلَمُ فِي التَّابِعِينَ مِثْلَ أَبِي عُثْمَانَ وَقَيْسٍ.
(وَفَضَّلَ الْحَسَنَ) الْبَصْرِيَّ (أَهْلُ الْبَصْرَةِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ
قُبَيْلَ الْمُرْسَلِ، فِيمَا قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ خَفِيفٍ الشِّيرَازِيُّ. وَالْمُرَادُ غَالِبُهُمْ، وَإِلَّا فَسَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَصْرِيِّ قَاضِيهَا أَنَّهُ فَضَّلَ عَلَيْهِ حَفْصَةَ ابْنَةَ سِيرِينَ. (وَ) فَضَّلَ (الْقَرَنِي) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ ثُمَّ نُونٍ وَيَاءِ نِسْبَةٍ سَاكِنَةٍ (أُوَيْسًا اهْلُ الْكُوفَةِ) فِيمَا قَالَهُ ابْنُ خَفِيفٍ أَيْضًا. وَكَلَامُ ابْنِ كَثِيرٍ يَقْتَضِي أَنَّ جُمْهُورَهُمْ فَضَّلَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدَ النَّخَعِيَّيْنِ. وَفَضَّلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فِيمَا قَالَهُ ابْنُ خَفِيفٍ أَيْضًا، وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكُلٌّ اجْتَهَدَ فَجَزَمَ بِمَا ظَنَّهُ. وَاسْتَحْسَنَ ابْنُ الصَّلَاحِ حِكَايَةَ ابْنِ خَفِيفٍ فِي (التَّفْصِيلِ)، وَصَوَّبَ الْمُصَنِّفُ الْقَائِلِينَ بِأُوَيْسٍ بِحَدِيثِ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ» ) . وَقَالَ: فَهَذَا الْحَدِيثُ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ. وَتَفْضِيلُ أَحْمَدَ لِابْنِ الْمُسَيَّبِ لَعَلَّهُ أَرَادَ الْأَفْضَلِيَّةَ فِي الْعِلْمِ، لَا الْخَيْرِيَّةَ ; فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ شُيُوخٍ الْخَطَّابِيِّ فِيمَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُ، يَعْنِي كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي الصَّحَابَةِ. وَبِهَذَا جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ)، فَقَالَ: مُرَادُهُمْ أَنَّ سَعِيدًا أَفْضَلُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ ; كَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَنَحْوِهَا، لَا فِي الْخَيْرِيَّةِ عِنْدَ اللَّهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: لَعَلَّ أَحْمَدَ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ، أَوْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ، فَلَا يَحْسُنُ ; فَإِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ مِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْهَا بِلَفْظِ:( «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ» ) . لَكِنْ قَدْ أَخْرَجَهُ فِي الْمُسْنَدِ أَيْضًا بِلَفْظِ: ( «إِنَّ مِنْ خَيْرِ التَّابِعِينَ» . . .)، فَقَالَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: نَادَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَوْمَ صِفِّينَ: أَفِيكُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. . . وَذَكَرَهُ. وَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ شَرِيكٍ، فَزَالَ الْحَصْرُ.
فَهَذِهِ أَقْوَالُهُمْ فِي أَفْضَلِ الرِّجَالِ مِنَ التَّابِعِينَ، وَلَيْسَ الْخَوْضُ فِي ذَلِكَ بِمُمْتَنِعٍ ;
لِانْضِبَاطِ التَّابِعِينَ ; كَالْحُكْمِ لِإِسْنَادٍ مُعَيَّنٍ بِالنَّظَرِ لِصَحَابِيٍّ خَاصٍّ، وَلِكِتَابٍ مُعَيَّنٍ بِالْأَصَحِّيَّةِ. وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي أَفْرَادِ الْعِلْمِ: الْحَقُّ أَنَّ هَذَا - يَعْنِي قَوْلَهُمْ: لَيْسَ فِي الرُّوَاةِ مَنْ يُسَمَّى كَذَا سِوَى فُلَانٍ - فَنٌّ يَصْعُبُ الْحُكْمُ فِيهِ، وَالْحَاكِمُ فِيهِ عَلَى خَطَرٍ مِنَ الْخَطَأِ وَالِانْتِقَاضِ ; فَإِنَّهُ حَصْرٌ فِي بَابٍ وَاسِعِ الِانْتِشَارِ، قَدْ يُشِيرُ إِلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَاكَ بِخُصُوصِهِ ; كَالْحُكْمِ لِسَنَدٍ مُعَيَّنٍ بِأَنَّهُ أَصَحُّ أَسَانِيدِ الدُّنْيَا ; لِاتِّسَاعِهِ وَانْتِشَارِهِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي بَابِهِ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ.
(وَفِي نِسَاءِ التَّابِعِينَ الْأَبْدَا) ; أَيْ: أَبْدَأُهُنَّ، بِمَعْنَى: أَوَّلُهُنَّ فِي الْفَضْلِ، (حَفْصَةُ) ابْنَةُ سِيرِينَ ; لِمَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدِهِ إِلَى هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا أُفَضِّلُهُ، يَعْنِي عَلَيْهَا. فَقِيلَ لَهُ: وَلَا الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَمَا أُفَضِّلُ عَلَيْهَا أَحَدًا. وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ نَفْسُهُ، لَكِنْ قَرَنَ مَعَهَا غَيْرَهَا ; فَإِنَّهُ قَالَ: سَيِّدَتَا التَّابِعِينَ مِنَ النِّسَاءِ حَفْصَةُ (مَعْ) بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ (عَمْرَةَ) ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. (وَأُمُّ الدَّرْدَا) بِالْقَصْرِ، يَعْنِي: الصُّغْرَى، وَاسْمُهَا هُجَيْمَةُ أَوْ جُهَيْمَةُ، لَا الْكُبْرَى، فَتِلْكَ صَحَابِيَّةٌ وَاسْمُهَا خَيْرَةُ. وَقَدْ صَنَّفَ سَعِيدُ بْنُ أَسَدِ بْنِ مُوسَى وَغَيْرُهُ فِي فَضَائِلِ التَّابِعِينَ. وَكِتَابُ سَعِيدٍ فِي مُجَلَّدَيْنِ. وَلَمْ يَتَعَرَّضِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَأَتْبَاعُهُ لِحُكْمِهِمْ فِي الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْقَوْلِ بِهَا فِي جَمِيعِهِمْ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ مَرَاتِبُهُمْ فِي الْفَضِيلَةِ، مُتَمَسِّكًا بِحَدِيثِ:( «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ) . وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ فِيمَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُرْسَلِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّنْصِيصِ عَلَى عَدَالَتِهِمْ كَغَيْرِهِمْ. قَالُوا: وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ فِي الْقَرْنَيْنِ بَعْدَ الْأَوَّلِ عَلَى الْغَالِبِ وَالْأَكْثَرِيَّةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِيهِمَا مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْمَذْمُومَةُ، لَكِنْ بِقِلَّةٍ فِي أَوَّلِهِمَا،