الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(475) باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة
4003 -
عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن ولا آخر قد بنى بنيانا ولما يرفع سقفها ولا آخر قد اشترى غنما أو خلفات وهو منتظر ولادها. قال: فغزا فأدنى للقرية حين صلاة العصر أو قريبا من ذلك فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علي شيئا فحبست عليه حتى فتح الله عليه. قال: فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار لتأكله فأبت أن تطعمه فقال فيكم غلول فليبايعني من كل قبيلة رجل فبايعوه فلصقت يد رجل بيده فقال فيكم الغلول فلتبايعني قبيلتك فبايعته. قال: فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة فقال فيكم الغلول. أنتم غللتم. قال: فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب. قال: فوضعوه في المال وهو بالصعيد فأقبلت النار فأكلته. فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا".
-[المعنى العام]-
كان من تقدم على الإسلام على ضربين منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم مغانم ومنهم من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا شيئا لم يحل لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته فمن مضى قبلنا من الأمم لم تحل لهم الغنائم أصلا.
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة".
فحل الغنائم لهذه الأمة ثابت ولها خاصة فلم تحل الغنائم لأحد ممن كان قبلنا ذلك لأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا وحاجتنا إلى هذه الغنائم فأحلها لنا وجعلها لنا حلالا طيبا.
يؤكد هذا المعنى نبينا صلى الله عليه وسلم إذ يحكي لنا قصة نبي من الأنبياء عزم على غزو قرية من القرى
فخطب في قومه يجهزهم للحرب ويطلب منهم أن لا يخرج معه من هو مشغول بأمور دنياه ولا يخرج معه للغزو إلا من كان قوي العزيمة حازم الرأي فلا يخرج معه من هو مرتبط بالنساء أو بالبناء أو بالمواشي فغزا ووصل إلى الأعداء قبيل غروب الشمس ولم يكن صلى العصر. كيف يقاتل؟ وكيف يصلي العصر؟ إن الوقت لا يسمح بالأمرين فسأل الله تعالى أن يحبس الشمس عن المغيب حتى يقاتل ثم يصلي العصر فحبس الله الشمس وانتصر النبي وصلى العصر وجمع الغنائم وانتظر النار تأتي لتأكل الغنيمة علامة على قبول الغزو وجزاء الغزاة فجاءت النار فلم تأكل الغنيمة فدل على أن القربان غير مقبول لارتكاب معصية كبيرة وكان معلوما لهم أن من أكبر الكبائر السرقة من الغنائم وكانت علامة الغال أن تلتصق يده بيد النبي صلى الله عليه وسلم إذا وضع يده في يده وبهذا استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يحدد الغالين وأن يعترفوا وأن يعيدوا إلى المغانم ما سرقوه فلما وضعوه مع بقية الغنيمة جاءت النار فأكلتها.
-[المباحث العربية]-
(غزا نبي من الأنبياء) فيه مجاز المشارفة أي أشرف على الغزو وأراد الغزو وهذا النبي هو يوشع بن نون كما رواه الحاكم وأخرجه أحمد من طريق صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس" وروي أن الشمس أخر طلوعها في الفجر لموسى عليه السلام ولا تعارض بين الحديثين فتأخير طلوع الشمس غير تأخير غروبها ويوشع حبس له غروبها وموسى حبس له طلوعها الأمر كذلك بالنسبة لما روي من أن محمدا صلى الله عليه وسلم حبس له شروق الشمس أيضا لما أخبر قريشا صبيحة الإسراء والمعراج أنه رأى العير التي لهم وأنها تقدم مع شروق الشمس فدعا الله فحبست الشمس حتى دخلت العير.
أما ما رواه الطبراني في الأوسط من حديث جابر من أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت ساعة من النهار فيجمع بينه وبين حديث أحمد بأن الحصر في حديث أحمد محمول على ما مضى للأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فلم تحبس الشمس إلا ليوشع وليس فيه نفي أنها تحبس بعد ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم فقد روى الطحاوي والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي في الدلائل عن أسماء بنت عميس أنه صلى الله عليه وسلم دعا لما نام على ركبة علي رضي الله عنه ففاتته صلاة العصر فردت الشمس حتى صلى علي رضي الله عنه ثم غربت قال الحافظ ابن حجر: وقد أخطأ ابن الجوزي بإيراده هذا الحديث في الموضوعات وكذا ابن تيمية في كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه.
أما ما حكى القاضي عياض: من أن الشمس ردت للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق لما شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس فردها الله عليه حتى صلى العصر فإن ثبت ما قال القاضي فهذه قصة أخرى وجاء أيضا أنها حبست لسليمان بن داود عليهما السلام ذكره الثعلبي ثم البغوي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى {ردوها علي} [ص: 33] وأنه عليه السلام تشاغل بالخيل حتى غابت الشمس فقال للملائكة الموكلين بالشمس بإذن الله لهم: ردوها علي فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها.
(لا يتبعني رجل) أي لا يخرج معي في جندي رجل صفته كذا وكذا.
(قد ملك بضع امرأة) بضم الباء وسكون الضاد أي فرج امرأة أي عقد عليها بالزواج.
(وهو يريد أن يبني بها ولما يبن) أي وهو يريد أن يدخل بها ولما يدخل بها والتعبير بلما يشعر بتوقع ذلك وفي التقييد بعدم الدخول يفيد أن الأمر بعد الدخول بخلاف ذلك فهناك فرق بين الأمرين وإن كان بعد الدخول ربما استمر تعلق القلب بها لكن ليس هو كما قبل الدخول غالبا.
(ولا آخر قد بنى بنيانا ولما يرفع سقفها)"سقفها" بضم السين والقاف جمع سقف وفي رواية البخاري "سقوفها" يقال: سقف وجمعه سقوف وأسقف وسقف.
(ولا آخر قد اشترى غنما أو خلفات وهو منتظر ولادها) الخلفات بفتح الخاء وكسر اللام جمع خلفة وهي الحامل من النوق وقد يطلق على غير النوق و"أو" هنا للتنويع ويحتمل أن تكون للشك والمعتمد أنها للتنويع ففي رواية أبي يعلى "ولا رجل له غنم أو بقر أو خلفات" و"ولادها" بكسر الواو مصدر ولد ولادا وولادة.
(قال: فغزا) معطوف على محذوف أي فتبعه وخرج معه من هم على غير هذه الصفة فغزا بهم.
(فأدنى للقرية حين صلاة العصر أو قريبا من ذلك) في رواية البخاري "فدنا من القرية" أي التي يقصدها بالغزو وهي أريحا قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ "فأدنى" بهمزة قطع رباعي (متعد ومفعوله محذوف أي أدنى جيشه للقرية) أي قرب جموعه للقرية حين صلاة العصر اهـ. وفي الكلام مضاف محذوف أي حين انتهاء وقت صلاة العصر ففي رواية سعيد بن المسيب "فلقي العدو عند غيبوبة الشمس" وعند الحاكم "أنه وصل إلى القرية وقت عصر يوم الجمعة فكادت الشمس أن تغرب ويدخل الليل".
(فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور) الشمس مأمورة أمر تسخير وهكذا أمر الجمادات وهو مأمور أمر تكليف وهكذا أمر العقلاء وخطابه للشمس يحتمل أن يكون على حقيقته وأنه تلفظ بالكلام فعلا يخاطبها على احتمال أن الله تعالى يخلق فيها تمييزا وإدراكا أو على استحضار وضعها وأنه لا يمكن تحولها عن عادتها إلا بخرق عادتها ويحتمل أنه لم يتلفظ بالخطاب وإنما قال ذلك واستحضره في نفسه وهذا الثاني أولى ففي رواية سعيد بن المسيب "اللهم إنها مأمورة وإني مأمور فاحبسها علي حتى تقضي بيني وبينهم فحبسها الله عليه".
(اللهم احبسها علي شيئا) من الزمن أي وقتا يسمح لي بالقتال والصلاة فشيئا منصوب نصب المصدر أي قدر ما تنقضي حاجتنا.
قال القاضي عياض: اختلف في حبس الشمس هنا فقيل: ردت على أدراجها وقيل: وقفت وقيل: بطئت حركتها وكل ذلك محتمل والثالث أرجح.
(فحبست عليه حتى فتح الله عليه) في رواية أبي يعلى "فواقع القوم فظفر".
(فجمعوا ما غنموا) في رواية البخاري "فجمع الغنائم".
(فأقبلت النار لتأكله) في رواية البخاري "فجاءت -يعني النار- لتأكلها" زاد في رواية سعيد بن المسيب "وكانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله عليها النار فتأكلها" وكانت هذه عادة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في الغنائم أن يجمعوها فتجيء نار من السماء فتأكلها فيكون ذلك علامة لقبولها وعدم الغلول فلما جاءت في هذه المرة فأبت أن تأكلها علم أن فيهم غلولا.
(فأبت أن تطعمه) في رواية البخاري "فلم تطعمها" أي لم تذق لها طعما مبالغة في عدم أكلها.
(فيكم غلول) في رواية البخاري "إن فيكم غلولا" والغلول بضم الغين السرقة من الغنيمة أو الخيانة في المغنم قال ابن قتيبة: سمي بذلك لأن آخذه يغله في متاعه أي يخفيه فيه والخطاب في "فيكم" للجيش.
(فلصقت يد رجل بيده) أي لصقت يد مندوب قبيلة بيده.
(فقال: فيكم الغلول) الخطاب للقبيلة التي لصقت يد مندوبها بيده أي في قبيلتك غلول.
(فلتبايعني قبيلتك) أي ليبايعني أفراد القبيلة رجلا رجلا أو رجلين رجلين.
(فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة) فاعل "لصقت" ضمير يعود على يد النبي عليه السلام.
وفي رواية البخاري "فلزقت يد رجلين أو ثلاثة" أي بيد النبي عليه السلام قال ابن المنير: جعل الله علامة الغلول إلزاق يد الغال وفيه تنبيه على أنها يد عليها حق يطلب أن يتخلص منه أو أنها يد ينبغي أن يضرب عليها ويحبس صاحبها حتى يؤدي الحق إلى الإمام وهو من جنس شهادة اليد على صاحبها يوم القيامة.
(فقال: فيكم الغلول) في رواية سعيد بن المسيب "فقالا: أجل غللنا".
(فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب) في رواية البخاري "فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب".
(فوضعوه في المال) أي فوضعوا مثل رأس البقرة في مال الغنيمة.
(وهو بالصعيد) الصعيد وجه الأرض والموضع الواسع والمعنى ومال الغنيمة بموضع واسع من الأرض.
(فطيبها لنا) أي فأحل الغنمية لنا قال تعالى {فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا} [الأنفال: 69].
-[فقه الحديث]-
-[ويؤخذ من هذا الحديث]-
1 -
فيه أن الأمور المهمة ينبغي ألا تفوض إلا إلى أولى الحزم وفراغ البال لها ولا تفوض إلى متعلق القلب بغيرها لأن ذلك يضعف عزمه ويفوت كمال بذل وسعه فيه.
2 -
أن فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع ومحبة البقاء لأن من ملك بضع امرأة ولم يدخل بها أو دخل بها وكان على قرب من ذلك فإن قلبه متعلق بالرجوع إليها ويجد الشيطان السبيل إلى شغل قلبه عما هو عليه من الطاعة وكذلك غير المرأة من أحوال الدنيا.
3 -
وفيه أن من مضى كانوا يغزون ويأخذون أموال أعدائهم وأسلابهم لكن لا يتصرفون فيها بل يجمعونها وعلامة قبول غزوهم ذلك أن تنزل النار من السماء فتأكلها وعلامة عدم قبوله أن لا تنزل ومن أسباب عدم القبول أن يقع فيهم الغلول وقد من الله على هذه الأمة ورحمها لشرف نبيها عنده فأحل لهم الغنيمة وستر عليهم الغلول فطوى عنهم فضيحة أمر عدم القبول.
قال بعضهم: ودخل في عموم أكل النار الغنيمة السبي قال الحافظ ابن حجر: وفيه بعد لأن مقتضاه إهلاك الذرية ومن لم يقاتل من النساء ويمكن أن يستثنوا من ذلك ويلزم استثناؤهم من تحريم الغنائم عليهم.
4 -
وفيه معاقبة الجماعة بفعل سفهائها.
5 -
وأن أحكام الأنبياء قد تكون بحسب الأمر الباطن كما في هذه القصة وقد تكون بحسب الأمر الظاهر كما في حديث "إنكم تختصمون إلي"
6 -
استدل به ابن بطال على جواز إحراق أموال المشركين وتعقب بأن ذلك كان في تلك الشريعة وقد نسخ بحل الغنائم لهذه الأمة.
والله أعلم.